د. يوسف القرضاوي
د. عمر الجيوسي (المقدم): السلام عليكم ورحمة الله مشاهدينا في فلسطين وفي كل مكان، مشاهدينا عبر التاريخ كان احتلال القدس وتحريرها يحرك كل القوى والثقافات والأديان، حرك الصليبيين والمسلمين والصهاينة أيضاً فلماذا؟ عماد الدين زنكي ومن بعده ولده نور الدين وصلاح الدين الأيوبي كذلك عملوا على توحيد أمة التوحيد، وكانت كلمة التوحيد هي السبب في توحيد الكلمة، أيضاً كانت إستراتيجية الصليبيين هي جمع الناس حول هدف ضخم هو بيت المقدس وكذلك الصهاينة يفعلون، الآن المحتلون الصهاينة يسهرون على منع ظهور جيل صلاح الدين مرة أخرى ولكن عبر مشروع نهضوي متكامل، لكننا ما مشرعنا النهضوي؟ وأين دور جميع الحركات الإسلامية؟ وأين دور حركات المقاومة الفلسطينية في هذا المشروع؟ مشاهدينا عندما قرر الزنكيون والأيوبيون تحرير القدس كانت أوضاع الأمة ممزقة تماماً كما هي الآن، وعُدّ قرارهم ضرباً من الجنون، في وقتنا هذا ماذا لو أعلنت دولة ما أو شخص ما أن لدينا خطة لتحرير القدس بعد اثنتي عشرة سنة من الآن، وخصوصاً في حالتنا هذه التي يزداد فيها التمزق أكثر؟ هل هذا يُعدّ ضرباً من المنطق؟ وهل نحن بانتظار حطين أخرى قريباً؟ مشاهدينا ضيف حلقة اليوم هو أحد فقهاء النهوض الحضاري، رئيس الائتلاف العالمي للمؤسسات العاملة للقدس، فضيلة العلامة الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي، مرحباً بك دكتور.
د. يوسف القرضاوي (الضيف): مرحباً بك دكتور عمر أهلاً وسهلاً.
د. عمر الجيوسي (المقدم): حياكم الله، يعني نحن مسرورون أن نستضيفك معنا على خطى صلاح الدين، في البداية قبل أن أنطلق في الحلقة يهمني العنوان (الأقصى تحريره واحتلاله جهد عالمي)، تحرك له الصليبيون وتحرك له هذا الهدف أقصد الصهاينة، وتحركت له أمم وثقافات وأديان والتاريخ والجغرافيا وما إلى ذلك، لماذا؟
د. يوسف القرضاوي (الضيف): بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيّئ لنا من أمرنا رشداً، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، أولاً أرحب بك دكتور عمر وبإخوانك وأسأل الله تبارك وتعالى أن يكون عملكم هذا عملاً توجيهياً تثقيفياً تربوياً لصالح الأمة الإسلامية وصالح مشروعها الإسلامي، وأن يجمع الكلمة على الهدى والقلوب على التقى والأنفس على المحبة والعزائم على عمل الخير وخير العمل، يعني نعيش مع الإسلام وأمة الإسلام أمة القرآن أمة محمد عليه الصلاة والسلام، لا نعيش لأفرادنا ولا لمجموعاتنا الصغيرة، أنا في قطر أعيش لقطر وأنت في فلسطين تعيش لفلسطين أو في لبنان تعيش للبنان، لا هذه مجموعات صغيرة نحن نعيش لأمة كبرى، أمة الإسلام التي بلغت الآن مليار وسبعمئة مليون وربما هي أكثر من ذلك لأن دائماً هناك حرب على تعداد المسلمين، ومحاولة تقليل أعداد المسلمين.
د. عمر الجيوسي (المقدم): نعم أنا سآتي إلى هذا السؤال هو من ضمن أسئلتي، وأرجع إلى السؤال الأول يعني بالذات بيت المقدس هذه القضية احتلال القدس أو تحريره يحتاج جهداً عالمياً؟
د. يوسف القرضاوي (الضيف): نعم لأن القدس يُنظر إليها يعني نظرة خاصة أن هناك تكالباً عليها، يعني المسلمون يعدّون القدس هي إحدى المدن الثلاث الأساسية المدينة الثالثة، المدينة الأولى هي مكة المكرمة أول بيت وضع للناس، والمدينة الثانية المدينة المنورة وفيها مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمدينة الثالثة هي القدس أو بيت المقدس وفيها المسجد الأقصى، المسجد الأقصى ربنا ذكره قبل أن يهاجر النبي إلى المدينة وقبل أن يُبنى المسجد النبوي، ربط بين المسجدين من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، هذا بدأ به الإسراء وهذا انتهى به الإسراء للصعود إلى رحلة المعراج إلى السماوات العلا، فأهمية هذه المدينة المسلمون يهتمون بها والنصارى يهتمون بها، ولذلك كانت من أجل ذلك حملاتهم التسع، تسع حملات حاولوا بها أن يصلوا إلى بيت المقدس وأن يقبضوا عليه ويمنعوا المسلمين منه، وقامت بينهم المعارك المعروفة بالحروب الصليبية، الذي سماها بالحروب الصليبية هم الغربيون أنفسهم هم سموها حروب الفرنجة، يعني حروب استعمارية جاء الفرنجة من بلادهم ليستعمروا يعني بلادنا وهذه نظرة المسلمين، أنّ الحروب هي حروب استعمارية أهم ما فيها أنها تتطلع إلى ما عند المسلمين من خيرات لنهب هذه الخيرات، المنطقة الثالثة اليهود، اليهود دخلت في المعركة أخيراً وعدّت هذه البلد بلدتهم وأن لهم فيها نصيباً وأن الله ذكرهم في التوراة، وبنوا على ذلك ما بنوا.
