راضية بن محرز

ملخص البحث

إن البحث في السنة النبوية لمعرفة أنواع تصرفات النبي والتفريق بين المقامات التي تصدر عنها تصرفاته من الأهمية بمكان، فهو الطريق لفهم السنة النبوية، ومن ثم حفظها والدفاع عنها من المشككين من ناحية والمغالين الحرفيين من ناحية أخرى.

وقد اتخذت منهجًا استقرائيًّا لمعرفة تقسيم العلماء لتصرفات النبي ‘. فجعلت مبحثًا لتقسيمات العلماء القدامى، وجعلت مبحثًا ثانيًا لتقسيمات الشيخ الطاهر بن عاشور الذي بدا مختلفًا عن غيره فتوسع وأضاف.

ومن أهم النتائج التي توصل لها البحث أن التدقيق في هذه الأحوال والتفرقة بينها هو من أهم ما يجب على الباحث الذي يشتغل بكيفية فهم الحديث وقراءته قراءة سليمة في ضوء القرآن الكريم ومقاصده وقواعده وكلياته.

المقدمة

لقد اهتمت الأمة بكل ما يصدر عن نبيها ‘ من أقوال وأفعال وتقريرات؛ لما للسنة من قيمة باعتبارها المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي. وبالرغم ممّا كُتِب في التمييز بين تصرفاته ‘ مما هو تشريع وما هو غير تشريع، بين ما هو وحي وما هو اجتهاد، فإن النظر إلى السنة لازال يعتمد المعنى الحرفي في أغلب الأحيان، ولا يذهب إلى العمق باعتماد المقصد والمآل إلا مع أهل العلم ممن منّ الله عليهم بنور البصيرة. لذلك اخترت أن أعرض تقسيمات علماء الأمة لتصرفات الرسول ‘؛ لما لهذه التقسيمات من أهمية في فهم السنة النبوية؛ لأن معرفة الحال التي صدر عنها قول النبي ‘ أو فعله لها أثر واضح في التشريع، وكثيرًا ما يخفى مقام تصرفه ‘ ولا يُنظر فيه إلا من جهة كونه فعله أو قوله أو تقريره ‘ فيؤخذ ذلك على كونه شرعًا أو دينًا.

 ولكن من العلماء الأجلاء والفقهاء الأفاضل من قسم تصرفاته ‘ إلى مقامات أذكر منهم خاصة ابن قتيبة في القرن الثالث الذي خاض في مسألة اختلاف الحديث أو اختلاف المدارس الفقهية حول الحديث، فكيف قسم علماؤنا تصرفات النبي ‘ فجعلوا لها مقامات وأحوالًا؟ وماذا أضاف ابن عاشور للسابقين؟ وكيف تميز نظره لأحوال النبي ‘؟ هذا ما نسلط الضوء عليه في المباحث الآتية:

المبحث الأول: أهم تقسيمات العلماء لتصرفات النبي ‘

 لم يكن التمييز بين تصرفاته ‘ واضحًا ولا مجمعًا عليه عند العديد من القدامى برغم ما ورد عن الصحابة € من فهم دقيق لما يصدر عنه من قبيل الرأي، وما يصدر عنه من قبيل الوحي، ولكن نجد من الفقهاء من تفطن لهذه المسألة فصنف فيها واعتمدها في فهم النصوص واعتبرها في التشريع.

المطلب الأول: ابن قتيبة:

يعدُّ ابن قتيبة أول من نبه لمعرفة الحال التي يصدر عنها فعل النبي ‘، فعرض في كتابه “تأويل مختلف الحديث” لمسألة التمييز بين تصرفات النبي ‘ حيث قسم السنة إلى ثلاثة أقسام قال: “والسنن -عندنا- ثلاث: “الأولى” سنة أتاه بها جبريل ’ عن الله تعالى كقوله: “إَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ ‘ نَهَى أَنْ تُزَوَّجَ المَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، أَوْ عَلَى خَالَتِهَا”[1] و “يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ”[2] و”لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ”[3]، و”الدِّيَةُ عَلَى العَاقِلَةِ”[4] وأشباه هذه من الأصول”[5]. فالسنة هنا هي التشريعات التي وردت في السنة ولم ترد في القرآن الكريم، وقد اعتبرها الفقهاء من القدامى خاصة أحكامًا مستزادة عن القرآن وهي وحي من الله، وابن قتيبة عدَّ هذه التشريعات وحيًا غير متلو، فهو تشريع للأمة عامة.

وخالف بعض الفقهاء في هذه المسألة وقال إن هذه التشريعات ليست مستزادة عن القرآن بل تضمنها الكتاب واحتوى عليها، فهي منبثقة عنه؛ إما بطريق الاجتهاد أو القياس وقال بذلك الإمام الشاطبي[6] في الموافقات، أما من المعاصرين فأخذ به الخضري وأبو زهرة، والقرضاوي، وأما مصطفى السباعي فقد عدَّه خلافًا لفظيًّا.

 قال ابن قتيبة: “والسنة الثانية: سنة أباح الله له أن يسنّها، وأمره باستعمال رأيه فيها، فله أن يترخص فيها لمن يشاء على حسب العلة والعذر؛ كتحريمه الحرير على الرجال، وإذنه لعبد الرحمن بن عوف فيه لعلة كانت به. وكقوله في مكة “حَرَّمَ اللَّهُ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلاَ لِأَحَدٍ بَعْدِي، أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلاَ تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ” فَقَالَ العَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِلَّا الإِذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا؟ فَقَالَ: إِلَّا الإِذْخِرَ”[7].

ولو كان الله تعالى حرم جميع شجرها، لم يكن يتابع العباس على ما أراد، من إطلاق الإذخر[8]، ولكن الله تعالى جعل له أن يطلق من ذلك ما رآه صلاحًا، فأطلق الإذخر لمنافعهم”[9].

وذكر ضمن هذا النوع نهي النبي ‘  عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، وعن زيارة القبور وغيرها[10].

فقد استنتج ابن قتيبة أن الله ¸ قد ترك مساحة للنبي ‘ للاجتهاد فيطلق لمن يشاء ويحظر على من يشاء. فمثل هذا القسم الجانب الاجتهادي في التشريع، فابن قتيبة قد وجد في هذا النوع اختلافًا بين النص وإجابات النبي ‘  للسائل بما يتماشى وحالته وقدراته وفهمه؛ لأنه يراعي ‘ المقصد العام والحال والمآل، فعبّر عن ذلك ابن قتيبة بأن الله تعالى قد أجاز له أن يُطلق أو يَحظر لمن يشاء.

قائلًا: “فهذه الأشياء تدلك على أن الله ¸، أطلق له ‘ أن يحظر وأن يطلق بعد أن حظر، لمن شاء. ولو كان ذلك لا يجوز له في هذه الأمور، لتوقف عنها، كما توقف حين سئل عن الكلالة”[11].

أما النوع الثالث فهو الإرشاد، قال أبو قتيبة: “والسنة الثالثة” ما سنه لنا تأديبًا، فإن نحن فعلناه، كانت الفضيلة في ذلك، وإن نحن تركناه، فلا جناح علينا إن شاء الله كأمره في العمة بالتحلي، وكنهيه عن لحوم الجلالة، وكسب الحجّام[12]… وكذلك نقول في قصر الصلاة في الأمن، مع قول الله: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} [سورة النساء: 101]، أعلمنا أنه لا جناح علينا في قصرنا مع الخوف. وأعلمنا رسول الله ‘ أنه لا بأس بالقصر في الأمن أيضًا عن الله ¸. وكذلك المسح على الخفين، مع قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } سورة: المائدة، 6″[13]

وقد أشار القرضاوي في كتابه “السنة مصدرًا للمعرفة والحضارة” أن ابن قتيبة في هذا النوع من السنة ينزع إلى اعتبار الأمر والنهي من باب ما سماه الأصوليون: الإرشاد. [14]

والملاحظ أن تقسيم ابن قتيبة قصر السنة على كونها إما أن تكون تشريعًا لم ينصّ عليها الكتاب فهي هنا وحي غير متلو، وإما أن تكون اجتهادًا في الأحكام ليترخص النبي ‘ للمكلفين حسب العلة، وذلك تيسيرًا لأحكام الشريعة، وإما أن تكون تأديبًا لتترك المجال واسعًا للمكلف حسب اختياره للفضائل وهو مجال المباح.

