الحلقة 26 موضوع الحلقة: جهاد العلماء في فلسطين / الجزء 2

    

ضيف الحلقة: الدكتور محمد موسى الشريف    عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

المقدم: د. عمر الجيوسي

تاريخ الحلقة: 27/05/2010م

المقدم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مشاهدينا الأحبة تناولنا في الحلقة السابقة جزءاً من جهاد العلماء في فلسطين تناولاً حركياً نقدياً، وتناولنا جهاد العالم الرباني عز الدين القسام، وقدمنا للمجاهد الأكبر الحاج أمين الحسيني الذي هو ربما القائد الوحيد في العصر الحديث الذي جمع بين سلطتي العلم والقيادة، وفي هذه الحلقة سنتابع مطاردة الإنجليز له وخروجه من فلسطين إلى لبنان إلى بغداد إلى إيران إلى ألمانيا ثم فراره من فرنسا ووفاته في بيروت، ويبقى السؤال لماذا علقت جريدة التايمز البريطانية بهذه الكلمات حين وفاة الحاج أمين الحسيني “مات عدو الصهيونية والإمبراطورية البريطانية”؟ وفي هذه الحلقة إن شاء الله سنتعرف على العالم الذي كان له الدور بعد الله سبحانه وتعالى في تأجيل سقوط القدس عشرين عاماً، ونريد أن نتعرف على تلك الفترة الخالية من الجهاد، والخالية من دور العلماء وربما هي فترة دخلت فيها القضية الفلسطينية غرفة إنعاش المحافل الدولية، وفي المقابل هل أعادت معركة الكرامة بعض من كرامة الأمة ولو لفترة من مؤقتة؟ وفي الختام هل سيعود دور العلماء القادة على أرض فلسطين؟ ومتى؟ هذه المحاور وغيرها في حلقة ثانية من موضوع جهاد العلماء في فلسطين مع ضيفنا الدكتور محمد موسى الشريف عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، نرحب بك دكتور محمد.

الضيف: أهلاً وسهلاً أخي.

المقدم: حياك الله، دكتور هناك السؤال المفصلي الذي يربط بين الحلقتين، وهو أنه رغم ما شاهدنا من بطولات وتضحيات وتكتيكات إلا أنه يبقى السؤال: لماذا لم يصل العلماء إلى مرادهم؟ يعني ما هي المعوقات التي منعتهم من تحرير فلسطين؟

الضيف: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، جزاكم الله خيرا على إعطائنا هذه الفرصة الثانية من أجل الحديث في هذا الموضوع المهم الذي ربما لو بسط لجاء في حلقات كثيرة، لكن في البداية أقول أخي، أن من سعادة الأمة أن يجتمع الحكام مع توجيهات العلماء، فإذا اجتمعت السلطة السياسية مع السلطة الدينية كان ذلك من سعادة الشعوب المسلمة، لكن المشكلة أن هذا لم يكن كذلك في زمن أولائك المجاهدين العظماء كان العلماء يعملون منفردين عن السلطة السياسية وكان لهم معاونين من الشعب وكان قلوب الشعب معهم لكن ماذا يعمل الشعب إذا الإرادة السياسية تخالف في الكثير من الأحيان منطلقات العلماء

المقدم: هل الشعب كان فعلاً معهم، دكتور؟

الضيف: عندي هذا ليس فيه ريب ولا شك، الشعوب دوما مع الإسلام ومع العلماء حتى الحاكم إذا رفع راية الإسلام الشعب ينطلق معه وبقوة وعلى ذلك الكثير من الشواهد في الماضي والحاضر، للأسف في تلك المدة وأنا أسميها مدة مظلمة لأنها بدأت تنشط الشعارات القومية والاشتراكية والبعثية والناصرية وعزل الشعب عن دينه وإسلامه فكانت مدة صعبة جدا، فما كان للعلماء أن يصلوا إلى مرادهم في ظل هذه الأوضاع والأحوال كان أمر لا يمكن أن يكون حاولوا جهدهم جزاهم الله خيرا ورحمهم الله ورفع درجاتهم في عليين، حاولوا ما استطاعوا لكن الأحوال العامة لم تكن مساعدة، وهذا هو السبب الرئيسي في الحقيقة، ولن يصل العالم إلى مراده ولن يصل الشعب المسلم إلى مراده ما لم يجتمع له سلطة سياسية موافقة للسلطة الدينية في اتجاه هدف واحد، اليهود السلطة السياسية الآن مع السلطة الدينية متفقة، وما يجري من ألاعيب تظهر أن بعض المتطرفين اليهود يغضبون من الحكومة مجرد تكتيكات، لكن الإستراتيجية العامة متفق عليها بين أحبار اليهود وبين السلطة السياسية، هذا لا شك فيه أيضا

المقدم: دكتور هل هذه المعوقات موجودة إلى وقتنا الحاضر، نلاحظ أن العلماء لا يقومون بدورهم الريادي ولا القيادي رغم أنك قلت الآن أن رحم الأمة بدأ ينظف من التبعات الفكرية غير الإسلامية؟

الضيف: صحيح أخي، لكن العلماء أقصوا لمدة طويلة من قيادة الجماهير ليس من الآن، وأصبح أثرهم ضعيفا وهم أقصوا من أكثر البلاد العربية والإسلامية من القيام بوظيفتهم، وهذا أيضا عليه شواهد كثيرة، اليوم مثلا نحن نتحدث عن الشيخ أمين الحسيني، أمين الحسيني كان مفتي فلسطين لكن أنظر مفتي فلسطين ماذا صنع، أسس مؤتمر إسلاميا عاما، أسس المنظمات وعمل الأوقاف عمل المدراس وعمل المساجد

المقدم: دكتور نريد أن نتحدث عن شخصية الحاج أمين الحسيني وتفرده بأنه القائد الوحيد الذي جمع وحلق بجناحي السياسة والدين معا، إذا تكرمت بطاقة تعريفية لهذا العالم؟

