الحلقة 24 الاعداد المهني

    

د. عبد اللطيف عربيات

د. محمد سعيد بكر

د. عمر الجيوسي (المقدم): السلام عليكم ورحمة الله، مشاهدينا في كل مكان لا نزال نعِد ونقدم مجموعة من حلقات الإعداد بأنواعه الروحي والسلوكي والأمني، والإعداد الإعلامي والعقلي والاقتصادي واللوجستي، والإعداد البدني، ولكن وأنا أعد حلقة الإعداد العسكري والحلقات التي تتعلق بجيش صلاح الدين، قلتُ بالتأكيد هناك جيش آخر من المهنيين وأصحاب العضلات والأفكار المهنية، ولا بد من تخصيص حلقة على الأقل لهؤلاء، دور هؤلاء المهنيين يسبق ويواكب الحروب، الدولة والجيش كانوا يحتاجون الحداد والنجّار والوقّاد والجراح والكحّال والطبّاع والطبّاخ ومدرب الخيل، وكانوا كلهم يعيشون في ظل الآية (وأعدوا) ويخافون من تحذير الآية (ولو أرادوا الخروج لأعدوا)، مشاهدينا كل نبي كان له مهنة، منهم الخياط ومنهم الساقي ومنهم الحداد والطبيب، وكلهم عليه السلام قد رعوا الغنم والأمم، وكان بعض الأنبياء أمراء وملوكاً وحكاماً، حتى الصحابة والعلماء كانوا في مهن كثيرة، مشاهدينا أعداؤنا الصهاينة فهموا أهمية الإعداد المهني فكان أول ما أنشأه الكيان الصهيوني هو معهد التخنيون للدراسات العسكرية والحربية، وهذا يتطلب جيشاً كبيراً من المهنيين، الغريب أنهم أنشؤوا هذا المعهد قبل احتلال فلسطين بستة وثلاثين عاماً أي في عام 1912م، مشاهدينا بعض الزعماء المشهورين كان وهو صغير يبيع الخضار على قارعة الطريق أو يعمل في مهنة متواضعة، وبعض دولنا الثرية لا تسمح لمواطنيها بالعمل في قطاع الخدمات كممرض مثلاً أو مضيف طيران، ولا يرضى أن يكون دوره إلا التوقيع والإشراف، فهل من المقبول شرعاً وواقعاً أن يتعفف هؤلاء عن مثل هذه الوظائف الأعمال ويستبدلونها بالعمالة الآسيوية والإفريقية مثلاُ؟ هل من المعقول لأمة تريد تحرير الأقصى ألا تعد جيشاً من المهنيين والمتخصصين، أحبتنا أعزاءنا يصحبنا في إعداد وضيافة هذه الحلقة الأستاذ الدكتور في التربية المهنية والرئيس الأسبق لمجلس النواب الأردني الدكتور عبد اللطيف عربيات، ويصحبنا كذلك الدكتور محمد سعيد بكر مؤسس ومدير (مجموعة أحسن للتنمية المتكاملة)، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نرحب بالضيفين الكريمين على خطى صلاح الدين مرة أخرى حياكما الله، الدكتور عبد اللطيف عربيات يعني ونحن نعد لهذه الحلقات، حلقات كثيرة بين كلمة (وأعدوا) وبين كلمات (ولو أرادوا الخروج لأعدوا)، الآن يعني وأنا أعد لهذه الحلقات كان في ذهني أن الجيش الضخم لصلاح الدين الأيوبي نور الدين وعماد الدين يعني بالتأكيد هناك جيش من المهَنيين أو المهْنيين يرافق هذا الجيش، يحتاجون أفكارهم وعضلاتهم وفنياتهم إلخ، ماذا عن أهمية هؤلاء في منظومة جيل التحرير الآن؟

د. عبد اللطيف عربيات (الضيف): بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، كما تفضلتم بين الآيتين الكريمتين (وأعدوا) والآية الكريمة (ولو أرادوا الخروج لأعدو) يعني هناك شيء مفقود الآن اسمه الإرادة، إرادة التغيير، هذه الإرادة التي تفتقدها أمتنا الآن، والتي عدوها جعلها في واقع أبعدها عن هذه المعاني الأصيلة، وجعل فيها الضعف والخور والغفلة عن حالها، قرون طويلة من التضليل، إبعاد عن الواقع جعلهم غافلين عن حقيقة ما هو مطلوب منهم، أبجديات الإسلام العادية البسيطة (وأعدوا لهم) هذه أشياء بسيطة، ولكن قال لهم (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له) ما الذي فقدناه؟ وهو إرادة الخروج الذي يخرج عن الواقع السيء الموجود حالياً يكون عنده بصيرة ورؤى لما هو مطلوب، لأن عدونا يحتل الأرض، جيوشه، ثقافته، اقتصاده، وحتى آخرها القلعة الاجتماعية بدأ يخترقها ويقترب، فإذن هو ما سموه بالدور العميق، يحتل كل شيء وظن أنه قادر على أن يصنع شيئاً جديداً، بوش عندما قال سنغير إيديولوجية الشرق الأوسط، ما الذي يملكه؟ هل هي لعبة بيده أن يغير إيديولوجية أمة؟ عندما ظنوا أنهم قادرون على ذلك، والمسلمون استخفوا بهذا الأمر ولم يريدوا الخروج عن هذا للآن بدايات كالغافل يصحو، بعد أن يصحو ينهض، لكن الآن نحن في مرحلة الصحوة نائمون مستَغفلون، مغطّى على عيوننا وأبصارنا وقلوبنا بغطاء يريده عدونا.

د. عمر الجيوسي (المقدم): رغم أننا في مرحلة الصحوة؟

د. عبد اللطيف عربيات (الضيف): الآن نحن في صحوة ليست كاملة، نحن عندنا جزء من الناس أصبحت عندهم الصحوة الآن ويرون الحقيقة، وكالنائم صحا وأصبح ينظر إلى ما حوله ليرى ما هو موجود، بعضنا إلى حد الآن غافل ما زال نائماً، لكن الطليعة صار عندها الصحوة.

