الحلقة 6
الشيخ رائد صلاح
الدكتور رأفت المصري
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): سلامٌ من الله عليكم مشاهدينا مجاهدينا في فلسطين وفي كل مكان، مشاهدينا في الوقت الذي فكر فيه صلاح الدين بتحرير القدس اُعتبر ذلك ضرباً من الخيال، فحررتْ ونحن كذلك نرى موكب التحرير يتقدمه علماء قادة، وقادة علماء، مشاهدينا نور الدين زنكي وضع العلماء الربانيين على رأس القيادة الربانية، وثمة فرق كبير بين سلطان العلماء الذي حرر الأقصى، وعلماء السلطان الذين يعطلون تربية جيل الأقصى، مشاهدينا ما خطورة غياب دور العلماء الآن عن تربية وإعداد الجيل خصوصاً في ظل وجود الاحتلال الصهيوني للأقصى، كما كان أيضاً محتلاً من قبل الصليبيين في زمن عماد الدين زنكي وولده نور الدين الدين زنكي، في زماننا يشرد العلماء الذين يعملون على تربية الجيل، ويُحتجزون للتحقيق أو يختطفون.
أعزاءنا قيمتان غيرتا وجه التاريخ الإسلامي هما العلم والجهاد، لكن لو تقدم الجهاد وغاب العلم فما هو مستقبل الجماعات الإسلامية التي تقدم الجهاد على العلم الديني والدنيوي.
مشاهدينا حلقة اليوم بعنوان علماء التربية والتحرير، ونرحب باسمكم جميعاً بضيفي في هذه الحلقة، الشيخ رائد صلاح شيخ الأقصى ورئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، وبالدكتور رأفت المصري عضو هيئة علماء فلسطين في الخارج.
أهلاً ومرحباً بكم ضيفي الكريمين في هذه الحلقة، شيخ رائد صلاح لو بدأنا معك يعني، هل لكم في البداية قبل أن نبدأ هذه الحلقة وندخل في حوارنا ورسائلنا من العلماء وللعلماء، من كلمة نبدأ معك يعني للأهل في فلسطين، لأمتنا في أحوالها هذه، لبرنامج على خطى صلاح الدين.
الشيخ رائد صلاح (الضيف): بسم الله الرحمن الرحيم، ما أرى من المناسب أن أؤكده أن صلاح الدين لم ينزل علينا من القمر، بل هو مولود في أسرة مسلمة كأي أسرة مسلمة في هذه الأيام، فإذا نجحت أسرة مسلمة في الماضي أن تنجب صلاح الدين، فكثير من الأسر المسلمة في هذه الأيام من الممكن أن تنجب عشرات صلاح الدين، من الممكن أن ننجب مرة ثانية حطين أخرى، ونؤكد انتصارنا للقدس والمسجد الأقصى المبارك، ونفرح بزوال الاحتلال الإسرائيلي تماماً كما صنع ذلك صلاح الدين الأيوبي الأول.
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): إذاً هذي الرسالة بشكل عام وللبرنامج بشكل خاص، برنامج على خطى صلاح الدين.
الشيخ رائد صلاح (الضيف): أقول للبرنامج أنه أحسن اختيار هذا البعد في مسيرة القدس والمسجد الأقصى المبارك، لأنهما بدأا يستغيثان تماماً كصرخة استغاثتهما يوم أن عانى المسجد الأقصى من شرور الاحتلال الصليبي، الآن يعاني المسجد الأقصى من شرور الاحتلال الإسرائيلي، هو يستغيث الآن، القدس تستغيث الآن، الأمة تتساءل كيف نستجيب لصرخة استغاثتهما، الجواب يمكن أن نجده إذا ما درسنا خطى صلاح الدين الأيوبي واقتفينا أثرها، في نهاية الأمر هو وصل إلى القدس والمسجد الأقصى المبارك، نحن بإذن الله إن فهمنا هذه الخطوات جيداً، وأخلصنا بتتبعها جيداً أيضاً سنصل إلى القدس والمسجد الأقصى المبارك منتصرين بإذن الله تعالى.
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): على كل دكتور رأفت المصري أيضاً يعني نبدأ بموضوع الحلقة، وهناك نص في إحياء علوم الدين لو توضحه لنا بصفتك متخصص الشريعة، النص يقول في هذا الأثر (ليودنّ رجالٌ يموتون شهداء يبعثون يوم القيامة أن يبعثهم الله عز وجل علماء) بشكل عام توضيح هذا توثيقه، لكن في نفس الوقت يجب أن نذكر السادة المشاهدين وعلماءنا الأفاضل بدورهم مما ورد في القرآن والسنة، بفضلهم وليس بدورهم، ننتقل للدور فيما بعد لكن الآن بفضلهم مقارنة بالشهداء على الأقل يعني.
الدكتور رأفت المصري (الضيف): نعم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، الحقيقة أنّ النصوص التي وردت في فضل العلماء والعلم والحث عليه يدرك معه كل ناظر أنّ طلب العلم من أجلّ القربات التي يتقرب بها إلى الله عز وجل، والناظر في العلاقة بين العلم والشهادة، أوبين العلماء والشهداء يعلم قطعاً أنّ مدرسة العلماء هي المدرسة التي يتخرج منها الشهداء، هؤلاء الذين يقومون بهذه الوظيفة الرسالية هم في مقام ومكان الرفعة عند الله عز وجل، أرأيت إلى قول الله سبحانه وتعالى (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) فهؤلاء الذين أوتوا العلم مرفوعون برفعتين، رفعة بالإيمان، ورفعة بالعلم (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) فالعلماء لهم رفعتان حقاً، و (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) لكن الحقيقة أحب أن أتكلم في حيثية فقهية سريعاً جداً، وهي أن كثيراً من العلماء وهو المعتمد عند الشافعية أن طلب العلم هو خير النوافل التي يتقرب بها إلى الله عز وجل، وقد فضلوه على صلاة النافلة، وقد صححوا حديثاً إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فيه (طلب العلم ساعة من ليلة خير من قيامها) عند النظر في مجمل هذه النصوص …
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): وينطبق عليه البرامج التي تتحدث العلماء والوحدة الإعلامية أيضاً؟
الدكتور رأفت المصري (الضيف): لاشك في، لا شك في ذلك، هذه طاعة عظيمة والتنبيه إلى القيام بهذه الطاعة لعلها طاعة عظيمة كذلك، مثل هذا البرنامج أحسب أنه سيؤدي إن شاء الله تعالى نتائج عملية وأطالب يعني في مطلعه بمثل هذه النتائج التي تترجم إلى خطوات عملية،.هذا الأثر الذي تفضلتم بذكره يعني قرأته عند الغزالي في إحياء علوم الدين ولم أجده عند غيره، لكنه إن صح حقيقة فمعناه حقيق للقبول، يعني إذا التفتنا حقاً إلى العلاقة بين العلماء والشهداء سندرك أنّ هؤلاء العلماء هم مَن يصنعون هذا الجيل الذي يبتغي الشهادة، وكثير من العلماء بالمناسبة كانوا شهداء ومجاهدين، فالفضيلتان إذا اقترنتا ….