الضيف: هو ابن القدس وابن فلسطين ولد في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي وأوائل القرن بالتعبير الهجري، أوائل القرن الرابع عشر الهجري والرجل من عائلة شريفة ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي رضي الله عنه وهو رجل وضع منذ نعومة أظفاره نصب عينيه وضع نصرة الإسلام والمسلمين هدفا له، درس في الأزهر وظروف الحرب العالمية الأولى منعته من المواصلة ثم ذهب إلى اسطنبول بتوجيه من والده ودرس هناك ضابطا، وهذه عجيبة وميزة للحسيني وهو أنه درس في الكلية الحربية وتخرج ضابطا وعمل في الجيش العثماني في الحرب العالمية الأولى ضابطا وهذا لم يكن لأكثر العلماء، بل لا أعلم عن عالم وصل لهذه الدرجة وتخرج ضابط من كلية حربية، أنا لا أعلم أقول هناك عالم في العصر الحديث درس في الكلية الحربية وتخرج ضابطاً وشارك في معارك، شارك في الحرب العالمية الأولى مع الدولة العثمانية كل هذا أتاح له سعة في الأفق وأن يجمع بين العمل الحربي وبين الدراسة الدينية بعد ذلك، الحقيقة أن الحاج أمين الحسيني كان مثل أعلى لكل من يريد أن يعلم الناس ليقوم بمهمته من العلماء بوظيفته من العلماء، جمع ثلاث أشياء ما توفرت لأحد كان ضابطاً حربياً، وكان مفتياً دينياً وكان رئيس لمنظمة سياسية، كان المرجع السياسي الأول في فلسطين هذه مكنته من عمل أمور كثيرة

المقدم: هذه المؤهلات مكنته من عمل أشياء كثيرة، كيف استخدمها في جهاده في الدفاع عن فلسطين؟

الضيف: قضية كونه ضابطا هذه أسرها في نفسه، من الوثائق التي تذكر أن الحسيني رحمه الله سنة 1937 طلب من المجاهدين في فلسطين أن يخرج معهم إلى الجهاد بعد أن يئس تماما من الحلول السياسية ومن بريطانيا، لكن المجاهدين رفضوا ذلك بدعوا أن الإنجليز لو عرفوا أن الحسيني معهم فسيوجهون كل دبابتهم وطائراتهم وطاقاتهم للقضاء على الحسيني ومن معه

المقدم: هل هذا

الضيف: هو كان يرغب بالجهاد

المقدم: هل هذا عذر كافي دكتور؟

الضيف: هذه نظرة للمجاهدين آن ذاك، كان الحسيني متشوق للجهاد الفعلي في أرض المعركة، لكن هذا لا يمنع من القول أنه كان مجاهد في قلمه ودعوته وسياسته بل كان، وهذا بالطبع ثابت، أنه كان يمد الثوار سراً بالأسلحة والعتاد والأموال بدون علم السلطات البريطانية هذا ثابت في تاريخ الحسيني، إذن الحسيني ما ترك شيئاً ممكن عمله في فلسطين في ظني والله أعلم، إلا عمله، لكن الرياح ما كانت مواتية أخي

المقدم: دكتور القائد عبد القادر الحسيني، أسس منظمة الجهاد المقدس ولكن كان للشيخ

الضيف: الذي أسسها أمين الحسيني، لكنه طلب من عبد القادر الحسيني أن يقود هذه المنظمة

المقدم: إذن كيف طاردته بريطانيا طالما أنه كان غير معروف ودوره سرياً؟

الضيف: لا، هو كان له تحركات أزعجت بريطانيا، يعني لما دخل الفرنسيون إلى دمشق بعد أن انتصروا في معركة ميسلون واستقروا، ذهب الحسيني إلى دمشق مع مجموعة واستقروا في فندق في دمشق فندق فكتوريا، والتف حوله أهل دمشق وسارت مظاهرات في الشوارع مما اضطر الفرنسيين إلى أن يضعوه في دبابة ويخرجوه خارج الحدود، مثل هذه العصابات الدولية، ولا أقول الدول كانت عصابات آن ذاك، كانت ترقب تحركات الحسيني، الإنجليز أيضا ضاقوا ذرعا به، خصوصا لما مات أندوز حاكم الجليل الأعلى واتهم الحسيني بتدبير قتله فأرادوا أن يقبضوا عليه

المقدم: الحسيني الحاج أم عبد القادر

الضيف: الحاج أمين الحسيني اتهم

المقدم: الحاج

الضيف: نعم اتهم أنه سهل قضية مقتل أندوز وهو حاكم الجليل الأعلى وهذا كان في 1937 فمثل هذه القضايا كان الإنجليز يعلمونها تماما من حياة الحسيني ويعرفون أن له أثر في التحركات الجهادية الفلسطينية آن ذاك، وإن كانوا لا يملكون الدليل على هذا، الدليل المادي، لذلك هم أرادوا فعلا القبض عليه ومحاكمته لولا أنه خرج، خف سريعا إلى لبنان هاربا في زورق، وإلا كان فعلا يريدون القبض عليه

المقدم: أريد أن أسأل عن حقيقة التنسيق بين الحسيني وهتلر، يقول في مذكراته، الحاج أمين الحسيني “الشعب الفلسطيني يعرف من أنا ويعرف ماذا أفعل ولمصلحة من أفعل أنا لم أذهب لبلاد المحور كي أضع نفسي تحت تصرفهم لقد ذهبت في سبيل خدمة قضيتي التي هي قضية أمتي بكاملها، ذهبت مفاوضاً لا متعاوناً كنت أتوق لإن تكون إقامتي ذات نفع لفلسطين خاصة ولوطني العربي الكبير عامة وللإسلام الذي أحمل أكبر مهمة من اجل إعلاء كلمته” دكتور هل يجوز شرعا الذهاب إلى الدول الكبرى غير المسلمة للاستعانة بها؟

الضيف: وماذا يصنع، أخي كانت الدول العربية الكبيرة كانت محتلة، مصر كانت محتلة من قبل الإنجليز، فلسطين محتلة من قبل الإنجليز، بلاد الشام كلها محتلة من قبل الفرنسيين، ماذا تريد منه أن يصنع، أين يذهب الرجل، من أين يطلب المساعدة، الرجل مثل أعلى في التحرك في الحقيقة، انطلق من إيران رحلة صعبة جدا برية ومنها إلى بلغاريا، تركيا آنذاك لم تكن مهيئة أبدا خلاف تركيا اليوم بفضل الله، انطلق إلى بلغاريا ومنها إلى ألمانيا، مثل أعلى في التحرك، ليس لأجل فلسطين فقط بل في ألمانيا درب البوسنيين أو ما نقول نحن

