بدأت قوات الاحتلال الصهيوني منذ اليوم الأول لاحتلال القدس، في 7 يونيو 1967م، مباشرة بالاعتداء على المسجد الأقصى المبارك، ومنع أول صلاة جمعة بعد الاحتلال يوم 9 يونيو في المسجد، وبعدها مباشرة بدأ الاحتلال في يوم 11 يونيو بهدم حارة المغاربة المجاورة تماماً للمسجد؛ ما يعني أن الاحتلال فتح النار على المسجد الأقصى من اليوم الأول لاحتلال القدس، ثم قام باحتلال حارة الشرف المجاورة تماماً لحارة المغاربة، وصار لليهود حارة في مدينة القدس المحتلة.

ولعل جريمة إحراق المسجد الأقصى، في 21 أغسطس 1969م، تعتبر محطة من المحطات المؤلمة للاعتداء الغاشم على مقدسات المسلمين، وخلال 56 عاماً من احتلال «الأقصى» هنالك محطات كثيرة جداً لإدخال المتفجرات إليه، أو محاولات إحراقه أكثر من مرة تم إفشالها بفعل حرَّاسه.

إن معركة استهداف «الأقصى» بدأت تأخذ الطابع المنظم بعد عام 2000م، وهناك 4 إستراتيجيات استهدف الاحتلال فيها مقدسات المسلمين وعلى المسجد الأقصى بشكل خاص.

إحراق المسجد الأقصى محطة مؤلمة من الاعتداء الغاشم على مقدسات المسلمين

التقسيم الزماني والمكاني

الإستراتيجية الأولى التقسيم الزماني؛ حيث بدأ الحديث عنها مباشرة بعد زيارة الهالك «شارون» للمسجد الأقصى في عام 2000م، وظهرت للعلن في عام 2003م، حيث تمت المطالبة بتقسيم المسجد زمانياً بين المسلمين واليهود؛ بحيث يتم إفراغه 9 ساعات للمسلمين، و9 ساعات لليهود، ثم استمر العمل بهذه الإستراتيجية حتى هذا اليوم، لكن الاحتلال الذي لم ينجح تماماً في إستراتيجية التقسيم الزماني انتقل مباشرة لتنفيذ الإستراتيجية الثانية؛ وهي التقسيم المكاني الأمر الذي يعني اقتطاع جزء من المسجد الأقصى وتحويله لمعابد يهودية ومدارس توراتية، وكان أول ما استهدفه الاحتلال الزاوية الجنوبية الغربية للمسجد، وهي المساحة المحصورة ما بين المتحف الإسلامي والمسجد القبلي الجامع، وفضَّل المستوطنون ومنظمات الهيكل استهداف هذه البقعة (مساحتها تقريباً 3000 متر مربع من المسجد)، وأفشلت في «معركة السكاكين» عام 2015م.

وقد حقق الاحتلال بعض الإنجازات، إلا أنه لم ينجح في التقسيم الزماني والمكاني كما يريد، لكنه استطاع أن يثبِّتَ لنفسه فترتي اقتحام 5 أيام في الأسبوع، عدا يومي الجمعة والسبت، يقتحم في فترة صباحية من الساعة 7 حتى 11 صباحاً، ومن بعد صلاة الظهر حتى الساعة 3 عصراً، وتثبيت هذه الفترات للاقتحام يكاد يصبح أمراً واقعاً عند كثير من المسلمين، وهو إنجاز كبير لهم بلا شك، لكنه ليس ما كانوا يخططون له، فالاحتلال يريد إغلاق «الأقصى» 150 يوماً في العام (52 يوم سبت، و100 يوم في العام أعياد يهودية)، وهذا يعني إغلاق «الأقصى» أمام المسلمين نصف العام تقريباً.

وبعد فشل الاحتلال باستهداف الزاوية الجنوبية الغربية للمسجد الأقصى، انتقل اهتمام الصهاينة إلى المنطقة الشرقية من المسجد ومصلى باب الرحمة، وبدؤوا باستهداف هذه المنطقة من عام 2003م حيث تم إغلاق مصلى باب الرحمة لمدة 16 عاماً، حتى «هبة باب الرحمة» في عام 2019م؛ حيث قام المقدسيون بفتح مصلى باب الرحمة حين شعروا أن المنطقة الشرقية كلها مستهدفة، وخطر الاعتداء على المسجد الأقصى يكاد يتحول من اعتداء يومي إلى اجتزاء جزء غالٍ؛ وهو المنطقة الشرقية ومساحتها تقترب من 20 ألف متر مربع فيها مصلى باب الرحمة طبعاً.

