11/3/2024

د. عمر حماد  عضو هيئة علماء فلسطين

المسلم لا يخذل أخاه المسلم ولا يسلمه

عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «المسْلِمُ أَخُو المسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» رواه البخاري ومسلم.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ»

الشرح والتعليق

1-    هذا الحديث فيه تأكيد روابط الإخوة الإيمانية، وأواصر الحب في الله، تلك الإخوة التي قد تكون أقوى من إخوة النسب؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]، وحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا”، وشبك بين أصابعه؛ [متفق عليه].

2-    في الحديث بيان احتياج المسلمين إلى الائتلاف والاعتصام والتآخي، فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، يرى بأعينهم ويتقوَّى بقوتهم ويستنير ببصيرتهم، ولذا طلب موسى عليه السلام من ربه أن يعينه بأخيه هارون عليه السلام؛ ففي الآية الكريمة: ﴿ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ﴾ [طه: 29 – 32]، وقوله تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [التوبة: 71].

ولأجل هذا آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، وأصلح ما كان بين الأوس والخزرج من رواسب الجاهلية، وذلك لضمان سلامة المجتمع من الداخل.

3-    قوله (المسْلِمُ أَخُو المسْلِمِ ) أسلوب خبري يدل على الطلب إما على سبيل الإيجاب أو الندب والاستحباب؛ ويؤكد ذلك قوله تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 103]، وقوله سبحانه: ﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2].

4-    قوله (لا يَظلمه) فيه النهي عن الظلم، فالظلم محرم بالكتاب والسنة؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].

               ومن الظلم عدم إعطاء الحقوق لأصحابها، ومن أهم الحقوق المترتبة لأهلنا في غزة النصرة والمساندة المادية والمعنوية، والشعور بشعورهم ومؤازرتهم على عدوهم.

5-    قوله (ولا يسلمه) فيه إشارة إلى نصرة المظلومين والضعفاء؛ أي: لا يترك نصرته مع القدرة؛ يقال‏:‏ أسلم فلان فلانًا: إذا ألقاه إلى الهلكة ولم يحمه من عدوِّه، أو من مصيبة نزلت به، أو من تسلُّط ظالم عليه.

6-    قوله (لا يظلمه ولا يسلمه) أي لا يظلمه لا في ماله، ولا في بدنه، ولا في عرضه، ولا في أهله، يعني لا يظلمه بأي نوع من الظلم ” ولا يسلمه يعني لا يسلمه لمن يظلمه، فهو يدافع عنه ويحميه من شره، فهو جامع بين أمرين:

الأمر الأول: أنه لا يظلمه.

والأمر الثاني: أنه لا يسلمه لمن يظلمه بل يدافع عنه.

7-    قوله (ولا يخذله) خِذلان المسلم للمسلم ترك النصرة له وعدم إعانته على ظالمه.  

8-    قوله (وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ) يدل على أن الجزاء من جنس العمل، ومن عاون أخاه وساعده وبذل له المعروف بماله أو بجاهه أو بشفاعته، وما شابه، فإن الله تعالى يساعده في حاجته ويعينه عليها، جزاءً وفاقاً.

9-    قوله (ومَن فرَّج عن مسلم كربةً، فرج الله عنه كربةً مِن كربات يوم القيامة) فيه فضل تفريج الكربات، والكربات؛ أي الضيقات والشدائد والهموم؛ من فقر أو دين أو غرم، أو دية أو حبس، وما أشبه ذلك، وفي صحيحَي البخاري ومسلم عن النبيِّ صلَّى اللهُ عَليْه وسلَّمَ أنَّهُ قال: “كان رجلٌ يُدايِن النَّاسَ، فكان يقول لِفَتاهُ: إذا أتَيْتَ مُعسِرًا فتجاوز عنه لعلَّ اللهَ يتجاوَزُ عنَّا، قال: فلَقِيَ اللهَ فتَجاوَزَ عَنهُ”.

10-   قوله (ومَن ستر مسلمًا، ستره الله يوم القيامة) فيه فضل الستر على الناس ولا سيما أهل الصلاح؛ عملًا بقوله صلى الله عليه وسلم: “ومَن ستر مسلمًا، ستره الله يوم القيامة”.

11-   أخرج ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلَّى الله عليْه وسلَّم: «مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، كَشَفَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، حَتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ».

12-   واجبنا تجاه من يفعل المعاصي: يجوز الستر على المسلم إذا لم يكن من أهل التهاون بالمعاصي، ولم يعرف عنه كثرة اقتراف الذنوب وارتكاب المحرمات، ففي هذه الحالة ينصحه ويخوفه ويحذِّره من العودة إليها، أما إن كان صاحب عادة وفسوق، فلا تبرأ ذمته حتى يُرفع أمره إلى من يعاقبه بما ينزجر به، أما إن كانت المعصية في حق لآدمي كأن يراه يسرق من بيت أو دكان، أو رآه يزني بامرأة فلان، فلا يجوز الستر عليه، لِما فيه من إهدار حق الآدمي، وإفساد فراشه، وخيانة المسلم، وكذا لو علم أنه القاتل أو الجارح لمسلم، فلا يستر ويُضيِّع حقَّ مسلم، بل يشهد عليه عند الجهات بأخذ الحقوق، والله تعالى أعلم.

13-   ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أمور، كلها تدخل في باب الواجب على المسلم تجاه إخوانه في غزة:

فالأول: عدم ظلمهم، ومن الظلم جلد ظهرهم، وحديث السوء عليهم.

والثاني: عدم تركهم يواجهون الصهاينة المحتلين المعتدين وحدهم، والاكتفاء بالنظر إليهم .

الثالث: ترك نصرتهم وعدم مساعدتهم بالمال.

الرابع: عدم المشاركة في سد حوائجهم، أو عدم تفريج كربتهم والضائقة التي نزلت بهم، خصوصا مع ما نراه الآن من مجاعة وأمراض بدأت تفتك بهم.

الخامس: عدم سترهم، ويدخل فيها عدم توفير البيوت المتنقلة أو الخيام أو الملابس التي تقيهم البرد أو الحر، أو المأوى الآمن لاستقبالهم، أو الطعام والشراب النظيف، كما يدخل أيضا الستر عليهم في توفير كل ما يحتاجونه دون تأخر أو انتظار رؤية حاجتهم على القنوات الفضائية.

14-   عجيب ما نراه في هذا الزمان من خذلان الأخ والصديق وتكالب ملة الكفر عموما على غزة وأهلها؛ حتى صدق فيهم وفينا وصف النبي ﷺ في الحديث الذي أخرجه أبو داود بإسناد حسن، قال: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها” فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن». فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا وكراهية الموت». وهذا هو حالنا والله المستعان؛ تفرقنا وخذل بعضنا بعضا وأخذت الدنيا مكانها في قلوبنا وتربعت، وعاش الكثير منا في دائرة ذاته ونسى أخاه وأمته؛ فاستفرد بنا عدونا واحدا تلو الآخر، دون أن نتعظ ونأخذ العبرة.

15-   وأختم قائلا:لا شك فإن ترك نصرة المؤمن لأخيه باب شر عظيم، وسبب في حدوث فتنة وفساد كبير فقد تهدمت بالخذلان مربعات سكنية على رؤوس النساء والأطفال والشيوخ، وقصفت مستشفيات ومدارس وتعطلت كنائس ومساجد يذكر فيها اسم الله، وقد حذر ربنا سبحانه فقال: ﴿والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير﴾ [الأنفال:73]. وعليه فإن الإيمان الصحيح في قلب المسلم يدفعه للنهوض وبذل كل غال لنصرة أمته والذود عن حياضها، والدفاع عن أرضها ومقدساتها، فيكون نصيرا ومخلصا للمستضعفين من الرجال والنساء والولدان، قال تعالى: ﴿وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هٰذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا﴾ [النساء:75].

نسأل الله تعالى أن يرزقنا الشهادة، وأن يبلغنا منازل الشهداء

والله أعلم.

والحمد لله رب العالمين

مع تحيات د. عمر حماد

الجمعة 1/3/2024م

الموافق 19/شعبان/1445هــ