إعداد الطالبة: علا حب رمان
إشراف: الدكتور محمد همام ملحم
مراجعة وتدقيق: الأستاذ ياسر القادري
1443 هـ / 2022 م
مقدمة
بعد مرور أكثر من خمسين عاماً على احتلال بيت المقدس، وتداعي الأمم عليه كتداعي الأَكَلة إلى قصعتها، وتمزق الأمة الإسلامية وضعف شأنها، وعلو عدوها في الأرض، كان لزاماً أن نذكّر بالوعود الربانية، والقبسات النبوية التي تشير بدلالات واضحة على النصر والتمكين، وأن الله لن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً.
وقد اخترت للحديث عن موضوع القتال بين المسلمين واليهود، الحديث الوارد في صحيح مسلم، وهو قوله ﷺ: “لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ”.[1]
وقد جاء البحث في مقدمة ومبحثين وخاتمة:
المبحث الأول: الحديث من أعلام النبوة:
المطلب الأول: الحديث من أعلام النبوة
المطلب الثاني: ما هو الغرقد؟
المطلب الثالث: مقولة الحجر والشجر
المطلب الرابع: الكتب المقدسة تؤكد
المبحث الثاني: قتال المسلمين لليهود:
المطلب الأول: عداء اليهود للمسلمين دائم
المطلب الثاني: اليهود تحت مظلة التهديد
المطلب الثالث: بيت المقدس مشروع تحرير دائم
المطلب الرابع: زوال اليهود
المطلب الخامس: إدراك اليهود خطر الزوال
المطلب السادس: الأمة التي تستحق النصر
المطلب السابع: استشراف المستقبل
المبحث الأول: شرح حديث “لا تقوم الساعة”:
المطلب الأول: الحديث من دلائل النبوة:
يعتبر هذا الحديث: “لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ” من معجزاته ﷺ، فقد أخبر النبي ﷺ عن قتال المسلمين لليهود في آخِر الزمان قبلَ وقوعه بأكثرَ من ثلاثة عشر قرنًا من الزمان، فلم تقم لليهود دولةٌ بين العرب إلا في هذا العصر، وها هي الحرب قائمة بين المسلمين واليهود، وما زال اليهود يواصلون عدوانهم وبطشهم ويمارسون أشد أنواع الظلم، وقد تبين للعالم طغيانهم وقهرهم للمسلمين. وفي ظل هذه الظروف فقد تأكد ما جاء في السنة النبوية من تجمّع اليهود، وقتلهم، والحرب التي ستستأصل فسادهم وتزيل علوَّهم.
المطلب الثاني: ما هو الغرقد؟
الغرقدُ شجرٌ من نباتٍ، وهو ضربٌ من شجر الشوك، واحده غرقدة. وقيل: هي العوسج، والعوسج إذا عظُم يقال له: الغرقد، والعوسج شجرة شوكية معمّرة تنبت في الأرض الصخرية يصل ارتفاعها إلى متر ونصف، وهي مُورقة في جميع الأوقات، ويتجدد نموّها ما بين شهرَي مارس وإبريل. وزهرتها تكون بوقية الشكل بلونٍ بنفسجي فاتح أو أبيض وبها خمس بتلات. وثمرتها كروية الشكل بلون برتقالي أو أحمر، وتكون أصغر قليلاً من حبة الحمص، وهي من الشجيرات التي يتشاءم منها البدو، وفي الربيع تستخدمها الطيور الجارحة لغرز فرائسها على شوكها. ومنه (بقيع الغرقد)؛ وهو اسم مقبرة المدينة؛ سميت المقبرة به لأنها كانت تنبت فيه وأزيلت منها.
ويضيف خبير الأعشاب “أشرف العناني”: إن من أسمائه المتداولة العوسج، الغرقد، سحنون، شجرة اليهود، وسميت بهذا الاسم الأخير؛ لأنه كما جاء في الحديث أن اليهودي إذا اختبأ وراء أي شجرة ستفضحه إلا شجر الغرقد فإنه لن يخبر بذلك. وقال: إن أوراقه صغيرة شبه دائرية تتخللها أشواك حادة، وأزهاره بيضاء قمعية صغيرة، وثماره حمراء صغيرة تشبه الطماطم، وهو غذاء مفضل لدى الحباري.[2]
المطلب الثالث: مقولة الحجر والشجر:
قضية تكلم الحجر والشجر أثارت الاهتمام وأحياناً التشكيك فكيف يتكلم الحجر والشجر؟
يقول الدكتور يوسف القرضاوي رحمه الله في جواب عن ذلك: “لا مانع أن يكون نطق الشجر والحجر بلسان الحال، وقد قيل: لسان الحال أفصح من لسان المقام. والكلامُ لغة: كلُّ ما يفيد معنى، وإن لم يكن بطريق النطق المعتاد. المهم أن من كان النصر حليفه؛ كان كل شيء يعمل لحسابه، ويدل على عدوه، حتى النبات والجماد، ومن كتب عليه الخذلان؛ كان كل شيء ضده، حتى السلاح الذي في يديه.[3]
وقد ألِفنا الأجهزة الخلوية وهي جمادات لم نستغرب نقلها الأصوات، والطائرات على عظم حمولتها تطير في الهواء، والمركبات تسير في الأرض، وهي من صنع الإنسان فكيف بخالق الحجر والشجر؟ فكما تكلم الحديد وقد كان صامتاً سيتكلم الحجر والشجر.
ولكن السؤال: لماذا الحجر والشجر؟ لعلَّ ذلك لما اتصف به اليهود من صفات ذكرها القرآن الكريم والسنة المطهرة، فهم أشد الناس عداوة للذين آمنوا قال تعالى ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَ اوَةࣰ لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلَّذِینَ أَشۡرَكُوا۟﴾ [المائدة ٨٢]، ولعنادهم وتعنتهم وكثرة اختلافهم على أنبيائهم ﴿وَقَالُوا۟ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفۡجُرَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَرۡضِ یَنۢبُوعًا﴾ [الإسراء ٩٠] تعنتاً وعناداً. وقد قالوا لموسى ﷺ كما أخبر الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذۡ قُلۡتُمۡ یَـٰمُوسَىٰ لَن نَّصۡبِرَ عَلَىٰ طَعَامࣲ وَ احِدࣲ فَٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ یُخۡرِجۡ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۢ بَقۡلِهَا وَقِثَّاۤىِٕهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَاۖ قَالَ أَتَسۡتَبۡدِلُونَ ٱلَّذِی هُوَ أَدۡنَىٰ بِٱلَّذِی هُوَ خَیۡرٌۚ ٱهۡبِطُوا۟ مِصۡرࣰا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلۡتُمۡۗ وَضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ وَبَاۤءُو بِغَضَبࣲ مِّنَ ٱللَّهِۗ ذَلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُوا۟ یَكۡفُرُونَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَیَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّۗ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا۟ وَّكَانُوا۟ یَعۡتَدُونَ﴾ [البقرة ٦١]، ثم لتحريفهم للكتاب ﴿أَفَتَطۡمَعُونَ أَن یُؤۡمِنُوا۟ لَكُمۡ وَقَدۡ كَانَ فَرِیقࣱ مِّنۡهُمۡ یَسۡمَعُونَ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ یُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعۡدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمۡ یَعۡلَمُونَ﴾ [البقرة ٧٥]، وأنهم سماعون للكذب، أكالون للسحت، يأكلون أموال الناس ﴿سَمَّـٰعُونَ لِلۡكَذِبِ أَكَّـٰلُونَ لِلسُّحۡتِۚ فَإِن جَاۤءُوكَ فَٱحۡكُم بَیۡنَهُمۡ أَوۡ أَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡۖ وَإِن تُعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ فَلَن یَضُرُّوكَ شَیۡـࣰٔاۖ وَإِنۡ حَكَمۡتَ فَٱحۡكُم بَیۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِینَ﴾ [المائدة ٤٢]، وأنهم أهل غدر وخيانة ﴿وَإِذَا لَقُوا۟ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ قَالُوۤا۟ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡا۟ إِلَىٰ شَیَـٰطِینِهِمۡ قَالُوۤا۟ إِنَّا مَعَكُمۡ إِنَّمَا نَحۡنُ مُسۡتَهۡزِءُونَ﴾ [البقرة ١٤]، ولقتلهم الأنبياء ومن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ یَكۡفُرُونَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَیَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ بِغَیۡرِ حَقࣲّ وَیَقۡتُلُونَ ٱلَّذِینَ یَأۡمُرُونَ بِٱلۡقِسۡطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِیمٍ﴾ [آل عمران ٢١] إلى غير ذلك من الصفات المذمومة .. ولعل ذلك لشدّة بطش اليهود حتى إن الحجر والشجر لم يَسلَم من الهدم والقطع والظلم، فكم هدمت من بيوت؟ وكم من شجر مثمر قطع؟ وكم من عمران مشيد تمت إزالته؟
المطلب الثالث: الكتب المقدسة تؤكد
لا شك أن الكتب المقدسة لَحِقَها تحريف وتبديل، ولكن هناك بعض العبارات التي سَلِمتْ من ذلك، فقد جاء في الإصحاح السادس من سفر أرميا: هكذا قال الرب: هو ذا شعب قادم من أرض الشمال، وأمة عظيمة تقوم من أقاصي الأرض تُمسك القوس والرمح، هي قاسية لا ترحم، صوتها كالبحر يعجّ، وعلى خيل تركب مصطفّة كإنسان لمحاربتك يا ابنة صِهْيون، سمعنا خبرها، ارتخت أيدينا، أمسكنا ضيق ووجع كالماخض، لا تخرجوا إلى الحقل وفي الطريق لا تمشوا؛ لأن سيف العدو خوف من كل جهة.[4]
المبحث الثاني: قتال المسلمين لليهود:
المطلب الأول: عداء اليهود للمسلمين:
اليهود أهل كتاب، وقد حملوا العداء للمسلمين والدعوة الإسلامية منذ بعثته ﷺ، وأخبرنا ربنا أنهم لن يرضوا عن المسلمين حتى نتبع ملتهم، وأخبرنا أن قتال اليهود للمسلمين لن يتوقف بقوله سبحانه: ﴿وَلَا یَزَالُونَ یُقَـٰتِلُونَكُمۡ حَتَّىٰ یَرُدُّوكُمۡ عَن دِینِكُمۡ إِنِ ٱسۡتَطَـٰعُوا۟ وَمَن یَرۡتَدِدۡ مِنكُمۡ عَن دِینِهِۦ فَیَمُتۡ وَهُوَ كَافِرࣱ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ﴾ [البقرة ٢١٧]، وقوله: ﴿إِن یَمۡسَسۡكُمۡ قَرۡحࣱ فَقَدۡ مَسَّ ٱلۡقَوۡمَ قَرۡحࣱ مِّثۡلُهُۥۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَیَّامُ نُدَاوِلُهَا بَیۡنَ ٱلنَّاسِ وَلِیَعۡلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَیَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَاۤءَۗ وَٱللَّهُ لَا یُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِینَ﴾ [آل عمران ١٤٠].
والمراقب لوضع الأمة الحالي؛ يرى أن المسلمين اليوم ليسوا كما ينبغي من حيث التمسّك بالإسلام، ومن حيث تطبيق الشريعة، فالقتال بنصِّ الحديث يكون من المسلمين الملتزمين المستقيمين، فلهذا ينصرهم الله تعالى على اليهود بسبب استقامتهم على دين الإسلام ونصرهم لدين الله. فيحتملُ أن يكون هذا بعد وقتٍ؛ تتحسن فيه أحوال المسلمين، وتستقيم أمورهم، ويقودهم أمير صالح أو إمام صالح إلى الحق والهدى، ويجتمعون فيه على الحق.[5]
المطلب الثاني: اليهود تحت مظلة التهديد الدائم:
ويمكن تفصيل هذه المسألة من خلال النظر في تاريخ اليهود؛ فقد توعد الله سبحانه وتعالى اليهود نتيجة إفسادهم، وأنذرهم بسوء العذاب قال سبحانه: ﴿وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَیَبۡعَثَنَّ عَلَیۡهِمۡ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ مَن یَسُومُهُمۡ سُوۤءَ ٱلۡعَذَابِۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِیعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورࣱ رَّحِیمࣱ﴾ [الأعراف ١٦٧]، وقد تعرضوا نتيجة فسادهم وإفسادهم إلى نكبات وقتل وتشريد؛ فقد جرت عليهم أكثر من مقتلة على يد “بختنصر”، حيث ساقهم أسرى من القدس إلى بابل، وسلّط عليهم الرومان الذين احتلوا فلسطين بعد عودتهم من السبي البابلي، ثم النصارى فأذلوهم وضربوا عليهم الجزية، وسلَّط عليهم محمداً ﷺ فطهَّر الأرض من رجسهم وأجلاهم عن الجزيرة العربية، وسلّط عليهم أخيراً “هتلر” فاستباح حماهم وكاد أن يبيدهم ويفنيهم بالقتل والتشريد في الأرض، وما يزال وعد الله بتسليط العذاب عليهم سارياً إلى أن يقتلهم المسلمون في المعركة الفاصلة.[6]
وهذه الآيات من الإعجاز الغيبي الذي يوضح ما أكده التاريخ، فكلما جددوا العلو والفساد والاستكبار بعث الله عليهم من يسومهم سوء العذاب، فهي دائرة عليهم كلما داروا بالظلم والعدوان.
المطلب الثالث: بيت المقدس مشروع تحرير:
بيتُ المقدس أرضُ رباط وجهاد دائم، ولم تهدأ فيها الحروب، لما تتمتع به من قداسة وميزات، ويتطلع المسلمون اليوم إلى تحريرها من عدوها الغاصب، فهل نحن مقبلون على نهاية هذا الكيان؟ وما هي المعطيات الحالية للوضع القائم؟
يقول الشيخ رائد صلاح حفظه الله:
الأقصى المبارك مشروع تحرير متواصل إلى قيام الساعة، والمطلوب من الأمة الإسلامية والعالم العربي مواصلة السعي إلى تحريره دون توقف، بدايةً من جيل الصحابة رضي الله عنهم إلى ما شاء الله من أجيال لاحقة، والمطلوب عدم التثاقل إلى الأرض إذا ألمت بالأقصى المبارك أية نائبة في أي زمان كان، وفي عهد أي جيل كان، لأن المنطق الإسلامي السوي يقول: إن رسول الله ﷺ يوم أن جعل الأقصى المبارك مشروع تحرير فإن ذلك يعني أن الأقصى المبارك يسير في انتكاسات عديدة ستطال طهره وبركته وحريته، والمطلوب المبادرة إلى تحريره، وقد كانت مثل هذه الانتكاسات في الماضي -كما هي اليوم- وقد تكون في المستقبل، لذلك فعلينا أن نفهم أن تحرير الأقصى المبارك هو مشروع متواصل كلما ألمت به انتكاسة.
ويضيف الشيخ: إن موعد قتال اليهود مع المسلمين هو محل اجتهاد وتعدد للآراء، ولكن ما نوقن به أن هذه الأحداث ستكون، وستبدأ يوم أن تصبح القدس الشريفة عاصمة الخلافة الإسلامية، ويوم أن يصبح الأقصى المبارك تاج عاصمة الخلافة.[7]
المطلب الرابع: زوال اليهود
فهم أهل العلم المعاصرين أنه لن يتم تدمير كيانهم، وإزالة فسادهم، وتحويلهم إلى قوم أذلاء مستضعفين مشتتين؛ هذه المرحلة تكون قبل الدجال. وأما التي يتم فيها إبادتهم وإفناؤهم نهائيً؛ فهذه تكون بعد خروج الدجال.[8]
ومما يزيد الأمر جلاءً ووضوحاً قوله تعالى: ﴿إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ فَإِذَا جَاۤءَ وَعۡدُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ لِیَسُـࣳـُٔوا۟ وُجُوهَكُمۡ وَلِیَدۡخُلُوا۟ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةࣲ وَلِیُتَبِّرُوا۟ مَا عَلَوۡا۟ تَتۡبِیرًا﴾ [الإسراء ٧]. أي: فإذا جاء وعد المرة الأخيرة من إفسادكم بقتل يحيى ﷺ، وانتهاك محارم الله، بعثنا عليكم أعداءكم مرة ثانية ﴿لِیَسُـࣳـُٔوا۟ وُجُوهَكُمۡ﴾. أي: بعثناهم ليهينوكم ويجعلوا آثار المساءة والكآبة باديةً على وجوهكم بالإِذلال والقهر.[9]
المطلب الخامس: إدراك إسرائيل خطر الزوال:
الحديث عن زوال إسرائيل لا يقتصر على المسلمين فقط، فقد صرَّح رئيس وزراء إسرائيل السابق “بنيامين نتنياهو” قائلاً: إنه سيجتهد كي تبلغ إسرائيل عيدها المائة، وأضاف: التاريخ يعلّمنا أنه لم تعمّر دولة للشعب اليهودي أكثر من ثمانين عاماً.
وقد صرَّح الجنرال “شاؤول اريلئي”: إن الاستراتيجيات التي تبنتّها إسرائيل في مسعاها لتحقيق الحلم الصهيوني هي: أرض إسرائيل، وديمقراطية إسرائيل، ويهوديّة إسرائيل، في طريقها للفشل في مسعاها.
وتعبير الصحافي الإسرائيلي “آري شافيط” إذ وضع العنوان التالي في جريدة هآرتس الإسرائيلية: (إسرائيل تلفظ انفاسها الأخيرة)، دالٌ ومعبرٌ عن حالة القلق والهوس الذي تعيشه إسرائيل كياناً ومستوطنين أو محتليّن.[10]
إذاً فليس أعداء إسرائيل فقط مَنْ يتوقع زوالها، وإنما كذلك بعضٌ من مفكري وسياسيي إسرائيل ونُخبها.
المطلب السادس: الأمة التي تستحق هذا النصر:
الحديث الذي بشرنا بالنصر، حدد ملامح المقاتلين الذين ينصرهم الله على اليهود من خلال نداء الحجر أو الشجر للواحد منهم، فهو يقول: “يا عبد الله، يا مسلم، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله”.
فهو هنا ينادي “عبد الله”؛ أما عبد نفسه، عبد أهوائه وشهواته، عبد الدينار والدرهم، عبد المرأة والكأس، عبد الجاه والمنصب.. أما هؤلاء فلن يناديهم حجر ولا شجر، بل سينادي عدوُّهم عليهم!
وهو هنا يقول: “يا مسلم”؛ لا يا عربي، ولا يا فلسطيني، ولا يا أردني، ولا يا سوري، ولا يا مصري، ولا يا شامي، ولا يا مغربي.. إنه يناديه بوصف واحد وعنوان واحد عرف به: “يا مسلم”.
فحين ندخل المعركة تحت شعار العبودية لله، وتحت راية الإسلام، حينذاك نرتقب النصر، وأن يكون كل شيء معنا حتى الشجر والحجر.[11]
وحينئذ لا يستبعد على قدرة الله تعالى أن ينطق الحجر الأصم، وما ذلك على الله بعزيز، ويكون ذلك كرامة للمؤمنين من باب خوارق العادات.
المطلب السابع: استشراف المستقبل:
هناك زوال اليهود، وهناك زوال الكيان الإسرائيلي. فأما زوال الكيان الإسرائيلي فلن يطول، ربما خلال السنوات القريبة القادمة، أما زوال اليهود فلن يكون إلا بعد خروج الدجال، لأنهم أتباعه كما ورد في الحديث: “يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مِنْ يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ، مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْيَهُودِ.. الحديث”.[12]
يقول الشيخ الشنقيطي: إن اليهود سوف يضيق عليهم فيضربون المدينة المنورة بالغازات السامة، وحين ذلك يخرج منها أهلها. وذكر حديث ترك المدينة الوارد عن أبي هريرة: “سمعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: “يتركون المدينة على خير ما كانت، لا يَغْشَاهَا إلا العَوَافِي يريد -عوافي السِّباع والطير-، وآخِر من يُحْشَرُ راعيان من مُزَيْنَةَ، يُرِيدَانِ المدينةَ يَنْعِقَانِ بغنمهما، فيَجِدَانِها وُحُوشًا، حتى إذا بلغا ثَنِيَّةَ الوَدَاعِ خَرَّا على وُجوههما”. [13]
ويتابع الشنقيطي: ثم تقوم الخلافة، فتفتح فلسطين ويحرر الأقصى وينصرف اليهود وينهزم شتاتهم جهة المشرق، ويستمر النصر ثماني سنوات في الفتح بعد فتح رومية، ثم بعد ذلك ينزل الدجال فيجتمع عليه فلول اليهود….”. ونصر العزة يكون حين تتحرر فلسطين حتى لا يبقى فيها يهودي، فيخرجون عنها، يأتون جيشاً مع المسيح الدجال يريدون الرجوع لمبانيهم؛ فإذا جاءوا نزل المسيح ﷺ فيقضي عليهم بالكلية، فيجتمع عليه المؤمنون وتكون الأرض المحتلة عاصمة المؤمنين. [14].
وإذا أردنا ترتيب الأحداث فنقول: إن دولة الكيان الإسرائيلي الحالية إلى زوال، وهذا ما تنبّأ به مفكروهم، وما فهمه المسلمون المعاصرون، وقد استشهد الشيخ أحمد ياسين رحمه الله في هذا السياق بقوله تعالى: ﴿مَا ظَنَنتُمۡ أَن یَخۡرُجُوا۟ وَظَنُّوۤا۟ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمۡ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ﴾ [الحشر ٢]، وذلك حين سئل عن رؤيته المستقبلية في ظل الظروف الحالية والوضع الراهن، ثم علَّق على الآية بقوله: “فهم الآن يعتزون بقوتهم وترسانتهم ومساندة الغرب لهم”. وتوقع رحمه الله أن يكون زوال إسرائيل في عام 2027. وقد بنى توقعه من خلال استشفاف قرآني فقال: “بدأ جيل النكبة ثم جيل المواجهة والتحدي والقنابل ثم جيل التحرير، فربنا قضى على بني إسرائيل بالتيه أربعين سنة حتى يتغير الجيل المريض ويخرج الجيل المقاتل، والأمة عاشت جيل النكبة ثم جيل المواجهة والتحدي وهي الآن تعيش جيل التحرير”. [15]
الخاتمة
هذه دراسة حول مستقبل بيت المقدس من خلال النظر في السنة النبوية، وقد تم اختيار الحديث محل الدراسة من صحيح مسلم، حيث يذكر فيه النبي ﷺ جانباً من مستقبل بيت المقدس، فالمسلم يؤمن أن القرآن والسنة يتحدث عن الماضي والمستقبل، ويشعر بالفخر والعزة بهذا الذي يبصره بالأمم حوله، ويذكر له صفاتهم وأخلاقهم. والناظر في تاريخ اليهود يجده مليئاً بالكبر والخديعة والاستعلاء على الأمم، وقد تبين أن أمة يهود، ضرب الله عليها الإذلال، وتوعدها بمن يسيء وجهها، وحذّرها وأنذرها، وأخبر بتجمعهم في بيت المقدس، كما تبين لنا أننا بانتظار موعود الله؛ بإساءة وجوههم من عباد لله مؤمنين صادقين، وأن الأمر لن يطول إذ إن الحوادث والوقائع تشير إلى ذلك، وهو زوال دولتهم، وأما اليهود -كأمة- فزوالهم سوف يكون بعد نزول عيسى ﷺ.
فعلى المسلمين أن يعملوا وأن يهيؤوا أنفسهم لاستقبال حديث النصر، بالرجوع إلى دينهم الحق وعدم التواكل، فلا بد من تهيئة الجو لاستقبال القائد الذي سيحقق لهم سعادتهم في الدنيا والآخرة، ويحقق لهم النصر بإذن الله ويطرد اليهود، وتعليم المسلمين الإسلام الصحيح، فلا بد من العمل قال تعالى: ﴿وَقُلِ ٱعۡمَلُوا۟ فَسَیَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ﴾ [التوبة ١٠٥].
