23/11/2023

فتوى صادرة عن هيئة علماء فلسطين ‏

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آلِه وصحبه ومن والاه، وبعْد:

   فقد شرعت الزكاة في الإسلام لدفع حاجة الأصناف الثمانية التي نصَّت عليها الآية: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضةً من الله والله عليم حكيم} [التوبة ٦٠] وقد تحققت هذه المصارف جميعها في أهل غزة المجاهدين الصابرين الذين دمرت بيوتهم وهجّروا من مناطقهم وحوصروا ومنع عنهم الماء والغذاء والدواء والوقود واستهدفت مستشفياتهم ومدارسهم ومساجدهم وأماكن الإيواء عندهم وهم أولى الناس في أمة الإسلام بالزكاة في هذا الوقت، ولا يجوز أن يقتصر القادر على إخراج الزكاة فقط، بل يجب عليه أن يجاهد بماله في سبيل الله، فهو فرض عيني مستقل عن فريضة الزكاة، ورد الأمر الحتمي به في كتاب الله سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

والأصل في الزكاة أنها تجب على مَن ملك نصاباً إذا توفرت شروطها ومن شروطها في زكاة العين والحيوان حولان الحَول، لكن جمهور العلماء مِنَ الحنفية والشافعية والحنابلة والمالكية في قولٍ، ذهبوا إِلَى جَوَازِ تعْجِيل زكَاة المال إِذَا بلغَ نِصاباً وإن لم يحل عليه الحَول، وَقَدْ قَالَ بهذا القول جمهور التَّابعين.  ومن الأدلة عليه:

  1. حديث عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه: (أنَّ العبَّاس رضي الله عنه سأل رسول الله ﷺ في تعجيل صدقته قبل أن تحلَّ، فَرخَّص لَهُ فِي ذَلِكَ)[1] .
  2. أنَّ الْمَالَ إِذَا بَلَغَ نِصَابَاً؛ فَقَدْ وُجِدَ فِيهِ سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ؛ فَجَازَ تَعْجِيلُهَا قبل أن يوجَد شرطه الذي هو حَولان الحَول؛ لأن تقديم الحكم المتعلق بالحقوق المالية على شرطه جائز بخلاف تقديمه على سببه.
  3. قياس تعجيل الزكاة قبل أن يحول الحَول عَلَى تعجيل قَضَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ أنَّ يحلّ الأَجَل، بناءً على أن الزَّكَاةَ حَقٌّ مَالِيٌّ أُجِّلَ رِفْقَاً بِصَاحِبِ الْمَالِ؛ فجاز تعجيله لمصلحةٍ أو حاجةٍ قبل حلولِ أجَلِه. قال الإمام الشافعي رحمه الله: “لله تبارك وتعالى حق على العباد في أنفسهم وأموالهم: فالحق الذي في أموالهم إذا قدَّموه قبل محلّه: أجزأهم”.

وعليه فيجوز تعجيل إخراج الزكاة لأهلنا المجاهدين الصابرين الصامدين في غزة العزة، بعد بلوغ المال نصاباً وقبل حولان الحَول، والذي يعجل زكاة ماله فهو مأجور وعمله متقبل مبرور بإذن الله.

وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين


[1] أخرجه الترمذي (678) وأبو داود (1624) وابن ماجه (1795) وغيرهم.