بقلم الشيخ رائد صلاح – رئيس الحركة الإسلامية
- من الذي بنى المسجد الأقصى المبارك ؟!
لقد رأيت من الواجب والمناسب أن أكتب هذه الحلقات تحت هذا العنوان، لأنني أعتقد أن الأقصى المبارك يمر في أخطر اللحظات خلال هذه الحقبة الأخيرة من تاريخه، وما عاد سراً أن هناك أصوات مسيحية صهيونية باتت تطالب بهدم الأقصى المبارك وبناء هيكل على أنقاضه، وما عاد سراً أن هناك مباحثات تجري في أكثر من دولة بين أطراف عربية وصهيونية حول مستقبل الأقصى المبارك والهيكل المزعوم، وعليه فلا بد من يقظة كل المسلمين وكل العرب على هذه المخاطر، ولا شك أن بداية اليقظة هي الوعي الناضج الذي يعرف جيداً ما هو الأقصى المبارك !! في كل أبعاده التاريخية والدينية والحضارية والعمرانية، وما هو حال الأقصى المبارك حاضراً ؟ كيف عاش ماضيه ؟ ماذا ينتظره في المستقبل؟ ما هي المخاطر التي اجتمعت عليه وتداعت بقدها وقديدها مما جعلنا نصرخ في كل المسلمين والعرب أن ” الأقصى في خطر ” !!
بداية سأتحدث عن بداية بناء الأقصى المبارك عبر تاريخه الطويل، مبيناً بالدليل الواضح أن القول بوجود هيكل أول أو ثان كان تحت الأقصى المبارك ما هو إلا أسطورة وزعم كاذب عن سبق إصرار يهدف إلى تأسيس حق سياسي باطل لليهود في الحرم الأقصى المبارك !!
1. روى البخاري في صحيحه: ” عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول ؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي ؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما ؟ قال: أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصلّ، فإن الفضل فيه “.
كما هو واضح من هذا الحديث الصحيح أن بناء المسجد الأقصى تم بعد بناء المسجد الحرام بأربعين عام، فإذا حددنا زمن بناء المسجد الحرام فإننا نستطيع أن نحدد زمن بناء المسجد الأقصى، فمن الذي بنى المسجد الحرام ؟ ومتى بني المسجد الحرام ؟
هناك روايات تؤكد أن أول من بنى المسجد الحرام هو آدم عليه السلام، وعليه فإن أول بناء كان للمسجد الأقصى على عهد آدم عليه السلام، أو في عهد أبنائه. قال ابن حجر: ” فقد روينا أن أول من بنى الكعبة آدم ثم أنتشر ولده في الأرض، فجائز أن يكون بعضهم قد وضع بيت المقدس “، وقال ابن حجر: ” وقد وجدت ما يشهد ويؤيد قول من قال: أن آدم هو الذي أسس كلا من المسجدين، فذكر ابن هشام في كتاب ” التيجان ” أن آدم لما بنى الكعبة أمره الله بالسير إلى بيت المقدس، وأن يبنيه، فبناه ونسك فيه ” وهذا يعني أن المسجد الأقصى بني قبل إبراهيم وداود وسليمان عليهم السلام، وهذا يعني أن المسجد الأقصى كان أول بناء بني في كل أرض الشام بشكل عام وكان أول بناء بني على أرض القدس الشريف بشكل خاص، وهذا يعني أن المسجد الأقصى بني في القدس الشريف قبل وجود أي كنيس أو كنيسة أو مسجد فيها، وهذا يعني أن المسجد الأقصى كان قبل وجود تاريخ بني إسرائيل بشكل عام وكان قبل وجود قبيلة يهودا وتاريخ اليهود بشكل خاص، وهذا يعني أن المستحيل في تفكير كل عاقل أن يكون هناك بناء حجر أو بناء كان تحت المسجد الأقصى.
هكذا بني المسجد الأقصى، وهكذا بدأ تاريخ وجوده الأساس والأول على وجه الأرض قاطبة، ومنذ ذلك التاريخ ظل المسجد الأقصى بقعة مباركة ترعاها يد الأنبياء والأولياء والرسل والعباد، وتتعهد المسجد الأقصى بالعناية والإعمار وبتحديد البناء أو تحسينه كلما لزم الأمر، وظل المسجد الأقصى هو المسجد الأقصى كما بناه آدم عليه السلام حصناً للإيمان وقلعة للعبادة، وفي هذا الموضوع على وجه الخصوص يقول الأستاذ محمد حسن شراب في كتابه ” بيت المقدس والمسجد الأقصى “: ” وقداسة هذه البقعة (المسجد الأقصى) لم تكن لنبي من الأنبياء، ولا لأمة من الأمم، فقد أختارها الله منذ خلق الخلق لعبادته أن تكون معبداً للمؤمنين الموحدين، ويدل على قدم التقديس ما جاء في حديث أبو ذر، أنها ثاني موضع أختاره الله للعبادة، وقول الله تعالى في قصة إبراهيم وهجرته إلى فلسطين { ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين }، ومعنى هذا أن البركة كانت فيها قبل إبراهيم عليه السلام، كما أن قوله تعالى: { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا.. }، يدل على أن الله تعالى باركه منذ الأزل، وأن الله تعالى أسرى بعبده إليه ليجدد تذكير الناس ببركته وتقديسه “.
2. قد يظن ظان أن أول من بنى المسجد الحرام هو نبي الله إبراهيم عليه السلام، قد يفهم أن المسجد الأقصى بني على عهد نبي الله إبراهيم عليه السلام نقف على بطلان هذا الظن، بل على العكس نجد أن الأدلة تؤكد أن نبي الله إبراهيم عليه السلام، كان بعد بناء المسجد الحرام أي بعد بناء المسجد الأقصى، وأن ما قام به نبي الله إبراهيم عليه السلام هو رفع قواعد المسجد الحرام التي كانت موجودة من قبل، بمعنى أنه لم يكن أول من بنى المسجد الحرام وبمعنى آخر أنه لم يكن هو الذي بنى المسجد الأقصى.
روى البخاري في الصحيح عن ابن عباس حديثاً طويلاً مرفوعاً، في قصة هاجر وابنها إسماعيل عليهما السلام، ومن ضمن ما ورد في هذا الحديث الطويل: ” فأنطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه واستقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال: { ربنا أني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم.. }، فالسياق يدل كما هو واضح أن إبراهيم عليه السلام دعا ربه بهذا الدعاء يوم أن ترك ابنه إسماعيل رضيعاً، ونصوص القرآن تثبت أن رفع القواعد من البيت كان بعد أن وصل إسماعيل سن الشباب، حيث ساعد أباه في البناء، فقوله: { عند بيتك المحرم.. } يدل على أن البيت كان موجوداً يوم وضع إبراهيم ابنه إسماعيل – عليهما السلام – رضيعاً، بمعنى أن هذا الدليل يؤكد أن المسجد الحرام كان قبل إبراهيم عليه السلام، مما يؤكد أن المسجد الأقصى كان قبل إبراهيم عليه السلام كذلك “.
ومن ضمن ما ورد في هذا الحديث الطويل ” فإذا هي– أي هاجر – بالملك عند موضع زمزم، فبحثه بعقبه، أو قال: بجناحه حتى ظهر الماء فجعلت تخوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف … قال: فشربت وأرضعت ولدها.. وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذه عن يمينه وشماله “، فقوله وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية ” يدل على أن المسجد الحرام كان قبل إبراهيم عليه السلام، مما يؤكد أن المسجد الأقصى كان قبل إبراهيم عليه السلام كذلك.
ومن الواضح لكل عاقل أن كل ذلك يعني أن المسجد الأقصى كان قبل سليمان وداود عليهما السلام، وكان قبل تاريخ بني إسرائيل عامة وقبل تاريخ اليهود بشكل خاص.
3. ما يؤكد على كل ما قلته رواية النسائي عن ربيعة بن زيد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي الديلمي عن عبد الله بن عمر بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “.. أن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل الله ثلاثاً.. وسأل الله حين فرغ من بناء المسجد.. “، فهي رواية صحيحة وهي رواية تبين أن سليمان عليه السلام بنى المسجد، وإذا ما راجعنا هذه الرواية نجد أن أحد الأمور الثلاثة التي سألها سليمان ربه “.. أيما خرج رجل من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد خرج من خطيئته، مثل يوم ولدته أمه.. “، فواضح أن الرواية تعود وتؤكد على مصطلح ” المسجد “، فجائز أن يكون هو ” مسجد ” آخر غير المسجد الأقصى، وجائز أن يكون هو المسجد الأقصى المبارك، ووفق الاحتمال الثاني فهذا يعني أن نبي الله سليمان عليه السلام قام ببناء وتوسعة للمسجد الأقصى الذي كان قائماً منذ آدم عليه السلام، ولم يقم نبي الله سليمان عليه السلام ببناء تأسيسي للمسجد الأقصى المبارك، فكما أن إبراهيم عليه السلام قام برفع قواعد المسجد الحرام بعد أن كان موجوداً أصلاً منذ آدم عليه السلام، فإن سليمان عليه السلام قام بتجديد وتوسعة للمسجد الأقصى بعد أن كان موجوداً أصلاً منذ آدم عليه السلام.
4. وعليه أؤكد بوضوح لا غموض فيه أن كل إدعاء بوجود هيكل أول أو ثان تحت المسجد الأقصى أو في حرمه هو ادعاء باطل، وكل ادعاء بوجود حق لغير المسلمين في المسجد الأقصى هو ادعاء باطل، وكل ادعاء بوجود بقايا بناء آخر تحت المسجد الأقصى أو في حرمه هو ادعاء باطل سواء سموا هذا الادعاء الباطل باسم ” حائط المبكى ” أو سموا هذا الادعاء الباطل باسم ” باب خلدة ” أو باسم ” نفق الحشمونائيم “، فكل هذه الادعاءات باطلة، فحائط المبكى في تسميته الصحيحة هو ” حائط البراق ” وباب خلدة هو أحد أبواب الأقصى المبارك، وكلمة خلدة لا محل لها من الإعراب، وكذلك ” نفق الحشمونائيم ” تسمية باطلة لا تثبت حقاً لغير المسلمين، ولنا توسعة في هذه النقطة في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.
- مقولة (الهيكل) وهّم وتضليل (1)
أعود وأقول إني رأيت من الضروري جداً ومن واجب الوقت الفوري كتابة هذه الحلقات، لأن الأقصى المبارك يمر في مرحلة مصيرية تحدد حاضره ومستقبله، وأعود وأذكر أنه ما عدا سراً وجود مباحثات متواصلة بين أطراف عربية وصهيونية حول مستقبل الأقصى المبارك والهيكل المزعوم، لذلك لا بد من الوعي الناضج واليقظة المتواصلة كي نحبط كل مؤامرة تستهدف أقصانا المبارك.
1. أعتقد جازماً عن سبق إصرار لا رجعة فيه أن مقولة ” الهيكل ” وهم وتضليل، وهم لأن الإدعاء بوجود هيكل كان مرة من المرات تحت الأقصى المبارك أو في حرمه لا يقوم على أي دليل ديني أو تاريخي أو دليل قائم على الآثار، بل على العكس تماماً، فإن كل الأدلة تفضح هذا الادعاء وتظهر بطلانه لكل عاقل على وجه الأرض، ولذلك فهو تضليل، لأن الذين يتمسكون بادعاء وجود هيكل يعلمون في قرارة أنفسهم أن ذلك إدعاء باطل وأسطوري، ومع ذلك فهم يصرون على هذا الدعاء الباطل تضليلاً للناس وكي يطالبوا بحق سياسي موهوم قائم على هذا الادعاء الباطل، وما نراه اليوم هو خير شاهد على ما أقول، فإن المطالبة ببناء ” هيكل ” على حساب الأقصى المبارك ما عاد موقفاً شاذاً لبعض الفرق الدينية اليهودية، بل أصبح موقفاً رسمياً وشعبياً لدى المؤسسة الإسرائيلية، ويحظى بإجماع بين كافة مركبات المجتمع الإسرائيلي، السياسية العلمانية والسياسية الدينية، يساراً كانت أم يميناً أم وسطاً.
2. بينت في الحلقة السابقة أن الأقصى المبارك بني ثاني مسجد على وجه الأرض بعد المسجد الحرام، فكان المسجد الأقصى ولم يكن شيء اسمه ” الهيكل ” أو كنيس أو قبيلة يهودا أو التاريخ اليهودي، فكيف لعاقل على وجه الأرض أن يصدق أن هيكلاً أولاً أو ثانياً كان تحت الأقصى المبارك أو في حرمه، حتى تجري المطالبة بعد ذلك ببناء ” هيكل ” ثالث في حرم الأقصى المبارك، أو حتى تجري المطالبة بعد ذلك بحق اليهود لأداء طقوسهم الدينية في حرم الأقصى المبارك، أو حتى يجري الحديث بعد ذلك عن حائط اسمه ” المبكى “، علماً أن ” قوة الحق ” تقول أنه في الحقيقة حائط البراق وهو جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك، ولا يوجد لغير المسلمين أي حق فيه، وإن قال ” حق القوة ” غير ذلك.
3. ومما يؤكد ما أقول كثرة الشواهد الدامغة التي تبطل وجود شيء اسمه ” هيكل ” كان تحت الأقصى البارك أو في حرمه، فمن هذه الشواهد اعتقاد السامريين وهم طائفة يهودية – ترى أنها على الحق – تعتقد بأن ” الهيكل ” بُني فوق جبل ” جريزيم ” في نابلس، ويستندون إلى ما تورده ” التوراة ” التي يتمسكون بها ويعتقدون أنها هي ” التوراة ” الحق التي جاء بها سيدنا موسى عليه السلام.
4. ومن هذه الشواهد أن اليهود يستندون بادعاء وجود “هيكل ” إلى أسفار بني إسرائيل، ومن المعروف أن هذه الأسفار كتبت بعد قرون من الأحداث التي تتحدث عنها هذه الأسفار، لذلك فإن القارئ العاقل النزيه يلمس أن هذه الأسفار تقوم على الأحلام ونسيج الخيال، ولا يمكن بأي حال من الأحوال نسبتها إلى أي نبي أو رسول، لذلك فهي ليست مرجعاً لأي حقيقة دينية أو تاريخية في أي حال من الأحوال.
5. ومن هذه الشواهد أن هذه الأسفار اليهودية تتحدث عن وصف ” هيكل “، ولكنها لا تحدد المكان الذي بني فيه، فمن أين هذا الجزم بوجود ” هيكل “، ومن أين هذا الجزم بأنه كان مرة من المرات تحت الأقصى المبارك أو في حرمه.
6. ومن هذه الشواهد أن هذه الأسفار اليهودية التي تتحدث عن الهيكل، بدون تحديد لمكان بنائه أو زمانه أن تتحدث عن وصف لِ ” هيكل ” أقرب إلى الأساطير والخيال، ووفق هذا الوصف هو ” هيكل ” شبيه بقصور ألف ليلة وليلة ليس إلا، ووفق هذا الوصف هو ” هيكل” بعيد كل البعد عن طبيعة معبد أو كنيس أو كنيسة أو مسجد، فأي ” هيكل ” هذا الذي تصفه الأسفار اليهودية وتدعي أن محرابه كان بطول عشرين ذراعاً وسمك عشرين ذراعاً، وأنه كان مغشي بالذهب وأن المذبح الذي كان قائماً أمامه كان مغشي بالذهب، وأن السلاسل الممتدة أمام المحراب كانت من الذهب، وأن جميع البيت بتمامه كان مغشي بالذهب، وإن تماثيل الملائكة المجنحة التي سمك كل منها عشرة أذرع، وكل جناح من أجنحتها خمسة أذرع كانت مغشاة بالذهب، وأن أرض البيت داخلاً وخارجاً كانت مغشاة بالذهب، وأن جميع الأدوات من مذبح، ومائدة قدس الأقداس، ومنائر وسرج وطسوت وصحون ومجامر كانت من الذهب، أي ” هيكل ” هذا، هل هو معبد أم قصر من قصور السندباد البحري أو عالم ” والت ديزني ” !
7. ومن هذه الشواهد ما ذكره ” بوست جورج ” في قاموس ” الكتاب المقدس ” أن كنيسة العذراء التي بنيت في عهد ” يوستنيان “، يرى بعض المؤرخين أنها بنيت على موقع ” الهيكل “.
8. ومن هذه الشواهد ما تقوله بعض الروايات أن ما يسمى ” محراب داود ” كان بالقرب من باب الخليل في سور مدينة القدس.
9. ومن هذه الشواهد تناقض وصف أدوات ” الهيكل ” التي وردت في الأسفار اليهودية، فهناك بعض الأسفار تدعي أنها كانت من الذهب وهناك بعض الأسفار تدعي أنها كانت من النحاس، فها هي بعض الأسفار تتحدث عن نبوخذ نصر تقول: “.. وحمل معه إلى بابل أعمدة النحاس وقواعد النحاس وأحواض النحاس التي كانت في بيت الرب..)
10. ومن هذه الشواهد أن الأسفار اليهودية التي تتحدث عن بناء ” هيكل ” سليمان، تكمل وتتحدث عن بناء ” هيكل جديد على أساس جديد غير المكان والأساس الذي كان عليه ” هيكل ” سليمان وفق ادعائهم.
11. ومن هذه الشواهد أن الأسفار اليهودية تتحدث عن ” هيرودوس ” الذي بنى هيكلاً في سنة 20 ق.م، علما أن ” هيرودوس ” هو ” آدومي ” الأصل، والآدميون هم من العرب، وأم ” هيرودوس ” هي من الأنباط، وهم من العرب، فكيف يعقل أن يقوم أحد الأمميين ” الجوييم ” ببناء أقدس مقدسات اليهود، علماً أنه ليس من ” شعب الله المختار “، ولو قال قائل أن ” هيرودوس ” قد اعتنق ” اليهودية ” فكلنا نعرف أن اليهود لا يعترفون إلا بمن كان من سلالتهم، فأي هيكل هذا الذي بناه ” هيرودوس ” العربي، في الوقت الذي يدعي فيه اليهود أن الله تعالى أعطى إرث إبراهيم إلى إسحاق فقط دون إسماعيل، لأن إسماعيل من أم عربية، لذلك فقد حُرم من الميراث، وإن كان رسولاً نبياً، وإن كان أخاً شقيقاً لإسحاق، فبأي حق يدعي صاحب هذه العقيدة العنصرية الباطلة أن له حقاً في إرث ” هيرودوس ” علماً أن ” هيرودوس ” عربي النسب، كما كان إسماعيل عربي النسب، اللهم صلِ على سيدنا إبراهيم وإسحاق وإسماعيل.
12. ومن هذه الشواهد أن ” طيطس ” قام بإحراق المعبد الذي بناه ” هيرودوس ” عام 70م ثم جاء ” هدريان ” عام 135م وحرق كل بناء في مدينة القدس بما في ذلك الطرق والجدران ولم يُبقِ من القدس أو من أي مبنى فيها حجراً على حجر، ثم لم يقم اليهود بأي بناء بعد ذلك، فهل ولدت الأرض معبداً جديداً من دون بناء البشر حتى يقال أن ” المبكى ” من بقايا ” الهيكل “، أو هناك إسطبلات سليمان وباب خلدة ونفق الحشمونائيم من بقايا ” الهيكل ” ! آتونا بآثاره من علم إن كنتم صادقـين !
يتبع
- مقولة ” الهيكل ” وهّم وتضليل (2)
متابعة لما قلت في الحلقة السابقة ما زلت أؤكد أن الادعاء بوجود ” هيكل ” كان تحت الأقصى المبارك أو في حرمه في الماضي، إن هذا الادعاء هو باطل، وهو وهم وتضليل، فهو وهم لأنه ادعاء باطل لا بقوم على أي دليل ديني أو تاريخي أو دليل من علم الآثار، وهذا الادعاء الباطل هو تضليل لأن الذين يصرون على هذا الإدعاء يعلمون في قرارة أنفسهم بطلان ادعائهم هذا، ومع ذلك يصرون عليه كي يطالبوا بحق سياسي موهوم قائم على هذا الادعاء الباطل، وواقع اليوم هو أوضح شاهد على ما أقول، فأن المؤسسة اليهودية الدينية وغير الدينية والرسمية وغير الرسمية باتت تطالب ببناء ” هيكل ” على حساب الأقصى، وهذا ما تجري عليه المباحثات الآن في أثينا وباريس وإحدى الدول العربية بين طرف عربي وآخر إسرائيلي.
متابعة لما قلت في الحلقة السابقة ما زلت أؤكد أن الأبجديات العلمية تؤكد أن الأقصى المبارك كان أول مسجد على وجه أرض القدس منذ فجر التاريخ،، فكان الأقصى المبارك ولم يكن شيء اسمه ” هيكل “، ولم تكن قبيلة يهودا يومها ولم يكن التاريخ اليهودي أصلاً، لذلك فإن القول بوجود ” هيكل ” كان تحت الأقصى في يوم من الأيام هو باطل وضلال، وإن الأبجديات العلمية تصفع قائلة كائناً من كان، وأن الشواهد الدامغة والكثيرة تؤكد على ذلك.
2. يتحدث سفر (التثنية) أنه كان هناك معبد، وإن هذا المعبد يجب أن تتوفر فيه هذه الشروط:
× أن يقع غرب نهر الأردن، في أرض الكنعانيين، الساكنين في العربة مقابل الجلجال، بجانب بلوطة مورة، ومن الواضح أن القدس الشريف كانت لليبوسيين ولم تكن للكنعانيين، ومن الواضح أن هذه الأسماء التي وردت كشروط لموقع المعبد لم تكن في يوم من الأيام في القدس، فكيف لأي عاقل على وجه الأرض أن يرضى لنفسه أن يتجاهل كل هذه الشواهد كي يصر مستكبراً على باطلة ويقول مما حكا أن هيكلاً كان تحت الأقصى أو في حرمه، أو حتى في رحاب القدس الشريف.