المقدم: البوشناق

الضيف: البوشناق دربهم على مواجهة الصرب، من تلك الأيام، وعمل معسكرات تدريب في ألمانيا من أجل قضية البوسنة، أنظر إلى سعة أفق الرجل وإلى استفادته من وجوده في ألمانيا آنذاك، ما كانت فقط قضية فلسطين هي المسيطرة على ذهنه، بل كانت قضية فلسطين وقضايا الأمة، ماذا أقول عن هذا الرجل رحمة الله عليه، عرض نفسه للموت مرارا، تحرك من أجل أن يتصل بالقوى الكبرى آنذاك، لكن هتلر، الدعاية النازية أخي كانت دعاية غالبة كانت دعاية طاغية فكان هتلر يصور للشعوب على أنه هو منقذها وهو ناصرها، ثبت أيضا في الوثائق أن الحسيني طلب من هتلر أن يساعد أهل شمال أفريقيا أن يساعدوه في حربه، فرفض، وتعليل رفضه وهو ذكر أيضا في المذكرات، تعليل رفضه أنه قال أنا أخشى كل ما أخشاه من الأممية الإسلامية، تصور منذ ذاك الوقت

المقدم: هذا تخوف هتلر

الضيف: نعم، تصور كان يخشى الأممية الإسلامية، كان لا يريد أن يجتمع الإسلام على هدف حتى لا تقوم ما كان يعرف آنذاك الأممية الإسلامية مقابل الأممية الشيوعية والأممية الإمبريالية، فالرجل يعرف والكفر كله ملة واحدة، لكن كان هناك تناقض استغله الحسيني، تناقض استغله الحسيني واستفاد منه لأجل قضية فلسطين وإلا هتلر رفض الكثير من مطالب الحسيني مثل وقف الهجرة اليهودية الألمانية إلى فلسطين ورفض الاعتراف بحق الشعوب العربية اعترافاً واضحاً بالاستقلال، الرجل كان يحاول ما يعرف اليوم بفن الممكن، وهذا قدر استطاعته

المقدم: نحن برنامجنا فيه الجانب الكبير من التأصيل الشرعي، أنا أريد أن أسأل هل يجوز إذا كان هناك فن الممكن، لا يجد أي جهة يذهب إليها إلا هتلر وإلا ألمانيا، هل يجوز له ذلك؟

الضيف: من الناحية الشرعية إذا وجدت دولة إسلامية تنصره لذهب إليها لكن قلت لك الدول العربية الكبرى آنذاك التي كانت هي رئيسة في نسق الدول العربية كانت محتلة كلها فماذا يصنع الرجل، لابد أن يستعين بقوة تره أمامه أنها ممكن أن توقف مطامع الإنجليز ومطامع الفرنسيين بالبلاد العربية، هذا من باب المصالح أو الأخذ بأخف الضررين لدفع أكبر المفسدتين، ماذا يصنع الرجل هذا الذي بيده

المقدم: طيب شيخ الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين الأكبر هل استعان أو استثمار وجود المد الناصري لتحريك الناس لأجل فلسطين ؟

الضيف: عبد الناصر خدع الكثير من الناس والمد الناصري جاء له إعلام قوي كان يدغدغ عواطف الجماهير كان يطالب بالوحدة العربية الشاملة من المحيط إلى الخليج كان يقول بهذا مرارا وتكرارا، دغدغ عواطف الشعوب العربية في فترة كانت الشعوب العربية خرجت للتو من الاحتلال، وبعضها كان محتل مازال، فكان مثلا أعلى للجماهير وعبد الناصر في الحقيقة مشروعه كان منفصل عن الإسلام تماما، ليس له علاقة تماما بالمشروع الإسلامي مشروع طموح وحدوي للسيطرة على البلاد العربية وغيرها من البلاد الإفريقية والأسيوية، الرجل كان طموحه عاليا وكبيرا، للأسف الشديد هذا الطموح ماكان متفقا أبدا في يوم من الأيام مع الآمال الإسلامية، لأن من المعلوم أن عبد الناصر حارب المد الإسلامي في مصر وزج بالدعاة إلى السجون، جعل مصر حمراء كما قال آنذاك باستيراد المبادئ الاشتراكية، فعبد الناصر وثق فيه الحسيني في البداية، الحسيني كان ينظر إلى أي قوى مؤثرة في العالم العربي ويستفيد منها، هو شيخ يعلم أن الاستفادة من هذه القوة لدفع المفاسد أمر مطلوب شرعا، لكن عبد الناصر خذله بعد ذلك وأقصاه من قيادة الشعب الفلسطيني في مأساة معلومة، وأتوا بمنظمة التحرير وأتوا بأشخاص علمانيين يقودوا هذه المنظمة ومنعوا الحسيني منها وجردوه من قيادة الشعب الفلسطيني كما هو معلوم بل أرادوا سجنه لكنه استطاع أن يفر من القاهرة إلى بيروت في قصة طويلة ومعلومة

المقدم: سنأتي إلى تفاصيل كثيرة في حياته، لكن دكتور نرجع إلى ذهابه إلى دول المحور ألمانيا وهتلر، هو ذهب للتفاوض ولأخذ ما يستطيع من ممكنات لأجل الشعب الفلسطيني، هل من فرق بين المفاوضات التي تجري الآن والمفاوضات التي فعلها الحسيني وهو رجل دين وعالم وقائد؟

الضيف: ما وقع يوم على وثيقة سلام دائم مع اليهود كما يصنع اليوم أو كما يراد أن يصنع اليوم أو كما صنعوا في أوسلو للأسف الشديد، ومسلسل التنازلات التي لا تنتهي التي لا نكاد ننتهي من تنازل لنبدأ بتنازل آخر، الحسيني أبدا ما كان هكذا، الحسيني كان يذكر وبوضوح أن اليهود يريدون احتلال فلسطين، لأنه ما كانت فلسطين محتلة طبعا آنذاك، وينادي بالتحرير من الإنجليز الذين يساعدون اليهود وينادي بطرد الإنجليز واليهود، ما كان هناك أي نوع من التنازل بينما المفاوضات اليوم كلها تقوم على التنازل عن أكثر من ثلاث أرباع مساحة فلسطين وتسليمها لليهود تسليم دائم إلى يوم القيامة، فهذه خيانة للقضية وخيانة لفلسطين وخيانة لدم الشهداء، فالفرق ضخم أخي بين الاثنين

المقدم: أذن أنت تلخصها أن المفاوضات التي تجري الآن أن فيها تنازل وفيها خيانة

اسمح لي أن نذهب لهذا الفاصل

مشاهدينا الكرام فاصل ونعود إليكم فابقوا معنا

حياكم الله مشاهدينا في برنامجكم فقه القضية ونتناول جهاد العلماء في فلسطين الجزء الثاني، موضوعات أخرى مع الدكتور محمد موسى الشريف عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