والمقتحمون الذين يدخلون من باب المغاربة في الزاوية الجنوبية الغربية للمسجد ثم يتوجهون مباشرة إلى جهة الشرق ومن ثم يتوجهون نحو المنطقة الشرقية ويمكثون هناك أطول فترة ممكنة، ثم يخرجون من باب السلسلة، وفي أثناء تواجدهم في المنطقة الشرقية للمسجد الأقصى يتم تنفيذ كل الطقوس اليهودية التي كانت ممنوعة عليهم قبل عام 2020م، فقد بدؤوا بشرعنة الصلاة الصامتة، ثم أخذ بركات الكهنة، وبالفعل نجحوا بإدخال القرابين النباتية في أكتوبر 2022م وتركوها في المنطقة الشرقية عمداً حتى نراها ونعلم أنهم قد أدخلوها إلى المسجد.

الاحتلال يسعى إلى إيصال فكرة مساواة المقدَّس الإسلامي باليهودي

الإستراتيجية الأخطر

ثم بدأت الإستراتيجية الثالثة؛ وهي اعتبار المسجد الأقصى معبداً يهودياً قائماً، وذلك منذ 3 سنوات فقط، ولذلك شرعن الحاخامات كثيراً من الاعتداءات على «الأقصى»؛ فرخَّصوا وطالبوا باقتحامه في رمضان، وشهدنا في عام 2021م معركة «سيف القدس» نتيجة محاولة إفراغ المسجد في العشر الأواخر من رمضان، كذلك شهدنا أكثر من مرة محاولات إفراغه من المرابطين حين تقاطع عيد الفصح العبري مع شهر رمضان على مدار 3 سنوات، وبدأ يتعامل مع «الأقصى» على أنه يستوي فيه المقدَّس الإسلامي الأصيل مع المقدَّس اليهودي الدخيل، ولذلك حرص الاحتلال، مثلاً، أثناء جائحة «كورونا» حين أُغلق «الأقصى» أكثر من 70 يوماً، أخَّرَ الاحتلال فتح المسجد يومين حتى يتم دخول المقتحمين إلى إليه في نفس اليوم الذي يُفتح فيه المسجد للمسلمين ليؤدوا صلاة الفجر، فتم اقتحامه في الساعة 7 صباحاً بعد ساعتين من صلاة الفجر؛ حرصاً على إيصال فكرة مساواة المقدَّس الإسلامي بالمقدَّس اليهودي.

وما يزال المحتل يستخدم هذه الإستراتيجية؛ اعتبار «الأقصى» معبداً يهودياً؛ ولذلك تتنادى منظمات الهيكل لتنفيذ كل الطقوس اليهودية داخل المسجد والتهديد باقتحامات كبرى وإدخال القرابين الحيوانية إليه؛ الذي يعني ذبحها في مذبح خاص ليتم جمع كل نقطة دم تسقط منها ثم يتم نثر هذه الدماء في المعبد اليهودي، فهل نقبل كمسلمين أن تُنثر دماء القرابين الحيوانية في مسجدنا الأقصى المُبارك؟!

أمَّا الإستراتيجية الرابعة والخطيرة أيضاً؛ فهي إبعاد الرموز والقيادات عن المسجد الأقصى؛ فمنذ بدأ الاحتلال باختراع عقوبة الإبعاد عن «الأقصى»، ثم الإبعاد عن مدينة القدس، ثم المنع من السفر، تعرَّض لها الناشطون والمرابطون من أمثال الشيخ ناجح بكيرات، والشيخ عكرمة صبري، وعدد لا يكاد يحصى من المقدسيين، وهذه الإستراتيجية تُعدُّ اعتداءً كبيراً عليهم وعلى المقدسات؛ لأنه يستهدف تفريغ المقدس الإسلامي من القدوات والمرابطين الكبار الذين يقودون الرباط والاعتكاف في «الأقصى».

ومن هذا المنبر، ندعو كل من يستطيع الوصول إلى المسجد الأقصى من الفلسطينيين أن يديم الرباط والاعتكاف حماية للمسجد على قدر الاستطاعة، إلى جانب دعم شعوب الأمة الإسلامية كافة للمقدسيين الذين يواجهون الاحتلال بصدورهم العارية.

نقلاً عن: