الدكتور منذر زيتون، عضو المكتب التنفيذي لهيئة علماء فلسطين في الخارج.
المقدم: د. عمر الجيوسي
تاريخ الحلقة: 28/10/2010 م
المقدم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. مشاهدينا الكرام، إذا كنا لا بد أن ننطلق من دين الله لتحرير الأرض والإنسان فإن من سنن الله أيضاً أن يقف له الباطل في الطريق.. وإذا كانت أعداد الأمة قد زادت عن المليار ونصف المليار مسلم فإن البيعة في عنق كل مؤمن تطالبه بالإعداد للجهاد ذروة سنام الإسلام، ولكن ليس هذا الإعداد مجرد اندفاعة إلى القمة للقتال بل الإعداد يكتمل حين تقوم قاعدته على الإعداد الإيماني والإعداد الاقتصادي والإعداد الفكري والإعداد العسكري الذي يقوم على قوله تعالى {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْل}، ولكن إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد احتاج في مكة إلى ثلاث عشرة سنة كي يعد الفرد الراشد فإنه صلى الله عليه وسلم قد أعد الدولة في المدينة المنورة في عشر سنوات فقط، وإذا أردنا أن نطبق هذا على الحالة الفلسطينية فإن فقه القضية يقتضي أن نطبق صور الإعداد ووسائله، وأن نتخلص من معوقات الإعداد لنقوم بأدوارنا، كل في موقعه.
أمة الإعداد والأعداد عنوان حلقة اليوم من برنامج فقه القضية، وضيف حلقتنا اليوم هو الدكتور منذر زيتون عضو المكتب التنفيذي لهيئة علماء فلسطين في الخارج، وسيكون معنا من الكويت على الهاتف بعد قليل فضيلة الشيخ الداعية أحمد القطان إن شاء الله.
دكتور منذر، نرحب بك مرة ثانية في برنامج فقه القضية، وقد استضفناك سابقاً في موضوع آخر، موضوعنا اليوم هو أمة الأعداد والإعداد.
الضيف: مرحباً بك.
المقدم: حياك الله، نبدأ بعكس كل مرة دكتور.. من المعوقات والأدوار المطلوبة، وما هي خطورة ترك الإعداد والتثاقل إلى الأرض؟
الضيف: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله والحمد لله، وأطيب الصلاة وأتم السلام على سيدنا رسول الله.
المقدم: الصلاة والسلام على رسول الله.
الضيف: هذا السؤال في الواقع أجاب عنه نبينا ورسولنا صلى الله عليه وسلم من قديم، عندما قال (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم).. الحديث واضح، ويتحدث عن أن: إذا أخذت الناس الدنيا والتهوا فيها، وجمعوا المال فيها وتركوا أمر الجهاد والإعداد فالنتيجة واضحة.. الله تعالى سيسلط عليهم ذلاً، لاحظ المعنى واضح وقوي جداً، ليس ذلاً عادياً إنما ذل مسلط، بحيث لن يجد الناس منفذاً لأن الذل سيحاصرهم، وواقعنا اليوم للأسف ينبئ عن هذا المعنى أيضاً.
المقدم: إذاً، المسألة ربط بالذل وتسليطه على الناس فقط؟
الضيف: نعم الذل، ما معنى الذل، هو أن يعيش الناس بغير كرامة، مهاني الجانب، مهضومين، يستخف بهم الناس كلهم، والآن إذا أمعنا النظر إلى حالنا.. حال الأمة لوجدنا أننا نعاني من هذه المهانة، ومن تربص الناس بنا، وأنهم لا يحسبون لنا حساباً في أي شيء حقيقة، للأسف، بعكس ما كنا عليه سابقا، كانت الأمة صاحبة قوة ومهابة.
المقدم: تقصد دكتور أننا الآن على الأرض مجرد أرقام وأعداد؟
الضيف: والله للأسف قد يكون نعم، لكن لسنا نقول إننا دائما أمة أرقام فقط، وإنما نحن أمة الخير إن شاء الله، الخير أخي عمر لن ينتهي في هذه الأمة إطلاقاً، النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق يقول (الخير فيَّ وفي أمتي)، نحن اليوم أقرب إلى مجرد أعداد دون قيمة، ولكن سيكون إن شاء الله هناك بزوغ فجر جديد عندما نرجع إلى ديننا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا ينزعه الله حتى ترجعوا إلى دينكم).
المقدم: دكتور نتحدث عن الإعداد للجهاد، ولكن لنكن واقعيين وننزل إلى وضعنا الحقيقي، يعني لا تغرك المقدمة التي قلناها، نحن سنصلها في آخر الحلقة، لكن الآن نحن نعيش الفرقة بطريقة ربما لم تحصل في تاريخنا، أم أنك ترى غير ذلك؟
الضيف: نعم، في الواقع لكل جواد كبوة، نعم الواقع هو ما تفضلت، لكن هذا ليس قدراً مقدوراً، بمعنى أنه ليس حالاً دائماً، والدليل على ذلك أن فينا القرآن، نحن أمة القرآن، والقرآن تماما كالروح للجسد، الجسد بلا روح عبارة عن شيء ثقيل لا يتحرك، ليس فيه حركة، ولكن حين تدخل الروح إليه يتحول إلى شيء آخر، هذه الأمة الخير فيها.. في القرآن، ما دامت بعيدة عن القرآن.. عن هذا الكتاب الذي يحركها.. الذي يعطيها العزة والكرامة والقوة فستبقى هكذا، لكنها إذا عادت ورجعت إلى القرآن الكريم أحياها من جديد، وإذا أحياها من جديد فستعود إليها العزة والكرامة، وسترجع كما كانت سابقاً أمة محترمة.. هذا هو المعنى.
المقدم: وهل من نص شرعي يبشر إلى هذا؟
الضيف: في الحقيقة كثير من النصوص تتكلم عن هذا، وقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، القضية الآن أننا يجب أن نبدأ، نحن علينا أن نعلم الخلل الذي نعيش فيه، الأمر الآن لا يخفى على أحد.
المقدم: علينا أن نبدأ من منظور شرعي الآن، نريد التأصيل، ما هو الحد الأدنى من الإعداد؟
الضيف: تقصد الإعداد للجهاد، أنا برأيي لا حد أدنى للإعداد للجهاد!
المقدم: الإعداد ليس معناه كما قلنا في المقدمة، ذروة سنام الإسلام، الإعداد الشامل للأمة بجميع شرائحها، كلٌ في موقعه.
الضيف: قطعاً، الإعداد بجميع شرائحه، نحن لا نقصد القوة فقط، إنما نقصد مشواراً طويلاً من الإعداد الروحي والإيماني.
المقدم: نبدأ من الإعداد بمعنى..
الضيف: لكن جواب على سؤالك أخي الدكتور عمر، لا حد أدنى للإعداد.
المقدم: لا حد أدنى للإعداد!
الضيف: لا حد أدنى للإعداد، يعني ألا يستطيع الناس أن يتكلموا كلمة حق، كلمة تحريض على الخير، كلمة تذكير؟! ولذلك إذا كان الجهاد يتطلب مواصفات خاصة أو شروط خاصة، الإعداد له وللحياة الإيمانية الطيبة لا حد أدنى له، لأن بعضنا يستطيع أن يتكلم كلمة، وبعضنا يستطيع أن يقدم دعماً مادياً، وبعضنا يستطيع أن يقدم مشورة.. لذلك أنا أعتقد أنه لا يوجد حد أدنى للإعداد على الإطلاق.. أبداً، وإنما كلٌ عليه أن يساهم بما استطاع.
المقدم: طيب، الآن العنوان في الحلقة: الأعداد والإعداد، آخر الإحصائيات تشير -ولا أدري مدى دقتها- إلى أن عدد المسلمين 1520 مليون، يعني مليار ونصف ونيف، وحتى بعض الناس يهاجمون هذا العدد، مثلاً في الصين الحكومة تقول إنهم عشرون مليون مسلم، بينما المسلمون يقولون نحن أكثر من مائة وعشرين مليون مسلم، الآن ما علاقة الأعداد بالإعداد، يعني ما فائدة هذه الكثرة؟
الضيف: على أي حال أنت تفضلت أنهم يقللون من أعداد المسلمين، أعداؤنا لا يستسيغوننا سواء كنا ملياراً ونص أو أكثر أو أقل، يعني مش نازلين من زورهم على الإطلاق، وإنما هم يعلمون أن هذه الأمة حية، أي فيها حياة.
المقدم: لا تموت؟
الضيف: إطلاقاً، ولذلك هم يعلمون حالياً أن حالنا خبى أو ليس بهذا الشأن، ولكنهم أيضاً يعلمون أنه لا بد أن يكون هناك يوم ينهض هذا المارد الذي يغفو فينا، أو الذي غفى طويلا لينهض من جديد، لذلك هم يرهبون من الأعداد، وأقرب مثال أو أصدق مثال على هذا ما يقدمه الأعداء كلهم للعالم الإسلامي من تحفيز ودعم ووسائل لتخفيض هذه الأعداد، يعني نحن نقول صحيح إن أعدادنا كثيرة ولا فاعلية لنا لكن رغم ذلك لو جئت تحصي كم تدعم البلاد الإسلامية من مواد ومال لتخفيض نسبة الأعداد هذه لدهشت، لماذا، لأنهم يعلمون ما معنى أن يزيد المسلمون.
المقدم: هل تملك بعض التصريحات لهذا أو بعض الأرقام؟
الضيف: نعم أملك وأنا مطلع بحكم معيشتي.. بحكم متابعتي، الآن دعني أعطيك مثالاً لو جئت إلى أكبر دولة عربية..
المقدم: مصر..
الضيف: مصر، عددها سبعين ثمانين مليون، ولو جئت إلى باقي الدول العربية لوجدت أن أعدادها أربعة مليون.. خمسة.. ستة.. سبعة، ورغم ذلك فإن هذه الدول تصلها كل يوم شحنات لما يسمى مواد منع الحمل وتنظيم الحمل.
المقدم: نعم، مؤتمر تنظيم السكان في مصر؟
الضيف: ولكن في نفس الوقت دكتور، لو نظرت إلى الدول الأخرى.. الغربيون مثلاً، لوجدت أن أقل دولة عددها مثل عدد مصر، ورغم ذلك يشجعون الإنجاب ويطالبون أفرادهم بزيادة أعداد الأبناء، أما نحن فكل يوم يطالبوننا بتقليل الأعداد.
المقدم: طيب، نختم كلامنا عن الأعداد لنتذكر ما حصل في معركة حنين {إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ}، لماذا لم ينتصروا في البداية رغم كثرة الأعداد والإعداد المادي، ما العنصر الذي كان ينقصهم في هذه الغزوة؟
الضيف: العنصر الذي ذكره الله تعالى، أنهم رؤوا بأن عددهم هو الذي سيكون عامل النصرة والفوز، وأنهم نسوا أو تناسوا، أو تناسى بعضهم أن الله تعالى هو الذي ينصر الناس، وأنه بيده مقاليد كل شيء، لذلك لمَّا غرتهم كثرتهم، الله تعالى علمهم درساً: أن النصر ليس في العدد وليس بالقوة فقط، وإنما القوة مطلوبة في الإعداد ولكن الله تعالى هو الذي ينصر، ولذلك فليعلم هؤلاء أن الله تعالى إن أراد أن ينصر أحداً فهو المنتصر، وإن لم يرد أن ينصر أحداً لن ينصره أحد إطلاقاً.
المقدم: دكتور ربما أقرب آية إلى عنوان حلقتنا اليوم هي {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ}.. سنسأل بعض الأسئلة عن هذه الآية ونبدأ بمن ترهبون، الإرهاب ترهبون به عدو الله، في هذا الزمن أصبح الإعداد إرهاباً والمسلمون يرددون وصف الإرهاب على شريحة من أبناء الأمة، يعني المشكلة بمصطلحاتنا نحن أبناء الأمة على بعض أبناء الأمة، كيف نزيل هذا اللبس في معنى الإرهاب، استرهبوهم الإرهاب؟
الضيف: قبل أن نزيل اللبس يجب أن نقول إن الإرهاب المقصود في الآية هو المهابة وليس الاعتداء، يعني الله تعالى يقول: كونوا أقوياء حتى تكونوا أصحاب مهابة فلا يتجرأ عليكم أعداؤكم، فقط هذا هو، يعني هذا معنى إيجابي، ولكن الآن كما تفضلت تحول هذا المعنى إلى معنى آخر سلبي تماماً، هو إيجابي هنا، ولكن تحول إلى أن معنى الإرهاب هو الاعتداء فقط، كلما وقع اعتداء، قيل: هذا إرهاب الإسلام أو إرهاب المسلمين!