دكتور مازلنا نجري معك المفاوضات في موضوع المفاوضات التي أجراها الحاج أمين الحسيني وآخرين، يقول سماحة المفتي أمين الحسيني ” إن الحل المنشود للقضية الفلسطينية لا يتحقق بالتنازلات أو التناقصات أو التفريط بالحقوق الوطنية تفريطا يقضي على كل أمل للشعب الفلسطيني” هو يجعل المفاوضات في كفة والقضاء على حقوق الشعب الفلسطيني في كفة، الآن أليس هذا التخوف من الحاج أمين الحسيني يعتبر سبق وتخوف مبكر جدا

الضيف: بلى، والحسيني قبل أن يموت شهد بدايات التنازل في القضية الفلسطينية، مات 1994 وكان واضح آنذاك بعد حرب رمضان أن المنظمة تتجه إلى نوع من التنازل ولذلك كان يقول وهذا ثابت في حياته قبل أن يموت، قال أتمنى أن أموت ولا أرى رجل فلسطيني واحد يضع السلاح ويذهب إلى التفاوض فواضح أن الرجل كان ضد كل قضايا التنازل وكل قضايا بيع فلسطين

المقدم: دكتور، أيضا يقول الحاج بمقولة مهمة لكنها حدية في وضعنا المعاصر ربما لا تقبل إذا عرضت على قواميس السياسة يقول “ليس في القضية الفلسطينية مجال أو مكان للتعايش السلمي مع أعدائنا الذين نعلم حق العلم أنهم لا يريدون تعايش مع أحد (يقصد اليهود) معتقدين أن بلادنا كلها لهم بل العالم كله لهم” ربما يسأل البعض، هل الحاج في قوله هذا يدعو إلى محو إسرائيل من الوجود خصوصا أنه يعتبرهم جرثومة فساد في العالم والسوس الذي ينخر في المجتمعات ولا علاج لهم إلا بالاستئصال من الأرض

الضيف: ما من عالم مسلم صادق واعي إلا ويقول بهذا أبدا على مدار التاريخ الحديث، يجب إخراج اليهود وفض سلطتهم من فلسطين هذا أمر واجب، وفلسطين كلها إسلامية وهي وقف إسلامي من النهر إلى البحر، من رفح إلى رأس الناقورة كما يقال في الحدود اليوم، فهذا قول كل عالم واعي صادق مخلص أنه يجب أن نصنع هذا، ما ممكن أن نعطي اليهود ولا شبر واحد من فلسطين والسبب يسير جدا أن فلسطين هي وقف إسلامي لا نملك نحن أن نفرط فيه وهذا أمر مهم ونقول للمفاوضين اليوم إن لم تستطيعوا اليوم الحصول على حقوقكم لضعف فيكم، فاصبروا فإن الأجيال ستأتي إن شاء الله بحقها وهذا أمر موعود ومتيقن فما الداعي لهذه التنازلات ولهذا السلام الخزي، أتمنى لو هؤلاء المفاوضين فعلا أوصلونا لنتيجة ما أوصلونا لمزيد من العار والخزي والهوان وهذا رئيس وزرائهم لا أحب أن اذكره في هذه الحلقة اسمه لا أحب أن أذكره لكن يزيد في عتوه ونفوره مرة بعد مرة ويتحدى المجتمع الإسلامي كله بإصراره على البناء في بيت المقدس بإصراره على بدء المفاوضات بدون شروط بإصراره على إذلال الفلسطينيين، فإلى متى هذا، فلو أعلنت هذه القيادة رجوعها وتوبتها وعودتها إلى المقاومة، كفانا مهزلة وكفانا ضياعا وكفانا تفريطا بالحقوق باسم السلام المزعوم والموهوم لكان هذا خير لهم وأجدى

المقدم: دكتور مازلنا في موضوع الحاج أمين الحسيني ونظرته المستقبلية حيث كان يسعى إلى تشكيل جيش عربي من كل الدول العربية بالنظرة الشرعية، هل سيتحقق هذا السعي؟

الضيف: هذا مطلوب طبعا، المسلمون يد على من سواهم، هذا مطلوب شرعا لكن هل هذا سيكون، العلم عند الله سبحانه وتعالى، نحن نعلم أن المسلمين في آخر الزمان سيجتمعون وسيخرجون اليهود (يا مسلم يا عبد الله إن ورائي يهودي فتعال فاقتله) هذه المعركة الفاصلة ولا يعني أننا لن ننتصر على اليهود قبل ذلك وهذه يفهمها خطأ الكثير من المسلمين فيقولون إذا كان الانتصار سيكون في آخر الزمان فلماذا نتعب الآن، فالرد من وجهين، نحن الآن في آخر الزمان هذا أولا وهذا الأمر معلوم، الوجه الثاني الأهم، ومن قال لكم أن لن يحدث انتصار على اليهود قبل ذلك، الرسول صلى الله عليه وسلم يتحدث عن الاستئصال الكلي لهؤلاء، لكن لا يعني ذلك إننا لن ننتصر قبل ذلك في معارك فاصلة بيننا وبينهم وهذا إن شاء الله قريب

المقدم: الكثير يقولون بذلك، أنه سيتم النصر ولا نفرح بهذا النصر وتكون القيامة بعد ذلك مباشرة، دكتور نريد أن نذهب إلى المراحل الأخيرة من حياة مفتي فلسطين، مفتي فلسطين الأكبر الحاج أمين الحسيني، نهاية غامضة ينتقل من فلسطين إلى بيروت ثم إلى بغداد ثم إلى ألمانيا ثم يفر بطريقة غريبة من فرنس، نريد أن نشاهد معك هذه القصة

