11/10/2023

الخطيب: د. محمد سعيد بكر

المحاور:

 الإعداد يحتاج إلى مشروع تكاملي، تراكمي، يعتني بالبناء “النوعي” لأبناء الأمة أو لفئة محدودة منهم تحضيراً لهم ليكونوا القيادات الميدانية للمعركة الوشيكة بيننا وبين أعداء البشرية وأعداء الأمة “يهود” وذلك للأسباب الآتية:

1. أن الإعداد واجب الوقت وكل وقت، فهو فرض عين على كل مسلم ومسلمة، في السلم والحرب، كلٌّ بحسب استطاعته لقوله تعالى: “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ” (الأنفال: 60)، وقد روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “سَتُفْتَحُ علَيْكُم أرَضُونَ (وفي رواية: فتوح)، ويَكْفِيكُمُ اللَّهُ، فلا يَعْجِزُ أحَدُكُمْ أنْ يَلْهو بأَسْهُمِهِ”.

2. أن ترك الإعداد يعرضنا للعتاب الرباني والإثم الشديد، ويجعلنا في دائرة المنافقين لقوله تعالى: ” ولَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ” (التوبة: 46).

3. أن من أسباب السلامة من كبيرة الفرار من الزحف أثناء المعارك القائمة التلبس الجاد في الإعداد للمعارك القادمة، قال تعالى: ” وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ” (الأنفال: 16).

4. أن كلمة “وأعدوا” تؤكد وجوب جاهزيتنا المستمرة لخدمة ونصرة دين الله تعالى، ولا جهاد بلا إعداد .. وعلى قدر الإعداد يأتي من الله الإمداد.

5. أن أعداء البشرية وأعداء الأمة من اليهود والمنافقين لهم لا يخافون من الله تعالى بقدر خشيتهم من المسلم الذي لا يتخلى عن مشروع الإعداد ويبقى مستعداً، وهم يسعدون بغفلتنا عن مشروع الإعداد ليميلوا علينا ميلة واحدة، فالإعداد ترهيب وتخويف لهم عن مجرد المساس بأمتنا ودعوتنا، قال تعالى: “ترهبون به عدو الله وعدوكم” وقال تعالى: “لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ” (الحشر: 13) .. في حين أننا إذا تركنا مشروع الإعداد استهدَفَنا العدو واستنزفنا، لأجل ذلك يقول الشاعر:

قد هوينا لما هوت “وأعدوا”          

  “وأعدوا” من الهوى ترياقُ

6. أن مجرد الأمنيات العريضة بأن يكون لنا سهم في نصرة إخواننا والدفاع عن أوطاننا ومقدساتنا دون إعداد ولا تحضير؛ كل ذلك لا قيمة له بل قد يكون حجة علينا، والله تعالى ذكر قوماً كانوا يطلبون الجهاد ويسألون الله أن يمن عليهم بإدارة جهادية .. فلفت انتباههم إلى أهمية الإرادة والنية قبل الإدارة والقيادة في قوله تعالى: ” أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ” (البقرة: 246).

7. أن معركتنا الفاصلة وشيكة، فإما أن نحقق الجاهزية لها، بالمتاح والمستطاع، فنأخذ زمام القيادة التي تنظم الصفوف، وتجاهد في سبيل الله على بصيرة، وإما أن نكون من جنودها في أقل تقدير، أو أن تحلَّ بنا سُنة الاستبدال التي لا تحابي المتخلفين والمعوَّقين عن مشروع الإعداد والجهاد، قال تعالى: “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” (المائدة: 54).

8. أن ما تواتر من أحاديث الطائفة المنصورة وحقيقة المعركة الفاصلة ليؤكد بما لا يدع مجالاً للشك شرف زماننا ومكاننا وأهمية جاهزيتنا، فالطائفة المنصورة ببيت المقدس وأكنافه، والمعركة الفاصلة سيلتحم فيها شرقي النهر وغربيَّهُ، ونحن في أرض رباط، والرباط لزوم ثغر متاخم (مجاور) للعدو بنية الحراسة والإعداد تحسباً لأي قتال وجهاد.

9. أن الأمة التي تُعِدُّ نفسها فمهما طال إعدادها؛ تقصر معاركها وتُحسم لصالحها، والأمة التي لا تُعِدُّ نفسها؛ تطول معاركها وتستنزفها ولا تحسم لصالحها.