المقدم: والذي تفعله إسرائيل أو الكيان الصهيوني أليس..
الضيف: هذا ليس إرهاباً!
المقدم: حتى لا يقال عنه في الإعلام العربي إرهاب!
الضيف: بالضبط تماما، الآن يوجه هذا المصطلح إلى غير معناه أولاً، ثم جعلوه سيفاً مسلطاً على رقاب المسلمين فقط، والأدهى من ذلك والأمر أننا نحن المسلمين أصبحنا نحتكم إلى هذا اللفظ ونحن نعرف أنه خاطئ وأنه يراد به غير ما وضع له.
المقدم: هذه المشكلة اللفظية، ولكن من حيث الواقع دكتور ألا ترى أن العرب أصبحوا يرهبون شعوبهم؟
الضيف: طبعاً، إذا قصدت العرب، أنا أعتقد أن الذي يرهب شعوبهم هم الحكام، الآن هؤلاء أخذوا هذا المصطلح واستخدموه ضد الشعوب حتى يحفظوا مصالحهم، للأسف أخي واقعنا يقول ما يلي: إن الشعوب المسلمة شعوب مغلوبة على أمرها، وإن بعض حكامها هؤلاء يدورون وراء مصالحهم، فلما اخترع هذا اللفظ ضد المسلمين أصبح الحكام وكأنهم يبرؤون أنفسهم فيستخدمونه حتى يرموا به الشعوب أو بعض الشعوب، فصارت الحكومات ترمي به الجماعات، والجماعات ترمي به الحكام، فصارت قضية متداولة بين الناس، والحقيقة أنه غير صحيح، وإنما استخدم من الحكومات أولا لحفظ مصالحها.
المقدم: سنترك هذا الموضوع حتى لا تكون حلقتنا إرهابية في رأي بعض الناس، فمثلاً الآية تربط وأعدوا بلهم ما استطعتم، ثم تنتقل وما تنفقوا.. يوفى إليكم، فما العلاقة بين الإعداد والإنفاق هنا؟
الضيف: في الحقيقة العلاقة مباشرة، فكما ذكرنا في البداية، الإعداد ليس هو فقط القوة، أو صنع القوة أو إدارة القوة، لأن هذه القوة وإدارتها أصلاً تعتمد على الإنفاق بمعنى التكوين، ومع ذلك هناك إعداد بشكل آخر سنتحدث عنه بعد قليل مثل إعداد الفرد وإعداد المجتمع وإعداد الروح..
المقدم: سنأتي إليها..
الضيف: لكن الآية وازنت بين أن هذه القوة لا تصنع فقط بالأجساد وإنما تصنع بالنفقات حتى تكون مصادر هذه القوة.
المقدم: دكتور منذر، في الإعداد: إعداد الجيوش وهو قمة الإعداد، كل أمة يلزمها جيش طبعاً، من منظور فقهي إسلامي ما هي مصادر تمويل الجيش؟
الضيف: مصادر كثيرة، أعلاها هو باب من أبواب الزكاة، إنما الصدقات للفقراء والمساكين إلى أن يقول الله تعالى وفي سبيل الله، أكثر العلماء ذهبوا إلى أن هذا مقصود به دعم المقاتلين المجاهدين في سبيل الله، وطبعاً أكثر من هذا، التبرعات والصدقات باب آخر، والآن إذا درست الواقع فإن أكثر باب مادي يُدعم به المجاهدون أو على الأقل في فلسطين هو التبرعات، إذا نظرت، فإنه لم يعد يعني الحكومات الإسلامية أن يكون هناك قانون للزكاة أو إجبار على الزكاة، فهناك الضرائب الكثيرة التي تثقل كاهل الناس والزكوات لم تعد شيئاً جبرياً كما يريدها الله سبحانه وتعالى، فالناس صاروا يتوجهون ذاتياً لدعم هذا الإعداد للقوة والمجاهدين وغيرهم.
المقدم: دكتور في قوله تعالى {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} الآن الجيوش لها قسم للتوجيه المعنوي وهو موجود في الآية.. وحرض المؤمنين، في المقابل هناك الحرب النفسية، ما هي عوائق التحريض التي تعيشها أمتنا وربما العوائق هذه من خارج أمتنا وبعضها من داخل أمتنا، العائق الأول الذي ذكرناه، ما عدنا مجبرين على ذلك، سيوصف أي تحريض على هذا أنه إرهاب، عن الجهاد عن استرداد العزة والكرامة.. عن تحرير فلسطين، أول ما ينعت بأن هذا يتحدث بالإرهاب، لأنه يتحدث عن التحريض، الآن التحريض يعتبر شيئاً خطيراً جداً على مستوى العالم، لأن فيه تحريكاً للأمة الإسلامية، فيه تحريك للشعوب، إذن أول عائق هو الاتهام، سيكون هناك اتهام آخر، الأمر الثاني تحرض من؟ إذا كان معظم من في الأمة مهمتهم إخباء شعلة الجهاد، الآن التحريض يكون وكأنك تسير بعكس التيار، وكأنك تعمل ضد ما يريده الكثير من الساسة، وهذا شيء خطير جداً، يعني أي واحد يتحدث عن الجهاد يعتبر خارجاً عنه السياق، مع أن الله تعالى يقول {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَال}.
المقدم: كتابة..
الضيف: نعم، وإذا تحدثت الآن عن الجهاد وهو فرض علينا فسوف توصم بأمور كثيرة، أنك خرجت وخرقت القانون وخرقت النظام، وأنك تتحدث بشيء أكبر منك، وأنك تتحدث بشيء مخالف لما عليه الأنظمة.
المقدم: وهناك شيء أكبر مني، وهو فاصل لا بد منه، فاسمح لنا ضيفنا الكريم ومشاهدينا الكرام.. وإن شاء الله سنكون مع الشيخ أحمد القطان في مداخلة على الهاتف فانتظرونا بعد قليل.
