خاص هيئة علماء فلسطين
بقلم: د. نواف هايل تكروري
الملخص
البحث في خصائص المسجد الأقصى المبارك لا يفهم منه تقديمه على المسجدين الحرام والنبوي، وإنما له بعض الخصوصيات التي تميز بها عن المسجدين، وهذا البحث يتناول هذه الخصائص التي انفرد بها مراعاة لموقعه وظروفه بناء على نصوص الكتاب والسنة والوقائع التاريخية في التعامل معه.
وقد جاء البحث في تمهيد تناولت فيه التعريف بالمسجد الأقصى ومساحته، ومبحثين رئيسيين: تحدثت في المبحث الأول: عن سبعة خصائص انفرد بها المسجد الأقصى عن المسجدين الحرام والنبوي، والمبحث الثاني: خصصته للحديث عن الأحكام الخاصة بالمسجد الأقصى، وبسطت القول في أربعة مسائل مبيناً ارتباطها بالواقع المعاصر للمسجد الأقصى السليب والواجبات التي تفرضها على الأمة، ثم ختمت البحث بأهم النتائج التي توصلت لها.
Abstract
Research in the characteristics of the Al-Aqsa Mosque does not understand him to provide it to the mosques and the Prophet, but has some peculiarities that distinguish it from the two mosques, and this research deals with these characteristics, which took into account the location and circumstances based on the texts of the book and the year and historical facts in dealing with it.
The research came in a preamble that dealt with the definition of the Al-Aqsa Mosque and its area, and two main topics: I talked in the first section: seven characteristics of the Al-Aqsa Mosque for the two mosques and the Prophet, and the second topic: devoted to talk about the provisions of the Al-Aqsa Mosque, and simplified to say in four issues indicating their connection to reality Contemporary Al-Aqsa Mosque sleep and duties imposed on the nation, and then concluded the research with the most important findings.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، وبعد:
خص الله سبحانه وتعالى من الأرض بقاعًا، ومن المساجد ثلاثة، وجعل لها أحكامًا تميزها عن بقية بقاع الأرض، وبعض هذه الخصائص تشملها جميعًا، وبعضها تخص أحدَها أو اثنين منها.
والمسجد الأقصى وبيت المقدس خاصةً، وبلاد الشام عامة خُصت بخصائصَ، وتميزت بأحكام عن غيرها من البقاع، منها ما اشتركت فيه مع البقعتين الأخريين السابقتين لها في القداسة، ومنها ما انفردت به حتى عن المسجدين، وقد أخبرتْ بذلك الآيات الصريحة والأحاديث الصحيحة. قال تعالى:”سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” [سورة الاسراء: 1]، وقال r:”لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ”. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: “بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ” ([1])، وفي رواية أخرى عند البخاري من حديث مُعَاوِيَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ r يَقُولُ: “لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ مَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خذلهم وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ قال عمي: فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ قال مُعَاذٌ يَقُولُ: وَهُمْ بِالشَّأْمِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ وَهُمْ بِالشَّأْمِ” ([2])، والشام عند الإطلاق تنصرف إلى بيت المقدس أولًا ومركزها الأقصى.
وفي هذه الدراسة سوف أبين الفضائل الخاصة بالمسجد الأقصى المبارك عن المسجدين الحرام والنبوي، ولا يلزم من ذلك تفضيله على المسجدين، إذ من المتفق عليه أنّ المسجدَ الأقصى يأتي في الفضل في المرتبة الثالثة كما هو مقرَّرٌ في نصوص الشريعة، فهو يليهما في الفضل والمكانة، إلا أن ذلك لا يمنع أن يختص ببعض الخصائص عليهما أو بعض الأحكام، وهذا ممّا خصَّه الشارع به، واختار الله سبحانه له ذلك ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾ [سورة القصص: 68]، فالطالب الثالث في الصف قد يكون الأولَ في بعض المواد.
ولا شك أن موقعه وما قدره الله مما كان ومما هو كائن، له أثر في ذلك، فالرباط والإسراء والقبلة الأولى وغيرها مما يتضح لنا في هذا البحث بإذن الله تعالى، خصائص تميز بها المسجد الأقصى عما عداه من البقاع والمساجد، وهذا ما سنوضحه في هذا البحث بإذن الله تعالى.
وكذا فإن لمدينة بيت المقدس والشام عامة خصائصَ عن غيرها من البقاع، ولكن لن أتحدث في هذا البحث عن خصائص بيت المقدس والشام -وهي كثيرة- وإنما سأقصر البحث على الفضائل الخاصة بالمسجد الأقصى عن المسجدين، وأرجئ البحث في خصائصه المشتركة مع المسجدين، وخصائص بيت المقدس والشام إلى أبحاث أخرى.
وسوف أتناول هذا الموضوع من خلال تمهيد، ومبحثين أساسيين وخاتمة.
التمهيد: تعريف بالمسجد الأقصى المبارك.
المبحث الأول: خصائص المسجد الأقصى وفضائله عن المسجدين، وذكرت سبع خصائص.
المبحث الثاني: الأحكام الخاصة بالمسجد الأقصى دون المسجدين، وذكرت أربع مسائل.
والخاتمة: ضمنتها أهم نتائج البحث.
تمهيد: تعريف بالمسجد الأقصى
المطلب الأول: تسمية المسجد الأقصى بالأقصى، وذِكْرُ بعض أسمائه:
- الأقصى لغةً: الأبعد ([3])، واصطلاحًا: هو المسجد المعروف في مدينة القدس، وقد بُني على سفح الجبل.
- ويُسمّى بيت المقْدِس، وضبط “المقدس” بالتخفيف أو التثقيل فالمقْدس: بالتخفيف، المكان الذي يتطهر فيه من الذنوب، والـمُقدَّس: على إضافة الموصوف إلى الصفة البيت الـمُقدَّس أي البيت الـمُطهَّر ([4]).
- ويُسمَّى الأقصى؛ لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام، ولكونه أبعد مسجد عن أهل مكة في الأرض يُعظَّم بالزيارة، ويُقصد بزيارته الأجر، وقيل لبعده عن الأقذار والخبائث ([5]).
- وأشار بعض أهل العلم: أنَّ المراد أنه أقصى؛ أي أبعد البقاع المباركة عن بعضها، ولا شك أن ذكر المسجد الأقصى جاء قبل الهجرة أي قبل بناء المسجد النبوي، فهو إشارة وبيان إلى أنه سيكون مسجدًا ذا خصوصية أقرب إلى المسجد الحرام من المسجد الأقصى، فهو أبعد المساجد الثلاثة عن بعضها([6]).
وهو اليوم بعيدُ المنال؛ لوقوعه تحت الاحتلال، وهو مُقْصَى ومُبْعَد عن أخويه من وجوه عدة، مِن حيثُ إمكانيةُ إعمارِه وترميمه وإحيائه بعبادة المسلمين فيه بما يمارسه الـمُحتلُّون اليهود من ظلم وعداون وحصار.
وأمَّا أسماؤه فقد ذكر الزَّرْكشيُّ ([7]) سبعةَ عشر اسمًا تُطلق على المسجد الأقصى، من أشهرها:
- المسجد الأقصى: وقال إنما قيل له ذلك؛ لأنه أبعد المساجد التي تزار ويبتغى بها الأجر من المسجد الحرام.
- بيت الـمَقْدِس: بفتح الميم وإسكان القاف بالتخفيف أي المكان الذي يُطهَّر فيه من الذنوب.
- البيت الـمُقدَّس: بضم الميم وفتح القاف والدال المشددة أي الـمُطَهَّر، وتطهيره: خلوه من الأصنام.
- مسجد إيلياء، وقيل معناه: بيت الله، وروي عن كعب الأحبار أنه كره أن يسمى بيت المقدس بـ “إيلياء”، وقد حكى ذلك الواسطي في “فضائله”، وكثيرٌ من أسمائه تضاف إلى اسم المدينة الـمُقدسة ويأتي الإشارة إليها([8]).
- وأما مدينة القدس أو بيت المقدس فقد قال ابن حجر في “الفتح”:ولِبيت المقدس عدة أسماء تقرب من عشرين وأوصلها الجراعي في تحفة الراكع والساجد إلى (22) اثنين وعشرين اسمًا منها بعض ما ذكرناه آنفًا من أسماء للمسجد، حيث تطلق على المدينة مثل بيت المقدس، والبيت المقدس، وإيلياء بالمد والقصر وبحذف الياء الأولى، القُدْس، القدُس، وشلم، شلام، سَلِمَ، أوري سلم، حمورة، بيت إيل، ومصروث، وكرشيلا، يبوس، مدينة السلام، أورشليم، أورو سالم” ([9]) وغيرها، وقد بيّن العلماء هذه الأسماء، ومن سمى المدينة بكل اسم، وسبب التسمية، وليس هذا محل تفصيلها.
المطلب الثاني: التعريف بحقيقة المسجد الأقصى ومساحاته:
يظن بعض الناس أن المسجد الأقصى المبارك هو بناء قبة الصخرة المشرفة، ويظن آخرون أن المسجد الأقصى هو المسجد القبلي أو مصلى الرجال أو المصلى الجامع ( كما يعرف اليوم الذي بناه عمر بن الخطاب t)، فتكاد تكون حقيقة المسجد الأقصى المبارك غير واضحة في أذهان كثير من المسلمين، ما حدوده؟ وعلى ماذا يشتمل؟ مما يقتضي التوضيح والتنويه، وهذا الخلل في تحديد المسجد الأقصى ليس جديدًا، حيث يقول ابن تيمية: “فإن المسجد الأقصى اسم لجميع المساجد التي بناها سليمان عليه السلام؛ أي جددها، وهو كل ما دار عليه السور، وقد صار بعض الناس يسمي الأقصى المصلى الذي بناه عمر ابن الخطاب tفي مقدمة المسجد الأقصى أي في جزء من مساحته([10]).
فالمسجد الأقصى المبارك في التاريخ وإلى يومنا هذا هو كل ما دار عليه السور، وله عدد من الأبواب تبلغ خمسة عشرَ بابًا، منها عشرةٌ مفتوحة ، وخمسة مغلقة([11])، وداخل المسجد – داخل الأسوار- هناك المصلى القبلي ومسجد قبة الصخرة والمصلى المرواني وغيرها، وفيه مواقع ومقرات ومساطب وآبار، وسبل للماء وأروقة، وأبنية، ونحو عشر قباب وساحات، وأربع مآذن ودور لتعلم الحديث والقرآن، ومجموع مساحته بكل ما فيه مئةٌ وأربعةٌ وأربعون دونمًا؛ أي مئةٌ وأربعةٌ وأربعون ألف مترٍ مربعٍ، وهو بذلك كان أكبر المساجد الثلاث التي تشد إليها الرحال – المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى- قبل إجراء التوسعات على الحرمين الشريفين – الحرام والنبوي – بعد الثمانينات من القرن الماضي، وهو الأمر المتوقف بشأن المسجد الأقصى المبارك؛ بسبب وجود الاحتلال الصهيوني اليهودي الغاشم، الذي يحول دون الترميم والإصلاح، فضلًا عن التوسعة والبناء، ولقد كان استحباب صلاة العيد فيه عند الشافعية؛ كحرم مكة على الصلاة في الفلاة؛ لسعته، وأما المسجد النبوي فكان صغيرًا، وكانت الصلاة لذلك تفضل في الفلاة على الصلاة فيه من أجل السعة ([12]).