د. عمر الجيوسي (المقدم): طيب دعنا نقرّبها للذي بدأنا به السؤال، جيش من المهنيين مع صلاح الدين؟

د. عبد اللطيف عربيات (الضيف): يا سيدي أنا أيضاً لي رأيي في موضوع المهنيين من صلاح الدين، صلاح رضي الله عنه كم قرن بيننا وبين صلاح الدين؟ هناك زمان وهناك مكان وهناك العدو بالمقابل، تغيرت كلها ونحن نذكر هذا من باب العبرة وليس من باب القدوة بالمحتوى، المحتوى الجديد يختلف كلياً عن المحتوى السابق.

د. عمر الجيوسي (المقدم): لكن هناك شواهد دكتور تدل على أنه جيل صلاح الدين سبقنا في أقسام المستشفيات الجامعية، في اكتشاف سلاح النفط وإرادة القرار وإرادة التغيير.

د. عبد اللطيف عربيات (الضيف): لا لا أنا أؤمن بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هؤلاء جميعاً، نحن عندنا من بعض المشايخ الذي لا يزال يقول صوت المرأة عورة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم انتخب رفيدة الأسلمية لتكون مديرة أكبر مستشفى متنقل عسكرياً، وهذا قبل صلاح الدين وقبل هذا وذاك، المسلمون…، ونزل في القرآن: “قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما” عندك شكوى وجدل وحوار، كل أنواع الكلام قيلت نزل بها القرآن.

د. عمر الجيوسي (المقدم): طيب، نعم الدكتور عبد اللطيف عربيات ذكر كلمة مهمة إرادة التغيير، كان صلاح الدين والجيل رغم أن رأيه أن نأخذ العبرة ونحن عندنا الآليات أحدث وإلخ، لكن النتائج ربما كان عنده خطة لضد المجاعات، كانت البيوت في بعلبك ستة طوابق من أربعة إلى ستة، وكان بعض التطور لكن النتيجة أنه هو حرر وانتصر، الآن وأنا أسأل الدكتور سؤالاً وأنا أعد لهذا السؤال أيضاً، من المؤكد أنه تتولد أسئلة كثيرة، ما الذي خطر ببال الدكتور محمد سعيد بكر وأنا أسأل الدكتور عبد اللطيف عربيات عن أهمية هؤلاء أقصد جيش المهنيين في منظومة الجهاد والتحرير الآن؟

د. محمد سعيد بكر (الضيف): جميل، الحقيقة أنا أثنِي وأثنّي على كلام أستاذنا الفاضل الدكتور عبد اللطيف عربيات في ما قال في موضوع الإرادة، الذي يملك الإرادة سيستطيع لكن إذا غابت الإرادة لن نفكر في الاستطاعة، إذا أردنا أن نفكر في إستراتيجية المقاومة الشاملة فالنظرة ينبغي أن تكون أوسع من إعداد مقاتل للحظة الأخيرة، إنما هنالك الأمر يحتاج إلى إعداد متكامل فعلاً جيش من المهنيين، جيش من التربويين، جيش من السياسيين، كل يؤدي ويسد ثغرة، لا يمكن أن تتحرك أنت كمجاهد من غير عدة وعتاد، الله تبارك وتعالى عندما قال “ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة” ومن العدة هنا العَدد والعِدد، من الذي سيحضّر العِدد؟ ومن الذي سيؤهل العَدد؟ هذا كله يحتاج إلى جيش من المهنيين الخطاطين والنجارين والكهربائيين والميكانيكيين، وقضايا الاتصال، وقضايا الإلكترونيات، كل هذا يحتاج منا فعلاً تفعيلاً تكويناً تأهيلاً، وبناء للأمام بإذن الله تبارك وتعالى.

د. عمر الجيوسي (المقدم): جميل، نريد أن نضبط مسألة لغوية لأننا نحن في حضرة الدكتور، الدكتور يعني رئيس مجمع اللغة العربية يمكن كنتَ في فترة؟

د. عبد اللطيف عربيات (الضيف): لا عضواً في مجمع اللغة العربية.

د. عمر الجيوسي (المقدم): الآن هي تُنسب للمفرد وللجمع، أنا أقول مهْنيين أم مهَنيين الأصح؟

د. عبد اللطيف عربيات (الضيف): يعني هي ليست قضية كما تُلفظ وكما تقال، يعني المهَنيين من المهنة، ومهْنيين أيضاً من المهنة، مهْنيين أو مهَنيين ليست فيها خلاف، وإنما تصنيف عالمي وبالمناسبة إذا تكرمت عليّ أنا أخذتُ دكتوراه في هذا الموضوع.

د. عمر الجيوسي (المقدم): ولذلك أنت ضيف وأنا في هذه الحلقة.

د. عبد اللطيف عربيات (الضيف): التعليم المهني، التعليم المهني عندنا في الأردن كان قديماً الطالب وهو في المرحلة الإعدادية يُسأل تريد الصناعي أم الزراعي أم التجاري؟ الذي في المدينة يسألوه صناعي أم تجاري، وفي القرية زراعي محكوم، نظريتي أنا في رسالة الدكتوراه التي أخذتُها من أمريكا أرسلتُها إلى الأردن وقلتً أنه لا يُسأل عن المهنة إلا من يعرفها، وأنت تعطي خياراً لمن لا يعرف، فكيف بنا نسأل من لا يعرف عن شيء يختاره لنفسه، أولاً سمّيتُها (pre vocational) الإعداد المهني الأولي وهو التعرف على المهن، وتتعرف على المهنة ثم تختار منها ما تشاء بعد أن تعرف.

د. محمد سعيد بكر (الضيف): كمفاتيح دكتور.

د. عبد اللطيف عربيات (الضيف): كمفاتيح تعرف تختار المهنة بعد أن تتذوق هذه المهنة، ثم بعد التذوق تختار.

د. عمر الجيوسي (المقدم): طيب هذا كله قبل السؤال.

د. عبد اللطيف عربيات (الضيف): قبل السؤال، ولهذا يعني أنا أقول أن العالم تقدم، والعالم في كل يوم جديد، والعالم كله أصبح دائرة واحدة ليس هناك جيل ولا شعب ولا أمة معزولاً عن العالم تخطط لنفسها دون غيرها، بل تأخذ من مخرجات هذا العالم كله، ومن تقنيات هذا العالم كله، وتختار ما تشاء، وتضيف وتبدع، عندنا الآن مع كل التخلف عند أمتنا العربية يظهر شباب من شبابنا يأخذون جوائزَ عالميةً على اختراعات أو نماذج، فأنا عندي أولاً كمسلم، أنا في هذا الموقع من العالم، أنا في هذا العدد من العالم وهو أنا النسبة الأكبر، توزيعي على شعوب الأرض كلها موجود من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب وأنا موجود، ولي الأخ الكريم من فلبين، وآخر من تركيا، هؤلاء بوتقة واحدة، أحسن ما في الفلبين وأحسن ما في تركيا وأحسن ما في البلاد العربية، أنا أجمعهم ويختارون وهم جنودي، وأنا أجنّد هؤلاء للهدف الذي أضع المشروع العظيم الكبير، فأنا لستُ فقط محصوراً في زواية ولا في قطعة أرض، العالم كله أرضي، وهو مستودعي وهو مساحة أرضي وأهدافي، ديني _وما أرسلناك إلا رحمة_ لمن؟ للعالمين، العالمين هذه رحمة لهم، هذه الرحمة المزجاة لهؤلاء الناس، هم كلهم مطالبون أن يقدموا ما يستطيعون، أنا كل ما في هذا بحاجة إلى أن أعرض حاجتي وأكوّن عندي إرادتي للتغيير، وأطلب ما أريد من أمتي التي هي في الكرة الأرضية كلها.

د. محمد سعيد بكر (الضيف): استثمار التخصصات دكتور.

د. عبد اللطيف عربيات (الضيف): استثمار التخصصات، وثم النداء يأتيك، فنحن مجرد تأتي بالإرادة وتعلن لك الرديف من كل الكرة الأرضية، وأنت الأقوى في العالم إذا أنت بيّنتَ نفسكَ وأعلنتَ ما تريد فأنت الأقوى، المهنية والإعداد المهني دعنا على المهني.

د. عمر الجيوسي (المقدم): طيب سريعاً لأننا غبنا عن الدكتور فترة طويلة.

د. عبد اللطيف عربيات (الضيف): أقصى ما في عندنا أن نأتي بأحدث ما في العالم من تقنيات والأساليب التي تحقق بها الهدف، ثم أعلنها ويأتك الجواب من كل أنحاء الكرة الأرضية، ولك من الرصيد في العالم ما لا تملكه أي قوة في الأرض، أنت الأكبر، وأنا لا أريد أن آخذ دور الدكتور.

د. عمر الجيوسي (المقدم): طيب، الدكتور يتكلم صراحة أنا كنتُ محضراً بعض الأسئلة لك، كيف يشر المهَني بأهميته كمجاهد أو كإنسان مهم؟ يعني يُنظر إليه نظرة مختلفة في بلادنا، كيف يشعر بدوره في جيل التحرير؟

د. محمد سعيد بكر (الضيف): الحقيقة في نظرية الأخذ بالأسباب “وآتيناه من كل شيء سبباً، فأتبع سبباً” هذه النظرية تغيب عن كثير من المسلمين، ويتكؤون على قوة الله تبارك وتعالى، وقوة الله لا تُغلب، قوة الله غالبة سبحانه وتعالى، يتكؤون على هذا فيزدادون مع الأيام ضعفاً، ويصبح الزمن بالنسبة للحالة حالة المسلمين جزءاً من المرض وليس جزءاً من العلاج، وبالتالي عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يعني اختلفوا في صحته الحقيقة: “إن الله يحب العبد المحترف” صاحب الحرفة، صاحب المهنة، أُخذ على عالمنا العربي والإسلامي اليوم أنه عالم مستهلك، حتى في الحرف، حتى المحترف يأتي بالمواد الخام والعِدد من الآخرين، يعني كأنهم يريدون أن يطوّعوا شكل ما يريد أن يخرج منا كمخرجاتٍ صناعية بحسب الإطار الذي هم وضعوه، هل يمكن أن نصل فعلاً بما نملك من طاقات وقدرات إلى حالة حتى من صناعة العِدد التي نشتغل فيها نحن كأمة يُراد لها أن تكون في الطليعة؟ الله تبارك وتعالى قال: “وأنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون” في الوقت الذي تنازلنا فيه عن الأرض كأرض ضعنا وتهنا وأصبحنا فعلاً في ذيل القافلة كما ذكر أستاذنا الفاضل، هذه الأمة فيها من الطاقات الشيء العجيب، تحتاج فقط توجيه البوصلة.

د. عمر الجيوسي (المقدم): يعني ببساطة الآن أمامك بعض المهنيين الآن في الإستديو وخارج الإستديو، ومن معارفك وأقاربك وأقاربي وأقارب الدكتور، هؤلاء لهم دور يجب أن نشعرهم في هذه الحلقة بهذا الدور، من ناحية أجره، من ناحية أهميته، من ناحية مقارنته بجيوش أخرى في دول من أعدائنا حتى.

د. محمد سعيد بكر (الضيف): المشكلة في المهنيين اليوم أن الواحد منهم يظن أنّ الدنيا مملكته الخاصة، يعني بمعنى أنه يعمل لنفسه والقضية شخصية، وليس هنالك رابط جماعي ينظم هذه الخيوط الرائعة في بوتقة المشروع العظيم، كلٌ يعمل من أجل أن يقيت نفسه، ليس هنالك من ينظم هذه كلها بحيث يجعل الإنسان يقيت نفسه وفي الوقت ذاته يقدم شيئاً للأمة اليوم أو غداً أو بعد غد، فننصح بتوجيه النوايا ابتداء توجيه النوايا، أنت صانع نعم لكن صناعتك إذا أتقنتَ في هذه الصناعة وأحسنت يمكن أن تشكل نموذجاً وتطلبك الناس، وتختار صناعتك وتختار حرفتك، انظر إلى حال كثير من الصانعين والمهنيين اليوم تجد عندهم من إخلاف المواعيد وعدم إتقان المهنة، والتقليد للآخر، أما أن يكون لنا لون وبصمة مع شيء من الإتقان والجودة هذا الحقيقة هو الذي يشكل فارقاً.

