كتبه/ أبو سعيد راشد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فالجهاد فرض من فرائض الله سبحانه وتعالى على المسلمين، وقد مَنَّ االله سبحانَه وتعالى على المسلمين بفتح أبواب الجهاد في أطراف بيت المقدس. وكما أن العدو الصهيوني أشد مكرًا وحيلة؛ فإن الوعْدَ بثواب جهادهم مضاعف أيضًا كما هو معهود عند علماء السلف، فقد كان عبد الله بن المبارك رحمه الله يأتي من وطنه في تركمانستان إلى الشام ويقاتل هناك المقاتلين من أهل الكتاب لينال الأجرين.

وهذه المقالة جمعتُ فيها الأحاديث والنصوص من الفقهاء والتي تدل على الثواب المضاعف في قتال المقاتلين المعتدين من أهل الكتاب، وخاصة المعتدين من اليهود؛ فإن الأحاديث الثلاثة وردت فيمن قُتِلَ من الصحابة في غزوة بني قريظة وغزوة خيبر.

وهي جهد ننصر به إخواننا في غزة هاشم؛ لعل الله أن يُقَوِّي به العزائم في ميدان المعركة، ولعل الله أن يُحَرِّض به مَنْ خلفهم من الأمة الإسلامية.

الحديث الأول: روى الإمام الطبراني رحمه الله في المعجم الكبير: عن ابن شهابٍ “فِي تَسْمِيَةِ مَنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ خَيْبَرَ مع رسول الله من الأنصار ثُمَّ مِنْ بني حَارِثَةَ – مَحْمُودُ بن مَسْلَمَةَ”. وَذَكَرُوا أن رسولَ الله ﷺ قَالَ لِمُحَمَّدِ بن مَسْلَمَةَ: “أَخُوكَ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ”([1]).

الحديث الثاني: عن عَبْدِ الْخَبِيرِ بْنِ قيس ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ ، يُقَالُ لَهَا: أُمُّ خَلاَّدٍ، وَهِيَ مُتَنَقِّبَةٌ، تَسْأَلُ عَنِ ابْنِهَا وَهُوَ مَقْتُولٌ؟ فَقَالَ لَهَا بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ: جِئْتِ تَسْأَلِينَ عَنِ ابْنِكِ وَأَنْتِ مُتَنَقِّبَةٌ؟ فَقَالَتْ: إِنْ أُرْزَإِ ابْنِي فَلَنْ أُرْزَأَ حَيَائِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ابْنُكِ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ. قَالَتْ: وَلِمَ ذَاكَ، يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: لأَنَّهُ قَتَلَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ ([2]). وفي رواية أخرى عن ثابت بن قيس بْنِ شَمّاسٍ رضي الله عنه قال: قُتِلَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، يُدْعَى خَلادًا، فَقِيلَ لأُمِّهِ: يَا أُمَّ خلاد، قتل خلاد، فَجَاءَتْ وهِيَ مُنْتَقِبَةٌ، فَقِيلَ لَهَا: قُتِلَ خَلادٌ وتَجِيئِينَا مُنْتَقِبَةً؟ فَقَالَتْ: إن رزئت خلاداً، فلا أرزأُ حيائي. فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: أَمَا إِنَّ لَهُ أَجْرَ شَهِيدَيْنِ”. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ولِمَ؟ قال: لأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ قَتَلُوهُ ([3]).

الحديث الثالث: روى الإمام مسلم: عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه (في حديث طويل) قال: خَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقُتِلَ عمي عامرٌ في خيبر، فقال رسول الله ﷺ: لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ ([4]).

شرح غريب الحديث: الرُّزء -بضم الراء-: المصيبة بفقد الأحبة، وهو من الانتقاص، تقول: إن أُصِبْتُ به وفقدتُه فلن أُصب بحيائي، فلهذا تَنَقَّبَتْ.

والنقاب عند العرب الذي يبدو منه محجر العين.  (تسأل عن ابنها) إن كان في الجَنَّة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت في البكاء. (فقال لها بعض أصحاب النبي ﷺ: جئت تسألين عن ابنكِ وأنتِ مُنْتَقِبَة). لعله أُنكر عليها ستر وجهها من النبي ﷺ في حال سؤالها، والوجه لا يستر بالنقاب إلا لخوف الفتنة. (فقالت: إن أُرْزَأ ابني) أي: إن أُصَبْ بمصيبة موت ابني الذي هو بِضْعَةٌ مني (فلن: أُرْزَأْ حيائي) أي: فلا أضم إليها مصيبة أخرى وهي ترك الحياء الذي هو من الإيمان، ولعلها إنما تركت النقاب على وجهها حياء ممن كان حاضرًا عند النبي ﷺ.  (فقال رسول الله ﷺ: إنَّ ابنَك له أجر شهيدين) ممن قُتِل في سبيل الله، يُبَشِّرُها بما لَهُ من النَّعيم المقيم والكرامة عند الله؛ لِيَهُوْن صبرُها على ابنِها. وابنُها اسمه خلادٌ الأنصاري، قتِل في غزوة بني قريظة. (قالت: ولم ذاك؟) أي: ما سبب تضاعُف أجره حتى يرغَبَ غيرُه في ذلك (قال: لأنه قتله أهلُ الكتاب) فيه الحث على جهاد أهل الكتاب وفضله ([5]). (أهل الكتاب): قال الإمام القرطبي رحمه الله:لا خلاف في أن اليهود والنصارى أهل كتاب. ولأجل كتابهم جاز نكاح نسائهم وأكل طعامهم وضرب الجزية عليهم ([6]).  

ما يستفاد من الأحاديث:

أولًا: الحث على جهاد أهل الكتاب

قال الموفَّق ابن قدامة المقدسي الحنبلي (المتوفى 620هـ): فصل: وقتال أهل الكتاب أفضل من قتال غيرهم. وكان ابن المبارك يأتي مِنْ “مَرْوَ” (تركمانستان) لغزو الروم. فقيل له في ذلك؟ فقال: إن هؤلاء يقاتلون على دين. وقد روي عن النبي ﷺ أنه قال لأم خلاد: إن ابنك له أجر شهيدين. قالت: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: لأنه قتله أهل الكتاب. رواه أبو داود ([7]).

قال منصور بن يونس الحنبلي المتوفى 1051هـ في شرح منتهى الإردات: (وَمَعَ تَسَاوٍ) فِي قُرْبٍ وَبُعْدٍ بَيْنَ عَدُوَّيْنِ، وَأَحَدُهُمَا أَهْلُ كِتَابٍ (جِهَادُ أَهْلِ الْكِتَابِ أَفْضَلُ)؛ لِقَوْلِهِ ﷺ لِأُمِّ خَلَّادٍ: إنَّ ابْنَك لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ قَالَتْ: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ قَتَلَهُ أَهْلُ كِتَابٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ عَنْ دِينٍ ([8]). (جِهَادُ أَهْلِ الْكِتَابِ أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ ﷺ لِأُمِّ خَلَّادٍ: إنَّ ابْنَك لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ، قَالَتْ: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ قَتَلَهُ أَهْلُ كِتَابٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ عَنْ دِينٍ ([9]).

قال الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني المتوفى 1182هـ: قوله: “لأنه قتله أهل الكتاب” فيه دليل على أن من قتله أهل الكتاب أفضل ممن قتله الكفار الذين لا كتاب لهم ([10])

وقال ابن رِسْلان في شرح حديث أم خلاد: فيه الحث على جهاد أهل الكتاب وفضله ([11]).

ثانيًا: جواز تعدد الثواب:

قال ابن حجر رحمه الله: ولا مانع من تعدد الثواب بتعدد الأسباب كمن يموت غريبًا بالطاعون، أو نفساء مع الصبر والاحتساب ([12]).

ثالثًا: تعميم الشهداء وأنهم مراتب:

قال شمس الدين الرُّعيني المالكي المغربي (المتوفى 954هـ): * من قتله العدو بحجر أو بعصا أو خنقوه حتى مات، أو قتلوه أيَّ قَتْلَةٍ كانت في معركة، أو في غير معركة فهو كالشهيد في المعترك. * ولو أغار العدو على قرية من قرى الإسلام فدافعوهم عن أنفسهم كان من قُتِل منهم كالشهيد في المعركة. * ولو قتلوهم في منازلهم في غير ملاقاة ولا معترك فإنهم يغسلون ويصلى عليهم بخلاف من قتل في المعركة، وقال ابن وهب: هم كالشهداء في المعترك حيثما نالهم القتل، منهم محمد بن يونس وبه أقول. وسواء كانت امرأة، أو صبية، أو صبيا ([13]).                        

رابعًا: درجات الشهيد المضاعفة:

عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ، اليَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ ([14]).

خامسًا: ثواب الإنفاق المضاعف:

عن أبي هريرة عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَرْسَلَ بِنَفَقَةٍ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأَقَامَ فِي بَيْتِهِ، فَلَهُ بِكُلِّ دِرْهَمٍ سَبْعُ مِئَةِ دِرْهَمٍ، وَمَنْ غَزَا بِنَفْسِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأَنْفَقَ فِي وَجْهِ ذَلِكَ، فَلَهُ بِكُلِّ دِرْهَمٍ سَبْعُ مِئَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} ([15]).

سادسًا: ثواب الرباط المضاعف:

عَنْ أَبِي صَالِحٍ، مَوْلَى عُثْمَانَ قَال: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بن عفان رضي الله عنه وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: إِنِّي كَتَمْتُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ كَرَاهِيَةَ تَفَرُّقِكُمْ عَنِّي، ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ أُحَدِّثَكُمُوهُ لِيَخْتَارَ امْرُؤٌ لِنَفْسِهِ مَا بَدَا لَهُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَنَازِلِ ([16]).

وختامًا.. فها هو الجهاد بأجرين قَدْ فتَح أبوابه على مصراعيه بكل ما يُعَدُّ له من قوة ومن رباط الخيل فطوبى لرجال فلسطين ومن ناصرهم. فطوبى لمن شارك في الجهاد في فلسطين، وطوبى لمن يقاتل على أبواب بيت المقدس، وطوبى لمن ينفق، وطوبى لأم الشهيد وأخته وزوجته، وصبرًا أيها الإخوة المرابطون على ثغر هذه الأمة فإن الله ناصر من ينصره.

 يوم الأربعاء 10 ربيع الآخر 1445هــــ

                                                                                                               الموافق 25/10/2023م

نقلاً عن:


([1] ) المعجم الكبير (19 / 304) برقم (678) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد، كتاب المغازي والسير، باب غزوة مؤتة (6 / 155) برقم (10212)

([2] ) رواه أبوداود، كتاب الجهاد باب فضل قتال الروم (3 / 5) برقم (2488) المكتبة العصرية، بيروت. ورواه البيهقي في السنن الكبرى، أبواب السير، باب ما جاء في فضل قتال الروم وقتال اليهود (9 / 295) برقم (18591)

([3] ) رواه أبو الحجاج المزي بسنده في تهذيب الكمال (16/ 468)

([4] ) صحيح مسلم، كتاب الجهاد، باب غزوة ذي قِرْدٍ (3 / 1433) برقم (1807)

([5] ) انظر: شرح سنن أبي داود لابن رِسلان، كتاب الجهاد، باب فضل قتال الروم على غيرهم من الأمم (11/ 38)

([6] ) تفسير القرطبي، آية62 من البقرة (1/ 434)

([7] ) المغني لابن قدامة المقدسي المتوفى 620هـ، كتاب الجهاد، الغزو مع كلِّ بَرٍّ وفاجِرٍ (9/ 200) وانظر الشرح الكبير على المقنَّع لشمس الدين عبد الرحمن المقدسي المتوفى 682هـ، كتاب الجهاد، غزو البحر أفضل من غزو البر (10 / 21)

([8] ) شرح منتهى الإرادات، كتاب الجهاد، قوله: وجهاد العدو المجاور متعين إلا لحاجة إلى قتال الأبعد (1/ 620)

([9] ) مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى لمصطفى بن سعد الحنبلي المتوفى 1243هـ (2/ 507)

([10] ) التحبير لإيضاح معاني التيسير (تيسير الوصول إلى جامع الأصول لابن الدَّيبَع) (3/ 26) مكتبة الرشد الرياض.

([11] ) شرح سنن أبي داود لابن رِسلان، كتاب الجهاد، باب فضل قتال الروم على غيرهم من الأمم (11/ 38)

([12] ) فتح الباري، كتاب الطب، باب أجر الصابر في الطاعون (10/ 194)

([13] ) مواهب الجليل في شرح مختصر خليل، كتاب الجنائر، بحث الفروع، شرح قوله: ولايغسل شهيد معترك فقط (2/ 248)

([14] ) سنن الترمذي، أبواب فضائل الجهاد، باب في ثواب الشهيد (3/ 239) برقم (1663)

([15] ) رواه ابن ماجة، أبواب الجهاد، باب فضل النفقة في سبيل الله (4 / 56) برقم (2761)

([16] ) سنن الترمذي، أبواب فضائل الجهاد، باب ماجاء في فضل الرباط (3/ 241) برقم (1667) قال الترمذي: أبو صالح: اسمه بُركان.