وتجدر الإشارة إلى أن المسجد الأقصى المبارك يمكن أن يتسع خارج حدود السور إذا اقتضت الحاجة، ويكون ذلك كله المسجد الأقصى، كما هو الحال في المسجد النبوي الذي هو الآن يكاد يكون على كامل مساحة مركز المدينة المنورة المأهولة في عهد رسول الله r، وكذلك المسجد الحرام الذي هو الآن عشرات أضعاف ما كان عليه في عهد رسول الله r، والراجح عند العلماء أنّ هذا كله مسجد حرام ومسجد نبوي، واستدلوا بأن عمر وعثمان وسعا بالمسجد وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- يصلون على امتداد الصف بالتوسعة ويقدمون الصف الأول فيها على الصفوف التالية في أصل المسجد… فدل على أن للزيادة حكمَ الأصل. وورد في ذلك أحاديث ضعاف كلها، منها ما روى أبو هريرة t مرفوعاً قال: “لو زيد في هذا المسجد ما زيد لكان الكل t مسجدي” الراجح هو ما ذهب إليه أكثر العلماء من أن كل ما يضاف إلى المسجد؛ فله حكمه، وكذلك المسجد الأقصى يمكن أن يتسع لخارج الحدود المحددة بالسور، فكل المدينة لها حظ من البركة والقداسة، والله تعالى أعلم، وهي بذلك لها نفس الحكم من وجوب الحفاظ عليها والدفاع عنها، وعدم جواز الرضى بجزء منها وإضاعة جزء، أو المساومة عليها وعلى حق المسلمين بها وكل فلسطين.
المطلب الثالث: هل يطلق على المسجد الأقصى حرم أم لا ؟
يذهب كثير من الناس لا سيما في فلسطين إلى إطلاق اسم الحرم على المسجد الأقصى المبارك، أو يسمونه ثالث الحرمين، وكذلك على المسجد الإبراهيمي في الخليل، أما تسمية ثالث الحرمين إن كان بمعنى أنه يلي الحرمين في المكانة دون أن يكون حرمًا فهذا معنى صحيح، أيدته النصوص كما سنرى، وإن كان هذا الإطلاق ليس صحيحًا من الناحية اللغوية، إذ الأصح أن نقول ثالث المساجد وليس المسجدين ولا الحرمين، وأما إذا قصد بذلك أنه حرم ثالث، وبالتالي إطلاق اسم حرم على المسجد الأقصى فهذا غير صحيح من الناحية الفقهية باتفاق العلماء، ومن الناحية اللغوية كما تبين، والأصح أن نقول بأنه ثالث مسجد في الأرض من حيث المكانة والشأن، أو ثالث المساجد، وهو ثاني مسجد من حيث الأقدمية في اتخاذ مساجد لعبادة الله تعالى في الأرض، كما جاءت بذلك النصوص، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: “وليس البيت المقدس مكانًا يسمى حرمًا ولا بتربة الخليل([13]) أيضًا؛ أي لا تسمى حرمًا، ولا بغير ذلك من البقاع إلا ثلاثة أماكن:
– الأول: حرم مكة شرفها الله تعالى، وهو حرم باتفاق المسلمين.
– الثاني: حرم النبي r ( المدينة) من عير إلى ثور بريد في بريد([14])، فإن هذا حرم عند جمهور العلماء؛ مالك والشافعي وأحمد، وفيه أحاديث مستفيضة عن النبي r وقد صححها كثير من العلماء.
– الثالث: وُجّ، وهو وادٍ في الطائف، فإن هذا ورد فيه حديث رواه أحمد في “مسنده” وليس في الصحاح، وهذا حرم عند الشافعي؛ لاعتقاده صحة الحديث، وليس حرمًا عند أكثر العلماء، وأحمد ضعف الحديث المروي في مسنده فلم يأخذ به، وأما سوى ذلك من الأماكن فليس حرمًا عند أحد من علماء المسلمين([15]) .
وذلك أنّ تسمية حرم أمرٌ توقيفي يرتبط بوجود النصوص الدالة على ذلك، فهي ليست اجتهادية، كما أن تسمية حرم لها مدلولات خاصة، ويترتب عليها أحكام شرعية – حلًا وحرمة – فالحرم ما حرم الله صيده ونباته ولقطته. ومع ذلك فإنه لا يفهم مما سبق تأثيم من يسمي المسجد الأقصى حرمًا، وهو لفظ ذائع على ألسنة الناس ولا يراد في أذهانهم مدلولاته الفقهية، فلا حرج في التسمية وهذا الذي أوضحته هنا؛ لبيان أن أحكام الحرم لا تجري على المسجد الأقصى المبارك مثل تحريم الصيد واللقطة.
المبحث الأول: خصائص المسجد الأقصى.
الخصيصة الأولى: القبلة الأولى للمسلمين.
فالمسجد الأقصى هو أول قبلة قصدها المسلمون وتوجهوا إليها في صلاتهم، وهذا ما تؤيده النصوص وعليه عامة أهل العلم، فعندما نتكلم عن المسجد الأقصى أنه قبلة المسلمين الأولى فهي قداسة ووجهة باقية وقبلة منسوخة، فهو رمز من رموز الأمة المكانية، وجامع كلمتها، وموطن من مواطن وحدتها، فالأمة مهما اختلفت فيها الآراء والتوجهات؛ فهي تلتقي على أشياء موحدة لها وجامعة لكلمتها “في مقدمتها الالتقاء على وحدانية الله تعالى، وعلى الشهادة لمحمد r بالرسالة، ثم الاتجاه إلى قبلة واحدة، وقد كانت هذه القبلة أولًا إلى المسجد الأقصى المبارك، وهي بعد تحويلها إلى المسجد الحرام لا ترفع القداسة والرمزية عن المسجد الأقصى وشد الأنظار إليه، وبقائه من المواطن التي يجب أن تجتمع الأمة عليها.
والدليل على كون المسجد الأقصى هو قبلة المسلمين الأولى ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: “كان رسول الله r صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا، وكان رسول الله r يحب أن يوجه إلى الكعبة فأنزل الله: ﴿ قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾ [سورة البقرة: 144]، فتوجه نحو الكعبة، فصلى مع النبي r رجل([16]) ثم خرج بعدما صلى، فمر على قوم من الأنصار في صلاة العصر يصلون نحو بيت المقدس فقال هو يشهد أنه صلى مع رسول الله r وأنه توجه نحو الكعبة فتحرف القوم حتى توجهوا نحو الكعبة) ([17]). وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما أيضًا من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: “بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ – r- قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ” ([18]) .
وهذه المدة من العهد المدني، أما العهد المكي فلعل الصحيح بشأنها أنه عليه السلام كان أيضًا خلالها يتوجه إلى بيت المقدس، ولكن كان r يصلي فيجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس فكأنما توجه إليهما معًا، فلما كانت الهجرة إلى المدينة تعذر الجمع بينهما فتوجه إلى بيت المقدس مع رغبته -عليه الصلاة والسلام- أن يكون توجهه إلى الكعبة مخالفة لليهود، فأنزل الله تعالى: ﴿قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ، فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا، فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ ﴾ [سورة البقرة: 144]، يقول ابن كثير: “وحاصل الأمر أنه قد كان رسول الله r أمر باستقبال صخرة بيت المقدس، فكان بمكة يصلي بين الركنين فتكون بين يديه الكعبة وهو مستقبل صخرة بيت المقدس، فلما هاجر إلى المدينة تعذر الجمع بينهما فأمره الله تعالى بالتوجه إلى بيت المقدس، قاله ابن عباس والجمهور” ([19]).
وخلاصة القول أن الله سبحانه قد ميز المسجد الأقصى المبارك بأن جعله أول قبلة للمسلمين مع وجود الكعبة، حتى جاء الأمر بعد الهجرة إلى المدينة بنحو ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا بتحويل القبلة إلى الكعبة؛ تلبية لرغبة رسول الله r وتحقيقًا لحكمة ربانية أرادها الله سبحانه وتعالى، وكان الله جل شأنه قادرًا على توجيه رسوله إلى الكعبة ابتداءً، ولكن حكمته تعالى اقتضت هذا الربط بين القبلتين، وإثبات هذه المكانة لبيت المقدس، فهي مكانة مستمرة دائمة وخصيصة لهذا المسجد دون سواه، ولعلَّ من الحكم التي نتلمسها في كون المسجد الأقصى هو القبلة الأولى للمسلمين:
1-أنَّ مفهوم القبلة وفكرتها التي تعني التوجه إلى الشيء باقٍ في حق المسجد الأقصى، وأن نسخ التوجه إليه في الصلاة وتحوله إلى المسجد الحرام.
2- ولعل في جعله قبلةً فترةً، إشارةً إلى أنه سيكون قبلة اهتمام المسلمين الأولى في عصور كثيرةٍ، إذ سيكون موطن التدافع والصراع بين الحق والباطل، وكونه الأشد احتياجًا للمسلمين.
الخصيصة الثانية: المسجد الأقصى مسرى رسول الله r، وموطن الأنبياء قبله. فالمسجد الأقصى وبيت المقدس موضع بعثة عدد من الأنبياء ودار إقامتهم، فقد كان بيت المقدس ديار يعقوب، فهو سكن نابلس قبل أن يهاجر إلى مصر، حتى قيل أنه هو الذي بنى المسجد الأقصى بعد أن بنى إبراهيم الكعبة بأربعين سنة، وفيها كان مُلك داود وسلميان من بعده، وكانت متعبد مريم، ومحراب زكريا، وبها ميلاد المسيح، ويحيى عليهم جميعاً الصلاة والسلام، فكل هذا تمكين للأنبياء الصالحين في هذه الأرض المباركة. ([20])
فالمسجد الأقصى وبيت المقدس مسرى رسول الله r، حيث أُسري به r من المسجد الحرام إليه، وصلى به في الأنبياء إمامًا، وقد دخله رسول الله r مع جبريل بعد أن ربط البراق في الحائط الذي كان يربط به الأنبياء، وصلى فيه ركعتين إمامًا ([21])، وقد ذكر القرآن الكريم حادثة الإسراء بقوله سبحانه: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [سورة الاسراء: 1]، وجاءت أحاديث نبوية كثيرة تبينها وتشير إلى وصف النبي r لبيت المقدس لقريش عندما طلبوا ذلك برهانًا على صدقه r منها: أن أَبُو سَلَمَةَ قال سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ r يَقُولُ لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الْحِجْرِ فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ”([22])، وعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: “لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ r إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى أَصْبَحَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِذَلِكَ، فَارْتَدَّ نَاسٌ مِمَّنْ كَانُوا آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ، وَسَعَوْا بِذَلِكَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ t فَقَالُوا: هَلْ لَكَ فِي صَاحِبِكَ؟ يَزْعُمُ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ فِي اللَّيْلِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالَ: أَوَ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: لَئِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ، قَالُوا: وَتُصَدِّقُهُ أَنَّهُ ذَهَبَ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَجَاءَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنِّي لأُصَدِّقُهُ بِمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ: أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ فِي غُدْوَةٍ أَوْ رَوْحَةٍ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقَ”. لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ.([23])
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: “أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، قَالَ: فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قَالَ: فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ، فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ جِبْرِيلُ اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ …” ([24])
ولا شك أن اختيار الله -سبحانه وتعالى- للمسجد الأقصى ليكون مسرى نبيه r هو اصطفاء من الله لهذه البقعة، وهو فضل خصَّ الله تعالى به المسجد الأقصى، ولا سيما أنه رافق هذه الرحلة من الكرامات واللطائف ما جعل وصف المسرى والاعتداد به وصفًا ملازمًا للمسجد الأقصى المبارك، بل لهذه البقعة المباركة بشكل عام، وهو رباط وثيق لهذه الأرض المباركة بالمسجد الحرام، وتوأمة ربانية بين المسجد الأقصى المبارك والمسجد الحرام، وهو رسالة من الله إلى عباده المؤمنين بإبقاء هذا الرباط بينهما، ولزوم كونهما تحت يد المسلمين معًا، ولذلك سارع المسلمون إلى فتح بيت المقدس، في أول فرصة أتيحت، ولا شك أن هذه الميزة بعد سلطان الأنبياء على هذه الأرض المباركة وتمكنهم منها، تعد إيذانًا من الحق -جل شأنه- بوراثة النبي r للأنبياء، وهي دليل على وراثة هذه الأمة للأمم السابقة، وقد ورد في الإسراء والمعراج نصوص في الكتاب والسنة، وقد نقلنا آية الإسراء، ونكتفي بما سبق ذكره من الأحاديث أيضًا.