 فلم يكن تقسيم ابن قتيبة للسنن إذن بحسب حال النبي ‘ أي: بحسب صفته مشرعًا أو قاضيًا أو مفتيًا أو مرشدًا أو باعتباره وليًّا لأمر المؤمنين، ولا على اعتبار ما يكون تشريعًا وما يكون غير تشريع.. بل تداخل مجال التأديب مع مجال الاجتهاد ومجال التشريع، وقد بدا ذلك جليًّا في الأمثلة التي ذكرها في مجال التأديب، أليس قصر الصلاة في الأمن تشريعًا يمكن اعتباره وحيًا غير متلو؟ وكذلك المسح على الخفين ألا يمكن القول أنه اجتهاد؟

                إن تقسيم ابن قتيبة لتصرفات الرسول ‘ لم يكن إلا استشعارا منه بتغير المقامات في السنة النبوية، فكان انطلاقًا لمبحث هام قد واصل العمل عليه من جاء بعده.

المطلب الثاني: تصنيف ابن حزم للتصرفات النبوية

                قسم الإمام ابن حزم أحوال النبي وتصرفاته إلى أمور الدين وأمور الدنيا.

  1. أمور الدين: وهي في مجموع كلامه كلها وحي لا سبيل ولا مدخل لاجتهاد النبي ‘ فيها، يقول: “فصح أن كلام رسول الله ‘ كله في الدين وحي من عند الله D لا شك في ذلك ولا خلاف بين أحد من أهل اللغة والشريعة في أن كل وحي نزل من عند الله تعالى فهو ذكر منزل”[15]

ويؤكد أن السنة في الدين لا يجوز فيها الغلط وبالتالي: “فإنه لا يشك أحد من المسلمين قطعًا في أن كل ما علمه رسول الله صلى الله عليه و سلم أمته من شرائع الدين واجبها وحرامها ومباحها فإنها سنة الله تعالى”[16].

وينطلق ابن حزم في تحریراته العلمیة من أصوله الخاصة المعتمدة، وهي التمسك بظواهر ألفاظ النصوص، وعدم قوله باجتهاد الرسول في الشرعیات، ورفضه القیاس مصدرًا للتشریع.

  •  أمور الدنيا ومكايد الحروب ما لم يتقدم نهي عن شيء من ذلك، فقد أباح الله للنبي ‘ التصرف فيها كيف شاء، وترك للنبي ‘ أن يدبر كل ذلك على حسب ما يراه صلاحًا، فإن شاء الله تعالى إقراره عليه أقره، وإن شاء إحداث منع له منعه.

ومن أمثلة ذلك قوله ‘ في تأبير النخل: “أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ”[17] فعلق ابن حزم: “فهذا بيان جلي مع صحة سنده في الفرق بين الرأي في أمر الدنيا والدين وأنه ‘ لا يقول الدين إلا من عند الله تعالى، وأن سائر ما يقول فيه برأيه ممكن فيه أن يشار عليه بغيره فيأخذ ‘ به؛ لأن كل ذلك مباح مطلق له، وإننا أبصر منه بأمور الدنيا التي لا خير معها إلا في الأقل، وهو أعلم منا بأمر الله تعالى وبأمر الدين المؤدي إلى الخير الحقيقي”[18].

المطلب الثالث: تصنيف العز بن عبد السلام للتصرفات النبوية:

قسم الإمام العز بن عبد السلام أول التصرفات النبوية إلى ثلاثة مقامات، وهي: الفتيا والحكم والإمامة العظمى، فقال: “فمن هذا تصرف رسول الله ‘ بالفتيا والحكم والإمامة العظمى، فإنه إمام الأئمة، فإذا صدر منه تصرف حمل على أغلب تصرفاته وهو الفتيا ما لم يدل دليل على خلافه، وله أمثلة: أحدها: قوله ‘ لهند امرأة أبي سفيان لما شكت إليه إمساك أبي سفيان وشحه: “خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ”[19] احتمل أن يكون فتيا، واحتمل أن يكون حكمًا، فمنهم من جعله حكمًا والأصح أنه فتيا؛ لأن فتياه ‘ أغلب من أحكامه، ولأنه لم يستوف شروط القضاء.

المثال الثاني: قوله ‘:”مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ”[20] محمول على الفتيا؛ لأنه أغلب تصرفه بالقضاء، وبالإمامة العظمى.

المثال الثالث: قوله ‘: “مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ”[21] حمله أبو حنيفة على التصرف بالإمامة العظمى؛ لأنه لا يجوز إلا بإذن الإمام، وحمله الشافعي على التصرف بالفتيا؛ لأنه الغالب عليه”[22] .

ولعل الإمام القرافي تلقف الفكرة والتسمية من شيخه العز بن عبد السلام وطورها وأضاف إليها مبتكرًا ومبدعًا؛ لأنه كان متأثرًا بشيخه ومنهجه في التفكير والاجتهاد عبر عن ذلك بدقة عبد الفتاح أبو غدة في مقدمته لكتاب الإحكام فقال: “وقد لازَمَ الشيخَ عزِّ الدين ابن عبد السلام وأخَذَ عنه أكثر فنونه، واقتبَسَ منه العقليةَ العلمية، والفكرَ الحُرَّ المتزنَ المستنير. وكان الشيخ عز الدين قَدِمَ من الشام إلى مصر سنة 639ه، وكان القرافي حينذاك في مطلع شبابه يبلغ من العمر نحو 15 عامًا، فلازمه حتى وفاته سنة 660 نحوَ عشرين سنة.

وقد مَلَك الشيخُ عليه قلبَه ولُبَّه، بغزارة علمه، وثقابة ذهنه، ومتانة دينه، وقوة شخصيته، وبسالته في نُصرة الحق، وكريم تواضعه وورعه وفضله، فألقى القرافيُّ إليه بالمقاليد، ونَهَل منه وعَلَّ، وأكثر النقلَ والحديثَ عنه في كتبه، وأثنى عليه في كل مناسبة في مواضع كثيرة من تآليفه ثناءَ المرتوي من منهله، والعابِّ من بحر علمه الغزير النَّمِير”[23]، وعن جهد الإمام القرافي نتحدث في الفقرة الموالية.

 المطلب الرابع: تقسيمات القرافي:

كان القرافي ممّن صنّف في تصرفاته ‘ وهو الإمام المالكي من القرن السابع ففصّل فيها تفصيلًا غير مسبوق، وبيَّن أنواع هذه التصرفات والفروق، وبيّن آثارها في الشريعة الإسلامية، ففي كتاب “الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام”، فرق بين الفتيا والتبليغ، وبين الفتيا والحكم، وفرّق بين مقام القضاء والإمامة، وفرّق بين النبوّة والرسالة، وذلك في الجواب عن السؤال الخامس والعشرين حيث قال: “ما الفرقُ بين تصرُّفِ رسولِ الله ‘ بالفُتيا والتبليغ، وبين تصرُّفِه بالقضاء، وبين تصرُّفِه بالِإمامة؟ وهل آثارُ هذه التصرُّفات مختلِفة في الشريعة والأحكامِ أو الجميع سواء في ذلك؟ وهل بين الرسالة وهذه الأمور الثلاثةِ فَرْق أو الرسالةُ عين الفُتيا؟ وإِذا قلتم: إِنها عين الفُتيا أو غيرها، فهل النُبوَّة كذلك أو بينها وبين الرسالة فَرْق في ذلك؟ فهذه مقامات جليلة، وحقائق عظيمة شريفة، يَتعيَّن بيانُها وكشفُها والعنايةُ بها، فإِنَّ العلم يشرُف بشرف المعلوم[24].