الضيف: هو الرجل ضيق عليه الفرنسيون في بيروت حين وصل، بقي حوالي سنتين في لبنان، أراد الفرنسيون القبض عليه وتسليمه للإنجليز ففر إلى العراق، وهذا شأن العالم أخي، لعالم الذي لا يستطيع إلا أن يترك أثرا، لا أن يعمل للإسلام في أي مكان كان، في العراق شارك في ثورة رشيد علي الكيلاني وهي ثورة رائعة جليلة ضد الإنجليز، دخل معهم وشارك ومدهم ببعض الرجال الفلسطينيين وببعض الأموال أمد رشيد، بل شارك في الثورة ضد الإنجليز فانظر إلى هذا الرجل العجيب، ضيق عليه الإنجليز في العراق ففر إلى إيران من إيران إلى تركيا إلى بلغاريا إلى ألمانيا، لما رأى نهايات الحرب العالمية الثانية تسير في غير مصلحة الألمان خرج إلى فرنسا، في فرنسا ضغطت أمريكا وبريطانيا واليهود ضغطوا لتسليمه لمحكمة نوربيرغ، وهذه محكمة نوربيرغ كانت تحاكم النازيين آنذاك، الرجل استطاع الفرار، غير من هيئته وزيه استطاع بمساعدة رئيس الوزراء السوري المعروف رحمة الله عليه معروف الدواليبي واستطاع أن يهرب إلى مصر، في مصر بدأ كالعادة هو رجل حيوي ماشاء الله لا قوة إلا بالله عامل ومجتهد، ابتدأ يتصل بالقوة الإسلامية المؤثرة في مصر، وعلى رأسها الإخوان المسلمين والإمام حسن البنا رحمه الله واستطاع أن يوفر بعض السلاح ليخبأه في سيناء استطاع أن يوصل بعض السلاح إلى المجاهدين في فلسطين مرحلة رائعة جدا إلى أن انتهت بالخزي المعلوم والنكبة المعلومة التي لها أسباب كثيرة لا محل لطرحها اليوم

المقدم: لكن وفاته أين كانت؟

الضيف: وفاته كانت في بيروت 1394 هجري، 1974 ميلادي، الرجل في بيروت أيضا حاول جهده وكان يتصل بالقوى المؤثرة لكن كما قلت لك الرياح أتت له بما لا يشتهي والسبب أن القيادة الناصرية في مصر أرادت إبعاده عن دفة القيادة في فلسطين وأتوا برموز علمانية لتمسك بالقيادة وأبعدته فعلا، والرجل حاول جهده في لبنان حاول أن يتحرك حاول أن يعمل شيئاً، اتصل لكن الأمر كان أكبر من طاقته، لا نقول أنه سكت أو سكن بالعكس، يشهد الله عليه أنه ظل متحمسا إلى زمن وفاته، قبل وفاته بقليل كان في الرياض أخي وألقى محاضرة وبكى فيها وطالب المسلمين وكأنه كان ينظر إلى الغيب من ستر رقيق، طلب من المسلمين أن لا يدخلوا بمفاوضات أبداً، وأن لا يسلموا أرض فلسطين وبكى في المحاضرة، قبل وفاته بشهور قليلة، فالرجل ما ترك هذا لكن الأمر كان فوق طاقته وفوق قدرته،

المقدم: دكتور من الأشياء التي يجب أن نذكرها ونسأل عنها، لما صدر قرار التقسيم عام 1947 كان للحاج أمين الحسيني رأي عجيب، أنه لا يوافق أو لا يرى دخول الجيوش العربية إلى فلسطين، ما السبب؟

الضيف: ما هو فقط أخي، كان هو والأستاذ عبد الرحمن عزام الذي كان هو أول رئيس للجامعة العربية وكان رأي الملك عبد العزيز أيضا كان رأي حسن البنا أيضا بوضوح أن لا تدخل الجيوش العربية إلى فلسطين لأن هذه الجيوش لا تعرف شيئا عما يسمى بطبوغرافية فلسطين، أرض فلسطين لا تعرف عنها شيئا بينما اليهود أكثر الذين قاتلوا من اليهود كانوا ممن مكثوا في فلسطين مدة طويلة وولد على أرض فلسطين فيعرفها شبراً شبراً، أما الجيوش العربية لا تعرف شيئا

المقدم: لكن في المقابل على هذه النقطة دكتور، ذهبت كتائب متطوعين من خارج فلسطين

الضيف: هذا أمر آخر، وفي أوروبا وأمريكا لو أذيع أن سبع دول عربية دخلت لتنصر فلسطين ولتقاتل في فلسطين لقامت ضجة عالمية، سبع دول لتقاتل اليهود، سيتباكى اليهود والحقونا وهؤلاء يريدون قتلنا والعرب المتوحشون، فكان رأي العلماء من الساسة والقادة والأئمة والعلماء على أن يسلح الشعب الفلسطيني بعتاد قوي وأن يساعد بالأموال والأسلحة والعتاد ويترك ليواجه اليهود، لأنهم كانوا قادرين على صنع شيء كبير الفلسطينيون آنذاك، لكن لما دخلت الجيوش العربية أولا كانت جيوش ضعيفة، كان مجموعهم لا يتعدى العشرين ألف

المقدم: فقط

الضيف: فقط، وكانوا لا يعرفون طبيعة المنطقة أيضا كانوا ضائعين في تصورهم الفكري ومرجعيتهم السياسية أيضا كانوا مفرطين جدا في النواحي الدينية فما كان لذاك الجيش أن يفوز أبدا أو أن ينتصر أبدا، الأسلحة كانت فاسدة والأوضاع سيئة من كل النواحي، فكان المطلب الحسيني مطلب عاقل ومطلب معقول ومنطقيا

المقدم: دكتور دعنا نودع ملف الشيخ الحسيني قليلا ونأتي إلى موضوع آخر، سئل موشي دايان عن السبب الذي يجعل اليهود يتجنبون المتطوعين، الذين تطوعوا للذهاب إلى فلسطين وسنتكلم الآن عنهم بالتفصيل، لكن نريد أن نتابع هذه المقولة يقول دايان إنهم يحاربون بعقيدة أقوى من عقيدتنا هم يريدون أن يستشهدوا ونحن نريد أن نبني بلدا وقد جربنا قتالهم وقد كبدونا خسائر فادحة لذلك نتجنب قتال المتطوعين، نريد أن نسأل من هم هؤلاء المتطوعين الذي يتكلم عنهم موشي دايان؟

الضيف: كان البنا رحمه الله قد أعلن أنه يريد أن يطوع عشرة آلاف من الإخوان للقتال في فلسطين، ومنعته الحكومة العميلة في مصر آنذاك وكان الإنجليز محتلين في مصر ومنعته، ثم استطاع البنا أن يهرب بعض الإخوان إلى سيناء ومنها إلى فلسطين، رضخت الحكومة في مصر إلى الضغوط الشعبية الضخمة والضغوط الإسلامية، رضخوا وسمحوا لمرور المجاهدين في أوائل

المقدم: وكان للجامعات 

الضيف: أوائل الـ67 هجريا، دخل الإخوان من صحراء النقب واشتبكوا مع اليهود في أروع صور البطولات التي سطرها كامل الشريف رحمه الله

المقدم: سنأتي للتفصيل دكتور لكن أريد أن نسأل، هل من بين هؤلاء، وحلقتنا فقط عن العلماء، هل من هؤلاء المتطوعين علماء