الخصيصة الثالثة: أنه خص بالبركة وما حوله كما خص المسجد الحرام والمسجد النبوي بالحرمة
فالمسجد الحرام والمسجد النبوي وُصِفَا بالحرمة، وبذلك حرم قطع شجرهما أو نباتهما واصطياد صيدهما والتقاط لقطتهما، وليس للمسجد الأقصى هذا الوصف ولا هذه الخصيصة -حرمة صيده وشجره- كما أوضحنا في المقدمة، ولكن بالمقابل فإن حدود الحرم محدودة وضيقة -مكة وما حولها وكذلك المدينة- بينما المسجد الاقصى وإن لم يوصف بالحرم وليس لشجره ونباته ولقطته وصيده من الحرمة ما للحرمين، إلا أن المسجد الأقصى وصف بالبركة أكثر مع ما حوله، حتى جعلت بلاد الشام كلها بقاعًا مباركة، ومصدر بركتها المسجد الأقصى المبارك، وما ذكرتْ هذه الأرض إلا ونسبتْ للبركة أو القداسة، والآيات والأحاديث التي تدل على بركة المسجد الأقصى وبيت المقدس بل كل بلاد الشام كثيرة، منها:
- قال تعالى ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [سورة الاسراء: 1]
- قال تعالى: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾ [سورة الأنبياء: 71]، والضمير في نجيناه عائد إلى سيدنا إبراهيم -عليه السلام- أي الحديث عنه في الآيات السابقة، والأرض التي نُجِّي إليها هي فلسطين.
- وقال تعالى: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ﴾ [سورة الأنبياء: 81]
“وكل هذه الآيات قال العلماء بأن المقصود بالأرض التي باركنا فيها بيت المقدس أو الشام ([25])، ومركز البركة في كل ذلك هو المسجد الأقصى وما حوله ينال من البركة بقدر القرب منه”.
- وقال تعالى على لسان موسى عليه السلام: ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ [سورة المائدة: 21]
- ووصف القرآن أرضها بالربوة ذات الخصوبة وهي أحسن ما يكون في النبات، وماءَها بالمعين الجاري، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ [سورة المؤمنون: 50] “قال الضحاك وقتادة: وهو بيت المقدس قال ابن كثير: وهو الأظهر” ([26])، قال أبو هريرة: الزموا هذه الرملة من فلسطين، فإنها الربوة التي قال الله تعالى فيها: ﴿وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾”([27]).
ولا شك أن بيت المقدس بمعنى -المسجد الأقصى- هو مركز البركة ومنبعها وأن البلاد – بلاد الشام – تستمد بركتها منه، فبقدر قربها تكون بركتها، والبركة في بيت المقدس، منها البركة الحسية بالخصب؛ بثمارها وأشجارها وأنهارها، وعذوبة مائها واعتدال طقسها، ولذة فاكهتها وزيتها وزيتونها وخصوبة مزارعها، فعلى صغر فلسطين وتقارب مدنها إلا أنها اشتهرت بتنوع زراعتها ومنتوجاتها ولذتها، وكذا عموم بلاد الشام([28])، ولا شك أن أكثر هذه الثمار بركة ما كان في ساحة الأقصى ثم في مدينة بيت المقدس وهكذا … وأما البركة المعنوية: فبكونها أرض الأنبياء ومهبط الوحي، وفيها قبور الأنبياء ومراقد الصالحين، وبكونها عقر دار المؤمنين عند اشتداد المحن، وكونها ومدائنها ثغورًا، والإقامة بها رباط بل جهاد ما استحضرت النية، فهذه وغيرها مما سبق ذكره من ميزاتها مؤشرات بركتها المعنوية بما حوت من الخير والصلاح والجهاد.
ومن بركتها أنها تلفظ الطغاة، وأنها في نهاية المطاف سيكون بها تصفية الوجود اليهودي العدواني كما أخبرت بذلك النصوص الصحيحة، وسوف نشير إلى تفصيل هذه الفضائل في تفصيلات البحث، ثم في بحث فضله مع المسجدين، وفضل بيت المقدس وبلاد الشام.
- عن زيد بن ثابت الأنصاري t قال: “سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يقول: “يا طوبَى للشام، يا طوبَى للشام، يا طوبَى للشام- وفي رواية يا طوبى لأهل الشام- قالوا: يا رسول الله! وبِمَ ذلك؟ قال: تلك ملائكة الله باسطة أجنحتها على الشام” ([29]).
ولا بد من التأكيد هنا أنه حيث ذكر الشام في الأحاديث تنصرف أساسًا إلى المسجد الأقصى، ومنه تتوسع الدائرة، فهو مركز كل خير وصف للشام، ما لم يشر لمنطقة بعينها كذكر دمشق أو اللد، وأن هذا الرباط المبرور والثبات المستمر لأهلها رغم شدة الحال وكثرة التضييق من العدو الصهيوني مما يضعف الأقوياء، لهو ضرب من ضروب بركة هذه البلاد وتوفيق الله تعالى لمن اصطفاهم لسكناها.
الخصيصة الرابعة: أنه مقر الطائفة المنصورة في آخر الزمان، وموئل المؤمنين في وقت الفتن.
عن أبي أمامة t قال: قال رسول الله r: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك” قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال :”ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس” ([30])، وعند مسلم “لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس، قيل أين هم يا رسول الله؟ قال: هم في الشام” ([31]) – والشام هي أكناف بيت المقدس- ومن هنا فإن الجهاد فيه مدعم بدعاء الرسول r وبشارته بالنصر والتمكين، فالمجاهدون فيه هم الطائفة المنصورة. ولعل هذه إشارة إلى جهاد أهل بلاد الشام جميعًا في مواجهة المحتلين والطغاة على حد سواء، ولا شك أن هذه الخصيصة لم ترد في حق أي من المسجدين، كما أن النصوص الكثيرة أشارت إلى أن بيت المقدس والشام عمومًا أرض رباط وجهاد في سبيل الله تعالى.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: “رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَمُودًا أَبْيَضَ كَأَنَّهُ لُؤْلُؤَةٌ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ، فَقُلْتُ: مَا تَحْمِلُونَ؟ فَقَالُوا: عَمُودُ الإِسْلامِ، أُمِرْنَا أَنْ نَضَعَهُ بِالشَّامِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ اخْتُلِسَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي، فَظَنَنْتُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ تَخَلَّى مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي وَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ بَيْنَ يَدِي حَتَّى وُضِعَ بِالشَّامِ”، فَقَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، خِرْ لِي، فَقَالَ: “عَلَيْكَ بِالشَّامِ”([32])، فبيت المقدس وأكناف بيت المقدس ميراث النبوة، وفيها الطائفة التي يمدها الله بمدده ويؤيدها بنصره، ولا شك أن هذه بشارة لأهل هذه البقاع، بل هي دعوة لاستيطانها والمجاورة في مسجد بيت المقدس، ولا شك أن فضل المجاورة في المسجد الأقصى يزداد فضلًا إذا كان يمثل رباطًا في مواجهة المحتلين والمعتدين، ودفاعًا عن البلاد والمقدسات، بل اتفقت كلمة العلماء على أن الرباط في سبيل الله تعالى لا يضاهيه مجاورة في المساجد المفضلة ولا غيرها.([33]) فكيف إذا كان الرباط بجوار أحدهما.
الخصيصة الخامسة: اجتماع الأنبياء في المسجد الأقصى، وإمامة رسول الله r بهم جميعًا ليلة الإسراء.
وهو أمر لم يحصل لأي مكان في الأرض أن اجتمع فيه الأنبياء جميعًا، ولا حصل لنبي قبل رسول الله r، حيث اجتمع له الأنبياء جميعًا، من آدم إلى عيسى -عليهم السلام- جميعًا، وَصَلُّوا خلف رسول الله r، ولا شك أن في ذلك إشارة إلى قيادة أمته r للأمم، وإلى ولايتها على هذه البقاع المقدسة، وأن أنبياء بني إسرائيل -عليهم السلام- قد سلموا راية القيادة والإشراف على هذه المقدسات لرسول الله r ولأمته من بعده، فقد أخرج مسلم في صحيحه من طريقٍ ثابت البناني عن أنس أن النبي ـ rـ صلَّى ليلة الإسراء ببيت المقدس ركعتين، كما ثبت أنه صلى بالأنبياء إمامًا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: “لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَأَنَا فِي الْحِجْرِ، وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْرَايَ، فَسَأَلُونِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْهَا، فَكُرِبْتُ كَرْبًا مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ، فَرَفَعَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلا أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ، وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي، رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يُصَلِّي، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَائِمٌ يُصَلِّي، أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ يَعْنِي نَفْسَهُ، فَحَانَتِ الصَّلاةُ، فَأَمَمْتُهُمْ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلاةِ، قَالَ لِي قَائِلٌ: يَا مُحَمَّدُ هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَبَدَأَنِي بِالسَّلامِ” ([34])، وقد ورد عن حذيفة بن اليمان tأنه نفى أن يكون النبي r أمَّ الأنبياء وصلى بهم، فعنه t أن رسول الله r، قال: “أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ فَلَمْ نُزَايِلْ ظَهْرَهُ أَنَا وَجِبْرِيلُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِس،ِ فَفُتِحَتْ لَنَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَرَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ ووعد الآخرة أجمع، ثم عادا عودهما على بدئهما” ([35])، قال حذيفة “ولم يُصَلِّ ببيت المقدس”.
وقد اعترض عليه زر بن حبيش وقال بلى قد صلى، ودار حوار بينهما.
وفيه أن حذيفة t استغرب أن يكون صلى بالمسجد الأقصى وقال: “لو صلى فيه لكتبت عليكم الصلاة فيه كما كتبت الصلاة في المسجد الحرام”، واستنكر حذيفة t ربط الدابة – البراق – حيث قال زر “وربط الدابة بالحلقة التي يربط بها الأنبياء -عليهم السلام-” قال حذيفة: أوَ كان يخاف أن تذهب منه وقد أتاه الله بها؟! وفي رواية: ثم ضحك حتى رأيت نواجذه، قال: ويحدثون أنه ربطه! لمَ؟! أيفرّ منه؟! وإنما سخّره الله له عالم الغيب والشهادة!([36])
ومن هذا الحوار يتضح أن حذيفة t إنما يحلل تحليلًا ويتكلم عن فهمه للواقعة لا عن معلومات لديه، فهو أخذ من سياق الحديث الذي وصله، وتحدث عن إسرائه وعروجه إلى السماء ثم عودته وما شاهده في معراجه، ثم عودتهما إنما تمت بهذا الشكل ولم يكن فيها صلاة، ثم ذكر حذيفة أنه لو صلى عليه السلام في الأقصى لفرضت علينا الصلاة، وهو استنتاج منه t وليس حقيقة، فحتى الصلاة بالحرم لم تكتب فريضة لغير الحج، ولا في المدينة، وقد صلى النبي r بالمسجدين، وفي أماكن عدة ولم تكتب الصلاة على المسلمين فيها، بل الحاج نفسه لو كان طوافه ليلًا بعد أن صلى العشاء في مكان خارج مكة، ثم طاف وخرج قبل وقت الفجر لم يكن عليه صلاة مفروضة في الحرم، وإن كان يخسر بذلك، ولا ينبغي لمن جاء الحرم إلا أن يصلي فرضًا أو نافلة بل عليه أن يُكثر، ولكن المراد أن صلاة رسول الله r في الحرمين لم توجب الصلاة فيهما على جميع المسلمين.
وكذلك اعتمد في إنكار ربط الدابة على أن الله سخرها وهو قادر على تسخيرها دون رباط، وهو فهم منه t ولربما أراد رسول الله r، وقد ثبت أنه ربط أن يعلمنا حقيقة التوكل عمليًّا كما أخبرنا بها في أحاديثه، وهو مثل قوله تعالى لمريم بنت عمران: ﴿وَهُزِّيْ إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم: 25]، وكذا ضرب موسى البحر بعصاه، فالله قادر أن ينزل الرطب لمريم من غير أن تهز الجذع، وقادر على أن يفلق البحر لموسى من غير ما ضرب بالعصى، ولكنه بذل الوسع والتوجه إلى العمل والإنجاز و الأخذ بالمستطاع من الأسباب، بل إنَّ وجودَ البراق كلّه دلالةٌ على الأخذ بالأسباب، فالله قادرٌ على نقل نبيه دون براق فلماذا سخّره إذن؟!
