29/2/2024

د. عمر حماد  عضو هيئة علماء فلسطين

الأمور التي تعادل الجهاد في سبيل الله

عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الجِهَادَ؟ قَالَ: «لاَ أَجِدُهُ» قَالَ: «هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ المُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلاَ تَفْتُرَ، وَتَصُومَ وَلاَ تُفْطِرَ؟» ، قَالَ: وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ؟، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «إِنَّ فَرَسَ المُجَاهِدِ لَيَسْتَنُّ فِي طِوَلِهِ، فَيُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتٍ» رواه البخاري.

وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَعْدِلُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: «لَا تَسْتَطِيعُونَهُ»، قَالَ: فَأَعَادُوا عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: «لَا تَسْتَطِيعُونَهُ»، وَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللهِ، لَا يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ، وَلَا صَلَاةٍ، حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى» رواه مسلم.

الشرح والتعليق

1-    يدل الحديث على فضل الجهاد سبيل الله تعالى.

2-    قوله (دلَّني) بفتح اللام.

3-    قوله (على عمل يعدل الجهاد) أي يساويه ويماثله.

4-    (قال: لا أجده): القائل هو النبي عليه الصلاة والسلام.

5-    قوله (لا أجده) أي لا أجد العمل الذي يعدل الجهاد

6-    قوله (ثم قال) القائل هو النبي عليه الصلاة والسلام

7-    قوله (هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخلَ مسجدك فتقومَ) بالنصب عطفًا على أن تدخل (ولا تفترَ وتصومَ ولا تفطرَ) بنصبهن عطفًا على السابق، أي: تداوم على الصلاة والصوم مدة غيبة المجاهد عن أهله.

8-    (قال: ومن يستطيع ذلك) القائل هو الرجل الذي سأل السؤال، وهذا الاستفهام استفهام إنكاري أي: لا طاقة بذلك، وهذا باعتبار العادة البشرية المألوفة.

9-    قوله: (إن فرس المجاهد ليستنّ) من الاستنان وهو العَدْوُ والركض، وقال الجوهري هو أن يرفع يديه ويطرحهما معًا

10-   قوله (في طِوَلِه)، بكسر الطاء المهملة وفتح الواو: حبله المشدود به المطوّل له ليرعى وهو بيد صاحبه

11-   قوله (فيكتب له حسنات). أي فيكتب له استنانه حسنات فالضمير راجع إلى المصدر الذي دل عليه ليستنّ فهو مثل: اعدلوا هو أقرب للتقوى، وحسناتٍ نصب على أنه مفعول ثانٍ.

12-   قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هَذَا تَعْظِيمٌ لِأَمْرِ الْجِهَادِ جِدًّا لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْقِيَامَ بِآيَاتِ اللَّهِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ فَقَدْ عَدَلَهَا الْمُجَاهِدُ، وَصَارَتْ جَمِيعُ حَالَاتِهِ مِنْ تَقَلُّبِهِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ مِنْ أَكْلِهِ وَنَوْمِهِ وَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ لِمَا يَحْتَاجُهُ، وَأَجْرُهُ فِي ذَلِكَ كَأَجْرِ الْمُثَابِرِ عَلَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَتِلَاوَةِ كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي لَا يُفْتَرُ، وَقَلِيلٌ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ لَا تَسْتَطِيعُونَهُ.

13-   وَمن الأمور التي يدل عليها الحديث: أَنَّ الْفَضَائِلَ لَا تُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ اللَّهِ عَطَاءٌ وَإِحْسَانٌ.

14-   الْمُجَاهِدُ فِي جَمِيعِ حَالَاتِهِ فِي عِبَادَةٍ مَعَ الْمَشَقَّةِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْقَلْبِيَّةِ، وَمُخَاطَرَتِهِ بِنَفْسِهِ الَّتِي هِيَ أَعَزُّ الْأَشْيَاءِ عِنْدَهُ، وَبَذْلِهِ لَهَا فِي رِضَى اللَّهِ تَعَالَى.

15-   قال الطيبي: فإن قلت: فيما شبهت حال المجاهد بحال الصائم القائم؟ قلت: في نيل الثواب الجزيل بكل حركة وسكون في كل حين وأوان ; لأن المراد من الصائم القائم من لا يفتر ساعة من ساعاته آناء الليل وأطراف النهار من صيامه وصلاته، شبه المجاهد الذي لا يضيع لمحة من لمحاته من أجر وثواب، سواء كان قائما، أو نائما يقاتل العدو أم لا. بالصائم القائم الذي لا يفتر عما هو فيه.

والله أعلم.

والحمد لله رب العالمين

مع تحيات د. عمر حماد

الجمعة 15/12/2023م

الموافق 2/جمادى الآخرة/1445هـ