د. عبد القادر الشايط، أستاذ باحث، تخصص علوم القرآن، جامعة محمد الأول وجدة (المغرب)

ملخص

إن المشهد الاجتماعي الحالي، الذي تعيشه الأمة الإسلامية، يؤكد أن هناك تغيراً وانحرافاً في منظومة القيم الأخلاقية؛ لذلك أصبحت المراهنة على منظومة قيمية من منظور إسلامي، تنهل من التراث التفسيري الزاخر، مسألةً ضروريةً وملحةً في الوقت الراهن، لأن صلاح العباد وأحوالهم، رهين بصلاح أخلاقهم، ورقي المجتمع رهين برقي أخلاق أفراده، فهي تعد طريق نهضة الأمم، ويعد ترسيخها في واقع المجتمعات البشرية، الوسيلة الأمكن والأمثل لتكوين الجيل الصالح، وصياغة الشخصية الإيجابية المؤثرة في المجتمع المسلم.

لهذا وجب أن تتجه الاهتمامات نحو الأخلاق الإسلامية وتنْصبّ الدراسات صوب طرق غرسها في الأفراد والمجتمعات، باعتبارها أساس الوحدة والقوة والتضامن والتكافل.

وقد سعيت من خلال هذا البحث إلى تحقيق مجموعةٍ من الأهداف، لعل أبرزها:

التأصيل لعلم الأخلاق من منظور إسلامي، وبيان أصول الأخلاق الإسلامية وأهم خصائصها، وأقسامها، ودورها في بناء المجتمعات ورقيها.

 رصد الجهود المضيئة لأهل التفسير في توظيفهم للخطاب القرآني في معالجة كثير من الجوانب، وخاصة الجانب الأخلاقي الذي يعد من أهم وأعوص قضايا الأمة في هذا العصر، وبيان اللبنة التي وضعها هؤلاء في صرح الإصلاح القيمي للأمة في زمن التصدع والانحلال.

الكلمات المفتاحية: القيم الأخلاقية، منظومة القيم، تماسك المجتمع، علماء التفسير

. Abstract

It is noticeable that the global, Arab and Islamic community suffers from a significant decline in the level of values, which contributed to various social problems, hence the importance of researching Islamic moral values, because they are the path to stability, security and development, and this can only be done by referring to books on the interpretation of the Qur’an and extracting values Of which.

 the level of values, moral values, the Qur’an: key words

مقدمة

يعد اهتمام الإسلام بالقيم الفاضلة من أهم العوامل التي حفظت الأمة العربية من التدهور والانحلال الخلقي الذي كانت تعاني منه الأمم الأخرى قديماً وحديثاً لأن للقيم أثراً كبيراً في معظم مجالات الحياة، إذ تقوم عليها نهضة وتطور الأمم والشعوب، وبالقيم تتماسك الأنظمة الاجتماعية لدى الأمم، كما أنها تساعد على الاحتفاظ بهويتها وذاتيتها، وبالقيم يرتبط مستقبلها واستقرارها.

وعلى الرغم من كثرة اهتمام علماء المسلمين بمادة علوم القرآن قديماً، إلا أنّ اهتمامهم بوضع الدراسات المتخصصة في إبراز منظومة القيم الإسلامية في المصطلح القرآني قليل جداً، وإنْ كانت جهودهم لا تخلو من إشارات ونظَرات إلى مقاصد القرآن العامة، في حين جعل بعض المفسرين المتأخرين موضوع القيم أساساً وأصلاً من أصول التفسير، التي بحُسن توظيفها يكتسب الفرد الكثير من الصفات والقيم والأخلاق والمبادئ السامية، ويقود إلى بناء مجتمع قوي ومتآلف.

دوافع اختيار موضوع البحث

تقبع وراء اختياري لموضوع هذا البحث دوافع ذاتية، وأخرى موضوعية:

الدوافع الذاتية:

– اقتناعي الشخصي بأهمية القيم الإسلامية، ودورها في بناء الإنسان.

– المنظومة القيمية الإسلامية أصبحت حلاً ناجعاً للأزمات التي تمر بها المجتمعات العربية والغربية اليوم.

الأسباب الموضوعية:

– حاجة الناس في وقتنا الحاضر إلى معرفة القيم الإسلامية، ودورها في إصلاح الفرد واستقرار المجتمع.

أهداف البحث:

– تأصيل منظومة القيم الأخلاقية من منظور إسلامي بعيداً عن التبعية المطلقة للفلسفات الوضعيّة، والدراسات السيكولوجية.

 – ترسيخ القيم الإسلامية الفاضلة في عقيدة المسلمين.

منهج البحث:

إن طبيعة موضوع الدراسة تدعو إلى توظيف المنهج الوصفي، المنهج التحليلي.

خطة البحث

مقدمة: تضمنت بيان أهمية الموضوع وأهدافه، ودوافع اختياره ، ومنهج البحث، وخطته.

المبحث الأول: القيم الأخلاقية والاجتماعية في القرآن الكريم

المبحث الثاني: القيم الأخلاقية في الإسلام وأثرها في إصلاح الفرد والمجتمع

المبحث الأول: القيم الأخلاقية والاجتماعية في القرآن الكريم

المطلب الأول: مفهوم القيم في الإسلام

الفرع الأول: مفهوم القيم لغةً واصطلاحاً

القيم في اللغة: استخدمت مفردة “قيمة” منذ القدم وأريد بها معان متعددة متباينة الاختلاف، وما فتئ الباحثون عن مدلول هذه الكلمة يذكرون لنا الأصول اللغوية التي اشتقت منها ويبينون لنا مداليلها، حيث عرفوها بقولهم:

“قيمة الشيء في اللغة: قدره وقيمة المتاع ثمنه”([1]). والقيمة الثمن الذي يقاوم به المتاع. جاء في المصباح المنير: ” أقمت الشيء وقومته فقام، بمعنى استقام، قال تعالى: ﴿فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ﴾ [الكهف: 77]. واستقام بمعنى قوم في لغة أهل مكة.

يقولون: استقمت المتاع أي: قومته، وحددت للسلعة ثمنها”([2]).

القيم: “جمع قامات، وقيم كعنب وهو قويم، وقوام كشداد: حسن القامة… والقِيمة بالكسر واحدة القيم، وماله قيمة إذا لم يدم على شيء، وقوّمْت السلعة واستقمتْه: ثمنته، واستقام: اعتدل، وقومته: عدلته فهو قويم ومستقيم وما أقومه شاذ، والقوام كحساب: العدل وما يعاش به، وبالضم: داء في قوائم الشاء، وبالكسر: نظام الأمر وعماده وملاكُه”([3]).

و القيم أيضاً: “اسم لما يقُوم به الشيء، أي يثبت كالعماد والسناد: لما يعمد ويسند إليه… والإقامة في المكان: الثبات. وإقامة الشيء: توفية حقه… وتقويم الشيء: تثقيفه، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم﴾ [التين: 4].

وذلك إشارة إلى ما خص به الإنسان دون الحيوان؛ من العقل والفهم، وانتصاب القامة الدالة على استيلائه على كل ما في العالم”([4])، ليجعله خليفةً في الأرض، ويكرِّمه أيما تكريم.

مفهوم القيم في الاصطلاح:

إن مصطلح القيم مصطلح حديث بالنسبة إلى ثقافتنا الإسلامية، ولعله مترجم عن اللغات الأجنبية بمعانيه المختلفة، وإن المعاجم اللغوية العربية الحديثة تقدمه لنا كما ورد في الثقافة الغربية فتارة بفلسفة القيم وتارة أخرى بنظرية القيم.

وإن الدراسات المتعددة قد أرست مفهوم علم القيم ضمن موضوعات علم النفس، وعلم الاجتماع، والاقتصاد، والأخلاق…لأن موضوع القيم من المفاهيم الضرورية والجوهرية لدراسة المجتمع، بحيث تحدد درجة رقي المجتمعات، وقد لقيت اهتماماً كبيراً منذ زمن بعيد على يد العديد من علماء الاجتماع وعلماء النفس والاقتصاد والسياسة، وقد عرفت القيم في الاصطلاح بعدة تعريفات، منها:

القيم: “مستوى أو مقياس أو معيار نحكم بمقتضاه ونقيس به ونحدد على أساسه المرغوب فيه أو المرغوب عنه”([5]).

وكذلك القيم “صفات، أو مثل، أو قواعد… تقام عليها الحياة البشرية فتكون بها حياة إنسانية، وتُعايَرُ بها النظم والأفعال؛ لتُعرف قيمتها الإنسانية من خلال ما تتمثله منها”([6]).

وعرفها بعضهم بأنها: “مجموعة من القواعد التي تقوم عليها الحياة الإنسانية، وتختلف بها عن الحياة الحيوانية”([7]). كما عرفها بعض علماء الفكر الإسلامي، بأنها:

“حكمٌ يصدره الإنسانُ على شيءٍ ما، مهتديًا بمجموعةِ المبادئ والمعايير التي ارتضاها الشَّرع، محددًا المرغوب فيه والمرغوب عنه من السُّلوك”([8]).

ومن العبارات الجامعة للتعاريف أنها: “مجموعة من المعايير والأحكام النابعة من تصورات أساسية عن الكون والحياة والإنسان والإله، كما صورها الإسلام، تتكون لدى الفرد والمجتمع من خلال التفاعل مع المواقف والخبرات الفردية والاجتماعية، بحيث تمكنه من اختيار أهداف وتوجهات لحياته تتلاءم مع قدراته وإمكانياته، وتتجسد من خلال الاتجاهات أو الاهتمامات أو السلوك اللفظي أو العلمي بصورة مباشرة وغير مباشرة”([9]).

وعلى هذا الأساس نجد أن علم القيم في الثقافة الإسلامية، يعني “تلك الفضائل والآداب المستخرجة من أخلاقيات القرآن الكريم، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وتراث الأمة الإسلامية، والتي عبر عنها الدارسون المسلمون بمصطلحات مختلفة ومتنوعة، تارة باسم المبادئ أو الأسس، وتارة باسم المقومات أو الثوابت، وأخرى باسم الإسلام أو العقيدة…”([10]). وإن كان مصطلح الفضيلة والآداب العامة هو المصطلح المشهور الذي استخدمه الدارسون للدلالة على موضوع القيم.

إن التراث الإسلامي ينظر إلى القيم على أنها “عملية تفضيل تقوم على الاستقامة والاعتدال، وتنطلق أساساً من مصادر أحكام الشريعة الإسلامية، ومعاييرها ومبادئها، وهي تحدد المرغوب فيه حلالاً وتأمر به، والمرغوب عنه حراما خبيثاً وتنهى عنه. وتعمل كدوافع أو مثيرات لسلوك الفرد والمجتمع نحو خلق الشخصية السوية المتكاملة وتنميتها، وذلك بما يكفل للإنسان السعادة الأبدية”([11]).