ومن هنا فإنه لا يقبل قوله t لا سيما أنه جاء معارضًا لنصوص ومعلومات في الصحاح عن غيره من الصحابة -رضوان الله عليهم- أثبتوا فيها الربط وأثبتوا فيها الصلاة، ومنها الحديث الذي سقناه قبل قليل، والمثبت مقدم على النافي كما هو معلوم، قال ابن كثير بعد ذكر قول حذيفة: “هذا الذي قاله حذيفة t وما أثبته غيره عن رسول الله r من ربط الدابة بالحلقة، ومن الصلاة ببيت المقدس مقدم على قوله” ([37]).
الخصيصة السادسة: مسجد بيت المقدس بوابة الأرض إلى السماء
فبيت المقدس بوابة الأرض إلى السماء وبوابة السماء إلى الأرض، ومن مؤشرات ذلك أنه لما أراد الحق سبحانه أن يعرج برسول الله r إلى السماء أسرى به أولًا إلى المسجد الأقصى ثم عُرِج به إلى السماء من بيت المقدس، ثم كان ذلك في طريق عودته من السماء مرورًا ببيت المقدس على الصحيح من الأقوال([38])، فكان ذلك إيذانًا من الحق سبحانه أن بيت المقدس هو بوابة الأرض إلى السماء وبوابة السماء إلى الأرض، فقد روى مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله r قال: “أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه، قال: فركبته حتى أتيت بيت المقدس، قال: فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء، قال: ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل: اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء، فاستفتح جبريل فقيل: من أنت، قال: جبريل، قيل: ومن معك، قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه، قال: قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير.”
ولا شك أن هذا الفضل خص به الله سبحانه وتعالى المسجد الأقصى عن كل المساجد بما في ذلك الحرمين الشريفين أن يكون طريق السماء إلى الأرض والعكس.
ومن دلائل كون بيت المقدس بوابة الأرض إلى السماء أيضًا أنه أرض المحشر والمنشر، إذ يكون إليه المحشر ومنه المنشر إلى السماء، فعَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلاَةِ النَّبِيِّ r قَالَتْ: “قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ. قَالَ: “أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ ([39]). ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ؛ فَإِنَّ صَلاَةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلاَةٍ فِي غَيْرِهِ”. قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: “فَتُهْدِي لَهُ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ؛ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَنْ أَتَاهُ) وورد في ذلك أيضًا حديث بهز بن حكيم، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ تَأْمُرُنِي؟ خِرْ لِي، فَقَالَ بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ، قَالَ: “إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ رِجَالًا، وَرُكْبَانًا، وَتُجَرُّونَ عَلَى وُجُوهِكُمْ” ([40])، وكذلك هو أرض المنادي من الملائكة نداء الصيحة لاجتماع الخلائق يوم القيامة، وفي تفسير قوله تعالى: ﴿وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيب﴾ [ق:41]، قال سعيد قال قتادة: “كنا نتحدث أنه ينادي من صخرة بيت المقدس، قال: وهي وسط الأرض” ([41]).
ولعل من إيحاءات كون بيت المقدس هو بوابة الأرض إلى السماء أن كل من أراد عروجًا إلى الله سبحانه وتعالى وارتقاء في سلم مرضاته، لا بد أن يكون بيت المقدس في مقدمة أولوياته ورعايته والدفاع عنه، وأن تكون حمايته من الأعداء من صفاته وسماته ومهماته، والحرص على نقاء هذا المسجد وطهارته وبقائه تحت سلطان الإسلام، مما يشغل باله ويبذل له من وقته وماله.
الخصيصة السابعة: أن العبادة فيه مرتبطة بالرباط والجهاد أكثر من الشعائر.
من خصائص المسجد الأقصى أن عبادة الرباط والجهاد هي أوضح عبادة فيه، وميزة من ميزاته، فعبادات الحرمين شعائرية سلمية آمنة غالبًا، قال تعالى: ﴿وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [القصص: 57]، فالعبادة في مكة سليمة آمنة وهي عظيمة الأجر والمثوبة، فالصلاة بمئة ألف صلاة، وكذا في المسجد النبوي الصلاة بألف صلاة، بينما العبادة في المسجد الأقصى أجرها بمائتين وخمسين صلاة على الأرجح، وهو يعني الربع بالنسبة للمسجد النبوي وواحد من أربعين بالنسبة للمسجد الحرام، كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة.([42]) إلا أن للمسجد الأقصى وما حوله عبادة عملية يمتاز بها وهي عبادة الرباط في سبيل الله، والمجاهدة شبه الدائمة، ولذلك فإن هناك أوقات الاقتراب فيها من المسجد الأقصى والإشراف عليه، والحفاظ على مراقبة أوضاعه والذود عنه هو رباط في سبيل الله، وهو خير من الصلاة في المسجد النبوي والمسجد الحرام؛ لأن كل ذلك لا يعدل الرباط في سبيل الله، وتلك هي أوقات العدوان عليه، وتهديده بالخطر، وكلما ازداد الخطر المحدق بالمسجد كلما ازداد فضل الرباط فيه، حتى يبلغ الأفضلية على كل ما في الدنيا، وهذا معنى حديث أبي ذر t، حيث قَالَ: “تَذَاكَرْنَا وَنَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r، أَيُّهُمَا أَفْضَلُ: أَمَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ r أَمْ بَيْتُ الْمَقْدِسِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: “صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى هُوَ، وَلَيُوشِكَنَّ لأَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ شَطَنِ فَرَسِهِ مِنَ الأَرْضِ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرًا لَهُ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا”، قَالَ: أَوْ قَالَ: “خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا”([43])، وفي المبحث القادم تفصيل القول عن الرباط والجهاد كحكم شرعي خاص بالمسجد الأقصى المبارك وما حوله .
المبحث الثاني: الأحكام الخاصة بالمسجد الأقصى دون المسجدين:
كما وجدنا بعض الخصائص لهذا المسجد ليست لغيره من المساجد والبقاع، فهناك بعض الأحكام التي تعلقت بالمسجد الأقصى وما حوله من بيت المقدس وبلاد الشام مما ليس لغيره، حتى المسجدين الشريفين، وسوف أبين هنا بعض الأحكام الخاصة بالمسجد دون الخاصة بالمدينة والمنطقة وذلك في مسائل:
المسألة الأولى: استحباب إتيان المسجد الأقصى للصلاة فيه طلبًا لمغفرة الذنوب والتطهر منها.
جاء في بيان فضل الصلاة في المسجد الأقصى أنها تعدل مائتين وخمسين صلاة فيما سواه من المساجد عدا المسجدين الحرام والنبوي: فعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: تَذَاكَرْنَا وَنَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r، أَيُّهُمَا أَفْضَلُ: أَمَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ rأَمْ بَيْتُ الْمَقْدِسِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: “صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى هُوَ، وَلَيُوشِكَنَّ لأَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ شَطَنِ فَرَسِهِ([44]) مِنَ الأَرْضِ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرًا لَهُ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا”، قَالَ: أَوْ قَالَ: “خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا”. وفي الطبراني “وليوشكن أن يكون للرجل مثل سِيَّة قوسه”([45]). فهذا قوى الأحاديث في الدلالة على أجر الصلاة في المسجد الأقصى.
وبالتالي فإنه من الواضح أنه من حيث مضاعفة الأجر للصلاة فيه فإن الصلاة في المسجدين أفضل من الصلاة فيه، فأجر الصلاة في المسجد النبوي أربع أضعاف الصلاة فيه، فصلاة في المسجد النبوي أفضل من أربع صلوات في المسجد الأقصى، وأما المسجد الحرام فصلاة فيه أفضل من أربعمائة صلاة في المسجد الأقصى، إلا أن للمسجد الأقصى في مسألة الصلاة فيه فضيلة لم تَرِد لغيره؛ وهو أن من جاءه لا يريد إلا الصلاة فيه، فإنه يُرجَى له أن يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، أي تغفر ذنوبه كلها صغيرها وكبيرها، إذ المولود يولد بريئًا لا يحمل ذنبًا صغيرًا ولا كبيرًا، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا بإسناد صحيح أن النبي r قال: “لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا: حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ، وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لَأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَلَّا يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ r أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ”([46]).
ولذلك كان بعض الصحابة مثل عبد الله بن عمر وغيره يأتون إلى المسجد الأقصى لا يريدون إلا الصلاة فيه؛ طلبًا لمغفرة الذنوب والتطهر منها، حتى ورد أن ابن عمر t كان لا يتناول فيه شربة ماء حفاظًا على نقاء المقصد([47])، ومما يدل على أن هذه خصوصية للمسجد الأقصى أن ابن عمر t كان يأتي إليه من المدينة التي فيها المسجد النبوي، والمسجد الحرام أقرب إليه، فمجيؤه إلى المسجد الأقصى فيه دلالة على فهمه t أنّ في المجيء إليه فضلًا لا يدركه من صلى في المسجد الحرام والمسجد النبوي، وإلا لصلى في أحدهما أو فيهما، فكلاهما أقرب إليه.
ولا شك أن هذه الخصيصة لم تذكر لأي من المسجدين، ولكنها ذكرت جزاء لبعض الأركان والشعائر كالحج في قوله r:”مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ”([48])، وغيره من الأحاديث، وبالتالي؛ فإنه يؤخذ من ذلك استحباب إتيان المسجد الأقصى المبارك للصلاة فيه؛ طلبًا لمغفرة الذنوب والتطهر من الخطايا، وهو مقصد ينبغي على من حضر المسجد الأقصى أن يستحضره نيته، وهو فضل عظيم وحكم خاص بالمسجد الأقصى المبارك، طهره الله تعالى بأيدينا من دنس اليهود الغاصبين، ورزقنا فيه صلاة تغفر بها ذنوبنا وتُمْحى بها خطايانا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
المسألة الثانية: استحباب الإهلال منه بعمرة أو حجة.
ومما ذكر من أحكام تخص المسجد الأقصى أنّ كثيرًا من أهل العلم ذهبوا إلى استحباب الإهلال بعمرة أو حج من المسجد الأقصى المبارك، استنادًا إلى بعض الروايات عن رسول الله r، تدل على فضل الإهلال بعمرة أو حجة من المسجد الأقصى المبارك، وأن من فعل ذلك غفرت ذنوبه أو دخل الجنة، فقد أخرج أبو داوود من حديث أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ r، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ r، يَقُولُ: “مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ”.شَكَّ عَبْدُ اللَّهِ أَيَّتَهُمَا “ ([49]). وقال أبو داوود : يرحم الله وكيعًا أحرم من بيت المقدس يعني: إلى مكة .
وعَنْها أيضًا، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: “مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، غُفِرَ لَهُ) ([50])، وفي رواية عند ابن ماجة أيضًا: “من أهل بعمرة من بيت المقدس كانت له كفارة لما قبلها من الذنوب” ([51])، وهذه الأحاديث وإن اختلف في العلماء في صحتها، فضعفها بعضهم وحسنها بعضهم-كما ظهر لنا-، إلا أننا وجدنا الصحابة y يفعلون ما دعت إليه، فهو دليل على اعتدادهم بها، فقد كان الصحابة والتابعون y يحرصون على الإهلال من المسجد الاقصى بالعمرة أو الحج، منهم ابن عمر t الذي كان يأتي المسجد الأقصى ليصلي فيه، ولا يتناول فيه حتى شربة ماء عملًا بحديث “لا يريد إلا الصلاة فيه”، وكان يحب أن يهلَّ منه بعمرة، فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده وأبو داوود وابن ماجه في سننهما ([52])، أنه أحرم من بيت المقدس بعمرة، ومنهم كعب الخير ومعاذ بن جبل وغيرهم من الصحابة والتابعين، وبناءً عليه فقد ذهب كثير من العلماء إلى القول بأفضلية الإحرام من المسجد الأقصى([53]).