د. عمر الجيوسي (المقدم): طيب دكتور يعني نحن في هذا البرنامج نسعى أن يكون حوارنا من الباب النهضوي، وأنت من فقهاء النهوض الحضاري كما ذكرنا في المقدمة، هناك في وجه مشروعنا النهضوي الحضاري تقف عوامل داخلية وعوامل خارجية ضدنا، وتعلم تماماً وربما قرأت كتباً كثيرة التي توضح دعم ذلك الحبل السري الممتد بين الكيان الصهيوني والغرب، نريد إضاءة من حضرتك على العوامل الداخلية والعوامل الخارجية في دعم هذه العالمية ضد القدس.
د. يوسف القرضاوي (الضيف): العوامل أساسها ديني، لا شك في هذا، الجانب الديني هو المحور الأساسي في هذه القضية، خصوصاً عند المسلمين بالذات، نحن المسلمين نعتقد أن القدس يعني البلاد التي بارك الله فيها ولها مكانتها وكذلك النصارى وكذلك اليهود، اهتمام الأديان الثلاثة والتقاء هذه الأديان، كل دين يريد أن يكون له نصيب في هذه القضية، كان زمان اليهود بعيدين عن هذه القضية، النصارى هم الذين قاموا بها ولم يكن اليهود يفكرون في هذا الأمر، تفكير اليهود جاء متأخراً دخلوا في القضية وأصبحوا هم الذين يملكون مفاتيحها، وحركوا الغرب ليكون معهم، وأصبح الغرب معهم بالفعل، يعني اليهود ليسوا هم وحدهم معهم الأوروبيون ومعهم الأمريكان.
د. عمر الجيوسي (المقدم): أيضاً بدافع ديني؟
د. يوسف القرضاوي (الضيف): نعم؟
د. عمر الجيوسي (المقدم): أيضاً بدافع ديني؟
د. يوسف القرضاوي (الضيف): في الأساس دافع ديني، لا شك أن في أول الأمر كانت الدوافع الدينية التي دفع بلفور وزير خارجية بريطانيا ليقول لليهود في الحرب العالمية الأولى، يقول لهم أعدكم بوطن قومي، كانت لهم نظرة دينية من وراء النظرة الدينية إلى التوراة وإلى هذه الأشياء كان وعد بلفور، التغطية الدينية أساسية في هذه القضايا، ولا ينبغي أبداً أننا نبعد الدين كما يدعو بعض إخواننا للأسف، يقول لك يعني القضية هذي ليس لها …، لا، القضية قضية دينية أساسية، ومن يرى يعني ما يقوله الإسرائيليون والتفافهم إلى التوراة وإلى التلمود واستشهادهم بهذه الأشياء يعرف دينية القضية.
د. عمر الجيوسي (المقدم): طيب دكتورنا الفاضل يعني كثير من يعني عدد كبير من الأمة وهم ربما أغلبية، صحيح أن هناك نخباً لكن الأغلبية لا يعرفون أن هذه الأمة منوطة بمشروع نهضوي حضاري، ما مشروعنا النهضوي لاسترداد بيت المقدس؟ ما مشروع الصهاينة النهضوي؟ وأين وصل كلانا فيه؟
د. يوسف القرضاوي (الضيف): نحن عندنا مشروعنا الأساسي، هو أن يكون مشروعنا مشروع الأمة الإسلامية، للأسف نحن الآن لا نفكر كأمة بل نفكر كمجموعات، ظللنا قروناً نفكر كأمة لأن الإسلام يريدنا أمة لا يريدنا مجموعات متفرقة، (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)، (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون)، (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً)، (كنتم خير أمة أخرجت للناس)، القرآن يركز على هذه الأمة ويريد أن يصنع منا أمة، فللأسف أن بعض الناس يعني نسوا هذه القضية، ويفكروا كوحيدات أميمات، أميميات يعني دويلات، أشياء أحياناً لا تكاد تُرى على الخريطة، كل واحد يريد أن يكون… ما هذا؟ إنما نحن كأمة إسلامية مطلوب منا أن نفكر بكوننا أمة، إذا نسينا هذا وفكرنا بالأمور الجزئية هذه لا يمكن أن يكون لنا كيان، لا نقف أمام الصهيونية العالمية ولا نقف أمام الصليبية الغربية، ولا نقف أمام الوثنيات الكبرى في العالم، العالم يفكر في هذا الأمر حتى في الهند يفكرون في هذا.
د. عمر الجيوسي (المقدم): واليابان كذلك.
د. يوسف القرضاوي (الضيف): واليابان وبلاد كثيرة تفكر.
د. عمر الجيوسي (المقدم): واليهود كذلك؟
د. يوسف القرضاوي (الضيف): اليهود أساساً يفكرون في هذا الجانب، حتى العلمانيون من اليهود لا يفكر في الدين كدين ولكن يفكر في الدين كأساس للتجميع، أساس للتنصير، أساس للتقوية للربط بين الناس بعضهم ببعض، للإثارة، للحماس، يرى هذا هذا الدين أساسياً، ونحن يجب أن يكون هذا تفكيرنا لم تنهض أمتنا إذا أردنا نهوضاً حضارياً حقيقياً، ما معنى نهوض يعني؟ هل معنى النهوض أن تشبع من جوع وأن تأمن من خوف؟ ويكون عندك ازدهار ومدنية وحضارة؟ هل هذا هو النهوض؟ النهوض أن تنهض بصفتك أنت مسلم لازم أن تنهض بإسلامك، يعني معناها أنك تنظر إلى الإسلام بشمول الإسلام ووسطية الإسلام وتجديد الإسلام، يكون هذا أساس نهوضك، استجمع الأمة الإسلامية على مشروع بدون هذا لن تكون ناهضاً، أنت تسير في حينما تنشر الاشتراكية، أنت لم تنتصر انتصرت الاشتراكية العالمية، انتصرت رأسمالياً، لم تنتصر انتصرت الرأسمالية العالمية، لكي تنتصر لا بد أن تنتصر بالمبادئ الإسلامية، والقيم الإسلامية، وبالأخلاقيات الإسلامية، وبالتشريعات الإسلامية، بالقرآن بالسنة.
