26/10/2023

خطبة جمعة مقترحة

الحمد لله القائل في محكم التنزيل: ﴿ وَإِنِ ٱستَنصَرُوكُم فِی ٱلدِّینِ فَعَلَیكُمُ ٱلنَّصرُ..﴾ [الأنفال ٧٢] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا اشريك له وأن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

أما بعد: فإن قُدسيَّةُ المسجدِ الأقصى المباركِ قد ارتبطت بالعقيدةِ الإسلاميَّةِ مُذْ أُسريَ برسول الله صلى الله عليه وسلم إليه قال الله سبحانه: ﴿سُبحَـٰنَ ٱلَّذِیۤ أَسرَىٰ بِعَبدِهِۦ لَیلࣰا مِّنَ ٱلمَسجِدِ ٱلحَرَامِ إِلَى ٱلمَسجِدِ ٱلأَقصَا ٱلَّذِی بَـٰرَكنَا حَولَهُۥ لِنُرِیَهُۥ مِن ءَایَـٰتِنَاۤ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلبَصِیرُ﴾ [الإسراء ١]، وتعزَّز هذا الارتباط بأن كان المسجدُ الأقصى هو القبلةَ الأولى للمسلمين، قبل أن يتحوَّلوا إلى الكعبةِ ويتخذوها قبلَتَهم بأمرِ الله، فاعتُبر أولى القبلتين، وقبل ذلك كان هذا المسجدُ الشريفُ ثانيَ مسجدٍ بُنيَ على الأرضِ، بعد المسجدِ الحرامِ، فعُرف بثاني المسجدين.. عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ في الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: “الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ”، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟! قَالَ: “الْمَسْجِدُ الأَقْصَى”، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: “أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ” (متفق عليه)، ثم ربط الرسول صلى الله عليه وسلم مكانته بالمسجد الحرام ومسجد المدينة، فاشتهر بأنه ثالث الحرمين.. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى” (متفق عليه)، وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:”لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الأَقْصَى وَمَسْجِدِي” (متفق عليه).

عباد الله: من أجل ذلك كان لزاما على كل مسلم دعم تلك العصبة المؤمنة، والنخبة المجاهدة، والطائفة المنصورة التي تقاتل في الأقصى وأكناف المسجد الأقصى، تواجه الطغيان والصلف الصهيوني الغاشم، تدافع عن شرف الأمة ومجدها، وتحمي بيضتها ومقدساتها. إننا نتمثل فيهم شهامة الرجال وشجاعة الأبطال وثبات الفرسان حال النـزال، فعلى شدة المعاناة وقلة الإعانات يصنعون المعجزات، وطوفان الأقصى خير ناطق بتلك الكرامات.

فإلى كل مسلم غيور على دينه وعزة أمته: لا تخذلوا إخوانكم ولا تسلموهم لآلة القتل الصهيونية، تمثلوا قول الله تعالى: ﴿ٱنفِرُوا خِفَافࣰا وَثِقَالࣰا وَجَـٰهِدُوا بِأَموَ ا⁠لِكُم وَأَنفُسِكُم فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ ذَ ⁠لِكُم خَیرࣱ لَّكُم إِن كُنتُم تَعلَمُونَ﴾ [التوبة ٤١]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلمه) البخاري ومسلم.

إدعموا إخوانكم المجاهدين في فلسطين بكل ما هو متاح، فلا ينبغي أن يتوقف طوفان الأقصى إلا بتحرير فلسطين كاملة، ودحر العدو الصهيوني وإساءة وجهه وتتبير ترساناتهم العسكرية وبنيتهم التحتية تتبيرا. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه تجدوه غفور رحيما.

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه ومن لآثارهم اقتفى إلى يوم الدين.

أما بعد،  فإنَّ الدفاع عن المسجد الأقصى وتحريره والتضحية من أجله فرض وواجب على الأمة المسلمة بحكوماتها وشعوبها وأفرادها وعلمائها واجب شرعي، وإنما يبدأ هذا الواجب بالإعداد الحقيقي لمعركة البقاء ومقاومة الفناء، قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا ٱستَطَعتُم مِّن قُوَّة… ﴾ [الأنفال ٦٠]، قوة على كافة الأصعدة والمستويات سياسيا، وإعلاميا وعسكريا…

فيجب على علماء الأمة ودعاتها بالتعاون مع الإعلاميين العمل الجاد على توحيد المسلمين شعوبًا وحكومات، لتحقيق هذا الواجب الشرعي، وفضح مخططات العدو الصهيوني في تهويد القدس والمسجد الأقصى المبارك، وفضح جرائمهم ومجازرهم ضد الشعب الفلسطيني، وتعريف الرأي العالمي بأحقية المسلمين في القدس، ودعوة المسلمين اليوم أن يهبوا لإنقاذ مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم, واتخاذ مواقف جادة وصريحة لا تقبل اللبس ولا التأويل ممن يعترف بشرعية الكيان الصهيوني الغاصب، وإصدار الفتاوى في بيان الحكم الشرعي فيمن يطبع مع العدو الصهيوني أو يتعاون معه أمنيًا أو ثقافيًا، وممن يلمح أو يصرح بإمكانية التنازل عن جزء من الأرض في مقابل إنشاء الدولة المزعومة.

كما يجب شرعًا على حكام وزعماء الأمة أن يكون لديهم حرصٌ شديدُ في القيام بدورهم تجاه فلسطين والمسجد الأقصى، وهذا الدور والواجب المقدس قائم على حمل أمانة الدفاع عنها، والسماح للشعوب المسلمة وعلمائها وكتابها وأفرادها أن يقوم كلٌّ بدوره في نصرة قضية فلسطين والقدس والمسجد الأقصى، وأن يعلموا أن السكوت على جرائم العدو ضد الفلسطينيين والمسجد الأقصى المبارك يُعدُّ وصمةَ عارٍ على جبين زعماء العرب الذين تخلوا عن مقاومتهم ومقدساتهم وكرامتهم وتوجهوا نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني على حساب قضية فلسطين.

 يجب على كل مسلم أن يحملَ عب‏ء قضية فلسطين لأنها قضية كل مسلم، وذلك بالحديث عنها في الواقع والمواقع وفي وسائل التواصل الاجتماعي، وتأييد حركات المقاومة في طوفان الأقصى على الأرض المباركة أرض فلسطين، ودعمها مادياً ومعنوياً، مع يقين كبير بأنَّ وعد الله تعالى قادم وقريب جدًا، وأن يبثَّ روحَ الأملِ والتفاؤلِ بهذا الوعد.

وفي دعائكم لا تنسوا المرابطين على بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، فاللهم نصرك الذي وعدت به أوليائك، اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تقوم للأمة قائمة، اللهم انصرهم وأيدهم وامددهم بمدد من عندك يا رب العزة والجبروت، اللهم اجمع كلمة المسلمين في كل مكان، ووفق ولاة أمورهم للدفاع عن الأقصى واستشعار قدسيته، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وحرر المسجد الأقصى من دنس اليهود الغاصبين…