وقد اختلف العلماء في حكم هذه المسألة، ويرجع ذلك إضافة إلى ما ذكرنا إلى اختلافهم في أفضلية تقديم الإحرام على الميقات، أما جوازه فقد اتفق العلماء على جواز تقديم الإحرام على الميقات دون تأخيره([54])، وبالتالي فإنه لا خلاف بين العلماء في صحة الإحرام من بيت المقدس؛ لاتفاقهم على جواز تقديم الإحرام عن الميقات، ولكنهم اختلفوا في أفضلية ذلك واستحبابه، فمن رأى منهم أنّ للتقديم فضلًا، استحب أن يكون هذا التقديم من المسجد الأقصى، ومنهم من رأى أن الفضل كل الفضل بالتزام الميقات؛ لأن النبي r أحرم من الميقات، وهو عليه السلام لا يترك الأفضل إلى المفضول، ولكن يجاب على هذا القول بأن الأفضل لم يكن متاحًا لرسول الله r وقتئذ، إذ كان بيت المقدس محتلًا من الروم، وكان -عليه السلام- مشغولًا بما هو أولى من المستحب، وهو فرض الدعوة ومحاججة المعاندين ودفع المعتدين.
وممن ذهب إلى القول الأول أبو حنيفة والشافعي والحنابلة في قول لهم وغيرهم، وقالوا: إن الميقات رخصة حيث تنتهي رخصة الحاج أو المعتمر بالتحلل عندها، وإن الفضل في التقديم، واستدلوا بفعل الصحابة، حيث ورد إحرامهم من المسجد الأقصى، واستدلوا أيضًا بقوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّواْ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ قالوا إتمامها أن تحرم بها من دويرة أهلك([55])، أي قبل الميقات.
وذهب الإمام مالك وهو قول عند الشافعية والحنابلة، وعطاء وابن حزم وغيره إلى القول بأن الإحرام من الميقات أفضل واستدلوا:
– أنه عليه الصلاة والسلام لم يحرم إلا من الميقات، وأن عمر t أغلظ على عمران بن الحصين لما أحرم من البصرة، وقالوا: إن الإحرام قبل الميقات مباح، وفعل المحرم ما نهى عنه من مس الطيب وإتيان النساء معصية، وهو إذا أحرم لم يأمن على نفسه موافقة المعصية، فكان ترك ما هو مباح من الإحرام قبل الميقات؛ دفعًا لاحتمال الوقوع في المعصية أولى وأفضل([56]).
وقد رجَّح محمد شبير أفضلية الإحرام من المسجد الأقصى، ونقل تصحيح حديث أبي داود المذكور ولا مجال للتفصيل هنا، ولا شك أن فعل الصحابة y حجةٌ في ذلك، وقال وبه نأخذ وإن كان وجود الاحتلال حائلًا دون إدراك هذا الفضل، وعلى الأمة أن تعمل على استعادة الحق والتمكن من أداء هذه الفضيلة([57]).
والذي أراه أنه يمكن إعمال كل الأدلة الواردة دون إهمال شيء منها، وذلك بالقول بأفضلية اتباع فعل المصطفى r، والإحرام من الميقات في كل الأحوال باستثناء من أتيح له الإحرام من بيت المقدس؛ فإنه يستحب له ذلك.
والإحرام من الميقات أفضل بشكل عام، ويدل على ذلك أن عمر t أغلظ بالقول لعمران بن حصين -رضي الله عنهما- لما أحرم من البصرة، وهذا يتعارض مع ثبوت الفضل في الإحرام من المسجد الأقصى، حيث لم يرد اعتراض عمر ولا غيره على من فعل ذلك من الصحابة، وكان فيهم ابن عمر، فلا يعقل لو كان الأمران سواء أن يعترض على عمران بن حصين لإحرامه من البصرة، ولا يعترض على ابنه وقد أحرم من الأقصى.
فالإحرام من بيت المقدس قد ورد فيه نص خاص باستحباب الإحرام منه، وفعله الصحابة والتابعون -رضوان الله عليهم- أجمعين، فيبقى العام على عمومه في أفضلية الإحرام من الميقات إلا في موضع التخصيص وهو بيت المقدس، مع ضرورة الإشارة إلى أن مسألة طول فترة الإحرام التي يخشى معها الوقوع في محظورات الإحرام، لم تعد اليوم قائمة في ظل تطور وسائل النقل، يمكن القول أن الزيادة في مدة الإحرام بين من يحرم من الميقات ومن يحرم من المسجد الأقصى زيادة يسيرة، وبهذا يزول المخوف من طول فترة الإحرام، وهو التجاوز والوقوع في محظورات الإحرام بطول مدته إذ كانت مسيرة شهر، واليوم لا فرق سوى يوم بل ربما بضع ساعات بين الإحرام من الأقصى أو الإحرام من الميقات.
ولكن هنا يحسن التنبيه إلى أن بعض العوام من المسلمين وفي فترات مختلفة من الزمان ذهبوا إلى عدِّ زيارة المسجد الأقصى على أنها جزءٌ من الحج، وليس الأمر كذلك، ولا حتى المسجد النبوي، وإن كان ليس من البر الوصول إلى مكة وترك المرور بالمدينة المنورة وزيارة مسجد رسول الله r وإلقاء السلام عليه.
وكذلك من أمكنه أن يحقق زيارة هذه البقاع الثلاث فهو فضل عظيم في الظروف المناسبة، ولكن ليست على وجه الارتباط بأعمال الحج والعمرة، ولعل القادمين من بلاد بعيدة لا سيما بلاد شرق آسيا وباكستان والهند والمغرب العربي وغيرهم، يعدون وصولهم إلى هذه البلاد فرصة قد لا تتكرر، فيطمعون في تحقيق زيارة كل هذه البقاع المطهرة المباركة، ولا حرج في ذلك ما لم يعتقد أنها مرتبطة بالحج وأعماله، بل هو فضل وأجر عظيم، مع اقتصاد بالنفقة، ولو جعل الحاج المار ببلاد الشام -كأهل المغرب العربي وتركيا وأوروبا وغيرها- إحرامه من المسجد الأقصى؛ اقتداءً بأصحاب رسول الله r، وتحقيقًا لزيارته عندما يكون متاحًا، فهذا فضل بإذن الله تعالى، ولو قصد أناس من المشرق إليه لينطلقوا منه إلى أداء الحج والعمرة محرمين منه لكان ذلك استرشادًا بسنة أصحاب رسول الله r، التي وقعت كما بينا من عدد منهم دون نكير من الباقين، والله تعالى أعلم.
المسألة الثالثة: استحباب إمداده بالدعم المعنوي والمادي بل وجوب ذلك أحيانًا
“عَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ r قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالَ: أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ، ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: فَتُهْدِي لَهُ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَنْ أَتَاهُ) وهذا الحديث جاء بطرق عدة ([58])، واختلف علماء قديمًا وحديثًا في الحكم عليه، فذهب ابن حجر العسقلاني إلى القول بتضعيفه، وكذا الألباني وشعيب الأرناؤوط وغيرهم ([59]).
والذي أراه أن هذا الحديث على ما قيل فيه، إلا أن تعدد طرقه وقوة بعضها لا سيما ما جاء من طريق عيسى بن يونس فإنه يمكن أن يكون في حدود الحسن لغيره، فيصلح للاحتجاج به لا سيما وأن الاستدلال به هنا يدعمه ثلاثة أمور:
الأول: أن الاحتجاج به يأتي على فضائل الأعمال والمستحبات وليس لبناء أحكام قطعية.
الثاني: أنه يؤيد ما يؤخذ منه نصوص أخرى ومذاهب([60])
الثالث: ذكر في الحديث أمرًا متوقعًا ثم وقع وصار أمرًا واقعًا.
حيث أشار الحديث إلى أنه يمكن أن يتعذر الوصول إلى المسجد الأقصى والمجيء إليه، ولا شك أن هذا الأمر يمكن أن يرجع إلى الشخص لعجز في صحته أو في ماله، ويمكن أيضًا أن يحمل على أن تعذر المجيء إليه مرجعه إلى ظروف يمر بها تحول دون وصول المسلم إليه، وهذا المعنى الأخير قائم اليوم، حيث إن كثيرًا من المسلمين يتعذر وصولهم إلى المسجد الأقصى بما يضع الغاصبون من عراقيل وموانع، من بينها الحاجة إلى استئذان المحتل، والقبول بدخول الأقصى عبر إذن المحتل وقوانينه، وربما لإحساس المسلم بأن ذهابه فيه شيء من الإقرار بسلطة المحتل-وليس هذا على إطلاقه-.
فالحديث أشار إلى نوعين من الدعم، والمسجد الأقصى اليوم في أمس الحاجة إليهما:
النوع الأول: الدعم المعنوي والإعمار بالعبادة “ائتوه فصلوا فيه” وهذا هو المطلب الأصلي لما له من أثر في حفظه، ولما للصلاة فيه من أجر خاص على كل المساجد إلا المسجدين الحرام والنبوي، فمن وسعه المجيء فذلك فضل أول، ينبغي المصير إاليه والحرص على أدائه.
والنوع الثاني: دعم مادي بديل عن الدعم المعنوي، وهو يليه ويقوم مقامه في حق من تعذر منه الدعم الأول، والمساهمة المباشرة في تثبيت هويته وحفظها، وذلك بالدعم المادي حيث أرشد r ميمونة إذا لم تستطع أن تأتي المسجد الأقصى للصلاة فيه لحائل في نفسها، أو في حال المسجد، إلى إرسال زيت يسرج فيه، وهو كناية عن الدعم المادي لهذا المسجد وتثبيت أهله -والله أعلم-، والجمع بين الدعمين مزيد فضل وإن لم ينص الحديث على ذلك ، وذلك لفضل كل منهما فكيف الجمع بينهما؟
وفي قوله عليه الصلاة والسلام “يسرج فيه” كناية عن الحفاظ عليه حيويًّا مضاءً عامرًا بالعباد الذين يمكنهم الوصول إليه دون إلحاق ضرر به، وإلا فإنه لا يمكن طلب إرسال زيت حقيقة من المدينة التي لا تعرف بالزيت إلى الأقصى بلد الزيت والزيتون، لذلك يمكننا أن نوجه هذا الحديث اليوم بأن المقصود بالزيت الذي يسرج فيه أنه كناية عن توفير الدعم المادي لأهله الذين يرابطون فيه، ويحفظونه بوجودهم فيه من الهيمنة الصهيونية، وتثبيتهم في مواجهة المحن والفتن التي تدبَّر لهذه البقعة المباركة، وتوفير سبيل العيش الكريم لهم، وكأن الحديث أشار إلى ضرورة أن تتكامل أدوار المسلمين في الدفاع عن هذا المسجد في وجه المحن والعدوان والاغتصاب، فمن استطاع أن يأتيه فيعمره بالعبادة والصمود في مبانيه وساحاته يدافع عنه ويذود عن حياضه، ويحميه من العدوان بنفسه فعليه ذلك. وهو الفعل الأعظم.
ولما كان هذا الأمر لا يستطيعه الجميع، فقد أرشد r إلى ضرورة تكامل الأدوار في الدفاع عنه، بأن يتولى القادرون على الوصول إليه العبادة فيه والدفاع عنه وحمايته بأنفسهم، وبالمقابل يشارك من حيل بينهم وبين الوصول إليه بحمايته وإسراجه من خلال توفير أسباب الثبات والصمود لإخوانهم الواصلين إليه، ما يُمَكِّن من استمراره منيرًا مسرجًا بالمسلمين، مدافعًا للظالمين والمعتدين، وذلك بأن يخلف الغائبين عنه الحاضرون فيه في أولادهم وأهليهم وأرزاقهم، فيكونون بذلك شركاءَ، مصداقًا لحديث رسول الله r: “وَمَنْ خَلَفَ غَازيًا في أهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا” ([61])، وبالتالي فإن هذا الحديث على الرغم مما اعتراه من ضعف فإنه يمكن الاسترشاد به في هذه الأعمال الفاضلة، وأن يؤخذ منه استحباب دعم أهل فلسطين في مشروع جهادهم ومقاومتهم ضد المحتلين ومن يعاونونهم، بل وجوب، وذلك لأمرين:
الأمر الأول: أن طلب إرسال زيت يسرج فيه جاء بصيغة الأمر وهو يفيد الوجوب، إلا أن هذا الأمر جاء دالًا على أن البذل يقوم مقام الإتيان، ولما كان إتيان المسجد الأقصى في أصله سنة فكذلك بدله “إهداء الزيت” وذلك في الأوقات الطبيعية، فإذا صار المجيء إليه واجبًا، وذلك حال الاعتداء عليه وعدم كفاية أهله في الدفاع عنه وتعذر هذا المجيء، صار البدل وهو البذل واجباً أيضًا.