د. عمر الجيوسي (المقدم): طيب دكتورنا الفاضل عماد الدين زنكي وولده الملك الشهيد نور الدين زنكي ومن بعد تلميذه صلاح الدين.
د. يوسف القرضاوي (الضيف): نور الدين محمود.
د. عمر الجيوسي (المقدم): نعم الملك محمود نور الدين محمود، ومن بعده تلميذه صلاح الدين الأيوبي، يعني عملوا على توحيد أمة التوحيد فكانت كلمة التوحيد هي السبب في توحيد الأمة والكلمة، يعني مدى وصولنا الآن وابتعادنا عن مشروع تحرير القدس بمفردة التوحيد.
د. يوسف القرضاوي (الضيف): نحن الآن في جذب وشد ودز ومد، يعني لا نقف على حالة واحدة، هناك أناس يحاولون أن يوقظوا الأمة من سبات وأن يجمعوها من شتات، وأن يحيوها من موات، وأن يجمعوها بعد افتراق، وأن يقوّوا قلبها ويقوّوا ضميرها ويقوّوا عقلها، يصنعوا أمة جديدة ولكن هناك أناس آخرون لا يفقهون هذا، يريدون أن يقودوا عن يمين وعن شمال بعيداً عن حقيقة الأمة وروح الأمة ودور هذه الأمة، هذا هو الخلاف بين أبناء الأمة الواحدة، فمهمتنا نحن نرد أبناء الأمة إلى طريق واحد، هناك أناس لا يريدون أن ترجع إلى الإسلام، يحاربونك إذا ناديتهم بالإسلام، مع أنه لا يمكن أن يستقر لهم قرار وأن يكون لهم أساس يدافعون عنه ويحمون حماه ويحميهم هو أيضاً إلا الإسلام، فهذا عملنا لا بد أن نعمل مع أمتنا لنجمعها من ناحية، ثم نعمل على ذود الآخرين عن مشروع الأمة، لأن الآخرين لا يريدون أن نعمل على هذا المشروع دون أن يفككون عنه باستمرار، كلما تقدمنا خطوة يريدون أن يردونا عنها خطوات، لا بد أن نوعي أمتنا بما نحن نريده وما يريده أعداؤنا، لأننا نحن مفترقان خطّنا غير خطّهم، وهدفنا غير هدفهم، ووسيلتنا غير وسيلتهم.
د. عمر الجيوسي (المقدم): طيب حضرتك كشاهد على العصر وشاهد على السياسيين وشاهد على العلماء، يعني ونعرف من هو الشيخ يوسف القرضاوي، يعني عملياً أين وصلت الأمة لو رصدتَ اهتمامها بالتوحيد وخصوصاً العلماء؟
د. يوسف القرضاوي (الضيف): الحمد لله نستطيع أن نقول أن الأمة وصلت إلى درجة طيبة من الوعي بالتوحيد إلى حد كبير، لا نقول يعني الأمر تم؛ لأن هناك أناساً لا يريدون لك أن تستقر على القرار الصحيح أبداً، يقفون ضد هذا ويعملون على أن يردوك إلى الوراء كلما تقدمت إلى الأمام، انظر نحن كنا في حالة نسميها حالة الربيع العربي حينما قامت الثورات في البلاد العربية في تونس ثم في مصر ثم في ليبيا ثم في اليمن ثم في سورية، قامت ثورات ردت الأمة إلى منهجها الصحيح، استعادت الأمة حريتها، شعر الناس بأن لهم كياناً، الفرد شعر بحقوقه الإنسانية بعد أن كان يُصفع على قفاه ويُضرب من هنا، لم يكن له كيان، أصبح الفرد يشعر…، سرعان ما عادت القوة الشريرة مرة أخرى لتعيد الأمة إلى الخلف، مصر بعد أن هيّا الله لها ما هيّأ وأصبحت قادرة على أن تحكم نفسها لم تستمر سنة واحدة، لن يصبروا عليها سنة واحدة، وسارعوا مع الأسف بلاد أخرى من بلاد الخليج، يعني وقفت ضد المصريين ولا تزال تقف بلاد مختلفة ضد سورية، ولا تزال هناك مؤمرات على ليبية، الأمة من ناحية يعني الناحية الفكرية يعني أصبح عندها وعي إلى حد كبير، لا نستطيع أن نقول كل الأمة، إنما أصبح من ناحية العدد عدد كبير في الأمة أصبح عندها وعي عقدي للتوحيد.
د. عمر الجيوسي (المقدم): طيب دكتور ربما حضرتك سابقاً يعني أنت الآن تتكلم عن تطلعات الشعوب، ولو سألتك سؤالاً استراتيجياً في تطلعات الشعوب، سابقاً كنت تسميها الربيع ربيع القدس، وكذلك بعض القادة في فلسطين من العلماء يسمونه ربيع القدس، أقوى شيء عندما نجمع الأمة بعد الدين هو فكرة إستراتيجية، أليس توليد قضية بيت المقدس يعني تجمع الأمة باعتبارها القضية الوحيدة التي لا تفرق؟
د. يوسف القرضاوي (الضيف): المفروض أنها لا تفرق، لكن للأسف حتى هذه تجد عليها اختلافاً، بعضهم يعني يحارب، الآن تجد المصريين حاربوا غزة؟ أبناء غزة هم أقرب الناس إليهم.
د. عمر الجيوسي (المقدم): النظام وليس المصريون.
د. يوسف القرضاوي (الضيف): النظام طبعاً أنا أقصد الحكومة المصرية الحاكمة الآن، ليس المصريين الشعب، الشعب يحارب من أجلهم ويقاتل من أجلهم، إنما أنا أتكلم عن النظام الذي يحكم البلد، ألا ترى أنّ أناساً يتركون إخوانهم في سوريا يعني يقتّلون ويعني لا يساعدونهم بما يجب أن يساعدوهم، بالمال بالسلاح بالرجال وبكل ما نستطيع، الإسلام يفرض علينا أن أي بلد مسلم يتعرض لمثل هذه الحالة يجب أن يُؤيد، نؤيده بكل ما نستطيع، لا يستطيع أي بلد أن يعيش وحده لا، الأمة الإسلامية أمة واحدة.
د. عمر الجيوسي (المقدم): نعم، طيب على كل نحن متواصلين معك في محاور وحوارات كثيرة ولكن حان وقت فاصل، نستريح معك ولكن إن شاء الله نتابع أكثر من نقطة ربما لم نشبعها بحثاً، مشاهدينا نتواصل مع فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي ومعكم ولكن بعد فاصل قصير.
من جديد نرحب بكم مشاهدينا على خطى صلاح الدين بصحبة فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورئيس مجلس أمناء مؤسسة القدس الدولية.
دكتورنا الفاضل نتابع معك في هذه الحلقة ونريد أن نسأل تحت عنوان ما أشبه اليوم بالبارحة، شعوبنا كانت في ظل الحروب الصليبية تعيش حالة من الأفكار الممزقة بسبب الأوضاع السياسية، وبسبب الأوضاع الاقتصادية في ذلك الوقت ونتجت عنها هزائم نفسية وعسكرية، ما أوجه الشبه في تلك الفترة مع أوضاعنا الآن خصوصاً أن لك كتباً تتعلق بحضارة الغد والمستقبل.
د. يوسف القرضاوي (الضيف): بسم الله الرحمن الرحيم، لا شك أن أوضاع العالم تتشابه، لأن الإنسان هو الإنسان والعالم هو العالم، وقالوا التاريخ يعيد نفسة، معنى التاريخ يعيد نفسه أنه تأتي أحوال كأنه هذه هي نفس القضية، والقرآن يقول في وضع الأحوال تشابهت قلوبهم، رغم تطاول القرون مواقفهم واحدة لماذا؟ تشابهت قلوبهم، ويقول القرآن يعني (كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون، أتواصوا به بل هم قوم طاغون)، لن يتواصوا به إنما إذا معهم الطغيان، الطغيان هو الذي جعل كلمتهم واحدة، والشعب العربي يقول يعني كلهم أروغ من ثعلب ما أشبه الليلة بالبارحة، كل خليل كنتُ خللته لترك الله له واضحة، كلهم أروغ من ثعلب ما أشبه الليلة بالبارحة، الليالي تتشابه والتشابه أساسه أن الإنسان تفكيره واحد، عمل النفس ينطلق من نفوس متشابهة بعضها مع بعض، فلذلك لا مانع ولا عجب أن تجد أحوالنا الآن أشبه بأحوال المسلمين أيام الحروب الصليبية مع بعض الخلافات، يعني قد تجد يعني هناك أقاموا ممالكاً واستمرت مئتي سنة، وقاتل عليها أهلها، جاؤوا من أوربا المختلفة من فرنسا أول ما جاؤوا بعدها من ألمانيا ومن غيرها ومن إنكلترا ومن بلاد مختلفة، وقاتلوا على هذه الممالك وهذه الإمارات وقاتل المسلمون، لا تزال المشاعر والأحاسيس والأنفس التي دعت إلى هذه الحياة موجودة عند الغربيين، مع أنها انتقلت الآن من النصارى من المسيحيين إلى اليهود، فأصبح اليهود هم الأساس والنصارى هم المؤيدون، ونحن أصحاب القضية ندافع عن بلادنا ندافع عن ديننا ندافع عن هويتنا، فهذا أمر ليس لنا فيه خيار.
د. عمر الجيوسي (المقدم): ماذا يقول فضيلة الشيخ القرضاوي للذين يهادنون اليهود ويهاجمون الإسلاميين من بني جلدتهم؟
د. يوسف القرضاوي (الضيف): هؤلاء للأسف يعني لا يمكن أن يكونوا مسلمين حقيقيين، المسلم الحقيقي لا يمكن أن يهاجم الذي يأخذ بيت المقدس ويحتل دياره ويأسر أبناءه ويفعل بهم الأفاعيل، ويتحكم في رقابهم، أي مسلم هذا؟ أي إسلام يجيز له هذا؟ الإسلام من أجل مسلم واحد لا يسمح أنك يعني تستذل مسلماً واحداً، فكيف تستذل أمماً وشعوباً، الإسلام يعني من أجل حرية الشخص الفرد الواحد، فهؤلاء ليسوا مسلمين، أول ما يحرص عليه الإسلام أن يحمي عنق الفرد يحمي دمه، ثم يحمي حياته وصحته ويحمي ماله ويحمي عرضه، ويحمي دينه ويحمي أهله، كل هذه الحمايات يسمونها المصالح الخمس أو المصالح الست الضروريات للأصولويين في مقاصد الشريعة الإسلامية وفي المصالح الضرورية.