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): طيب من أجل الوقت يعني، هو الأثر يتساهل به، يعني الأثر الذي ورد عن الصحابة يتساهل به يعني نص جميل هذا ومؤثر، لكن ماذا لو كان هذا العالم شهيد، والشهيد عالم يعني، طيب العلماء فقط سؤال صغير على الهامش وإن كان مهماً يعني، العلماء المقصودون في الأحاديث والآيات هل هم علماء العلم الشرعي أم عالم الفيزياء، وعالم الإعلام، وعالم الفضاء، وعالم ….
الدكتور رأفت المصري (الضيف): الحقيقة أن العلم أي علم في الشريعة له حكم، وهذه العلوم إما أن تكون على سبيل فرض العين، أو أن تكون على سبيل الكفاية، وهذه من الفروض الكفايات، إذاً تغطيتها علم مطالبة به الأمة، فإذا كان الأمر كذلك فهؤلاء علماء معتبرون، فالأمة مطالبة شرعاً على طريقة فرض الكفاية بأن توفر من أبنائها من يقومون بهذه العلوم وهم مأجورون أجر العلماء، لكن لا شك أن العلم الشرعي له خصوصية ما، وقد قيل شرف العلم بشرف المعلوم، فالعلم الشرعي لا شك أنه هو الذي يؤهل العلماء وهو الذي يحثهم على سلوك هذه الطريق.
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): شيخنا الشيخ رائد صلاح يعني هذه المنزلة يترتب عليها مسؤوليات بالطبع، ما الذي نحمّله للعلماء من مسؤولية طالما التكريم بهذا الحجم؟
الشيخ رائد صلاح (الضيف): الحقيقة أنا أعجبتني جملة أود أن أبدأ بها جوابي، ولكن سلفاً أقول سأبدأ بها مع نظرة متفائلة إلى دور العلماء في هذه الأيام، الجملة تقول كالتالي: (فساد الرعايا بفساد الملوك، وفساد الملوك بفساد العلماء، وفساد العلماء باستيلاء حب المال والجاه) هذا في المنظار السلبي ولكن أنا كما قلت نظرتي متفائلة، بمعنى أنني أؤكد أن هناك علماء في هذه المرحلة التي نعيشها يمكن أن نعتبرهم من العلماء الربانيين الذين لم يخضعوا لسلطة المال، ولا لسلطة الجاه، معنى ذلك أن هؤلاء العلماء هم أحياء بأجسادهم وأحياء بعلمهم، معنى ذلك أنهم يمكن أن يؤدوا دور إحياء بور الشعوب وهذا هو المطلوب في هذه الأيام، وبإذن الله رب العالمين يمكن أن يؤدوا دور إيجاد وحدة حال بين إرادة العلماء، مع إرادة الشعوب ، مع إرادة الحكام، إذا توفرت هذه المعادلة في تصوري سيكون الحسم لا شك لصالح القدس والمسجد الأقصى بإذن الله تعالى.
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): يعني دائماً بطبعك التفاؤل، ودائماً جملك تطمينية في نهايتها وأنت واثق رغم المضايقات التي تحدث لك شخصياً ولأهل القدس عموماً لأنه دائماً تنظر بنور التفاؤل هذا يعني.
الشيخ رائد صلاح (الضيف): لا شك، أنا أرى أن قضيتنا منتصرة، إن لم تنتصر بشخص ما ستنتصر بغيره، إن لم تنصر بجيل ستنتصر بجيل قادم، قضيتنا أصلها الانتصار لأنها قضية حق، الاحتلال الإسرائيلي يقوم على باطل، فأصله الهزيمة، الآن متى يتحقق ذلك بإذن الله رب العالمين؟ ذلك يحتاج دور ملموس من العلماء يجدد دور العلماء الذي كان هو عبارة عن روح مسيرة كل من عملوا لأجل القدس والمسجد الأقصى المبارك، بداية من عماد الدين زنكي مروراً بنور الدين زنكي، وصولاً إلى صلاح الدين الأيوبي والفتح الصلاحي الذي مازلنا نتحدث عنه وكأنه حدث قبل سنوات وليس قبل مئات السنوات.