المقدم: حياكم الله مشاهدينا في هذه الحلقة، وعلى الهواء مباشرة من برنامجكم فقه القضية، وحلقة اليوم بعنوان: أمة الأعداد والإعداد، وضيفنا اليوم هو الدكتور منذر زيتون عضو هيئة علماء فلسطين في الخارج، دكتور دعنا نتابع المعوقات التي تعيق الإعداد، ولو نظرنا إلى المجازر المريعة التي تحصل بشكل متوالي ومبرمج ضد أهلنا في فلسطين.. ضد العرض والأرض والمقدسات، وحتى المقابر لم يسلم الحجر ولا الشجر، ومع ذلك أمتنا تشارك في الحصار وتشارك في الخذلان، ما حكم الخذلان من الناحية الشرعية؟
الضيف: طبعاً يحرم، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يسلمه، لا يجوز إطلاقاً أن تقف مكتوف الأيدي وأخوك يذبح، لا يجوز عند الله تعالى، هذا الخذلان ستحاسب عليه أمام الله تعالى، لكن الذي دفعهم إلى ذلك كما قلت قبل قليل حفظ مصالحهم، فهم اعتنوا بمصالحهم عن الجهاد في سبيل الله وعلى النصرة، وانظر إلى قوله تعالى {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُوه وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ}، الآن هذا الذي نراه من الخذلان لماذا، إنه نصرة لهذه المصالح التي يراها بعضنا للأسف أهم من نصرة الدين والمقدسات، ولذلك، الخذلان لا يجوز وسيسألون عنه أمام الله تعالى، ولا يجوز قطعاً بحال، أخي، عليهم أن يأخذوا عبراً من التاريخ من سيد الخلق، النبي صلى الله عليه وسلم قام ينصرة إمرأة مسلمة في بني قينقاع عندما هاجمها رجل فكشف عن وجهها أو عن عورتها، فانتصر لها رجل مسلم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وطردهم من المدينة، لماذا، لأنه لم يسكت عن خذلان امرأة أو رجل، فما بال هؤلاء، ولينظروا إلى المعتصم الخليفة العادل الذي جيش جيشاً كبيراً جداً، لأنه وصلته رسالة من إمرأة تقول: وامعتصماه، فقام إليها ينصرها..
المقدم: دكتور، هناك استثناءات ذكرها أبن قدامه الحنبلي في شروط من يطلب منهم الإعداد، من هم هؤلاء الذين يستثنون من هذا الإعداد؟
الضيف: أنا أعتقد أن لا أحد يستثنى.
المقدم: لا أحد؟
الضيف: كما قلت قبل قليل في الجهاد، ابن قدامه وغيره من العلما إن هناك شروطاً للجهاد فاستثنى المرأة والصغير وغير العاقل وإلى آخره، صحيح، ولكن الإعداد لا يستثنى منه أحد، انظر إلى قول الله تعالى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ}.. الله تعالى يتكلم: لا مؤاخذه على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يملكون المال، لا حرج إطلاقاً ولكن عليهم أمر آخر ما هو، أن ينصحوا لله ورسوله.. أن يكونوا عامل تشجيع وتعبئة، وأن الإحسان لا حد له، ما على المحسنين من سبيل، فليحسنوا بأي شيء استطاعوا، إذن أخي: الإعداد ليس له حد أدنى وليس له شروط إلا القدرة عليه بما استطاع.
المقدم: جزاك الله خير، اسمح لنا أن نأخذ هذه المداخلة مع فضيلة الداعية الشيخ أحمد القطان من الكويت..
الشيخ القطان: الله يحيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته.. ونحبكم في الله.
المقدم: وعليكم السلام، ونحن نحبكم في الله.
الضيف: وعليكم السلام.
المقدم: شيخنا أنت من سنوات طويلة وأنت صاحب منبر للدفاع عن الأقصى، ولك تلاميذ كثر تربوا على هذه الخطب، ما دور المنابر وخصوصا منبر الدفاع عن الأقصى كما جربته أنت في الكويت؟
الشيخ القطان: الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، يجب أن تعود المنابر إلى دورها العظيم، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين أن من أشراط الساعة ارتفاع المنابر، ولكن ارتفاعها الحقيقي ليس في البناء وإنما ارتفاعها الحقيقي في تبني قضايا الأمة، وعلى رأسها قضية القدس والأقصى، فالقدس والأقصى عندنا قرآن يتلى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَه}، المسجد الحرام إذا رأيناه ماذا نقول، اللهم زد هذا البيت مهابة وتشريفاً وتكريما وتعظيماً، وهب من حجه أو اعتمر فيه مهابة وتكريما وتعظيما.
المقدم: آمين.
الشيخ القطان: وكذلك نقول لأخيه وشقيقه الأقصى ولأهل الأقصى وللأرض المباركة أن الله تبارك وتعالى يهبهم تكريما وتشريفا وعظمة، وأن يجعلنا ممن ينصر الأقصى في الدنيا والآخرة.
المقدم: آمين.
الشيخ القطان: أيها الأحبة الكرام، زائر الأقصى أرسل إلى صلاح الدين رسالة تعرفونها..
أيها الملك الذي لمعالم السلطان نكس
جاءت إليكم ظلامة تشكو إليك البيت المقدس
كل المساجد طهرت وأنا على شرفي أنجس
فقال: لبيك وسعديك يا أقصى. وأرسل القساوسة إلى قائد من قواد صلاح الدين عربي يطلبون منه أن يتشفع بأن لا يدخله فتحا إنما يدخله صلحا، وجاؤوا بالآية {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّل عَلَى اللّهِ}، فقال له صلاح الدين: أنا كردي وأنت عربي، ولكنني أعلم منك بكتاب الله، فالله يقول {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}.. فيا أيها الأحبة الكرام، إن الأقصى يناديكم وكل منكم يعرف دوره، يعرف دوره إعلامياً، يعرف دوره دعماً مادياً، يعرف دوره في إعداد أبنائه للدفاع عن القدس والأقصى وتبني قضية الأقصى، يعرف دوره في دعم الأسر وفي المناداة لفك الحصار عن أهل غزة، وأن يعرف دوره أينما يكون في موقعه سواء كان حاكماً أو كان في الجيش أو كان أي كان في أي مكان.. أصبح الأقصى الآن امتحاناً صعباً نجح فيه من نجح وسقط فيه من سقط.
المقدم: نعم شيخنا.