ويتبين من خلال ما سبق تعدد تعريفات القيم إلا أن التعريف الجامع الذي يمكن الأخذ به هو أنها مجموع الصفات السلوكية العقائدية والأخلاقية، التي توجه السلوك، وهي التي تصنع نسيج الشخصية، وتبنى على تصور محدد للكون والخالق، وللإنسان والعقل والعلم والمعرفة. وأنها تأثرت بالمنهج القرآني، وبمبادئه ومثله، وقد ذكرت تحت مسميات مختلفة، مثل: المبادئ، الأخلاق، والفضائل…

المطلب الثاني: مصادر القيم وأنواعها

تنحصر مصادر القيم في مصدرين اثنين: مصدر علوي وردت قيمه على الإنسان عن طريق الشرائع السماوية ومنها الإسلام، ومصدر بشري يبدع قيمه رواد من المفكرين والفاعلين في حقول السياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية، وتزكيها الشعوب تارة وترفضها تارة أخرى. وتلتقي قيم المصدرين في أغلب القيم المعروفة، ولكن المصدرين يختلفان في المعيارية والمصداقية، فمعيارية القيم في الشرائع السماوية، وخاصة منها القيم المتعلقة بطبيعة الإنسان الأصلية والثابتة مبنية على ما وضعه الله في الإنسان من مؤهلات بدنية ونفسية وفطرية، وحيث يستحيل في حق المصدر الإلهي الخطأ أو العبث، فإن مصداقيته قطعية الثبوت. أما المعيار البشري للقيم فهو نسبي بطبيعته قابل للصواب والخطأ، قد يتخلله أحياناً الهوى أو التقدير الخاطئ أو النظرة الضيقة أو المصالح الخاصة كما قد تعتريه النفعية والنزاعات الأنانية والغرائز الذاتية الفردية أو الجماعية، لذلك يتسم المعيار البشري بالتغير والتقلب مما يجعل مصداقيته نسبية فقط”([12]).

وقد صنف محمد تقي المدرسي الفضائل والقيم الإسلامية إلى خمسة أصناف، انطلاقاً من تصنيفاته العملية للأخلاق في كتابه المجتمع الإسلامي منطلقاته وأهدافه:

– الأخلاق الفردية: وتشمل القيم التالية: الاستقامة، العفة، كظم الغيظ، الصدق، الأمانة، التواضع، البخل، الإسراف.

– الأخلاق الأسرية: وتتمثل في تلك القيم التي تربط الآباء بالأبناء، والأزواج والأقارب والأرحام. وهي: طاعة الوالدين، الإحسان إليهما، شكرهما، مصاحبتهما بالمعروف، المودة، الإنفاق.

– الأخلاق الاجتماعية: وتشمل القيم التالية: تحريم الغش والظلم، وجوب الوفاء بالعهد، العفو والإحسان والكرم، تحريم الاعتداء على الأنفس.

– الأخلاق الدينية: وتشمل الفضائل التالية: طاعة الله وشكره، التوكل على الله، الخوف من سطوة الله، الأمل في رحمة الله، التوبة من الذنب.

-أخلاق الدولة: وتشمل القيم والفضائل التي تربط الحاكم بالمحكوم، مثل: العدالة، الحرية، المساواة، إقرار النظام، صون الأموال، التشاور، الدفاع، مساعدة المستضعفين، وحدة الكلمة، الرقابة والوفاء بالعهد ([13]).

وإن الهدف من القيم الفاضلة يتمثل في: “إعداد الإنسان إلى ممارسة المصالح وتوزيع الأعمال، على نمط يكفل التساوي بين الأفراد في الحقوق والواجبات، كما يطلق مفهوم الأخلاق على أعمال الإنسان وسلوكه الإرادي الذي يتحلى في تلك القيم والفضائل الأخلاقية ومضاداتها من الرذائل، مثل الصدق والكذب، والمحبة والكراهية، البخل والكرم، الإخاء والحقد، الإيثار والأنانية، الرأفة والتعنت، البر والتسلط، الأمانة والخيانة… فكل هاته الصفات والأعمال دليل على السلوك الأخلاقي للإنسان”([14]). ذلك أن الفطرة البشرية إذا جبلت على شيء وتطبعت عليه أصاب منها ما شاء سواء كان خلقاً حسناً أو سيئاً.

والملاحظ أن المجتمع العالمي والعربي والإسلامي يعاني من تخلخل البناء المعياري القيمي، واضطراب في بنيته التربوية، من هنا تأتي أهمية البحث في القيم الأخلاقية الإسلامية، لأنه بحث عن الذات العربية الإسلامية في غير انغلاق، لبنائها بناء ذاتياً متميزاً كي تكون قادرة على العطاء والإبداع، في عصر غدت فيه كل المجتمعات تعمل على تأكيد شخصيتها.

وهو ما نسعى إليه من خلال الوقوف على منظومة القيم في القرآن الكريم واستنباط أنواعها وخصائصها، وإبراز دور القيم الإسلامية في إعطاء صورة للمجتمع المسلم، وتكوين شخصية الفرد المسلم وملامحها المتميزة، وبيان فعاليتها في صياغة الحياة وأهدافها في ظل التقدم العلمي والتقني المعاصر.

وإزاء هذا فإنه “لابد أن ندرك أهمية وجود منظومة من القيم المتميزة بالتعدد والمرونة، والخاضعة للتغير المضبوط، في ظل التقدم العلمي والتقني المذهل، الذي غدى يمس كل مكون من مكونات حياة الإنسان، وبالرغم من مساهماته فإنه لم يستطع أن يحل مشكلات حياة الإنسان المعاصرة، لأننا نرى اضطرابات اجتماعية واقتصادية وسياسية، هذا إلى جانب تفاقم مشكلات العمل، والصراع بين الفقراء والأغنياء، وحِدّة المناوشات العالمية بين القوى المختلفة، وكذلك المنازعات المحلية، إلى جانب مشكلات أخرى كثيرة”([15]). فالقيم هي الأساس لبناء مجتمع متميز، لأن فقدان التربية على القيم التي تبنى عليها شخصية الإنسان، تُفقد المجتمع جوهره وروحه، وتجعله يعاني من قصور في تأكيد ذاته وهويته الثقافية.

وبالتالي نجد أن المنهج القرآني يربي المؤمن على القيم الأخلاقية والاجتماعية، “من خلال الممارسة العملية للعبادات بصفة عامة ومنها عبادة الإنفاق والصدقة، التي يتجلى لها هذا الأثر الازدواجي، الذي يستهدف به الباري تطهير النفس أخلاقياً، من خلال تنقيتها من شوائب الحرص الشديد على جمع المال، وإبعاد رذائل البخل، والشح، والطمع، كما يعزز المنهج القرآني من خلال الزكاة قيم التكافل، ومؤازرة الفقراء ومواساتهم، وسد حاجة المعوزين والبؤساء، والمحرومين اجتماعيا، ومن تم العمل على تقوية المجتمع وتثبيته واستقراره، لتسود به قيم: التضحية والإخلاص والعفة والإيثار… وهذه القيم كفيلة بإزاحة كل الرذائل التي تعشعش داخل المجتمع الذي تتفاوت فيه الطبقية بين أفراده”([16]).

فتكون هذه الروابط الاجتماعية القوية، سبباً في تشارك أفراد المجتمع المسلم بعضهم بعضا في أفراحهم وأحزانهم، واستشعار كل واحد منهم أن لكل فرد في هذا المجتمع حقاً عليه، مما يقوي أواصر المجتمع ويصونه من التشتت، وينمي فيه القيم التربوية الأخلاقية التضامنية، ويحقق الاطمئنان والسكينة.

المطلب الثالث: تداخل القيم الأخلاقية والاجتماعية بالمنهج القرآني

إن موضوع التربية على القيم الأخلاقية والاجتماعية في ضوء القرآن الكريم يشكل مدخلاً مهماً يمكن من خلاله رصد واقع المسلمين، وتوجهاتهم الحضارية لتحديد الأولويات، وضبط السلـوكات، واختيار التصورات؛ لأن معاني القيمة في القرآن تشكل مرجعية شرعية أساسية ومعيارية، بفضلها يصبح المسلم كياناً متميزاً في مجالات الحياة المتعددة، ولن تتحقق للأمة الإسلامية عزتها وكرامتها، وأمنها واستقرارها إلا بتطبيق شرع الله على عباده، والحكمِ بينهم بما أنزل الله، ونبذ ما خالف ذلك من قوانين وضعية، ونُظُم بشرية، مخالفة لشرع الله القـويم، وغرس القيم الفاضلة التي تؤسس السعادة في الدنيا والآخرة.

وانطلاقاً من تحديد مفهوم القيمة في المجتمع الإسلامي، نجد أن القيم الأخلاقية لا انفصام بينها وبين القيم الاجتماعية بالمنهج القرآني، وبالتالي فإن العقيدة والأخلاق صنوان لا ينفصلان في هذا المنهج، ضمن المعيار المحدد للسلوك الإنساني في الإطار الاجتماعي المنطلق من القرآن الكريم، والسنة النبوية، اللذان يحددان مجموعة من القيم الاجتماعية.

كما نجد أن “القيم المستنبطة من القرآن حولت الأخلاق من كونها علما فلسفياً مرتبطاً الانفعالات النفسية للإنسان إلى قيم اجتماعية مرتبطة بمروءة الإنسان بعد أن أسقطت عليها حكم الخيرية أو الشرية، معتمدة الخيرية ونافية الشرية ليكون التعبير عنها بمكارم الأخلاق. وقد استمدت القيم القرآنية تلك المكارم الراقية السامية من الديانات السابقة”([17])؛ “لأن تاريخ الحضارة البشرية حافل بالشرائع الأخلاقية والمعايير الاجتماعية المتباينة، إلا أن الدراسات الحديثة قد كشفت عن وجود تقارب كبير بين هذه الشرائع.”([18]) ثم جاء الإسلام متمماً لها، وسائراً على نهجها، وهذب بعضها، وذلك بعد أن تشرذمت وتفرقت وأهملت بين الأمم والحضارات”.([19]) ويؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ »([20]) وهذا يدل على أن الأخلاق كانت معهودة بين قبائل قريش فجاء النبي صلى الله عليه وسلم لتزيينها وتجميلها، وتبيين فضائلها دنيويا وأخرويا .

الشيء الذي يؤكد أن”التشريع الإسلامي جاء كاملاً شاملاً لكل جوانب الحياة الدنيا والآخرة، وجاء أيضاً مكملاً ومتمما لما خلت منه الرسالات السابقة، كطغيان المادية في اليهودية، وطغيان الروحية في المسيحية، وتعادل الجانبين في توازن واعتدال في الإسلام”([21])، حيث أعطى كلاً منهما ما يستحقه من الرعاية والعناية، فهو يدعو الإنسان إلى العمل والكسب في الدنيا، كما يدعوه في الوقت نفسه إلى العمل لطلب الآخرة، قال تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: 77].

وقد اقتضت شريعة الله نظاماً اجتماعياً متكاملاً يشمل كل الجوانب الإنسانية: الروحية، والمادية، والوجدانية النفسية، والعقلية، والأخلاقية لتسير الحياة على أكمل وجه، ويتحمل فيها الإنسان مسؤولية أمانة الاستخلاف التي أنيطت به، ويحقق الفعل الحضاري، ويبرز الشهود الحضاري لهذه الأمة على سائر الأمم، قال تعالى: ﴿وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ﴾ [هود: 60]، فمن المعاني التي فسر بها لفظ “استعمركم” “خلقكم لعمارتها”([22])، “وجعلكم عمارها”([23])،”واتخذكم عمارا”([24])، “وألهمكم عمارتها من الحرث والغرس وحفر الأنهار وغيرها”([25])، “وأقدركم على عمارتها لاستثمار ما فيها، وهيأكم للاستفادة بما عليها وفيها وحولها من منافع وخيرات”([26]).