د. عمر الجيوسي (المقدم): طيب هؤلاء الذين يهاجمون الإسلام ليسوا من حكامنا وبني جلدتنا فقط، وإنما هناك نظريات كبرى في نهاية التاريخ مثلاً فرانسيس بوكوياما، صهيمن تينغتون، برنارد لويس إلخ، هؤلاء يتكلم البروفسور أحمد داوود أوغلو في تركيا عن هناك مشاريع لقطع هذه التجربة الإسلامية التي تقودها تركيا وماليزيا يعني في دور متقدم إلى حد جيد الآن، إذن هم يخافون من البدائل الحضارية، ما تعليقك على قدرتهم على قطع هذا البديل الحضاري الإسلامي؟
د. يوسف القرضاوي (الضيف): لا شك نحن عندنا بدائل حضارية مخالفة لنظراتهم هم تماماً، ما يقوله يعني هؤلاء الذين تحدثوا عن آخر الزمن وعن كذا مخالف لما عندنا نحن تماماً، نحن عندنا لا بد من تغير هذه الأحوال، والنبي صلى الله عليه وسلم جاءت عنده في أحاديث والقرآن الكريم، الإسلام هو الذي سيحكم العالم، هذا القرآن واضح (هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله ولوكره الكافرون)، الدين كله، الإسلام ظهر على الأديان ولكن ليست كلها، ظهر على اليهودية وعلى النصرانية الشرقية، ولكن لم ينتصر على النصرانية الغربية لم ينتصر على المجوسية، ولكن لم ينتصر على كل الوثنيات في العالم، إنما القرآن يقول ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً)، أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم إن الإسلام سينتشر انتشار الليل والنهار ولا يبقى بيت مدر أو حجر إلا أدخله الله الإسلام بذل ذليل أو بعز عزيز، عز يعز الله به الإسلام وذل يذل الله…، ثم حتى ليس فقط انتشار الإسلام، انتشار دولة الإسلام، انتشار الإسلام كدين وانتشار الإسلام كدولة، ولما يسألنا النبي صلى الله عليه وسلم أي المدينتين تُفتح أولاً رومية أم قسطنطينية؟ العرب كانوا يقولون على روما رومية عاصمة إيطاليا، أي المدينتين تُفتح؟ فقال لهم مدينة هرقل تُفتح أولاً، لأن هرقل…
د. عمر الجيوسي (المقدم): طالما دكتور ذكرت القسطنطينية وكنا نسأل عن موضوع نظرية البروفسور أحمد داوود أوغلو، يعني العثمانيون كان لهم فضل أيضاً في حفظ بحار المسلمين والذي يسيطر على البحر الآن التي هي نظرية الجيوبلتك الآن، يعني يسطر على الأهداف والذي يريد أن يحققه، حتى حموا وساهموا في حماية الأمة من الغزو البرتغالي، الآن يعني حتى في…
د. يوسف القرضاوي (الضيف): أنا أقول العثمانين أو الأترك ليس فقط الأمة التركية حمت الإسلام قبل ظهور العثمانيين، لأن السلاجقة ظهور العنصر السلجوقي كان ظهوره هائلاً جداً، غيّر المنطقة، المنطقة يعني الشرقية هذي كادت تضيع، يعني البوهيين والجماعة الشيعة المتعصبين ظهروا هنا وهناك، وظهور الفاطميين من ناحية، ظهر في ذلك الوقت السلاجقة وهو منهم عماد الدين زنكي ونور الدين محمود هؤلاء من السلاجقة، ثم جاء العثمانيون وأكملوا الدور، ونحن نعد أن تركيا لها دور عظيم في المرحلة القادمة، ومن هنا أنا أدعو المسلمين أن يتوحدوا، المسلمين العرب الأوفياء والماليزيين والأندونيسيين والأتراك، وكل المخلصين من أبناء الأمة يقفوا يعني جبهة واحدة في مواجهة الذين يريدون أن يقتلعوا الإسلام من جذوره ولن يمكن، الإسلام لا يمكن، حاول الآخرون من قبل ولكنهم أخفقوا.
د. عمر الجيوسي (المقدم): ربما هناك تجربة للبرتغاليين طالما ذكرنا موضوع البرتغال، في الفلبين كانت دولة مسلمة ولكن حولوها إلى دولة مسيحية رغم أن المسلمين في جنوب الفلبين عندما تسأله ما ديانتك؟ يقول لك أنا مسلم عثماني يعتقد بهذا، الآن يعني لو لخصنا للسادة المشاهدين ما المطلوب منا لتركيا؟ وما المطلوب من تركيا لنا في هذه الحقبة؟
د. يوسف القرضاوي (الضيف): نحن وتركيا يعني هدفنا واحد وطريقنا واحد، لا بد أن نعتقد أننا جزء من أمة كبرى، وأنّ علينا نحن العرب ونحن الأتراك وإخواننا في ماليزيا، وإخواننا في أندونيسيا، وإخواننا في باكستان في بلاد الهند، في كل الأرض في آسيا وإفريقيا يجب أن يعلموا أننا أمة واحدة، والأتراك الآن في فترة الفتوح، يعني نحن نشد على أيديهم ونقول لهم إلى الأمام، لا نقف منهم موقف المتفرج بل نحن نقف موقف المؤيد والمسدد، والأمة أمة أمة واحد هم يعدوننا أنا جزء منهم ونحن نعدهم أنهم جزء منا، وأننا كلنا سائرون إلى الطريق المستقين إن شاء الله الذي يوصل إلى سعادة الدنيا وسعادة الأخرى، هذا هو ما جاء به الإسلام، جاء بسعادة الدارين (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)، النبي عليه الصلاة والسلام قال: (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي).
د. عمر الجيوسي (المقدم): نعم، دكتورنا الفاضل أنت تحدثت عن الجانب التركي وذكرت بعض الدول، يعني أيضاً يعني الناس يقيمون ويعرفون قيمة ما تقول لهم، خمس العالم الإسلامي في الشرق الأدنى في آسيا، يعني بالتأكيد لا بد أن يكون لفضيلتكم كلمة طالما نتحدث عن أن تحرير القدس واحتلالها جهد عالمي، كلمتك لتلك المنطقة، وحتى إخواننا في أوربا وأنت رئيس المجلس الأوربي للإفتاء.