الضيف: بلى كان، الشيخ محمد فرهدي الذي أعدمه عبد الناصر في مسرحية معروفة وقد كان قائدا لقوات الإخوان في فلسطين وكان شيخا قويا عظيم الشجاعة إلى آخره، السباعي انطلق من دمشق وانضم إلى عبد القادر الحسيني في القدس وبفضل الله تعالى هو وصحبه أخروا سقوط القدس

المقدم: كيف ذلك؟

الضيف: لأن الجيوش العربية لم تكن تصلح للدفاع عن القدس، دافع عنها مجموعة من المتطوعين أعدادهم لا تصل إلى 300 شخص، دافعوا عنها دفاع الأبطال واليهود بكل طاقاتهم حاولوا أن يأخذوا القدس الشرقية كانت تسمى آنذاك، حاولوا بكل طاقاتهم أن يأخذوا القدس الشرقية وما استطاعوا والله سبحانه وتعالى ثبت هؤلاء المجاهدين من سوريا في معركة فاصلة، وتفصيلاتها أخي مؤلمة لأنه نفذت ذخيرتهم وطلبوا من القائد العام أن يمدهم بالذخيرة فرفض وذهبوا إلى عزام واشتكوا إليه وقالوا رفض، ولما دخلوا على القائد مرة أخرى غضب وقال تشتكوني فقالوا ماذا نصنع لك نحن طلبنا ذخيرة ننقذ بيت المقدس وأنت رفضت، أعطاهم 5000 طلقة قالوا ماذا تغني 5000 طلقة فقال ماكوا غير هذا

المقدم: الله أكبر

الضيف: نعم كان عراقيا، قال ماكوا غير هذا، وفعلا بـ 5000 طلقة نجى بيت المقدم 20 سنة، تصور هذا مثل الخيال، لكن هذا هو الواقع أنقذ الله بيت المقدس على يد هؤلاء المجاهدين السباعي ورفاقه وأيضا المتطوعين الذين أصلوا اليهود نارا عظيمة

المقدم: دكتور بقية الحكومات العربية أين كانت؟

الضيف: أخي الحكومات العربية في تلك المدة، مصر كانت تحت الاحتلال الإنجليزي كما هو معلوم، يتحكم بها الإنجليز ومؤامرات الإنجليز مشهورة ومعلومة في القاهرة وفي الجامعة العربية كانت مؤامراتهم واضحة وظاهرة، الدول الأخرى العربية كانت بعيدة عن الساحة الأردن كان كما هو معلوم كان مع الإنجليز، والإنجليز كان لهم سياسات وكان لهم آثار في المنطقة تحبط كل مشروع حقيقي للجهاد في فلسطين والدول العربية كانت لا تملك أمام الحيل البريطانية شيئا، وهذا الأمر معلوم، كانت فلسطين بيدهم وأكبر الدول العربية كانت بيدهم، والمكائد كانت توجه للدول العربية الأخرى لتمنعهم من الجهاد الحقيقي في فلسطين، وصفقة أسلحة فاسدة وإلى آخره، الأمور ما كانت أبدا مواتية آنذاك الأخوان سحبوا من فلسطين ووضعوا في السجون وقتل البنا والقوى الإسلامية صفيت شيئا فشيئا، إلى أن أصبحت الجماهير بلا راعي يرعاها وبلا مرجعية ترجع إليها هذا هو الوضع الحقيقي الذي جرى

المقدم: تقصد دكتور أن موقف عبد الرحمن عزام أول رئيس لجامعة الدول العربية كان دوره يختلف عن الحكومات

الضيف: عبد الرحمن عزام حاول، هو رجل وطني رجل ثقة إن شاء الله، حاول جهده وكان يرى الموقف الذي تشتبك الحكومات العربية مع اليهود هو أن تترك الأمر للفلسطينيين وأن يتم تسليحهم ونقل العتاد والذخيرة إليهم، وما استجيب له، طبعا بسبب التلاعبات البريطانية والمكائد وعدم اجتماع العرب أيضا، وأيضا التنازلات للأسف في صفوف بعض الحكومات العربية، التنازلات التي وصلت إلى درجة العمالة للأسف الشديد، هذا أمر أيضا تاريخي معلوم أنا لا أحب أن أسمي بلدا باسمها لكن هذا تاريخ

المقدم: ونحن لا نريد

الضيف: هذا واقع وهذا تاريخ لابد من ذكره للجماهير

المقدم: دكتور، إذا كانت أبواب الجهاد مغلقة من قبل الحكومات فهل المفاتيح موجودة مع القيادات الدينية، هل القيادات الدينية في تلك البلاد مصر الأردن العراق سوريا، هل تحركت لأجل تحريك وتجهيز الناس

الضيف: تحركوا أخي، يعني في العراق كان هناك الشيخ الصواف رحمه الله كان مشهور ومعروف، ورئيس رابطة الإخوان في العراق أمجد الزهاوي هاذان جمعا الأموال في العراق واشتغلا لأجل القضية الفلسطينية منذ وقت مبكر، لكن الأمر كما قلت لك فوق طاقتهم، في مصر اجتمعوا وجمعوا الأموال وتحركت الجامعات وضج الناس، وفي سوريا كما قلت لك السباعي وصحبه تحركوا، كانوا قوة إسلامية متحركة لكنها كانت تقاوم شيئا لا يقبل لها به من مؤامرات وكيد وعمالة وخيانة، سمي ما شئت

المقدم: ونحن لا قبل لنا بمتابعة الموضوع إلا بعد فاصل

 مشاهدينا تابعونا بعد فاصل قصير إن شاء الله

نرحب بكم مشاهدينا الكرام في هذه الحلقة والتي هي بعنوان جهاد العلماء في فلسطين وهو الجزء الثاني من هذه الحلقة مع الدكتور محمد موسى الشريف عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

دكتور كنت تتكلم قبل قليل عن موقف الحكومة المصرية التي تراجعت عنه، المؤرخ الفلسطيني الكبير عارف العارف يقول عن نكبة بيت المقدس “أن حسن البنا أبرق إلى الجامعة العربية سنة 47 ، أنه على استعداد أن يبعث بدفعة أولى وكانت عشرة آلاف مجاهد، وأن الحكومة قد منعت ذلك” هل تراجعت الحكومة المصرية عن ذلك فعلا، ما هو السبب المباشر؟