د. عمر الجيوسي (المقدم): طيب دكتور عبد اللطيف يعني الأمم القديمة التي انتصرت والأمم الحديثة لم تنتصر بجيش يقاتل، سواء بالسيف أو بصواريخ عابرة القارات، إنما بتكامل شرائح الأمة، هذا نتفق عليه، الآن لو قربنا هذا لما حصل في حروب حصلت في فلسطين وخصوصاً في الفترة الأخيرة حرب حجارة السجيل، حرب الفرقان قبلها داخل غزة، يعني غابت أدوار الأمة وشرائح المهنيين تحديداً عن دعم المجاهدين.

د. عبد اللطيف عربيات (الضيف): أخي أولاً يعني هذا مثال واقعي ميداني لكل ذي بصيرة ينظر ويرى النتائج، إخواننا في غزة أناس معظمهم لاجئين محاط بهم، مادياً أيضاً محاصرين من كل الجوانب، صار عندهم تحدٍ مباشر، صار عندهم إرادة صد العدوان رد العدوان، صار عندهم ثقة بما يتم، فأعدوا للأمر عدته بمعنى أنهم تخطوا مجرد الفكرة أنّ الله يحب العبد الممتهن أو صاحب المهنة، وأن عمر بن الخطاب يقول (الرجل يعجبني فإن أسأل عن مهنته فيقول ليس له مهنة فيسقط من عيني)، هذه أقوال مأثورة جيدة، لكن أكبر من هذا وذاك الخليفة الأول أبو بكر الصديق، رجل تاجر وانتُخب خليفة بالانتخاب، وفي العالم أول رئيس يُنتخب في العالم ديمقراطياً هو أبو بكر الصديق في العالم هذا، في ذلك الوقت ما كانت المرأة لها حق الانتخاب أولاً في الديمقراطية اليونانية، نحن نخلط الأمور ببعضها البعض، هذا الكلام تاريخه في القرن السادس أو السابع الميلادي، في ذاك الوقت لم تكن هناك الديمقراطية ولا الكلام الذي يقولونه اليوم، لكنّ أبا بكر الصديق تاجرٌ تمّ انتخابه صار خليفه، فنسيوا لم ينتبهوا أن يخصصوا له مخصصات يعيش منها، فاحتاج ونزل للسوق وهو خليفة، لاقوه قالوا له انت أمير المؤمنين وتعمل في السوق، قال أريد أن أقتات وأعيش، يعني لاحظ أمير المؤمنين منتخباً في أعلى دولة في العالم ينزل إلى مهنته الأصلية يعتاش بها، فيُقال سنخصص لك راتباً وكن أنت لأمور المسلمين، هذه أمثلة عندنا من الناحية النظرية والفكرية لا مثيل لها في العالم.

د. عمر الجيوسي (المقدم): طيب دكتور ممكن أن نواصل معك بعض الأمثلة وبعض المحاور لكن حان وقت الفاصل، مع التذكير أن ستة من العشرة المبشرين بالجنة كانوا يحترفون وكانوا في مصطلحنا الحالي كان كل واحد منهم مليونيراً، على كل مشاهدينا نتواصل معك بعد فاصل قصير انتظرونا بعده عن شاء الله.

من جديد نرحب بكم مشاهدينا على خطى صلاح الدين بصحبة الأستاذ الدكتور عبد اللطيف عربيات أستاذ التربية المهنية ورئيس مجلس النواب الأردني الأسبق، وكذلك بصحبة الدكتور محمد سعيد بكر أستاذ الحديث الشريف ومدير ومؤسس (مجموعة أحسن للتنمية المتكاملة) دكتور عبد اللطيف مرة أخرى نرجع إلى الموضوع، لو قاربنا الفكرة التي طرحناها في موضوع أهمية ودور المهنيين جيش المهنيين هؤلاء وغيابهم من الأمة عما حصل في حروب مثل ما حصل في الحروب الأخيرة في غزة؟ 

د. عبد اللطيف عربيات (الضيف): أخي هي حقيقة ليس هنالك مبدأ في العالم كما في الإسلام في حض المسلمين جميعاً لأن يكونوا أقوياء ويقدموا أقصى ما عندهم، (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) انظر عامة، القوة ما القوة؟ القوة كلمة عامة في الغرب سمّوا الإدارة قوة، إدارة الشيء قوة وسمّوها مثلث الإدارة، مثلث الإدارة رأسه العلم، زاويته الاختصاص، الزاوية الثانية الأمانة، علم اختصاص أمانة، أنا وأنا أناقش وأدرس علم الإدارة في أمريكا، كان الأستاذ المشرف يقول لي هل عندكم في الإسلام ما يقابل هذه الأمور؟ قلتُ له يا أبتِ استأجره إنّ خير من استأجرتَ القوي الأمين، فكتبها وسأل الطلاب في الدراسات العليا من عنده بديل الاختصاص والعلم والأمانة موجودة في كلمة القوة والأمانة، القوي الأمين شملتْ، وهو مؤلف كبير في كتب الإدارة هناك في الجامعة، فقال سأستبدل ما عندي من مثلث الإدارة بكلمة القوي الأمين، القوي الأمين شاملة عامة لكل مسلم، سواء في اختصاص المهنة أو في اختصاص رأس الدولة كما تكلمنا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، من رأس الدولة حتى أقل إنسان في المجتمع يكون عنده قوة، هذه القوة اختصاص وهذه القوة معرفة وهذه القوة أمانة، وعليه أن يؤدي هذه الأمور كلها في مكانها بأي مستوى كان هو، من أمير المؤمنين إلى أقل جندي في الشارع، إذن نحن هذه القوة مطلوبة، (ولو أرادوا الخروج لأعدوا)، أعدوا ماذا؟ القوة، القوة التي تشمل هذه الأمور كلها، فنحن مأمورون بأن نقوم بذلك، ما حصل عند إخواننا في غزة حقيقة بديهية من البديهيات، التحدي قائم المسلم يشعر أنه في حالة جهاد والجهاد ليس موظف، أنا اليوم أكررها بين إخواننا من يريد أن يجاهد ويقدم للإسلام لا يشعر أنه موظف، إذا كان موظفاً ينتظر راتباً يخرج من عندي، أنا أريد مجاهداً لله سبحانه وتعالى، وأريد مجاهداً يتبرع بكل ما يملك في سبيل الله، أريد مجاهداً أن يكون شريكاً وهو مسؤول عن البداية والنهاية، هذا مفهوم الجهاد، هذا الكلام لا يتوفر إلا عند المسلمين، وهذا الأمر يشمل الفرد المسلم في البيت المسلم في الأسرة المسلمة حتى يصل إلى العالم كله.

د. عمر الجيوسي (المقدم): جميل، دكتور محمد يعني حتى لو رجعنا للأنبياء تجد منهم الطيب سيدنا عيسى مثلاً، الحداد سيدنا داود، الخياط سيدنا إدريس، حتى كل الأنبياء رعوا الغنم فلذلك استطاعوا أن يرعوا الأمم، أيضاً لو أتينا إلى زمن صلاح الدين الأيوبي ونور الدين كان هناك مهن كثيرة، كحّال طبّاخ وقّاد صانعي السيوف، الذين يشدّون الحبال في السفن لأنها كانت حروباً بحرية أيضاً وما إلى ذلك، نريد تأصيلاً شرعياً لأجر هؤلاء وأهمية هؤلاء ومكانتهم.

د. محمد سعيد بكر (الضيف): الأمة التي لا تعمل تستجدي من غيرها، لأن يبيتَ أحدكم كالاً من عمل يده فهو عند الله تبارك وتعالى في الميزان له أجر عظيم، لئن يأخذ أحدكم أحبله وفأسه فيحتطب خير له من أن يطلب من الناس أو يمد يده إلى الناس أعطوه أو منعوه، البديل هو الاستجداء والحالة اليوم حالة استجداء الحقيقة، الله تبارك وتعالى عندما ذكر داود المجاهد عليه السلام قال: “وعلّمناه صنعة لبوس لكم” صنعة مهنة وحرفة، صنعة لبوس الدروع صناعة الدروع، والدروع لها أشكال ولها أنواع وليست يعني فقط هي الدروع الحديدية، “وألنّا له الحديد” طوّع الله تبارك وتعالى له الحديد وقلوب العبيد وليس فقط الحديد، هذا التطويع يدل على خطوات متقدمة في التكامل في منهج المقاومة، أنا أظن أننا لن نشعر بقيمة أي مهنة من المهن إلا إذا تخيلنا أنها غير موجودة، يعني تخيل جيشاً ليس فيه مهنة كهربائي كيف سيمشي؟ جيشاً ليس فيه مهنة نجار ليس هناك نجار في صفوف الجيش ولا طبيب وليس فيه أي مهنة من المهن، تخيل الجيش من غير هذه المهن ستشعر أن هناك ثغرة كبيرة لا يمكن أن يسدها إلا صاحب المهنة، وذكر أستاذنا موضوع التخصص، هي المهنة احتراف وتخصص لا يمكن أن يفتي في هذا التخصص إلا صاحبه، أما أنا إذا جئتُ لأفتي في أي مجال من المجالات لا يمكن أن أقدم شيئاً في هذا الباب، لذلك صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه صنع أمرين، هو أولاً استثمر الطاقات والمهن الموجودة باتجاه المشروع مشروع التحرير، ثانياً بحث عن طاقات ومهن وثغرات غير موجودة وحاول أن يعززها كما كان النبي صلى الله عليه يفعل عندما كان يطلب من بعضهم أن يتعلم اللغات، مهنة، يتعلم اللغات ويطلب من بعضهم أن يكون مثلاً أعلم الأمة بالحلال والحرام يتابع العلم، والبعض يكتب، والبعض كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيهم ببعض الأمور ليسد بها الثغرات، المهن من الأمور التي تسد الثغرات، والبعض يظن أن المهني يشتغل بيديه فقط، أنا أظن أن المهني _ولعل أستاذنا يشارك في هذا الأمر_ أن المهني من أذكى الناس وأقدر الناس على رسم وبرمجة ما يريد باتجاه الهدف، ينبغي أن نستثمر المهني ليس فقط كطاقة يدوية وإنما أيضاً كطاقة عقلية متقدمة لخدمة المشروع، أنت تسال عن دور المهني في المعركة سواء في العصر هذا أو في العصر القديم، المهني هو من أكثر من يجني المال حتى المردود والدخل بالنسبة للمهني مرتفع، ينبغي أن يطوّع شيئاً من ماله في سبيل خدمة المعركة معركة الأمة.       

د. عمر الجيوسي (المقدم): يعني الوظيفة أضيق أبواب الرزق؟

د. محمد سعيد بكر (الضيف): الوظيفة لا شك أنها أضيق أبواب الرزق، والحرفة خصوصاً المحترف بصناعته، من يُقصد في صناعته لجودة ما يصنع هذا عنده من المال وعنده من الذكاء وعنده من الطاقة ما يمكن أن يسد ليس ثغرة واحدة يا أخي وإنما ثغرات.

د. عمر الجيوسي (المقدم): جميل، دكتور يعني وأنت تتكلم خطر في بالنا أن نرسم لوحات أخرى من تفوّق الإسلام، يعني سيدنا يوسف عليه السلام قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم، لو رجعنا إلى المقومات في القرآن نجد أن هناك سورة للحديد يعني القوة، سورة للعلم يعني مثلاً سورة القلم وسورة اقرأ، سورة للحرية، للشورى سورة الشورى، فالمقومات كلها موجودة عندنا أصلاً في القرآن وفي أسماء السوَر، الآن بالنسبة للمهن في الغرب وأنت عشتَ ودرستَ هناك فترة، الآن تغيرتْ أيضاً في الشرق متقدمة يعني لا أقصد الشرق الأوسط إنما أقصد في الشرق الأدنى الصين وكوريا وماليزيا إلخ يعني تفوقوا الآن، هل من مقارنة في أهمية المهنة ونظرتهم للمهني في بلادنا عنهم؟

د. عبد اللطيف عربيات (الضيف): لا شك أننا نحن عندنا كما تفضل الدكتور وتفضلتَ في البداية أننا عندنا من الفكر والقيم والحض على إيجاد كل معاني القوة بالعلم والاختصاص والشخصية والأمانة كلها متوفرة وواضحة كل الوضوح بآيات الكتاب الواضحة، لكن نحن عندما نقول أننا بحاجة إلى أن نواجه عدونا الذي نراه الآن أمامنا، ونحن في التاريخ عندنا ما نقوله الكثير لكن نحن نريد بالواقع، عندنا عدو العدو الماثل أمامنا ما خطته؟ هل أخذ من القرآن ما يخطط به هذا التخطيط البعيد المدى؟ أنا جذب انتباهي ذكر في بعض المعلومات عن إنشاء التخنيون الإسرائيلي، جذب انتباهي أنهم فكروا به وأنشؤوه عام 1912 قبل كم سنة من قيام الدولة؟   

د. عمر الجيوسي (المقدم): قبل 36 سنة.

د. عبد اللطيف عربيات (الضيف): 36 سنة، طيب هذا التخطيط المسبق مدرسة الخضور الزراعية مدرستان واحدة في طولكرم وواحدة في الداخل، هؤلاء المدارس أيضاً…

د. عمر الجيوسي (المقدم): زرتهم دكتور؟

د. عبد اللطيف عربيات (الضيف): أنا درّستُ في الخضور، هذي مشاريع سابقة، التخنيون هي التكشنز (technicians)، technicians)) بدؤوا بالهندسة المعمارية والهندسة المدنية على مستوى Polytechnic)) عدة مهن على مستوى، ثم تطورت نمتْ حتى أصبحت الآن المركز الثاني في الكيان الصهيوني من حيث الاختراعات العلمية، وأصبحت من العشر أو الخمس عشرة الأولى في العالم في الاختراعات، هذا كلام تخطيط بعيد المدى، هذه قوة، هؤلاء الفنيين Polytechnic)) أليست هي مهن؟ أليست هي حاجات المستقبل والعالم كله تطور تقنياً، وهذه التقانة التي استمرت نحن بأمس الحاجة إلى كل أشكالها وألوانها، وجود هؤلاء الناس بهذا الذي يُخطط له من ذلك التاريخ وعندهم رؤى أننا سنبني هذا المعهد ليكون لما هو قادم، أنا أقول أن يعني التخطيط المسبق الله سبحانه وتعالى حدد لنا أنه بالنظر إلى المسلم وحاجات المسلم ومستقبل الحياة، لكن في الإسلام الرسول صلى الله عليه وسلم يعني عندما قال حضّنا: “يبعث الله على رأس كل مئة عام للمسلمين من يجدد لهم دينهم ويجدد لهم أمر دينهم” لاحظ هناك مئة عام بالحساب، يبعث الله على رأس كل مئة عام هذا التجديد، هذا التجديد لدين الله، كل مئة عام بمعنى أن الأجيال تتغير والأزمان تتغير والحاجات تتغير وعلى رأس كل مئة عام يأتي من يجدد للمسلمين، يجدد ماذا؟ القوة بكل أشكالها وألوانها ومستوياتها، هذا التجديد عدونا مع الأسف يعني مثل صلح الحديبية عندما الرسول صلى الله عليه وسلم حصل به بالاعتراف من قريش ودولة الكفر في الجهة الثانية، حصل منه الاعتراف عن وجوده ولو أنه تنازل عن بعض حقوقه في الاتفاقية، والصحابة لم يرضوا عن ذلك، أنعطي الدنية في ديننا يا رسول الله عمر يصيح، الله أكبر من يأتينا نرده إليهم ومن يأتيهم لا يردونه إلينا؟ فقال له اطمئن استرح، حصل على شيء اسمه (Recognition) الاعتراف أنّ عدوك اعترف بك، وعندما يعترف بك أنت ندٌّ له، كان عدد جيش الرسول في ذلك الوقت 1450 في صلح الحديبية، بعد أقل من سنة ونصف دخل مكة بالعشرة آلاف، لماذا هذه الزيادة في العدد؟ لأن القبائل المتفرجة من هنا وهناك المتفرقة تنتظر نتائج المعركة، فلما اعترف العدو بالرسول صلى الله عليه وسلم فالخيار بين رسول الله ودينه وبين الجاهليين فاختاروا دين الله.

د. عمر الجيوسي (المقدم): يعني ربما النبوة هي تكليف وليست مهنة، لكن لو اتفقنا الآن في منتصف الحلقة أو في الثلث المتبقي أنّ كتاب (مهنتي كملك) للملك حسين، أيضاً هناك القرآن الكريم ذكر سيدنا وداود وكانا ملِكين، وسيدنا يوسف كان حاكماً، وسيدنا موسى وهارون أيضاً، وكذلك يعني سيدنا أيوب كان أميراً محسناً…إلخ.

د. محمد سعيد بكر (الضيف): وذو القرنين كان له أيضاً.

د. عمر الجيوسي (المقدم): نعم الآن ذكرتُ نموذجاً للأنبياء، نظرة المجتمع للمهنة، إذا توسعنا الآن في المعنى وصلنا لما دون النبي من ملك أو إمبراطور فما دون هي مهنة في الأخير نعم، أنا سألت بداية الكلام الدكتور عن نظرة الغرب والشرق للمهنة، ما نظرة الدين لهذه المهن جميعاً؟

د. محمد سعيد بكر (الضيف): نظرة الدين لهذه المهن جميعاً نظرة محترمة، النبي صلى الله عليه وسلم أنا ذكرتُ وقلتُ وأؤكدُ أن بديل العمل هو الاستجداء، النبي صلى الله عليه وسلم يأتيه رجلان يسألانه فيقلّب النبي صلى الله عليه وسلم فيهما النظر، فيجد أنهما جلدان قويان عليه الصلاة والسلام، فيقول لهما صلى الله عليه وسلم إن شئتما أعطيتكما ولكنها لا تحل لقوي ولا لذي مِرة سوي، يعني الصدقة، القوي يمكن أن يحترف يمكن أن يعمل، النظرة السلبية للمهنة في الغالب أُخذتْ من طبيعة هذه المهنة وشكل من يعمل فيها، فتجد مثلاً الحداد ثيابة رثّة والنجار كذا، وتجد يعني يبدو عليهم فعلاً العرق والشكل العام والمظهر العام، فاخذ البعض أن هذه يعني مهنة مزدراة، لكن دعني أسأل هل تستغني الأمة عن مهنة عامل التنظيفات مثلاً الذي ينظف في الشوارع؟ هل يمكن أن تستغني؟ أنا أظن أنه في بعض الدول يُعطى هذا رتباً ويُعطى هذا علاوات زائدة لأنه يقوم بمهنة لا يمكن أن يستغني عنها المجتمع، طالما أن هنالك حاجة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول خير الناس أنفعهم، ولاحظ الحديث الأدق والرواية الأدق ليس خير الناس أنفعهم للناس، وإنما أنفعهم مطلقة للحجر والشجر والبشر مفتوحة هنا دكتور، هذا الفتح يعني أنك إذا نفعتَ الناس وتعدى نفعك للآخرين أنت بذلك تؤجر، هنالك قول يقول أن الأجر على قدر المشقة نعم وأهل المهن هم أهل المشقة، وهناك من يقول أن الأجر على قدر المنفعة المتعدية، وأصحاب المهن هم أكثر من ينفعون الناس بمهنهم، عندما يغيب عن البعض أن أصحاب المهن هم أصحاب فكر وليسوا فقط أدوات للتنفيذ ولا آلات يقال بأن هذا الإنسان لا قيمة له ولا وزن، عندما تتأكد الثقافة التي تقول أن صاحب المهنة مثقف وواعي ومفكر ويمكن أن يسد ثغرة عندئذ نعيد الهيبة لصاحب المهنة.

د. عمر الجيوسي (المقدم): جميل على كل يعني هناك بعض الدول يعني تنظر أو يكاد يكون قانوناً فيها أنه أنا المواطن عندي ممنوع أن يشتغل في المهن الخدمية، سنعود إلى هذه النقطة مع ضيفي الكريمين ولكن حان وقت وقت الفاصل، مشاهدينا انتظرونا بعد فاصل قصير إن شاء الله.

من جديد نرحب بكم مشاهدينا على خطى صلاح الدين، دكتور عبد اللطيف يعني كنا قبل الفاصل نتكلم عن أنّ بعض الدول تكاد تضع قانوناً عرفياً أنّ مواطنها لا يجوز أن يعمل في القطاع الخدمي، لا ممرضاً ولا مضيف طيران ولا …إلخ، وتستبدل يعني شبابها بعمالة آسيوية وإفريقية تصل في بعض الدول إلى 89 وبعض الدول إلى تسعين في المئة ويزيد، يعني لماذا يتعفف ويتأفف هؤلاء من المهن؟

د. عبد اللطيف عربيات (الضيف): لا شك أن هناك فترات في حياة الأمم تكون في انحدار قيمي، انحدار فكري، بطر في بعض الجوانب، ويعتاش الناس بطريقة ليست فيها لا صدق ولا أمانة ولا اختصاص ولا جهد يُبذل مقابل لقمة العيش، هذه الحالة ليست الحالة التي يقبلها المسلم ويعيش فيها المسلم، ولذلك هذه الحالة مرضية لا يجوز السكوت عنها، هذه الحالة نرجو الله سبحانه وتعالى أن ينقذ إخواننا منها؛ لأن نتيجتها وبال ومن علامات قيام الساعة.

د. عمر الجيوسي (المقدم): نعم يعني ماذا يقول الدكتور عبد اللطيف عربيات في المقابل هنالك نموذج مشرق، تجد بعض زعماء الدول التي هي الآن دول قوية كان يبيع الخضار على قارعة الطريق؟

د. عبد اللطيف عربيات (الضيف): هذا يعني حقيقة عقلاً ونقلاً ومفهوماً يدل على أن هذه أمة تستحق الحياة، الذي يستحق الحياة ويستحق أن يصل ويحقق هدفه ويحفظ كرامته ويبني أمته ويبني ويقدم شيئاً للحضارة، المسلمون دخلوا إسبانيا ما كان معهم مهن، دخلوا إسبانيا بنوا دولة أنشؤوا الصناعات، بنوا حضارة، بنوا علماً، الآن إسبانيا يدخلها سنوياً فوق السبعين مليون سائح، سبعون مليون سائح الآن هذا من قبل عشر سنين كان يدخل، سبعون مليون سائح مدخول هؤلاء أحسن من نفط العرب، من ماذا؟ يأتون لماذا؟ هل يريدون صراع البقر؟ هم يأتون ليروا معالم الحضارة الإسلامية التي بناها المسلمون في الأندلس، هؤلاء، هذا التاريخ الذي يسجل لمن تقدم بالعلم، تقدم بالمهنة، تقدم بالاختصاص، الفن الإسلامي الذي بُني أو صُنع في الأندلس العالم كله الآن يحتار به.

د. عمر الجيوسي (المقدم): طيب دعني الآن أسأل عن هذه النقطة دعنا في الأندلس الآن لكن في السؤال مع الدكتور محمد سعيد بكر، يعني في الأندلس فعلاً الذي يذهب إلى هناك يرى مثلاً قصر الحمراء، يرى 12 أسداً تقذف الماء من فمها وعندما تكون الساعة 11 الأسد الذي رقمه 11 لا يقذف الماء في نافورة الماء، يعني إبداع هندسي، يذهب إلى الحرم النبوي يجد أن الخطاط التركي محمود مثلاً تجد استقامة الألف وركوع الكاف وتتداخل الهاء وحدة السين، تجد إبداعات كثيرة عند المهنيين، أيضاً في الجيش المرافق لصلاح الدين الأيوبي كان يرافق جيشاً من الأطباء وإن كانت مهنة وضيعة في بدايتها لأشياء يعني الجرب وقلع السن والأمور الجلدية وأشياء يعني تحتاج إلى قلب جامد وإلخ، وكانت تطورت في عهد صلاح الدين وصار هناك أطباء مشهورون منهم ابن أُصيبعة ومنهم ميمون أو ابن ممون وابن لطيف البغدادي وإلخ، نريد أن نرتب معك دكتور في نظرتنا وأهمية سلم الإعداد عند المهنيين.      