الأمر الثاني: إن حكم الجهاد بالمال للدفاع عن البلاد والعباد يؤخذ من نصوص كثيرة، حتى جعلت الزكاة أحد روافد الجهاد، وجعل الإنفاق في سبيل الله من مصارفها، ونص رسول الله r بأن في المال حقًا سوى الزكاة، وكان ترك الإنفاق في أبواب الجهاد تهلكة، قال تعالى: ﴿وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾[سورة البقرة: 195].
وبالتالي فإن الاسترشاد بهذا الحديث على الدعم المالي لأهل بيت المقدس في صمودهم وجهادهم تدعمه عموميات النصوص الصحيحة، ويؤخذ من هذا الحديث شيء من التخصيص لبيت المقدس.
وملخص القول: يستحب إتيان المسجد الأقصى للعبادة فيه، فمن عجز استحب له المساهمة في إعماره في الأوضاع الطبيعية، ولكن عند العدوان عليه؛ فإنه يجب الدفاع عنه بالنفس والنفيس، ومن لم يستطع فعليه وجوبًا الإنفاق لتثبيت أهله، وذلك؛ لأن الصلاة فيه إذا كانت سُنَّة مستحبة وشد الرحال إليه كأخويه مندوب إليه، فإن الدفاع عنه وردَّ غائلة المحتلين واجب وفريضة في حق أي بقعة يعتدى عليها من بقاع المسلمين، فكيف إذا كان المعتدى عليه هو المسجد الأقصى المبارك، والبلاد المباركة المقدسة؟ فلا شك أنه يعظم الواجب وكل ما مكن من هذا الواجب فهو واجب، ومن ذلك الإنفاق والبذل لتثبت أهل البلاد وحفظ هويتها الإسلامية.
المسألة الرابعة: استحباب التملك حول المسجد الأقصى وحيث يرى.
فعن أَبِي ذَرٍّ t، “قَالَ: تَذَاكَرْنَا وَنَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r، أَيُّهُمَا أَفْضَلُ: أَمَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ rأَمْ بَيْتُ الْمَقْدِسِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: “صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى هُوَ، وَلَيُوشِكَنَّ لأَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ شَطَنِ فَرَسِهِ مِنَ الأَرْضِ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرًا لَهُ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا”، قَالَ: أَوْ قَالَ: “خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا”.[62]
وفي رواية أخرى عَنْ أَبِي ذَرٍّ t “قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَلاةٌ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَفْضَلُ أَمْ صَلاةٌ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ r؟ قَالَ: “صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ، وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى، هُوَ أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَر، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ ونسية قَوْسِهِ مِنْ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتُ الْمَقْدِسِ أَفْضَلُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا جَمِيعًا” ([63]).
ولا شك أن هذا الحديث بروايته نبوءة من نبوءات المصطفى r، حيث أخبر عن أمر لم يكن قد وقع عند ورود الحديث، ونرى أنه واقع اليوم.كما أشرنا سابقًا، ويؤخذ من الحديث الأمور الآتية:
أولًا: في الحديث خصوصية للمسجد الأقصى لم ترد للمسجدين الحرام والنبوي، وهي متعلقة باستحباب التملك في محيطه، (وحيثُ يُرى) ولو من بُعد، وذلك في وقت خاص وظروف قادمة، حيث ذكر r أن التملك في محيط المسجد الأقصى، (وحيثُ يُرى) خير من الدنيا جميعًا، وقد ربطت هذه الميزة بزمان لم يكن قد حل عند ورود الحديث، ولذلك قال عليه السلام: “وليوشكن وفي الرواية الأخرى (وليأتين زمان) واليوم نرى أن الزمان قد أتى، وعلمنا السبب جليًّا، فلربما كان بحق أسلافنا تخمينًا وهو اليوم واضح، حيث دهم الخطر الذي يهدد ملكية الأمة للمسجد الأقصى وما حوله، مما يقتضي الإقبال على رعايته وحمايته بالتملك ورفض التنازل عن أي جزء منه أو بيعه. وقبول أي بدائل عنه.
ثانيًا: وأخبر الحديث إلى أنه وإن كانت الصلاة في المسجد النبوي أفضل من الصلاة في المسجد الأقصى بشكل دائم، إلا أن ظروًف تمر بالمسجد الأقصى في أوقات وأزمان قادمة وليست قائمة في ذلك الوقت عبادة الرباط وجهاد فيه وحوله بأشكال مختلفة، سواء بالإقامة فيه أو التملك الذي يكون ضربًا من ضروب الدفاع عنه أفضل من أي شيء آخر، فإذا حل هذا الزمان فالفضل كل الفضل لهذه العبادة الطارئة على كل ما عداها من ألوان الطاعات والعبادات، حتى في المسجد الحرام والنبوي، وهو معني قوله عليه السلام “وَلَيُوشِكَنَّ لَأَنْ يَكُونَ لِلْرَجُلِ مِثْلُ سِيَةِ قَوْسِهِ مِنَ الْأَرْضِ حَيْثُ يَرَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا” ولهذا نستطيع أن نقول: إن الرباط في المسجد الأقصى اليوم بكل صوره وأشكاله، أفضل من الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي والمجاورة فيهما، وهذا المعنى لا خلاف فيه بين العلماء إذ الرباط في أي ثغر من الثغور في أي بقعة من بقاع بلاد المسلمين بمقصد دفع كيد الأعداء وعدوانهم أعظم من الصلاة والمجاورة في المساجد الثلاثة، ولو كان الثغر من أطراف البلاد وأبعدها مكانًا ومكانة، فكيف إذا كان هذا الرباط لحماية أحد هذه البقاع المقدسة “المسجد الأقصى”؟ وكيف إذا كان العدوان عليه واقعًا وليس مجرد متوقع؟ فلا شك أن الرباط في الأقصى وفي محيطه لدفع شرِّ الغاصبين وعملائهم أعظم من الصلاة في المسجدين الحرام والنبوي، والمجاورة عندهما أو في أكنافهما، بل إن الإقامة في محيط الأقصى والقيام بالدفاع عنه اليوم ليس مجرد رباط، وإنما هو جهاد مباشر، فالعدوان واقع والوجود هناك مكلف بالنفس والمال؛ ككلفة الجهاد والتضحية في سبيل الله –تعالى، الذي جعل الرباط طريق الفلاح لما يصدر عن تقوى الله تعالى فقال جل شأنه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران: 200]
وفي هذا يقول أبو هريرة t: “لئن أرابط ليلة في سبيل الله أحب إلي من أن أقوم ليلة القدر عند الحجر الأسود” ([64])، ونقل ابن تيمية رحمه الله تعالى إجماع السلف على فضل المرابطة في الثغور بنية الجهاد على المجاورة في الحرمين، وقال: “المقام بالثغور لأجل الجهاد في سبيل الله أفضل من المجاورة في مكة”، وقال في موقع آخر “أفضل من المجاورة في المساجد الثلاثة، وقال ما أعلم في هذا نزاعًا بين أهل العلم”، وقد نص على ذلك غير واحد من الأئمة([65]).
هذا ما يؤكده رسول الله r في حديثه: “تَضَمَّنَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَإِيمَانًا بِي وَتَصْدِيقًا بِرُسُلِي، فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ أَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ نَائِلًا، مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا مِنْ كَلْمٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ، حِينَ كُلِمَ لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ وَرِيحُهُ مِسْكٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا قَعَدْتُ خِلَافَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَبَدًا، وَلَكِنْ لَا أَجِدُ سَعَةً، فَأَحْمِلَهُمْ وَلَا يَجِدُونَ سَعَةً، وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَغْزُو، فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ ” ([66]) .
قال ابن حجر في شرحه للحديث أن تمني رسول الله r أن يغزو فيقتل مراراً كان ليُعلِم المسلمين الذين كانوا يتخلفون عن الجهاد رغبة في البقاء إلى جانب رسول r ظنًا منهم أن المجاورة إلى جانبه r أفضل من الخروج للجهاد دونه، إن خروجهم إلى الجهاد ولو بترك مجاورته r أفضل من البقاء في مجاورته ومصاحبته r حبًا([67]) . ولا شك أن مقام النبوة أعلى من الشهادة فلا يكون هذا التمني إلا تعليمًا لنا وتطمينًا على فضل الجهاد وضرورة تقديمه على ما سواه من الأعمال الصالحة بما في ذلك مجاورته حيًّا وميتًّا.
ومما يدل على ذلك أيضًا أن الصحابة y ومعهم رسول الله r لم يعودوا إلى مكة والمسجد الحرام الذي فيه مضاعفة الصلاة مائة ضعف الصلاة في المسجد النبوي، وأقاموا في المدينة طلبًا للمشاركة بحالة الرباط والجهاد، ورأوا ذلك أفضل من المجاورة بمكة للعبادة، واستمر ذلك بعد فتح مكة والتمكن من العودة إليها([68]).
ولعل هذا واضح عقلًا، فالعبادة والمجاورة بالأماكن المقدسة عبادة شعائرية مردودها على المتعبد وثمرتها صلاح في نفسه، وأما الرباط والجهاد ففضله ومردوده لعموم الأمة في عزتها في دنياها، وتمكنها من شأن العمل لآخرتها، وإعلاء كلمة الله تعالى في الأرض.
ثالثًا: يظهر لنا اليوم سر الدعوة إلى التملك في محيط المسجد الأقصى، وحيث يرى ما لم يكن ظاهرًا لمن سبقنا، وذلك أن الأمر أصبح اليوم واقعًا وليس مجرد خبر عن غيب قادم.
حيث صار اليوم واضحًا إرادة تحويل السلطة على المسجد الأقصى والهيمنة عليه وعلى محيطه وملكيته لليهود الغاصبين، وتستخدم في سبيل ذلك كل وسائل الترغيب والإغواء، بدفع أثمان مضاعفة للقيمة الحقيقية للأرض، ويوظف العملاء من بلاد غنية منها الإمارات، وأشخاص لهم مواقع متقدمة في هذه البلاد، أُمراء ووزراء ورجال دولة وأمن ورجال أعمال لشراء هذه الأرض من أهلها، واستغفالهم بذلك والتغرير بهم، ومن ثم إعطائها للغاصبين، وتحويل ملكيتها من هؤلاء العملاء إلى أسماء يهودية في فلسطين؛ بهدف شرعنة وجودهم وقوننة اغتصابهم لهذا الأرض المباركة؛ ليصبحوا ملاكًا قانونيين لها.
وهذا الأمر يجري على بلاد بعيدة عن القدس ومطلة عليها مثل: مرتفعات السلط، ومادبا، وغيرها في الأردن، وأجزاء أخرى من داخل فلسطين، وهنا يظهر سر قوله r: “من حيث يرى منه المسجد الأقصى” حيث البلاد المباركة التي هي أكناف بيت المقدس، لا سيما المطلة على المسجد لنزع ملكيتها من المسلمين وتحويلها إلى أملاك يهودية. وهذا تنبيه إلى أصحاب هذه الأراضي للحذر من القيام بأعمال تبادل الملكية حتى مع مسلمين إلا بعد التيقن من ألا تكون حيلة لوصولها لأيدي الغاصبين.