4. يقول أحبار التلمود أن داود عليه السلام قد عرف مكان الهيكل منذ صباه، وعرف أن الهيكل سيبنى على جبل موريا، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا تتحدثون في موقع آخر، إن داود عليه السلام ذهب إلى عين حطام التي كانت تقع جنوب بيت لحم – وفق اعتقاد البعض – وهناك حفر أساسات البناء، فخرجت المياه من هذه العين، عندما فهم داود أن هذا المكان ليس هو مكان الهيكل ؟ كيف نجمع بين الروايتين ؟ بل كيف نجمع بين رواية أحبار التلمود ورواية التوراة التي تقول أن داود عليه السلام قد عرف مكان الهيكل فقط بعد نزول النار (ودعا الرب فأجابه بنار من السماء على مذبح المحرقة) !!
إن تناقض كل هذه الروايات يجعلنا نؤكد أنهم يحرفون الكلم عن مواضعه، لذلك فإن هذه المصادر التي كتبت بعد مئات السنين من الأحداث التي وردت فيها، أن هذه المصادر تقوم على الخيال والتوهم أو على الذاكرة الضعيفة والمضطربة في أحسن الأحوال، وبالتالي فهي ليست مصادر استقراء للحقيقة العلمية.
5. ورد في التوراة: ” حينئذ بنى يشوع مذبحاً للرب إله إسرائيل في جبل عيبال كما أمر موسى عبد الرب بني إسرائيل.. مذبح حجارة صحيحة لم يرفع عليها أحد حديداً وأصعدوا عليه محرقات للرب وذبحوا.. وكتب هناك على الحجارة نسخة توراة موسى.. ” ولي أن ذلك يعني أن الهيكل قد قام على جبل (عيبال) !! وهنا اسأل سؤال آخر.. هل يوجد في كل جغرافية القدس شيء اسمه جبل (عيبال) ؟ قطعاً لا.. إذن لماذا هذه المماحكة الواهنة ؟ لماذا هذا الادعاء الباطل القائل أن هيكلاً كان تحت الأقصى أو في حرمه ؟
6. ورد في التوراة: ” فخرج يعقوب من بئر السبع وذهب نحو حاران وصادف مكاناً وبات هناك لأن الشمس كانت قد غابت، وأخذ من حجارة المكان ووضعه تحت رأسه فاضطجع في ذلك المكان، ورأى حلماً وإذا سلم منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء، وهو ذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليه، وهو ذا الرب واقف عليه، فقال: أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحاق.. فاستيقظ يعقوب من نومه وقال حقاً أنا الرب في هذا المكان وأنا لم أعلم وخاف وقال ما أرهب هذا المكان، ما هذا إلى بيت الله وهذا باب السماء، وبكر يعقوب في الصباح وأخذ الحجر الذي وضعه تحت رأسه وأقامه عموداً وصب زيتاً على رأسه، ودعا اسم ذلك المكان بيت أيل.. “، ووفق هذه الرواية أقول: أن معنى (بيت أيل) هو (بيت الله)، وهذا هو المصطلح المرادف لمقولة (الهيكل) عند أحبار اليهود، بمعنى أن (الهيكل) قائم في (بيت أيل) وفق هذه الرواية، والواضح أن (بيت أيل) ليست هي القدس وليست هي الأقصى فلماذا كل هذه المماحكات والإصرار الباطل على أن الهيكل كان تحت الأقصى أو في حرمه أو في رحاب القدس الشريف ؟ وأعود وأتساءل من يحل لنا لغز هذه التناقضات التي تتحدث تارة عن مكان الهيكل في (عيبال)، وتارة في (جرزيم)، وتارة في (بيت أيل) وتارة أخرى في جبل (موريا)، أليست هذه التناقضات تؤكد إلغاء بعضها لبعض، بمعنى أنها كلها ليست مصادر للحقيقة إطلاقاً !!
7. لقد ربط أحبار اليهود بين مكان الهيكل ومكان مدينة داود، لذلك فإن تحديد مكان مدينة داود يعني تحديد مكان الهيكل على ضوء الربط بينهما عند أحبار اليهود، ولكن إذا لم ينجح أحد بتحديد مكان مدينة داود فكيف يمكن أن يحدد مكان الهيكل ؟!
هذا أحد الباحثين (بيرتش) يرى أن مدينة داود تقع على ” الأوفل “، أي جنوب الحرم، وهذا (كوندر و روبنسن) يقولان أنها تقع على جبل صهيون، فأمام هذه التناقضات وأمام كل التناقضات السابقة، هل يوجد عاقل يسمح لنفسه القبول بذاك الإصرار الباطل والقول أن هيكلاً كان تحت الأقصى أو في حرمه أو في رحاب القدس الشريف.
8. يقول أحد الباحثين ويدعى ” كورنفلد “:
أن قطر الهيكل أكبر من قطر الصخرة، حيث أن قطر الصخرة هو 50 متراً، أما عرض الهيكل كان 56 م، فلو أن الهيكل قد دمر أو حرق في هذه المنطقة، لتغطت الصخرة المشرفة بآثار الحريق، ولبقيت الآثار تحت الصخرة أو حولها، أو لبقيت حجار محروقة أو تربة مع رماد من المنطقة، وبما أنهم لم يجدوا شيئاً يدل على ذلك، فهذا إثبات على أنه لم يحدث أي حريق في هذه المنطقة، الأمر الذي يدل على عدم وجود هيكل على أرض هذه المنطقة.. لقد أثبتت هذه الحفريات أن لون التربة هو اللون الأصلي لتراب تلك المنطقة والحجارة التي أخرجت عند الحفريات كانت باللون الطبيعي لتلك الحجارة، ولم تكن محروقة “.
9. يقول الباحث ” مازار “:
أن الحفريات التي أجراها بن دافيد شرق الحرم القدسي لم تثبت أي آثار أو وجود لليهود من زمن الهيكل الأول أو من أيام رجوع اليهود إلى القدس بعد السبي البابلي، وفي الناحية الجنوبية للحرم اكشفوا بئر ماء محفورة بالصخر وبها 15 أداه من الفخار كانت تستعمل في ذلك الوقت وسقطت في البئر، ويرجع تاريخ هذه الأدوات إلى سنة 900 ق.م، أما في الناحية الجنوبية الغربية فوجدت آثار مدينة من العصر الأموي “.
10. قام الدكتور محمود مصالحة بإجراء مقابلة مع الكاهن عبد المعين صدقة – رئيس الطائفة اليهودية السامرية في نابلس في تاريخ 13/3/97، وقد أورد الدكتور محمود هذه المقابلة في كتابه ” المسجد الأقصى المبارك وهيكل بني إسرائيل “، ومما ورد في هذه المقابلة ما يلي:
يقول الكاهن عبد المعين صدقة: ” في ديننا لا يوجد هيكل، وإنما توجد خيمة الاجتماع أو (المشكان) التي كانت مكونة من الخشب والجلود والذهب، بناها سيدنا موسى عليه السلام، عندما كان اليهود في الصحراء، وخيمة الاجتماع بنيت لكي يكلم الله من داخلها سيدنا موسى عليه السلام، عندما عبر بنو إسرائيل نهر الأردن توجهوا إلى ” شكيم ” (نابلس) إلى جبل جرزيم، حيث وضعت خيمة الاجتماع هنا على جبل جرزيم وليس في القدس، وهذا دليل قاطع على أن القدس غير مقدسة عندنا قطعياً.. “.
وفي موضع آخر من المقابلة يقول: “.. أما القدس فلم يرد لها ذكر عندنا في التوراة بتاتاً.. “، وكذلك يقول في موضع آخر في المقابلة: “.. أكرر وأقول: ” نحن لا نؤمن بالقدس، لا يوجد قدس في التوراة، لم يرد للقدس ذكر في الخمسة أسفار، وهي: التكوين، الخروج، لاويين، عدد، تثنية الاشتراع “.
يتبع
- ما بني على باطل فهو باطل
كنت قد بينت خلال الحلقات السابقة أن القول بوجود ” هيكل ” كان تحت الأقصى أو في حرمه هو وهم وتضليل، وقد أوردت كثيراً من الأدلة والشواهد الدينية والتاريخية والأثرية التي تؤكد على ذلك، وأتابع وأقول أن القول بوجود ” هيكل ” كان تحت الأقصى أو في حرمه هو باطل، وما دام باطلاً فما بني على باطل فهو باطل، وأقصد بذلك أن الادعاء بعد ذلك بوجود آثار ل ” هيكل ” تحت الأقصى أو في حرمه هو باطل كذلك، ومعنى ذلك أن القول بوجود شيء اسمه ” مبكى ” على اعتبار أنه من آثار ” هيكل ” هو باطل، لأنه لم يكن – أصلاً – ” هيكل ” تحت الأقصى أو في حرمه، والقول بوجود نفق اسمه ” نفق الحشمونائيم ” على اعتبار أنه من آثار ” هيكل ” هو باطل لنفس السبب لأنه لم يكن – أصلاً – ” هيكل ” تحت الأقصى أو في حرمه، والقول بوجود إسطبلات اسمها ” إسطبلات سليمان ” على اعتبار أنها من آثار ” هيكل ” هو أمر باطل، لنفس السبب، والقول بوجود بوابة اسمها ” بوابة خلده ” أو بوجود آبار مياه على اعتبار أنها من آثار ” هيكل ” هو أمر باطل لنفس السبب، لذلك فالادعاء بعد ذلك أن لليهود حق الصلاة في حرم الأقصى هو أمر باطل، لأنه بني على باطل، والمطالبة الشاذة التي نسمعها اليوم والتي تنادي ببناء ” هيكل ” على حساب الأقصى هو أمر باطل، لأنه بني على باطل، والسعي المحموم إلى إدخال حرم الأقصى في دائرة المفاوضات الجارية اليوم حول القدس الشريف هو أمر باطل، لأنه بني على باطل، وحول هذا الموضوع هناك بعض الملاحظات الني أريد أن أذكر بها:
1. كتبت صحيفة ” يديعوت أحرونوت ” في تاريخ 7/6/1998، على لسان عالمي الآثار البروفيسور ” إسرائيل فنقلشطين ” و ” دافيد اوسيشقين ” ما يلي: ” القدس في أيام الملك سليمان كانت تجمعاً صغيراً، ولم تكن عاصمة لإمبراطورية، كما هو وارد في ” المقراة ” – كتاب ديني يهودي – لذلك هناك تساؤل كبير: هل الملك سليمان بنى الهيكل الأول كما هو وارد في ” التناخ ” – كتاب ديني يهودي – ؟
واضح أن هذا التساؤل ينكر القول الوارد في بعض الكتب الدينية اليهودية أن الملك سليمان بنى الهيكل الأول، وواضح أننا إذا أضفنا هذا الشاهد إلى بقية الشواهد التي أوردتها في الحلقات السابقة، فلنا أن نتساءل بكل موضوعية، لماذا هذه المماحكة الباطلة وتسمية ” التسوية الشرقية ” التي تعرف باسم ” المصلى المرواني “، وهي جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى ؟ لماذا هذه المماحكة الباطلة وتسميتها باسم ” إسطبلات سليمان ” وكأنها بقايا ” هيكل ” من عهد الملك سليمان – عليه السلام – علماً أن هذين البروفيسورين اليهوديين من جامعة تل – أبيب يؤكدان أن الملك سليمان – عليه السلام – لم يبن هيكلاً.
طبعاً غني عن البيان أني لا أستند إلى هذا الشاهد لهذين البروفيسورين فقط، فقد أوردت أدله وشواهد كثيرة في الحلقات السابقة، ولكن من باب التأكيد أورد هذا الشاهد فقط !!
2. مع كل ما ذكرته في الحلقات السابقة فإن صحيفة ” هآرتس ” كتبت تقول في تاريخ 1/10/1999: ” التسوية النهائية التي سيتم التوصل إليها بين الإسرائيليون والفلسطينيين المتعلقة بـ “الحرم القدسي” – المسجد الأقصى المبارك – قد تضم عناصر تحوي تغييراً للوضع القائم منذ عام 1967، هذا ما يتضح من المحادثات التي أجراها مؤخراً إسرائيليون وفلسطينيون في أثينا وباريس والأردن تحت رعاية مراكز أبحاث وبعلم من المستوى السياسي بمجريات فحوى وجوهر المحادثات “.
3. تضيف صحيفة ” هآرتس ” وتقول في نفس العدد: ” هذا وتطالب إسرائيل الفلسطينيين أنه في كل تسوية أيا كانت، يجب حفظ حق توجه اليهود إلى (جبل الهيكل) – الأقصى المبارك – وذلك وفقاً لترتيبات زمنية يتم الاتفاق عليها بين الطرفين، وكذلك تطالب إسرائيل بأن تحتفظ قواتها الأمنية بحق استعمال القوة داخل الحرم إذا ما تعرض إسرائيليون للخطر داخله “.
4. تقول صحيفة ” هآرتس ” في نفس العدد: ” وتطالب إسرائيل أنه مقابل رفع العلم الديني – الفلسطيني في الموقع، أو رفع العلم الفلسطيني السياسي – الأمر الذي يعني تنازلاً يؤدي إلى السيادة الفلسطينية رسمياً وليس فقط عملياً – تطالب أن يوافق الفلسطينيون على تخصيص إسرائيل قطعة (مساحة) أرض ليصلي عليها اليهود “.
5. وتضيف صحيفة ” هآرتس ” في نفس العدد وتقول: “كذلك وتقترح إسرائيل على السلطة أن يتم الاتفاق بينهما على أن لا يستعمل الحرم لأهداف دينية وتمنع داخله أي فعالية سياسية، أو ذات السيادة، هذا بالإضافة إلى مطالبة إسرائيل بمنحها حق ” الفيتو ” (الاعتراض) على كل عمل في مجال البناء أو الهدم داخل الحرم وحق مراقبة ذلك “.
6. وحول مفهوم مساحة الأرض التي يطالب بها الطرف الإسرائيلي كي يؤدي عليها اليهود صلاتهم، فإن صحيفة ” هآرتس ” تقول في نفس العدد: ” ومن أجل تحقيق هذه الإمكانية فقط طرح على السطح العديد من الأماكن في إطار مخططات احتياطية مختلفة تمثل بدائل:
§ المصلى المرواني: وهذا البديل لم يعد بديلاً مقبولاً وحيوياً، بعد أن أقام فيه المسلمون مسجداً.
§ المنطقة المحاذية للبوابات الثلاثية: تطل على المسجد المرواني، وكذلك الأمر فهناك أقسام في هذه المنطقة لم تعد صالحة لهذا الغرض بعد أن سيطر الوقف عليها مؤخراً، بتشجيع من الحركة الإسلامية، هذا فضلاً عن أن هذا البديل في قسم منه لم يعد حيوياً، كما كان في السابق.
§ المدرسة العمرية: في سنوات السبعينات نظم الراب ” شلومو غورن” الصلاة في هذا المكان المطل على (جبل الهيكل) “الحرم”، إذ إن قسماً من المدرسة جزء من أرض (جبل الهيكل) “الحرم”، والهدف من طرح هذا البديل للعمل على إيجاد نقطة مطلة على المنطقة – “الحرم” – وإيجاد مكان للصلاة فيها سواء للجمهور أو للأفراد.
7. وهناك فرضية إسرائيلية أخرى لإيجاد مكان صلاة لليهود، توردها صحيفة ” هآرتس ” في نفس العدد وتقول: ” كذلك يقترح ” زيلبرمان ” فحص إمكانية الفصل في منطقة الصلاة بين المسطح العلوي لـ “الحرم” والتي يستغلها المسلمون للصلاة، وبين المواقع الأرضية الواقعة تحت المسطحات العلوية لـ “الحرم”، ويؤكد ” زيلبرمان ” إن الطريقة الوحيدة للتوصل إلى إمكانية استغلال هذه المساحات الأرضية للصلاة فيها من قبل اليهود يتم فقط عبر المفاوضات مع الفلسطينيين والأردن، ويبدو أن هذا الاستعداد من قبل الفلسطينيين والأردن، على الأقل في المرحلة المراهنة غير وارد “.
8. في المقابل فإن صحيفة ” هآرتس ” تتطرق في هذا العدد إلى ما يطالب به الطرف الإسرائيلي، حيث تقول: ” ويتضح أن الفلسطينيين يطالبون في محادثاتهم باستعادة المحكمة المطلة على المسجد الأقصى من الجهة الشمالية واستعادة باب المغاربة، والذي تسيطر عليه شرطة إسرائيل منذ عام 1967 “.
9. في تاريخ 22/8/1999 تكتب صحيفة ” هآرتس ” وتقول: ” ومع ذلك فإن هناك مجموعة صغيرة من أنصار جبل الهيكل، هم من هامش الصهيونية المتدينة وخريجي مدرسة ” ليحي ” يؤلمهم ويقض مضاجعهم مصير جبل الهيكل، وهذه المجموعة ترى في قضية الهيكل المحور المركزي لعملها، فهم يتدربون على إعداد القوانين وبناء المذبح وإعداد الأواني اللازمة للمعبد، وفي الأيام الأخيرة بُشرنا بأنه تم إعداد كنز الهيكل والإعلان عن إنشاء جمعية رسمية مهمتها جمع الأموال لبناء الهيكل الثالث “.
10. بقي أن أقول أن كل هذه المطالب الإسرائيلية باطلة، لأنها مبنية باطل على باطل، لا بل أن أصل هذه المحادثات الأكاديمية باطلة، لأنها تهدف إلى زج الأقصى المبارك في دائرة المفاوضات، ولكن من الجدير أن نسأل: من هو الطرف الإسرائيلي الذي يتبنى هذه المطالب التي أوردتها صحيفة ” هآرتس ” ؟ هل هم عدد هامشي ديني ؟ أم أن هناك مطلباً رسمياً حكومياً ومطلباً شعبياً عاماً في المجتمع اليهودي المعاصر ؟ سنجيب على ذلك في الحلقة القادمة بإذن الله.
- من الساعي إلى بناء (الهيكل) في هذه الأيام
بينت خلال الحلقات السابقة أن مقولة ” الهيكل ” وهم وتضليل، وبينت الأدلة والشواهد التي تؤكد ذلك، وبينت أن هدف المتمسكين بمقولة ” الهيكل ” هو فرض ” حق باطل ” لهم، لأنهم يدركون في قرارة أنفسهم أنه لم يكن ” هيكل ” في يوم من الأيام تحت الأقصى المبارك أو في حرمه، ولكنهم يدركون في قرارة أنفسهم كذلك أن تمسكهم بهذا الأمر الباطل هو الطريق الوحيد لفرض ” حقهم ” الباطل، التي بات يتبلور خلال هذه الأيام بالدعوة الصريحة إلى بناء ” هيكل ” على الحساب الأقصى المبارك !! لذلك أعود وأطرح السؤال الضروري في هذه القضية: من الساعي إلى بناء ” هيكل ” في هذه الأيام ؟
قبل أن أبين الجواب على هذا السؤال، وكي أنعش ” ذاكرة ” الجميع أذكر أن هناك مقولة ” القدس الكبرى ” أو ” القدس التاريخية ” وهي محل إجماع قومي وديني لدى شرائح المجتمع اليهودي ولدى كل مركبات قوسه السياسي، ولا أدل على ذلك من هذه التصريحات القديمة الجديدة التي سأورد عينة منها:
1. ذكرت صحيفة ” هآرتس ” في تاريخ 8/6/1997 قول ” ديان ” عندما كان عند حائط البراق: ” لقد وحدنا من جديد القدس المبتورة عاصمة إسرائيل المشطورة، رجعنا إلى قدس أقداسنا، عدنا إليها ولن نتركها إلى أبد الآبدين “.
2. ذكرت صحيفة ” معاريف ” في تاريخ 31/10/1995 قول ” بن غورين ” بعد 1967: “يجب أن لا نتنازل عن شبر واحد من القدس لأنها مهجة قلب الشعب اليهودي “.
3. ذكرت صحيفة ” الاتحاد ” في تاريخ 31/1/1995 قول ” رابي ” لطلاب ثانويين: ” أنا وضعت لنفسي سلم أفضليات، أولاً وقبل كل شيء القدس والحفاظ على وحدتها، وتعزيز وتقوية هذه الوحدة، إنها القدس فوق أي اعتبار “.
4. ذكرت صحيفة ” معاريف ” في تاريخ 16/5/1996 خبراً اقتطفت منه ما يلي:
” كان بيرس قد أكد أمام الكنيست أن حكومته تؤكد على وحدة القدس، وأنها لن تقسم ولن تكون في يوم من الأيام عاصمة لفلسطين، وستظل تحت السيادة اليهودية “.
5. ذكرت صحيفة ” الاتحاد ” في تاريخ 9/6/1999 قول ” حاييم رامون ” – وهو أحد وزراء حكومة براك كما نعلم: ” نحن في (يسرائيل أحات) وإيهود يراك من ضمننا نؤمن بأن القدس بشقيها الغربي والشرقي يجب أن تبقى موحدة تحت السيادة الإسرائيلية، وعليه الخط الأخضر لا وجود له في القدس.. هذا هو موقف حكومة إسرائيل الحالية في الطريق إلى مباحثات الحل الدائم..).
6. ذكرت صحيفة (كل العرب) في تاريخ 2/7/1999 قول ” يوسي بيلين ” – أحد وزراء حكومة براك كما نعلم: ” هناك اتفاقية بيني وبين “أبو مازن”، سيكون هناك اهتمام بشكل جدي بالمواطنين العرب سكان مدينة القدس، يمكن أن تكون لهم ما يشبه شبه مدينة داخل مدينة القدس الكبرى، القرار النهائي فيما يتعلق بالقدس الشرقية سيؤجل إلى وقت غير محدد”.
7. ذكرت صحيفة ” الاتحاد ” في تاريخ 13/7/1999 قول ” أبراهام بورغ ” – رئيس الكنيست في دورتها الحالية: ” علمت بتفاهم بيلين – أبو مازن حول أبو ديس – عاصمة الدولة الفلسطينية “.
8. ذكرت صحيفة ” هآرتس ” في تاريخ 22/8/1999 قول ” شلومو بن عامي – أحد وزراء حكومة براك كما نعلم: ” القدس عام 1967 ليست كالقدس 1999، ولذلك علينا أولاً وقبل كل شيء أن نحدد لأنفسنا ماذا نعني بالقدس، فليس هناك فلسطيني لا يعرف أن المستوطنات اليهودية القائمة في شرقي المدينة هي القدس، في مثل هذه القدس الكبيرة نسعى للتوصل إلى تسوية تحقق عدم تقسيمها، السيادة الإسرائيلية ما وراء هذه القدس قابلة للحديث.. “.
9. ذكرت صحيفة ” الأيام ” في تاريخ 15/9/1999 قول ” إيهود براك “: ” بإمكاني أن أؤكد لكم أن ” معاليه أدوميم ” ستبقى تحت سيادة إسرائيل مهما كان الاتفاق النهائي مع الفلسطينيين”.
10. ذكرت صحيفة ” الأيام ” في تاريخ 15/9/1999 قول ” إيهود براك “: ” وحدة القدس وسيادتنا فيها يتمتعان بإجماع في المجتمع الإسرائيلي، وإن حكومات إسرائيل المتعاقبة دعمت هذا الموقف “.
نعلم أن مشروع ” تهويد القدس ” يقوم على خطة تعرف ب ” خطة الأحزمة ” وهي ليست حبراً على ورق، بل هي ما يجري تنفيذه من مشاريع استيطانية في القدس في هذه الأيام، وتقوم ” خطة الأحزمة ” على ما يلي:
- بناء حزام استيطاني يحاصر البلدة القديمة، مثل حي المغاربة والشرف.
- بناء حزام استيطاني يحاصر الأحياء العربية خارج أسوار البلدة القديمة، مثل حي سلوان ووادي الجوز.
- بناء حزام استيطاني يتاخم حدود القدس الكبرى، مثل مشروع ” أبو غنيم”، مع التنبيه إلى أن الأقصى المبارك واقع لا محالة في مركز كل هذه الأحزمة الاستيطانية، بمعنى الأقصى محاصر لا محالة بثلاثة أحزمة استيطانية، وهذا ما يجعل الأقصى وحيداً، عرضه لأن يبنى على حسابه ” هيكل ” كما نسمع في هذه الأيام.
كتبت كل هذا كي أنبه أن هناك ارتباط بين الحديث عن ” القدس الكبرى ” والحديث عن بناء ” هيكل ” على حساب الأقصى المبارك، وكي نستوثق من ذلك أورد هذه الشواهد:
1. ذكرت صحيفة ” يديعوت أحرونوت ” في تاريخ 10/8/1999 قول وزير رفيع المستوى في حكومة براك: ” لقد تأخرنا في السيطرة على جبل ” الهيكل”، فإن ” جبل الهيكل ” ليس معنا – يقصد بجبل ” الهيكل ” الأقصى المبارك.
2. ذكرت صحيفة ” الاتحاد ” في تاريخ 11/8/1999 قول ” إيهود براك “: ” إن فتح الباب في جبل ” الهيكل ” غير شرعي، وخطوة أحادية الجانب لن تمر بسهولة، أنا مسرور لتصرف الشرطة السليم “.
3. ذكرت نشرة ” نكوداة ” قول ” يهودا عتصيون”: ” قضية السيطرة على جبل ” الهيكل ” ستحسم ملكية البلاد لأبناء إسحاق أم لأبناء إسماعيل “.
4. الكل يذكر مقولة ” بن غورين “: ” لا قيمة لإسرائيل بدون القدس ولا قيمة للقدس بدون ” الهيكل “.
5. عندما ابّن ” مناحيم بيجن ” أحد رجالاته العسكريين الذي قتل في حرب لبنان عام 1982، وهو المدعو ” يكوتئيل آدم “، ابنه ” بيجن ” وقال: ” لقد ذهبت إلى لبنان من أجل إحضار خشب الأرز لبناء ” الهيكل “.
6. كلنا سمعنا عن هدية ” نتنياهو ” – رئيس حكومة إسرائيل السابق، للمطران سلوم، فقد أهدى إليه مجسماً لمدينة القدس، وقد اختفى الأقصى المبارك، ووضع بدلاً منه مجسم خيالي ل ” هيكل ” !!
7. أعود وأذكر بجملة سمعتها من أحد المسؤولين الكبار الفلسطينيين قالها له أحد المفاوضين الفلسطينيين على لسان أحد الوزراء الكبار في حكومة براك: ” لا تتوقعوا حلاً نهائياً لقضية القدس إلا إذا سمحتم ببناء “هيكل ” في ساحات الأقصى “.
هذه شواهد مختلفة تجسد إجماعاً قومياً، دينياً، رسمياً وشعبياً في المجتمع اليهودي، تبين طمعهم وسعيهم لبناء ” هيكل ” في الوقت الذي يرونه مناسباً على حساب الأقصى ؟! ولكن يبقى سؤال يفرض نفسه: هل هذه الأقوال والشواهد مجرد أحلام يقظة، أم أن هناك سعياً ومبادرات لتنفيذها ؟ سنجيب على هذا السؤال في الخلقة القادمة بإذن الله تعالى.
يتبع
- هل هي ” أحلام يقظة ” أم ” مبادرات عمل “!
أوردت في الحلقة السابقة الشواهد الكثيرة التي تبين لكل عاقل أن السعي إلى بناء ” هيكل ” بات يشكل إجماعا قوميا، دينيا، رسميا وشعبيا في المجتمع اليهودي، وحتى لا ننسى فإن المطالبة ببناء (الهيكل) تقوم على حساب (الأقصى المبارك)، وحتى لا ننسى سأورد في هذه الحلقة الشواهد الكثيرة التي تبين أن المطالبة ببناء (هيكل) ليست مجرد (أحلام يقظة) بل هناك مبادرات عملية لدى مجموعات يهودية مختلفة لتنفيذ ذلك وها كم الشواهد: –
1- من خلال متابعتي لهذا المشروع تبين لي أن هناك عدة نظريات لدى المجموعات اليهودية الساعية إلى بناء ” هيكل ” فهناك من يطالب ببناء ” هيكل ” على أنقاض الأقصى المبارك، وهناك من يطالب بنقل الصخرة المشرفة من مكانها تحت شعار (الترانسفير العمراني) ثم بناء ” هيكل ” مكانها، وهناك من يطالب ببناء عشرة أعمدة ضخمة في الجهة الجنوبية – الغربية لحرم الأقصى المبارك، بحيث يكون ارتفاعها مساويا لارتفاع ساحات الأقصى المبارك من الداخل، ثم يتم بناء ” هيكل ” عليها، وتتحول ساحات الأقصى المبارك إلى ساحات عامة لهذا ال ” هيكل ” وهناك من يطالب ببناء ” هيكل ” في داخل حرم الأقصى المبارك وعلى وجه التحديد في الزاوية الشرقية – الشمالية القريبة من باب الأسباط وهناك من يطالب بإعطاء اليهود المباني الواقعة تحت ساحات الأقصى المبارك، بمعنى تحويل المصلى المرواني والأقصى القديم اللذين يعتبران جزءا لا يتجزأ من الأقصى المبارك إلى ” هيكل ” لليهود !! ومن يدري لعل هناك نظريات أخرى لم يكشف عنها حتى الآن.
2- أعود وأقول هذه ليست أحلام يقظة، بل هناك مبادرات عمل لتنفيذها لدى كل مجموعة يهودية تتبنى إحدى هذه النظريات، وعلينا أن نعلم أن هناك خمسا وعشرين جماعة يهودية تعمل على تنفيذ هذه النظريات على حساب الأقصى المبارك.
3- وفق دراسة وقفت عليها وجدت هذه النتيجة التي تبين أن هذه المجموعات اليهودية قامت بأكثر من أربعين عملا عدائيا استهدف الأقصى المبارك منذ عام 1967م – 1990م، ثم قامت بأكثر من سبعين عملا عدائيا استهدفت الأقصى المبارك منذ ” أوسلو ” حتى عام 1998.
4- قام المدعو ” جرشون سلمون ” – رئيس مجموعة (أمناء ال” هيكل “) في تاريخ 16/10/1989 بوضع حجر أساس للهيكل في مكان قريب من حرم الأقصى وقال يومها: ” أن وضع حجر أساس الهيكل يمثل بداية حقبة تاريخية “.
5- ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أنه يجري الآن قطع أحجار من صحراء النقب كي تكون معدة لبناء ال ” هيكل ” في اللحظة التي تسعى هذه المجموعات اليهودية لاغتنامها.
6- صرح المدعو ” باروخ بن يوسف ” – زعيم منظمة ” بناة الهيكل ” عام 1997 إن جماعته انتهت من صنع شمعدان ذهبي في أمريكا وتم نقله بعد ذلك كي يستعمل في المستقبل لإقامة الشعائر الدينية التي ستقام في ال ” هيكل “.
7- قام المليونير اليهودي المصري المدعو ” موسى فرج ” بالتنسيق مع بعض هذه المجموعات اليهودية بصناعة ” خيمة العهد ” من خطوط الذهب بتكلفة خمسة عشر مليون دولار، وذلك لوضعها مستقبلا في ال” هيكل “.
8- قامت منظمة ” حركة إعادة ال ” هيكل ” ببناء ” المذبح ” في منطقة ” بحر الميت ” كي يستخدم في المستقبل لتقديم القرابين عليه عندما تتاح الفرصة لبناء ” هيكل ” وفق مخططاتهم.
9- تقوم إحدى المجموعات اليهودية المسماة باسم ” مؤسسة الحجر الطاهر” بأخذ الأطفال اليهود بعد ولادتهم مباشرة للعناية بهم وتربيتهم تربية خاصة كي يكونوا (خدام ال” هيكل “) الساعين لبنائه.
10- من الضروري أن أؤكد أن كل ما ذكرته من ملاحظات وشواهد تم عرضه في قنوات التلفاز الإسرائيلية، وكان هناك اكثر من برنامج حول هذه الشواهد سالفة الذكر، كما وكان هناك لقاءات مختلفة مع مسؤولين عن هذه المجموعات اليهودية، وتم التصريح ممن قبلهم بتصميمهم على متابعة تنفيذ كل هذه المبادرات.
11- الذي يتابع الإعلام العبري حول الأقصى المبارك على وجه التحديد يجد أن هناك تصميما من قبل كثير من المسؤولين الرسميين اليهود على اعتبار أن الأقصى المبارك الذي يطلقون عليه اسم ” جبل الهيكل ” واقع بالكلية تحت مسئوليتهم، ومن يتأمل الجواب الذي صرح به مدير عام وزارة الأمن الداخلي (يهودا فيلك) في تاريخ 15/2/2000 في التلفاز الإسرائيلي عندما سئل عن استعدادات الشرطة لزيارة البابا، من يتأمل (جواب فيلك) يجد أنه أجتهد أن يبين أن الأقصى المبارك واقع بالكلية تحت مسؤولية وزارته، فقد ذكر (فيلك) خلال الجواب أن هناك مركز شرطة في داخل الأقصى المبارك وهناك قوات شرطة تتجول في داخل الأقصى المبارك، وهناك قوات شرطة على كل أبواب الأقصى المبارك، وأنا أضيف وأقول ذكر لي بعض الثقات من أهلنا في القدس الشريف أن هناك سيارات شرطة ذات حجم صغير تتجول ليلا في ساحات الأقصى الداخلية، كل ذلك ينسجم مع مبادرات العمل التي تقوم بها بعض المجموعات اليهودية.
12- تجري في هذه الأيام عرقلة مقصودة من قبل المؤسسة الرسمية اليهودية، من اجل إجهاض أية محاولة لإعمار الأقصى المبارك، فأنا أتحدث كإنسان أشد الرحال إلى الأقصى المبارك أسبوعيا كحد أدنى، وأجتهد أن أسهم بدور متواضع لدعم مسيرة إعمار الأقصى الجارية بإدارة ورعاية هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار، وألاحظ كما يلاحظ غيري أن هناك نية مسبقة لدى المؤسسة الرسمية اليهودية لعرقلة إعمار الأقصى المبارك، حيث باتوا يمنعون إدخال المواد المطلوبة لمتابعة مشاريع إعمار الأقصى المبارك، لدرجة أنه مضت أسابيع كاملة منعوا فيها إدخال مواد البناء إلا الشيء اليسير جدا ، على الرغم من إلحاح هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار، وواضح من وراء ذلك أن وراء الأكمة ما وراءها، وواضح من وراء ذلك أن هذه الممارسات تتفق مع مبادرات المجموعات اليهودية التي تحدثت عنها.
13- كل ذلك دفع مفتي الديار المقدسة الشيخ عكرمة صبري إلى أن يصرح في تاريخ 23/8/1999 في صحيفة ” الأيام ” قائلا: ” إسرائيل تحاول أن تدخل كشريك ليتم التفاوض معها بشأن المسجد الأقصى”.
14- كل ذلك دفع مهندس هيئة الأوقاف السيد عدنان الحسيني إلى أن يصرح في تاريخ 9/10/1999 في صحيفة ” الأيام ” قائلا: ” الآن هم وصلوا إلى جدار الأقصى القديم وباتوا يمسون هذا الجدار، كل يوم يقومون بإجراء معين، ويبدو أن الأمور بالنسبة لهم فيما يتعلق بأوهامهم ببناء الهيكل بدأت تستوي، لذلك نحن نقول أن الوضع بات خطيرا جدا، فنحن لا نتحدث عن ثلة من المستوطنين المتطرفين وإنما عن جهاز حكومي كامل يقوم بهذا العمل”.
15- بقي أن نقول إن هناك خطوة إسرائيلية رسمية تصب في مبادرات هذه المجموعات اليهودية، ألا وهي الحفريات التي يجري تنفيذها في حرم الأقصى المبارك ولأهمية هذا الموضوع سأتحدث عنه في الحلقة القادمة وأنا اسأل نفسي واسأل امتنا الإسلامية وعالمنا العربي وشعبنا الفلسطيني: ماذا يجري تحت المسجد الأقصى المبارك ؟
يتبع
- ماذا يجري تحت المسجد الأقصى المبارك؟
كنت قد أكدت في الحلقات السابقة أن السعي إلى بناء ” هيكل ” بات يشكل إجماعا قوميا دينيا، رسميا وشعبيا في المجتمع اليهودي، وكنت قد أكدت أن السعي إلى بناء ” هيكل ” ليس مجرد ” أحلام يقظة ” بل هناك مبادرات عملية لتنفيذ ذلك، وكنت قد أكدت أن هناك خطوة إسرائيلية رسمية تصب في هذه المبادرات، ألا وهي الحفريات التي تجري تنفيذها في حرم الأقصى المبارك، لذلك سألت وما زلت اسأل: ماذا يجري تحت المسجد الأقصى المبارك ؟
إجابة على هذا السؤال سأسجل الملاحظات التالية:
1- على عهد الانتداب البريطاني في فلسطين تم رسم خارطة مفصلة تبين موقع قنوات ومخارج الهروب الاضطراري التي كانت قائمة تحت حرم الأقصى المبارك، وهذه الخارطة المفصلة ليست سرا محفوظا في الخزانة البريطانية، بل هي خارطة باتت معروفة في متناول كثير من الأيدي، خصوصا مكاتب الهندسة، ولا شك أن هذه الخارطة قد وقعت في أيدي كل المعنيين من المجتمع اليهودي في موضوع بناء ” هيكل ” على حساب الأقصى المبارك، ولا شك أن هذه الخارطة تحولت إلى قاعدة توجيهية لكل الحفريات التي جرت وتجري الآن في حرم الأقصى المبارك من قبل المؤسسة الرسمية الإسرائيلية، فعلى أساس ما تبينه هذه الخارطة تم حفر النفق الذي سمي ” تحريفا ” باسم ” نفق الحشمونائيم ” !! ومن الواضح أن الذين يقومون بعمليات الحفر لا يكتفون بطول وعرض وارتفاع قناة المياه كما كانت عليه أو مخرج الهروب الاضطراري كما كان عليه، بل يسعى القائمون على الحفريات إلى زيادة طول وعرض وارتفاع هذه القنوات والمخارج بما يوافق مخططاتهم، ويسعون في نفس الوقت إلى حفر أنفاق جديدة جدا للربط بين هذه القنوات والمخارج بما يوافق مخططاتهم !! وليعلم الجميع أن هذه القنوات والمخارج تمتد في اتجاهات مختلفة تحت حرم الأقصى المبارك، فهناك اتجاهات لهذه القنوات والمخارج تمتد من تحت حرم الأقصى شرقا إلى تحته غربا، وهناك اتجاهات من تحت حرم الأقصى شمالا إلى تحته جنوبا، وهناك اتجاهات متعرجة ومنحنية تربط ما تحت الأقصى من الزاوية الشرقية – الشمالية حتى الزاوية الغربية – الجنوبية !! فإذا عرفنا أن الحفريات تجري على أساس هذه الخارطة البريطانية فسؤالي هو: أي قنوات ومخارج تجري فيها الحفريات الآن ؟ لا أحد منا يعلم ذلك مع شديد الأسف !! كل ما نعلمه هو ما كشف عنه الإعلام الإسرائيلي أو ما تم الكشف عنه خلال جولات ميدانية في حرم الأقصى المبارك كان قد قام بها البعض منا !! ولكن وبصراحة نقول أن حقيقة كل ما يجري من حفريات في الأقصى المبارك على أساس هذه الخارطة البريطانية لا يعرفه إلا القليل القليل من المشرفين على الحفريات في المؤسسة الرسمية الإسرائيلية !! وتبعا لذلك، ما مدى الخطورة التي تشكلها كل هذه الحفريات المعروفة وغير المعروفة على حرم الأقصى المبارك ؟ لا أحد منا يعلم ذلك مع شديد الأسف !! وتبعا لذلك، ماذا يجري الآن تحت الأقصى المبارك؟ لا أحد منا يعلم ذلك مع شديد الأسف.
2- كل ما نعرفه هو انه كانت محاولة خلال السنوات الماضية، وقامت المؤسسة الرسمية الإسرائيلية بحفر نفق من تحت المسجد الأقصى جنوبا وباتجاه الشمال، وتم حفر ما يزيد على عشرة أمتار، ولكن تم الكشف عن هذا النفق خلال جولات ميدانية قام بها البعض منا، فقامت هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار (مشكورة) بإغلاق هذا النفق!
3- قامت المؤسسة الرسمية الإسرائيلية بحفريات مكثفة في الزاوية الغربية الجنوبية لحرم الأقصى المبارك، وذلك خلال السنوات الماضية، وقد أدى ذلك إلى إزالة مقبرة إسلامية تاريخية عن الوجود، حيث كانت هذه المقبرة ملاصقة لحرم الأقصى المبارك من الخارج!
4- قامت المؤسسة الرسمية الإسرائيلية خلال السنوات الماضية بحفر نفق من تحت الأقصى غربا ثم اتجهت بالحفر نحو “الصخرة المشرفة” ووصلت الحفريات يومها إلى سبيل ” قايتباي ” الواقع في داخل حرم الأقصى المبارك، وهو سبيل قريب من ” الصخرة المشرفة “، إلا أن بعض حراس الأقصى المبارك اكتشفوا هذا النفق، فقامت هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار (مشكورة) بإغلاق هذا النفق.
5- قامت المؤسسة الرسمية الإسرائيلية بمتابعة حفر هذا النفق، ولكن مع تغيير اتجاه الحفريات، فتغير اتجاه الحفر من غرب – شرق إلى غرب – شمال، واستمر الحفر لسنوات طويلة، وخلال الحفر تصدعت مبان وقفية إسلامية ومدارس تاريخية إسلامية ومساجد، نعم.. تم تصدع هذه المباني الملاصقة لحرم الأقصى من الخارج، لان بعض مقاطع الحفريات جرت تحتها، وظلت عمليات الحفر متواصلة حتى عام 1996، حيث قام رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق “بنيامين نتنياهو” بافتتاح هذا النفق في تاريخ 24/9/1996، بعد أن أطلقوا على هذا النفق اسما ” باطلا ” و ” مزيفا ” حيث أسموه نفق” الحشمونائيم “.
6- حدثني ثقة كان في جولة مع فرقة يهودية داخل هذا النفق، وكان معهم مرشد سياحي، حدثني هذا الثقة أن هذا المرشد السياحي اليهودي قال لهم خلال الجولة وقد أشار إلى أحد مقاطع هذا النفق ” من هنا يمكننا الوصول بسهولة إلى نفق يمتد تحت ” جبل هيكل ” (الأقصى المبارك) !!
7- قامت المؤسسة الرسمية الإسرائيلية بحفر وإزالة كاملة لحي المغاربة الإسلامي الملاصق لغربي حرم الأقصى من الخارج، وذلك بعد الحرب 1967 مباشرة، بهدف تحويل مكان هذا الحي المزال إلى مكان عبادة لليهود لأنه كان في مخططاتهم تحويل نقطع حرم الأقصى الملاصق لهذا الحي إلى ما سموه ” باطلا وتحريفا ” بـِ ” المبكى ” وقد تم لهم ذلك، حيث حولوه ” ظلما وباطلا ” من ” حائط البراق ” إلى ” حائط المبكى “.
وها أنذا أضع مقطعا بين يدي القراء من مقال أوردته صحيفة ” هآرتس ” العبرية في تاريخ 13/5/1999 تصف فيه لحظات حفر وإزالة ” حي المغاربة: “الشرطة ورجال نجمة داود الحمراء ومواطنون خافوا من تلكم اللحظة التي سيطلب فيها من السكان إخلاء بيوتهم”.