الضيف: الحكومة المصرية كانت تحت التأثير الإنجليزي كما هو معلوم مصر كانت محتلة من الإنجليز، ولا شك أن مصر اضطرت إلى التراجع في بدايات سنة 1367 هجري، 1948 سنة النكبة، اضطرت للتراجع عن هذا وسمحت بشيء من المدد وتحرك الناس وسطروا أروع البطولات في أرض فلسطين وأصلوا اليهود ناراً لم يكونوا يتوقعونها ولم يكونوا يعرفونها من قبل، ذكرها الأستاذ كامل الشريف في حروب الإخوان في فلسطين ومعارك القناة وإلى آخره وسطرت بماء من ذهب في كتب عديدة والمعارك وكذا والبطل محمد بن عبدالعزيز، وكان في أبطال من الجيش المصري وأبطال من الإخوان اجتمعا معا، أو اجتمعوا معا في ملحمة رائعة لاجتماع القيادة العسكرية مع الأبطال المتطوعين لأن القيادة العسكرية لها حساباتها أما الأبطال المتطوعون ليس لها حسابات، إذا اجتمعا معا، بل كان الجيش المصري يأتي إلى الإخوان ويقول لهم أنا لا أستطيع تحرير كذا فحرروها أنتم، فيأتي الإخوان فعلا ويحررون هذه المنطقة ويستطيعون أن يهزموا اليهود فيها ويخرجوا اليهود منها فيدخلها الجيش المصري وهكذا، كان هناك تعاون رائع وجليل، تفطن له اليهود وأوعزوا للحكومة العميلة في مصر وسحبت الإخوان ونكلت بهم بعد ذلك كما هو معلوم واتخذ القرار السفارة الإنجليزية والفرنسية والأمريكية في القاهرة بقتل البنا بعد ذلك، وهذا الأمر معلوم وليس له دخل مباشر في سردنا للأحداث، ولكن كان سبب القتل هو ما رأوه بأم أعينهم في ساحات فلسطين من انتصار المتطوعين على اليهود على كل الإمكانيات التي مكن بها اليهود والأسلحة التي أعطوها من قبل البريطانيين لكن مع ذلك كانت الروح المعنوية الإسلامية والجهاد في سبيل الله كان له أثر جليل وعظيم في أرض فلسطين

المقدم: دكتور ممكن أن نقول أن الثورات التي تبدأ بالعصي والحجارة والتطوع تحقق أهدافها، بينما الجيوش التي تشتري سلاحها تنشغل بنفسها

الضيف: الجيوش لها حساباتها ولها سياساتها ولها، بينما المجاهدون لهم هدف واحد وهو تحرير الأرض والانتصار على اليهود فما كان لهم هدف آخر، وكانوا من الحماسة إلى حد منقطع النظير فكانوا يريدون الشهادة والجنة والدار الآخرة فكان الوضع رائع جدا فما كان اليهود يستطيعون أن يقفوا أمام هؤلاء واليهود معروفون بطبيعة الجبن والخور وضعف العزيمة وأيضا يحبون الحياة ونحن نريد الموت فلا يمكن، كيف يستطيعوا أن يقاوموا هؤلاء

المقدم: دكتور في فترة موات بين عام 48 وعام 67، العشرين سنة هذه كانت خالية من الإعداد خالية من وجود علماء مؤثرين، هل من سبب لذلك، بالذات في هذه الفترة

الضيف: المد الناصري آنذاك وانتصار الثورة المصرية التي كان يرجى من ورائها خير كثير لكن للأسف حيد بها عن مرادها وهدفها والمد الناصري آنذاك الطاغي في البلاد العربية ومحاربته للمسلمين ومحاربته للدعاة ومحاربته للجهاد في سبيل الله وأيضا وجود القوى الأخرى الاشتراكية في العراق وفي سوريا، وأيضا المغرب كان مشغولا بنفسه وبمعركة التحرير الطويلة، المرغب والجزائر وتونس كانوا تحت الاحتلال وكانوا مشغولين بأنفسهم، عوامل عديدة، البلاد العربية كان بعيدة وكانت في ذاك الوقت ليست قوية بما فيه الكفاية، تركيا كانت معزولة عن العالم الإسلامي وإيران كانت معزولة عن العالم الإسلامي فالوضع كان صعباً آنذاك أخي، مرت مدة طويلة مدة ضعف عام وركود عام وخمول عام عن الجهاد مدة عشرين سنة إلى أن جاءت النكبة العظمى وزادت الطين بلة كما هو معلوم، إلى أن وصلنا إلى ما بعد النكبة، نكبة 87 للهجرة 67 للميلاد إلى أن وصلنا إلى ما يعرف بالصحوة أو الاستيقاظ الإسلامي المبكر ولهذا قصة جليلة ورائعة جدا

المقدم: دكتور قبل قليل كنت تتحدث عن كتاب لكامل الشريف وهو يتكلم أيضا عن قواعد الشيوخ في تلك الفترة التي وصلت إليها الآن، نحن نصل معك الآن إلى القواعد، قواعد الشيوخ أين كانت هذه ومن هم هؤلاء؟

الضيف: الشيوخ يقصدون بهم ما نقول عنهم نحن في بلادنا المطاوعة، يعني الملتزمين الصالحين، هذا ما يقصد بالشيوخ، وكانت القواعد في الأردن، قواعد الشيوخ هذه كانت في شمالي الأردن وهذه القواعد كان فيها الشيخ الكبير عبد الله عزام رحمه الله والشيخ أحمد نوفل حفظه الله ومجموعة من العلماء في فلسطين والأردن، كانوا يتدربون في هذه القواعد يدربون الشباب

المقدم: منطقة العالوك ربما في الزرقاء

الضيف: نعم، يدربون الشباب، يدربون المتطوعين على الجهاد، ودخل الشيخ عبدالله عزام بنفسه في معارك رحمه الله تعالى مدة سنة مع اليهود، بل أكثر من سنة بقليل مع اليهود وانتصروا في معارك ولكن جاءت معركة أيلول لتنهي هذه القضية في الأردن

المقدم: لا نريد أن نذهب إلى هذا التشاؤم، قبل الحديث عن معركة الكرامة نريد أن نتحدث الآن وأن نتكلم عن عالم آخر من علماء فلسطين الذي ذكرته قبل قليل وهو الدكتور عبد الله عزام ولد في السيرة الحرثية في جنين، لكنه غادر فلسطين، لماذا يغادر فلسطين؟