د. يوسف القرضاوي (الضيف): أنا أقول المسلمون في كل مكان هم أمة واحدة، المسلمون كانوا في الأندلس، خسروا الأندلس وأخرجوا منه، لأول مرة يخرج المسلمون من بلد دخلوه وانتهوا، يعني بقي بعضهم متمسكاً بعقيدته ولكن يعني بمرور الأزمان انتهت العقيدة، في هذه الفترة كان الأتراك ظهروا، يعني خسر الإسلام الأندلس وكسب القوة الإسلامية التي دخلت إلى أوربا ووصلت إلى فيينا وفعلت وفتحت الفتوح هذه، الإسلام يخسر من ناحية ويكسب من ناحية أخرى، لا يخسر الإسلام أبداً هو دائماً كاسب، إذا خسر في ناحية تجده كسب في ناحية أخرى، ولذلك نحن نؤمن بأن إن شاء المستقبل لهذا الدين العظيم للإسلام ولأهل الإسلام ولأمة الإسلام.
د. عمر الجيوسي (المقدم): طيب وشرق آسيا؟
د. يوسف القرضاوي (الضيف): وللعاملين للإسلام في شرق آسيا وفي وسط آسيا وفي غرب آسيا، وفي إفريقيا وفي كل العالم إن شاء الله.
د. عمر الجيوسي (المقدم): إن شاء الله، طيب لو افترضنا شيخنا الكريم كما ذكرنا في المقدمة أنه كانت الأمة ممزقة، وكان فيها فتن، وكان فيها طائفية، وكان فيها يعني يستعدون على بعضهم بالعدو كما يحصل الآن، لكن في تقريباً 12 سنة فقط أعلن صلاح الدين نيته لهدف إستراتيجي لتحرير بيت المقدس، الآن وأنت ربما رأيتُ لك كلاماً قبل ذلك ولفضيلة الشيخ المرحوم الغزالي، وللمرحوم الشيخ أحمد ياسين، وحتى لحاخامات اليهود أنه لا بد أنه قريباً، وربما حدد أرقاماً بعضهم، أنه لا بدأن تكون يعني تحرير بيت المقدس وانتهاء دولة يهود، هل إذا أعلن أحد الآن يعد ضرباً من الجنون أو ضرباً من المنطق؟ أنه ربما بعد عشر أو عشرين سنة ستتحرر القدس؟
د. يوسف القرضاوي (الضيف): نحن نوقن بأن اليهود لا يمكن أن يستمروا بهذا الغصب الذي غصبوه، بعض الناس يعني لا يظن أن اليهود تقول هؤلاء دخلاء، يقول لا هذه دولتهم، هذا يا أخي انظر الآن في ستين سنة سبعين سنة لن تجد لهم دولة، انظر في أوائل القرن كان اليهود كانوا عشرين ألفاً في كل يعني أنحاء فلسطين، ثم دخلوا شيئاً فشيئاً واستطاعو أن يكسبوا يعني العالم، ولكن نحن نعتقد أن الحق ليس معهم، وما دام الحق ليس معهم فلا يمكن أن يستمروا أبداً، لا بد أن ينكشف الباطل ولا بد أن ينتصر الحق، هذه يعني ثقتنا بالله وثقتنا بالحقائق، نحن لا نيأس أبداً.
د. عمر الجيوسي (المقدم): طيب ماذا عن الفكرة الزمانية يعني هل تتوقع ذلك في غضون جيل أو أقل من جيل؟
د. يوسف القرضاوي (الضيف): أنا لا أستطيع أن أحدد زمناً عشر سنين عشرين سنة ثلاثين سنة أربعين سنة، لأن الأحداث تتحرك أحياناً تحركات غير معروفة، الاتحاد السوفييتي انهار فجأة يعني ما كان أحد يتوقع هذا، لأن الانهيار يكون في الداخل وهذا غير معروف.
د. عمر الجيوسي (المقدم): لكن هل نستطيع أن نقول أن تجربة بناء الكيان الصهيوني شيء مختلف، وكل العالم قدم جهده العالمي لبقاء هذا الكيان، والكيان اشتغل بخطة إستراتيجية ومشروع نهضوي بدأ قبل احتلال فلسطين بـ 36 سنة، عندما أسس المعهد التكنولوجي التخنيون، وأسس بعد ذلك سنة 25 الجامعة العبرية، ويعني كان قد أسس دولة فعلاً، فزواله بالتأكيد صعب يعني.
د. يوسف القرضاوي (الضيف): ليس هناك شيء مستحيلاً أبداً، إذا قامت الأمة الإسلامية وتوحدت وتطهرت وتجمعت وكان عندها تصميم وإرادة، هذه الدول لا يمكن أن تستمر على هذه الحال، واستمرارها الحالة التي هي فيها، بينما حينما تسترخي وتأتي عليها فترات يعني غير الفترات التي هي فيها الآن يحصل غير ما ترى، والتاريخ شاهد على هذا، كان من الأمم كانت قوية وضعفت، كانت صاحية ونامت، كانت متجمعة وتمزقت، فنحن نؤمن بأن هؤلاء لا بد أن يأتي عليهم يوم، الباطل ما دام باطلاً لا بد أن يكون هناك أسباب يضعها الله تبارك وتعالى من حيث نعلم أو من حيث لا نعلم، من حيث نحتسب أو لا نحتسب، ستأتي هذه الأسباب وتنخر في هذه العظام، وتأبى إلا أن يخرّ هؤلاء رُكّعاً أمام الحق الإسلامي والحق العربي والحق الفلسطيني، ولا بد من يوم يشهده المسلمون إن شاء الله.
د. عمر الجيوسي (المقدم): يارب، إذن هذه جملة مهمة، الباطل طالما هو باطل إذا هو زائل.
د. يوسف القرضاوي (الضيف): لا بد، (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)، (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً)
د. عمر الجيوسي (المقدم): نعم، دكتورنا الفاضل يعني ما كلمتك في دور الحركات المجاهدة في فلسطين، والحركات التي تسعى إلى تحرير بيت المقدس سواء في فلسطين أو في غيرها، لا نقول فقط الجهاد أو حماس، أو سلفية، أو تحرير إلخ، يعني هل يمكن لهؤلاء أن يستمروا دون أن يتبنى خطابهم الرئيسي العنوان له أن يكون القدس؟
د. يوسف القرضاوي (الضيف): نحن ننادي هؤلاء الإخوة أن يستمروا في جهادهم وإعدادهم للجهاد، وتربية أبنائهم على الجهاد، ومناداة غيرهم بالجهاد، وإعداد الأمة للجهاد، ولكننا نقول إن الجهاد عليهم وحدهم، تحرير فلسطين ليس على أهل فلسطين وحدهم، المسلمين يريدون أن يتركوا الفلسطينيين يحملون القضية وحدهم، اليهود لم يحملوا القضية وحدهم يهود العالم كانوا معهم، والنصارى كانوا معهم، فكيف يحمل المسلمون الفلسطينيون وحدهم في قضية عالمية كبرى، لا بد أن نؤمن بعالمية قضية فلسطين، إنها قضية الأمة الإسلامية وعلى الأمة الإسلامية أن تتحمل مسؤوليتها الدينية، مسؤوليتها المالية، مسؤوليتها العسكرية، مسؤوليتها الاجتماعية، مسؤوليتها السياسية في هذه القضية، وهذا ما ينبغي أن نطمئن إخواننا أنه لا بد للأمة أن تقف في هذا الموقف، وعلى علماء الأمة أن يوعوا الأمة بواجبها في هذا كله.
د. عمر الجيوسي (المقدم): نعم، شيخنا الفاضل يعني هناك طرحنا أكثر من شريحة من شرائح الأمة، لكن هناك القاضي الفاضل يعني قال صلاح الدين الأيوبي (لا تظنوا أني ملكتُ البلاد بسيوفكم بل بقلم القاضي الفاضل)، وقد بلغ القاضي الفاضل مكانة سامية ورائدة وكان وزيراً ومستشاراً لصلاح الدين الأيوبي، يعني ما دور العلماء علماء النهوض الحضاري وفقهاء النهوض الحضاري في مشروع التحرر؟
د. يوسف القرضاوي (الضيف): دور العلماء دور أساسي لأني كما قلت لك إن القضية ليست قضية فلسطينية، القضية قضية الأمة الإسلامية، ولا أقول الأمة العربية وحدها حتى العرب عليهم، الأمة الإسلامية جميعاً عليها قضية تحرير فلسطين، تحريرها من هذا الكابوس الذي كبس عليها، هذه مهمة الأمة الإسلامية وخصوصاً الأمة العربية، وخصوصاً أبناء فلسطين، كل هؤلاء عليهم أن يتحملوا المسؤولية بكل موجباتها، ولا يجوز أن يتأخر أحد منهم عن واجبه، هذه القضية القرآن يأمرنا بها، السنة تأمرنا بها، علماء الأمة وإجماع الأمة يوجبها علينا.
د. عمر الجيوسي (المقدم): طيب دكتورنا الفاضل يعني أنت ربما لا نقول سراً أنت دائماً مشغول في التأليف ولك كتاب يعني تحت العمل الآن في الأخلاق، التجربة في النهضة اليابانية مختلفة عن تجربة العرب، اليابانيون يعني أخذوا الشيء التقني المادة ولكن تركوا للغرب تراثهم بطريقتهم واحتفظوا بتراثهم الياباني، لكن الأمة العربية يعني لم تهتم بتراثها في نقل التجربة التقنية إلى بلادنا، وعاشت في توجيهات فوقية أحياناً وربما حُرم بعض العلماء من تقديم مشروع نهضوي للأمة يعني، ما كلمتك؟ ما حكم هذا العمل لهذا المشروع؟
د. يوسف القرضاوي (الضيف): الذي قام به اليابانيون هو الطريق الصحيح، وكل أمة عندها يعني رسالة يعني علمية وفكرية وثقافية وحضارية تخصها، لا يجوز لها أن تفرط في رسالتها، لا بد أن تأخذ من الأمم ما عندها، وأصل ما عندها في الحقيقة هي أخذته منا، يعني الحضارة الغربية أخذت منا هذه الأشياء ثم زادت عليها، الحضارة الغربية ليست هي التي صنعت هذه الأشياء، نحن الذين اخترعنا النظام التدريبي والعلمي، نحن اخترعنا هذه الأشياء، وكثير من العلوم بدأت عربية وإسلامية، ومن ثم نهضوا بها، فنحن حينما نسترد هذا هي بضاعتنا تُرد إلينا، ولكن علينا نحن أن يكون لنا أساس ديني وفكري وإيديولوجي نربي الأمة عليه، هذا لا يجوز أننا نحن من أجل التقنيات وهذه الأشياء نبيع عقاءدنا وأخلاقنا وعبادتنا وقيمنا، هذا خلط وتخريب للأمة، الذي قام به اليابانيون هو الطريق الصحيح ويجب أن نسير نحن على هذا، ما عندنا لا يمكن أن يكون أبداً ضد النهوض الحضاري والتقدمي أبداً، إنما هو يعطينا الدفع ويعطينا القوة ويعطينا الميكانيك، ولا ينبغي أن يكون هذا يعني…
د. عمر الجيوسي (المقدم): نعم، يعني لو أسقطنا هذا على واقع في زمن عماد الدين زنكي ونور الدين وصلاح الدين، يعني بالتأكيد هم كانت لهم أدوارهم، منهم من بنى الدولة، ولكن قامت على ثلاث خطوات التربية، الإعداد، التحرير، وهذا الذي فعله كل أصحاب المشاريع الحضارية الناجحة، يعني بالتالي هل يمكن إسقاط ذلك على تجربتنا الحضارية؟ أين نحن مما وصلوا إليه؟