المصادر والمراجع
المواقع الالكترونية:
- برنامج شاهد على العصر، الشيخ أحمد ياسين
- الشيخ أحمد ياسين، زوال إسرائيل سنة 2027 Bing videoبرنامج فقه القضية الحلقة رقم -12-
- إخبار الشجر والحجر عن اليهود – ودعوى التواكل – القضية العربية الفلسطينية – محاورات المصريين (egyptiantalks.org)
- مؤشرات على إدراك إسرائيل خطر الزوال، معهد أبرار معاصر طهران (tisri.org)
- أبجديات في الطريق إلى الأقصى، هيئة علماء فلسطين (palscholars.org)
- خطبة عن حديث (تُقَاتِلُكُمُ الْيَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ)، خطب الجمعة، حامد إبراهيم (hamidibrahem.com)
- بيان حديث قتال المسلمين لليهود، وفي أي زمن؟ (binbaz.org.sa)
- الغرقد – مكافحة الحشرات والقوارض والنمل الأبيض (kenanaonline.com)
الكتب:
- حنبل، أحمد بن محمد، مسند الإمام أحمد بن حنبل، مؤسسة الرسالة، ط1، 2001م، ج21، ص55.
- حوى، سعيد، الأساس في التفسير، دار السلام، القاهرة، ط6، 1424هـ، ج6.
- الزبيدي، محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني، دار الهداية، ج8، المكتبة الشاملة.
- الصابوني، محمد علي صفوة التفاسير، دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1997م.
- الصفدي، بسام بن خليل، الفتن والملاحم وأشراط الساعة في بلاد الشام، دار الرسالة للنشر والتوزيع، القاهرة.
القشيري، مسلم بن الحجاج، المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله ﷺ، دار إحياء التراث، بيروت.
[1] القشيري، مسلم بن الحجاج، المسند الصحيح، المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله ﷺ، دار إحياء التراث، بيروت، ج4، ص2239.
[2] انظر: الزبيدي، محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني، دار الهداية، ج8، ص467، المكتبة الشاملة. والغرقد – مكافحة الحشرات والقوارض والنمل الابيض (kenanaonline.com)
[3] إخبار الشجر والحجر عن اليهود – ودعوى التواكل – القضية العربية الفلسطينية – محاورات المصريين (egyptiantalks.org)
[4] خطبة عن حديث (تُقَاتِلُكُمُ الْيَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ)، خطب الجمعة، حامد إبراهيم، (hamidibrahem.com)
[5] بيان حديث قتال المسلمين لليهود، وفي أي زمن؟ (binbaz.org.sa)
[6] حوى، سعيد، الأساس في التفسير، دار السلام، القاهرة، ط6، 1424هـ، ج6، ص3043. والصابوني، محمد علي، صفوة التفاسير، دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1997م، ج1، ص444
[7] أبجديات في الطريق إلى الأقصى، هيئة علماء فلسطين، (palscholars.org)
[8] الصفدي، بسام بن خليل، الفتن والملاحم وأشراط الساعة في بلاد الشام، دار الرسالة للنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 2016، ص153
[9] انظر: الأساس في التفسير، ج6، ص3041. وصفوة التفاسير، ج2، ص141
[10] مؤشرات على إدراك إسرائيل خطر الزوال، معهد أبرار معاصر طهران، (tisri.org)
[11] إخبار الشجر والحجر عن اليهود – ودعوى التواكل – القضية العربية الفلسطينية – محاورات المصريين (egyptiantalks.org)
[12] حنبل، أحمد بن محمد، مسند الإمام أحمد بن حنبل، مؤسسة الرسالة، ط1، 2001م، ج21، ص55
[13] صحيح مسلم، ج2، ص2010، سبق تخريجه.
[14] برنامج فقه القضية الحلقة رقم -12-
[15] برنامج شاهد على العصر، الشيخ أحمد ياسين الشيخ أحمد ياسين، زوال إسرائيل سنة 2027 Bing video