3/3/2024

د. عمر حماد  عضو هيئة علماء فلسطين

من سأل الله الشهادة بصدق

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ صَادِقًا، أُعْطِيَهَا، وَلَوْ لَمْ تُصِبْهُ» رواه مسلم.

عَنْ سهل بن حنيف رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ سَأَلَ اللهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ، بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ» رواه مسلم.

الشرح والتعليق

1-    هذا الحديث يدل على استحباب طلب الشهادة، وقد جهر بعض الصحابة بهذا الطلب أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم كـ(عمير بن الحمام) رضي الله عنه، وبشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة.

2-    قوله (من طلب الشهادة) أي سأل الله أي يموت شهيدا.

3-    قوله (صادقا) أي طلب من الله أن يموت شهيداً حال كونه صادقاً ومخلصاً في طلبه إياها.

4-    قوله (أُعطِيَها) بالبناء للمفعول (بضم الهمزة وكسر الطاء) أي أُعطي أجر الشهادة بأن يبلغه اللّه منازل الشهداء كما فسره بذلك في الحديث الثاني.

5-    قوله (ولو لم تصبه) أي مات على فراشه، ولم يمت شهيدا، وذلك أمر لا يطلع عليه إلا اللّه أو من أطلعه اللّه عليه.

6-    قال القاضي عياض: هذا يدل على أن من نوى شيئاً من أفعال الخير ولم يفعله لعذر يكون بمنزلة من عمله، ويدل على ندب سؤال الشهادة ونية الخير.

7-    قال ابن الجوزي في كتابه (كشف المشكل من حديث الصحيحين) : وَهَذَا لِأَن صدق الطّلب للشَّهَادَة يدل على تَسْلِيم النَّفس لَهَا ورضى الْقلب بهَا، فَكَأَنَّهَا وَقعت فَحصل أجرهَا، كَقَوْلِه تَعَالَى: {قد صدقت الرءيا} [الصافات: 105] فَإِذا لم يَجْرِ الْقدر بالمطلوب فَذَاك لَيْسَ إِلَى الطَّالِب، فَيعْطى بِطَلَبِهِ مَا طلب.

8-    ولعل سائلا يسأل: ألم يَنْهَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن تمني الموت بقوله (لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه فإن كان لابد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي)؟

9-    والجواب عن ذلك كما قال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح: أفتى النووي: أنه لا يكره تمني الموت لخوف فتنة دينية، بل قال: إنه مندوب، ونقل عن الشافعي، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهما. وكذا يندب تمني الشهادة في سبيل الله، لأنه صح عن عمر وغيره، بل صح عن معاذ: أنه تمناه في طاعون عمواس، ومنه يؤخذ تمني الشهادة ولو بنحو طاعون، ويندب أيضا تمني الموت ببلد شريف لما في البخاري: أن عمر – رضي الله عنه – قال: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي ببلد رسولك. فقالت بنته حفصة: أنى يكون هذا؟ فقال: يأتي به الله إذا شاء. وقد أعطاه الله إياها، فإن قاتله كافر مجوسي.

10-   النية في طلب الشهادة تحتاج إلى صدق من الإنسان، فلا تكون مجرد كلمة يقولها الإنسان بلسانه ويسأل ربه من غير حضور القلب.

11-   وقد رأينا قبل أيام من سأل الله الشهادة وهو بعيد عن أرض الجهاد فأعطاه الله إياها – ولا نزكي على الله أحدا- ونسأل الله أن يتقبله.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا الشهادة، وأن يبلغنا منازل الشهداء

والله أعلم.

والحمد لله رب العالمين

مع تحيات د. عمر حماد

الجمعة 5/1/2024م

الموافق 23/جمادى الآخرة/1445هـ