د. يوسف القرضاوي (الضيف): هو لا بد أن نقوم على هذا الأساس تطهير المجتمعات والأفراد والأُسر تطهير عام ديني وعقائدي وأخلاقي، وبعد ذلك التوحيد نوحد الأمم، هذا ما عمله عماد الدين زنكي ونور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي وأكمل المسيرة، يوحدون كان أهم شيء يوحد هذه المجموعات، الأمة للأسف كان التخريب عمل عمله في أن الأمة لا تجتمع على شيء، هؤلاء الناس لأنهم صادقون حاولوا ونجحوا، يعني حينما قام نور الدين محمود كان شيئاً صغيراً الأشياء التي يملكها بسيطة جداً، حاول أن يجمع من هنا وهناك ويربي ويعد العدة ويجمع الأسلحة ويصنع، الناس تتعلم صناعة الأسلحة ولم يكن ضد أحد لم يكن ضد النصارى، ويعلم أن هؤلاء النصارى والذين جاؤوا لم يكونوا يريدون الدين، وإنما كانوا يريدون الدنيا، حتى كانوا يعني يظلمون النصارى الموجودين النصارى الأرثاذوكس وغيرهم، وحتى النصارى الذين معاهم كانوا يظلمونهم، فنحن عندنا المشروع الذي يقيم العدل ويقيم الحرية ويقيم كل ما نحتاج إليه في الحياة الواقعية، ثم يعطينا كل ما يرقى بنا روحياً وأخلاقياً وعبادياً، ويجعل منا خير أمة أخرجت للناس، نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونؤمن بالله.
د. عمر الجيوسي (المقدم): طيب دكتورنا السؤال الأخير في هذه الحلقة يعني أنت عايشت ودرست في أحاديث أعلام النبوة، وعايشت أحداثاً كبيرة جداً في فترات يعني ممتدة، عبر هذه المعايشة للنص وللواقع يعني هل لك أن تتخيل _سؤال غريب قليلاً_ هل لك أن تتخيل الزمان والمكان والجيشين والمعركة الفاصلة، وهل ستنتهي عسكرياً؟
د. يوسف القرضاوي (الضيف): والله أتخيل هذا وأعتقد لن يكون بعيداً إن شاء الله، أعتقد إن شاء الله أنه حينما يأتي الوقت وتتهيّأ الأمة لمثل هذا ستحدث هذه المعركة بيننا وبين الظالمين من أهل الباطل، ولا يكون أهل الحق مع أهل الباطل وأهل العدل مع أهل الظلم، وهنالك يكون نصر الله عز وجل الذي وعد به المؤمنين ولن يخلف الله وعده، (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق)، (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين)، (وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
د. عمر الجيوسي (المقدم): زوال الكيان الصهيوني بالتحديد، زوال الكيان الصهيوني بالتحديد يجب أن يكون عسكرياً؟
د. يوسف القرضاوي (الضيف): لا بد من الجهاد العسكري، لا أعتقد أن يحصل أمر يأتي من السماء ونحن نائمون، نستيقظ من النوم نجد انتهى اليهود، لا يجب أن تكون المعركة يبذل فيها الناس الأرواح، ويبذل الناس فيها الأموال، ويبذلوا الغالي، هذه سنة الله التدافع، سنة التدافع، (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين)، (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يُكر فيها اسم الله كثيراً) هذا قانون التدافع.
د. عمر الجيوسي (المقدم): يعني طالما أن اليهود يؤمنون بأحداث آخر الزمان ومعركة نهائية وكذلك الصهيومسيحية ما مفهوم الشيخ يوسف القرضاوي للمعركة الفاصلة؟
د. يوسف القرضاوي (الضيف): أنا أعتقد أنه لا بد من معركة فاصلة بيننا وبين هؤلاء، يعني ليست معركة يوم ولا يومين ولا شهر ولا شهرين ولا سنة، الله أعلم تستمر كم، ويكون النصر لنا في النهاية إن شاء الله، نحن نعتقد أن الله هو الذي يسيّر هذا الكون، لا تسيره أمريكا ولا أوربا ولا…، الله هو مسير هذا الكون وهو مدبر هذا الكون وسيعطينا ما لا نحلم به إن شاء الله، لا بد أن ينتصر الحق على الباطل وينتصر العدل على الظلم وينتصر الهدى على الضلال، وينتصر الخير على الشر وما ذلك على الله بعزيز، (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي لعزيز، الذين إن مكناهم في الآض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور).
د. عمر الجيوسي (المقدم): جزاك الله خيراً، يعني صراحة نشكرك على حسن الاستقبال لتصوير هذه الحلقة في منزلك في قطر، ونشكرك على الاستضافة في محاور هذا اللقاء، ونسأل الله عز وجل أن يجمعنا على سرر متقابلين، آمين يا رب العالمين.
د. يوسف القرضاوي (الضيف): وأن يجمعنا على خير الدنيا والآخرة وعلى النصر والفتح والعز إن شاء الله.
د. عمر الجيوسي (المقدم): مشاهدينا الكرام لا يسعنا إلا في نهاية هذا اللقاء العزيز مع فضيلة الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي أن نشكره شكراً خاصاً يليق به، وهذه تحيات فريق البرنامج هنا في الدوحة، وكذلك في بيروت، دمتم في أمان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.