10. أن في السيرة النبوية ما يؤكد أن مشروع الإعداد بدأ مبكراً في العهد المكي، وإن كان الصحابة الكرام قد أُمروا بأن يكفُّوا أيديهم .. فكان ثمة إعداد تكاملي تراكمي (روحي، فكري، جسدي، نفسي، ..)، فلما نادى المنادي: يا خيل الله اركبي، بالإذن الرباني؛ عندها عزم الأمر فصدق الصحابة ربهم فكان خيراً لهم .

11. أن واجب الحيطة والحذر الذي كلفنا الله تعالى به لحفظ أنفسنا ومكتسبات دعوتنا لا يمنع من الإعداد، وفي الوقت الذي لا يجوز لنا أن نطلب فيه المواجهة ينبغي أن لا تتراخى أيادينا عن الإعداد والتحضير لها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف” رواه البخاري.

12. أن وعد الله تعالى للمؤمنين بالنصر والتمكين، ووعيده بالمجرمين المعتدين بالهلاك والفناء، في سورة الإسراء يتطلب منا أن نشارك في صناعة هذا القدر الإلهي بإعداد جيل “عباداً لنا أولي بأس شديد” لننال شرف الفتح المبين ولو بعد حين.

13. باعتبار أن الإعداد والتحضير للمعركة الفاصلة من واجبات الوقت، صار كل يوم يمضي دون الشروع في هذا المشروع يحملنا إثم ووزر التأخر عن أداء هذه الفريضة، لأجل ذلك فإن المبادرة واجبة، والتسويف أو الخوف أو التردد لا يجور، لاسيما ونحن نرى حجم التسابق في التسلح والإعداد والتطوير لدى أعداؤنا، وما لا يُدرك كله في ميدان الإعداد لا يُترك جله، والذي لا يجيء اليوم يأتي غداً، والزمن جزء من المرض .. ويصبح جزءاً من العلاج إذ سرنا وفق خطة ومنهاج .. ومن أخذ بالأسباب الموجودة منحه الله الأسباب المفقودة.

14. أنه من البدهي القول بأنه كلما زادت فاتورة الإعداد قلَّت فاتورة الجهاد والعكس صحيح.

🔴 أما كيف يكون الإعداد؟

  الخطوة الأولى والأهم في مشروع الإعداد هي النية .. فمن تحقق من نية الجهاد إما أن يفتح الله له باب جهاد وشهادة .. وإما أن يكفيه ويعفيه الله تعالى بشرف النية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ ” رواه مسلم.

 وبعد ذلك يمكن تقسيم المشروع إلى مجالات (لتحصيل التكامل) ومراحل (لتحصيل التراكم)، وذلك على النحو الآتي:

✅ الإعداد الروحي:

1. قواعد في البناء الروحي الوجداني التزكوي.

2. مُدارسة عقيدة المرابط والمجاهد.

3. مُدارسة أسباب الثبات عند الزحف.

✅ الإعداد الفكري:

1. شبهات وردود حول الجهاد.

2. مُدارسة مقاصد الجهاد في الإسلام.

✅ الإعداد الفقهي:

1. قراءة في تفسير آيات الجهاد (يمكن اختيار سور محددة كالتوبة الأنفال ومحمد) .

2. قراءة في شرح أحاديث كتاب الجهاد في الصحيحين.

3. مُدارسة لأحكام الجهاد والرباط.

4. مُدارسة في قضايا فقهية جهادية معاصرة.

✅ الإعداد التاريخي:

1. قراءة تاريخية في دواعي وأسباب الصراعات البشرية.

2. قراءة في كتاب المغازي من صحيحي البخاري ومسلم. 

3. قراءة أسباب النصر والهزيمة في عدد من الغزوات النبوية والمعارك التاريخية.

4. قراءة في تجارب بعض الحركات الجهادية والثورية.

✅ الإعداد الجغرافي:

1. قراءة في جغرافيا بلاد الشام عموماً.

2. قراءة تفصيلية في جغرافيا الأردن .

3. قراءة تفصيلية في جغرافيا فلسطين.

4. قراءة في أثر الجانب الجغرافي في النصر والهزيمة.

✅ الإعداد الأمني:

1. التأصيل الشرعي للجانب الأمني والعلاقة الوطيدة بين الحذر والنفير.

2. قواعد في أمن المعلومات والأشياء والأجهزة والشخصيات.

3. قواعد في كشف الاختراقات وتحصيل المعلومات من الخصوم. 

4. قواعد في إخفاء القوة وقوة الإخفاء والتعامل الأمثل عند الأسر.

✅ الإعداد البدني:

1. اعتماد برنامج غذائي مدروس.

2. اعتماد برنامج رياضي مدروس.

3. ممارسة مهارات قوة التركيز.

4. اعتماد برنامج كشفي نوعي.

✅ الإعداد المالي:

1. قواعد في تحقيق الكفاية المالية والاستغناء.

2. قواعد في الاستثمار الأمثل للموارد المالية.

3. قواعد في جمع الدعم اللازم للمشروع (دعم وتبرعات).

4. العمل على تحقيق ادخار يكفي لتجهيز النفس للغزو.

✅ الإعداد النفسي:

1. بناء الاستعداد النفسي للتضحية.

2. دراسة للأنماط النفسية والسلوكية للعدو. 

3. معالجات نفسية لبعض الآفات المتوقعة من المجاهد. 

4. تمكين قيمة الثقة والتفاؤل والأمل واليقين بالنصر.

✅ الإعداد السياسي:

1. قواعد في السياسة الشرعية.

2. تطبيقات سياسية جهادية من السيرة النبوية.

3. تطبيقات سياسية جهادية معاصرة.

✅ الإعداد الإداري القيادي:

1. قواعد في الإدارة والقيادة.

2. من آفات القيادة والزعامة والإدارة.

3. مُدارسة لنماذج من قادة الفتح والمجاهدين.

✅ الإعداد الإعلامي:

1. دورة فن الخطابة والإلقاء.

2. دورة أساليب التأثير عبر قنوات التواصل.

3. دورة في المونتاج والتصوير.

4. دورة التحليل الإخباري وقراءة الحدث.

✅ الإعداد الوقائي والعلاجي:

1. قواعد الوقاية من العلل النفسية والأمراض العضوية.

2. مبادئ عامة في العلاج من الأمراض النفسية والعضوية.

3. دورة في الإسعافات الأولوية.

4. دورة في الأدوية والسموم والحرب الجرثومية.

✅ الإعداد الاستقطابي:

1. قواعد التجنيد والدعوة الفردية.

2. محاذير العمل الاستقطابي والوقاية من الاختراق.

3. مبادئ الحوار والاقناع والتأثير.

4. مبادئ اكتشاف وتنمية واستثمار الطاقات والنخب.

✅ الإعداد العسكري: 

1. مبادئ التخطيط العسكري.

2. دراسة نظرية لأكثر أنواع الأسلحة تأثيراً في المعارك.

3. مبادئ الكر والفر والخداع والتمويه.

4. دورات رماية وسباحة ودفاع عن النفس.

✅ الإعداد التقني التكنولوجي الإلكتروني:

هذا الجانب تخصصي احترافي لابد له من ذوي التخصصات الاحترافية في ذات السياق لتفصيل محتواه بشكل دقيق.

✅ الإعداد التخصصي:

من خلال هذا الجانب يقوم أصحاب التخصصات الأكاديمية والوظيفية القائمة بمحاولة إيجاد الرابط الرسالي الخادم لمشروع الإعداد من خلالها، فلكل تخصص من تخصصاتنا الحياتية دوره اللازم للمعركة الفاصلة .. فلا يستهين المسلم بدوره وتخصصه ووظيفته.

✅ الإعداد القانوني:

فعلى الرغم من أننا نعيش شريعة الغاب، وأن الذي يملك القوة هو الذي يملك القانون؛ إلا أنه لا بد من صياغة بعض الدورات القانونية الرافدة لهذا المشروع من ذوي التخصص الدقيق.

🌹وختاماً🌹

مشروع الإعداد يلزمنا كلنا كأفراد ومؤسسات وجماعات ودول؛ كلٌّ بحسب قدرته واستطاعته، وهنيئاً لمن يبادرون فيأخذون منه ويزيدون عليه، ومجال الإبداع في هذا المشروع مفتوح، لأن الإبداع هو الذي يحقق عنصر المفاجأة الملجم والمرغم لأنوف المعتدين، فالمبادرة المبادرة .. ولو أخذ كل متخصص أو صاحب منبر أو أب وأم بجانب من هذا المشروع أو أكثر لعصموا أنفسهم من كبيرة التولي يوم الزحف، ولحازوا على شرف الرباط والجهاد ولو بعد حين.