الشيخ القطان: نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من أنصار الأقصى
المقدم: آمين، شيخ أحمد القطان الإعداد للجهاد كان يقوم وما زال على أمرين: السلاح، ومن يحمل السلاح وهو العنصر أو الجندي، هل يمكن أن تقارن لنا العنصر زمن الفتوحات الإسلامية التي ذكرتها والعنصر في الجيوش العربية الآن؟
الشيخ القطان: الفاتحون النبلاء رضي الله عنهم وأرضاهم كان أحدهم لا يكلف الخلافة والدولة الإسلامية شيئاً، يحمل سيفه ونبله ورمحه وزاده الدم، ليس هناك تمويل غذائي أو أمن غذائي، ومع هذا فتحوا الروم والفرس في وقت واحد لأن القلوب التي كانت تجاهد وليس القوالب، كان إذا تعسر عليهم فتح حصن من الحصون يقفون ويقولون الله أكبر الله أكبر الله أكبر.. تكبير العيد، فترتج الحصون ويقذف الله قذائف الرعب في قلب العدو فتفح الحصون بإذن رب العالمين، فاليوم أيها الأحبة الكرام يجب أن يعرف كل إنسان موقعه، حتى الجيوش العربية، اليوم لست معذوراً أنك تقول والله الآن في دولة وفي جيش نظامي وما عندي إذن إلى آخره، اعرف دورك يا أخي يا حبيبي، ربي الضباط الذين معك والجنود، ربهم على محبة القدس والأقصى، وإذا جاءت الفرصة يتسابقون كما تسابق جنودنا البواسل في مصر في شهر رمضان، يوم أن ولى العدو أمامهم جارياً فانطلقوا يهتفون تحت صيحة الله أكبر الله أكبر، ولو تركوا لما توقفوا إلا في القدس، ولكن يؤسفني انكشفت المؤامرة.
المقدم: شيخي هذا بالنسبة للشيخ، أما بالنسبة للعرب، بعض العرب الرسميين يدعمون العدو الصهيوني ويمنعون التبرعات عن المحاصرين وعن أهلنا في فلسطين وعن أسرهم وعن دعم أسر الشهداء والأسرى حتى أغلقت الكثير من الهيئات التي كانت تدعمهم وصاروا بدل دعم المؤسسات يستبدلونه بالخوف وإغلاق هذه المؤسسات، ما حكم من يدعم العدو ويجوع ويحاصر أخاه المسلم؟
الشيخ القطان: الجواب القرآني واضح لا يحتاج إلى تفسير {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} واضح فإنه منهم.. وهؤلاء اليهود معروفون ولكن يهود العرب هم من يتخفون للأسف الشديد، وأنا أول من أطلق عليهم هذه التسمية، يهود العرب الذين يصافحونك بيد ويطعنونك بالأخرى والذين هم يشكلون الحماية لليهود، والله لا يستطيع أحد أن يعبر أو يصل إليهم، يطاردون المجاهدين ويمنعون المقاومة ويهددونهم بأعراضهم ودمائهم مع الأسف الشديد، ولذلك أيها الأحبة الكرام أقول: إن المسؤولية عظيمة أمام الله عز وجل يوم القيامة، يوم أن يأتي الأقصى ويوم أن يأتي هذا الطفل الجائع..
طفل خذلناه فصاغ قرار حشد الصخور وجند الأشجار..
ماذا عليه إذا الرجال تخاذلوا أن داس أشباه الرجال وسار..
ومضى وحيدا لا يوجه وجهه إلا لربٍ قدَّر الأقدار..
من ذا يصدق أن طفلاً يائسا كسب الشعوب لصفه أنصارَ..
أو أن عكازاً بكف مسنة يثني الحديد ويعكس التيار..
في موطني من علم الأطفال أن تهوى الجهاد وأن تكتب الأشعار..
يا جيل أطفال الحجارة يا تلاميذاً صغاراً كتفوا إعصار..
كيف المصاحف أزهرت بل كيف أسراب الحمام تحولت ثوار..
آمنت بالإسلام بالقرآن بالجهاد حلا حاسما نعلو به ونروض الأخطار..
المقدم: ماذا يقول الطفل مشنوق على غصن من الزيتون في بيارة..
ماذا تقول صبية شقوا لها ثوباً فأعطاها الفدائي إزاره..
نادت صلاح الدين فاشتدت به جدران بيت المقدس المنهار..
لكن صلاح الدين مات وما لنا فيه وريث حمية وإمارة..
هل من وريث حمية وإمارة، شيخنا أحمد القطان؟
الشيخ قطان: الله أكبر، نعم أيها الأحبة، ماذا نقول لإيمان حجو هذه الطفلة الرضيعة التي بقروا بطنها! ماذا نقول للطفل الصغير الذي رأيناه بأم أعيننا يطلقون الرصاص عليه أكثر من عشرة دقائق مع والده حتى أردوه قتيلاً! أيها الأحبة، الأقصى يناديكم والناس سينكشفون عاجلاً أم آجلاً، والقدس هي الزلزلة الرهيبة التي ستفصل الناس إلى فرقتين: فرقة إيمان لا نفاق فيه، وفرقة نفاق لا إيمان فيه “زلزليهم يا قدس، فاليوم عيد لا يفل الحديد إلا الحديد”.
المقدم: نسأل الله ذلك شيخ أحمد القطان.
الشيخ القطان: صبي حديداً في براكين بجنون تميد، يا قدس يا قدس، وشكرا لكم.
المقدم: جزاك الله خيراً شيخ أحمد القطان من الكويت، جزاك الله خيراً، دكتور منذر، الشيخ ألهب مشاعرنا هل لك من تعليق؟
الضيف: جزاه الله خيراً، الشيخ دائماً صاحب صوت شجي وقوي ومثير ومحرض على الخير، الشيخ أحمد القطان أمد الله في عمره وأعطاه القوة ليدافع عن الحق وعن فلسطين وعن أهل فلسطين، في كلامه حقيقة أشار إلى شيء مهم جداً، يجب علينا أن نعلم من نحن، نحن أمام سؤالك عن الخذلان، نحن ثلاثة أقسام، قسم من الأعداء كما ذكر الشيخ أحمد القطان الآية {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} إذا كان في جلد مثل جلدك وكان في نبرة مثل نبرتك أو لغة عربية مثل لغتنا العربية لكن قلبه ليس عندنا، القسم الثاني: أناس يلهثون خلف هؤلاء حتى يلتقطوا فتات ما يرمون به ليبقوا على حياة، حياة عزة لهم يتصورونها كذلك، ووالله إنها لحياة ذل، القسم الثالث: هم أناس جهلاء، إن صح ما قرأناه في بعض الصحف العربية أن إسرائيل جارة لمصر ويجب أن يرعى الجار جاره، أنا رأيت هذا الكلام منشوراً في صحيفة، الذي كتب هذا إما متآمر وإما جاهل، فإذا كانت إسرائيل جارة لمصر، فغزة ماذا؟ فيما كتب أن إسرائيل جارة والله ورسوله وصى بالجار لاحظ، لاحظ الكذب والتأول، إذا كانت إسرائيل جارة ومعتدية فما بال غزة، أنا سأضرب مثالاً آخر غير إيمان حجو، الطفل الذي لم يبلغ من عمره 11 سنة قبل أسبوع تضربه سيارة مستوطن صهيوني محتل غاصب أمام كاميرا التلفزيون.
المقدم: وتفرض عليه الإقامة الجبرية بعد ذلك!
الضيف: نعم، وبعد ذلك يؤخذ إلى السجن ويحقق معه، ولا أحد تهتز له شعرة، ماذا لو كان هذا الطفل ابنك أيها الحاكم، أيها القائد أيها المسؤول، بالله عليك هل عندك عاطفة على أولادك؟ وهذا الولد أبوه وأمه أما عندهما عاطفة عليه، لماذا لا تشعر بشعور أبيه وأمه، لماذا لم تحسب أن لو كان ابنك مكان هذا الولد، لم يتحرك احد، بالله لو كان هذا الطفل أمريكي، لأتت أمريكا بكل غواصاتها وجيوشها لإنقاذه، لو كان في دولة أخرى أقل شأن بكثير، هل تسكت؟ وكما تفضلت، يأخذ ويوضع في الإقامة الجبرية حتى لا يذهب إلى المدرسة، طفل 11 سنة، في العالم كله يسمى طفل يسمى حدث يسمى غير بالغ، وهنا لا أحد يتحدث، طيب لا أقول أين صوت الإسلام ولا صوت العروبة، أين صوت الإنسانية في هؤلاء!
المقدم: وهم أصحاب اتفاقية جنيف للطفل، وأنت حقوقي وتعرف.
الضيف: ليس اتفاقية بل اتفاقيات، ملؤوا أذهاننا صباح مساء صراخاً بحقوق الطفل، حقوق الطفل في الطلعة وفي النزلة.. حقوق الطفل، لكن أطفال فلسطين لا حقوق لهم، أين هؤلاء المتشدقون كلهم، أين هم؟
المقدم: هناك حق للمشاهدين أن نخرج في هذا الفاصل، اسمح لنا، نلتقيكم مشاهدينا بعد هذا الفاصل فانتظرونا.
المقدم: حياكم الله من جديد مشاهدينا في هذه الحلقة وهي بعنوان أمة الأعداد والإعداد، وضيفنا اليوم هو الدكتور منذر زيتون عضو المكتب التنفيذي لهيئة علماء فلسطين في الخارج..
دكتور فاجئتني، أنا قلت لك أن ابن قدامه الحنبلي يقول إن هناك أصحاب أعذار، أنت قلت لي لا يوجد أعذار، ثم انتقلنا إلى مكالمة للحديث مع الشيخ أحمد القطان، إذن، نأخذ شريحة المرأة، ما حكم الأعداد والإعداد بالنسبة للمرأة؟
الضيف: إذا ارتبط الحكم بالقدرة فكلنا نقدر ولو بنسب بسيطة، الذي لا يقدر هو الميت، خذ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)، هل يعفى احد من إنكار المنكر، سؤال، لا أحد إطلاقاً، أقل ما فيها القلب، وهنا نفس الشيء، أخي نقول الجهاد واجب ويعفى منه الذين لا يستطيعون، لكن قلي من الذي لا يستطيع أن يقدم ولو كلمة، ولو كلمة في سبيل إعداد الأمة، لا أحد، أنا لا أعتقد أن هناك أحداً لا يستطيع أن يأتي ولو بشيء.
المقدم: المرأة، ما هو الإعداد المطلوب منها؟
الضيف: أشياء كثيرة، المرأة ما زالت من القديم إلى اليوم تدعم الأمة وإعدادها وجهادها، من أيام النبي صلى الله عليه وسلم كانت تطبب الجرحى وتسقيهم وترافق المقاتلين وتمدهم بما يلزمهم من العتاد.
المقدم: ورحم الله القائل: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق.. طيب، بالنسبة للصغير ماذا عليه؟
الضيف: والصغير كذلك، هذا نفتخر به، ابن خليل الرحمن الذي صدمته السيارة، أرأيته وهو عار بصدره ويريد أن يواجه المستوطنين، هذا صغير لم يكلف بشيء للآن لأنه لم يبلغ، هذا الولد قدم جهاداً والله يشرف الأمة كلها، هذا صغير ولكن كيف تراه، ذاك الذي يمسك الحجر ويرميه على الدبابة، رحمه الله أنا أذكره، اسمه فارس.
المقدم: فارس بصدره عارياً..
الضيف: يواجه دبابة، لم يواجه جندياً واجه دبابة، ماذا تقول فيه، هذا يجاهد، لم يعد للجهاد فقط وإنما أعد وجاهد.
المقدم: الآن شيخنا ننطلق إلى صور الإعداد، الشيخ القرضاوي في كتابه الجديد (فقه الجهاد) في الفصل الخامس يذكر بشرح كثير صور الإعداد، فنريد أن نعرف، طبعاً هناك الإعداد العسكري والفكري والثقافي والروحاني، ميادين كثيرة، لكن نريد أن نسأل عن الإعداد العسكري في البداية من ناحية التأصيل الفكري، ما حكم إعداد جيش للأمة، ولا أقول للدولة؟
الضيف: يا سيدي الحكم واضح في القرآن، الله تعالى يقول {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ}، إذن الإعداد واجب، فالأمر إذا جاء في القرآن أو في السنة يفيد الوجوب، بمعنى أن كل أمر في القرآن يعني أن على الأمة أن تعمل بمكنونه أو بما يتضمنه هذا الأمر، فإعداد القوة والجيش شيء واجب قطعاً وعلى الأمة أن تقوم به.