ويستخدم اليهود الغاصبون أيضًا لتحقيق السيطرة على المسجد الأقصى ومحيطه الترهيب، وكل أنواع العدوان والإجرام، ويدهم في ذلك بلدية الاغتصاب في القدس؛ بالعدوان على حقوق أهل المدينة المقدسة؛ بمصادرة الأراضي، وهدم البيوت، والطرد من المدينة، ومصادرة الهويات، والمنع من البناء والتوسع؛ ليحملوا أهلها على اليأس من الحفاظ على حقوقهم وأملاكهم، والشك في إمكانية الثبات، إضافة إلى قيام سلطات الكيان بنشر كل أنواع الفساد، وإشغال الشباب بالملهيات والمفاسد والمضار من فجور ومخدرات وخمور؛ بهدف قتل نفوسهم وقلوبهم بدل أجسادهم، فلا يعود للمقدسات في نفوسهم تعظيم، ولا مكانة يتحركون لها وينافحون عنها.
ولا شك أن هذه المؤامرة الكبيرة على الأقصى وما حوله التي نراها اليوم عيانًا أخبر عنها رسول الله r كحدث قادم، ووضع لها علاجًا ناجعًا مانعًا من نجاحها وتحقيق أهدافها.
رابعًا: في سياق النقاط السابقة يجب أن نفهم حديث رسول الله r، ودعوته إلى التملك في هذه البقاع من قبل الصالحين الذين يريدون الأجر والمثوبة من الله تعالى، ويبذلون أموالهم من أجل إحقاق الحق والدفاع عن المقدسات دون انتظار مقابل دنيوي، إذ الضرورة تقتضي ذلك.
وبالتالي فدعوته r إلى التملك في الزمان المشار إليه ينبغي أن تُفهم أنها دعوة لحفظ الأرض والمقدسات، وليس دعوة لملكيتها ملكًا تجاريًا ربحيًا في الدنيا.
ومما يدل على ذلك أن الحديث قد نص على أن امتلاك متر أو بضعة أمتار من الأرض في محيط الأقصى ومن حيث يرى خير من الدنيا جميعًا، ولا شك أن المسجد الأقصى وما حوله هو من الدنيا، ولا يعقل أن يكون جزء من الشيء أفضل منه جميعًا مشتملًا عليه.
وبالتالي فإن هذا الحديث جاء دعوة للحفاظ على المسجد الأقصى وما حوله في أوقات يعمل فيه أعداء الإسلام على انتزاعه من أيدي المسلمين بكل السبل، الأمر الذي يقتضي تصرفات ومواقف من أهل الأرض المقيمين عليها، وأخرى من بقية المسلمين عونًا لهم وإسهامًا في الدفاع عنها.
أما من أهل الأرض المقيمين في بيت المقدس والذين تسجل الأملاك بأسمائهم:
1- الصبر على الشدة والضيق الذي يمارس عليهم، والثبات على أملاكهم، والمحافظة عليها، والتمسك بها، ومواجهة كل الضغوطات التي يتعرضون لها ترهيبًا وترغيبًا احتسابًا فذلك ضرب من ضروب الرباط والجهاد، فإذا استحضرت النية كان كمن هو في ساحة معركة دفاعًا عن الدين.
2- الاهتمام بالأجيال وتربيتها وتحصينها من المفاسد والإغراءات التي يجتهد المحتل وعملاؤه إغراق الأجيال بها، وهذا يستوجب مهمة إضافية على عاتق العلماء والدعاة في الديار المقدسة.
أما ما يتطلبه هذا الحديث من المسلمين خارج فلسطين فهو:
العمل بكل الوسع لتثبيت أهل البلاد والصمود على أرضهم، ودعمهم بأسباب ذلك ماديًّا ومعنويًّا، إذ هو أيضًا ضرب من ضروب الرباط بل الجهاد في سبيل الله، فتوفر أسباب العيش الكريم لهؤلاء المجاهدين وأسرهم معين لهم على الثبات. وهو مهمة المسلمين خارج فلسطين.
وهو لا يختلف شيئًا عن إمداد المجاهدين في بقاع أخرى بالسلاح وأسباب النصر والغلبة، بل إن الإمداد في كلا الميدانين جهاد، حيث يقول رَسُولُ اللَّهِ r: “مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا” ([69]).
ودعم أهل بيت المقدس هو تجهيز لغاز يغزو بصموده ويدفع شر الأعداء ببقائه على أرضه، بل هم وأسرهم في جهاد، فمن رعاهم فقد جهز غازيًا وخلف غازيًا بأهله، وهو أعظم أجرًا من الحج والعمرة والمجاورة في البقاع المقدسة، قال تعالى: [التوبة:19-20]
وعن أبي هُرَيْرَةَ t حَدَّثَهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ، قَالَ: لَا أَجِدُهُ، قَالَ: هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلَا تَفْتُرَ وَتَصُومَ وَلَا تُفْطِرَ؟ قَالَ: وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنَّ فَرَسَ الْمُجَاهِدِ لَيَسْتَنُّ فِي طِوَلِهِ فَيُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتٍ” ([70])
واليوم ونحن نرى المؤامرة الصهيونية على المسجد الأقصى، وكل مدينة القدس وما حولها، وبلاد الشام ندرك تمامًا قيمة هذه الدعوة النبوية للتملك والشراء وبذل الغالي والنفيس من أجل الحفاظ على ملكية الأمة لهذه البلاد، وتثبيت أهلها عليها والحيلولة دون تنازلهم عنها؛ بمد يد الدعم والتثبيت لهم، بكل ما أُوتيت الأمة من قوة وإمكانات.
لذلك أقول: إن على كل مسلم أن يسهم بمستطاعه لتملك أرض بيت المقدس وكل ما يحيط به ولو لم تنقل لاسمه؛ حماية لها من عدوان يهود وغائلتهم، فهي والله التجارة الرابحة، فما أحوجنا في هذه الأيام العصيبة إلى من يبذل ماله وجهده دفاعًا عن قداسة المقدسات، وحفاظًا على كرامة هذه الأمة من أن تمتهن، وحرماتها من أن تنتهك.
الخاتمة
أهم نتائج البحث: نلفت الانتباه في نتائج هذا البحث إلى الأمور الآتية:
- إن المسجد الأقصى يفارق المسجدين في أمور منها: أنهما اختصا بالحرمة فيوصفان بالحرم ، ولهما أحكام متعلقة بذلك، ولا يوصف المسجد الأقصى بأنه حرم، وليس له مثل تلك الأحكام، ولكنه اختص بانتشار البركة حوله، فالمساجد الثلاثة كلها مباركة، والمسجد الأقصى مركز إشعاع للبركة لما حوله ( الذي باركنا حوله).
- إن المسجد الأقصى هو القبلة الأولى، والراجح أن توجه الرسولr للمسجد الأقصى كان طوال العهد المكي إضافة إلى ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا في المدينة بعد الهجرة.
- 3- من خصائص المسجد الأقصى التي ليست للمسجدين مع فضلهما عليه أن العبادة في الحرمين عبادة شعائرية، من صلاة واعتكاف، بينما في المسجد الأقصى إضافة إلى الشعائر فهي عبادة رباط وجهاد، فهو مقر الطائفة المنصورة، وهو مقر جهاد ورباط لفترات طويلة من عمر الأمة.
- ومن خصائصه التي اختص بها كثرة الأنبياء فيه، بل اجتماعهم جميعًا فيه وصلاتهم خلف رسول الله r مما يدل على وراثة هذه الأمة قيادة البشرية وصلاحيتها؛ لحماية حقوقها، وحفظ حقوق الآخرين بلا عنصرية ولا عدوان من الأمم.
- ومما اختص به المسجد الأقصى أنه بوابة الأرض إلى السماء، ولذلك كان الإسراء قبل المعراج، وكان بيت المقدس أرض المحشر والمنشر، وهو مسرى رسول الله r.
- أفاد البحث وجود أحكام خاصة بالمسجد الأقصى عن المسجدين من أهمها: أن للتملك في محيطه في ظروف أشارت إليها الأحاديث النبوية فضلاً حتى على الصلاة في المسجدين؛ لما يشكل هذا التملك من عنصر حماية ودفاع عن الحرمات والمقدسات، وهو منسجم مع إجماع العلماء على أن الرباط في أي بقعة أفضل من المجاورة في المساجد الثلاثة فكيف إذا كان الرباط في واحد من هذه البقاع؟
- أفادت النصوص الواضحة ضرورة تضافر الجهود في إبقاء المسجد الأقصى المبارك مشعًا بالخير تحت رعاية المسلمين، وأن بعد المسافات والعوائق مهما كثرت ومهما صعبت لا تسقط عن الأمة واجب الحفاظ عليه وحمايته وتخليصه من الشر والأشرار.
- ومن الأحكام الخاصة بالسجد الأقصىى استحباب الإحرام من رحابه بعمرة أو بحجة، فهي أفضل على ما رجح في هذا البحث من الإحرام من الميقات بخلاف الإحرام من أي موقع آخر فأفضل منه الإحرام من الميقات. والله تعالى أعلم
المراجع
1.الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان في تأويل القرآن، المحقق: أحمد محمد شاكر الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1420 هـ – 2000 م
- ابن الملقن، عمر بن أبي الحسن، عمدة المحتاج شرح المنهاج، دار ابن حزم، ط1/2018م.
- ابن تيمية، أحمد- مجموع فتاوى، دار ابن حزم، بيروت، ط4، 2011م.
- ابن حنبل أحمد، مسند الإمام أحمد بن حنبل المحقق : شعيب الأرنؤوط وآخرون، مؤسسة الرسالة، ط2، 1999م
- ابن عابدين، محمد أمين بن عمر،حاشية ابن عابدين على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، دار المعرفة، بيروت، ط4، 2015م.
- ابن قدامة، موفق الدين عبد الله بن أحمد، المغني، مكتبة القاهرة، 1968.
- ابن كثير، إسماعيل بن عمر، تفسير القرآن العظيم، دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون، بيروت، الطبعة: الأولى – 1419 هـ
- ابن ماجة أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجه، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية – فيصل عيسى البابي الحلبي
- أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، سنن أبي داود، دار الكتاب العربي ـ بيروت
- الأشقر، عمر سليمان، المعاني الحسان في تفسير القرآن، دار النفائس ، الأردن، 2015م.
- 11- أنيس ومنتصر، الصوالحي وأحمد، المعجم الوسيط ، ط2، أشرف على الطبع: حسن عطية، ومحمد أمين، بيروت: دار الأمواج.
- التعليق المجيد على موطأ محمد، على شرح العلامة عبد الحي اللكنوي تعليق وتحقيق الأستاذ د.تقي الدين الندوي
- الجراعي، تحفة الراكع والساجد بأحكام المساجد، اعتنى به فيصل يوسف أحمد العلي، بطبعة غراس للنشر والتوزيع، ط3، 1433ه -2012م.
- الزجاج، إبراهيم بن السري بن سهل، معاني القرآن وإعرابه، المحقق: عبد الجليل عبده شلبي، الناشر: عالم الكتب، بيروت، الطبعة: الأولى 1408 هـ – 1988م
- الزركشي، محمد بن عبد الله- كتاب كتاب إعلام الساجد بأحكام المساجد، تحقيق أبو الوفا المراغي، منشورات وزارة الأوقاف، القاهرة 2010م
- شبير، محمد عثمان، بيت المقدس وما حوله، دار النفائس، الأردن، ط1، 2004م.
- الشربيني، محمد بن محمد الخطيب، مغني المحتاج شرح المنهاج، ار الفيحاء سوريا، ط1، 2009م
- الشنقيطي، زايد الأذان الطالب، العذاق الحواني على نظم رسالة القيروان، الكويت، ط1، 2012م.
- الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الأوسط، المحقق: طارق بن عوض الله بن محمد، عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، الناشر: دار الحرمين – القاهرة.
- العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر- فتح الباري شرح صحيح البخاري دار المعرفة بيروت، 1379.
- العفاني، سيد حسين ، تذكير النفس بحديث القدس واقدساه، مكتبة معاذ بن جبل، مصر، توزيع دار العفاني، ط1، 2001م.