جعل القرافي التصرفات أربعة أصناف فرق بينها في كتابه “الفروق”، فقال: “الفرق السادس والثلاثون بين قاعدة تصرّفه ‘ بالقضاء، وبين قاعدة تصرّفه ‘ بالفتوى وهو التبليغ، وبين قاعدة تصرفه بالإمامة… غير أن غالب تصرفه ‘ بالتبليغ؛ لأنّ وصف الرسالة غالبة عليه، ثم تقع تصرفاته ‘ منها ما يكون بالتبليغ والفتوى إجماعًا، ومنها ما يجمع الناس على أنه بالقضاء، ومنها ما يجمع النّاس على أنه بالإمامة، ومنها ما يختلف العلماء فيه؛ لتردّده بين رتبتين فصاعدًا، فمنهم من يغلب عليه رتبة، ومنهم من يغلب عليه أخرى، “[25].

فالنبي ‘ كان هو الإمام والقاضي والمفتي وهو الرسول المبلغ، قد يقول الحكم بمنصب الرسالة فيكون شرعًا عامًّا إلى يوم القيامة، وقد يقوله بمنصب الفتوى فلا يكون حكمًا بل فتوى تخص الشخص بعينه، وقد يقوله بمنصب الإمامة فيراعي مصلحة الأمة في ذلك العصر وذلك المكان بحسب الحال والعرف، فيلزم على الأئمة من بعده مراعاة موجبات تغير الأحوال زمانًا ومكانًا وحالًا، لذلك شق على المكلفين وعلى أهل العلم أيضًا التفرقة بين هذه التصرفات، فمنهم من عدَّها وحياً غير متلو مهما كان الحكم الذي ورد عنه ‘ ومهما كان حال تصرفه ‘. والقرافي بهذا التقسيم جعل حدودًا بيّنة وفروقًا واضحة تمكّن الفقيه من فهم نصوص السنة النبوية بما يتماشى والمقاصد العامة. وباعتماد تقسيم القرافي تختلف أحكام السنن من الوجوب إلى المندوب والمستحب والمباح، ومن التحريم إلى الكراهة. يقول القرافي مبينًا آثار هذه التفرقة: “بهذه الأوصاف تختلف آثارها في الشريعة فكل ما قاله ‘ أو فعله على سبيل التبليغ كان ذلك حكمًا عامًّا على الثقلين إلى يوم القيامة، فإن كان مأمورًا به أقدم عليه كل أحد بنفسه وكذلك المباح، وإن كان منهيًّا عنه اجتنبه كل أحد بنفسه، وكل ما تصرف فيه ‘ بوصف الإمامة لا يجوز لأحد أن يقدم عليه إلا بإذن الإمام اقتداء به ‘، ولأن سبب تصرفه فيه بوصف الإمامة دون التبليغ يقتضي ذلك، وما تصرف فيه ‘ بوصف القضاء لا يجوز لأحد أن يقدم عليه إلا بحكم حاكم اقتداء به ‘، ولأن السبب الذي لأجله تصرف فيه ‘ بوصف القضاء يقتضي ذلك، وهذه هي الفروق بين هذه القواعد الثلاث”[26]

واعترض على القرافي كونه لم يتحدث عما ليس من باب التشريع أصلًا مما ورد من السنن النبوية بل هو من باب الجبلة أو العادة أو الخبرة المكتسبة من المجتمع والواقع المعاش ولا علاقة له بالوحي أو التشريع[27].

 ولئن لم يرد في كلام القرافي هذا القسم من السنة الذي لا يدخل في باب التشريع إلا أن تقسيمه لمختلف تصرفات النبي ‘ يعدُّ أصلًا بَنى عليه من جاء بعده.

ولا بد هنا من الإشارة إلى دور العز بن عبد السلام الذي سبق القرافي في بلورة هذه الفكرة الجوهرية المتمثلة في تعدد زوايا النظر إلى التصرفات النبوية بحسب الاعتبارات المختلفة. فيكون القرافي قد أخذ عن شيخه ولكنه توسع وأضاف.

المطلب الخامس: ولي الله الدهلوي:

قسّم ولي الله الدهلوي السنن قسمان: ما سبيله تبليغ الرّسالة، وما ليس من باب تبليغ الرسالة، فذكر أن النوع الأوّل فيه قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [سورة: الحشر، 7] وهذا النوع قد تضمن جوانب عديدة، قال: “ومنه علوم المعاد وعجائب الملكوت…. ومنه الشرائع وضبط العبادات والارتفاقات… وهذه بعضها مستند إلى الوحي، وبعضها مستند إلى الاجتهاد، واجتهاده ‘ بمنزلة الوحي؛ لأن الله تعالى عصمه من أن يتقرر على الخطأ. وليس يجب أن يكون اجتهاده استنباطًا من النصوص كما يُظن، بل أكثره أن يكون علّمه الله تعالى مقاصد الشّرع وقانون التشريع والتيسير والأحكام، فبين المقاصد المتلقاة بالوحي بذلك القانون. ومنه حكم مرسلة ومصالح مطلقة لم يوقتها ولم يبين حدودها، كبيان الأخلاق الصالحة وأضدادها. ومستندها غالبًا الاجتهاد، بمعنى أن الله تعالى علمه قوانين الارتفاقات فاستنبط منها حكمه وجعل فيها كلية. ومنها فضائل الأعمال ومناقب العمال… “[28]

أما القسم الثاني فهو ما ليس من باب تبليغ الرسالة، قال: و”فيه قوله ‘: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيِي، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ»[29] وقوله ‘ في تأبير النخل: “فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا، فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ، وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنِ اللهِ شَيْئًا، فَخُذُوا بِهِ، فَإِنِّي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ”[30] ومن هذا النوع الطبّ فما هو مأثور من الوصفات الطبيّة لا يعتبر من السنة التشريعية؛ لأنّها تستند إلى التجربة، ومنه ما فعله النبيّ ‘ على سبيل العادة. ومنه ما قصد به مصلحة جزئية يومئذ، ومنه حكم أو قضاء خاصّ. [31]

 إن كلام الدّهلوي يُعدّ أول كلام محرّر في تقسيم السنة إلى ما هو تشريع وما هو ليس بتشريع. وبهذا التقسيم يكون الدهلوي قد أضاف إلى من سبقه جانبًا هامًّا من السنة لا تشريع فيه.

 لذلك يمكن القول إن هذا التقسيم قد استفاد منه الباحثون في هذا المجال فكان أساسًا بنى عليه كل من سعى لفهم السنة النبوية.

فما هي تقسيمات الطاهر بن عاشور؟ وما هي آثار تقسيم التصرفات النبوية؟

المبحث الثاني: تقسيمات محمد الطاهر بن عاشور للتصرفات النبوية، وأثرها على الحكم الشرعي:

المطلب الأول: تقسيمات ابن عاشور

لقد توسع ابن عاشور في تصنيف تصرفاته ‘ فعدد أحوال رسول الله ‘ التي يصدر عنها القول أو الفعل، فأحصى اثني عشر حالًا وهي: التشريع، والفتوى، والقضاء، والإمارة، والهدي، والصلح، والإشارة، والنصيحة، وتكميل النفوس، وتعليم الحقائق العالية، والتأديب، والتجرد عن الإرشاد، ثم فصّل القول في كل حال مستندًا إلى أمثلة من قوله ‘ أو فعله ومبينًا لهذه الحال.

وذكر في كتابه “مقاصد الشريعة الإسلامية” أهمية التمييز بين مختلف المقامات مبينًا الارتباط الوثيق بين التمييز بين ما هو تشريعي في تصرفات الرسول ‘ وأفعاله وما هو غير تشريعي وبين علم المقاصد، فقال: “فما يهم الناظر في مقاصد الشريعة هو تمييز مقامات الأقوال والأفعال الصادرة عن رسول الله ‘ والتفرقة بين أنواع تصرفاته”[32].