وإن رسالة العمارة لا تنهض إلا بالتعاون بين الناس جميعاً، لذلك جعل الله النفس الإنسانية تميل إلى الاجتماع، و”الإنسان بحكم هذه النزعة لا يستطيع أن يعيش بمفرده ولا يستطيع الحياة منفصلاً عن المجتمع البشري الذي يعيش في محيطه، ولا عن الحياة والأحداث الجارية حوله؛ بل تجده يسعى على الدوام إلى الاندماج في حياة مجتمعه، وإلى بناء علاقات مختلفة مع أفراده وجماعاته، وإلى التفاعل مع حياة وثقافة مجتمعه، وإلى التعاون مع أفراده في تحصيل معاشه”([27]). فالإنسان لا يمكنه أن يفي بكل حاجاته مفرداً، فلا بد من اجتماع القُدَرِ الكثيرة من أبناء جِنْسِه ليحصل القوتُ له ولهم فيحصل بالتعاون ([28]).

وإن خاصية النزعة إلى الاجتماع أو إلى العمران التي أشار إليها المؤرخ الاجتماعي ابن خلدون تعتبر من أهم الخصائص التي اختص الله بها الإنسان دون غيره من المخلوقات؛ “لأنه خلق خلقة لا قوام لهم إلا بأنس بعضهم ببعض، ولهذا قيل الإنسان مدني بالطبع، من حيث لا قوام لبعضهم إلا ببعض، ولا يمكنه أن يقوم بجميع أسبابه، وقيل سمي بذلك؛ لأنه لا يأنس بكل ما يألفه”([29]). ويبدو أن هذه الخاصية الاجتماعية هي السمة الغالبة في تفسير ابن عاشور حيث نجده يؤصل لعلم الاجتماع البشري في مباحث تفسيرية كثيرة، إلى جانب ثلة من علماء الغرب الإسلامي.

وإن نظام التكافل الاجتماعي في الإسلام كما بينه الطاهر بن عاشور، يقوم على “بناء المجتمع الفاضل الذي تسوده المحبة والإخاء، وتتعاون فيه كل القوى بحيث لا يطغى فريق على فريق، ويكون صالحا نظيفا، فلا تظهر فيه إلا الفضائل وتستتر الجرائم بل تنمحي أصلا، وتبذل فيه النصيحة عامة لله ولكتابه ولرسوله وأئمة المسلمين وعامتهم، ويتم الائتلاف بين الحقوق والواجبات وبين مصالح الناس بعضهم مع بعض، فلا تتضارب الحقوق ولا تتجاوز الحدود، ولا يعتدي أحد على أحد في نفس أو عرض أو مال، فتمتزج النفوس والعقليات، وتقوى الوحدة، وتتآلف الأرواح وتتجاذب الأشباح، ويشد بعضهم أزر بعض، ويقضي حاجة أخيه خصوصا الضعيف والبائس والمسكين”([30])، فإن المسلمين في كل زمان ومكان قد أجمعوا على التعاون والتكافل، واتفقوا على حماية الضعيف، ونصرة المظلوم، وإغاثة الملهوف، والتعاون الكامل في جميع شؤون الحياة وفي حالتي الرخاء والشدة.

إن المجتمع البشري أو الأمة “عبارة عن مجموعة من الناس كل ملتئم من أجزاء هي الأفراد، فلا جرم إن كان إصلاح المجتمع متوقفا بادئ الأمر على إصلاح الأفراد، فإذا صلحت حصل من مجموعتها الصالحة مجتمع يسوده الصلاح، وتلك هي أسباب صلاح نواحي الهيئة الاجتماعية في أحوال علاقات أفرادها ببعض”([31])، فيزداد قوة وتماسكا، وتنغرس صفات المحبة، والمساواة، والاتحاد والألفة، لتكون أمة واحدة تجمعها وحدة الاعتقاد والتفكير والعمل الصالح.

لذلك اتجه كتاب الله بجملة من الأوامر والنواهي ذات الصبغة الأخلاقية إلى مختلف الأفراد، سعياً منه في إصلاح أخلاق الأفراد، والارتقاء بالروح الإنسانية وتنقيتها مما يشوبها ويعكر صفوها، والسمو بها عن صغائر الأمور، وتحمل أمانة عمارة الأرض على نحو ما يقرره المنهج الإلهي، فخاطبهم بها فرداً فرداً، “وهذه الأوامر والنواهي تتعلق بالكليات الضرورية التي تتوقف حياة المجتمع الإسلامي عليها كل التوقف، وبدونها يتعذر العمران، ويفشو الانحلال، ويضيع الأمن ويفسد النظام”([32])، فالله عليم خبير بأحوال العباد، يعلم ما يُحقِّق لهم السعادة وما يجلب لهم الشقاء، لذلك جاءت الشريعة الإسلامية، بأحكام أخلاقية زجرية على شكل أوامر ونواه، كما يؤكد ذلك الإمام ابن حزم (ت456ﻫ): “الأخلاق الإسلامية تقوم على مجموعة من الأوامر والنواهي التي تتضمنها الشريعة الإسلامية”([33]).

فقد جاء القرآن الكريم بما يتوافق ويتلاءم مع فطرة الإنسان التي فطَره الله عليها، يوازن بين متطلَّبات الروح والجسد، ويبين الخير وكل خلق مفض إليه ويوضح الشر وينهى عن كل خلق موصل إليه، فجاء بذلك يراعي مصلحة الفرد في تناسق وشمول بديع مع مصلحة المجتمع، يقول ابن حزم معبراً عن ذلك: “فكما أنه مصدر للأحكام الشرعية فهو مصدر لمكارم الأخلاق، حيث يبين الخير والشر، ويُبين الفضيلة والرذيلة والسبل التي تفضي إلى كل منهما، كما يبين العواقب المترتبة على ذلك.”([34]) قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ [الجمعة: 2].

ولعل أبرز ما تثمره حركة الترقي الروحي والخلقي التي يمارسها الإنسان وفق قيم الوحي “الارتقاء بالحياة الاجتماعية إلى أعلى مستويات التوافق والانسجام، والقوة والتماسك، والاندماج، والعطاء المثمر، من هنا اكتست عملية الترقي الروحي والخلقي أهمية قصوى في توجيه الفعل الحضاري وإثرائه، وبسبب ذلك أولاه الوحي عناية خاصة، وعده هدفاً أساسياً وأصيلاً من أهداف الفعل الحضاري، وبعدا قويا من أبعاده”([35]).

ونظراً لأهمية منظومة القيم العليا التي لها فعل في أنماط السلوك الاجتماعي العامة، وفي قيام الحضارة الإنسانية فقد تنبه إليه الكثير من المفسرين القدامى كابن عطية، والقرطبي، وأبي بكر ابن العربي، الذين ذكروا العديد من “القيم الأخلاقية التي تتناول السلوك الاجتماعي مثل الصدق، الحلم، الأمانة، العفة، التسامح، العفو، التواضع، الوفاء”([36]) في تفاسيرهم، لكن سرعان ما تطور الأمر عند المحدثين كالشيخ الطاهر بن عاشور، والمكي الناصري، وابن باديس، الذين أخذوا يفسرون الآية القرآنية ويستنبطون منها إشارات اجتماعية قوية، فأخذت تفاسيرهم طابعاً أخلاقياً واجتماعياً، مَكّن الدارسين للعلوم الاجتماعية الرجوع إليها والاستفادة منها، باعتبارها تراثاً للأمة الإسلامية، يكشف اللثام عما في القرآن من أسرار وكنوز صالحة للإنسانية كلها.

المبحث الثاني: القيم الأخلاقية في الإسلام وأثرها في إصلاح الفرد والمجتمع

المطلب الأول: مفهوم القيم الأخلاقية وأنواعها في الإسلام

الفرع الأول: مفهوم الأخلاق لغة واصطلاحا

أولا: معنى الأخلاق في اللغة

قال الراغب الأصفهاني: الخَلقُ، والخُلْقُ والخُلُقُ في الأصل واحد لكن خُصَّ الخَلقُ بالهيئات والأشكال والصور المُدركة بالبَصر، وخُص الخُلُقُ بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة.” قال تعالى: ﴿إِنْ هَٰذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ [الشعراء: 137]، والخَلَاقُ ما اكتسبه الإنسان من الفضيلة بخُلُقِه قال تعالى: ﴿وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاق﴾ [البقرة: 200] وفلان خليق بكذا: أي كأنه مخلوق فيه ذلك، كقولك مجبول على كذا، أو مدعو إليه من جهة الخَلْقِ.”([37])

وقد فسر أبو حيان “الخلاق” في قوله تعالى: ﴿وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ [البقرة: 102]، بقوله: “الخلاق في اللغة النَّصِيبُ: قاله الزجاج، قال: لكنه أكثر ما يستعمل في الخير، قال:

يَدْعُونَ بِالْوَيْلِ فِيهَا لَا خَلَاقَ لَهُمْ

***إِلَّا سَّرَابِيلُ مِنْ قطْرٍ وَأَغْلَالِ

وَالْخَلَاقُ: الْقَدْرُ، وقيل الخَلاق: الدين، وقيل: القَوَامُ، وقيل: الخلاص، وقيل القَدْرُ”([38])

وقال القرطبي حقيقة الخلق في اللغة: هو ما يأخذ به الإنسان نفسه من الأدب، يسمى خلقا، لأنه يصير كالخلقة فيه. وأما ما طبع عليه من الأدب فهو الخِيم (بالكسر): السجية والطبيعة، لا واحد له من لفظه. وخيم: اسم جبل. فيكون الخلق الطبع المتكلف. والخيم الطبع الغريزي. وقد أوضح الأعشى ذلك في شعره فقال:

وَإِذَا ذُو الْفُضُولِ ضَنَّ عَلَى الْمَــــــــوْ

***لَى وَعَادَتْ لِخِيمِهَا الْأَخْلَاقُ

أي رجعت الأخلاق إلى طبائعها. ([39])

فالأخلاق جمع خُلُق، والخُلُق- بضمِّ اللام وسكونها – هو الدِّين والطبع والسجية والمروءة.

ثانياً: معنى الأخلاق في الاصطلاح

عرف العلماء الأخلاق بتعريفات كثيرة لكن أغلبها تتفق في كونها؛ عبارة عن مجموعة المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الإنساني؛ لكنهم اختلفوا في مسألة التأصيل لها، فمنهم من أرجعها إلى دوافع طبيعية غريزية بحتة، ومنهم من أخضعها لقوانين ومبادئ وشرائع مجتمعية، ومنهم من أرجعها إلى الدين، لتنظيم حياة الإنسان، وتحديد علاقته بغيره على نحو يحقق الغاية من وجوده في هذا العالم على أكمل وجه ومن تلك التعريفات:

ما ذكره الجاحظ (ت255ھ) بأنها: حال النفس، بها يفعل الإنسان أفعاله بلا روية ولا اختيار. والخُلُق قد يكون في بعض الناس غريزة وطبعاً، وفي بعضهم لا يكون إلاَّ بالرياضة والاجتهاد، كالسخاء قد يوجد في كثير من الناس من غير رياضة ولا تعمّل، وكالشجاعة والحلم والعفة والعدل وغيرها من الأخلاق المحمودة”([40]).

أما الإمام ابن قيم الجوزية فقد أفرد فصلا كاملا للأخلاق في كتابه الفوائد، ولم يضع لها تعريفا محددا، وإنما عرفَّها بالمثال، وقسمها إلى قسمين الأخلاق المذمومة، والأخلاق الفاضلة.

وأرجع كلا القسمين إلى أصوله فقال: أصل الْأَخْلَاق المذمومة كلهَا الْكِبر والمهانة والدناءة، وأصل الْأَخْلَاق المحمودة كلهَا الْخُشُوع وعلو الهمة… وَأما الْأَخْلَاق الفاضلة كالصبر والشجاعة وَالْعدْل والمروءة والعفة والصيانة والجود والحلم وَالْعَفو والصفح والإيثار وَعزة النَّفس عَن الدناءات والتواضع والقناعة والصدق والأخلاق والمكافأة على الْإِحْسَان بِمثلِهِ أَو أفضل والتغافل عَن زلات النَّاس وَترك الانشغال بِمَا لَا يعنيه وسلامة الْقلب من تِلْكَ الْأَخْلَاق المذمومة وَنَحْو ذَلِك، فَكلهَا ناشئة عَن الْخُشُوع وعلو الهمة.”([41]) ثم أشار إلى أن للأخلاق حداً مَتى جاوزته صَارَت عُدْوانًا وَمَتى قصّرت عَنهُ كَانَ نقصا ومهانة… فعلى سبيل المثال للشجاعة حد إذا جاوزته صارت تهوراً، ومتى نقصت عنه صارت جُبناً وخوراً.”([42])

وقال الشيخ الطاهر بن عاشور في تفسير: “خُلُقٌ بِضَمَّتَيْنِ، فهو السجية المتمكنة في النفس باعثة على عمل يناسبها من خير أو شر وقد فسر بالقوى النفسية، وهو تفسير قاصر فيشمل طبائع الخير وطبائع الشر، ولذلك لا يعرف أحد النوعين من اللفظ إلا بقيد يضم إليه فيقال: خُلُقٌ حَسَنٌ، وَيُقَالُ فِي ضِدِّهِ: سُوءُ خُلُقٍ، أَو خُلُقٌ ذَمِيمٌ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [الْقَلَم: 4]. وَفِي الْحَدِيثِ: «وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ». فإذا أطلق عن التقييد انصرف إلى الخلق الحسن…. وَالْخُلُقُ فِي اصْطِلَاحِ الحكماء: مَلَكَةٌ (أي كيفية راسخة في النفس أي متمكنة من الفكر) تصدر بها عن النفس أفعال صاحبها بدون تأمل”([43]).

وقال أيضا: تزكية النفس الإنسانية وارتياض العقل على إدراك الفضائل وتمييزها على الرذائل الملتبسة بها”([44]).

فالأخلاق إذن هي القوى والسجايا النفسية الراسخة، التي تصدر عنها أنماط السلوك الإنساني الخارجي، من خلال إرادة حرة، وهي تمثل الصورة الباطنية للإنسان، أما الخَلْقُ يمثل الصورة الظاهرة للإنسان، وكلاهما يكون حسناً أو قبيحاً. والأصل في الخُلق أن يكون اختيارياً يكسب بالتخليق والجهد والمثابرة على التزام جانب التسامي، ولذلك يمدح به الإنسان أو يذم ويثاب عليه أو يعاقب، بخلاف الخَلْقُ فهو فطرة مقسومة محدودة، لا مدخل لأحد فيها ولا اختيار، ولا يتعلق بها لذاتها مدح أو ذم، ولا يترتب عليها ثواب أو عقاب”([45]).

المطلب الثاني: أهمية الأخلاق في المنهج القرآني

الفرع الأول: أهمية الأخلاق في حياة المجتمع

أدرك أدرك علماء الإسلام على مرّ العصور أهمية الأخلاق ودورها في بناء الأمم والحضارات فأفردوا لها المؤلفات والرسائل، بل لم يخل مؤلف من مؤلفاتهم من إشارة إلى الأخلاق وتذكير بأهميتها، وندب على الالتزام بها، فهي “الدعامة الأولى لبناء المجتمع المتماسك الركين، وصلاح أي مجتمع أو فساده مرتبط بصلاح الأخلاق أو فسادها”([46]). كما تشكل الأخلاق ” ضابطاً اجتماعياً له تأثيره القوي على سلوك الأفراد وتماسك المجتمعات واستقرارها”([47]).

ولا يستطيع أي مجتمع من المجتمعات أن يعيش أفراده متفاهمين متعاونين سعداء، ما لم تربط بينهم روابط متينة من الأخلاق الكريمة، فمكارم الأخلاق ضرورة اجتماعية، ومتى فقدت الأخلاق التي هي الوسيط الذي لابد منه لانسجام الإنسان مع أخيه الإنسان، تفكك أفراد المجتمع وتصارعوا وتناهبوا، ثم أدى بهم ذلك إلى الانهيار والدمار”([48])، ولا شك أن كثرة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في موضوع الأخلاق يدل على أهميتها، فهي تتبوأ المنزلة السامية والدرجة الرفيعة من التشريع الإسلامي، ولقد شهد التاريخ على أن صلاح أي مجتمع أو فساده مرتبط بصلاح الأخلاق وفسادها.

وقد شهد القرآن الكريم على أن فقدان الأخلاق الاجتماعية، وضياع القيم الفاضلة، وشيوع الرذيلة، كان سبباً في هلاك الأقوام السابقة ومن هنا تظهر أهمية العنصر الأخلاقي في تأثيره على السلوك المجتمعي، فصلاح المجتمع بصلاح الفرد، وفساده بفساده، وإلى ذلك يشير قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ [هود: 117]، وهذه الآية تقرر سنة إلهية كونية، فإذا قدر الله لقرية أنها هالكة؛ لأنها أخذت بأسباب الهلاك فكثر فيها المترفون، فعم فيهم الفسق والضلالة، فلم تدافعهم ولم تأخذ على أيديهم، وهي المسؤولة عما يحل بها، فحقت عليها سنة الله، وأصابها الدمار والهلاك.  

من هنا دعا الطاهر بن عاشور رحمه الله: “عقلاء الأقوام وأصحاب الأحلام منهم إذا رأوا دبيب الفساد في عامتهم أن يبادروا للسعي إلى بيان ما حل بالناس من الضلال في نفوسهم، وأن يكشفوا لهم ماهيته وشبهته وعواقبه، وأن يمنعوهم منه بما أوتوه من الموعظة والسلطان، ويزجروا المفسدين عن ذلك الفساد حتى يرتدعوا، فإن هم تركوا ذلك وتوانوا فيه لم يلبث الفساد أن يسري في النفوس وينتقل بالعدوى من واحد إلى غيره حتى يعم أو يكاد فيعسر اقتلاعه من النفوس، وذلك الاختلال يفسد على الصالحين صلاحهم، وينكد عيشهم على الرغم من صلاحهم واستقامتهم، فظهر أن الفتنة إذا حلت بقوم لا تصيب الظالم خاصة بل تعمه والصالح، فمن أجل ذلك وجب اتقاؤها على الكل، لأن أضرار حلولها تصيب جميعهم”([49]).

ولما كانت “الأخلاق الحسنة هي المطلوبة شرعاً، وهي المرغوب فيها في السلوك الإنساني، نظراً  لميل الإنسان بالطبيعة إلى القيمة الإيجابية”([50])، فقد تعود الناس على هذا السلوك، وطلبوه تدريباً وتربية، حتى “اعتادت إرادتهم على قيم الأخلاق الفاضلة، وهو ما يستدعي تجسيد الأخلاق في هذه القيم الأخلاقية الرفيعة، التي هي عبارة عن المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الإنساني التي يحددها الوحي لتنظيم حياة الإنسان وتحديد علاقته بغيره، على نحو يحقق الغاية من وجوده في هذا العالم على أكمل وجه”([51]).

لقد جاءت الشريعة الإسلامية لتنظيم شؤون العباد وتحقيق مصالحهم وفق قواعد وضوابط أخلاقية حددها الإسلام، “وإن أعظم ما بنى عليه الإسلام دعوته إلى مكارم الأخلاق وتهذيبها، والعناية بتربية النفس وإكمالها وتدريبها على متابعة الهدى والإرشاد الذي يشهد العقل السليم بحقيقته وصلاحه ونفعه“([52])، “وعلى هذا نجد أن العنصر الأخلاقي في المنهج القرآني ركيزة شاملة لكل السلوك البشري، فإذا عدنا إلى أوامر القرآن الكريم ونواهيه نجد أن الإيمان والعقيدة لا يتحققان إلا من خلال العمل بهما، باعتبارها أوامر صادرة من الله سبحانه، والأوامر الصادرة من الله سبحانه توجب الأسس الأخلاقية طاعتها، لا لكونها ظاهرة لأساس أخلاقي، ولكن باعتبار كونها طاعة لمن تجب طاعته“([53]). لذلك فقد كان الإصلاح الأخلاقي أساسا من أسس بناء حضارة تقود إلى التمدن والرقي.

فالأخلاق تمثل ذلك السلوك العملي الذي تتحقق به إنسانية الإنسان، وتتم به سعادة الناس في إطار التعاون والتآزر، وينعم فيه المجتمع بقيم التضامن والتكافل، مما يحفز الناس إلى الالتزام بها، وإذا فقدت الأخلاق لم تجر مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد، ويلحق الناس الضيق والحرج، فالأخلاق هي الأساس لبناء المجتمعات الإنسانية إسلامية كانت أو غير إسلامية، ويقرر ذلك قوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) [العصر:1-3]، “فالعمل الصالح المدعم بالتواصي بالحق، والتواصي بالصبر في مواجهة المغريات والتحديات من شأنه أن يبني مجتمعاً محصناً لا تنال منه عوامل التردي والانحطاط، وليس ابتلاء الأمم والحضارات كامناً في ضعف إمكاناتها المادية أو منجزاتها العلمية، إنما في قيمتها الخلقية التي تسودها وتتحلى بها”([54]).

إن أهمية علم الأخلاق في الإسلام جعلت بعض المنشغلين بالعلوم الإسلامية ولا سيما علوم القرآن يركزون عليه، ويلفتون الانتباه إليه، وقد توجهت عناية أعلام التفسير إلى استقصاء الآيات ذات الحمولة الأخلاقية وجمعها وتصنيفها، لإصلاح أوضاع الأمة تربوياً واجتماعياً وسياسياً وحضارياً. 