– سلمان: ” أخبروهم أننا سنهدم البيوت، سواء خرجوا منها أم لم يخرجوا” !
– المختار: (مختار حي المغاربة): ” لن نخرج من بيوتنا “.
– سلمان: ” أنا جندي وانفذ الأمر وليس عندي طريقة أخرى، وأنا أنصحك بإخلاء البيوت فجرافاتنا ستدخل الحي “.
– وعندها أمر سلمان ضابطا في قسم الهندسة بالشروع في العمل.. وما أن أصابت أسنان الجرافة أول بيت وإذا به يهدم على من فيه، وعندها سمع صراخ من هدم عليهم البيت.
8- خلال جولة قمت بها مع السيد ناجح بكرات ” أبو مالك ” في مطلع التسعينات تبين لنا أنه جرى حفر نفق جديد يبدأ من الزاوية الغربية – الجنوبية لحرم الأقصى المبارك، ثم يمتد غربا وجنوبا، وقد نزلنا عبر سلم خشبي حتى وصلنا إلى أرضية النفق، ثم مشينا فيه مسافة أكثر من ثلاثمائة متر ولم نصل إلى نهايته، وخلال سيرنا فيه تبين انه يتفرع منه أنفاق قصيرة تصل إلى أساسات الأقصى المبارك، وما زالت عمليات الحفر جارية في هذا النفق حتى الآن.
9- ذكرت صحيفة ” هآرتس ” العبرية في تاريخ 11/8/1999 ما يلي: ” يوليو 1981 اكتشف حاخام حائط المبكى نفقا يتجه نحو نفق الحائط شرقا، ويمر من تحت قبة الصخرة، وطالب باستمرار الحفريات على أمل أن يجد قدس الأقداس “.. وفق هذا الخبر فإني اسأل كل عالمنا الإسلامي والعربي والفلسطيني: من منا يعلم ما يدور في هذا النفق المار من تحت قبة الصخرة؟ ما هي الحفريات التي تجري هناك؟ ما هو خطرها على مبنى الصخرة المشرفة ؟ للأسف لا يوجد واحد منا يعلم الجواب!.
10- كتبت صحيفة ” الأيام ” في تاريخ 13/8/1999 تقول: “على ذلك تواصل سلطات الاحتلال أعمال البناء في نفق ضخم يربط منطقة وادي حلوة في سلوان بمنطقة حائط البراق والحي اليهودي – حي الشرف – داخل أسوار البلدة القديمة”.
11- سمعت من أحد الثقات ممن يشغلون منصبا رفيعا في هيئة الأوقاف الراعية لحرم الأقصى المبارك، سمعت منه أن هناك تخوفا كبيرا من أن المؤسسة الرسمية الإسرائيلية تقوم بحفريات من المدرسة التنكزية الواقعة على حدود حرم الأقصى الغربية باتجاه قبة الصخرة المشرفة، لقد قال لي ذلك قبل سنوات، وحتى الآن لا نعلم حقيقة ما يدور بالضبط!
12- سمعت من أحد الفلسطينيين العاملين في سلك الآثار أن إحدى ورشات الحفريات الإسرائيلية التي تجري تحت الأقصى قد وصلت إلى منطقة ” الكأس ” الواقعة بين الصخرة المشرفة والأقصى المبارك، وحتى الآن لا نعلم حقيقة ما يدور الضبط.
13- بناء على كل ما أوردت من شواهد أعود وأؤكد أن هناك مشروعا كاملا يجري تنفيذه تحت الأقصى المبارك، ولكن للأسف لا نعلم عنه إلا القليل القليل !!
نعم… هذه هي الحقيقة المرة !! إنه مشروع الحفريات تحت الأقصى المبارك !
يتبع
- هل هناك حبل من الناس لبناء؟
بينت في الحلقات السابقة أن السعي إلى بناء ” هيكل ” بات يشكل إجماعاً قومياً دينياً، رسمياً وشعبياً في المجتمع اليهودي، ولكن يبقى سؤال مهم جداً، من الضروري أن نقف عنده وأن نجيب عليه بوضوح، وهذا السؤال هو: هل هناك حبل من الناس من غير المجتمع اليهودي يسعون إلى بناء ” هيكل ” على حساب الأقصى المبارك؟ أو على الأقل.. هل هناك حبل من الناس من غير المجتمع اليهودي يؤيد ويدعم مشروع هدم الأقصى المبارك، بهدف بناء ” هيكل ” مكانه؟
للإجابة على هذه التساؤلات، فسأورد بعض المقتطفات الموجزة من كتاب بعنوان ” النبوءة والسياسية ” لكاتبة أمريكية تدعى ” غريس هالسل “، ولدت هذه الكاتبة في بيت مسيحي إنجيلي معروف في الولايات المتحدة، وقامت بجولات دينية مختلفة لمؤسسات وكنائس في الولايات المتحدة والقدس وبيت لحم وغيرها، وتعرفت على حقيقة هذه المؤسسات والكنائس الواقعة في الولايات المتحدة، وتعرفت هذه الكاتبة كذلك على الشخصيات التي تقف على رأس هذه المؤسسات، وكيف تجمع الأموال وكيف تدافع عن مصالح إسرائيل ؟ وكيف تنسق مع المجتمع اليهودي من أجل تنفيذ مشروع بناء ” هيكل ” ؟ وهاكم بعض المقتطفات من هذا الكتاب ” النبوءة السياسية “:
1. تقول هذه الكاتبة ” جريس هالسل ” في صفحة 10 من كتابها: ” بصورة عامة يؤمن المسيحيون في مدينتي أيضاً بأن عمر الكون 6 آلاف سنة، وأن مريم (أم عيسى) كانت عذراء، وأن اليهود هم شعب الله المختار، وأن الله أعطى الأرض المقدسة لشعبه المختار اليهود، ولأن اليهود هم شعبه المختار، فإن الله يبارك الذين يباركون اليهود ويلعن لاعنيهم “.
2. كمثال على هذا ” الإيمان ” الذي تتحدث عنه ” هالسل ” فإنها تورد في صفحة 27 من كتابها تصريحاً لأحد قيادتي المسيحية الأمريكية ويدعى ” كينين كوبلاند “، حيث يقول هذا المبشر: ” أن الله أقام إسرائيل، إننا نشاهد الله يتنزل من أجل إسرائيل.. أنه لوقت رائع أن نبدأ دعم حكومتنا طالما أنها تدعم إسرائيل.. أنه لوقت رائع أن نشعر الله مدى تقديرنا إلى جذور إبراهيم “.
3. تورد الكاتبة ” هالسل ” مثالاً أخراً على هذا ” الإيمان ” في ص 51 من كتابها، حيث تنقل على لسان ” ريغان ” وتقول: ” وفي عام 1983 كشف ريغان عن أهمية الكتاب المقدس (التوراة) في حياته، قائلاً للمذيعين الدينيين: بين دفتي هذا الكتاب الوحيد توجد جميع الإجابات على جميع المشاكل التي نواجهها اليوم “.
4. كما هو واضح من هذين المثالين فقد أجمعت القيادة المسيحية الدينية والسياسية في أمريكا على ضرورة دعم المشروع اليهودي وفق الرؤية الدينية اليهودية المعاصرة، أي بمعنى آخر دعم مشروع ” القدس الكبرى التاريخية ” بشكل عام، ودعم مشروع بناء ” هيكل ” على حساب الأقصى بشكل خاص !! وعلى ضوء ذلك فإن ” الدليل الإسرائيلي ” الذي رافق ” هالسل ” وصحبها لدى زيارتهم للقدس، لم يتردد – هذا ” الدليل ” – أن يقول لهم هذا الأمر الذي تورده ” هالسل ” في صفحة 74، حيث تقول: ” قال لنا الدليل وهو يشير إلى قبة الصخرة والمسجد الأقصى: هناك سنبني الهيكل الثالث، لقد أعددنا جميع الخطط لبناء هيكل، حتى مواد البناء أصبحت جاهزة، إنها محفوظة في مكان سري، هناك معامل كثيرة يعمل فيها الإسرائيليون لإنتاج التحف الفنية التي سنستعملها في الهيكل الجديد، إن أحد الإسرائيليين ينسج الآن قماشاً من الحرير الخالص لاستعماله في صناعة أثواب الحاخامين في الهيكل، وفي مدرسة دينية تدعى ” عتريت كوهانيم ” – أي تاج الحاخامين، وتقع غربي هذا المكان، فإن رجال الدين يدرسون الآن كيف يقدمون التضحية بالحيوان”.
5. تقول الكاتبة ” هالسل ” في ص 754 من كتابها: ” سألت زميلاً لي في المجموعة – أي المسيحية الأمريكية – عما إذا كان مقتنعاً بأن على اليهود – بمساعدة المسيحيين – تهديم المسجد لبناء ” هيكل ” والتضحية بالحيوان من أجل إرضاء الله؟ فأجاب: إن هذا ما يجب عمله.. إنه في الكتاب المقدس.. إن توقيت إعادة البناء سيشكل الخطوة التالية في الأحداث المؤدية إلى عودة الرب.. إن الكتاب المقدس لا يقول لنا كم يجب أن يكون حجم الهيكل، إن كل ما يخبرنا به هو أنه سيكون هنا تجديد في التضحية وهذا يتطلب بناء صغيراً نسبياً، لقد مارس اليهود طقوس التضحي حتى عام 70 بعد الميلاد، وعندما يكون لهم ” هيكل” سيتولى ذلك اليهود الأرثوذكس الذين سيذبحون الأغنام والثيران في المعبد ويقدمونها قرابين لله”.
6. تقول ” هالسل ” في ص 77 من كتابها: ” هذا ما يردده ” هول ليدنسي ” في كتابه ” أخر أعظم كرة أرضية “، فهو يقول: ” لم يبق سوى حدث واحد ليكتمل المسرح تماماً أمام دور إسرائيل في المشهد العظيم الأخير في مأساتها التاريخية، وهو إعادة بناء الهيكل عليه استناداً إلى قانون موسى في جبل موريا، حيث شيد الهيكلان السابقان “.
7. تقول ” هالسل ” ص 80 من كتابها: “.. يجيب القس جيمس ديلوخ – راعي الكنيسة المعمدانية الثانية في هيوستن: ” إن الله أعطى ” تيري ” نعمة القدرة على جمع الأموال.. وهو كريم في تقديم الهدايا، وكمثال على كرمه فإن ” ريزنهوفر ” جمع أموال كبيرة للمحامين الذين رافعوا عن 29 مسلحاً إسرائيلياً قصفوا المسجد الأقصى في عام 1984، وقد تمكن المحامون من تبرئتهم وإطلاق سراحهم بعد اعتقالهم ومحاكمتهم، لقد كلفنا تحرير هؤلاء مبالغ طائلة من الأموال “.. ثم تقول ” هالسل “: ” وسألته أخيراً (ديلوخ) ماذا لو نجح الإرهابيون اليهود الذين يؤيدهم في تدمير قبة الصخرة والمسجد الأقصى وأشعلوا فتيل حرب عالمية ثالثة وإبادة نووية، ألا يكون مع ” ريزنهوفر ” مسؤولون ؟ فأجاب بالنفي، وقال: لأن ما يقومون به هو إرادة الله”.
8. تقول ” هالسل ” في ص 82 من كتابها: ” أجريت في القدس مقابلة مع عالم الآثار الأمريكي ” غوردن فرانز ” من ” نيوجرسي “.. وعدت إلى السؤال: أين كان موقع الهيكل قبل 2000 سنة كما تعتقد ؟ فرد قائلاً: ” إني لا أعرف … لا أحد يعرف.. كل ما نعرفه أن أولئك الذين يقولون أنهم يريدون الهيكل، إنما يريدون في الدرجة الأولى تدمير المسجد، ليس لدي أي فكرة كيف سيتم التدمير، ولكنه سيحدث.. إنهم سيبنون هيكلاً هنا، كيف ومن ومتى وأين لا تسأليني “.
9. تقول ” هالسل ” في ص 84 من كتابها: ” أخبرني مستوطنو ” غوش ” – وثلثهم يحملون الجنسيتين الأمريكية والإسرائيلية أنه إذا كان تدمير المسجد الأقصى من أجل بناء الهيكل سوف يتسبب في نشوب حرب كبيرة، فليكن ذلك.. “.. وقال لي أحدهم وهو ” بوبي برادن ” من بروكلين: إننا مسلحون تماماً، ونشعر بأن وجود مسجد وسط أرضنا يشكل وصمة عار لنا، إذا نظرت إلى أية صورة من صور القدس تجد هذا المسجد، يجب إزالة هذا المسجد، يوماً ما سنبني معبدنا هنا، يجب أن نفعل ذلك لنبين للعرب وللعالم كله أن لليهود السيادة على كل أرض إسرائيل”.
10. تقول ” هالسل ” في ص 21 من كتابها: ” أخبرني ” أون ” عندما كنا في المدينة القديمة من القدس وهو ينظر إلى قبة الصخرة: ” إن النبوءة الإنجيلية تقضي بأن على اليهود تدمير هذا الصرح، وبناء معبد – ” هيكل “- يهودي مكانه “.. إن الإرهابيين اليهود الذين أمطروا المسجد بالديناميت لإزالته، هم أبطال في نظر ” أون “.
11. تقول ” هالسل ” في ص 21 من كتابها: ” إن المسيحيين الأصوليين الذين تبرعوا بسخاء إلى الإرهابيين اليهود يتضمنون فيمن يتضمنون ” تيري ريزنهوفر ” – أحد أقطاب صناعة النفط والغاز، والذي يقوم بزيارات دورية للبيت الأبيض، والدكتور ” هيلتون ساتون ” – رئيس (البعثة إلى أمريكا)، والدكتور ” جيمس ديلوخ ” – راعي الكنيسة المعمدانية في ” هيوستن ” الذي زارني في شقتي في مدينة واشنطن، وتباهى أمامي بأنه مع آخرين، انشئوا مؤسسة ” معبد القدس ” خصيصاً من أجل مساعدة أولئك الذين يعملون على تدمير المسجد وبناء المعبد – أل ” هيكل ” – لقد قال لي أنهم أرسلوا 50 ألف دولار إلى منظمة الدفاع اليهودية الرسمية الإرهابية التي أدينت بالتخطيط لتدمير قبة الصخرة”.
يتبع
- المطالبة ببناء ” هيكل ” على حساب الأقصى هو استغلال الأنبياء وتشويههم
لا يزال المجتمع اليهودي يسعى جاهداً لإقناع الآخرين أن له ” حق ديني ” في حرم الأقصى المبارك، ولا يزال المجتمع اليهودي يسعى جاهداً للتأكيد أن له ” حق الصلاة ” في حرم الأقصى المبارك ! وله ” حق بناء ” هيكل ” على حساب الأقصى المبارك ! بمعنى لأنه يسعى إلى تثبيت ” حق ديني ” ثم يسعى إلى تأسيس ” حق سياسي ” يقوم على هذا ” الحق الديني “، وهذا ” الحق الديني ” يقوم على ” ادعاء غامض ” من طرف المجتمع اليهودي مفاده أنهم آمنوا بالله رب العالمين، وأطاعوا الله تعالى بكل ما أمرهم ونهاهم، وآمنوا بالأنبياء الذين أُرسلوا إليهم، وأطاعوهم، ولكن هذه القضية بحاجة لمراجعة موضوعية وصريحة لنعرف هل آمن المجتمع اليهودي بالله رب العالمين، أم استغلوا هذا الإيمان بهدف الوصول إلى ” حق سياسي ” ؟ هل آمن المجتمع اليهودي بالأنبياء الذين أُرسلوا إليهم، أم استغل هذا المجتمع الأنبياء بهدف الوصول إلى حق سياسي ؟ لا بل سعى ” رجال الدين ” في المجتمع اليهودي إلى تشويه حقيقة الإيمان بالله تعالى، وإلى تشويه حقيقة الإيمان بالأنبياء الذين أُرسلوا إليهم، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يجوز عقلاً أن يتم تشويه حقيقة الإيمان بالله تعالى وفي نفس الوقت استغلال هذا المبدأ بهدف الوصول إلى ” حق سياسي ” يعطي للمجتمع اليهودي – حسب ادعائهم – حق بناء ” هيكل ” على حساب الأقصى المبارك ؟ كيف يجوز عقلاً أن يشوهوا الأنبياء الذي أُرسلوا إليهم، ويلصقوا بهم كل نقيصة وفي نفس الوقت يستغلون هؤلاء الأنبياء بهدف الوصول إلى ” حق سياسي ” موهوم !! يدعون من خلاله وجود حق لهم لبناء ” هيكل ” على حساب الأقصى المبارك؟ لذلك سأجتهد في هذه الحلقة أن أفصل هذا الأمر من باب التأكيد على ما بينته في الحلقات السابقة، حيث أكدت بالحلقات السابقة بأسلوب علمي وموضوعي أم مقولة ” الهيكل ” وهم وتضليل !! وبالإضافة إلى ذلك فإن المجتمع اليهودي هو بنفسه وهو بعينه – ومن خلال كتاباته الدينية – هو الذي يشوه حقيقة الإيمان بالله تعالى وحقيقة الإيمان بالأنبياء !! بمعنى أنه هو الذي يشوه ” الدليل ” الذي يثبت له – حسب ادعائه – حقاً لبناء ” هيكل ” على حساب الأقصى المبارك !! وهاكم بعض الأمثلة:
- في الإصحاح السادس من سفر التكوين – (العددان 2،3) جاء هذا النص: ” وحدث لما ابتدأ الناس يكثرون على الأرض وولد لهم بنات إن أبناء الله (تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً) رأوا بنات الناس حسناوات فاتخذوا لأنفسهم نساء، وبعد ذلك إذ دخل بنو الله على بنات الناس وولدن لهم أولاداً، هؤلاء هم الجبابرة والفراعين من نسل أبناء الله وبناته.. “.
- وفي سفر التكوين ورد في الإصحاح (11) الأعداد 1 – 9: ” إن الإله عندما رأى البشر قد اجتمعوا، وصار لهم لسان واحد وبنوا مدينة كبيرة، فخشي أن يصبح البشر آلهة تنافسه في حكمة، فنزل وبلبلهم، ولذا سميت مدينتهم بابل “.
- وفي سفر التكوين (الإصحاح 32) ورد هذا النص: “.. وقال (أي الله تعالى.. قاتلهم الله أنى يؤفكون) أطلقني لأنه قد طلع الفجر فقال يعقوب: لا أطلقك إن لم تباركني فقال له (الرب): ما اسمك ؟ فقال: يعقوب، فقال (الرب): لا يدعى إيمك فيما بعد يعقوب بل إسرائيل “، ولي أن أتساءل بعد ذلك، هل هذا إيمان بالله تعالى أم تشويه للإيمان بالله تعالى ؟ وكيف يجوز شرعاً أن يتم إلصاق هذه النقائص بالله تعالى – كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولوا إلا كذبا – وفي نفس الوقت يدعون أن الله تعالى هو الذي أعطاهم حقاً دينياً يتيح لهم بناء ” هيكل ” على حساب الأقصى المبارك.
- جاء في التلمود: ” وبعد اعتراف الله بخطئه بتخريب ال ” هيكل “صار يبكي ويزأر قائلاً: تباً لي لأني صرحت بخراب بيتي وإحراق الهيكل ونهب أولادي.. وتسقط منه كل يوم دمعتان في البحر، فيسمع دويهما من بدء العالم إلى أقصاه”.
- نحن نؤمن أن نبي الله إبراهيم عليه السلام أنه خليل الرحمن، وهو من أولي العزم من الرسل، إلا أن التوراة، كما هي عليه الآن، تصفه أنه كان زانياً ديوثاً – والعياذ بالله – ففي سفر التكوين (الإصحاح 12.. الأعداد 10-15 ورد: ” وحدث جوع في الأرض فأنحدر أبراهم (إبراهيم) إلى مصر، ليتغرب هناك لأن الجوع في الأرض كان شديداً، وحدث لما قرب أن يدخل مصر أنه قال لسارة امرأته: إني قد علمت أنك امرأة حسنة المنظر، فيكون إذ رآك المصريون إنهم يقولون: “هذه امرأته فيقتلونني ويستبقونك، قولي أنك أختي، ليكون لي خير بسببك وتحيا نفس من أجلك، فأخذت المرأة إلى بيت فرعون، فصنع إلى أبراهم خيراً بسببها، وصار له غنم وبقر وحمير وعبيد وإماء وأْتُنُ وجمال “.
- نحن نؤمن أن لوط عليه السلام من أنبياء الله تعالى، إلا أن التوراة كما هي عليه الآن تتحدث أن أبنيته سقتاه خمراً وأسكرتاه ثم نامت معه الكبرى، وفي الليلة التالية نامت معه الصغرى، فأنجبتا من أبيهما نسلاً وهذا ما ورد في سفر التكوين (الإصحاح 19)، ” وقالت البكر للصغيرة: أبونا قد شاخ وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض، هلم نسقي أبانا خمراً ونضطجع معه، فنحيي من أبينا نسلاً، فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة: إني قد اضطجعت البارحة مع أبي، نسقيه خمراً الليلة فأدخلي واضطجعي معه فنحيي من أبينا نسلا، فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة أيضاً وقامت الصغرى واضطجعت معه.. “.
- نحن نؤمن أن يعقوب عليه السلام من أنبياء الله تعالى، إلا أن التوراة كما هي عليه الآن تصفه بكل نقيصة.. فهو ” ماكر وكذاب وخداع “، استطاع أخذ بركة أخيه (عيسو) من أبيه (إسحاق).. وكذلك يصفون نبي الله يعقوب عليه السلام بأنه ” قاتل خطير”، وهذا ما ورد في سفر التكوين (الإصحاح 8-30). ” وقام يعقوب وبنوه بقتل (شكيم)، لأنه أحب ابنة يعقوب وأراد أن يتزوجها، ولم يكتفوا بذلك، بل قتلوا أباه (حمور) وقتلوا أهل القرية كلهم.. وأخذوا أطفالهم وبناتهم عبيدا.. ” وفي موضع آخر: ” قام يعقوب بخداع (لابان) وسرقة أغنامه ومواشيه وهرب بها مع زوجتيه ابنتي (لابان)، وكانت راحيل قد جلبت من بلدها وثناً تعبده، ولم يمانع في ذلك يعقوب.. “.
- نحن نؤمن أن موسى عليه السلام كليم الله تعالى وأحد أولي العزم من الرسل، إلا أن التوراة، كما هي عليه اليوم، تصفه أنه رجل جبار يهدد الرب ويخاصمه – قاتلهم ربهم أنى يؤفكون – فورد في سفر الخروج (ب): ” فرجع موسى إلى الرب قال: يا سيد لماذا أسأت إلى هذا الشعب (أي بني إسرائيل) لماذا أرسلتني فإنه منذ دخلت إلى فرعون لأتكلم باسمك أساء إلى هذا الشعب وأنت لم تخلص شعبك “.
- نحن مؤمن أن داود عليه السلام نبي من أنبياء الله تعالى، إلا أن التوراة، كما هي عليه الآن، تصفه بالزنا والكذب والغش، فقد ورد في سفر صموئيل الثاني: “وكان في وقت المساء إن داود قام وتمشى على سطح بيت الملك، فرأى من على السطح امرأة تستحم، وكانت جميلة المنظر جداً، فأرسل داود رسلاً، وأخذها فدخلت إليه، واضطجع معها.. “.
- نحن نؤمن أن سليمان الحكيم عليه السلام من أنبياء الله تعالى، إلا أن التوراة، كما هي عليه الآن، تصفه بأنه (زير نساء) و ” مراهق ويعصي أوامر الله تعالى “، فقد ورد في سفر الملوك الأول (الإصحاح): ” وأحب الملك سليمان نساء غريبة كثيرة مع بنت فرعون، مؤابيات وعمونيات وآدوميات وصيرونيات وحيثيات، من الأمم الذين قال عنهم الرب لبني إسرائيل لا تدخلوا إليهم ولا يدخلوا إليكم، لأنهم يميلون قلوبهم وراء آلهتهم، فالتصق سليمان بهؤلاء بالمحبة، وكانت له سبعمائة من النساء والسيدات وثلاثمائة من السراري، فأمالت نساؤه قلبه”.
- وفق ما قلت فإن الادعاء بوجود حق ديني للمجتمع اليهودي هو أمر يستند إلى هذا الكم من الأساطير والخزعبلات وتشويه الأنبياء والمرسلين، لذلك فالقول بوجود حق لهم ببناء ” هيكل ” على حساب الأقصى المبارك هو ابتزاز للدين والإيمان، وهو ابتزاز للأنبياء والمرسلين، بالإضافة إلى أن القول بوجود ” هيكل ” أصلاً هو وهم وتضليل وابتزاز للتاريخ وعلم الآثار.
يتبع
- ما هو المسجد الأقصى المبارك؟!!
لقد وجدت عدم معرفة لدى المسلمين بحقيقة المسجد الأقصى المبارك وحقيقة مساحته ومبانيه، وقد لاحظت جهلا محزنا لدى المسلمين في هذا الأمر، فخلال رحلات لي وخلال مشاركتي في بعض المؤتمرات الإسلامية، وخلال خلطتي بكثير من المسلمين في مواسم الحج والعمرة، لاحظت أن المسلمين يتمتعون بفهم خاطئ لحقيقة المسجد، فمنهم من يظن أن الصخرة المشرفة هي الأقصى المبارك، ومنهم من يظن أن المصلى المرواني هو مبنى آخر لا يمت إلى الأقصى المبارك بصلة، ومنهم من كان يَشْكل عليه الأمر عندما يسمع مصطلح “الأقصى المبارك” ومصطلح ” الأقصى القديم ” لذلك رأيت من الضروري أن أعرج على هذا الموضوع كجزء هام في هذه السلسة من الحلقات التي لا أعذر مسلما ولا عربيا على وجه الأرض إذا جهلها، لان الجهل بها هو المقدمة المحزنة لتضييع الأقصى المبارك!!.
أما العلم بها وفهمها فهو مقدمة ضرورية لحفظ الأقصى المبارك طاهرا كريما حرا ولو كره الكافرون، لذلك اسأل نفسي واسأل كل المسلمين والعرب:” ما هو المسجد الأقصى المبارك” ؟
يقول مجير الدين الحنبلي في (الأنس الجليل):”ان المتعارف عند الناس أن الأقصى من جهة القبلة الجامع المبني في صدر المسجد الذي فيه المنبر والمحراب الكبير، وحقيقة الحال أن الأقصى اسم لجميع المسجد مما دار عليه السور، فان هذا البناء الموجود في صدر المسجد وغيره، من قبة الصخرة والأروقة وغيرها محدثة، والمراد بالأقصى ما دار عليه السور ” ويقول الدباغ في كتابه (القدس): “يتألف الحرم القدسي الشريف من المسجدين، مسجد الصخرة والمسجد الأقصى، وما بينهما وما حولهما من منشآت حتى الأسوار”.
على هذا الأساس ندرك بشكل واضح أن كل المساحة القائمة، حدود ما دار عليه سور الأقصى المبارك هي جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك، والسور المحيط بهذه المساحة هو جزء لا يتجزأ منها، بمعنى أن السور وكل الأبواب الموجودة في السور هي جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك، فالسور الغربي على سبيل المثال هو جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك، وحائط البراق الذي يعتبر جزءا من الأقصى المبارك، ورباط الكرد الذي يعتبر جزءا من السور الغربي هو جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك، وهكذا كل أبواب السور الغربي كباب المغاربة، وكذلك كل مباني السور الغربي كالمدرسة التنكزية كلها جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك !! إنا على يقين أن كثيرا من المسلمين يجهلون ذلك، والواجب أن يعلموا هذه الحقائق !! فان من عرف هذه الحقائق سيدرك أن هناك اعتداء صارخا على الأقصى المبارك إلى هذه اللحظات !! فتحويل حائط البراق الذي هو جزء من الأقصى المبارك إلى ما يسمونه اليوم – وهما وتضليلا – “حائط المبكى” وهو اعتداء صارخ ومتواصل على الأقصى المبارك !! وإعلان وزارة الأديان الإسرائيلية قبل سنوات عن نيتها تحويل رباط الكرد الذي هو جزء من الأقصى المبارك إلى ما سموه مشروع المبكى الصغير هو اعتداء صارخ ومتواصل على الأقصى المبارك !! وإغلاق الجيش الإسرائيلي لباب المغاربة هو جزء من الأقصى المبارك حتى الآن !! ومنع المسلمين من دخوله أو الخروج منه هو اعتداء صارخ ومتواصل على الأقصى المبارك !! وتحويل الحكومة الإسرائيلية المدرسة التنكزية التي هي جزء من الأقصى المبارك إلى معسكر جيش إسرائيلي حتى الآن !! هو اعتداء صارخ ومتواصل على الأقصى المبارك !! أعود لأؤكد أننا ملزمون بمعرفة حقيقة الأقصى المبارك ولا عذر للجاهل فينا بهذا الأمر !!.
فمن عرف حقيقة الأقصى المبارك سيعرف تلقائيا ما هي الانتهاكات المتواصلة، وما هو الاعتداء الصارخ الذي يعاني منه الأقصى المبارك منذ عام 1967م حتى هذه اللحظات !! ومتابعة للإجابة عن سؤال: ما هو الأقصى المبارك أكمل وأقول أن السور الشرقي والسور الشمالي والجنوبي التي تحيط الأقصى المبارك بكل بواباتها ومبانيها هي جزأ لا يتجزأ من الأقصى المبارك !! ويا لتعس الحال ويا مأساة التي يعيشها الأقصى المبارك حتى هذه اللحظات وفق هذا التعريف الوحيد الذي يبين لنا حقيقة الأقصى المبارك !! ثم أكمل وأقول أن كل بناء في حدود هذه الأسوار الأربعة هو جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك !! فالساحات الترابية المزروعة بالزيتون والأشجار الحرجية هي جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك، والسبل والقباب والمساطب والبوائك وبقية المباني هي جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك، وأعود وأقول من عرف ذلك سيعرف حقيقة الأحزان والهموم التي يعاني منها الأقصى المبارك !! فأحد مبانيه الواقعة في داخل أسواره قد تم تحويله إلى مركز للشرطة الإسرائيلية، حتى هذه اللحظات، وهذا اعتداء صارخ ومتواصل على الأقصى المبارك، وساحاته الترابية الواقعة بين أسواره يخطط بعض اليهود وفي مقدمتهم ” يسرائيل هوكنز ” لبناء هيكل عليها، وقد صرحوا بذلك، “ويسرائيل هوكنز ” صرح علانية لي بهذا المخطط، فزجرته وقلت له أنتم تسعون إلى إثارة حرب عالمية ثالثة، لأن هذه الساحات هي جزء من الأقصى المبارك ومجرد تفكيركم في إقامة هيكل عليها هو اعتداء صارخ على الأقصى المبارك !! ومتابعة الحكومة الإسرائيلية لإغلاق الأبواب الموصلة إلى هذه الساحات وما تحمل من أبنية حتى الآن هو اعتداء صارخ على الأقصى المبارك !! ثم أكمل وأقول: وفق ما تقدم نؤكد أن الصخرة المشرفة هي جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك، والمسجد المبني في صدر ساحة المسجد الأقصى المبارك من جهة القبلة هو جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك وليس هو الأقصى المبارك فقط كما يتوهم غالب المسلمين حتى الآن، المبنى الواقع تحت هذا المسجد والذي نصطلح عليه باسم ” الأقصى القديم ” هو جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك، والمصلى المرواني الواقع تحت ساحة الجهة الجنوبية الشرقية للأقصى المبارك هو جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك !! وفق ذلك فإن أي مؤامرة تستهدف الأقصى القديم او تستهدف المصلى المرواني هي مؤامرة رخيصة ودنسة على الأقصى المبارك !! فنحن في سنين خداعة، فقد يظهر متفيهق ويقول ” باسم السلام والتسوية لماذا لا نعطي المصلى المرواني أو الأقصى القديم للمجتمع اليهودي!!”.
وأنا أقول استيقظوا يا مسلمون ويا عرب، هذا التفكير هو اعتداء صارخ على الأقصى المبارك !! نعم.. الجرح غائر والليل طويل والهم ثقيل والمطلوب الصبر والعطاء المتواصل، فالشجاعة صبر ساعة، وبالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين !! إذا أدركنا كل ما قدمت ندرك بوضوح وسهولة كما يقول الأستاذ محمد حسن شراب في كتابه (بيت المقدس والمسجد الأقصى):” أن المسجد الأقصى الذي ذكر في سورة الإسراء هو الحرم القدسي كله ومضاعفة الثواب بالصلاة فيه، تكون في أي جزء مما دار عليه السور”، فالصلاة في الأقصى القديم أو في الصخرة المشرفة أو في المصلى المرواني أو في الساحات الترابية الموجودة داخل الأقصى المبارك، كل ركعة فيها تعدل خمسة مائة ركعة (وفي رواية ألف ركعة) في غيره من مساجد الأرض سوى المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف!! فهلا استيقظ النائم فينا وهلا انتبه الغافل منا يا معشر المسلمين والعرب!!
- أصوات تحت المسجد الأقصى المبارك
لقد سمعت ذلك من أكثر من حارس من حراس المسجد الأقصى المبارك، وجميع هؤلاء الحراس يؤكدون أنهم يسمعون في بعض الليالي أصواتاً قوية تنبعث من تحت المسجد الأقصى المبارك، وهذه الأصوات شبيهة بصوت مفرقعات أو آلات حفر الصخور !! نعم هذا ما أكده بعض الحراس، وقد سمعت ذلك منهم مباشرة !! وسواء كانت هذه الأصوات صوت انفجارات أو صوت آلات حفر إلا أن المجمع عليه لدى هؤلاء الحراس هو أنها تنبعث من تحت المسجد الأقصى المبارك !!
وذلك بعد منتصف الليل !! وهذا ما يؤكد ما قلته مرات ومرات إن الحفريات ما زالت متواصلة حتى الآن تحت المسجد الأقصى المبارك !! وتبقى أسئلة كثيرة وغامضة لا أملك الإجابة عليها!!
ولا يملك أحد من عالمنا الإسلامي والعربي الإجابة عليها !! ولا يملك أحد من شعبنا الفلسطيني الإجابة عليها !! نعم هذه حقيقة مرة ومحزنة !! لا يملك أحدنا الإجابة على هذه الأسئلة الكثيرة والغامضة !! فلو سألنا أنفسنا ما هي حقيقة هذه الأصوات ؟! أين الموقع الذي تنبعث منه بالضبط ! هل هو من تحت الصخرة المشرفة ؟! أم من تحت الأقصى القديم ؟! أم من تحت المصلى المرواني ؟! أم من تحت المدرسة التنكزية ؟! إلى أي مستوى وصلت هذه الحفريات ؟! إلى أي جهة من جهات الأقصى تتجه ؟! للأسف.. الحقيقة المرة تقول أنها أسئلة كثيرة وغامضة ولا نملك الإجابة عليها حتى الآن على الصعيد الإسلامي والعربي والفلسطيني !!
أكثر من ثلاثين عاماً مضى على أعمال الحفر تحت الأقصى المبارك، وعلى مدار هذه الأعوام كانت تستعمل (حوامض) لتذويب الصخور أو كانت تستعمل آلات حفر لتكسير هذه الصخور، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن تذويب هذه الصخور أو تكسيرها لم يكن لمرة واحدة بل كان على مدار أكثر من 30 عاماً، فمعنى ذلك أن استعمال هذه (الحوامض) أو استعمال هذه الآلات قد أوهن (قواعد) المسجد الأقصى وبات يشكل (خطورة) على متانة (بنية) المسجد الأقصى وعلى أساسات المسجد الأقصى !! ولكن تبقى هذه الأسئلة كثيرة وغامضة لا أملك الإجابة عليها !! ولا يملك أحد منا على صعيد العالم الإسلامي والعربي والفلسطيني الإجابة عليها !! نعم هذه حقيقة محزنة ومرة لا يمكن إنكارها!! نحن لا نعرف حجم الخطر الذي يتهدد المسجد الأقصى المبارك بعد أكثر من 30 عاماً من أعمال الحفر المتواصل تحت حرم الأقصى المبارك !!
قامت بعض شركات التطوير الإسرائيلية ببناء (مدرجات) ضخمة في جنوب حرم الأقصى المبارك من الخارج !! وقد أصبحت هذه (المدرجات) ملاصقة لبوابات الأقصى المبارك التي كانت مفتوحة قبل مئات السنوات ثم تم إغلاقها على عهد القائد المظفر صلاح الدين الأيوبي !! وعلى سبيل المثال هناك (مدرج) ملاصق لبوابة مغلقة ولكنها موصلة إلى (الأقصى القديم)، وهذه البوابة تقع في جنوب حرم الأقصى المبارك، وهذه البوابة يسميها بعض المتدينين اليهود – باب (خلده) !! ادعاء من هؤلاء المتدينين اليهود أن (خلده) اسم لأحد النبيات اليهودية !! وهذه السخافة سمعتها من أحدهم خلال حوار كان بيننا خارج المسجد الأقصى المبارك، ووفق هذه السخافة الباطلة فهم يسعون إلى المماطلة الباطلة بحق باطل لهم في الأقصى القديم !! ولكن يبقى السؤال لماذا أقيم هذا المدرج الموصل إلى هذه (البوابة)، هل هناك نية يهودية مبيتة لفتح هذه البوابة مستقبلاً في وقت يرونه مناسباً !! وإذا كان الأمر كذلك فمتى؟!
هناك مدرج آخر بنته شركات التطوير الإسرائيلية بمشاركة قسم الآثار الإسرائيلية، وتم إنجازه قبل شهر، وقام بافتتاح هذا (المدرج) رئيس الحكومة الحالي (ايهود براك) !! هذا المدرج يوصل إلى (الباب الثلاثي) مستقبلاً في الوقت الذي يرونه مناسباً ؟! إذا كان الأمر كذلك فمتى؟! هل هناك هدف يهودي مبيت لوضع أيديهم على الأقصى القديم والمصلى المرواني بواسطة هذه المدرجات ؟! للأسف تبقى هذه الأسئلة كثيرة وغامضة لا أملك الإجابة عليها !! ولا يملك أحد منا على صعيد العالم الإسلامي والعربي والفلسطيني الإجابة عليها !! نستطيع أن نتبجح بكل شيء، ونستطيع أن نتغنى بكل شعار، ونستطيع أن نزاحم على كل منصب دنيوي زائل وعلى كل ربح مالي زائد !! ولكن لا نستطيع أن نخادع أنفسنا !! يجب أن نعترف أننا لا نملك أي إجابة على كل الأسئلة التي أوردتها حتى الآن !! إنها حقيقة مرة ومحزنة !! نحن في السنة الأخيرة بالضبط من الألفية الثانية !! بمعنى إننا على أبواب البداية القريبة جداً للألفية الثالثة !! وهناك من يسمون أنفسهم باسم ” المسيحيين الصهيونيين القلقين”، الذين يؤمنون بحتمية هدم الأقصى المبارك !! ثم حتمية بناء هيكل !! ثم حتمية وقوع الحرب العالمية الثالثة ” معركة هار مجدون ” !! ثم حتمية ظهور المسيح المنتظر !! هكذا يؤمنون !! وهاهم باتوا يتوافدون على القدس الشريف والأقصى المبارك من كل فج عميق !! المتوقع أنه سيصل عشرات الآلاف من هذه النوعية المشوهة !! ماذا أعددنا لمثل ذلك ؟! ما هو كيدهم ؟! ما هي مؤامراتهم التي تدبر بليل ؟! ما هي صلتهم مع كل الساعين إلى بناء هيكل من المجتمع اليهودي؟! لا نملك أجوبة على ذلك على صعيد عالمنا الإسلامي والعربي والفلسطيني ؟!
حدثني مسؤول كبير في هيئة الأوقاف المشرفة على حراسة وصيانة وإعمار الأقصى المبارك، حدثني عن وجود ستين عنصراً من عناصر المخابرات الإسرائيلية يمكثون بالتناوب بينهم في حرم الأقصى المبارك من الداخل !! لماذا كل ذلك وهذا أمر جديد جداً !! هل هو أمر متزامن مع زيارة البابا ؟! ولماذا كل ذلك ؟! وما هو الهدف ؟! أعود وأقول: نحن لا نملك إجابة على صعيد عالمنا الإسلامي والعربي والفلسطيني !! حدثني بعض الثقات من حراس الأقصى المبارك أنهم أخذوا يجدون آثار سيارات آمن إسرائيلية تدخل ساحات الأقصى المبارك ليلاً !! تتجول في هذه الساحات الواقعة في داخل حرم الأقصى !! وهذا أمر جديد !! لماذا كل ذلك ؟! ما هو الهدف ؟! أعود وأقول نحن لا نملة إجابة على صعيد عالمنا الإسلامي والعربي والفلسطيني !!
يتبع
- أبواب المسجد الأقصى المبارك
1- الحقيقة المرة تقول أن كل أبواب المسجد الأقصى المبارك تقع في هذه الأيام تحت السيطرة الإسرائيلية، فعلى كل باب من أبواب المسجد الأقصى المبارك – إلا المغلق منها – هناك قوات من الشرطة الإسرائيلية، وفي بعض الأبواب هناك قوات من الجيش الإسرائيلي، وهذه القوات تعطي لنفسها الحق في أن تفتش من ترغب من المسلمين لدى دخوله إلى المسجد الأقصى المبارك، بل تعطي لنفسها الحق أن تحجز بعض بطاقات الهوية لمن ترغب من المسلمين لدى دخولهم إلى المسجد الأقصى المبارك، مع التأكيد المحزن أنه لا يملك أي حارس مسلم من حراس المسجد الأقصى المبارك الموجودين على أبواب المسجد الأقصى المبارك، لا يملك أي حارس إمكانية معارضة قوات الشرطة والجيش الإسرائيلي، بمعنى أن دخول أي مسلم إلى المسجد الأقصى مرهون بموافقة هذه القوات الإسرائيلية في هذه الأيام.
2- الحقيقة المرة تقول أن كل أبواب المسجد الأقصى المبارك تقع في هذه الأيام تحت السيطرة الإسرائيلية، ولأنها تقع تحت سيطرتهم فقد أعطوا لأنفسهم الحق في أن يمنعوا سيارات الإسعاف من الدخول إلى المسجد الأقصى المبارك خلال مجزرة الأقصى التي وقعت عام 1990 لعلاج مئات المصابين، الأمر الذي أدى إلى استشهاد قسم من المصابين الجرحى على أثر نزف دمائهم المتواصلة لساعات طويلة، وقد تكرر هذا المشهد المأساوي في مجزرة الأقصى الثانية التي وقعت عام 1996 بعد أن قام رئيس الحكومة الإسرائيلي السابق ” بيبي نتنياهو ” بافتتاح النفق الذي سمي وهما وتضليلا باسم نفق ” الحشمونائيم ” فكانت مجزرة أخرى على أثر ذلك، ومنعت سيارات الإسعاف من الدخول لإسعاف مئات الجرحى، وقد قامت القوات الإسرائيلية بمنع سيارات الإطفاء من الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك لإطفاء النيران التي أكلت بلهيبها منبر الأقصى المبارك وبعض أروقته عام 1969 من نفس المنطق الإسرائيلي، وهو السيطرة على أبواب المسجد الأقصى المبارك.
3- ولأن القوات الإسرائيلية تسيطر على كل أبواب المسجد الأقصى المبارك، فإن هذه القوات تعطي لنفسها الحق في أن تعرقل مشاريع إعمار المسجد الأقصى المبارك، فكم منعت هذه القوات إدخال بعض الآليات ؟ وكم منعت إدخال مواد البناء والإعمار على اختلافها، مع التأكيد أن هذا المنع كان يستمر لأيام وأسابيع، ولعل ما حدث خلال مشروع فتح بابين للمصلى المرواني قبل شهرين من الجهة الشمالية، لهو خير شاهد على ذلك، فقد قامت القوات الإسرائيلية بمنع دخول الآليات ومواد البناء والإعمار لأيام طويلة.
4- هذا هو واقع الحال المر والمحزن الذي تعيشه كل أبواب المسجد الأقصى المبارك، لدرجة أن هيئة الأوقاف الإسلامية أعلنت في عام 1969 أنها ستمنع دخول السياح الأجانب إلى حرم الأقصى المبارك، فما كان من ” موشيه ديان ” في حينه إلا أن أخبر الأوقاف أنهم إن أغلقوا أبواب المسجد الأقصى المبارك في وجه السياح فسيقوم بفتح الأبواب بالقوة وسيدخل السياح الأجانب بالقوة.
5- كل ما ذكرت حتى الآن ينطبق على جميع أبواب المسجد الأقصى المبارك، إلا الأبواب المغلقة منها بطبيعة الحال، ولذلك سأذكر هذه الأبواب بالتفصيل مع الحديث عن خصوصيات بعض هذه الأبواب بداية من الزاوية الشرقية الشمالية لحرم الأقصى المبارك.
6- في الزاوية الشرقية الشمالية يقع باب ” الأسباط ” الذي يدخل منه غالب المسلمين إلى الأقصى المبارك، ولأن هذا الباب يقع تحت السيطرة الإسرائيلية فيجري إغلاقه كل يوم بعد صلاة المغرب مباشرة، وهذا يعني أن المسلمين لا يستطيعون الخروج منه بعد صلاة المغرب، وكذلك لا يستطيعون دخوله أو الخروج منه في صلاتي العشاء والفجر.
7- يليه باب ” حطة ” الذي يقع في جهة الأقصى الشمالية، وهو الباب الوحيد الذي يستطيع المسلمون دخوله أو الخروج منه في كل الصلوات بدون استثناء، بداية من صلاة الفجر حتى صلاة العشاء، وهنا أؤكد أنه هو الباب الوحيد الذي يستطيع المسلمون دخوله والخروج منه بعد صلاة المغرب أو في صلاتي العشاء والفجر، أما بقية أبواب المسجد الأقصى المبارك فكلها تغلق بعد صلاة المغرب مباشرة حتى ساعات الصباح.
8- ثم يليه باب ” فيصل” الواقع في جهة الأقصى المبارك الشمالية في اتجاه الغرب، وينطبق عليه ما ينطبق على باب ” الأسباط “.
9- ثم يليه باب ” الغوانمة ” الذي يقع على وجه التقريب في الزاوية الشمالية الغربية، وينطبق عليه ما ينطبق على باب ” الأسباط ” مع التأكيد أنه تعرض لجريمة إحراقه في عام 1998 على يد مجهولين من المتدينين اليهود.
10- ثم يليه باب ” الناظر ” الواقع في جهة الأقصى الغربية والذي يؤدي إلى مبنى هيئة الأوقاف وينطبق عليه ما ينطبق على باب ” الأسباط “.
11- ثم يليه باب ” الحديد ” الواقع في جهة الأقصى الغربية وينطبق عليه ما ينطبق على باب ” الأسباط “.
12- ثم يليه باب ” القطانين ” الواقع في جهة الأقصى الغربية وينطبق عليه ما ينطبق على باب ” الأسباط “.
13- ثم يليه باب ” السلسلة ” الواقع في جهة الأقصى الغربية، وهو الباب الذي تقع فوقه المدرسة التنكزية، والتي حولتها القوات الإسرائيلية إلى ثكنة عسكرية، وهناك تخوف عند مسؤولين كبار في هيئة الأوقاف أن هناك حفريات تبدأ من هذه المدرسة وتمتد تحت المسجد الأقصى المبارك، وينطبق عليه ما ينطبق على باب ” الأسباط “.
14- ثم يليه باب ” المغاربة ” الواقع في جهة الأقصى باتجاه الجنوب، وهو باب شبه مغلق طوال أوقات الصلوات في وجه المسلمين، ومن الملاحظ أن القوات الإسرائيلية تضع على هذا الباب قوات من الشرطة والجيش.
15- ثم يليه الباب المغلق المؤدي إلى الأقصى القديم، كذلك الباب الثلاثي المؤدي إلى المصلى المرواني، كذلك الباب المفرد المغلق المؤدي إلي المصلى المرواني، وكلها تقع في جهة الأقصى الجنوبية.
16- ثم يليه باب ” الرحمة” المغلق، والذي يقع من الجهة الشرقية للمسجد الأقصى المبارك، وهو الباب المجاور لمقبرة الرحمة التي تضم قبري الصحابيين ” عبادة بن الصامت وشداد بن أوس ” رضي الله عنهما.
17- هذا هو حال أبواب المسجد الأقصى المبارك التي يدخل منها آلاف السياح الأجانب يوميا ويدخلون إلى المسجد الأقصى المبارك، ومنهم العاريات، ومنهم الذين يدخلون وهم على جنابة، رغم أنف كل المسلمين والعرب والفلسطينيين في كل العالم، لذلك لا أبالغ إذا قلت أن الصليبيين قد دخلوا المسجد الأقصى المبارك من جديد، ولكن بأسلوب غير عسكري!
- جولة ” البابا ” في الأقصى المبارك
خلال كتابتي لهذه السلسلة من المقالات كانت جولة ” البابا ” في المنطقة عامة، وكانت جولته في الأقصى المبارك، لذلك وجدت من الضروري أن أقف عند هذا الحدث وأبدي فيه بعض الملاحظات والتساؤلات التي تعكس أثرها المباشر على الأقصى المبارك، خصوصاً وأن هذه الملاحظات تحولت إلى كم كبير وليس مجرد ملاحظات عابرة وفردية.
1. ابدأ حديثي من خلال مقالة للمفكر ” فهمي هويدي”، الذي نشر مقالة له حول هذا الموضوع في صحيفة “الأهرام الدولي “، حيث كشف المفكر أن إعلانين كانا قد صدرا عن ” الفاتيكان ” وليس إعلاناً واحد قبل بداية جولة ” البابا ” في المنطقة، فالإعلان الأول كان عبارة عن ” طلب الصفح ” الذي جاء على لسان ” البابا ” في خطبة قداس الأحد الذي أقيم بحاضرة الفاتيكان، وفيها دعا إلى الاعتراف بالخطايا التي ارتكبت ضد اليهود، كما دعا إلى الاعتراف بالخطايا الأخرى التي وقع فيها أتباع الكنيسة وكانت ضد الحب والسلام وحقوق الإنسان واحترام التقاليد الدينية والثقافات الأخرى، والإعلان الثاني كان عبارة عن وثيقة من حوالي (40 صفحة) صدرت عن الفاتيكان تحت عنوان ” الذاكرة والمصالحة – الكنيسة وأخطاء الماضي “، وهذه وثيقة جرى إعدادها منذ ست سنوات، وكان ” البابا ” قد أعلن عن إعدادها في عام 1994، وإنها ستصدر في بداية الألفية الثالثة، وكان أن سمح ” البابا ” بنشرها في وقت متزامن مع إلقاء خطبة ” طلب الصفح ” التي ألقاها، ومن يتمعن في هذه الوثيقة يجد أنها وقعت في ستة أبواب، وإن أحد هذه الأبواب كان تحت عنوان ” المسيحيون واليهود “، وإن بابا آخر كان تحت عنوان ” التمييز الأخلاقي “، وإن معظم أبواب الوثيقة كانت تتضمن إشارات متعددة إلى استنكار وإدانة كل صور العداء للسامية.
وفي المقابل ذكرت الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش في أربعة أسطر فقط ضمن فصل بعنوان ” أسئلة مثارة “، وفي هذه الأسطر الأربعة يتساءل كبار كرادلة الكنيسة الكاثوليكية: هل على ضمير أو وجدان اليوم يعاني من الشعور بالذنب إزاء وقوع حوادث تاريخية استثنائية ومعزولة مثل الحروب الصليبية أو محاكم التفتيش؟ أليس من السهل أن نحاكم تجارب وممارسات الماضي بضمير اليوم؟
لا يكفي أن نعلم أن هذا هو النص الوحيد الذي ورد في الوثيقة حول الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش، بل يجب أن نعلم أن هذا النص الوحيد يأبى الاعتذار والاستنكار لما وقع من جرائم في هاتين الكارثتين !! بل أن هذا النص يلتمس الأعذار كي تنفض الكنيسة يدها من المسؤولية عن فظائع هاتين الكارثتين!! ومن المعروف تاريخياً أن مركز كارثة الحروب الصليبية كان المسجد الأقصى المبارك، ففيه ذُبح العلماء والعباد والنساء والأطفال خلال كارثة الحروب الصليبية!! لا بل تم إسقاط الهلال عن الصخرة المشرفة ووضع بدلاً منها صليب كبير!! لا بل تم حفر حفرة أسطوانية الشكل في ” صخرة بيت المقدس ” الموجودة في داخل الصخرة المشرفة وكان الصليبيون يذبحون ذبائحهم عليها !! نعم.. كل ذلك جرى في كارثة الحروب الصليبية، ولكن قام ” البابا ” بجولته في الأقصى المبارك بعد أن سمح بتوزيع تلك الوثيقة التي ترفض الاستنكار لما وقع في الحروب الصليبية، بمعنى أنها ترفض الاستنكار لما وقع في الأقصى المبارك من ويلات وثبور وعظائم الأمور خلال كارثة هذه الحروب، لا بل أن هذه الوثيقة التي سمح ” البابا ” بنشرها التمست الأعذار كي تنفض الكنيسة يدها من المسؤولية عن الفظائع التي وقعت في الأقصى المبارك خلال هذه الكارثة الدموية والحقبة السوداء !! على هذه الخلفية قام ” البابا ” بجولته في الأقصى المبارك !! نعم.. على هذه الخلفية قام ” البابا يوحنا بولص الثاني ” بجولته في الأقصى المبارك !! لذلك أصارح الجميع القول أنني ما عدت أفهم معنى هذه الجولة الحقيقي ؟!
2. قال البابا يوحنا بصراحة: ” الكنيسة الكاثوليكية وبدافع من الله وبدون اعتبارات سياسية تشعر بألم عميق للكراهية والاضطهاد واللاسامية ضد اليهود، والتي مورست في كل حقبة زمنية وتاريخية “، ومع ذلك أعرب الرئيس ” عيزرا فايتسمان ” عن عدم قناعته بالاعتذارات التي قدمها ” البابا ” لليهود أمام الحاخامين الغربي والشرقي، وقال فايتسمان: ” هذا الاعتذار كاف، ولكن من الناحية التربوية والأخلاقية كنت أتوقع إدانة صمت العالم وخاصة الكنيسة الكاثوليكية وخصوصاً ” فابيوس الثاني عشر “، والذي كان عليه أن يعمل أكثر لإنقاذ حياة الأبرياء ضحايا الكارثة “، لا بل أن الرئيس ” فايتسمان ” لم يتردد خلال استقباله للبابا يوحنا في المطار أن يعلق في كلمته أمام البابا: ” أن اليهود ينتظرون إقدام البابا على الاعتذار نتيجة أخطاء الكنيسة الكاثوليكية بحق اليهود “، ثم أشار الرئيس ” فايتسمان “: ” إن إبادة ستة ملايين يهودي كانت على أيدي مسيحيين تابعين لكنيسته “.
كل هذه الأجواء دفعت ” البابا يوحنا ” بوضع هذه الورقة في الحائط على اعتبار وضعه الحق وتسميته الحق وهو على حائط البراق، أم على اعتبار وضعه الباطل وتسميته الباطلة حائط المبكى؟ هل قام ” البابا ” بوضع هذه الورقة في الحائط على اعتبار رباطه الحق، فهو جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك، أم على اعتبار رباطه الباطل والموهوم بإدعاء أنه جزء من هيكل وهمي كان في ذاك المكان ياما كان؟ لي أن أتساءل: على أي خلفية من كل ذلك قام ” البابا ” بجولته في الأقصى المبارك ؟!
3. ذكرت صحيفة ” السبيل ” الأردنية الصادرة في تاريخ 28/3/2000 ما يلي: “بداية جولة البابا كانت من الأردن، حيث وصل إليها عصر الاثنين الماضي، وكادت البداية أن تتحول إلى أزمة نتيجة إلقاء البابا لكلمته التي عبر فيها عن دعمه للسلام، ثم أعتبر أن الأردن هو (أرض الميعاد) ثم عاد البابا مرة أخرى وأكد نفس الفظة الأولى جبل نيبو”، ولعل هذا ما تسبب بضعف الاستقبال الشعبي للبابا في الأردن!! حيث اقتصر الاستقبال على حشد اجتمعوا في ” مأدبة ” ثم في ستاد عمان الدولي، علماً بأن الوثائق التاريخية الحكومية تشير إلى أن (200) ألف مواطن استقبلوا ” البابا ” السابق في عام 1964 لدى زيارته للأردن، ولي أن أتساءل: هل كانت جولة ” البابا ” في الأقصى المبارك على اعتبار أن القدس (أرض الميعاد)، كما أن الأردن (أرض الميعاد) ؟ وهل على اعتبار أن الأقصى المبارك (أرض الميعاد) كذلك ؟!
- الأقصى المبارك في القرآن والسنة (1)
الأقصى المبارك مسجد، ولكن ليس كأي مسجد في الأرض، فله مكانته وله خصائصه التي يتميز بها، والتي تمنحه القيمة والقدر الرفيع، والتي تجعله مسجداً لكل المسلمين في كل الأرض، فهو ليس مسجداً للمسلمين الفلسطينيين فقط، ولا للمسلمين العرب فقط، بل لكل المسلمين في الأرض في الحاضر كما كان في الماضي، وفي المستقبل كما هو في الحاضر، وهو ليس مسجداً للملوك والحكام، بل هو مسجد لكل المسلمين على اختلاف مناصبهم ومراتبهم، فهو مسجد للعلماء والعباد والكبار والصغار والذكور والإناث والرعاة والرعية والحكام والمحكومين، لذلك حق على كل مسلم منذ الولادة حتى الممات أن يتعلق بالأقصى المبارك أينما وجد وفي أي بلد من بلدان الدنيا وفي أي قارة من قاراتها.
نعم.. على كل مسلم أن يتعلق بالأقصى المبارك وأن يرتبط به ارتباط حب، خادما له، أو مدافعاً عن طهره، ومنافحاً عن كرامته ومواجهاً لكل أعدائه، وباذلا الغالي والرخيص في سبيل نصره، ومقدماً الروح والجسد لإضاءة قناديله وتضميد جراحه وجبر كسره، نعم.. كل ذلك مطلوب من كل مسلم من المهد إلى اللحد، وتأكيدا لهذه المعاني أورد هذه الشواهد الربانية من القرآن والسنة:
1. قال الله تعالى: { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله.. }، فهذه الآية القرآنية الكريمة تعقد توأمة إيمانية بين مكة المكرمة والقدس الشريف عامة، وبين الكعبة المشرفة والأقصى المبارك خاصة، فطهر الكعبة المشرفة وطهر الأقصى المبارك سواء، وحاضرهما سواء، ومستقبلهما سواء، فالأقصى المبارك أولى القبلتين والكعبة المشرفة ثاني القبلتين، والكعبة المشرفة أول مسجد على وجه الأرض، والأقصى المبارك ثاني مسجد على وجه الأرض، والكعبة المشرفة أول الحرمين على وجه الأرض، والأقصى المبارك ثالث الحرمين، والكعبة المشرفة بداية دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والكعبة المشرفة بوابة الإسراء، والأقصى المبارك بوابة المعراج.
نعم.. هذه بعض جوانب هذه التوأمة الفريدة التي قضاها الله تعالى بين الكعبة المشرفة والأقصى المبارك في القرآن الكريم، وتبقى أبعاد هذه التوأمة أبعد من ذلك وأوسع، فيا حجاج البيت ويا عماره.. هلا أدركنا هذه المعاني وهلا عشنا بها وعملنا على إحيائها توأمة نابضة بالصدق والحياة بين الكعبة المشرفة والأقصى المبارك !
2. قال الله تعالى: { والتين والزيتون * وطور سنين * وهذا البلد الأمين }.. قال ابن عباس رضي الله عنه: التين بلاد الشام، والزيتون بلاد فلسطين وطور سينين الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام، والبلد الأمين مكة المكرمة حفظها الله تعالى جميعاً، فهذه الآية تعطي للأقصى المبارك تاج القدس الشريف عالمية الجغرافية الإيمانية، فهو مكان مقدس لامتداد مقدس يشمل الشام ويشمل سيناء ويشمل مكة المكرمة، ثم يجعله عضواً ثميناً من هذا الجسد الإيماني، يجمعه بهذا الجسد الإيماني خفقات القلب الواحد، وخفقات التواد والتراحم والتكافل، لذلك فالواجب يقول: يجب حفظ هذا الجسد الإيماني بكل أعضائه ويجب على هذا الجسد أن يتداعى بالسهر والحمى كل عضو فيه، إذا ألم بهذا العضو نائبة فصرخ مشتكياً ومن ينكر علينا أن صرخات الأقصى المبارك قد أسمعت من ” به صمم ” !
3. قال الله تعالى: { يا قوم أدخلوا الأرض المقدسة.. }، هذا خطاب رسول الله موسى عليه السلام إلى قومه، ولكن في هذا الخطاب الدليل الواضح على قدسية هذه الأرض المباركة منذ بدء الخليفة، قبل أن يحل بها قوم موسى الصالحين الذين انقطعوا بعد ذلك ولم يبق لهم أثر وامتداد إلى اليوم وحتى قيام الساعة، فهذه الأرض المباركة مقدسة لوجود المسجد الأقصى المبارك فيها كثاني مسجد على وجه الأرض، وكأول مسجد في هذه الأرض المباركة منذ فجر التاريخ، بل كأول بناء يبنى في هذه الأرض المباركة منذ فجر التاريخ، وفي هذا المعنى يقول ابن تيمية (رحمه الله تعالى) في ” مناقب الشام وأهله “: ” فهذه نصوص، حيث ذكر الله أرض الشام في هجرة إبراهيم عليه السلام إليها، ومسرى الرسول عليه السلام إليها، ومملكة سليمان بها، ومسير سبأ إليها.. وصفها بأنها الأرض التي باركنا فيها.. وفيها المسجد الأقصى وفيها مبعث الأنبياء، وإليها هجرة إبراهيم، وإليها مسرى نبينا، ومنها معراجه، وبها ملكه وعمود دينه وكتابه والطائفة المنصورة من أمته وإليها المحشر والميعاد.. “، وقد قال ابن تيمية رحمه الله: ” والشام إليها يحشر الناس كما في قوله تعالى: {.. لأول الحشر.. }، نبه على الحشر الثاني، فمكة المبدأ، وايلياء (القدس) معاد في الخلق، وكذلك بدأ الأمر فإنه أسرى بالرسول من مكة إلى ايلياء، ومبعثه ومخرج دينه من مكة، وكمال دينه وظهوره وتمامه حتى يملكه المهدي في الشام، فمكة هي الأول، والشام هي الآخر في الخلق والأمر في الكلمات الكونية والدينية “، هذه المعاني الطيبة لابن تيمية نقلتها من كتاب الأستاذ محمد حسن شراب ” بيت المقدس “: المسجد الأقصى دراسة تاريخية موثقة “.
4. روى البخاري في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: ” قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول ؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي ؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما ؟ قال: 40 سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصله، فإن الفضل فيه”. في الحديث الشريف تأكيد على وحدة المصير بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، فهما في بداية البناء سواء، وهكذا يجب أن يبقيا سواء بالحفاظ على بنائهما في كل حين، ولعل رقم ” 40 ” الذي ورد في هذا الحديث قد استوقفني طويلاً، وكنت اسأل نفسي لماذا بني المسجد الأقصى بعد 40 عاماً من انتهاء بناء المسجد الحرام ؟
نعم.. استوقفني هذا السؤال فخطر في ذهني خاطر اسأل الله تعالى أن أكون مصيباً فيه، فإن أصبت فهو من الله تعالى وإن أخطأت فهو من عند نفسي الإمارة بالسوء، ومفاد هذا الخاطر أن الأصل يقول: إن هناك وحدة مصير بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، فالحفاظ على بناء المسجد الحرام كالحفاظ على بناء المسجد الأقصى والمسارعة في بناء المسجد الحرام إذا تعرض للهدم لسبب ما كالمسارعة إلى بناء المسجد الأقصى إذا تعرض للهدم لسبب ما، ونجدت المسجد الحرام إذا ألمت به نائبة كنجدة المسجد الأقصى، كل ذلك سواء بسواء وهذا الأصل، ولكن قد يضعف المسلمون وقد يلقى في قلوبهم الوهن، فيصابوا بالتقصير في حق المسجد الأقصى، فقد يهدم وهم مكتوفو الأيدي بسبب ضعفهم وما ألم بهم من وهن، وقد يحرق، وقد يستباح، وقد يحاصر، وقد تنتهك حرمته، فالأصل يقول أن على المسلمين أن يسارعوا إلى بناءه وتطهيره ونجدته، وإن كانوا في ضعف أو وهن فيجب أن ألا يزيد ذلك عن 40 عاماً، وإلا فهم آثمون منذ أول لحظة أصيب فيها المسجد الأقصى بأي مصيبة، وأثمهم يضاعف أضعافاً لا يعلمها إلا الله تعالى بعد 40 عاماً إذا ظل المسجد الأقصى في مصيبته، هذا ما خطر في ذهني، وعليه فإني أصرخ في وجه كل المسلمين والعرب والفلسطينيين بدون استثناء، ها قد مضى على الأقصى سبعة وثلاثون عاماً وهو في مصيبة ما بعدها مصيبة، نعم مضى عليه أكثر من خمسين عاماً وهو في مصيبة ما بعدها مصيبة !
5. روى الإمام أحمد عن معقل بن أبي معقل الأسدي: ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن نستقبل القبلتين ببول أو غائط “، والقبلتان هما: الكعبة والمسجد الأقصى وعلى ضوء هذا الحديث الشريف فإني أقول لنفسي ولكل المسلمين والعرب والفلسطينيين، نعم.. أقول للجميع دون استثناء: لقد سمحنا أن يستقبل المسجد الأقصى المبارك بأشد من البول والغائط، من منا لا يعلم أن أهل الشرك يدخلون المسجد الأقصى المبارك ويتجولون في كل ساحاته حتى محراب المسجد الأقصى ؟ من منا لا يعلم أن مئات العاريات تدخل المسجد الأقصى من كل أبوابه ويتجولن في رحابه، وفي كثير من الأحيان بين المصليين أيضاً ؟! من منا لا يعلم أن زرافات من بني البشر منهم الأبيض ومنهم الأسود ومنهم الأصفر يدخلون المسجد الأقصى يومياً ومنهم الحائض ومنهم صاحب الجنابة ومنهم أصحاب الرذيلة ؟! من ما لا يعلم أن هؤلاء القوم قد استباحوا حرمة المسجد كما استبح الصليبيون والتتار حرمته يوماً من الأيام، ولكن استباحة حرمته اليوم تحت لافتة وفود السائحين، من منا لا يعلم أنه وصل الأمر بهم أن يقوموا بربط نعال أحذيتهم وهم يضعونها على حافة جدران الصخرة المشرفة، من منا لا يعلم أنه قد وصل الأمر ببعض جنود الاحتلال الإسرائيلي أن يجاهروا بسب الذات الإلهية أو بشتم الرسول صلى الله عليه وسلم داخل المسجد الأقصى المبارك، لا بل قام بعض هؤلاء الجنود بتعرية بعض المسلمين في داخل المسجد الأقصى المبارك، من منا لا يعلم بالمجازر التي وقعت على المسلمين في داخل المسجد الأقصى المبارك ؟ فقد يقول قائل: أنا لا أعلم: وأنا له أقول:
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
6. روى أبو داود في سننه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” من أَهَلَ بحجة أو بعمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أو وجبت له الجنة “، وفي سنن ابن ماجة: ” من أَهَلَ بعمرة من بيت المقدس كانت كفارة لما قبلها من ذنوب”.
وقد أحرم منه عمر بن الخطاب وابنه عبد الله، ولكن كيف لنا أن نقتفي أثر الفاروق عمر وأثر ابنه عبد الله رضي الله عنهما ونحن لا نستطيع الدخول إلى المسجد الأقصى إلى بعد المرور بين يدي جنود الاحتلال الإسرائيلي القائمين عند كل باب من أبواب المسجد الأقصى، يُدخلون من يشاءون ويمنعون من يشاءون ! أو يفتشون من يشاءون منا ؟!!
يتبع
- الأقصى المبارك في القرآن والسنة (2)
أوردت في الحلقة الأخيرة السابقة بعض الشواهد من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة التي تبين قيمة وقدر الأقصى المبارك، ولأهمية هذا الموضوع سأجتهد في هذه الحلقة أن أورد بعض الشواهد الأخرى كي يقف كل مسلم ومسلمة في شتى بقاع الأرض على حقيقة هذا المسجد الغارق في ضيق ما بعده ضيق وفي كرب شديد أسود.
1. عن أبي سعد الخدري رضي الله عنه قال: ثلاث قالهن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سمعتهن منه آنقنني وأعجبني: ” لا تسافر امرأة مسيرة يومين ولا ليلتين إلا ومعها ذو محرم أو زوجها، ولا صوم يومين، يوم النحر ويوم الفطر، ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا “. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى “.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول صلى الله عليه وسلم قال: ” لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا “.
وقد روي هذا الحديث الذي اشتهر باسم حديث ” شد الرحال ” رواه مجموعة من الصحابة رضي الله عنهم، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى الاهتمام المبارك الذي أولاه الرسول صلى الله عليه وسلم للأقصى المبارك، وربط مصيره مع المسجد الحرام والمسجد النبوي، وربط قيمته وبركته مع قيمة وبركة هذين المسجدين، وربط الصحابة رضي الله عنهم بالمسجد الأقصى المبارك كجزء من ربطهم بالمسجد الحرام والمسجد النبوي، ومن خلال كثرة هذه الروايات ندرك سعي رسول الله صلى الله عليه وسلم لتحميل كل الصحابة رضي الله عنهم همّ الأقصى المبارك، وهم تحريره وتطهيره والحفاظ عليه، لأنه لا يمكن شد الرحال إليه بدون تحريره وتطهيره والحفاظ عليه، بمعنى آخر … أن كثرة الروايات التي تدعو إلى شد الرحال إلى الأقصى المبارك، تؤكد على ضرورة توفير الطريق الآمن للوصول إلى الأقصى المبارك، وكذلك توفير الجو الآمن للبقاء في الأقصى المبارك، وهذا يعني أن كثرة الروايات تؤكد على ضرورة كسر كل الحواجز وإزالة كل العوائق التي تحول دون الوصول إلى الأقصى المبارك وشد الرحال إليه، وما كان ذلك ليتم في الماضي، ولن يتم ذلك في الحاضر ولا في المستقبل إلا بتحرير الأقصى المبارك وتطهيره والحفاظ عليه، وأعود وأؤكد أن كثرة من الصحابة رضي الله عنهم رووا حديث ” شد الرحال ” فهذا يعني أن قضية الأقصى المبارك يجب أن تصبح قضية كل المسلمين لا قضية فئة دون أخرى ولا قضية شعب دون آخر ولا قضية جيل دون آخر ولا قضية فترة زمنية دون أخرى، بل يجب أن تبقى دائماً وأبدا قضية كل المسلمين في كل بقاع الأرض وعلى مدار الدهور والعصور، ويوم أن بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم جيل الصحابة رضي الله عنهم على هذا الأساس المتين، ويوم أن دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شد الرحال إلى الأقصى المبارك، كان المسجد الحرام محرراً، وكان المسجد النبوي محرراً، وكان المسجد الأقصى مغتصباً بيد ” بني الأصفر ” من الروم، ومع ذلك دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة رضوان الله عليهم إلى شد الرحال إليه، وهذا يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو الصحابة رضي الله عنهم إلى تحرير الأقصى المبارك وتطهيره والحفاظ عليه.
2. عن أبي ذر رضي الله عنه قال: ” تذاكرنا – ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم– أيهما أفضل: أمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى هو، وليوشكن لأن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض، حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعاً “.. وفي رواية: ” ولنعم المصلى في أرض المحشر والمنشر “.
في هذا الحديث النبوي الشريف نلاحظ تأكيد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضلية الأقصى على غيره من بقاع الأرض سوى المسجد الحرام والمسجد النبوي، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرنا عن المسجد الأقصى ” ولنعم المصلى هو “، وفي رواية أخرى يخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن المسجد الأقصى ” ولنعم المصلى في أرض المحشر والمنشر “، وكذلك يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن واقع الحال الذي سيعيشه الأقصى في المستقبل ” وليوشكن لأن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض، حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعاً “.. وواضح أن كل هذه الأصناف الكريمة تدل على أفضلية المسجد الأقصى، وغني عن البيان أن النبي صلى الله عليه وسلم حين يفضل مكاناً من الأمكنة فإنما يفعل ذلك بإلهام من الله سبحانه، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى { إنما هو إلا وحيُ يوحى }، بمعنى أن تفضيل هذا المكان تفضيل رباني من الله تعالى أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا تفضيل وفق علم الله وحكم الله تعالى، ويوم أن نتأمل هذا الحديث النبوي الشريف وما فيه من تأكيد على أفضلية المسجد الأقصى، ويوم أن نعلم أن هذه الأفضلية عالمية، ويوم أن نعلم أن هذه الأفضلية دائمة ما دامت الدنيا، لأن المسجد الأقصى هو أرض المحشر والمنشر، يوم أن نعلم كل ذلك، ندرك بشكل واضح أن للمسجد الأقصى ولأكنافه الدور العالمي الحاسم الذي سيلعبه في تقرير التاريخ البشري بشكل عام، وتاريخ الإسلامي بشكل خاص، وهذا ما أدركه العالم المجاهد ” ابن تيمية ” – رحمه الله، حيث يقول في رسالته ” مناقب الشام وأهله “: ” ثبت للشام وأهله مناقب بالكتاب والسنة وآثار العلماء، وهي أحد ما اعتمدته في تحضيضي المسلمين على غزو التتار، وأمري لهم بلزوم دمشق ونهي لهم عن الفرار لمصر، واستدعائي للعسكر المصري إلى الشام، وتثبيت العسكر الشامي فيه “، ثم يقول رحمه الله تعالى: ” وقد ظهر مصداق هذه النصوص النبوية على أكمل الوجوه في جهادنا للتتار، وأظهر الله للمسلمين صدق ما وعدناهم به، وبركة ما أمرناهم به، وكان ذلك فتحاً عظيماً ما رأى المسلمون مثله.. “.
3. عن جابر أن رجلاً قال: يا رسول الله أي الخلق أول دخولاً إلى الجنة ؟ قال: الأنبياء، قال: ثم من ؟ قال: الشهداء، قال: ثم من ؟ قال: مؤذنو المسجد الحرام، قال، ثم من ؟ قال: مؤذنو بيت المقدس، قال ثم من ؟، قال: مؤذنو مسجدي هذا، قال: ثم من ؟، قال: سائر المؤذنين على قدر أعمالهم “.
نلاحظ في هذا الحديث النبوي الشريف فضل المؤذنين الصادقين على غيرهم من الخلق سوى الأنبياء والشهداء، ونلاحظ فضل مؤذني المسجد الحرام، ثم مؤذني بيت المقدس، ثم مؤذني المسجد النبوي، ثم بقية المؤذنين في كل أرض، والمؤذن الصادق هو الذي يجهر بشهادة التوحيد كل يوم صباح ومساء، وشهادة التوحيد هي عنوان الحق واستعلاء الحق على الباطل، وهذا كرامة منحها الله تعالى للمؤذنين، وكانت لهم فضلاً على سائر الخلق سوى الأنبياء والشهداء، فالأنبياء هم مصدر التلقي الأول من الله تعالى لتبليغ شهادة التوحيد لكل الخلق بما فيهم الشهداء والمؤذنون، والشهداء هم الذين رووا بدمائهم شهادة التوحيد كي تبقى شامخة، ويبقى المسجد ويبقى المؤذن، والمسجد الحرام هو قبلة الموحدين في كل الأرض، ومؤذنوه هم من يرفع شهادة التوحيد لكل الموحدين في كل الأرض، أما المسجد الأقصى فهو الصراع الدائم في كل الأرض بين شهادة التوحيد وغيرها من شهادات الباطل، لذلك يبقى مؤذنو المسجد الأقصى في حالة صراع دائم مع مؤذنو الباطل، فللتوحيد صوته من خلال مؤذنيه في المسجد الأقصى، وللباطل صوته من خلال مؤذنيه الذين يسعون لبناء كيانهم على حساب الأقصى المبارك وعلى حساب شهادة التوحيد التي يحملها الأقصى المبارك، ولعل هذا المعنى يسلط الأضواء على قيمة ودور الصادق الصابر من مؤذني الأقصى المبارك وعباده والمتشوقين للسجود على ثراه لله رب العالمين.
يتبع
- الأقصى المبارك في القرآن والسنة (3)
نظر لأهمية هذا الموضوع فقد رأيت من الواجب متابعة الكتابة عن قدر الأقصى المبارك في القرآن والسنة، وفي نفس الوقت رأيت من المناسب تضمين هذا الموضوع بعض الفقرات التي ظهرت في كتاب ” الشاباك بين التمزق ” لمؤلفه ” كرمي غيلون ” – الرئيس السابق لجهاز ” الشاباك “، حيث كشف خلال هذا الكتاب عن تفصيلات محاولة إحدى العصابات اليهودية الذين قاموا بإعداد مخطط لئيم لتفجير قبة الصخرة المشرفة، قامت صحيفة ” يديعوت أحرونوت ” العبرية بنشر هذه التفصيلات خلال هذه الأيام، ولذلك سأقتبس منها مجموعة فقرات هامة، ببعض التصرف.
” في عام 1974 بدأت عملية الاستيطان غير القانوني لحركة ” غوش إيمونيم ” فالتقى دان باري ويوشاع بن شوشان اللذان اتفقا على ضرورة القيام بخطوة عملية لإعادة شعب إسرائيل إلى قدسيته وتقريب موعد الخلاص الكامل.
بعد ذلك انضم إليهما ” يهودا عتسيون ” الذي كان منشغلاً بوضع خطط وأفكار لإعاقة العملية السلمية التي اعتبرها مزيفة، حيث كان يجري الحديث عن مفاوضات ثنائية بين مصر وإسرائيل – ووصل بأفكاره إلى الأقصى المبارك، المكان الذي يعتبر مركزاً للصراع الإسلامي – اليهودي، وبانضمام (عتسيون) حظيت أفكار (دان باري) بالدعم، فقد آمن بأن تفجير (الصخرة المشرفة) سيؤدي إلى إلغاء الاتفاقيات الإسرائيلية – المصرية ويمنع إخلاء سيناء ويسد الباب أمام فكرة الحكم الذاتي للفلسطينيين.
بعد أن اختمرت فكرة تفجير الصخرة المشرفة في رؤوس هؤلاء العصابة، لجأ (عتسيون) إلى الخبير (مناحيم ليفني) لإعداد المخطط العملي لتفجير الصخرة المشرفة، و (ليفني) كان قد خدم في وحدة الوسائل الخاصة في سلاح الهندسة، ودرس بعد إنهاء خدمته العسكرية هندسة الميكانيكا في معهد التخنيون في حيفا.
في هذه الأثناء قاموا بتجنيد بعض الإرهابيين اليهود لعضوية العصابة ليصل مجموعهم إلى 21 عضواً، وفي نفس الوقت بدءوا بجمع المعلومات المطلوبة لإعداد مخططهم اللئيم لتفجير الصخرة المشرفة، وفي إحدى المرات ارتدى (دان باري) الفرنسي الأصل، لباساً كهنوتياً وقصد الحرم القدسي، مدعياً أنه يقوم بإجراء بحث علمي، حيث قام بقياس المسافة الفاصلة بين كل واحدة من الأعمدة التي تقوم عليها قبة الصخرة المشرفة.
اختار أحد أفراد العصابة (ليفني) لهذه الغاية السوداء مادة متفجرة ذات صفات خاصة، لم تكن متوفرة إلا في سلاح الهندسة تحت مراقبة شديدة، ولأن (ليفني) كان ضابطاً في سلاح الهندسة، فقد كان على علم بمكان وجود مثل هذه المواد، فالجيش يملك صواريخ خاصة يستعملها لتفجير حقول الألغام، وهذه الصواريخ مزودة بمادة بلاستيكية تتوفر فيها الصفات الخاصة التي اختارها (ليفني)، لذلك فقد قام (ليفني) مع مجموعة من أفراد العصابة وتسللوا إلى معسكر للمدرعات في هضبة الجولان وسرقوا المواد المتفجرة من داخل الصواريخ، ثم قامت العصابة بإعداد (حاويات خاصة) لاستعمالها في عملية التفجير، بحيث يؤدي انفجارها إلى تدمير قبة الصخرة المشرفة، وبعد أن تم إعداد هذه الحاويات الناسفة قاموا بتخبئتها في قرية (ابراهام) في مدينة (بيتح تكفا)، وفي مزرعة (يعقوب هنئمان) في مستوطنة (نوف) في (الجولان).
بعد ذلك قرر أفراد العصابة اختيار باب الرحمة ليكون بداية اقتحامهم للأقصى المبارك، ثم تفجير قبة الصخرة المشرفة، فالسور المحيط بالمسجد الأقصى منخفض عند باب الرحمة، بالإضافة إلى أن باب الرحمة هو الأقل استعمالاً، بل أنه يعتبر منطقة مهملة، وفي نفس الوقت قامت العصابة بالحصول على رشاشات مع كواتم للصوت للقضاء على حراس الأقصى المبارك لدى تنفيذ عمليتهم اللئيمة (تفجير قبة الصخرة المشرفة).
وفي نيسان 1982 كان كل شيء جاهزاً لتنفيذ هذا المخطط الإرهابي، ولكن الذي حدث أنه تم الكشف عن هذه العصابة في عام 1984، وبذلك تم كشف كل المخطط الإرهابي ومنع تنفيذ الخطة “. ولكن على الرغم من منع تنفيذ الخطة إلا أن الناظر بإمعان إلى تفصيلاتها يجد أن أفراد العصابة كانوا أصلاً من أصحاب المراكز الرفيعة في الجيش الإسرائيلي، وهذا الأمر ساعدهم على الحصول على كل شيء احتاجوه لإعداد مخططهم الجهنمي، وهذا ما يدعوني إلى التساؤل بصوت عال: لماذا نستعبد وجود محاولات أخرى ما زالت وراء الكواليس بناء على أن الأرضية التي انبتت (عتسيون وليفني) ما زالت كما هي إلى الآن ؟ ما حقيقة ما يخطط له (جرشون سلمون) وغيره وجميع العالم يسمعهم يصرحون على الملأ بنيتهم لبناء هيكل على حساب الأقصى المبارك ؟ هل نحن أمام مفاجآت قريبة أم ماذا ؟ ماذا أعددنا للتصدي لهذه المفاجآت ؟ هل استيقظ فينا النائم وانتبه فينا الغافل ؟ هل بتنا نوقن أن الأقصى في خطر ؟!.
نحن في أمس الحاجة إلى معرفة واعية لقدر الأقصى المبارك في القرآن والسنة، ويجب أن نعلم أن كل حديث نبوي شريف تحدث عن فضائل الشام فإن قلب هذه الفضائل هو القدس الشريف، ومركز هذا القلب هو المسجد الأقصى المبارك، لأن القدس الشريف هي قلب الشام، والأقصى المبارك هو مركز هذا القلب، أي أن الأقصى المبارك مركز الشام ومركز فضائل وبركات الشام.
يقول الأستاذ (إبراهيم العلي) في كتابه ” الأرض المقدسة ” ص 17: ” حين كان يتحدث المؤرخون والرواة القدامى عن الشام وأرضها، كانوا يقصدون بذلك الرقعة التي تشغلها الآن سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، تلك كانت بلاد الشام على مدى تاريخ طويل، ولم يتم تقسيمها سياسياً إلى دول أربع إلا بفعل الاستعمار في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وتطبيق اتفاقية ” سايكس – بيكو ” على بلاد الشام، وفرض الانتداب الفرنسي على شمال الشام فقسمه إلى كيانين هما: سوريا ولبنان، وفرض الانتداب البريطاني على جنوبه فقسمه إلى كيانين هما: الأردن وفلسطين، وأصبح لكل كيان جواز مرور وحدود ودستور وإعلام، وعندما كان المؤرخون السابقون يتحدثون عن هذه الأرض، كانوا يعنون هذه الأقطار، كما قال ابن الفقيه الهمداني: ” أجناد الشام أربعة ” حمص ودمشق وفلسطين والأردن “، لذلك فإن الفهم الشرعي السليم لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد لكل عاقل سوي أن كل حديث نبوي شريف يتحدث عن فضائل الشام، فإنما يتحدث بالضرورة عن فضائل القدس الشريف والأقصى المبارك، لأن القدس الشريف هي قلب الشام والأقصى المبارك هو مركز هذا القلب النابض بالإيمان الصادق والرباط المتواصل.
1. من حديث زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” يا طوبى للشام.. يا طوبى للشام.. يا طوبى للشام.. قالوا: يا رسول الله وبم ذاك ؟ قال: تلك ملائكة الله باسطو أجنحتها على الشام “.
يقول الأستاذ إبراهيم العلي في كتابه ” الأرض المقدسة ” ص 35: ” وهذه الخصال من الخير حين تعطي لبلد من البلاد، فإن هذا يدل على ما له من المكانة العظيمة عند الله تعالى، فحراسة الملائكة لبلد من البلدان دليل على مدى الرعاية والعناية التي يمنحها لهذا البلد، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم له برغد العيش وطيب المقام والراحة دليل آخر على المكانة التي يحتلها أيضاً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2. من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: ” بينا أنا قائم إذ رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي فظننت أنه مذهوب به، فأتبعته بصري، فعمد به إلى الشام، إلا وأن الأمان حيث تقع الفتن بالشام “.
يقول الأستاذ إبراهيم العلي في كتابه ” الأرض المقدسة ” ص 37: ” استقرار عمود الكتاب أو عمود الإسلام في بلاد الشام، حيث قامت الملائكة بنقله من تحت رأس النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الأمر إشعار بأن كمال ظهور الدين وتمامه وعلوه حتى يملكه المهدي عليه السلام سيكون في بلاد الشام، كما أن مبعث هذا الدين ومخرجه وبدايته كان في مكة والمدينة من بلاد الحجاز “.
3. من حديث معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة “.
يقول الأستاذ إبراهيم العلي في كتابه ” الأرض المقدسة “، ص 44: “.. وإن فسد أهل الشام وابتعدوا عن دينهم، فإن ذلك يشكل علامة سوء – بُعد هذه الأمة عن دينها – وهذا يوجه أنظارنا إلى الجهود الهائلة التي يبذلها أعداؤنا لإفساد أبناء الشام، حتى يسهل عليهم السيطرة على بقية بلاد المسلمين.. “.