فتكون هذه المسألة جوهرية في عمل الفقيه حتى يتمكن من تحقيق مقاصد الشريعة مما جعل الطاهر بن عاشور يُؤصّل لهذه المسألة باحثًا عن موقف الصحابة €، فيقول: “وقد كان الصّحابة يفرّقون بين ما كان من أوامر الرّسول صادرًا في مقام التشريع وما كان صادرًا في غير مقام التشريع، وإذا أشكل عليهم أمرٌ سألوا عنه”[33]، وساق لذلك أمثلة منها أن بريرة[34] لمّا أعتقها أهلها طلّقت نفسها من زوجها، فلما طلب منها رسول الله ‘ أن تراجعه قالت: “يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: “إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ” قَالَتْ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ”[35] فأبت أن تراجعه، ولم يثرّبها رسول الله ‘ ولم ينكر عليها المسلمون أيضًا.

ومن ذلك حديث الصحابي الذي طلب من رسول الله ‘ أن يكلّم غرماء أبيه ليضعوا من دينه بعد موته فأبوا فقال جابر: “فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ كَأَنَّهُمْ أُغْرُوا بِي تِلْكَ السَّاعَةَ”[36]ولم يثرّبهم المسلمون على ذلك.

يمكن القول: إن ابن عاشور قد استفاد ممن قبله في اعتماد تقسيم تصرفاته ‘ وأضاف وتوسع وفرق بين الأحوال معتمدًا قرائن وأمارات للفصل بينها؛ لما لها من أثر في التشريع، فقال: “لا بد للفقيه من استقراء الأحوال وتوسم القرائن الحافة بالتصرفات النبوية، فمن قرائن التشريع الاهتمام بإبلاغ النبي إلى العامة، والحرص على العمل به، والإعلام بالحكم وإبرازه في صورة القضايا الكلية مثل قول رسول الله ‘ : “فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ”[37]، وقوله: “وَإِنَّمَا الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ”[38].  ومن علامات عدم قصد التشريع، عدم الحرص على تنفيذ الفعل… واعلم أن أشد الأحوال التي ذكرناها اختصاصًا برسول الله ‘ هي حالة التشريع؛ لأن التشريع هو المراد الأول لله تعالى من بعثه حتى حصر أحواله فيه في قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: 144]، “فلذلك يجب المصير إلى اعتبار ما صدر عن رسول الله من الأقوال والأفعال فيما هو من عوارض أحوال الأمة صادرًا مصدر التشريع ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك”[39].

وهنا يجعل ابن عاشور قاعدة عامة في عملية التمييز بين تصرفات النبي ‘ حتى لا يكون هذا الأمر على عوائله فيقول من شاء ما شاء، والقاعدة تتمثل في أن كل ما صدر عن النبي ‘ من الأقوال والأفعال فيما هو من عوارض أحوال الأمة صادر مصدر التشريع ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك، وهنا أهمية القرينة حتى نفرق بين حال التشريع وغيره من الأحوال، فقد فصّل ابن عاشور في أحوال صدور أفعاله ‘ وأقواله، فجعل من الحال الأول حال التشريع بقرائن ظاهرة، كقوله ‘: “لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ”[40]، وقوله ‘: “اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ”[41]، فيمكن القول: إن الأوامر والنواهي التي يقصد منها العزم وتؤذن بالوجوب والتحريم هي قرينة التشريع، كذلك ورودها في صورة القاعدة الكلية، والإعلام بالحكم وإبلاغ العامة به، كلها قرائن تدل على التشريع.

 وجعل الحال الثاني عشر والأخير من أحواله ‘ حال التجرد من الإرشاد، وهو ما يتعلق بغير ما فيه تشريع على حسب قوله، بمعنى ما لا تشريع فيه من المسائل الجبلية ودواعي الحياة المادية كصفات الطعام واللباس والمشي والركوب والاضطجاع.

وقد بدا لي أن هذا الحال في مقابل الحال الأول ويتوسطهما أحوال عديدة كلها يتولد عنها أحكام شرعية متفاوتة بحسب صفاتها وآثارها.

ذكر ابن عاشور أن حالي الإفتاء والقضاء هما تطبيق للتشريع، فتكون القضية هنا جزءًا من القاعدة الشرعية الأصلية. فالإفتاء هو ما أفتى فيه رسول الله للناس، ومثاله أن النبي ‘ وقف للناس على ناقته يوم حجة الوداع يسألونه قال: فما سئل عن شيء قدم أو أخر مما ينسى المرء أو يجهل من تقديم بعض الأمور قبل بعض إلا قال: “افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ”[42].

وأما القضاء فهو ما يصدر حين الفصل بين المتخاصمين كقوله ‘ : “لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ”[43].

وأما حال الإمارة وهو الحال الرابع من أحوال تصرفاته ‘ فيقول إنه في أكثر تصاريفه لا يكاد يشتبه بحال التشريع إلا فيما يقع في خلال أحوال بعض الحروب مما يحتمل الخصوصية مثل نهيه ‘ عن أكل لحوم الحمُر الأهلية ومثل قوله ‘: “مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ”[44]، ويمكن القول هنا: إن كل ما يدخل في مجال الإمامة والحياة السياسية هو من تصرفه ‘ بالإمارة لذلك جل أحوال الإمارة متفق حولها بين الأئمة إلا في بعض الأوامر التي تشتبه بحال التشريع.

 وأما الهدي والإرشاد فهو أعم من حال التشريع؛ لأن الأمر والنهي هنا ليس على وجه العزم والجزم، بل يقصد منه الإرشاد إلى طريق الخير عامًّة؛ لذلك يقول ابن عاشور: “فأنا أردت بالهدي والإرشاد هنا خصوص الإرشاد إلى مكارم الأخلاق، وكذلك الإرشاد إلى الاعتقاد الصحيح”[45].

أما حال المصالحة عند ابن عاشور فهو حال يخالف حال القضاء فمثل له بقول رسول الله ‘: “اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلِ المَاءَ إِلَى جَارِكَ”[46]، أما قوله ‘ في نفس الحديث: “اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ احْبِسِ المَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الجَدْرِ”[47]، فجعله من حال القضاء؛ لأنه جاء بعد غضب الأنصاري، فاستوفى النبي ‘ حق الزبير كاملًا، فكان ذلك قضاء بينهما.

وأما حال النصيحة والإشارة فقد بدت لي حالًا واحدة؛ لأن إشارته ‘ بفعل كذا لا تكون إلا نصيحة أو تضمر في طياتها النصيحة. وما يؤكد هذا الرأي ما اتخذه ابن عاشور من أمثلة: فقد مثل لحال الإشارة بقوله: “وعلى هذا المحمل يُحمل عندي حديثُ بريرة حين رام أهلها بيعها” وذلك في قول رسول الله لها: «خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الوَلاَءَ، فَإِنَّمَا الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ”[48]. ولما خطب، رسول الله في الناس قال: “أَمَّا بَعْدُ، مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، … وَإِنَّمَا الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ”[49]. يقول ابن عاشور: “فلو كان قوله لعائشة تشريعًا أو فتوى لكان الشرط ماضيًا، ولَعَارَض قوله في الخطبة “إنما الولاء لمن أعتق”. ولكنه كان إشارة منه على عائشة بحق شرعي حتى تسنّى لها التحصيل عليه مع حصول رغبتها في شراء بريرة وعتقها. وهذا منزع في فهم هذا الحديث هو من فتوحات الله عليَّ، وبه يندفع كل إشكال حيَّر العلماء في محمل هذا الحديث”[50].