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): جميل، لو استعرضنا تاريخنا كله نجد أنّ مجتمع التحرير دائماً يتقدمه القادة والعلماء، القادة الربانيون والعلماء الربانيون، من المنظور الشرعي دكتور رأفت المصري كيف رسمت الشريعة العلاقة بين العالم والحاكم؟ بعد قليل سنتناولها في موضوع الواقع الي نعيشه الأليم طبعاً، لكن الشريعة نصياً يعني كيف رسمت العلاقة بين هؤلاء الحكام والعلماء؟
الدكتور رأفت المصري (الضيف): في حقيقة الأمر يعني الله عز وجل لما خلق الخلق أحاجهم إلى قادة، يعني على حد قول القائل:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم، ولا سراةَ إذا جُهّالهم سادوا
لا بد أن يكون الذي يسوس الناس عالماً فإن لم يكون عالماً فعلى الأقل لا بد أن يستطيع استشارة العلماء، والائتمار بأمرهم، والاسترشاد بإرشادهم، الحقيقة مادام كنا نتكلم عن التجربة على خطى صلاح الدين فحقيق أن يقال أنّ نور الدين زنكي كان وقّافاً عند أمر العلماء، على أنّ نوراً رحمه الله تعالى ورضي عنه كان عالماً، لكنه ما كان يقضي شيئاً إلا بمشورة العلماء، وإذا نظرنا إلى صلاح الدين كذلك رحمه الله ورضي عنه وأجزل مثوبته، وأولده في أمتنا من جديد سنجد أنّ صلاحاً كذلك رحمه الله كثير الاعتماد على العلماء وتقريبهم، حقيقة العلاقة علاقة تحالفية لكنّ الرأس فيها هو العلماء، إذا أردنا أن نكون منصفين ومبشرين، وبلا يعني أي مواربات…
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): لكن يعني لو رأينا هذه المعادلة عالم رباني وقائد رباني، نور الدين زنكي مثل ما ذكر الدكتور رأفت أنه كان عالماً بالمذهب الحنفي طبعاً، وكان محدّثاً ويروي الأحاديث، وكان له مصف بالحديث وفي الجهاد تحديداً ربما، ومارس هذه المهنة مهنة التحديث، يعني كل هذه المواصفات عندما تكون شيخ رائد صلاح في قائد رباني، كيف ترى الجيل من بعده؟
الشيخ رائد صلاح (الضيف): لا شك إذا توفر القائد الرباني، وإذا توفر إلى جانبه العالِم الرباني ستتوفر الإرادة في مسيرة الأمة الربانية للانتصار لقضاياها إحقاق حقها وإزهاق الباطل، ولذلك نور الدين زنكي رحمة الله عليه، عندما عاش مسيرته وضع لها بوصلة واضحة، البوصلة نحو القدس والمسجد الأقصى المبارك، ولما أرد أن يجسد هذه البوصلة بشيء ملموس حتى يبقى مشاهد للأمة بدون استثناء قام بعمل لطيف جداً وهو صناعة منظر قال لكل المسلمين في تلك الأيام هذا المنظر أنا صنعته وحددت له مكاناً سأضعه فيه…
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): تفاؤل يعني.
الشيخ رائد صلاح (الضيف): تفاؤل بالضبط، سأضع في المسجد الأقصى المبارك…
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): لكن شيخنا تفاؤل يعني مبني على أسس؟
الشيخ رائد صلاح (الضيف): تفاؤل مبني على التحقق بسنن الله تعالى، وليس تفاؤلاً مبنياً على شعارات فقط شعارات.
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): وعمل لهذا.
الشيخ رائد صلاح (الضيف): وعمل لذلك، الآن مَن الذي ناصر نور الدين حتى يتحقق بسنن الله سبحانه وتعالى العلماء، ولذلك نور الدين زنكي قبل أن يهتم بأي مقوم من مقومات فنون القتال أو الخطاب السياسي أو معرفة واقع الأعداء الآخرين، قبل أن يهتم بهذه الأمور أو بالأحرى إلى جانبها اهتم بعملية حشد جيش من العلماء من حوله، وأصبح الواقع الذي يعيشه نور الدين الزنكي في تلك الأيام كان هناك محط للعلماء، كل العلماء أصبحت تهاجر إلى المكان الذي كان يعيش فيه نور الدين، طبعاً هو كان في الشام تحديداً في حلب وفي دمشق كانت المركز، وبادر إلى توجيه العلماء، يعني على سبيل المثال بعض ما أنا قرأته طبعاً نور الدين زنكي على سبيل المثال أنه طلب من ابن عساكر بشكل خاص أن يعد له مذكرة تحمل الأحاديث النبوية الشريفة التي تتحدث عن الجهاد، هو أراد أن يحيي الجهاد في نفوس الأمة، في سلوك الأمة، حتى تدرك إدراك يقيني أن إرادتها أقوى من ظلم الصليبيين، وبذلك تنتصر في داخلها حتى تنتصر على الصليبيين، تمام.
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): جميل، نعم سنتابع يعني هي لمسة وفاء أيضاً من صلاح الدين أنه استخدم هذا المنبر وطلبه، طيب على كل حال سنتابع الحديث معكم المتخصص وشيق وجميل يعدينا إلى تفاؤل التحرير، على كل مشاهدينا الأعزاء نلتقي بعد فاصل قصير مع ضيفينا.
من جديد نرحب بكم مشاهدينا على خطى صلاح الدين، دكتور رأفت يعني شيخنا شيخ الأقصى الشيخ رائد صلاح يعني موجة من التفاؤل والإيمان بالسنن الكونية المبنية أيضاً على الأسباب والمسببات في ما طلب ربنا عز وجل، نور الدين زنكي كان يستحضر هذه النفسية ويستحضر السنن الكونية، ولكنه أيضاً _طالما نتحدث عن العلماء_ قدم العلماء الربانيين على القادة الربانيين كما تذكر بعض المراجع، صلاح الدين الأيوبي نفس الشيء، قال يوماً لم أفتح البلاد بسيفي إنما برئي القاضي الفاضل، جملة يا لها من جملة صراحة، كان القاضي الفاضل أيضاً ليس عالماً فقط، كان يجمع الحنكة السياسية والفقه والورع، الفقه والورع والحنكة السياسية، نريد أن نعرف كيف تحلق أو يحلق جيل النصر بقائد رباني وعالم رباني يعني، ما دوره في النهوض يعني عندما يتوفر هذان العملاقان يعني؟
الدكتور رأفت المصري (الضيف): والله يا دكتور عمر شيخنا وشيخنا حفظكم الله يعني كنتم قد قدمتم قبل قليل إذا اجتمعت الصفتان البارزتان الكبيرتان في شخص واحد كان هو الغاية، الحقيقة أنّ نور الدين وصلاح الدين كانا في كثير من الأحيان يستعملان العلماء في القيادة، في كثير من الأحيان هجرة العلماء إلى خارج أرضهم المحتلة لسبب من الأسباب قد ينسيهم يعني في تفاصيل الحياة، تفاصيل العلم كذلك في بعض الأحيان قضيتهم الأساسية، لكن القاضي الفاضل لم ينسَ، فكان قاضياً فاضلاً عالماً أديباً كاتباً، وفي الوقت ذاته كان سياسيا محنكاً كما تفضلتم، وليس هو بالمناسبة الشخص الوحيد، يعني هناك عدة أشخاص قاموا بمهمة القائد العالم، منهم كمال الدين الشهرزوري، والعمادي الأصفهاني، وكل هؤلاء كانوا هم علماء، تخرجوا من المدارس الشرعية …
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): وآل الشهرزوري هم الذين ثبتوا والده عماد الدين زنكي في الحكم في الموصل.
