خطيب الجمعة: د. محمد سعيد بكر

* المحاور:

– يتنادى المسلمون عندَ كل استفزاز صهيونيّ في المسجد الأقصى بأن الأقصى في خطر، وأنه بحاجة ماسة إلى نجدة وإغاثة ونصرة، فهل حقاً الأقصى بحاجة لنا .. أم أننا نحن بحاجة له؟!.

– إن حالة من الاستغناء تنتاب بعضنا حين نشعر بحاجة الآخرين لنا، بينما نتشبث بالآخرين كلما شعرنا بحاجتنا الماسة لهم، فهل نستطيع إجراء شيء من التعديل على وعي وثقافة المسلمين، بحيث نبرز جوانب حاجتهم للأقصى وليس العكس، فالأقصى يده العليا، وهو لا يتسول نجدة من قوم فقدوا إحساسهم بأهميته لهم وحاجتهم إليه.

– إن إحساسنا بحاجتنا للأقصى تنبع من أمور عديدة لا بُدَّ من مراجعتها والتذكير بها بين الحين والآخر، ومن هذه الأمور:

١. أنه عنوان من عناوين تديننا والتزامنا الأكيد بعقيدتنا، فبقدر اقترابنا منه وتحسسنا لجرحه نقترب من ديننا وعقيدتنا وكتاب ربنا.

٢. أنه عنوان من عناوين شرفنا وعزتنا وكرامتنا، وإلا فهل يبقى لنا كرامة وعزة وشرف والأقصى يداس ويدنس؟!

٣. أنه عنوان من عناوين قوتنا وهيبتنا، فبقاؤه في حوزتنا دليل قدرتنا على رد الهجمة وإلجام الأعداء، فكيف ونحن نراه اليوم يرزح تحت نير الاحتلال، فهل بقي لنا من قوة أو هيبة؟!

٤. أنه عنوان من عناوين حصانتنا، وإلا فسقوطه بأيدي الخبثاء باب من أبواب الفتنة والاختراق لقلوبنا وعقولنا وبلادنا وأجيالنا وثرواتنا.

٥. أنه رمز من رموز وحدتنا واجتماعنا، فالأقصى ثروة وحدوية، يلتقي في أفيائه ويجتمع على قضيته كل مسلم مهما اختلفت مشاربهم وأفكارهم.

٦. أنه رمز من رموز جمالنا وبهائنا، فقد أودع الله فيه من أسرار الجمال ما لا يدركه إلا أصحاب الذوق الرفيع، فإذا خسرت الأمّة رمز جمالها، سادها القبح وغشاها الظلام.

٧. أنه رمز من رموز صحتنا وسلامنا النّفسية والعقلية، وإلا فالمجنون هو الَّذي يفرط بالغالي والنفيس.

٨. أنه رمز من رموز حريتنا وانطلاقنا وانعتاقنا من أغلالنا، وإلا فنحن أسرى شهواتنا وطغاتنا وأعدائنا.

  • إنه لا قيمة لأمة بلا تاريخ، ونحن نرى كيف يحاول الآخرون تزوير التَّاريخ لإضافة الأصالة لأنفسهم، بينما يحكي لنا الأقصى تاريخاً مجيداً نتعلم من خلاله تجارب تنفعنا في استشراف المستقبلَ، وكلما حفر الصهاينة في أساسات الأقصى وأرادوا إسقاطه زاد التهديد الهادف إلى إسقاط تاريخنا، فالأقصى أساس شيدته الملائكة قبلَ أن يكون بناءً رفعه الطَّيّبون على مر السنين.
  • إن عدم استشعارنا لأهمية الأقصى بالنسبة لنا لا يعني أنه بلا قيمة، بقدر ما يعني ذلك انعدام إحساسنا وشعورنا ووصولنا إلى حالة من التبلد، كذاك الغلام الطائش أو الفتى العاق، فهو في غفلة عن قيمة والديه، وقد لا يشعر بقيمتها إلا عندَ توسيدهما التراب وتذوقه مرارة اليتم.
  • لقد أدرك الصليبيون واليهود والمغول حاجتهم الاستراتيجية للأقصى على مر التَّاريخ فبذلوا في سبيله الغالي والنفيس، على الرغم من اتساع الأرض وقدرتهم على اختيار أية بقعة أخرى لصناعة مجدهم وبعث علوهم الخبيث في الأرض، فهل هؤلاء كلهم أحوج إلى الأقصى أم نحن المسلمون؟!
  • إن في الأقصى لنا ذكريات وذكريات، ولعل أعظمها تلك الرحلة الخارقة المعجزة الَّتي كانت عنوان تكريم وتحضير لنبينا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في آن واحد .. فالإسراء والمعراج تكريم للحبيب على ما فات من تضحيات… وتحضير لما هو آتٍ من المهمات، فهل يستغني الشَّرّفاء عن عنوان تكريمهم ومصدر إلهامهم.
  • إن حاجتنا للأقصى تعادل في قيمتها وأهميتها حاجتنا للكعبة المشرفة، فهل يستغني المسلمون عن كعبتهم؟ كيف لا والأقصى أولى القبلَتين وثالث المسجدين اللذَين تشد رحالنا وقلوبنا إليها.
  • إن قوماً فقدوا شعورهم بالحاجة للأقصى ظهرت عليهم أعراض الفقدان، ومن تلك الأعراض:

١. بيع أراضيهم في القدس للمشبوهين من الأعراب، ومنها لليهود الغاصبين.

٢. إشغال أنفسهم وإلهاؤها بأمور تافهة لا تدل على حرارة الاحتياج للأقصى، كلعبة كرة هنا أو مساجلات ( فيسبوكية ) هناك.

– وإن قوما أدركوا حاجتهم للأقصى ظهرت عليهم ثمرات ذاك الشُّعور المجيد ومنها:

– ‏رباطهم وثباتهم وتمسكهم بكل ذرة تراب هناك.

– ‏ متابعتهم لأخبار الأقصى بشكل حثيث يشبه متابعة الأم لأخبار ابن من أبنائها وقع عليه الظُّلم في أرض غربة.

– ‏تبرعهم بالغالي والنفيس من أموالهم وجهودهم، بل ودمائهم إذا أتيح لهم ذلك.

* وختامًا:

  تتأكد حاجتنا للأقصى يوماً بعد يوم في زمان صرنا بحاجة لأن نكشف فيه عن معادن الرِّجال، فمن كان منهم منتمياً انتماءً صادقاً للأقصى ودماء شهداء الأقصى والمرابطات على عتبات الأقصى وكل مشروع يهدف إلى حماية ورعاية الأقصى حاكماً كان أو محكوماً فهو رجل .. وإلا فلك أن تطلق عليه أي وصف آخر .. فما أعظم رجولة الَّذين تعلقت قلوبهم بالمساجد كلها وليس بالمسجد الأقصى فحسب: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رجال .. )[1] .


[1] سورة النُّور: 36