المقدم: طيب على الأرض الفلسطينية هناك احتلال، ووجوب الجهاد وجهاد الدفع، ما حكم تدرب الفرد على السلاح؟
الضيف: الآية القرآنية تخاطب الكل، (وأعدوا) ليس لفئة معينة، ليس الحكام، ليس المحكومين ولا غيرهم، الآية تكلف كل مسلم، النبي صلى الله عليه وسلم يقول (أنا بعثت إلى الناس كافة) خلص انتهى الأمر، لما يجي أمر، كل من قدر على هذا الأمر وجب عليه أن يقوم به، وبالتالي إعداد الفرد، كل فرد وجب عليه أن يعد نفسه بما يستطيع، وأن يعده قائده بما يستطيع حتى يحقق أمر الله في هذا.
المقدم: في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ومازلنا نتحدث في أمر القوة، الرسول صلى الله عليه وسلم لخص القوة واختصرها في الرمي، (ألا إن القوة في الرمي)، الرمي في هذا الزمان ما هو؟
الضيف: أنا أعتقد أنه ما اختصرها في الرمي إنما ركز على أبرز جزء فيها وهو الرمي، والحقيقة أن في الرمي هذا لطيفة وجميلة من النبي صلى الله عليه وسلم، لا ينطق عن الهوى يتكلم كصادق مصدوق صلى الله عليه وسلم، الآن انظر من السابق إلى اليوم ما هو العنصر الأقوى في المعارك أو في القتال، هو الرمي، كان في القديم رمي السهام أو رمي الحراب، الآن رمي الدبابات رمي الرصاصات من المسدسات والبنادق، رمي الطائرات، الرمي إذن هو العنصر الأبرز، شوف حتى الآن لم يعد القتال كما كان سابقاً وجهاً لوجه، الآن أصبح القتال بالرمي من بعيد وتطورت الآلات كثيراً.
المقدم: طيب الأعداء لو نظرنا، وهذه المعلومة معروفة للجميع، الأعداء يسيطرون ويحلقون كالطيور في الجو وعلى مسافات وبقدرات رادارية عجيبة، هل هم أدركوا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بطريقة أفضل منا؟
الضيف: أدركوا معناه قطعاً، لأن النبي عليه الصلاة والسلام لا يتحدث بكلام هوى، يتحدث بكلام منطقي أساسي شرعي، وبالتالي أخي هم أعدوا ما لم نعد نحن، هم فهموا ما لم نفهمه، وبالتالي فعلياً كما تفضلت أنت هم احتلوا الأرض والجو حقيقة، ما الفيصل الآن في كل الحروب الضاربة هي الرمي من الجو، وبالتالي نعم للأسف الأعداء أو غير المسلمين تمسكوا بهذا وبرعوا فيه أما نحن فلا.
المقدم: الإمام النووي يذكر أن هناك كراهة شديدة لترك الرمي حتى إن راوي الحديث عقبة بن عامر كان يتدرب على الرمي حتى سن متقدمة، وكذلك الإمام أحمد بن حنبل حتى الشيخوخة، حرصوا على ذلك، ما هي الرسالة التي ترسلها دكتور للشباب حول حديث الرمي؟
الضيف: والله هذا الحديث كما قلنا بما أنه حديث شرعي فإنه يخاطب الجميع، وإذا كان هذا الشيخ الكبير راوي الحديث رضي الله عنه تمسك لآخر يوم في حياته بما وصاه به النبي صلى الله عليه وسلم إذن وجب على من كان أصغر.. من كان صاحب فتوة وعضلات وتأهيل جسدي أن يتمسك بهذا الحكم من باب أولى، بل يجب على الشيوخ أيضاً، قلنا الآن أخي عمر لا يعفى احد من الإعداد صغيراً أو كبيراً، حتى الشيخ الكبير عليه أن يساهم، لذلك هذا حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وحذر من تهديد الرسول صلى الله عليه وسلم أن من تعلم الرمي ثم نسيه فعليه إثم، عرف هذا الحديث فتمسك به حتى لا يكون آثماً، لذلك على كل مسلم أن يأخذ بهذا الحديث وأن يتدرب ولا يسعه نسيان هذا.
المقدم: طيب في المجال الأول في الصورة العسكرية، الآن نأخذ السؤال الأخير، في الآية الكريمة {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ}، ما هو رباط الخيل المقصود في هذا الزمان؟ قطعاً لا يوجد خيول تجاهد في المعركة الآن؟
الضيف: طبعاً الرباط هو الرباط، هو نسبة إلى الخيل، لكن الرباط هو الإقامة على حدود الأرض الإسلامية للدفاع عنها ضد الأعداء، وكان قديماً الخيل، لكن في هذه الآية صورة تعبيرية جميلة، ما رباط الخيل؟ انظر، قد تكون عندك القوة، لاحظ، ولا تستطيع أن تتحكم بها، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم أو الله سبحانه وتعالى في الآية يقول عن القوة ويقول عن محركها أو عن مفتاحها، يعني لاحظ الآن في الدول العربية نحن نسمع يومياً أن الدولة العربية الفلانية تشتري ب30 مليار أسلحة وطائرات، هذه الطائرة لو وضعت على الأرض فهل تستطيع أن تستعملها، لن تستطيع أن تستعملها قطعاً.
المقدم: لماذا؟
الضيف: لأنك لم تفقهها، يعني ليس القوة أن تشتري الطائرات فقط بل عليك أن تفهمها وتديرها.
المقدم: ولكن أفضل العروض العسكرية والمعدات في الوطن العربي!
الضيف: لكن تأتي ناقصة، القوة الفاعلة فيها غير موجودة، ولو وجدت فإنه يوجد هناك معاهدات كثيرة تحتم أن لا تستخدم في مجال كذا وضد كذا، هذا معروف، فلنتصور أن هذه الدولة أوتيت بأحدث تقنية عسكرية ووضعت عندها على أرضها، هل تستطيع.. هل هي مؤهلة أن تديرها، طيب لو أدارتها فتعطل فيها جزء، هل تستطيع أن تصنع قطعة بديلة، لا، الآية هنا فيها إشارة إلى ذلك، امتلك القوة وامتلك مفتاح القوة رباط الخيل، ما معنى رباط الخيل، مفتاح القوة، لذلك لاحظ أخي السنة هذه إلى الآن 2010 مجموع ما اشترت الدول العربية من أسلحة من الغرب بلغ 132 مليار دولار، رقم عجيب عجيب عجيب، رقم كبير جدا يستطيع فيه العالم العربي أن يبني عالماً آخر.
المقدم: إذن سيلغى هذا البرنامج ولن يكون هناك فقه القضية وستحرر فلسطين قريباً!
الضيف: افتراضاً ولكن هل هذا..