الدكتور رأفت المصري (الضيف): نعم وهذا يدل على مكانة معينة كان يتضلع بها العلماء، ويقومون بها إيجابية من عند أنفسهم، الحقيقة ليس عندنا فقط، الذين أو الذي حرك الحملات الصليبية بعنوان القدس راهب من الرُهبان، أوربان الثاني الذي كان يطوف المدن والقرى، ويخطب باسم القدس، محرضاً الناس على ضرورة تحرير القدس من هذه الأمة التي وصفها بين قوسين بالنجسة وهو الأحق بهذا، هو الحقيق بهذا، لكننا نرى أن هؤلاء الرهبان هم الذين يحركون الشعوب، العلماء هم الذين يحركون الشعوب، هذه …
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): استخدم الخدعة أيضاً بأنه جاء بصورة المسيح لا يبول عليها مسلم وإلخ، يعني كان يستخدم أشياء كثيرة …
الدكتور رأفت المصري (الضيف): فانظر إلى دور التحريض، يعني علماؤنا من دورهم التحريض بالمناسبة وإن كان هذا تهمة لعلها تواجه، لكنّ هذا الأمر وجِّه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال له ربه: (وحرّض المؤمنين)، فالتحريض والإثارة والاستجاشة والتجييش هي وظيفة من أوائل وظائف العلماء تجاه الشعوب.
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): طيب كمقابل كل ذلك يحصل أحياناً في واقعنا الذي نعيش هذا ما فعله الرائعون العظماء الثلاثة عماد الدين، نور الدين صلاح الدين، لكن في واقعنا يحصل العكس للأسف تماماً، شيخنا استبعاد العالم الرباني، بالذات العالم الرباني يُستبعد كونهم طبعاً يدركون خطره، ونتكلم الآن عن أثر ذلك على الأمة، يعني تكلمنا عن أثر ذلك على الأمة فيما لو كان العالم الرباني يتقدم القيادة الربانية، لكن في حالة استبعاد العلماء الربانيين شيخ صلاح؟
الشيخ رائد صلاح (الضيف): في حالة استبعاد العلماء الربانيين الأمة تضيع، تضيع هويتها، تضيع ذاتها، وتضيع إرادتها، وتضيع بوصلتها، وأنا أعطي مثالاً على ذلك، هي قضية القدس والمسجد الأقصى الآن أحد معوقات الانتصار لهذه القضية هي أنها أصبحت مجهولة عند كثير من أبناء الأمة المسلمة، لدرجة أنك بدأت أسئلة مؤلمة جداً أن تصدر عن مسلم، يعني أن أسمع على سبيل المثال مسلماً يقول لي لماذا يجب أن ننتصر للقدس والأقصى وهي قضية أصبحت مربوطة مع الصليبيين، فهذا السؤال سؤال يدفع الإنسان إلى الشعور بالكآبة من داخله، ولكن نعود ونقول لماذا…
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): يعني تقصد شينا هل أسدل الستار على القضية الفلسطينية؟
الشيخ رائد صلاح (الضيف): حاشى لله أن يسدل، ولكن تغييب دور العلماء المطلوب جعل هناك معوقات مطلوب أن نتجاوزها حتى ننتصر لقضية القدس والمسجد الأقصى …
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): وهذا حاصل في فلسطين تغييب للعلماء؟
الشيخ رائد صلاح (الضيف): التغييب للعلماء هو ظاهرة عامة للأسف في مسيرة كل الأمة المسلمة، لو كان هناك الإرادة المطلوبة من العلماء ونفس العلماء كما هو ضروري لمسيرتنا قائمة الآن، لأصبح شعور عند كل مسلم في العالم أن قضية القدس والمسجد الأقصى هي قضيته، هي جزء من ذاته، وجزء من هويته، وهي بوصلته، ويجب أن يبذل لها الغالي والرخيص ويجب ألا ينام حتى ينتصر لقضية القدس والمسجد الأقصى.
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): الصراحة معك الآن ما مستوى أمة يحكمها أجهل من فيها؟ ما مستقبلها؟
الدكتور رأفت المصري (الضيف): يعني سبحان الله العظيم، طبيعة القائد السائس الذي يرسم خط الأمة ينعكس على حياتها، ينعكس على مصيرها، وينعكس على رتبة العلماء فيها، في حقيقة الأمر ما حكم عالم أمةً إلا وتقدم العلم فيها حتى لو كان يخالف رأيه بالمناسبة، يعني نحن نتكلم الآن مثلاً عن العلم، ولعل العلم الشرعي يكون أوائل العلوم التي تُقصد بكلامنا هذا، لكن في حقيقة الأمر لو جاء عالمٌ ولو لم يكن إسلامي المنهج، ولو لم يكن إسلامياً سيحث العلماء، لا يعني يطمس نور العلم إلا جاهل، والجهل إذا ساد يعني فعُد من عيوب هذه الأمة وضياعها كما تفضل شيخنا حفظه الله وحفظكم، يعني ما ستراه وستجده في واقع الأمة من انحلال العقدي من انحلال الأخلاق، من انحلال القضية والتفاهات التي تشغل كثيراً من الناس عن قضيتهم الأساسية التي ينبغي أن يعيشوه.
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): طيب شيخنا الشيخ رائد أيضاً يعني نريد منكم رسالة في واقعنا الفلسطيني وواقعنا العربي والإسلامي حتى، قليلون من الزعماء ومن القادة الميدانيين يهتم بالعلم أو حتى يحمل شهادة علمية أو له رتبة علمية، ما هي رسالة الشيخ رائد صلاح شيخ الأقصى إلى قادة الأمة عبر شاشة القدس؟
الشيخ رائد صلاح (الضيف): قادة الأمة لا يمكن أن يجدوا لهم المكانة المطلوبة في مسيرة أشخاصهم وفي مسيرة شعوبهم إلا بالعلماء، وأنا أعطي مثالاً لن أتوسع فيه ولكن بشكل سريع، مرة من المرات كان واقع الأمة تعيساً جداً، مهزومة في داخلها لدرجة أن المسلم كان يلقى أخاه ويقول له إذا سمعتَ أنّ التتار قد هُزموا فلا تصدق، ولكن هذه الأمة التي كانت في هذه الهزيمة النفسية بعد سنوات نهضت وانتصرت على التتار، إذا ما الذي تغير؟ نفس الأمة بأسمائها وأشخاصها ظلت فيه هو، ما الذي تغير؟ تغير شيء في داخلها، من الذي غيره؟ الذي غيره دور العلماء، خطاب العلماء غير واقع الأمة وبطبيعة الحال أفرز القيادة التي التقت طموحاتها مع صدق العلماء فتم النصر على التتار، أنا أقول لحكامنا في هذه الأيام مهما تجولتم في الأرض لن تجدوا لكم مكاناً إلا في شعوبكم، ولن تجدوا مكاناً في شعوبكم إلا إذا حافظتم على مكانة العلماء، القضية تبدأ من الحفاظ على مكانة العلماء، أنا اسمح لي أن أقول جملة رائعةً جداً التي هي لعماد الدين زنكي، يقول فيها كالتالي عن العلماء، قال: (هؤلاء جند الله وبدعائهم نُنصر على الأعداء) فهذه جملة ليتها تبقى محفوظة في ذاكرة جماهيرنا ولكن بشكل خاص …
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): نقرأها مرة أخرى نقرأها مرة أخرى إذاً.
الشيخ رائد صلاح (الضيف): نعم، هي كالتالي: (هؤلاء جند الله وبدعائهم نُنصر على الأعداء) يا ليتها تبقى محفوظة في ذاكرة الحكام، نحن الآن لو نظرنا إلى الأسباب المادية المجردة في مسيرة حكامنا نجد أن الحكام يتمتعون بوفرة الأرض، بوفرة المال، بوفرة وسائل الإعلام، بوفرة مظاهر البنيان والعمران، ولكن روح الحياة المطلوبة مفقودة، لماذا؟ لماذ؟ لأن دور العلماء مفقود، روح الأمة تأتي من العلماء.
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): طيب نأخذ دوراً غير مفقود للعلماء، يعني نتنقل بين السلبيات والإيجابيات، المبشرات والمعوقات، يعني مثال للدكتور يعني لو يضيء عليه أكثر، ابن عساكر صاحب تاريخ دمشق الكتاب الضخم الموسوعة الضخمة كان له دور في تثقيف وتعبئة مجتمعه، وكان يعني يده بيد نور الدين زنكي ضد الخطر الصليبي، كرّس حياته للتعبئة، وعلماؤنا الآن الحمد لله يعني معظمهم يتقن التعبئة، لكن لا نتقن البرمجة، نريد برمجة مشاريع، بشكل عام ما أثر تحالف القادة السياسيين مع العلماء، أثره بالذات على وحدة الصف، الصف الذي يُعد تحرير أو يعد الجيل للتحرير يعني؟
الدكتور رأفت المصري (الضيف): والله شيخنا يعني إذا أردنا أن ننظر نظرة واقعية، يعني ما الذي ينبغي أن يعلمه العلماء لهذه الشعوب؟ ما الذي ينبغي أن ينبض به قلب العلماء نبضاً يصل به يصلون به إلى قلوب الناس؟ وكيف يشكل هذا النبض وحدةً تتجه بالأمة باتجاه واحد كبير، باتجاه الأقصى والقدس وتحريرهما بإذن الله تعالى؟ الحقيقة العلماء الذي يتوجب عليهم أن يعظّموا الله عز وجل في قلوب الناس، وأن يعلموهم الاستعداد للآخرة، وأن يعلموهم بالمثال العملي كيف تتعلق القلوب بما عند الله عز وجل، كيف يعيش المرء في هذه الدنيا وقلبه معلق بالآخرة، على حد قول الله عز وجل (إنّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار)، كيف يمكن أن يحيا المسلم في هذه الدنيا معلق قلبه في الآخرة، ومعلق نظره بها، حقيقة الأمر هو هذا مربط الخيل، مربط الفرس كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة يشير فيها إلى أن ترْك الجهاد مرتبط ارتباطاً وثيقا بالذلّه، وهذا بدوره مرتبط بحب الدنيا، حب يعني هو حكمة وليس حديثاً بالمناسبة، (رأس الحكمة مخافة الله وحب الدنيا رأس كل خطيئة)، هو قول وقائله حكيم، ما أصيبت الأمة بشييءٍ ولا أصيب كثير من العلماء حتى نكون واقعيين كذلك، كثير ممن ينتسبون إلى العلم أصيبوا بهذه الآفة، التعلق بالدنيا والعمل لها ونسيان الآخرة، والنظر والتعلق بالمناصب والكراسي والوظائف وأشباه ذلك، إنّ الذي يمليه العلم على قلب هذا العالم هو أن يتعلق بما عند الله عز وجل، وأن يقدر الله حق قدره، (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه)، حقيقة هذي مهمة كبيرة أنيطت بالعلماء، فإذا ما وصل العلماء بأمتهم إلى هذا الحد الذي تتعلق به الأمة بما عند الله عز وجل، ابن عساكر كما تفضل شيخنا كان يُدرّس ويُقرئ كتاب الجهاد وأحاديث الجهاد، وصلاح الدين كان إذا أراد أحد العلماء أن يتقرب إليه فتح معه موضوع الجهاد، أو ألّف له في الجهاد انظر إلى همّهم.
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): إذاً هذا هو سلطان العلماء، سنتكلم عن علماء السلطان أيضاً مع شيخنا رائد صلاح، ودكتورنا الدكتور رأفت المصري، ولكن حان وقت الفاصل، مشاهدينا إذا نتابع معكم بعد فاصل قصير إن شاء الله.
إذاً من جديد نرحب بكم مشاهدينا على خطى صلاح الدين، يصحبنا في هذه الحلقة رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني الشيخ رائد صلاح، ومعنا أيضاً الدكتور رأفت المصري عضو هيئة علماء فلسطين في الخارج، شيخنا كنا نتحدث عن سلطان العلماء ونريد أن نلقي الضوء برسالة منك إلى علماء السلطان الذين يعيشون بيننا الآن حتى في زمن صلاح الدين ونور الدين هناك كان علماء للسلطان ولكن ليس السلطان المشرّف يعني صلاح الدين وأستاذه نور الدين، نتكلم عن علماء حقيقة يعني علماء عصرهم وصفوهم بأنهم اشتركوا بالفتن، كانوا سيئي الخلق، كان بعضهم يؤذي…، لابد أنهم موجودون في كل مكان، يعني هي فتنة بالتأكيد لكي يميز الله الخبيث من الطيب حتى من العلماء، ماذا يقول الشيخ رائد صلاح لعلماء السلطان الذين يُبعدون الجيل عن خطاهم باتجاه الأقصى؟
الشيخ رائد صلاح (الضيف): هذه ظاهرة يبدو أنها مستمرة على مدار تاريخ الأمة المسلمة، وهي إلى جانب العلماء الربانيين هناك علماء يؤدون دور علماء الدنيا الذين قد سحرتهم الدنيا بمالها ومناصبها، فاجتهدوا عن طريق الدين أن يصلوا إلى الدنيا، وهنا الخطر، ولذلك أقول لهم كما قال لهم ذات مرة الإمام عبد القادر الجيلاني رحمة الله عليه، له نص رائع: يقول فيه كالتالي لهؤلاء العلماء الفتانين، لأنهم فُتنوا وفَتنوا، العلماء الفتانون فُتنوا بالدنيا بمالها وجاهها وفتنوا العوام، لذلك قال لهم الإمام عبد القادر الجيلاني (يا سلّابين الدنيا بطريق الآخرة) (يا سلّابين الدنيا بطريق الآخرة)، قال لهم في موضع آخر: (يا زُهّاد الأرض هدّموا صوامعكم، وتقدموا مني فلقد جلستم بخلاف ما طلبتموه) في تلك الفترة كان الزهد في نظر الإمام عبد القادر الجيلاني أن يزهد العالم في كل الدنيا، وأن يحمل هم القدس والمسجد الأقصى وتحريرها وهزيمة الصليبيين، ولذلك في تلك الأيام رفع نداءه وصرخته التي لا تزال لها صداها حتى الآن عندما قال دين محمد يتهدّم بنيانه، وتتصدع أركانه، وأخذ يدعو بنداءاته المعروفة إلى إعادة منهج بناء الذات المسلمة حتى تكون صاحبة إرادة إيمانية مباركة تنتصر في نهاية الأمر، أنا بناء على هذه المشاهد السريعة التي ذكرتها أنا أناشد العلماء الذين قد رضوا لأنفسهم أن يكونوا تحت أجنحة السلطان، السلطان الدنيوي وليس السلطان الرباني أقول لهم إنني أنصحكم أن تتغيروا حتى تحملوا هموم الأمة، وحتى تحملوا هموم آخرتكم.
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): وحتى لا يكون أول من تُسعّر بهم النار.
الشيخ رائد صلاح (الضيف): وأقول لهم ليتكم بإذن الله أن تفلحون بتجديد أنفاس العلماء ابن عساكر وعبد القادر الجيلاني وابن تيمية والسلطان العز بن عبد السلام، ليتكم تفلحون بأن تتجدد هذه الأنفاس، وأقولها بكل صراحة أنصح أي عالم يود أن يبقى مصر أن يكون تحت جناح سلاطين الدنيا، أقول له ليتك لو تقدم استقالتك أولى.
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): يقدم استقالته فقط من منصبه؟
الشيخ رائد صلاح (الضيف): أولى نعم، يقدم استقالته كصاحب دور يعرّف نفسه كأنه عالم الأمة، أقول له الأولى أن تقدم استقالتك؛ لأن وجوده في هذا الوضع المنحرف ليس خطراً على نفسه فقط بل خطراً على كل الأمة.
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): وأنا أريد أن أسأل عن الخطر الذي يشمل الأمة بحسب ما صنّف حجة الإسلام الغزالي، صنف العلماء أيضاً يعني تكلم عن فساد العلماء، تكلم عن الشكلانية الدينية، يعني الشكل عِمّة معينة وجبّة معينة ومراسم معينة، وفي ظل المسؤول الفلاني أو الحاكم الفلاني، وبعض العلماء لا يقصد ذلك يعني همّه المؤتمرات وأضواء الإعلام و….إلخ، ولا تحس الناس يميزون بالفطرة أنّ في داخل هذا العالم رسالة أم منصب ومنفعة …إلخ، ما خطورة غياب دور العلماء عن تربية وإعداد الجيل في ظل احتلال للقدس قضية القضايا، فصيلة دم كل عالم غيور، عاصمة الوعي والانتماء القدس، يعني كمكان محتل من قبل الصليبيين الآن محتل من قبل الصهاينة، فما الذي لم يحركه احتلال ثالث المساجد يعني؟
الدكتور رأفت المصري (الضيف): والله عندنا نوعين من الآثار، آثار على العلماء أنفسهم، وآثار على شعوبهم، أما الآثار التي على العلماء أنفسهم فهو ما يظهر عليهم من التعلق بالدنيا والنظر إلى هذه الشكليات التي ذكرها الدكتور عمر والتي نبّه إليها الإمام الغزالي رحمة الله عليه، سنرى كثيراً من مظاهر الفساد التي تعم أوساط العلماء في هذا، والحقيقة يعني أنا أتمم ما ذكره شيخي حفظه الله وأكرمه وأكرمكم جميعاً، قضية هذا العالم الذي يتسنّم هذه المرتبة إما أن يتسنّمها وإما أن ينزح، والغنم بالغرم، ليس العلم فقط عبارة عن تكريم وتشريف واحترام أينما ما ذهب، لهذا الاحترام ولهذا الرفع ضريبته، وضريبة هذه الثبات وقول كلمة الحق وتربية الجيل والتفاني في ذلك، وتوجيه الجيل إلى أولى أولوياته، ويحضرني بيت من الشعر الذي ذكره حكيم من الحكماء فقال:
وهل أفسد الدينَ إلا الملوكُ وأحبارُ سوءٍ ورُهبانُها
هذا حقيقة مشكلة كبيرة جداً، وإذا نظرتَ في كتاب الله ستجد أشد التحذير والنتفير من سلوك هذه الطريق، (مثل الذين حمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً) وقول الله عز وجل (واتلُ عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها) …إلخ إلى قوله (فمثله كمثل الكلب إن تحملْ عليه يلهث أو تتركه يلهث) هناك تنفير كبير جداً، هناك آثار لهذا المسلك من الذين ينتسبون إلى العلم كذلك على شعوبهم، هذه الشعوب التي تتفلّت من عقيدتها، التي لا تجد قدوة تقتدي بها، فنجد شباب الأمة في كثير من الأحيان يقتدون بلاعبي الكرة أو بالمغنين والمغنيات والساقطين والساقطات، وهذا مظهر في حقيقة الأمر الذي يتصدى له الجندي المُعَد من قبل الله عز وجل حتى يتصدى لهذه المظاهر ويصلحها هو هذا العالم.
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): نعم أليس هذا كله يعني يذكّرنا بقبض العلماء؟ يعني هل يوجد علماء في الأمة أم قُبضوا؟
الدكتور رأفت المصري (الضيف): لا شك أنّ هذه الأمة إن شاء الله على خير، وكلام شيخنا في التفاؤل كلام يسنده الدليل، يسنده الدليل حتى الدليل الشرعي، وسنّة الله عز وجل.
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): من سنن الله عز وجل من علامات آخر الزمان يُقبض العلماء، لكن أريد أن أسأل الشيخ عن القبض على العلماء، احتجازهم، هجرتهم، اختطافهم، هجرة العقول، هجرة المتخصصين من بلادنا أثره على قضيتنا.
الشيخ رائد صلاح (الضيف): لا شك أنّ هذا المشد مؤلم جداً ولكن مع ألم هذا المشهد أنا أقولها من هنا لكل علماء الأمة حتى لو هُجّروا إلى الصين أو هُجّروا إلى أنْطَرَكْتِكا كما يُقال سيبقى لهم دور، وسيبقى لهم إمكانية أن يقوموا بدورهم، وأن ينتصروا لقضايا الأمة المسلمة وتحديداً لقضية القدس والمسجد الأقصى المبارك، وأعطي مثالاً سريعاً على ذلك إن صح التعبير مصطلح (آل قُدامة) وليس ابن قُدامة، آل قُدامة كانوا أكثر من ابن قدامة أصلاً هُجّروا كما هُجّر العلماء في هذه الأيام، و هُجّروا بعد بدايات الغزو الصليبي عندما اقتحم فلسطين واقتحم القدس والمسجد الأقصى، فرحلوا بقضيتهم ولم يتاجروا بدنياهم حتى وهم في أرض المهجر، وعلى فكرة هم هُجّروا إلى الشام إلى سورية، وهناك كوّنوا لأنفسهم حارة جسّدوا فيها صدق العلماء، إخلاص العلماء، فَهْم العلماء، حتى أصبحت الحارة تُعرف باسمهم، أصبحت حارة الصالحية حارة الصالحين، يعني بالمناسبة هناك من المسلسلات التي أنتجها الإعلام العربي مسلسلاً كان جيداً اسمه ليالي الصالحية، كلمة الصالحية بالمناسبة تعود إلى آل قُدامة هم الذين فرضوا هذا الاسم على تلك الحارة، حملوا قضيتهم لدرجة أنهم كانوا المستشارين الأوائل لمن؟ لنور الدين زنكي، كانوا ولدرجة أنّ نور الدين زنكي احتراماً له، وتجيلاً له لعلمهم وصفاء علمهم أعطى لهم مجالاً أن يبنوا المدارس طبعاً العلمية، هذه المدارس خرّجت تلاميذاً، خرجت تلاميذاً مجاهدين، كانوا يدركون بمصطلح اليوم أنهم لاجئون فلسطينيون ولكن يجب أن يعودوا، فهؤلاء الذين تخرّجوا من مدارس آل قُدامة كانوا جنودَ نور الدين زنكي ثم أصبحوا جنود صلاح الدين الأيوبي فعادوا مارسوا حق العودة بعد أن انتصروا على الصليبيين.
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): طيب، ذكر شيخنا أنّ العلماء جاؤوا من مصر، جاؤوا من أماكن مختلفة لنصرة القدس وجاؤوا إلى بلاد الشام وإلى دمشق، عماد الدين زنكي كان له أيضاً فضل في زمانه في العلم ودور العلم يعني والمدارس، الحركات الجهادية جاءت، كانت بلاد الشام في حالة يُرثى لها طبعاً من الفتن والاحتلال الصليبي والعُبيديين و…إلخ، الحركات الجهادية جاءت بالذات من شمال العراق، الفاتح القائد العظيم عماد الدين زنكي الذي اغتيل بالمناسبة لخطورته، وولده الملك العادل نور الدين زنكي، والقائد العظيم صلاح الدين زنكي جاؤوا وجاء العلماء من شمال العراق، ما معنى أن يأتوا من شمال العراق تحديداً؟
الدكتور رأفت المصري (الضيف): والله هو شمال العراق كان بيئة خصبة علمياً.
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): إذاً العلم السبب.
الدكتور رأفت المصري (الضيف): شمال العراق كان بيئة خصبة جداً، تلك البلاد خرّجت الكثير من عتاولة وجهابذة العلم الشرعي، يعني إذا كنا نتكلم عن البخاري ومسلم وأصحاب الكتب الستة بالمناسبة كلهم من تلك البلاد، وإذا كنا نتكلم عن أئمة اللغة سيبويه والزمخشري وغيرهم، فحقيقة تلك البلاد كانت منبعاً للعلم، وبطبيعة الأمر الذي يدرس كتاب ربه وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم يرى ما في هذين المصدرين الجليلين العظيمين من تحريض على القيام بواجبات الأمة المختلفة، وأجلّ ذلك وأوجبه في مثل هذا الزمان هو الجهاد وتحرير الأوطان المسلمة وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك.
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): شيخنا يعني أريد أن أقول نقطة خطيرة قليلاً على هذا الموضوع، هناك قيمتان غيرتا وجه التاريخ الإسلامي العلم والجهاد، ماذا لو تقدّم الجهاد وغاب العلم؟ ماذا لو تقدم الجهاد وغاب العلم؟ خصوصاً هذا يحدث الآن، وحدث زمن الخوارج، يعني باعتقادكم إذا تقدم الجهاد على العلم وغاب العلم وخصوصاً العلم الشرعي وصارت الفتاوى والتكفير …إلخ، يعني هل هذا من المشروع التحرري النهضوي وما مدى تأثيره عليه؟
الشيخ رائد صلاح (الضيف): الجهاد حتى يكون بإذن الله رب العالمين سنام الإسلام يجب أن يكون جهاداً مبصراً، ولن يكون جهاداً مبصراً إلا إذا اقترن بالعلم، جهاد مبصر لن يكون جهاداً مبصراً إلا إذا اقترن بالعلم، إن لم يكن جهاداً مبصراً فقد ترتد نتيجته سلباً على مسيرة الأمة المسلمة، ولذلك أنا فقط ألفت الانتباه إلى هذا الجمع العظيم بين الجهاد وضرورة العلم، التكامل المطلوب بينهما، التفرقة بينهما خطيرة جداً، يعني أنا أقول ذلك على سبيل المثال هناك حديث نبوي رائع يقول فيه الرسول عليه الصلاة والسلام: (عينان لا تمسّهما النار عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله) حتى تتوفر لدينا العين التي تحرس في سبيل الله لن تتوفر إلا إذا كانت العين التي تبكي من خشية الله، تعال بنا لنوفر العين التي تبكي من خشية الله تلقائياً سنوفر العين التي تحرس في سبيل الله وتلقائياً سيكتمل الجسد، جسد الأمة الذي يدافع عن بيضة المسلمين وعن حماهم، وعن القدس والمسجد الأقصى المبارك؛ لذلك فقط أنا أريد أن أقول بشكل سريع جداً، أستاذنا الكريم تفضل بالحديث عن شمال العراق أنه كان عبارة عن أرضية، أرضية علماء أنتجت ما أنتجت من أجيال، علماء مجاهدين، أنا أعطيك مثال فقط سريع من أروع ما لفت انتباهي إليه كتاب (هكذا ظهر صلاح الدين) جيل صلاح الدين، من أروع ما لفت الانتباه إليه أنّ عبد القادر الجيلاني رحمة الله عليه بنى جيلاً، بنى جيلاً عالياً مجاهداً في نفس الوقت، المستشارون الأوائل وهذه حقيقة تاريخية، المستشارون الأوائل الحلقة الأولى القاعدة الصلبة التي أحاطت بصلاح الدين الأيوبي كانوا كلهم من تلاميذ عبد القادر الجيلاني، كلهم من تلاميذه.
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): جميل، طيب يعني بقي زاوية لم نضئ عليها في نفس السؤال يعني، ماذا لو يعني في الواقع الذي نعيش هناك شباب يقدمون الجهاد على العلم فيتخاذلون بعد فترة لا يستطيعون أن يكملوا المشوار، يعني هذي لم نضئ عليها لكن لأننا معنا دقيقة فقط أريد تعليقاً من ضيفيّ الكريمين سريعاً في نصف دقيقة نصف دقيقة، البعض يقول أنّ الإسلاميين هم مثل سلاح المدفعية يكتسح الانتخابات وصندوق الاقتراع ولا يكون مثل سلاح الهندسي يبني ويعد جيل النصر، تعليق شيخنا الشيخ رائد صلاح.
الشيخ رائد صلاح (الضيف): هذا تعليق مرفوض جداً نحن نتحدث عن الإسلاميين ليس بمفهوم حزبي كأنه يمثل نمطاً متعصباً، نحن نتحدث عن الإسلاميين بمفهوم إرادة الأمة التي يجب أن تنهض فتكون كل الأمة هي بهذا المصطلح إسلاميين، فيصبح مشروعها ليس مشروع فرد، ولا مشروع حركة معينة، ولا مشروع حزب معين بل مشروع كل الأمة المسلمة؛ لذلك استشهد آكسنقر ورثه عماد الدين زنكي، استشهد عماد الدين زنكي ورثه نور الدين زنكي، مات نور الدين زنكي ورثه صلاح الدين الأيوبي، ظل المشروع قائماً فتحررت القدس.
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): أنا سؤالي عن الواقع الذي نعيشه الآن، يعني ما تفضلت به عم ما ذكرنا رائعاً، ما نعيشه الآن هل نحن نعد الجيل مثل سلاح الهندسة؟ أم نكتسح فقط ولا ندري ماذا نفعل؟ بجملة واحدة.
الشيخ رائد صلاح (الضيف): بجملة واحدة الجيل موجود وإرادته موجودة، ما أتمنى على حكام المسلمين والعرب الآن أن يعطوا الفرصة لهذا الجيل أن يقوم بدوره الذي يمليه عليه إسلامه وضميره وعقيدته.
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): إذاً أنت تقترب دكتور رأفت من ضربة الرأس الأخيرة التي تفجّر النبع بجملة واحدة.
الدكتور رأفت المصري (الضيف): والله يعني قد تكون تهمة ولا شك أن الأعداء كثرٌ، والهادمون لمسيرة المشروع الإسلامي في واقعنا كثر، لكن إن لم يكن الإسلاميون هم مَن يبنون فلا أظن أن أحداً يبني على الإطلاق على هذه الأرض.
الدكتور عمر الجيوسي (المقدم): جزاكم الله خيراً هذا ما سمح به الوقت، وشيخنا الشيخ رائد صلاح لا يُمل الحديث معك ومع ضيفنا الأستاذ الدكتور رأفت يعني، ونتمنى أن نكون معكم في حلقة قادمة إن شاء الله، أما أنتم مشاهدينا الكرام فالشكر موصول لكم على خطى صلاح الدين، ونشكر أيضاً قناة الهلال هنا في إسطنبول التي أتاحت لنا فرصة التسجيل لهذه الحلقة الخاصة، وهذه تحيات فريق البرنامج السلام عليكم.
لمشاهدة جميع حلقات برنامج (على خطى صلاح الدين):
https://www.youtube.com/playlist?list=PLH5y7ZzK7PCBHWfVeDLcBGgcf0t5ou2de