ومثّل لحال النصيحة[51] بحديث النعمان بن بشير، أن أباه أتى به إلى رسول الله ‘ فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلاَمًا، فَقَالَ: “أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ”، قَالَ: لاَ، قَالَ “فَارْجِعْهُ”[52]، ففي هذا الحديث معنى الإشارة؛ لأن أم النّعمان أبت إلا أن يشهد رسول الله على ذلك، فكانت استشارة منهم لرسول الله، فأشار عليهم بإشهاد غيره، ونصحهم بالعدل بين الأبناء في العطية؛ لأن لها أثر على برِّهم لآبائهم. لذلك لا يختلف كثيرًا حال الإشارة عن حال النصيحة.

أما حال حمل النفوس على الأكمل فهو تشريع بالخصوص فهذا مما خصّ به أصحابه ‘ فهو يُعدّهم؛ ليكونوا حملة هذا الدين، ففي إطار التربية النبوية التي تهتم بالخاصة ليكونوا حملة الدين الحنيف، جاءت أوامر النبي ‘ ونواهيه لأصحابه تشريعًا خاصًّا. وعدم الاهتداء لهذه الحال كان سببًا في أغلاط فقهية كثيرة، وقد استدل ابن عاشور على ذلك بقوله: “فقد كان رسول الله ‘ لأصحابه مشرّعًا لهم بالخصوص. فكان يحملهم على أكمل الأحوال… وقد نوّه الله تعالى بهم في سورة الفتح: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [سورة الفتح: 29] ألا ترى إلى قوله ‘: “لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ، ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ”[53].

ومثل ابن عاشور لهذه الحال بحديث علي بن أبي طالب حين قال: “نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أَقُولُ نَهَاكُمْ عَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ، وَعَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ، وَعَنْ لُبْسِ الْمُفْدَمِ، وَالْمُعَصْفَرِ وَعَنِ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ”[54]يعني أن بعض هذه المنهيات لم ينهَ عنها جميعَ الأمة بل خصَّ بالنهي أصحابه، وهنا خصَّ عليًّا بدليل قوله “ولا أقول نهاكم”[55].

أما تعليم الحقائق العالية فيقول ابن عاشور: “وذلك مقام رسول الله وخاصة أصحابه” لذلك أتساءل لماذا لم يجعل هذه الحال مع حال تكملة النفوس فهي تخص الصحابة، وتهدف إلى تربيتهم بتعليمهم الحقائق العالية؟

ومثّل له بقول النبي ‘ فيما روى أبو ذر، قال: قال لي خليلي: “يَا أَبَا ذَرٍّ أَتُبْصِرُ أُحُدًا؟” قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَى الشَّمْسِ مَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ، وَأَنَا أُرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرْسِلُنِي فِي حَاجَةٍ لَهُ، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: “مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، أُنْفِقُهُ كُلَّهُ، إِلَّا ثَلاَثَةَ دَنَانِيرَ”[56]. فظن أبو ذر أنه أمر عام للأمة فيكون شرعًا عامًّا، فأخذ ينهى عن اكتناز المال، ولكن عثمان ¢ أنكر عليه قول ذلك[57].

أما حال التأديب فقد مثل له بحديث أبي هريرة أن رسول الله ‘ هدد بحرق بيوت من لم يحضر صلاة العشاء: فقال مفسِّرًا: “فلا يُشتبه أن الرسول الله ‘ ما كان ليحرِّق بيوت المسلمين لأجل شهود صلاة العشاء في الجماعة، ولكن الكلام سيق مساق التهويل في التأديب، أو أن الله أطلعه على أن أولئك من المنافقين، وأذن له بإتلافهم إن شاء”[58].

ومنه أيضًا قول رسول الله ‘ من حديث أبي شريح: “وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ” قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: “الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ”[59] فالكلامُ خرج مَخرج التهويل لمن يؤذي جاره ويسيء إليه، فيكون المراد نفي الإيمان الكامل.

المطلب الثاني: آثار تقسيمات العلماء وتمييزهم بين مختلف مقامات تصرفات الرسول :

من أهم آثار تقسيم التصرفات النبوية دقة الفهم التي يحتاجها الفقيه لاستنباط الأحكام. فيمكن للفقيه دفع التعارض بين الأحاديث النبوية وتفادي القول بالنسخ في مواضع عديدة حيّرت العلماء، فعدم الاهتداء إلى التمييز بين مختلف المقامات النبوية يكون سببًا في أغلاط فقهية كثيرة. ذكر ابن عاشور لما ميّز بين مقام الفتوى والإشارة في قوله صلى لله عليه وسلم “خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الوَلاَءَ”[60] وقوله: ” فَإِنَّمَا الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ”[61] فدفع التعارض بينهما، وقال: “وهذا منزع في فهم هذا الحديث هو من فتوحات الله عليَّ، وبه يندفع كل إشكال حيَّر العلماء في محمل هذا الحديث”[62].

كما بدت الآثار في اختلاف أبي ذر وعثمان ƒ في فهم حديث النبي ‘ لما قال: “مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، أُنْفِقُهُ كُلَّهُ، إِلَّا ثَلاَثَةَ دَنَانِيرَ”[63]، فظن أبو ذر أنه أمر عام للأمة فيكون شرعًا عامًّا، وأخذ ينهى عن اكتناز المال، ولكن عثمان ¢ أنكر عليه قول ذلك[64]؛ لأنه فهم أنه خاص وهو في إطار تربوي يحرص فيه النبي ‘ على تربية صحابته الكرام وتزكية نفوسهم على الوجه الأكمل.

وتظهر الآثار واضحة جلية خاصة فيما اختلف فيه الفقهاء من تصرفات النبي ‘، وبدا مترددًا بين المقامات، على أي قسم يُحمل من هذه الأقسام، كقوله ‘: “مَنْ أحيا أرضًا مَيِّتةً فهي له”[65] حمله أبو حنيفة على الإمامة فقال: “تصرُّفٌ بالإِمامة، فلا يجوزُ لأحدٍ أن يُحييَ أرضًا إِلا بإذنِ الإمام؛ لأن فيه تمليكًا، فأشبَهَ الِإقطاعات، والِإقطاع يتوقّف على إِذن الإِمام، فكذلك الإِحياء”[66].

 وقال مالك والشافعي إنه يحمل على الفتيا: “هذا مِن تصرُّفِهِ ‘ بالفُتيا؛ لأنه الغالبُ من تصرُّفاته ‘ فإِنَّ عامَّة تصرفاته التبليغُ، فيُحمَلُ عليه، تغليبًا للغالبِ الذي هو وضْعُ الرسل ﭺ. فعلى هذا: لا يَتوقَفُ الِإحياءُ على إِذن الإِمام؛ لأنها فُتيا بالِإباحة كالاحتطاب والاحتشاش، بجامعِ تحصيلِ الأملاك بالأسباب الفعلية. “[67] وفصّل مالك في هذه المسألة ففرق بين ما قرُب من العمران وما بعُد.

واختلف العلماء في قوله ‘ لهند بنت عتبة التي شكت إليه زوجها أبا سفيان أنه رجل شحيح، فقال: “خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ”[68].

ظهر الاختلاف في كون هذا الحديث تصرف بالفتوى أو تصرف بالقضاء، في ترجمة البخاري في كتاب الأحكام، باب “القضاء على الغائب”، وخالفه العيني[69] فذكر أنه “لا مطابقة بين الترجمة والحديث”[70].

وذهب ابن عاشور إلى أن حال هند حال المستفتية لا حال المدّعية؛ لأن إحضار زوجها كان ممكنًا فلا يقضى عليه وهو غائب، فقد عُرضت هذه المسألة على النبيّ ‘ حين أسلمت يوم فتح مكة، وكان زوجها موجودًا بمكّة.

فلما تردد هذا الحكم بين مقام الفتوى ومقام القضاء تردد الحكم بجواز أخذ الزوجة من مال زوجها دون إذنه لسد نفقة بيتها: “فمن ظنّ أنه قضاء على الغائب قال إنه لا يشمل غيرها إلا بعد الرجوع إلى القاضي، ومن ظن أنه فتوى قال إن ما رخصه لهند هو تشريع يعم أمثالها من أزواج الأشحّة؛ لأن قوله لها فتوى وتشريع”[71].