الضيف: عقب النكبة أخي، عقب النكبة خرج وكان معه شباب وخرج مشيا على الأقدام، كأكثر أهل فلسطين خرج مشيا على الأقدام وتعرض للموت في طريقه حتى وصل إلى الأردن نجاه الله سبحانه وتعالى

المقدم: بقصة المصحف الذي كان في جيبه

الضيف: في الأردن كان رجل واعي وفاهم وأراد أن يبدأ الجهاد من الأردن، وفعلا بدأ يتحرك الرجل كما ذكرت أنت في قواعد الشيوخ وغيرها واستطاع أن ينتصر على اليهود جزئية وأن يبرهن أن هذه الأمة لا تموت ولن تموت بفضل الله تعالى، كان له أثر كبير في تحميس الشباب وجمعهم في معسكرات في الأردن وفعل ذلك في فلسطين قبل النكبة، قبل خروجه منها، الرجل حاول أن يستفيد من أحوال زمانه قدر طاقته وقلت لك ما كان الأمر مواتيا آنذاك، والسبب أن الجماهير العربية نفسها ماكانت بعد قد استيقظت فيما يعرف بالبعث الإسلامي من جديد أو الصحوة الإسلامية من جديد، ما كانت إلى

المقدم: ممكن نلخص الدور الذي قامت به قواعد الشيوخ والدكتور عبد الله عزام

الضيف: كان أمر محدود أخي، بعض المعارك المحدودة، العمل الفدائي إن صح التعبير مقابل اليهود هو مجرد إثبات للوجود آنذاك

المقدم: ضد الصهاينة

الضيف: نعم، الشعب المسلم لم يمت وهو باقي، خاصة بعد معركة الكرامة التي أظهرت هذا بوضوح وأشعلت الحماس في نفوس عدد من الأشخاص في الأردن وفلسطين وبدؤوا يتحركوا لأجل المقاومة اليهودية فيما عرف بنواة العمل الفدائي آنذاك

المقدم: دكتور ننتقل إلى معركة الكرامة، بالنسبة لمعركة الكرامة في غور الأردن الذي جاء به القرآن الكريم في قوله {غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ْ}  الأردن مرت عليه حضارات كثيرة من الحضارة اليونانية والآشورية والأنباط والبيزنطية وفي الأخير الفتح الإسلامي فمعروف أن الأغوار هي ممر للدعاة وللغزاة ويوجد فيها الكثير من القبور للصحابة، نريد أن نعرف سبب هذه المعركة

الضيف: الغور يقع على الضفة الشرقية لغور الأردن وكان اليهود يريدون الاستيلاء على الضفة الشرقية ويعملون مثل مايسمى حزام أمان كما فعلوا في جنوب لبنان، حزام أمان لهم حتى يتجنبوا غارات المجاهدين الذين يسمون آنذاك الفدائيين الفلسطينيين يريدون عمل حزام الأمان هذا، وفعلا تحركوا تحت غطاء جوي كثيف ودبابات تحركوا في 21 آذار/مارس 1388 هجري 1968ميلادي، تحركوا لأجل هذه المهمة، الجيش الأردني وقف له في المرصاد واستطاع أن يصدهم، مع الجيش الأردني كان هناك أشخاص من قواعد الجيوش التي ذكرتها أنت وتحركوا معهم واستطاعوا أن يوقفوا المد اليهودي بل لأول مرة استطاعوا أن يكبدوا اليهود خسائر كبيرة،أأأ كانت 333 ما بين قتيل وجريح وانسحب اليهود، كانوا يريدون أن يستولوا على بعض مرتفعات السلط بالقرب من عمان حتى تكون مثل الجولان اليوم حتى تكون موطن أمان لليهود وحاجز يحجز بينهم وبين المجاهدين الفلسطينيين، هذه بعض أهداف المعركة ما وصلوا إليها بفضل الله تعالى، وكان يرجى من هذا المد التصاعد التصاعد بعد انسحاب اليهود من المعركة كان يرجى له التصاعد لولا ما حدث بعد ذلك في أيلول في الأردن

المقدم: طبعا دكتور، هناك أهداف أنت ذكرتها سريعا لكن نريد أن نلخصها، ماهي أهداف هذه المعركة بالتحديد؟

الضيف: بالنسبة لليهود؟

المقدم: بالنسبة لليهود

الضيف: يريدون أولا كما قلت لك الدخول إلى الشاطئ الشرقي لنهر الأردن، هم موجودون في غربي النهر يريدون الوصول إليه ليمنعوا الفلسطينيين ويكونوا هذا الحاجز، نعم ليمنعوا الفلسطينيين من الدخول ويكونوا هذا الحاجز، يريدون أيضا السيطرة على بعض الأجزاء من الأردن ليفاوضوا من خلالها ويتسع أيضا رقعة دولتهم، أن تتسع رقعة الدولة أكثر فأكثر، اليهود لهم مخططات من الفرات إلى النيل أرضك يا إسرائيل كما يقولون، فتوسيع الدولة أيضا من أهم مخططاتهم، يريدون إرضاخ الأردن في المفاوضات المستقبلية لكن هذا بفضل الله ماتحقق ووقف الجيش الأردني بالمرصاد وكان يشهد للجيش الأردني، وفي الحقيقة أنا ما كنت أعلم هذا بوضوح، لكن يشهد له الدكتور أحمد نوفل الذي كان في المعركة وشهد للجيش الأردني أنه قدم وبذل وأعطى وكان له الفضل الأكبر في انتصار المجاهدين آنذاك بفضل الله وانتصارهم على اليهود

المقدم: نهاية المعركة كيف تمت، هل طلبت إسرائيل وقف لإطلاق النار؟

الضيف: اليهود طلبوا هذا لأول مرة يطلبون وقف إطلاق النار، الملك حسين رفض لأنهم يطلبونه كالعادة وهم على لشاطئ الشرقي فقال حتى ينسحب اليهود وفعلا انسحبوا بعد حوالي 16 ساعة وانتصروا وكانت هذه دفعة معنوية ضخمة للمجاهدين في فلسطين، التي بدأت بعد ذلك بينهم وبين الفلسطينيين مناوشات كبيرة ومعارك جزئية محدودة في أرض الأردن ومقابل أرض فلسطين

المقدم: وبهذا النصر وهناك انتصارات كبيرة بإذن الله كما وعدنا القرآن الكريم، نتوقف في نهاية هذه الحلقة مع الدكتور محمد الشريف كما نشكركم مشاهدينا الكرام ونرجوا منكم التواصل معنا على البريد الإلكتروني الذي يظهر على الشاشة وإلى اللقاء في حلقة قادمة نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله.