خاص هيئة علماء فلسطين

         

د. علي محمد الصلابي

شهر رمضان فرصة من أعظم فرص التغيير النفسي وشحن العزائم وتبديل العادات السيئة والإقلاع عن المعاصي، وذلك لمن صدق النية في التوبة وإصلاح نفسه وبدء صفحة جديدة بينه وبين خالقه عز وجل، فرمضان يهيأ الجو الملائم لمثل ذلك التغيير، ففرصة قبول التوبة والمغفرة أكبر في هذا الشهر منها في غيره من شهور السنة، فرمضان فرصة حقيقية للتصحيح في حياة كل فرد، بل في حياة الأمة جمعاء، وهو فرصة ليصبح العبد من المتقين الأخيار، ومن الصالحين الأبرار، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، فلهذا الشهر الكريم من الخصائص التي ميزه الله بها دون غيره من الشهور ما يجعله فرصة تنتظر من يغتنمها. (1)

ورمضان مدرسة تربوية يتدرب فيها المؤمن على تقوية الإرادة في الوقوف عند حدود ربه في كل شيء، والتسليم لحكمه في كل شيء، وتنفيذ أوامره وشريعته في كل شيء، وترك كل ما يضره في دينه أو دنياه أو بدنه؛ ليضبط جوارحه وأحاسيسه جميعًا عن كل محرم وما لا ينبغي له، ويحصل على تقوى الله في كل وقت وحين، وهكذا يتحقق التغيير في رمضان، ليصبح العبد من المتقين الأخيار، ومن الصالحين الأبرار، ويتحقق تعليل فرضية الصيام؛ ببيان فائدته الكبرى وحكمته العظمى، وهي تقوى الله، يقول الله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. (2)

ورمضان فرصة للتغيير لمن كان مفرطاً في صلاته، أو يؤخرها عن وقتها، أو يتخلف عن أدائها جماعة في المسجد، وإن التهاون بأمر الصلاة والاستخفاف بها خطأ فادح بكل المقاييس، فيجب على المسلم أن يستيقظ من غفلته، فالحياة قصيرة وإن طالت، وأن يجعل رمضان فرصة للمحافظة على هذه الصلاة، والأحرى به أن يحافظ عليها مع الجماعة في هذا الشهر الفضيل، وعليه أن يألف المساجد، وأن يعمرها بالذكر والتسبيح، فليستعن بالله، وليعزم من الآن أن يكون هذا الشهر المبارك بداية للمحافظة على الصلاة والتبكير إليها، يقول الله تعالى في وصــف المؤمنين:{الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج: 24]. (3)

ورمضان فرصة للتغيير، لمن كان مقصرًا في نوافل العبادات، ففي رمضان تتهيأ النفوس، وتقبل القلوب، وتخشع الأفئدة، فينتهز المسلم هذه الفرصة، ويحاول أن يكثر من النوافل، فهي مكملة لفرائضه متممة لها، قال النبي ﷺ: ((إن أول ما يحاسب به العبد المسلم يوم القيامة الصلاة المكتوبة فإن أتمها وإلا قيل انظروا هل له من تطوع فإن كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوعه ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك)) [رواه ابن ماجه].

ورمضان فرصة للتغيير لمن هجر القرآن قراءة وتدبراً، فيجب أن يكون هذا الشهر بداية لرحلة جديدة مع القرآن الكريم، فيكثر من تلاوته وتدبره في رمضان شهر القرآن، فالقرآن يشفع للمسلم يوم القيامة يقول النبي ﷺ: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربي إني منعته الطعام والشهوة، فشفعني فيه، ويقول القرآن: رب منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، قال: فيشفعان)) [رواه أحمد].

ورمضان فرصة للتغيير لمن كان قليل الصبر، سريع الغضب، أن يتعلم منه الصبر والأناة، فالمسلم يصبر على الجوع والعطش والتعب ساعات طويلة، كما يتعلم أن يعود نفسه على الصبر على الناس وتصرفاتهم وعدم الانفعال وضبط النفس وكبت الغضب، قال النبي ﷺ: ((لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضـَبِ)) [أخرجه البخاري (6114)، ومسلم (2609)]. (4)

هذا الشهر الفضيل فرصة للصوَّام للدخول إلى الجنان والنجاة من النيران يوم القيامة، كما أنه فرصة لإصلاح النفس وتزكيتها بتغيير العادات المنكرة والمعاصي التي اعتاد عليها العبد سابقاً، فيجب على كل مسلم أن يستغل رمضان من أجل تحقيق هذا التغيير الإيجابي في نفسه، وهو التغيير الذي ينفعه في الدنيا والآخرة. فهنيئاً لمن استغل رمضان بالطاعات والعبادات، وهنيئاً لمن هذب نفسه فيه، ويا لخسارة من فرَّط فيه، وأضاع حقوقه وواجباته ومقاصده، فيا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر. (5)

2. رمضان فرصة للتغيير، د. محمد بن عبد الله الهبدان، ص4.

3. صفوة الآثار والمفاهيم، عبد الرحمن الدوسري، (دار المغني للنشر والتوزيع)، الطبعة الأولى 2004م، (91/3).