28/2/2024

د. عمر حماد  عضو هيئة علماء فلسطين

الهلاك في ترك الجهاد بالمال

عَنْ حُذَيْفَةَ بن اليمان رضي الله عنه: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] قَالَ: «نَزَلَتْ فِي النَّفَقَةِ» رواه البخاري.

الشرح والتعليق

1-    يدل الحديث على فضل الإنفاق في سبيل الله تعالى.

2-    قوله تعالى:{وأنفقوا في سبيل الله} أي في سائر وجوه القربات وخاصة الصرف في قتال الكفار والبذل فيما يقوى به المسلمون على عدوّهم.

3-    قوله تعالى:{ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}  ويكون ذلك من خلال الكف عن الغزو والإنفاق فيه فإنه يقوي العدوّ ويسلطهم على إهلاككم، أو المراد الإمساك وحب المال فإنه يؤدي إلى الهلاك المؤبد.

4-    الباء في (بأيديكم) متعلقة بالفعل غير زائدة، والمفعول به محذوف أي “ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة” يقال أهلك فلان نفسه بيده إذا تسبب بهلاكها.

5-    قوله (نزلت في النفقة) أي في ترك النفقة في سبيل الله تعالى والمعنى لا تتركوا الإنفاق في سبيل الخير والجهاد فيؤدي ذلك بكم إلى الهلاك.

6-    وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حُذَيْفَةُ في تفسير الآية جَاءَ موضحا فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وابن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ أَسْلَمَ بْنِ عِمْرَانَ قَالَ كُنَّا بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ فَخَرَجَ صَفٌّ عَظِيمٌ مِنَ الرُّومِ فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِمْ ثُمَّ رَجَعَ مُقْبِلًا فَصَاحَ النَّاسُ سُبْحَانَ اللَّهِ أَلْقَى بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تُؤَوِّلُونَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ إِنَّا لَمَّا أَعَزَّ اللَّهُ دِينَهُ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ قُلْنَا بَيْنَنَا سِرًّا إِنَّ أَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ فَلَوْ أَنَّا أَقَمْنَا فِيهَا وَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فَكَانَتِ التَّهْلُكَةُ الْإِقَامَةَ الَّتِي أردناها.

7-    معلوم أن النفقات والجهاد في زمن النبي ﷺ كان يعتمد على إنفاق المحسنين، فإذا كفُّوا عن ذلك؛ فإن ذلك يؤدي إلى ضعف وتراجع مع قوة الأعداء، فالأعداء ينفقون أموالهم في نصر باطلهم كما قال الله -تبارك وتعالى:  (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ۝  لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) سورة الأنفال:36، 37).

8-    يؤخذ من هذه الآية (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) من العموم في لفظها الإنفاق في سائر وجوه الطاعات، فيدخل في ذلك الإنفاق في تجهيز المجاهدين، والإنفاق في إغاثة المنكوبين والملهوفين، وإعانة المتضررين، والله -تبارك وتعالى- يقول: فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ۝ فَكُّ رَقَبَةٍ ۝ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ۝ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ۝ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ [سورة البلد:11-16]، ونحن نشاهد اليوم أحوال إخواننا المسلمين في غزة وفي غيرها وما هم فيه من الجوع والبرد والخوف والحصار ومنع الماء والكهرباء والدواء، وقصف المستشفيات والمدارس وقتل المدنيين، وذلك سائلنا الله -تبارك وتعالى- عنه ومحاسبنا عليه، فنحن نرفل في ألوان النعم واللذات، أدام الله  علينا وعليكم وعلى هذه البلاد، وبلاد المسلمين نعمته وعافيته، وأصلح أحوال الأمة، وأعان هؤلاء من إخواننا المسلمين المتضررين، ورفع ما بهم من ضر، وقواهم، ونصرهم، وأعزهم، وعافى مرضاهم، ورحم موتاهم، وأظهرهم على عدوه وعدوهم.

والله أعلم.

والحمد لله رب العالمين

مع تحيات د. عمر حماد

الجمعة 8/12/2023م

الموافق 25/جمادى الأولى/1445هـ