فبالإضافة إلى ما ورد في تفاسيرهم من إشارات أخلاقية، نجد بعضهم أفرد كتباً  خاصة للحديث عن الأخلاق كابن حيان الأندلسي صاحب كتاب”أخلاق الرسول ‘” وعنه يُخبرنا ابن خير الإشبيلي (ت575ﻫ): “كتاب أَخْلَاق رَسُول الله لِابْنِ حَيَّان اخْتِصَار الشَّيْخ الإِمَام أبي بكر مُحَمَّد بن الْوَلِيد الفِهري الطرطوشي، حَدثنِي بِهِ القَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ  قَالَ أَخْبرنِي بِهِ شَيخنَا الإِمَام أَبُو بكر الطرطوشي بِهِ وبالأصل عَن أبي بكر الْمُفِيد الْحَافِظ الْمَعْرُوف بِابْن الخاصبة وَلم يزدْ ابْن الْعَرَبِيّ على هَذَا فِي سَنَد الأَصْل.”([55])، وقد بذل فيه غاية جهده في خدمة سنة رسول الله، والمساهمة في حفظها، وكذلك معرفة ما كان عليه النبي من الخلق الكريم وما كان متحلياً  به من الشمائل، وبيان ذلك للناس للاهتداء بهديه والتخلق بأخلاقه والاقتباس بنوره، واستنباط الأحكام والمعاني الشرعية من سيرته، لإصلاح النفوس وتهذيبها وإصلاح تدين العباد، وإحداث انقلاب سريع في نفوس المؤمنين والمؤمنات.

إن “المجتمع الإسلامي له أخلاقه التي تضبط وتحدد السلوك، بمعنى أن له بناءه المعياري، الذي نبع في الأساس من المصدرين الأساسيين: القرآن والسنة المطهرة، فالقرآن بما أوتي من مكارم الأخلاق وتجسدت في شخص الرسول الكريم وترجمت في أقواله وأفعاله هو المصدر الأساسي المعتمد للقيم في المجتمع الإسلامي”([56])، والأخلاق بذلك هي صورة المجتمع، ومقياس نهضته في سلم الرقي، لأنها تعد الضابط والمعيار الموجه الأساسي للسلوك الفردي والجماعي، بها تتحقق أفضل حياة للفرد والمجتمع، ويعد ترسيخها في واقع المجتمعات البشرية، الوسيلة الأمثل لتكوين الجيل الصالح، وصياغة الشخصية الإيجابية المؤثرة في المجتمع المسلم.

لقد اهتم الإسلام اهتمامًا كبيرًا بموضوع الأخلاق لأنها أمر لا بد منه لدوام الحياة الاجتماعية، بل جعلها جوهر الرسالات السماوية، فالأخلاق الفاضلة ضرورة ملحة لإقامة الحياة السعيدة في كل مجتمع، وعلى الأمة الإسلامية أن تقوم على الأسس الأخلاقية التي حددها القرآن وبينها النبي صلى الله عليه وسلم واستنبطها أهل التفسير، وإن إهمال الجانب الأخلاقي يؤذن بهلاك الأمة وتشتت أفرادها، وعلى الأمة الإسلامية أن تتدارك نفسها حتى لا تقع فيما وقع فيه غيرها، فيحق عليها العذاب.

الفرع الثاني: الأخلاق الاجتماعية في المنهج القرآني

إن اهتمام المنهج القرآني بالجانب الأخلاقي يؤكد أن الأخلاق ركيزة أساسية في الإسلام، فهي “روح الرسالة الإسلامية، وأن النظام الإسلامي التشريعي يعد صورة مجسمة لهذه الروح”([57])، وهذا كله يبرز أن “المنظومة الأخلاقية الإسلامية هي أكثر سعة وشمولاً وانغرازاً وتوغلاً في كيان الإنسان، وهي أكثر ثراءً واستيعاباً من أي منظومة أخلاقية وضعية وأن الالتزام بها يعني التخلق والتدين والعبادة في آن واحد، وكل ذلك يجلب الرضا والاطمئنان”([58])،كما أنها تمثل الأسس الثابتة التي تبنى عليها عملية الإصلاح في جميع المجالات.

لذلك نجد أن الشريعة الإسلامية ألغت كل ما كان سيئاً بالمجتمع الجاهلي، وأخذت بمنهج الإصلاح القرآني، وتجلت قيم هذا المنهج بجلاء في المجتمعين المكي والمدني، الذي وصل في صدره الأول قمة الكمال التي لا يمكن أن يصل إليها أي مجتمع، وفي ظله وتحت وطأته سعدت الأمة بالطمأنينة، والعدل والاستقرار، والسعادة…

وإنه كما أصلح القرآن الكريم المجتمع الذي نزل فيه وما بعده من المجتمعات المتجددة التي أخذت بهديه، فهو كفيل بأن يصلح المجتمعات المعاصرة، ويعالج القضايا المتجددة، ويحل مشكلات الحضارة الإنسانية، وسيظل المنهج القرآني على اختلاف الأزمان والأجيال الدواء لكل داء، والحل لكل مشكلة، والعصمة من كل ضلال ([59]). ومن أنكر هذا فقد كذب التاريخ ونفى الواقع، وجحد نعمة الله على عباده، حيث قال سبحانه في معرض تعظيم كتابه: ﴿َنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [النحل: 89]، ومن أوصاف الكتاب الذي هو موضوع البيان أنه؛ هداية للعباد قال تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء: 9]، وأنه أيضا: ﴿شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الإسراء: 82]، وفي الآية دليل على أن في القرآن آيات يشتفى بها، فهو المنهج الوحيد الكفيل بإنقاذ الأمة الإسلامية من كل المآزق التي وقعت فيها، وإخراجها من الظلمات التي أحاطت بها من كل جانب، قال الطاهر ابن عاشور في تفسيره لهذه الآية: “أن القرآن كله شفاءً ورحمة للمؤمنين ويزيد خسارة للكافرين، لأن كل آية من القرآن من أمره ونهيه ومواعظه وقصصه وأمثاله ووعده ووعيده، مشتملة على هَديٍ، وصلاح حالٍ للمؤمنين المتبعينَه، ومشتملة بضد ذلك على ما يزيد غيظ المستمرين على الظلم”([60]).

فلقد احتوى القرآن الكريم على رسم متكامل لصورة المجتمع الفاضل وذلك بما حواه من سياسة الإصلاح لكل مناحي الحياة، فهو منهج أبدي يناسب كل الظروف، غير محدود بزمن ولا بمكان وإنما هو منهج لكل البشر في كل الأرض حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

فالمنهج القرآني يستهدف تثبيت أسس القيم الأخلاقية في السلوك البشري انطلاقا  من مجموعة من القواعد والضوابط التي حددها الإسلام والمتجلية في الأوامر والنواهي المبثوثة في آي القرآن، والتي تعتبر مصدرا لأحكام الشريعة ولمكارم الأخلاق، فجاء يبين الخير والشر، ويبين الفضيلة والرذيلة والسبل التي تفضي إلى كل منهما، كما يبين العواقب المترتبة على كل جنوح عنها، حيث ورد في القرآن الكريم من الفضائل والتعاليم الخلقية ووصايا الخير الكثير، ويبين ذلك ابن حزم الأندلسي بقوله: “فكما أن القرآن مصدر للأحكام الشرعية فهو مصدر لمكارم الأخلاق، حيث يبين الخير والشر، ويبين الفضيلة والرذيلة والسبل التي تفضي إلى كل منهما، كما يبين العواقب المترتبة على ذلك، وورد فيه من أصول الأخلاق والفضائل والتعاليم الخلقية، والوصايا الحكيمة الخير الكثير”([61]).

ولقد اهتم الإسلام بالأخلاق لأنها قاعدة أساسية لدوام الحياة الاجتماعية وتقدمها من الناحيتين المادية والمعنوية، فالإنسان بحاجة ماسة إلى نظام خلقي يحقق للمجتمع حاجته الاجتماعية، ويحول دون تفككه وانهياره، لذلك أصبح النظام الاجتماعي الإسلامي مصدرا يرجع إليه في الحكم الأخلاقي كي لا تتحكم فيها الأهواء والشهوات والعادات والتقاليد، ومقياساً  تقاس به الأخلاق، ولم يهمل النظام الاجتماعي الإسلامي الأخلاق بل ميزها عما سواها، وميز السلوك الأخلاقي عن سائر أنواع السلوك الإنساني، ولم يدخل في مفردات الأخلاق ما ليس منها، وجعل لها عاصم يردعها ويرجعها إلى الصواب، وهذا العاصم هو القرآن الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وقد بين القرآن مكارم الأخلاق ومنافعها، ومساوئ الأخلاق ومضارها، وبين السبيل للتخلي عن هذه، والتحلي بتلك، مما يحصل به الفلاح بتزكية النفس، والسلامة من الخيبة بتدسيتها، وبذلك يكون الإسلام قد “كفى المسلم مؤنة البحث والاستنباط، فقد فصل الأخلاق بنوعيها، وما على المسلم إلا أن يعرض نفسه على الأخلاق بنوعيها، ليعرف موضعه منها، ثم يعمل جاهدا، لتكون أخلاقه أخلاقاً إسلاميةً حقاً”([62]).

قال المفسر ابن باديس: “جاء القرآن مبيناً للأخلاق الفاسدة، وذاكراً سوء أثرها، وقبح مغبتها، مبيناً كذلك الأخلاق الصحيحة، وعظيم نفعها وحسن عاقبتها، فهذا شفاؤه للنفوس والعقول، وهو راجع إلى تصحيح العقائد، وتقويم الأخلاق، وبهما سلامة الأرواح وكمالها، وعليها قوام الهيئة الاجتماعية وانتظامها([63]). قال تعالى:﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) ﴾ [الشمس: 7-10]. وقد ذكر الطاهر بن عاشور أصل الزكاة الواردة في الآية كما في قوله تعالى:﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 150] فقال شارحاً أصل الزكاة: “إنها اسم مصدر زكى المشدد، إذا طهر النفس من المذمات”([64]). ومنها التزكية وهي “تطهير النفس مشتقة من الزكاة أي النماء، وذلك لأن في أصل خلقة النفوس كمالات وطهارات تعترضها أرجاس ناشئة عن ضلال أو تضليل، فتهذيب النفوس وتقويتها يزيدها من ذلك الخير المودع فيها”([65]).

ويرى الشيخ الإمام محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره أن تزكية النفس هي بذل العبد استطاعته في تطهير نفسه وتزكيتها؛ لأن في ذلك تحقيق الفلاح للمؤمنين وخيبة للمشركين، وفي هذا المعنى يقول: “أفلح من زكى نفسه واتبع ما ألهمه الله من التقوى، وخاب من اختار الفجور بعد أن ألهم التمييز بين الأمرين بالإدراك والإرشاد الإلهي”([66]).

وقال القرطبي في قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾ أي “قد أفلح من زكى نفسه بطاعة الله، وصالح الأعمال، وخاب من دس نفسه في المعاصي”([67])، وتزكية النفس تكون بتربيتها على الطاعات وهجرانها للمعاصي كما قال ابن باديس في تفسيره: “وتربية النفوس تكون بالتخلية عن الرذائل، والتحلية بالفضائل”([68]).

فإذا كان “إصلاح البدن يتم بمعالجته بالحمية والدواء، فإن إصلاح النفس يكون بمعالجتها بالتوبة الصادقة، وإفساد البدن بتناول ما يحدث به الضرر، وإفساد النفس بمقارفة المعاصي والذنوب، هكذا تعتبر النفوس بالأبدان في باب الصلاح والفساد، في كثير من الأحوال، غير أن الاعتناء بالنفوس أهم وألزم؛ لأن خطرها أكبر وأعظم”([69]). ولأن “صلاح الإنسان وفساده إنما يقاسان بصلاح نفسه وفسادها، ورقيه وانحطاطه باعتبار رقي نفسه وانحطاطها، وما فلاحه إلا بزكائها، وما خيبته إلا بخبثها… فصلاح النفس هو صلاح الفرد، وصلاح الفرد هو صلاح المجموع، والعناية الشرعية متوجهة كلها إلى إصلاح النفوس، إما مباشرة وإما بواسطة”([70])، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلَا وَإنَّ في الجسَدِ مُضْغَةً إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجسَدُ كُلُّهُ، وَإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِي الْقَلْبُ»([71]).

فإذا صلحت النفس الإنسانية صلح الفرد، وصلاح الفرد هو صلاح المجتمع، فإذا صلح المجتمع عم الخير والعدل والتكافل وكل ما شرعه الله تعالى لعباده، وبتعطلها وفسادها يختل نظام الاجتماع ويعود إلى الانحلال والباطل والظلم والسوء الذي نهى الله عنه.

وقد بين القرآن الكريم منهج الإنسان في الأرض وكل ما يرتبط بشؤون حياته فيما بينه وبين ذاته، “وبينه وبين أهله، وفيما بينه وبين أقاربه، وفيما بينه وبين جيرانه، وفيما بينه وبين من تربطه به علاقات الحياة ومصالحها، وشؤون الجماعات وشؤون الأمم فيما بينها، كل هذه الشؤون سبل وطرق في الحياة تسلك ويسار عليها للبلوغ إلى الغايات المقصودة منها مما به صلاح الفرد والمجتمع”([72]).

قال الطاهر بن عاشور: “فإذا بلغت الأمة إلى غاية حلبة مكارم الأخلاق على جمهورها، زكت نفوسها، وأثمرت غروسها وزال موحشها وبدا مأنوسها، فحينئذ يسود فيها الأمن وتنصرف عقولها إلى الأعمال النافعة وتسهل الألفة بين جماعتها فتكون عاقبة ذلك كله تعقلا ورفاهية وإنصافا، فينتظم المعاش”([73]).

وهكذا نجد أن القرآن الكريم “دعا إلى التحلي بالأخلاق الكريمة دعوة عامة، وفصل القول في كليهما، والحكمة في هذا البيان المفصل، توضيح معاني الأخلاق وتحديدها، لئلا يختلف الناس فيها وتتدخل الأهواء في تحديد المراد منها، ومن مظاهر رحمة الله بعباده أن بين لهم ما يتقون وما يأخذون وما يتركون”([74]).

فالأخلاق الإسلامية إذن “ليست رأياً بشرياً ولا نظاماً وضعياً، وإنما هي مستمدة من شرع رب البشر، سواء منها ما أثبته الشرع ابتداءً أو أقره مما تعارف عليه الناس، وحتى ما لم ينص عليه الشرع من محاسن الأخلاق، فربانيته في اندراجه تحت أصل شرعي عام: ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، فهي ربانية المصدر، وربانية الهدف والغاية والقصد، غير أن أصول الأخلاق وأمهاتها مستمدة من الشرع، ويبتغي المُسلم بها رضا الله.”([75]) وهذا ما يجعل المنهج الأخلاقي الرباني الذي جاء به الإسلام هو الأصلح مطلقاً ليكون أساساً للسلوك الإنساني.

المطلب الثالث: نماذج من القيم الأخلاقية الإسلامية في كتب التفسير

إن المنهج القرآني جعل للقيم الأخلاقية مكانة عظيمة في الإسلام، إذ لا تخلو سورة من سوره، بل ولا تكاد تخلو آية من آياته من ذكر قيمة من القيم الإسلامية الفاضلة، ولهذا نجد أن علماء التفسير أولوا موضوع القيم اهتماماً كبيراً في تفاسيرهم، بحيث لا تخلو صفحة من الصفحات من ترديدٍ لمصطلحات ذات مدلولات قيمية أخلاقية فردية وجماعية، ومن ذلك:

 الآيات الآمرة بقيمة القسط:

• ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ۖ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۚ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ [الأعراف:29]. أي “بالعدل في العبادات والمعاملات، لا بالظلم والجور، فالقسط والعدل أمر عظيم، وركيزة أساسية من ركائز هذا الدين، فلا بد من مراعاة العدل الاجتماعي بين مختلف طبقات المجتمع، وإعطاء كل ذي حق حقه، فالناس كلهم في حاجة مشتركة إلى بعضهم البعض، وما من أحد إلا وله حقوق على غيره، ولغيره حقوق عليه، ولهذه الحاجة المشتركة والحقوق الممتزجة كان الاجتماع والتعاون ضروريين لحياة المجتمع البشري واطراد نظامه. وقيام كل واحد من أفراد المجتمع بما عليه من حقوق نحو غيره هو الذي يسد تلك الحاجة المشتركة بين الناس”([76])، وكل إنسان مأخوذ بأن يعدل؛ لأن إقامة العدل مطلب إنساني، إذ أن الحياة لا تستقيم لأحد إلا بإقامة القسط.

ومن الآيات التي دعت إلى قيمة البذل والعطاء (الإنفاق الإلزامي والتطوعي)

﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [الحج:29]، فقد حدد كتاب الله المبادئ الأساسية التي يجب أن ترعاها الدولة الإسلامية، لكي يكون المجتمع الإسلامي في انسجام تام مع التوجه الإلهي العام، ومن بين هذه المبادئ: ” إيتاء الزكاة، وتوثيق رباط المحبة والتكافل بين عباد الله، بحيث يكون المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية على درجة كبيرة من الإنسانية والتعاطف والتراحم والتواصل، بدلا من الأنانية والتقاطع والتهارش والتقاتل، شعارهما (نفسي وأخي، بل أخي قبل نفسي، لا نفسي نفسي)، والزكاة هي دعامة الإخاء والوئام بين الإخوة المؤمنين، والحق الأول من حقوق المعسرين على الموسرين”([77]).

﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [الحديد: 7]، قال ابن عطية: “هذه الآية تجمع الزكاة والتطوع، فالزكاة واجبة، والتطوع مندوب، وظاهر هذه الآية أنها مراد بها جميع وجوه البر”([78])، ولا شك أن في الانفاق تحرير للإنسان من عبودية المال وسيطرته على النفس، فإذا تمكن الإنسان من مقاومة سلطان المال والشح هان عليه الإنفاق، وقام بهذه الفريضة التي تكفل تحقيق التضامن الاجتماعي بين الغني والفقير، “والحال أن المسلمين لو حرصوا على تنفيذ نظام الإسلام المحكم فيما يتعلق بإخراج الزكاة لساد بينهم التآلف والتعاون والتراحم والتواصل مما يسعد حالهم ويعلي شأنهم، وينزع من صدور فقرائهم غل البغضاء وأضغان الشرور”([79]).

ومن الآيات التي دعت إلى قيمة الإحصان والعفاف

﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 32]، بين تعالى قبح فاحشة الزنى بقوله سبحانه: ﴿إنه كان فاحشة والفاحشة: هي “الرذيلة التي تجاوزت الحد في القبح”([80]). وقد بين الحق سوء عاقبة الزنى بقوله: ﴿ وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ أي “بئس طريقاً طريقه، طريق مؤد إلى شرور ومفاسد كثيرة في الدنيا، وعذاب عظيم في الأخرى، فهو طريق إلى هلاك الأبدان، وفساد الأعراض، وضياع الأموال وخراب البيوت وانقطاع الأنساب، وفساد المجتمع وانقراضه، زيادة على ما فيه من معنى القتل للنفوس”([81]). وقد جاءت سورة النور ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: 2]، “لتضع النقط على الحروف، وتبين آياتها البينات أسس التربية والخلقية النظيفة، التي يجب أن يقوم عليها المجتمع الإسلامي والأسرة المسلمة، بصفتها الخلية الأولى وحجر الزاوية في بناء ذلك المجتمع، حتى يقضى على الخصال الجاهلية، والمفاهيم الوثنية غير الأخلاقية، وهكذا أشهرت سورة النور الحرب على الزنى وما ألحق به، سواء كان عن طواعية أو إكراه، وحددت طريقة الزواج المشروع”([82]).

ومن الآيات الآمرة بقيمتي العفو وكظم الغيظ

• ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 134]، يحدد القرآن الكريم في هذه الآيات صفات المؤمنين فتصفهم “بأوصافهم الكاشفة، وسماتهم المميزة، حتى يتمكن من يريد اللحاق بركبهم والانتماء إليهم، والسلوك على نهجهم، والسير في طريقهم”([83])، و”العفو من صفة الله مع القدرة على الانتقام”([84])، وبذلك يتفادى المؤمن كل مظاهر الغيض وآثار الغضب، ولا شكّ أن “أقوى القوى تأثيراً على النَّفس القوّة الغاضبة فتشتهي إظهار آثار الغضب، فإذا استطاع إمساكَ مظاهرها، مع الامتلاء منها، دلّ ذلك على عزيمة راسخة في النَّفس، وقهرِ الإرادةِ للشهوة، وهذا من أكبر قوى الأخلاق الفاضلة”([85]).

ومن الآيات الآمرة بقيمة الإحسان في القول والعمل

﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 82]، وقوله تعالى: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا﴾ [الإسراء: 53]، ذكرت الآيات الأخلاق الاجتماعية التي يجب أن يلتزمها المسلمون في معاملة بعضهم لبعض، منبهة إلى وجوب الإحسان في القول، وعدم الولوغ في أعراض الآخرين، أو السخرية والاستهزاء بهم، فإذا حسن الكلام “قويت روابط الألفة، وتمكنت أسباب المحبة، وامتد رواق السلام بين الأفراد والعشائر والأمم، وتقاربت العقول والقلوب بالتفاهم، وتشابكت الأيدي على التعاون والتآزر، وجنى العالم من وراء ذلك الأمن واطراد العمران”([86]).

 الآيات الآمرة بقيمة الوفاء بالعهود.

﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [النحل: 91]، الوفاء بالعهد “فضيلة فردية وهي عنوان كمال النفس، وفضيلة اجتماعية وهي ثقة الناس بعضهم ببعض”([87]). وإن العهد الذي يأمر الله بالوفاء به هو كل عهد فيه صلاح الناس وانتظام معاشهم ومعادهم، والوفاء بالعهد أمر اعتنى به كتاب الله لما يترتب عنه من نشر الثقة بين الناس ومن تيسير معاملاتهم وانتظامها، لذلك أمر الله عباده بألا تنتقض العهود والمواثيق؛ لأن فيها قوة الأمة وازدهارها، وقد ذكر كتاب الله “أن ذاك النقض مؤد إلى انحدار الأمة وارتكاسها بعد قوتها وتماسكها وقد صور ذلك بزلل القدم وانزلاقها بعد أن كانت ثابتة راسخة، والزلل الذي يقع للأمة هو ترديها إلى حال الضعف بعد القوة”([88]).

الآيات الآمرة بقيمة الشورى.

﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ [الشورى: 35]، إن نظام الشورى قيمة من القيم الاجتماعية الكبرى في المنهج القرآني، ولهذا نرى حرص الإسلام البالغ على تطبيقها بالمجتمع، باعتبارها من أهم العوامل المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للأمم والشعوب، وقد “أراد الله أن يسن للأمة الإسلامية من بعد رسولها سنة قائمة، هي مفتاح نجاحها، وعنوان فلاحها أمد الدهر، ألا وهي شورى المسلمين في أمورهم، وجعل أمرهم شورى بينهم، وهذا ورسول الله معصوم عن الخطأ، ومعصوم من الناس، ولكن الله أمره بالشورى لتكون سنة للمسلمين من بعده، حتى يعالجوا شؤونهم في جو من الوفاق والوئام، لا اختلاف بعده ولا اصطدام، ولا فرقة من ورائه ولا انقسام”([89])، وذلك قوله تعالى: ﴿َشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران 159].

خاتمة

إن المتدبر للتراث التفسيري الضخم يجده حافلاً بثروة ضخمة من المصطلحات والمفاهيم ذات أبعاد قيمية، ويدرك أن رسالة القرآن الكريم الأساسية هي هداية وإصلاح الفرد كي يكون صالحاً مهيأ للاندماج في الجماعة، لذا جعل القرآن مبدأ إصلاح منظومة القيم الأخلاقية محور دعوته، وقد تضافرت آياته على الأمر بالتخلق بالأخلاق الحسنة، ونصت على الكثير منها في مواضع شتى في كتاب الله، لجعل المجتمع الإسلامي وحدةً متماسكةً، وكتلةً مرتبطةً فيما بينها، تجمعها رابطة العقيدة، فكان هم إصلاح منظومة القيم الإنسانية حاضراً عند مفسري القرآن الكريم أثناء وقوفهم على الآيات ذات الصلة بالبعد القيمي والأخلاقي، مما دفعهم إلى التنبيه إلى مضامينها، والبحث في إشاراتها ودلالاتها العامة حتى تنسجم مع مقاصد الشريعة الإجمالية، إذ لا تكاد تخلو صفحة من تفاسيرهم من ترديد لمصطلحات ذات مدلولات قيمية.

وإن القيم الأخلاقية التي تحاول النظريات الأخلاقية الحديثة اليوم، أن تخص بها نفسها، ما هي إلا مبادئ وأخلاق المنهج القرآني، وآثار قيمه الفردية والجماعية، وقف عليها علماء التفسير بالدراسة والتحليل، فاستنبطوا لنا منها منظومةً قيميةً هائلةً، أبرزتْ نماذجَ من القيم الاجتماعية الإيجابية التي أمر الله سبحانه بها، والتي تتمثل في قيم: العدل، الشورى، الإخاء، الأمانة، العفو، الصدق… ونماذجَ من القيم الاجتماعية السلبية التي نهى عنها سبحانه وتعالى مثل: الظلم، الخيانة، الغش، الحقد، الغيبة، الزنا…وقد تأثرت بها الإنسانية، عبر مسيرتها التربوية والأخلاقية.

ومن خلال رحلتي مع هذا البحث، أستطيع – بفضل الله تعالى – أن أخرج منه بهذه  النتائج والتوصيات التي توصلت إليها، وأذكرها في الآتي:

– إن مدخل القيم في علم التفسير يقوم على أسُسٍ وأعمدةٍ ثابتة، تتخذ من الأخلاق الإسلامية دستوراً، ومن العقيدة الراسخة مُحركاً، ومن العدل والتكافل والمساواة هدفاً لتحقيق الرقي والأمن والسلم الاجتماعي.

– إن اهتمام القرآن الكريم بالقيم الأخلاقية والاجتماعية الفاضلة يؤكد أن الإصلاح الاجتماعي منهج حياة لا تستغني عنه البشرية.

– إن المطلع على التراث التفسيري الضخم يجده حافلاً بثروةٍ مهمةٍ من المصطلحات والمفاهيم ذات أبعاد قيمية تحتاج إلى دراسةٍ تأصيليةٍ تطبيقيةٍ.

– يجب أن تتضافر الجهود لنشر القيم الأخلاقية؛ التي ذكرها القرآن في كثير من آياته، وأبرزها علماء التفسير، لبناء مجتمع متضامن، يشعر فيه كل فرد بالطمأنينة، وتتحقق في ظلاله كرامة الإنسان.

لائحة المصادر والمراجع

  • ابن العربي المعافري، أبي بكر محمد ابن عبد الله بن محمد، أحكام القرآن، تحقيق علي محمد البجاوي، دار الفكر، بيروت-لبنان، 1414ه/1994م.
  • أبي حيان الأندلسي،  محمد بن يوسف بن علي، البحر المحيط، طبعة جديدة بعناية صدقي محمد جميل، دار الفكر، بيروت-لبنان، 1412ه/1992م.
  • ابن عاشور، التحرير والتنوير، محمد الطاهر، دار سحنون للنشر والتوزيع، تونس، 1997م.
  • ابن عاشور، محمد الطاهر، أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، دار السلام مصر، ط2، 1431ه/2010م.
  • ·      ابن باديس، عبد الحميد، مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير، خرج أحاديثه أبو عبد الرحمان محمود، دار الرشيد، الجزائر، 1430ه/2009م.
  • الأموي الإشبيلي، أبو بكر محمد بن خير، فهرسة ابن خير الإشبيلي، المحقق: محمد فؤاد منصور، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1419ﻫ/1998م.
  • ابن قيم الجوزية، شمس الدين أبو عبد الله محمد، الفوائد،  دار الكتب العلمية – بيروت، ط2، 1393ﻫ/1973م.
  • ابن عطية الأندلسي، أبي محمد عبد الحق، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، دار ابن حزم، بيروت-لبنان، ط1، 1423ه/2002م.
  • ·      ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، المقدمة، بيروت- لبنان، ط4، 1981م.
  • الأصفهاني، الراغب، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق: صفوان عدنان الداودي، دار القلم-الدار الشامية، دمشق- بيروت، ط1، 1412ه.
  • ابن حمزة، مصطفى، الوجيز في تفسير آي الكتاب العزيز، دار الأمان للنشر والتوزيع، الرباط، ط1، 1430ه/2009م.
  • ابن حمزة، مصطفى، مقاربات في المسألة الأخلاقية، مطبعة الأمنية، الرباط، 2019م.
  • أبو العينين، علي خليل مصطفى، القيم الإسلامية والتربية، مكتبة إبراهيم حلبي، المدينة المنورة، ط1، 1408ه/1988م.
  • التومي الشيباني، عمر، مفهوم الإنسان في الفكر الإسلامي،  الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، طرابلس، 1987م.
  • الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر الكناني البصريّ، تهذيب الأخلاق، قرأه وعلق عليه أبو حذيفة إبراهيم بن محمد، دار الصحابة للتراث، 1410ھ/ 1989م.
  • حبنكة الميداني، عبد الرحمان حسن، الأخلاق الإسلامية وأسسها، دار القلم، دمشق، سوريا، ط4، 1417ه/1996م.
  • ·      الحسني، محمد بالبشير، مدونة القيم في القرآن والسنة، مطبعة طوب بريس، الرباط، ط1، 2008م.
  • ·      الخزندار، محمود محمد، دار طيبة للنشر والتوزيع، هذه أخلاقنا حين نكون مؤمنين حقاً، الرياض، ط2، 1417ﻫ/1997م.
  • الزباخ، أحمد، المنهج القرآني في تربية القيم الأخلاقية والاجتماعية، مطبعة بني ازناسن، سلا، ط1، 2004م.
  • الزنيدي، عبد الرحمان بن زيد، السلفية وقضايا العصر، مركز الدراسات والإعلام دار إشبيليا، الرياض، ط1، 1418ﻫ/1998م.
  • زهران، حامد، علم النفس الإجتماعي، عالم الكتب، القاهرة، ط5، 1984.
  • زرمان، محمد، الفعل الحضاري في القرآن الكريم، دار الكتاب الثقافي، الأردن، 1430ﻫ/2009م.
  • زيدان، عبد الكريم، أصول الدعوة، مؤسسة الرسالة، بيروت-لبنان، ط9، 2002م.
  • سالم علام، فرج أحمد الرفاعي، التداول الحضاري في القرآن الكريم، دار روابط للنشر وتقنية المعلومات، مصر، ط1، 1437ه/2016م.
  • السقاف، عَلوي بن عبد القادر، وآخرون، موسوعة الأخلاق الإسلامية، الناشر: موقع الدرر السنية على الإنترنت dorar.net، عدد الأجزاء: 3، تم تحميله في ربيع الأول 1433هـ.
  • ·      السيابي، أحمد بن سعود، منظومة القيم القرآنية في المجال الكلامي والأخلاقي، مجلة جامعة القدس للأبحاث والدراسات، العدد 25، شتنبر 2011م.
  • صالح بن عبد الله، وآخرون، موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، دار الوسيلة للنشر والتوزيع، ط1، جدة، 1418ﻫ/1998م.
  • صبح، علي،  التصوير القرآني للقيم الخلقية والتشريعية، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة، د.ت.
  • الطريقي، عبد الله بن إبراهيم،  الثقافة الإسلامية: تخصصا ومادة وقسما علميا، فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، ط1، 1417ه.
  • ·      العوا، عادل، القيم الأخلاقية، مطبعة جامعة دمشق، د.ت.
  • عبد الوهاب، محمد حلمي، القيم الروحية في الإسلام، روافد، الإصدار 49، الكويت، صفر1433ﻫ/يناير 2012م.
  • الفيروز أبادي، القاموس المحيط، تحقيق: مكتب التراث في مؤسسة الرسالة، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان، ط8، 1426ه/2005م. كاظم، محمد إبراهيم، التطور القيمي وتنمية المجتمعات الدينية، المجلة الاجتماعية القومية، القاهرة، 1971م.
  • فتح الله سعيد، عبد الستار، المنهاج القرآني في التشريع، رسالة دكتوراه قدمت جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص التفسير والحديث، مصر، ط1، 1413ﻫ/1992م.
  • ·      الفيومي،أحمد بن محمد بن علي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، تحقيق عبد العظيم الشناوي، المكتبة العلمية، بيروت، ط2، 2010م.
  • القرطبي، أبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، ضبطه محمد إبراهيم الحفناوي، خرج أحاديثه محمود حامد عثمان، دار الحديث، القاهرة، 1428ه/2007م.
  • كاظم، محمد إبراهيم، التطور القيمي وتنمية المجتمعات الدينية، المجلة الاجتماعية القومية، القاهرة، 1971م.
  • المكي الناصري، محمد، التيسير في أحاديث التفسير، دار الغرب الإسلامي، بيروت-لبنان، ط1، 1405ه/1985م.
  • مصطفى،  وديع واصف، ابن حزم وموقفه من الفلسفة والمنطق والأخلاق، منشورات المجمع الثقافي، 1421ه، 2000م، أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة.
  • مصطفى، إبراهيم، وآخرون،  المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، مطبعة دار الدعوة، تركيا، 1989م.
  • المدرسي، محمد تقي،  المجتمع الإسلامي، منطلقاته وأهدافه، دار الجبل، بيروت، ط1، 1982م.
  • يوسف، محمد السيد، منهج القرآن في إصلاح المجتمع، دار السلام، بيروت، ط2، 1422ه/ 2004م.
  • ·      يالجن، مقداد محمد علي،  علم الأخلاق الإسلامية، دار عالم الكتب، الرياض، ط،1 1412ه/1992م.