 فينتج عنه أن إذن النبي ‘ لهند بالإنفاق دون علم زوجها وهو موجود حاضر بمكة بيان منه ‘ أن الإنفاق واجب على الزوج، وليس له منع زوجته وعياله منه، فالمال الذي يكتسبه لا يتفرّد بحق التصرف فيه، بل تشاركه في التصرف؛ لأنّ هذا المال هو حق له وللزوجة والأبناء وذلك لحق الزوجية، قال ابن عاشور: “وقد أقام النبيّ ‘ المرأة مقام الوكيل على أبنائها وعيال بيتها؛ لأنّها راعية المنزل فهو لها رخصة”[72].

ومن آثار التمييز بين مقام القضاء والفتوى اختلاف الفقهاء في مسألة “الظفر”، قال القرافي مبينًا ذلك: “قال جماعة من العلماء: هذا تصرف منه ‘ بالفتيا؛ لأنه غالب أحواله ‘ . فعلى هذا: من ظفر بجنس حقه، أو بغير جنسه مع تعذر أخذ الحق ممن هو عليه، جاز له أخذه حتى يستوفي حقه.

ومشهور مذهب مالك وقاله جماعة من العلماء أنه لا يأخذ جنس حقه إذا ظفر به وإن تعذر عليه أخذ حقه ممن هو عليه”. [73]

ومن آثار التفرقة بين المقامات الاختلاف في وجوب تصرفات النبي ‘ السياسية واعتبارها شرعًا عامًّا أو ربطها بالسياقات الزمانية والمكانية التي حفت بهذه التصرفات، فحديث الأمر بقتل شارب الخمر في الرابعة مثلًا قد تردد فيه قول الفقهاء بين النسخ وبين جعله حدًّا لشارب الخمر[74]، أما ابن القيم[75] فلم يجعل هذا الحديث منسوخًا ولم يجعله حدًّا لا بد منه، بل جعله في مقام الإمامة؛ ليكون بحسب المصلحة راجعًا إلى الإمام، فإن رأى المصلحة في فعله فعل، وإن رآها في تركه فعل؛ لأن ما كان صادرًا من النبي ‘ في مقام الإمامة فحكمه أن يكون مصلحة للأمة بحسب الظرف المكاني والزماني وبحسب الحال، فيكون من آثاره وجوب مراعاة الأئمة للمصلحة التي راعاها النبي ‘ مع اعتبار الزمان والمكان والحال.

إن الحكم في هذا القسم من السنة النبوية يقصد به تحصيل مصلحة مقيدة بالمكان والزمان والحال، فلا يكتسب صفة العموم، بل يظل خاصًّا بحسب خصوصية التصرف السياسي الذي يهدف إلى تحقيق المصلحة، فإذا تغير مناط المصلحة تغير التصرف السياسي للإمام. والأمثلة في هذا الباب عديدة لا يتسع المجال لذكرها.

وقد بيّن القرافي القول في الآثار العملية لتمييز التصرفات النبوية على جواز تصرف الفرد بنفسه في مجالات معينة أو وجوب عزوها إلى الإمام والحاكم فقال: “فما فَعَله ’ بطريق الإِمامةِ كقسمةِ الغنائم، وتفريقِ أموال بيت المال على المصالح، وإقامةِ الحدود، وترتيبِ الجيوش، وقتالِ البُغَاة، وتوزيع الإِقطاعات في القُرى والمعادن، ونحو ذلك: فلا يجوز لأحدٍ الإِقدامُ عليه إلَّا بإذن إِمامِ الوقت الحاضر؛ لأنه ‘ إِنما فَعَله بطريقِ الإمامة، وما استُبِيحَ إِلَّا بإذنه، فكان ذلك شرعًا مقررًا لقوله تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [سورة: الأعراف، 158] وما فَعَله ‘ بطريق الحكم كالتمليكِ بالشفعة، وفسوخِ الأنكحةِ والعقود، والتطليقِ بالإِعسار عند تعذُرِ الإِنفاقِ والإِيلاء والفَيئة. ونحو ذلك: فلا يجوز لأحدِ أنْ يقدِم عليه إِلا بحكم الحاكم في الوقت الحاضر؛ اقتداءَ به ‘؛ لأنه ‘ لم يقرر تلك الأمور إلا بالحكم، فتكون أمّته بعدَه ‘ كذلك. وأما تصرّفه ‘ بالفُتيا والرسالة والتبليغ، فذلك شرعٌ يَتقرّر على الخلائق إلى يوم الدين، يَلزمُنا أن نَتبَع كلّ حُكم مما بلَّغه إِلينا عن ربِّه بسببه، من غير اعتبار حكم حاكمٍ ولا إِذن إمام؛ لأنه ‘ مبلِّغٌ لنا ارتباطَ ذلك الحكمِ بذلك السبب، وخلَّى بين الخلائق وبين ربِّهم. ولم يكن مُنشئًا لحُكم من قِبَله، ولا مُرتِّبًا له برأيه على حسب ما اقتضته المصلحة، بل لم يَفعل إِلَّا مجرّد التبليغ عن ربّه كالصلواتِ والزكواتِ وأنواعِ العبادات وتحصيلِ الأملاك بالعقودِ من البياعات والهبات وغير ذلك من أنواع التصرُّفات: لكلّ أحد أن يُباشره ويُحصّل سببَه، ويترتبُ له حُكمُه من غير احتياجٍ إلى حاكم يُنشئُ حكمًا، أو إمامٍ يُجدّد إذنًا. [76]

وهكذا يمكن القول إن آثار تقسيمات التصرفات النبوية عديدة وهامة جدًّا في فهم السنة النبوية وقراءتها قراءة تتماشى مع مراد الشارع الحكيم.

الخاتمة:

إن التقسيمات التي اهتدى إليها الفقهاء سواء قديمًا أو حديثًا هي باب من أبواب العلم جليل القدر عظيم النفع؛ لما له من أثر على دقة فهم السنة النبوية، فالناظر في مختلف التقسيمات يتبين ما لها من أهمية خاصة من جهة معرفة الأحكام وفهمها من ناحية، ومن جهة معرفة منهج اتّباعه ‘ من ناحية أخرى.

والسنة النبوية قد تضمنت تبليغًا لأحكام الله تعالى، كما تضمنت مقاصد وقواعد كلية وإشارات إلى طرق معرفة الأحكام، ومسائل أخرى جبلِّيَّة بشرية لا تشريع فيها، “فالسنة النبوية ليست كلها ترجمة وتبليغًا لأحكام الله تعالى بل تضمنت أيضًا ما هو مجرد تلمس لحجج الأحكام وسير المصالح، كما تضمنت ما هو مجرّد سياسة لدرء المفاسد وجلب المصالح، وإن كان جملة هذا كله داخلاً في أمر الله وشريعته”[77].

وتنقسم السنة إلى قسم تشريعي وقسم لا تشريع فيه، كما ينقسم الجزء التشريعي إلى عدة تقسيمات تراوحت بين الأمر والنهي، وبين الوجوب والاستحباب، وبين الحرمة والكراهة، كما اختلفت مقامات التصرف بين الفتيا والقضاء والإمارة، والنصيحة والإرشاد والتعليم والتزكية… فاختلفت الأحكام باختلاف المقامات.

فأما من جهة الأحكام فقد يتغير الحكم من الوجوب إلى المندوب أو إلى المباح بمعرفة الحال التي يصدر منها تصرفه ‘ مثل حديث لعق الأصابع الذي قد يفهم وجوب الأكل بالأصابع ولعقها، فينكر على من يأكل بالملعقة، ويرى في ذلك مخالفة للسنة، وهذا الفهم حرفي يعتمد ظاهر النص، في حين أن حديث النبي في هذا الباب هو تربية نفسية وأخلاقية واقتصادية تبين تواضعه ‘ وتقديره لنعمة الله تعالى في الطعام، وتؤكد حرصه على أن لا يضيع من الطعام شيئًا بغير نفع.