- عليش، محمد بن أحمد، منح الجليل شرح مختصر خليل، الناشر: دار الفكر – بيروت تاريخ النشر: 1409هـ/1989م
- القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن ، دار عالم الكتب، الرياض، الطبعة: 1423 هـ/ 2003م
- الكاساني، علاء الدين، أبو بكر بن مسعود بن أحمد، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الثانية، 1406هـ – 1986م
المجموع شرح المهذب، دار الفكر ، دمشق.
- النسائي، أحمد بن شعيب بن علي الخراساني، ، المجتبى من السنن = السنن الصغرى للنسائي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية – حلب، الطبعة: الثانية، 1406 – 1986.
- النووي، يحيى بن شرف، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، دار إحياء التراث، بيروت 1392ه.
- النيسابوري، مسلم بن الحجاج ، المسند الصحيح المختصر، ت: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي – بيروت
- الواحدي، علي بن أحمد ، التفسير البسيط، الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة: الأولى، 1430 هـ
لتحميل جميع أعداد (مجلة المرقاة المحكمة) بنسخة Word + pdf :
https://drive.google.com/drive/folders/1ZDoZNZFySzrdmILoMtn-pZ0no9Lbh7VU?usp=sharing
([1]) أخرجه أحمد في مسنده، حديث رقم (21286) والطبراني في الأوسط حديث رقم47، قال الهيثمي في مجمع الزوائد7/288 إسناده صحيح. وضعفه الألباني.
([2]) أخرجه البخاري في صحيحه، حديث رقم (3641)، وورد بصيغة أخرى عند مسلم حديث رقم (1037).
([3]) انظر المعجم الوسيط مادة (قصى، أقصى).
([4]) انظر: معاني القرآن- للزجاج (1/110)، والتفسير البسيط – للواحدي (2/331).
([5]) الجامع لأحكام القرآن – القرطبي 10/217، وانظر تحفة الراكع والساجد بأحكام المساجد لأبي بكر الجراعي، ص320، اعتنى به فيصل يوسف أحمد العلي، بطبعة غراس للنشر والتوزيع، ط3، 1433ه -2012م.
([6]) انظر: تحفة الراكع والساجد بأحكام المساجد، ، ص320.
([7]) انظر: الزركشي، محمد بن عبد الله- إعلام الساجد بأحكام المساجد، تحقيق أبو الوفا المراغي، منشورات وزارة الأوقاف، القاهرة 2010م، ص (277).
([8]) انظر: الزركشي- إعلام الساجد بأحكام المساجد، ص277-279.
([9]) انظر: العسقلاني، أحمد بن حجر- فتح الباري شرح صحيح البخاري (3 / 78) ومابعدها، وانظر تحفة الراكع والساجد، للجراعي، ص 335-337.
([10]) ابن تيمية، أحمد- مجموع فتاوى، دار ابن حزم بيروت، ط4، 2011م، ج27/11 وما بعدها.
([11])والأبواب المفتوحة هي الأسباط، وحطة، والعتم، وهذه الثلاثة على السور الشمالي للمسجد، وباب المغاربة، والغوانمة، والحديد، والمطهرة، الغطانين، السلسلة، وهذه تقع على السور الغربي للمسجد، وكل هذه الأبواب يدخل منها المسلمون إلا باب المغاربة الذي صادر المحتلون مفاتحه ومنعوا المسلمين من الدخول منه، والمغلقة هي الباب الثلاثي، المزدوج، المفرد، الرحمة، الجنائز، وهذه تقع في السور الشرقي والجنوبي.
([12]) انظر تحفة الراكع والساجد بأحكام المساجد، ص139 النووي، يحيى بن شرف- المنهاج شرح صحيح مسلم 9/346.
([13]) ويقصد بذلك المسجد الإبراهيمي فإنه لا يسمى حرمًا، وكثير من أهلنا في فلسطين يقولون الحرم الإبراهيمي – والصحيح أن نقول المسجد الإبراهيمي.
([14]) البريد = وحدة قياس مقدارها 22 كيلومتر تقريبًا.
([15]) فتاوي ابن تيمية 27/13، وتحفة الراكع والساجد، للجراعي، ص333-334. صحيح مسلم بشرح النووي9/113وما بعدها، انظر فتح الباري 4/565 وما بعدها وقد عنون البخاري في كتاب فضائل المدينة بابًا سماه باب حرم المدينة.
([16]) هو عبادة بن بشر t على الراجح، انظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري1/135
([17]) صحيح البخاري حديث رقم/399 ، كتاب الصلاة، ، باب التوجه نحو القبلة حيث كان.
([18]) صحيح البخاري حديث رقم (403) وله آخران عدة في البخاري، وصحيح مسلم حديث رقم (526).
([19]) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، 1/221، وانظر: المعاني الحسان في تفسير القرآن- عمر الاشقر، 1/190-191
([21]) انظر تفسير القرطبي، 10/105. /19
([22]) صحيح البخاري، حديث رقم (4433).
([23]) رواه الحاكم (81/3) حديث رقم (4407) وقال الذهبي حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأخرجه البيهقي من دلائل النبوة للبيهقي حديث رقم ( 680).
([24]) صحيح مسلم، حديث رقم (162).
([25]) تفسير ابن كثير 5/356، تفسير الطبري 8/81، الجامع لأحكام القرآن 11/228.
([28]) شبير، محمد عثمان- بيت المقدس وما حوله، ص14 – 30.
([29]) أخرجه أحمد في المسند (21606)، سنن الترمذي (3954).صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي حديث رقم (3945)
[30]) الإمام أحمد في المسند رقم (8274) أو (21286) وقد سبق تخريجه، انظر ص:1
([32]) صححه الألباني في شرح فضائل الشام / انظر واقدساه 1/94. وقال ابن حجر في هداية الرواة وفي تخريج أحاديث المصابيح والمشكاة 5/498 حديث حسن
([33]) مجموع فتاوى ابن تيمية 27/51
([34]) صحيح مسلم حديث رقم (278).
([35]) مسند الامام أحمد، رقم 22821) ). وأخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وصححه الألباني صحيح سنن الترمذي، حديث رقم (3147)
([36]) أخرجه أحمد في مسنده (5/378، 392)، والترمذي (3147) وانظر: كتاب وا قدساه، للعفاني 1/130.
([37]) انظر وا قدساه، للعفاني، 1/130.
([38]) تفسير ابن كثير 3/1330، وانظر واقدساه “سيد حسين عفاني” 1/128، وانظر الإسراء والمعراج للشيخ الألباني ص 64.
([39]) أرض المحشر والمنشر: أي يوم القيامة، والمراد أنه يكون الحشر إليه في قرب القيامة والانتشار والبعث منه إلى السماء، صحيح سنن الترمذي وحسنه الألباني حديث رقم(3141).
([40]) أخرجه أحمد في مسنده رقم (20031) والترمذي في سننه رقم (2424) وقال إسناده حسن.
([41]) رواه أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة (2/ 901) وانظر تفسير الطبري 11/114.
([42]) لم أبحث تفصيل مسألة أجر الصلاة في المسجد الأقصى؛ لأنها داخلة في خصائص المسجد الأقصى مع المسجدين وهو مضاعفة أجر الصلاة في المساجد الثلاثة ، وليس هذا موضعه.
([43]) صحيح سنن الترمذي رقم (3954) وصححه الألباني.
([44])شطن فرسه أي حبله الذي يربط به وهو إشارة عن فضل تملك أرض بيت المقدس.
([45]) رواه الطبراني في الأوسط(6983)، والحاكم في المستدرك(4/509) وصححه وقد سبق تخريجه.
([46])أخرجه أحمد (6444) والنسائي (694) وابن ماجه (1408).صححه الألباني ، صحيح سنن ابن ماجه حريث رقم (1164)
([47])مجموع فتاوى 27/258، شرح النووي لصحيح مسلم 9/139/130
([48])أخرجه البخاري (1521) ومسلم (1350) في حديث أبي هريرة t.
([49]) أحمد (26558) وسنن أبي داود – كتاب المناسك – باب المواقيت – (1741) واختلف العلماء في الحكم عليه فضعفه الألباني، إعلام الساجد ص289. انظر ضعيف الترغيب والترهيب رقم (719)ضعيف أبي داوود رقم (1741) وحسنه السيوطي الجامع الصغير (8525) وصححه ابن حبان (3701).
([50]) قال النووي في المجموع إسناده ليس بالقوي 7/199، وقال ابن حجر في تخريج المشكاة حديث حسن 3/47.
([51]) ضعفه الألباني ضعيف سنن ابن ماجة رقم (591).
([52]) انظر مسند الإمام أحمد بالفتح الرباني 6/ 229 – سنن أبي داوود – حديث رقم (1741) – وابن ماجه في سننه وانظر المُحلَّى بالآثار لأبي حزم صفحة 7، صفحة 73.
([53]) أخرجه الإمام أحمد في المسند، حديث رقم (1741). عمدة المحتاج شرح المنهاج 5/365، حاشية ابن عابدين3/553، المغني لابن قدامة 3/223 المحلى بالآثار ابن حزم 6/511-513، التعليق المجيد على موطأ محمد، على شرح العلامة عبد الحي اللكنوي تعليق وتحقيق الأستاذ د.تقي الدين الندوي 2/234-235
([54]) المغني لابن قدامة 3/222 – المجموع للنووي 7/182 – المحلي لابن حزم 7/62، البدائع للكاساني 2/164.
([55]) انظر: البدائع 2/164، المجموع 7/180.
([56]) المغني لابن قدامة 3/223، العذاق الحواني على نظم رسالة القيروان – نظم عبد الله بن الحاج الشنقيطي شرح زايد الأذان بن الطالب الشنقيطي 2/326.
([57]) انظر بيت المقدس وما حوله ص117- 118. شرح المحلى بالآثار لابن حزم 6/509 وما بعدها. لتعليق المجيد على موطأ محمد مع موطأ الإمام مالك2/236
([58]) مسند أحمد 6/463 – سنن أبي داوود حديث رقم 457 وسكت عنه وقد قال أبو داود في رسالته لأهل مكة ما سكت عنه فهو صالح – والسنن الكبرى 2/441 – سنن ابن ماجة رق 264 – وقال الألباني منكر، وضعفه شعيب الأرناؤوط ، وقال النووي إسناده حسن، وقال ابن رجب إسناده قوي، ولكن قيل فيه أن إسناده منقطع وفيه نكارة ، وضعفه ابن حجر.
([59]) انظر الإصابة في تمييز الصحابة/ ميمونة – المجموع للإمام النووي 8/272 – رسائل ابن رجب 3/283.
([60])فمن النصوص ما جاء في الصحيحين : أن من جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيًا في سبيل الله في أهله بخير فقد غزا… وغيره من النصوص الدالة على هذا المعنى …وأما آراء العلماء وأقوالهم، فهي مجمعة على وجوب نصرة المسلمين بعضهم بعضًا والدفع عن البلاد المعتدى عليها… انظر البدائع 7/146 في شرح السير الكبير 1/199، منح الجليل 3/141 -142، المدونة 2-3مغني المحتاج 4/ 219فتاوي ابن تيمية 28/185
([61]) أخرجه البخاري في كتاب: الجهاد، باب: فضل من جهز غازيًا وخلفه بخير (6/37).
(1) أخرجه الحكام في المستدرك 4/509 من طريق الحجاج عن قتادة عن أبي الخليل عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي على تصحيحه وصححه الألباني أيضًا “انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني حديث رقم (2902)
([63]) أخرجه الطبراني في الأوسط حديث رقم (8226)، والحاكم في المستدرك 4/509 وفي هذه الرواية سعيد بن بشير ذكره ابن حبان في المجروحين.
([64]) ورد هذا الأثر مرفوعًا عن أبي هريرة t وأخرجه ابن ماجة برقم (4603)، وابن عساكر في الأربعين في الجهاد رقم 18 بلفظ – موقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود، وصححه الألباني انظر الأحاديث الصحيحة رقم (1067).
([65]) مجموع فتاوى ابن تيمية 27/51 و28/5.
([66]) صحيح البخاري ح3490، صحيح مسلم ح3494.
([67]) فتح الباري شرح صحيح البخاري 6/94-95 بتصرف.
([68]) انظر مجموع فتاوى ابن تيمية 28/418.