([1])-مصطفى، إبراهيم، وآخرون،  المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، مطبعة دار الدعوة، تركيا، 1989م، 2/767.

([2])-الفيومي،أحمد بن محمد بن علي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، تحقيق عبد العظيم الشناوي، المكتبة العلمية، بيروت، ط2، 2010م، ص269.

([3])-الفيروز أبادي، القاموس المحيط، 170/4.

([4])-الأصفهاني، الراغب، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق صفوان عدنان داوودي، دار القلم، بيروت، ط2، 1418ﻫ/1997م، ص69.

([5])-كاظم، محمد إبراهيم، التطور القيمي وتنمية المجتمعات الدينية، المجلة الاجتماعية القومية، القاهرة، 1971م، ص111.

([6])-الزنيدي، عبد الرحمان بن زيد، السلفية وقضايا العصر، مركز الدراسات والإعلام دار إشبيليا، الرياض، ط1، 1418ﻫ/1998م، ص462.

([7])-الطريقي، عبد الله بن إبراهيم،  الثقافة الإسلامية: تخصصا ومادة وقسما علميا، فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، ط1، 1417ه، ص14.

([8])-زهران، حامد،  علم النفس الإجتماعي، عالم الكتب، القاهرة، ط5، 1984، ص132.

([9])-أبو العينين، علي خليل مصطفى، القيم الإسلامية والتربية، مكتبة إبراهيم حلبي، المدينة المنورة، ط1، 1408ﻫ/ 1988م، ص10.

([10])-الزباخ، أحمد،  المنهج القرآني في تربية القيم الأخلاقية والاجتماعية، ص27.

([11])-مسعود، أحمد طاهر،  المدخل إلى علم الاجتماع، ص154.

([12])-الحسني، محمد بالبشير، مدونة القيم في القرآن والسنة، مطبعة طوب بريس، الرباط، ط1، 2008م، ص24.

([13])-المدرسي، محمد تقي،  المجتمع الإسلامي، منطلقاته وأهدافه، دار الجبل، بيروت، ط1، 1982م، ص66.

([14])-الزباخ، أحمد، المنهج القرآني في تربية القيم الأخلاقية والاجتماعية، ص50.

([15])-أبو العينين، علي خليل مصطفى، القيم الإسلامية والتربية، ص10.

([16])-الزباخ، أحمد،  المنهج القرآني في تربية القيم الأخلاقية والاجتماعية، ص264-265.

([17])-السيابي، أحمد بن سعود، منظومة القيم القرآنية في المجال الكلامي والأخلاقي، مجلة جامعة القدس للأبحاث والدراسات، العدد 25، شتنبر 2011م، ص16-17.

([18])-رشوان، محمد مهران، تطور الفكر الأخلاقي في الفلسفة الغربية، دار قباء للطباعة والتوزيع، القاهرة، 1998م، ص32.

([19])-القرطبي، أبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، 18/227.

([20])-ابن سعد،”الطبقات” (1/ 192). والبيهقي في “سننه” (10/ 191 – 192).وأخرجه البخاري، “الأدب المفرد” (273).

([21]) – صبح، علي،  التصوير القرآني للقيم الخلقية والتشريعية، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة، د.ت، ص266.

([22])-ابن العربي المعافري، أبي بكر محمد ابن عبد الله بن محمد،  أحكام القرآن، 4/495.

([23])-القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري،الجامع لأحكام القرآن، 9/55.

([24])-ابن عطية الأندلسي، أبي محمد عبد الحق، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، 3/438.

([25])-أبي حيان الأندلسي،  محمد بن يوسف بن علي، البحر المحيط، 5/239.

([26])-زرمان، محمد، الفعل الحضاري في القرآن الكريم، دار الكتاب الثقافي، 1430ﻫ/2009م، ص20.

([27])-التومي الشيباني، عمر، مفهوم الإنسان في الفكر الإسلامي، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع ، طرابلس، 1987م، ص165-166.

([28])-ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، المقدمة، ص41-42.

([29])-الأصفهانى، الراغب،  المفردات في غريب القرآن، مادة (إنس)، ص94.

([30])-عبد العال، أحمد عبد العال، التكافل الاجتماعي في الإسلام،  ص24.

([31])-ابن عاشور، محمد الطاهر، أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، ص39.

([32])- المكي الناصري،محمد،  التيسير في أحاديث التفسير، 3/390.

([33])-مصطفى،  وديع واصف، ابن حزم وموقفه من الفلسفة والمنطق والأخلاق، ص303.

([34])-المرجع نفسه، ص301.

([35])-زرمان، محمد، الفعل الحضاري في القرآن الكريم، دار الكتاب الثقافي، 1430ﻫ/2009م، ص19.

([36])-حبنكة الميداني، عبد الرحمان حسن، الأخلاق الإسلامية وأسسها، دار القلم، دمشق، سوريا، ط4، 1417ﻫ/ 1996م، 1/56.

([37]) – الأصفهانى، الراغب،  المفردات في غريب القرآن، المحقق: صفوان عدنان الداودي، دار القلم، الدار الشامية – دمشق بيروت، ط1، 1412 هـ، 1/297.

([38])-أبي حيان الأندلسي، محمد بن يوسف بن علي،  البحر المحيط، 1/518.

([39]) – القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، 18/227.

([40])-الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر الكناني البصريّ، تهذيب الأخلاق، قرأه وعلق عليه أبو حذيفة إبراهيم بن محمد، دار الصحابة للتراث، 1410ھ/ 1989م، ص14.

([41])-ابن قيم الجوزية، شمس الدين أبو عبد الله محمد، الفوائد، دار الكتب العلمية – بيروت، ط2، 1393ﻫ/1973م، 1/143.

([42])- المرجع نفسه، 1/140-139.

([43])-ابن عاشور، محمد الطاهر، التحرير والتنوير، 9/171-172.

([44])-ابن عاشور، محمد الطاهر،  أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، دار السلام مصر، ط2، 1431ﻫ/2010م، ص116.

([45])-فتح الله سعيد، عبد الستار، المنهاج القرآني في التشريع، رسالة دكتوراه قدمت في جامعة الأزهر كلية أصول الدين تخصص التفسير والحديث، مصر، ط1، 1413ﻫ/1992م، ص407.

([46])-يوسف،  محمد السيد، منهج القرآن في إصلاح المجتمع، ص569.

([47])-سالم علام،  فرج أحمد الرفاعي، التداول الحضاري في القرآن الكريم، دار روابط للنشر، مصر، ط1، 1437ﻫ/2016م، ص176.

([48])-الميداني ، عبد الرحمان حسن حبنكة، الأخلاق الإسلامية وأسسها،.34-33/1

 ([49])-ابن عاشور، محمد الطاهر،  التحرير والتنوير، 1/1840.

([50])-العوا، عادل، القيم الأخلاقية، مطبعة جامعة دمشق، د.ت، ص38.

([51])-يالجن، مقداد، التربية الأخلاقية الإسلامية، ص75.

([52])-ابن عاشور، محمد الطاهر،   أصول النظام الاجتماعي، ص120.

([53])-الزباخ، أحمد، المنهج القرآني في تربية القيم الأخلاقية والاجتماعية، ص35.

([54])-السقاف، عَلوي بن عبد القادر، وآخرون، موسوعة الأخلاق الإسلامية،  الناشر: موقع الدرر السنية على الإنترنت dorar.net، عدد الأجزاء: 3، تم تحميله في ربيع الأول 1433هـ، ص5.

([55])-الأموي الإشبيلي، أبو بكر محمد بن خير، فهرسة ابن خير الإشبيلي، المحقق: محمد فؤاد منصور، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1419ﻫ/1998م، ص569.

([56])-صالح بن عبد الله، وآخرون، موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، دار الوسيلة للنشر والتوزيع، ط1، جدة، 1418ﻫ/1998م، 1/156.

([57])-يالجن، مقداد محمد علي،  علم الأخلاق الإسلامية، دار عالم الكتب للطباعة والنشر، الرياض، ط2، 1424ﻫ/ 2003م، ص53.

([58])-ابن حمزة،  مصطفى، مقاربات في المسألة الأخلاقية، مطبعة الأمنية، الرباط، 2019م، ص103.

([59])-يوسف، محمد السيد، منهج القرآن في إصلاح المجتمع، ص20.

([60])-ابن عاشور، محمد الطاهر، التحرير والتنوير، مج 7، 15/189-190.

([61]) – مصطفى، وديع واصف، ابن حزم وموقفه من الفلسفة والمنطق والأخلاق، ص304.

([62])-زيدان، عبد الكريم، أصول الدعوة، ص90.

([63])-ابن باديس، عبد الحميد، مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير، مج1/356.

([64])-ابن عاشور، محمد الطاهر،   التحرير والتنوير، مج 8، 18/12.

([65])-المرجع نفسه، مج 2، 2/49.

([66])-المرجع نفسه، مج 15، 30/370.

([67])-القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري ،الجامع لأحكام القرآن، 10/322.

([68])-ابن باديس، عبد الحميد، مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير، 1/277.

([69])-المرجع نفسه، 1/207.

([70])-ابن باديس، عبد الحميد، مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير، 1/207-208.

([71])-البخاري ، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، حديث رقم 52. مسلم ، كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، حديث رقم 1599.

([72])-ابن باديس، عبد الحميد، مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير، مج1/114.

([73])-ابن عاشور، الطاهر،   أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، ص117.

([74])-زيدان،  عبد الكريم، أصول الدعوة، ص78.

([75])-الخزندار، محمود محمد، هذه أخلاقنا حين نكون مؤمنين حقا، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض، ط2، 1417ﻫ/1997م، ص20.

([76])-ابن باديس، عبد الحميد، مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير،، مج1/218.

([77])-المكي الناصري، محمد،  التيسير في أحاديث التفسير، 4/181.

([78])-ابن عطية الأندلسي، أبي محمد عبد الحق، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، 2/277.

([79])-عبد الوهاب، محمد حلمي، القيم الروحية في الإسلام، روافد، الإصدار 49، الكويت، صفر1433ﻫ/يناير 2012م، ص70.

([80])-ابن باديس، عبد الحميد، مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير، مج1/245.

([81])- المرجع نفسه، مج1/245.

([82])-المكي الناصري، محمد، التيسير في أحاديث التفسير، 4/246.

([83])-المكي الناصري، محمد، التيسير في أحاديث التفسير، 1/265.

([84])-القرطبي، أبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري،  الجامع لأحكام القرآن، 3/5.

([85])-ابن عاشور، محمد الطاهر،  التحرير والتنوير، 4/91.

([86])-ابن باديس، عبد الحميد، مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير، مج1/286.

([87])-ابن عاشور، محمد الطاهر،  التحرير والتنوير، مج 2، 2/132.

([88])-ابن حمزة، مصطفى، الوجيز في تفسير آي الكتاب العزيز، ص227.

([89])-المكي الناصري، محمد،  التيسير في أحاديث التفسير، 1/280.