وقد يتغير الحكم من الحرمة إلى الكراهة بمعرفة المقام الذي صدر منه الحديث النبوي مثل: النهي عن لبس القسي والمعصفر، فلما ذكر علي أنه نهيُ لخصوص الصحابة، وليس لعامة الناس أصبحت هذه المنهيات من المكروهات، وأما قارئ الحديث الذي لا يفرق بين التشريع العام والتشريع الخاص، فيفهم هذا النهي على وجه الحرمة.

إن معرفة مقامات تصرفات النبي ‘ هي سبيل واضحة لمعرفة كيفية اتباع النبي ‘ فلا يكفي اتباع السنن الظاهرة واتباع أحكامه التي بلّغها عن الله تعالى، بل يجب اتباع منهجه في تطبيق أحكام الله تعالى.

 لذلك يكون اتباع النبي ‘ باتباع عمله وقوله، وباتباع منهجه الذي لا يتحقق إلا بفهم سنته وكشف العلاقة الرابطة بين قوله ‘ والمقاصد العامة للشريعة، وكذلك بمعرفة كيفية تحقيقه لمناط الحكم وتتبعه لعلل الأحكام ومراعاته ‘ للأحوال والظروف والملابسات والوقائع، وهو ما يسمى بموجبات تغير الأحكام.

إن فهم السنة النبوية بما يتوافق مع مقاصد الشريعة وقواعدها وكلياتها الكبرى يستوجب شروطًا عديدة من أهمها التفريق بين مقامات التصرفات النبوية، وهذا الأمر يستوجب المزيد من الأبحاث والدراسات لتقنينه وتقعيده فيصير علمًا قائمًا بذاته.

فهرس المصادر والمراجع

  • القرآن الكريم برواية قالون عن نافع المدني
  • ابن حزم الظاهري- الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق أحمد محمد شاكر،  دار الآفاق الجديدة، بيروت.
  • ابن حنبل أحمد: مسند الإمام أحمد بن حنبل، تح: شعيب الأرنؤوط-عادل مرشد، وآخرون، دار مؤسسة الرسالة للنشر، ط1، 2001م.
  • ابن عاشور محمد الطاهر: مقاصد الشريعة الإسلامية، تح: محمد الطاهر الميساوي، دار النفائس للنشر والتوزيع، الأردن، ط2، 1421ه-2001م.
  •  ابن عاشور: النظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح، دار السلام للطباعة والنشر ودار سحنون للنشر والتوزيع تونس، ط1، 2007م، ص 211-212.
  • ابن قتيبة: (عبد الله بن مسلم)، تأويل مختلف الحديث، مؤسسة الإشراق للنشر، ط2، 1419هـ – 1999م،
  • ابن قيم الجوزية: شمس الدين: زاد المعاد في هدي خير العباد، مؤسسة الرسالة، بيروت – مكتبة المنار الإسلامية، الكويت، ط27، 1415هـ /1994م.
  • الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام، تح: عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، ط2، 1416 هـ – 1995 م.
  • البخاري: محمد بن إسماعيل: صحيح البخاري، تح: طه عبد الرؤوف سعد، دار الاعتصام للنشر، القاهرة، د. ط، 2011.
  • البوطي: محمد سعيد رمضان: ضوابط المصلحة في الشريعة الاسلامية، مؤسسة الرسالة، ط2، 1973م.
  • الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي، تحقيق أحمد شاكر وآخرون، الطبعة الثانية، 1395 هـ – 1975 م
  • 11.    العيني: بدر الدين، عمدة القاري، باب القضاء على الغائب، دار الفكر، د. ط، د. ت.
  • القرافي: أبو العباس: الفروق أنوار البروق في أنواء الفروق، تح: خليل المنصور، دار الكتب العلمية للنشر، بيروت، ط3، 2009م.
  • القرضاوي: يوسف: السنة مصدرا للمعرفة والحضارة، دار الشروق، القاهرة –مصر، ط2،
  • القرضاوي، يوسف، الموقع الرسمي www. quaradawl. net
  • 15.    مالك: الموطأ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان 1406 هـ – 1985 م
  • مسلم ابن الحجاج: المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله‘، تح: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ط، د. ت.
  • النسائي: السنن الكبرى، تح: حسن عبد المنعم شلبي، مؤسسة الرسالة – بيروت، ط1، 1421 هـ – 2001 م.
  • ولي الله الدهلوي: حجة الله البالغة، دار الجيل، بيروت – لبنان الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1426 هـ – 2005م.

[1]صحيح مسلم، كتاب أبواب النكاح، بَابُ مَا جَاءَ لَا تُنْكَحُ المَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا، ح1125.

[2] صحيح البخاري، كتاب الشهادات، بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الأَنْسَابِ، وَالرَّضَاعِ المُسْتَفِيضِ، وَالمَوْتِ القَدِيمِ، ح 2645.

[3] صحيح مسلم: كتاب الرضاع، بَابٌ فِي الْمَصَّةِ وَالْمَصَّتَيْن، ح1450.

[4] سنن الترمذي، أبواب الفرائض، باب ما جاء في ميراث المرأة من دية زوجها، ح2110.

[5] ابن قتيبة- تأويل مختلف الحديث، مؤسسة الإشراق للنشر، ط2، 1419هـ – 1999م، ص283.

[6] الشاطبي: (ت 790 هـ / 1388 م) هو إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي: أصولي حافظ. من أهل غرناطة. كان من أئمة المالكية. من كتبه (الموافقات في أصول الفقه) أربع مجلدات، و(المجالس) شرح به كتاب البيوع من صحيح البخاري، و(الاعتصام) في أصول الفقه، و (شرح الألفية) سماه (المقاصد الشافية في شرح خلاصة الكافية).. (الأعلام للزركلي، ج1، ص75).

[7] صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب الاذخر والحشيش في القبر، ح: 1349.

[8] الإذخر: نبات طيب الرائحة تسقف به البيوت فوق الخشب.

[9] ابن قتيبة، تأويل مختلف الحديث، مؤسسة الإشراق للنشر، ط2، 1419هـ – 1999م، ص283.

[10] من أمثلة هذا النوع ذكر ابن قتيبة جملة من الأحاديث النبوية: “وقال في العمرة: “ولو استقبلت من أمري ما استدبرت، لأهللت بعمرة”. أو قال في صلاة العشاء: “لولا أن أشق على أمتي، لجعلت وقت هذه الصلاة، هذا الحين”.

ثم قال: “إني نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، ثم بدا لي أن الناس يتحفون ضيفهم، ويحتبسون لغائبهم فكلوا وأمسكوا ما شئتم”. وقال: “ونهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ولا تقولوا هجرًا فإنه بدا لي أنه يرق القلوب، ونهيتكم عن النبيذ في الظروف فاشربوا ولا تشربوا مسكرًا”…. وقال: دخل النبي ‘ حائط رجل من الأنصار، فرأى رجلًا معه نبيذ في نقير، فقال: أهرقه. فقال الرجل: أو تأذن لي أن أشربه ثم لا أعود؟ فقال النبي ‘: “اشربه ولا تعد”.

[11] ابن قتيبة، تأويل مختلف الحديث، مؤسسة الإشراق للنشر، ط2، 1419هـ – 1999م، ص286.

[12] الحجام: حرفته الحجامة، وكان الناس قديمًا يتداوون بها لإخراج الدماء الفاسدة من ظهورهم.

[13] ابن قتيبة، تأويل مختلف الحديث، مؤسسة الإشراق للنشر، ط2، 1419هـ – 1999م، ص287.

 [14] انظر: القرضاوي، السنة مصدرًا للمعرفة والحضارة، دار الشروق، القاهرة، مصر، ط2، 1998م، ص 27.