المقدم: طيب ننتقل إلى شيء آخر من الإعداد وهو الإعداد الاقتصادي، ربما هناك تجربة لماليزيا ومهاتير محمد كان له كتاب “خطة جديدة لآسيا” وكان يطالب بالدينار الإسلامي، نحن نعيش مرحلة سيئة من الإعداد، كيف نفهم الإعداد الاقتصادي؟
الضيف: أخي نحن فاشلين، للأسف في كل شيء، مش بس الاقتصادي، مش عسكري ولا سياسي ولا ثقافي، حتى الرياضي، الرياضة انظر إلى مشاركاتنا تجد لا مشاركة أو نحن الخاسرين دائماً، الاقتصاد طبعاً هو رديف للقوة العسكرية رديف للقوة السياسية، هو جزء من الإعداد، الاقتصاد أخي إذا كان قوياً يقوى كل شيء، ولهذا الله تعالى حين أمر بحفظ الضروريات الخمسة كان منها حفظ المال، لأن المال عصب الحياة، لا بد أن نهتم بالناحية الاقتصادية، ما دمت أنت تلهث وراء اللقمة، ما دامت كل الدول العربية حتى دول النفط تعاني من الديون الخارجية، أين قدرتها، لا قدرة لها إطلاقاً.
المقدم: أين نفطها، نفظ العرب مدخور لمن؟
الضيف: بالضبط، والتالي تارة يلوحون لنا بالقمح. وبالماء تارة أخرى وبالخضراوات تارة..
المقدم: حتى الماء..
الضيف: حتى البندورة، البندورة شيء عادي الآن، معظم الدول العربية تعاني من شح الإنتاج، لا وجود لقوة اقتصادية، فكيف ستصنع قوة سياسية أو عسكرية ما دمت تفتقر إلى عصب الحياة الذي هو المال!
المقدم: لا يوجد هناك ثمرة نلاحظها في الإعداد الاقتصادي، لكن ما هي ثمرة الإعداد الفكري، ننتقل إلى قطاع آخر، الفكري والثقافي أين نحن من هذا الإعداد؟
الضيف: الفكري جزء أساسي في الإعداد، ولكن أيضاً للأسف نحن بعيدين جداً، ودعني أقول لك..
المقدم: عفواً، هناك إحصائية تقول إن ما تنتجه بلجيكا وحدها من الرسائل الجامعية والمنشورات أكثر مما تنتج الدول العربية جميعاً.
الضيف: صحيح، ودليل آخر: الجامعات، أول 500 جامعة في العالم لا يوجد بينها إلا جامعة عربية واحدة، وكانت في ذيل القائمة، ولقوتها المادية فقط، وهذا يعطيك مؤشراً..
المقدم: ما أثره على القضية الفلسطينية؟
الضيف: يلي هو القوة الاقتصادية؟
المقدم: الفكرية.
الضيف: أخي، شوف إنسان بلا فكر إنسان بلا روح، لأنه أيضاً حتى القوة لو أعددت، قوة بدون إعداد فكري للروح، بدون تعبئة، بدون عودة فيها للأصول، عودة فيها إلى الدين، سوف تستغلها في أمور خاطئة جدا، ولذلك نحن نتكلم أخي عن الإعداد الفكري على ناحيتين، ناحية الفرد: تقوي إيمانه وتزرع في نفسه الثقة وتعيده إلى حظيرة الأمة، وهناك إعداد على مستوى المجتمع، مجتمعاتنا الإسلامية تحتاج إلى أسلمة، انظر إلى هذه القاعدة المعقدة، مجتمعاتنا المسلمة تحتاج إلى أسلمه.. لا يوجد، الإسلام ليس عنوان، ليس كلمة في كل دستور من دساتير البلاد العربية تقول إن مصدر هذا الشريعة الإسلامية، أو دين الدولة الشريعة الإسلامية أو الإسلام، المقصود أسلمة المجتمع تحويل مؤسساته العلمية والثقافية والمجتمعية إلى منهج..
المقدم: دكتور، الأن بقي معنا دقيقة وباقي سؤال مهم جداً في النهاية، الشيخ البخاري أفرد في كتابه الجهاد باباً اسمه (عمل صالح قبل القتال)، وكما قلنا في المقدمة إن النبي صلى الله عليه وسلم صنع الفرد الراشد في 13 سنة في مكة، بينما الدولة أخذت منه عشر سنوات، الآن تاريخنا زاخر بالإمام القدوة أو القائد الذي أعد صلاح الدين أو محمد الفاتح، البعض يحتج أن هناك خيرية لذاك الزمان ونحن لا يوجد أمل، لا إعداد فرد راشد ولا جيل راشد ولا دولة راشدة؟
الضيف: أخي، أنا لا أعتقد أن هناك خيرية لزمان دون زمان، خير القرون قرن النبي عليه الصلاة والسلام أو زمن النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن ما دام القرآن فينا فالخير فينا، الخير فيَّ وفي أمتي، قبل صلاح الدين موسى عليه السلام صنع أمة عندما أمر الله تعالى بني إسرائيل أن يدخلوا الأرض المقدسة فأبوا فعذبهم بالتيه أربعين سنة، فكعف موسى عليه السلام في الأربعين سنة على إنشاء جيل جديد، صنع حياة جديدة، ثم دخل هذا الجيل إلى فلسطين فاتحاً بأمر الله تبارك وتعالى، وكذلك صلاح الدين، صناعة الحياة أخي واجب الأمة، واجب علي أنا أن أصنع حياتي، أنا الآن لو تخيلت ماذا علي من..
المقدم: سريعاً دكتور الوقت انتهى..
الضيف: وماذا علي من أمور لصنعت في نفسي حياة جديدة، ثم ننتقل إلى من يلينا، حتى يعمم على الأمة، وتكون الأمة كلها كما قال الله تعالى {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَ كَالْأَقْرَبِينَ}.
المقدم: إذن هي نظرية صناعة الحياة؟
الضيف: صناعة الحياة تبدأ من النفس.
المقدم: صناعة الحياة كلٌ في موقعه، جزاك الله خيراً الدكتور منذر زيتون عضو المكتب التنفيذي لهيئة علماء فلسطين في الخارج، كما نشكركم مشاهدينا، ونلتقي في حلقة جديدة من برنامجكم فقه القضية، هذا عمر الجيوسي يحييكم وفريق البرنامج.. دمتم في أمان الله، والسلام عليكم.