د. محمد سعيد بكر (الضيف): الحقيقة أنت ذكرتَ جوانباً مشرقة من التميز المهني عبر تاريخنا المشرق الأندلس أو في غيرها، التميز المهني يشكل قوة وقديماً قالوا الحق الصوت الجميل والخط الجميل يزيد الحق وضوحاً، الصوت الجميل، الخط الجميل، الخط الجميل حرفة صحيح فيه جانب من الحرفة أو المهنة فطري قد يكون لكن في معظمه مكتسب، مكتسب حقيقة، كل شيء يمكن أن يكون مكتسباً العلم الحلم بالتحلّم والعلم بالتعلّم وغيرها، فنحن عندما نتكلم عن الأولويات يعجبني مقال الشيخ الشعراوي عليه رحمة الله: “أمة تأكل من غرسها يصدر قرارها من رأسها” يعني لاحظ انعكاس المهنة ألا وهي الزراعة على القرار، القرار السياسي والقرار الإداري والسيادة، أمة تستهين في كثير من القضايا المهنية والحرفية واليدوية وغيرها لا يمكن أن تصدر قرارات ناضجة يمكن أن تذهب بنا إلى إقلاع حضاري، وليس إلى حل مشكلات جزئية هنا وهناك، وبالتالي إذا أردنا ان نتكلم عن سلم الأولويات فكل مهنة يعني مفيدة في جانبها، كل مهنة مهمة، نريد أن نبني برنامجاً أو مشروعاً يذهب بنا طولياً وعرضياً في المهن، عرضياً بحيث نغطي أكبر ممكن قدر من المهن التي يحتاجها الإنسان، الإنسان كإنسان.

د. عمر الجيوسي (المقدم): حكم توفيرها؟ حكم توفيرها شرعاً المهنة المفقودة أو المقصرين فيها؟

د. محمد سعيد بكر (الضيف): واجب وهي في الأصل فرض كفاية تعلم هذه المهن، لكنها إن فُقدتْ يصبح الأمر على التعيين وليس فقط قضية الكفائية، الآن يحزنني كثيراً والله أن يكون ما نلبسه من الغرب كصورة وشكل، والساعة التي توقظنا على صلاة الفجر هي من الغرب، ومآذن المسجد سمّاعاتها أيضاً من الصين ومن غيرها، عندما وجدنا عنواناً من عناوين المقاومة الذي هو عنوان المقاطعة وجدنا أنفسنا في دائرة صعبة جداً وحرجة في عنق زجاجة، نريد أن نقاطع من؟ من؟ نحن نأكل ونشرب…  

د. عمر الجيوسي (المقدم): حتى الضيوف الذين أنا استضفتُهم في حلقات المقاطعة جاء بطائرة يعني صناعة أمريكية، وأمام كاميرات صناعة لا أدري من أين، كل شيء تقريباً.

د. محمد سعيد بكر (الضيف): عن أي مقاطعة نتحدث إذا كانت المادة الواحد يشترك في صناعتها أكثر لون من ألوان أعداء الأمة، الآن نأكل بسبب التطبيع نأكل _التطبيع مع العدو الصهيوني_ نأكل ونشرب ونستمد كثيراً من التقنيات وغيرها من اليهود.

د. عمر الجيوسي (المقدم): طيب نحن بقي لدينا دقيقتان أريد أن أسأل الدكتور عبد اللطيف سؤالاً، ذكرتُه مررتُ عليه سريعاً، معهد التخنيون أو التقنية للدراسات العسكرية أول ما فكر فيه الكيان الصهيوني قبل أن يحتل بلادنا في 48 بـ37 أو 36 سنة، سنة 1912م وفُعّل في سنة 1925م بالتحديد هو معهد التقنية أو التخنيون للدراسات العسكرية والحربية، وهذا يحتاج إلى أيضاً جيش من المهنيين معه، يعني حتى الأمريكان العالم يأتي إلى الكيان الصهيوني يخدم أربعة شهور أيضاً في الكيان الصهيوني، ماذا عن الإعداد المهني في الجانب الصهيوني؟

د. عبد اللطيف عربيات (الضيف): أخي يعني المهن بشكل عام لها هرم المهن، هرم المهنة المتخصصون بعدهم التقنيون أو التخنينون أو technicians)) ثم العامل الماهر ثم العامل العادي غير الماهر، هذا يسمونه هرماً مهنياً كل واحد له موقع فيه وكل مهنة لها هذا الهرم، الإنسان يجب أن يترقى ويتقدم في مثل هذه الامور من واحد إلى آخر ويمكن أن يتقدم بسهولة وخاصة في موضوع المهن بالذات أكاديمياً يمكن أن يجمع بين هذه وتلك، أنا حقيقة أريد أن أضع الأمور كما جاء في المثال الذي ضربته التخنيون والتخطيط للمستقبل، أنا عندما أقول أن هناك فكرة وهذه الفكرة تحتاج إلى تخطيط مسبق، وأن الحركة الصهيونية العالمية وضعتْ هذه الفكرة وأنها نشرتْها وأقنعتْ فيها الغرب، حتى أنّ رئيس وزراء بريطانيا عام 1907م يقول أننا نريد أن نكوّن لنا موقعاً _حتى يقال البعض أنهم عسكر_ متقدماً لنا في البلاد العربية يفصل شرق البلاد العربية عن غربها، وكان موقعه فلسطين وكان موقعه الكيان الصهيوني، هذا تخطيط مسبق عند الغرب، عند الصهاينة عند كل من يعادي هذه الأمة، ويحسبون أنّ هذه البلاد، هذه البلاد التي نحن نقف عليها الآن وفلسطين في مقدمتها هي هذا الموقع الذي يفصل شرق البلاد العربية عن غربها، والتي أُريد أن يكون بها موقع متقدم في قلب الأمة ليحقق الأهداف الغربية ضد الأمة.         

د. عمر الجيوسي (المقدم): نعم على كل الآن ختمتَ بالأهداف وبدأتَ حلقتَك بالأهداف، وكنا نتحدث لكن هناك جوانب كثيرة لم نغطّها منها أخلاقيات المهنة بيننا وبينهم، مع أنّ الإحصائية الأخيرة تقول أن 22 ألف جندي صهيوني يُطلب للمحاكم من أجل قضايا أخلاقية، على كلٍ الحوار معكما شيق وكثير ولكنّ الوقت قصير، نشكركم الدكتور عبد الطيف عربيات أستاذ وبروفسور التربية المهنية ورئيس مجلس النواب الأسبق، وكذلك الدكتور محمد سعيد بكر أستاذ الحديث الشريف ومؤسس (مجموعة أحسن للتنمية المتكاملة) شكراً لكم ودعاء من فرق البرنامج لكم بأن يكون هذا العمل في ميزان حسناتكم، ومني أدعو لفريقي في العمل بالأجر الجزيل من الله عز وجل، وباسمهم جميعاً وباسم ضيفيّ الكريمين نشكر مشاهدينا أيضاً وهذه تحيات المنتج أحمد العكلوك، دمتم في أمان الله والسلام عليكم ورحمة الله.