[15] ابن حزم الظاهري- الإحكام في أصول الأحكام، 1/114.

[16] ابن حزم الظاهري- الإحكام في أصول الأحكام، 1/120.

[17] صحيح مسلم، كتاب الفضائل، بَابُ وُجُوبِ امْتِثَالِ مَا قَالَهُ شَرْعًا، ح2363.

[18] ابن حزم الظاهري- الإحكام في أصول الأحكام، 5/128-129.

[19] صحيح البخاري، كتاب الأحكام، بَابُ القَضَاءِ عَلَى الغَائِبِ، ح7180.

[20] سنن الترمذي، كتاب السير عن رسول الله H، باب ما جاء في من قتل قتيلا فله سلبه، ح1526.

[21] سنن الترمذي، بَابُ مَا ذُكِرَ فِي إِحْيَاءِ أَرْضِ المَوَاتِ، ح1389.

[22] ابن عبد السلام، عبد العزيز- قواعد الأحكام في مصالح الأنام، دار المعارف بيروت، 2/121.

[23] أبو غدة، عبد الفتاح- مقدمة كتاب القرافي الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام، مكتب المطبوعات، سوريا، 1995م، ص22-23.

[24] القرافي: شهاب الدين، الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام، تح: عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، ط2، 1416 هـ – 1995 م، ص46.

[25] القرافي: شهاب الدين، الفروق أنوار البروق في أنواء الفروق، تح: خليل المنصور، دار الكتب العلمية، بيروت، ط3، 2009م، ج1، ص357.

[26] القرافي- الفروق، ج1، ص 357-358.

[27] انظر: القرضاوي، السنة مصدرًا للمعرفة والحضارة، ص 33.

[28] ولي الله الدهلوي: حجة الله البالغة، 1/224.

 [29] صحيح مسلم: كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعًا، ح: 2362.

[30] صحيح مسلم: كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعًا، ح: 2361.

 [31]القرضاوي: يوسف، السنة مصدرًا للمعرفة والحضارة، ص ص33-36.

[32] ابن عاشور، محمد الطاهر، مقاصد الشريعة الإسلامية، تح: محمد الطاهر الميساوي، دار النفائس، الأردن، ط2، 2001 م، ص 207.

[33] ابن عاشور- مقاصد الشريعة الإسلامية، ص 210.

 [34] بريرة: هي الأمة التي أعتقتها السيدة عائشة .

[35] صحيح البخاري، كتاب الطلاق، باب شفاعة النبي ‘ في زوج بريرة، ح5283.

[36] صحيح البخاري: كتاب المغازي، بَابُ {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلاَ } [آل عمران: 122] ح: 4053.

[37] سنن الترمذي، أبواب الوصايا، بَابُ مَا جَاءَ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، ح2120.

[38] صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب البيع والشراء مع النساء، ح2155.

[39] ابن عاشور: (محمد الطاهر)، مقاصد الشريعة الإسلامية، ص 228-229.

[40] صحيح مسلم، كتاب الحج،  بَابُ اسْتِحْبَابِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا، ح 1297.

[41] صحيح البخاري، كتاب الحج، بَابُ الخُطْبَةِ أَيَّامَ مِنًى، ح 1741.

[42] صحيح البخاري، كتاب العلم، باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها، ح83.

 [43] صحيح البخاري، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، ح2695.

[44] سبق تخريجه.

 [45] ابن عاشور: (محمد الطاهر)، مقاصد الشريعة الإسلامية، ص 228-229.

 [46] صحيح البخاري، كتاب المساقاة، باب سكر الأنهار ح2359.

 [47] صحيح البخاري، كتاب المساقاة، باب سكر الأنهار ح2359.

[48] صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب إذا اشترط شروطًا في البيع لا تحل، ح2168.

[49] صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب البيع والشراء مع النساء، ح2155.

[50] ابن عاشور: محمد الطاهر، مقاصد الشريعة الإسلامية، ص 219.

[51] ابن عاشور: محمد الطاهر، مقاصد الشريعة الإسلامية، ص220.

[52] صحيح البخاري، كتاب الهبة، باب الهبة للولد، ح2586.

[53] صحيح البخاري، كتاب فضائل أصحاب النبي، باب قول النبي ‘: لو كنت متخذًا خليلًا، ح3673.

[54] النسائي: السنن الكبرى، كتاب التطبيق، باب النهي عن القراءة في الركوع، ح634، ج1، ص325.

[55] انظر: ابن عاشور محمد الطاهر، مقاصد الشريعة الإسلامية، ص223.

[56] صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب ما أدى زكاته فليس بكنز، ح1408.

[57] انظر: ابن عاشور- مقاصد الشريعة الإسلامية، ص224.

ابن عاشور: ( محمد الطاهر)، مقاصد الشريعة الإسلامية، ص 225. [58]

[59] صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه، ح6016.

[60] سبق تخريجه

[61] سبق تخريجه.

[62] ابن عاشور: مقاصد الشريعة الإسلامية، ص 219.

[63] سبق تخريجه.

[64] انظر: ابن عاشور- مقاصد الشريعة الإسلامية، ص224.

[65] مالك: الموطأ، باب القضاء في عمارة الموات، ح26، ص743.

[66] القرافي: (شهاب الدين)، الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام، ص111.

[67] القرافي: (شهاب الدين)، الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام، ص 111.

[68] صحيح البخاري، كتاب النفقات، باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف، ح: 5364.

[69]العيني: هو بدر الدين محمود بن أحمد العيني صاحب التصانيف منها شرح صحيح البخاري وشرح شواهد شروح الألفية وغير ذلك، توفي سنة 855ه، (علي بن هبة الله بن جعفر بن ماكولا، الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب، دار الكتب العلمية -بيروت-لبنان، ط. 1، 1411هـ-1990م، ج6/ص371

[70] العيني: بدر الدين، عمدة القاري، باب القضاء على الغائب، دار الفكر، د. ط، د. ت، ج 24، ص 256.

[71] انظر ابن عاشور: النظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح، دار السلام للطباعة والنشر ودار سحنون للنشر والتوزيع تونس، ط1، 2007م، ص 211-212.

[72] ابن عاشور: النظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح، ص 211.

[73] القرافي: الإحكام في تمييز الفتاوى من الأحكام، المسألة الثانية، ص112.

[74] انظر: ابن قيم الجوزية: (شمس الدين)، زاد المعاد في هدي خير العباد، مؤسسة الرسالة، بيروت – مكتبة المنار الإسلامية، الكويت، ط27، 1415هـ /1994م، فصل أسارى بدر، ج3، ص99.

[75] شمس الدّين ابْن قيم الجوزية مُحَمَّد بن أبي بكر بن أَيُّوب بن سعد بن حريز الزرعي الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة شمس الدّين الْحَنْبَلِيّ الْمَعْرُوف بِابْن قيم الجورية (691هـ -751هـ/1292م -1350م)… وَأما الْفِقْه فَأَخذه عَن جمَاعَة وَمِنْهُم الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية.. وَصَارَ من الأئمة الْكِبَار فِي علم التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْأُصُول وَالْفُرُوع والعربية وَلم يخلف الشَّيْخ الْعَلامَة تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية مثله وَمن تصانيفه زَاد الْمعَاد فِي هدى دين الْعباد، تَهْذِيب سنَن أبي دَاوُد وإيضاح علله ومشكلاته، الهجرتين وَطَرِيق السعادتين، أعلام الموقعين عَن رب الْعَالمين وغيرها… (الصفدي:: صلاح الدين خليل، الوافي بالوفيات، تح: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى دار إحياء التراث – بيروت، د. ط، 1420هـ- 2000م، ج2، ص195. )

[76] القرافي: شهاب الدين، الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام، تح: عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، ط2، 1416 هـ – 1995 م، ص108-109.

[77] انظر: البوطي: محمد سعيد رمضان، ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، ص 171.