4. من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا “، قالوا: وفي نجدنا ؟، قال: ” اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا “، قالوا يا رسول الله وفي نجدنا ؟ فأظنه قال في الثالثة: ” هنا الزلازل والفتن وبها يطلع الشيطان “، قال العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى: ” لما بدأ بالدعاء للشام بالبركة، وثنى باليمن، دل تفضيل الشام على اليمن، مع ما أثنى به على أهل اليمن في غير هذا الحديث، فإن البداية إنما تقع بالأهم فالأهم “.
يتبع
- الأقصى المبارك في القرآن والسنة (4)
متابعة للحلقة السابقة ما زالت أجتهد أن أعطي هذا الموضوع حقه بالقدر المستطاع، والله الموفق من قبل ومن بعد، ولذلك فأتابع الكتابة عن هذا الفصل بشكل خاص مبيناً قدر الأقصى المبارك في القرآن والسنة، مع التأكيد على ملاحظة ذكرتها في الحلقة السابقة، وأؤكد عليها في هذه الحلقة كذلك، وهي أن كل حديث نبوي شريف يتحدث عن فضائل الشام، فإنما يتحدث بالضرورة عن القدس الشريف والأقصى المبارك، لأن القدس الشريف هي قلب الشام والأقصى المبارك هو مركز هذا القلب النابض بالإيمان الصادق والرباط المتواصل، وعلى هذا الأساس سأورد بعض الأحاديث النبوية الشريفة التي تتحدث عن فضائل الشام، بمعنى أنها تتحدث عن فضائل القدس الشريف والأقصى المبارك.
1. من حديث سلمة بن نفيل الكندي رضي الله عنه قال: ” كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: يا رسول الله: أذال الناس الخيل، ووضعوا السلاح وقالوا لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها “.
فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه وقال: ” كذبوا، الآن جاء القتال، ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق، ويزيغ الله لهم قلوب أقوام، ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي وعد الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وهو يُوحي إلي أني مقبوض غير ملبث، وأنتم تتبعوني أفناداً، يضرب بعضكم رقاب بعض، وعقر دار المؤمنين الشام “.
فكما نلاحظ يعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عقر دار المؤمنين الشام، وإذا ما علمنا أن القدس الشريف هي قلب الشام، فسندرك أن القدس الشريف هي قلب عقر دار المؤمنين، وإذا ما علمنا أن القدس الأقصى المبارك هو مركز القدس الشريف، فسندرك أن الأقصى المبارك هو مركز عقر دار المؤمنين في كل الأرض، فهل من مدكر ؟
يقول الإمام السيوطي رحمه الله: ” وعقر دار المؤمنين الشام، كأنه أشار به إلى أنه عند وقت الفتن يكون الشام يومئذ آمناً منها، وأهل الإسلام به أسلم “.
يقول الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله: ” أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بالردة التي تقع ممن أراد الله تعالى أن يزيغ قلبه عن الإسلام، وأشار بقتل المرتدين، ثم بسكنى الشام إشارة منه إلى أن المقام بها الرباط في سبيل الله تعالى، وأخباراً بأنها ثغر إلى يوم القيامة، وقد شاهدنا ذلك، فإن أطراف الشام ثغور على الدوام”.
2. من حديث عبد الله بن حوالة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ستجندون أجناداً، جنداً بالشام، وجنداً بالعراق، وجنداً باليمن”، فقال عبد الله: فقمت فقلت خر لي يا رسول الله ؟ فقال: عليكم بالشام، فمن أبى فليلتحق بيمينه، وليستق من غدره، فإن الله عز وجل قد تكفل لي بالشام وأهله “.
قال ربيعه: فسمعت أبا إدريس يحدث بهذا الحديث يقول: ” ومن تكفل الله به فلا ضيعة عليه “.
هذه بشرى لأهل الشام عامة أنهم في كفالة الله تعالى، وهذه بشرى خاصة لأهل القدس الشريف والأقصى المبارك وأكنافها أنهم في قلب هذه الكفالة الربانية، بل في مركزها، لأن القدس الشريف قلب الشام والأقصى المبارك هو مركز هذا القلب.
يقول العز بن عبد السلام رحمه الله: ” وأخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن الشام في كفالة الله تعالى، وأن ساكنيه في كفالته، وكفالته حفظه وحمايته، ومن حاطه الله تعالى وحفظه فلا ضيعة عليه “.
ويقول أيضاً: ” هذه شهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم باختيار الشام، وبفضلها، وباصطفائه ساكنيها، واختياره لقاطنيها، وقد رأينا بالمشاهدة، فإن من رأى صالحي أهل الشام، ونسبتهم إلى غيرهم، رأى بينهم من التفاوت ما يدل على اصطفائهم واجتبائهم “. ولأن أهل الشام عامة وأهل القدس الشريف والأقصى المبارك خاصة هم أهل اصطفاء واختيار، فقد أراد الله تعالى لهم الامتحان تلو الامتحان والابتلاء تلو الابتلاء، ليبلو أخبارهم وليختبر ثباتهم كما يكونوا بحق أهلاً لهذه الدرجة الرفيعة والمقام المحمود الذي أكرمهم الله تعالى به كما ورد في هذا الحديث النبوي الشريف.
وإذا كانت الشام دار ابتلاء، فإن القدس الشريف هي قلب هذا الابتلاء، وإن الأقصى المبارك هو مركز هذا الابتلاء، مع التأكيد أن هذا الابتلاء هو ابتلاء أبدي إلى قيام الساعة، وعليه فمن أراد لنفسه هذه الكرامة فليوطن نفسه على الصبر الطويل والتضحية الغالية والعمل المتواصل حفاظاً على القدس الشريف ونصرة للأقصى المبارك وسداً لثغرة التي هي أهم ثغرة في جسد الأمة الإسلامية ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، ولأن أهل الشام عامة وأهل القدس الشريف والأقصى المبارك خاصة هم أهل اصطفاء واختيار فسيصيبهم القرح والأذى من كيد الأعداء، كل الأعداء للإسلام على اختلاف ألوانهم وأنسابهم ولغاتهم، ولكنه سيبقى الأذى الطارئ والزائل ولو لبعد حين، وسيبقى الأذى الشكلي والسطحي الذي يجب أن لا ينال من ديننا وعزيمتنا وأقوالنا وأعمالنا ومواقعنا.
3. من حديث عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه قال: ” جاء إعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أفيها – يعني في الجنة – فاكهة ؟ فقال: نعم وفيها شجرة تدعى طوبى وهي تطابق الفردوس، فقال: أي شجرة أرضنا تشبهه ؟ قال: وليس من شجر أرضك بشيء يشبهه، ولكن هل أتيت الشام، قال: لا يا رسول الله ؟ قال: فإنها تشبه شجرة في الشام يقال لها الجوزة تنبت على ساق واحدة، ثم ينتشر أعلاها.. “، وذكر بقية الحديث.
تشبيه أشجار الشام بشجر الجنة لهو تأكيد على بركة الشام، وهو تأكيد على أن القدس الشريف هو قلب هذه البركة وأن الأقصى المبارك هو مركز هذه البركة، وما دام الأمر كذلك، فلا عجب أن نعلم أن الأقصى المبارك هو أرض المحشر والمنشر، ولا عجب أن نعلم أنه بوابة الأرض إلى السماء في رحلة المعراج، وما دام الأمر كذلك، يجعلنا نطمئن أن أرض الشام عامة وأرض القدس الشريف والأقصى المبارك خاصة، هذه الأرض التي تشبه أشجارها شجر الجنة لم ينبت في هذه الأرض أشواك وإن نبتت هذه الأشواك فسيكون أجلها قصير.
4. من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” إن سليمان سأل الله ثلاثاً فأعطاه اثنتين وأرجو أن يكون أعطاه الله الثالثة، سأله أن يحكم بحكم يواطئ حكمه فأُعطي، وسأله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه، وسأله أيما عبد أتى بيت المقدس لا يريد إلا الصلاة فيه، إن يكون من خطيئته كيوم ولدته أمه “.
إذن هذا هو بيت المقدس مطهرة للذنوب والخطايا، ولكن لمن صدق بالقول وأخلص بالعمل وواصل العطاء، نصرة لله تعالى ولدين الله تعالى ونصرة للقدس الشريف والأقصى المبارك، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد لنا في هذا الحديث قائلاً: “.. أيما عبد أتى بيت المقدس لا يريد إلا الصلاة فيه.. “، بمعنى أن هذا العبد أتى بيت المقدس كريم الموقف وصافي النية وطاهر الطوية، لا يحمل غشا ولا تزويراً ولا تدليساً ولا تحريفاً، بل يحمل الإرادة الواضحة أن يصلي في بيت المقدس، تثبيتاً لبيت المقدس حتى يبقى عقر دار الإسلام، وحصن التوحيد، وقلعة الإيمان، ومشعل الحق، والصخرة المباركة التي تتحطم عليها كل المؤامرات ـ نعم من أتى بيت المقدس لا يريد إلا الصلاة فيه كان بيت المقدس له مطهرة الذنوب والخطايا ثم رفعا للدرجات في الآخرة، وكذلك طريقاً إلى التمكين في الأرض والإمامة في الدين.
- الأقصى المبارك مشروع تحرير أبدي (1)
ليس صعباً على أي عاقل أن يلاحظ بوضوح تام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل الأقصى المبارك مشروع تحرير متواصل إلى قيام الساعة، والمطلوب من الأمة الإسلامية والعالم العربي مواصلة السعي إلى تحريره دون توقف، بداية من جيل الصحابة رضي الله عنهم إلى ما شاء الله من أجيال لاحقة، والمطلوب عدم التثاقل إلى الأرض إذا ألمت بالأقصى المبارك أية نائبة في أي زمان كان، وفي عهد أي جيل كان، لأن المنطق الإسلامي السوي يقول، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أن جعل الأقصى المبارك مشروع تحرير فإن ذلك يعني أن الأقصى المبارك يسير في انتكاسات عديدة ستطال طهره وبركته وحريته، والمطلوب المبادرة إلى تحريره، وقد كانت مثل هذه الانتكاسات في الماضي، كما هي اليوم، وقد تكون في المستقبل، لذلك فعلينا أن نفهم أن تحرير الأقصى المبارك هو مشروع متواصل كلما ألمت به انتكاسة، بمعنى أن قضية تحريره ليست لمرة كانت ولن تعود، بل ليست لمرتين أو لمرات كانت ولن تعود، بل أن قضية تحريره مشروع تربوي ووحدوي يجب أن يجمع الأمة الإسلامية والعالم العربي، وأنا شخصياً لدي القناعة المطلقة أن الأمة الإسلامية والعالم العربي بحاجة ماسة إلى الأقصى المبارك كي يوحد فرقتهم ويجمع تمزقهم، هذه الفرقة وهذا التمزق الذي جاء ثمرة نكدة لدعوات جاهلية معاصرة كاذبة ما أسمنت وما أغنت من جوع، وما حفظت للأمة الإسلامية والعالم العربي دنيا ولا ديناً، بل أضاعت الإنسان والأوطان وبات كل شيء فينا في خطر، لذلك هناك حاجة ماسة وفورية إلى تجديد أحياء الأقصى المبارك كمشروع تحرير دعا إليه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وسأجتهد أن أورد مجموعة شواهد نبوية تؤكد ما أقول بإذن الله تعالى.
1. عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ” يا نبي الله، أفتنا في بيت المقدس، فقال: أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة فيما سواه، قالت: أرأيت من لم يطق أن يتحمل إليه أو يأتيه ؟ قال: فليهد إليه زيتاً يسرج فيه، فإن من أهدى له كان كمن صلى فيه “.
في هذا الحديث الشريف يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ائتوه “، وواضح أن ” ائتوه ” فعل أمر من الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة الإسلامية مأمورة أن تأتي الأقصى المبارك، ومأمورة أن تصلي في الأقصى المبارك، بمعنى أنها مأمورة أن تزيل كل العقبات التي تحول ما بينها وبين إتيان الأقصى المبارك والصلاة فيه، كعلاقة دائمة إلى قيام الساعة، وليس لمرة واحدة، وهذا لم يتم إلا من خلال تحرير الأقصى المبارك، وهذه العلاقة لن تنضج ولن تصدق إلا من خلال تحويلها إلى مشروع تحرير الأقصى المبارك الدائم والدائب والأبدي، وواضح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا القول وأصدر هذا الأمر يوم إن كانت الدولة الإسلامية في مهدها، ويوم إن كان الأقصى المبارك يخضع لسيطرة الروم بني الأصفر، ومع ذلك يأتي هذا الأمر النبوي الواضح” ائتوه “، ثم يليه أمر نبوي آخر ” فصلوا فيه.. “، وهذا يعني للصحابة رضي الله عنهم أن أزيلوا عقبة الروم التي تحول بينكم وبين الأمر النبوي ” ائتوه.. ” ثم الأمر النبوي ” فصلوا فيه.. ” وهذا يعني للأمة الإسلامية لاحقاً إلى قيام الساعة أن أزيلوا كل عقبة استثنائية قد تطرأ في أي زمن كان، وتحول بينكم وبين الأمر النبوي ” فصلوا فيه.. “، وكل ذلك ما تم ولن يتم إلا من خلال اعتبار الأقصى المبارك مشروع تحرير أبدي.
2. روى الطبراني عن شداد بن أوس ” أنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجود بنفسه، فقال: مالك يا شداد ؟ قال ضاقت بي الدنيا، فقال: إن الشام ستفتح، وبيت المقدس سيفتح، وتكون أنت وولدك من بعدك أئمة فيهم إن شاء الله تعالى “.
في هذا الحديث الشريف يتمازج الأمر مع الأصل، وتتمازج البشرى مع الصبر، وتتمازج الوصية مع الحرص والتذكير، حتى اللحظات الأخيرة من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الدنيا، وكل ذلك جمع رائع من التأكيدات أن الأقصى المبارك مشروع تحرير أبدي، فشداد بن أوس رضي الله عنه يخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان “.. يجود بنفسه ” عندما بشر بهذه البشرى اليقينية، إلا وهي تحرير الأقصى المبارك أو فتح بيت المقدس، وهذا يبين لكل عاقل منا أن قضية الأقصى المبارك ما غابت عن تفكير رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وهو على فراش الموت، بل كانت قضية أساسية في أحاديثه الشريفة وفي توجيهاته الكريمة، فكانت بشرى فتح قريب في حياة الأمة، وليس المهم على يد أي قيادة إسلامية سيُفتح الأقصى المبارك من قيادات المسلمين الصادقة، ولا على يد أي جيل من أجيال المسلمين الصادقة، المهم أن يفتح الأقصى المبارك كمشروع تحرير أبدي، والمهم أن يرتبط بالأمة لا بفرد منها، لأن عمر الأقصى المبارك أطول من أعمار الأفراد، فعمره ممتد إلى ما شاء الله كامتداد عمر الأمة الإسلامية، لذلك فكل من تسول له نفسه من قيادات اليوم أو المستقبل أنه هو الوحيد المؤهل لتحرير الأقصى المبارك وإلا فإن الأقصى المبارك سيضيع، إن مثل هذا القائد هو قائد واهم ومتعثر، وأخشى ما أخشاه أن هذا القائد يتخذ من تفكيره المرفوض ذريعة للمساومة على الأقصى المبارك، أو الحديث ولو سراً عن إمكانية بناء ” هيكل ” على حساب الأقصى المبارك، لذلك نذكر صاحب هذا التفكير المرفوض – كائناً ما كان – ونذكر أنفسنا ونقول: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشّر بتحرير الأقصى المبارك، وما كان تحرير الأقصى المبارك على عهده، وهو المكرم من عند الله تعالى برحلة الإسراء والمعراج، فرغم أنه قام بتحرير الأقصى المبارك تحريراً روحياً في رحلة الإسراء والمعراج، ورغم أنه سيد ولد آدم، ولو دعا الله تعالى أن يدمر الروم وأن يفتح له أبواب الأقصى المبارك وأن يدخلها فاتحاً بجيش وانتصار، لو دعا الله تعالى بذلك لاستجاب الله دعاءه، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي لنفسه أن يبشر بتحرير الأقصى المبارك وهو على فراش الموت، ورضي لنفسه أن يربي الأمة الإسلامية على قاعدة أن الأقصى المبارك مشروع تحرير أبدي، ورضي لنفسه أن يربي الأمة الإسلامية على أوامر واضحة بما يتعلق بالأقصى المبارك ” ائتوه.. فصلوا فيه “، رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه كل ذلك، حتى يعلمنا أن قضية الأقصى المبارك قضية أمة وليس قضية فرد منها، وأن مصير الأقصى المبارك جزء من مصير الأمة الإسلامية وليس جزءاً من مصير فرد منها، وعلى هذا الأساس بشّر شداد بن أوس وبشّر عشرات من الصحابة رضي الله عنهم بفتح بيت المقدس أو تحرير الأقصى المبارك كما سيتضح لنا ذلك من خلال ما سنستعرض من أحاديث نبوية حول هذا الموضوع تحديداً، وواضح أن شداد بن أوس رضي الله عنه جاء شاكياً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء وهو يقول: ” ضاقت بي الدنيا “، فماذا كان العلاج النبوي لهذا الحال الوقع على شداد ؟ كان واضحاً وكان بلسماً شافياً، ففوراً قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ” ليس عليك.. إن الشام ستفتح، وبيت المقدس سيفتح “، بمعنى أن بشرى فتح بيت المقدس أو تحرير الأقصى المبارك كانت هي الطب النبوي لشداد بن الأوس يوم إن ضاقت عليه الدنيا!!
فيا أمة المسلمين والعرب، قد ضاقت بكم الدنيا، قد ضاقت بكم الأرض بما رحبت، وعلاجكم هو الطب النبوي الشافي من كل داءات الهزيمة والتخاذل والانبطاح والهرولة، إن علاجنا جميعاً أن نجدد إحياء الأقصى المبارك كمشروع تحرير أبدي، ونلاحظ في هذا الحديث النبوي الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر شداداً أنه سيكون من بين الفاتحين، وإن شداداً سيدخل بيت المقدس وسيكون له ذرية فيها.
ففي ختام هذا الحديث النبوي الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لشداد رضي الله عنه “.. وتكون أنت وولدك من بعدك أئمة فيهم إن شاء الله تعالى “، وهذا ما كان، فقد ظل شداد بن أوس رضي الله عنه على قيد الحياة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد وفاة الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، إلى أن تم فتح بيت المقدس وتحرير الأقصى المبارك في عهد الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فدخلها شداد بن أوس رضي الله عنه، ومات سنة 58هـ ودفن في مقبرة الرحمة الملاصقة لباب الرحمة – أحد أبواب الأقصى المبارك – هذا الباب الواقع في الجهة الشرقية من المسجد الأقصى المبارك، هناك يرقد شداد بن أوس وعدد من الصحابة رضي الله عنهم لا يعلم عددهم إلا الله تعالى.
يتبع
- الأقصى المبارك مشروع تحرير أبدي (2)
لا زلت أرى في هذا الموضوع على وجه التحديد موضوعاً أساسا في حياة كل مسلم ومسلمة على وجه الأرض، وعلى هذا الاعتبار يجب علينا كأمة إسلامية وعالم عربي أن نفقهه جيداً، وأن نعلمه لأبنائنا وأحفادنا، وأن نقدر له قدره في كل زمان ومكان وظرف يمر علينا وعلى الأقصى المبارك، لأن كون الأقصى المبارك مشروع تحرير أبدي فهذا يعني أنه أمانة في أعناقنا، سنسأل عنها بين يدي الله تعالى يوم القيامة، ولذلك سأواصل إيراد الشواهد النبوية التي تؤكد حقيقة أن الأقصى المبارك مشروع تحرير أبدي.
1. روى الإمام أحمد عن ذي الأصابع فال: ” قلت يا رسول الله: إن ابتليتنا بعدك بالبقاء، أين تأمرنا ؟ قال: عليك ببيت المقدس فلعله أن ينشأ لك ذرية يغدون إلى ذلك المسجد ويروحون “.
لا شك أن المستشار مؤتمن، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من يستشار، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم أصدق من ينصح ويسدد ويوجه، وواضح كل الوضوح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد اختار بيت المقدس كملاذ من الفتن إذا أطلت الفتن برأسها، وكقلعة صمود إذا ابتلي المسلم بالبقاء يوم أن تضيق الأرض عليه بما رحبت، وكان بإمكان الرسول صلى الله عليه وسلم أن يضع الصحابي الجليل ذا الأصابع رضي الله عنه في خيارات شتى، كأن يقول له عليك بمكة أو المدينة أو الحبشة أو اليمن أو بيت المقدس، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدد مكاناً واحداً وواضحاً وقال ناصحاً أميناً ” عليك ببيت المقدس ” ثم اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم هذه النصيحة بقوله لذي الأصابع … فلعله إن ينشأ لك ذرية يغدون إلى ذلك المسجد ويروحون ” بمعنى أن صمودك في بيت المقدس يا ذا الأصابع يجب أن لا يكون فردياً خاصاً بك فقط، يجب أن لا يبقى الصمود في بيت المقدس مربوطاً ببقائك على قيد الحياة، فإذا بقيت بقي هذا الصمود، وإذا مت اندثر، لا يجوز ذلك في أية حال من الأحوال، بل يجب أن يتحول الصمود في بيت المقدس إلى مشروع يبدأ بك يا ذا الأصابع وينتقل إلى أبنائك وأحفادك ومن يليهم من أجيال متعاقبة حتى قيام الساعة، نعم هذا هو الفهم الوحيد والصواب الذي يجب أن نفهمه ونفقهه ونبلغ به من عاش معنا ومن سيولد بعدنا إلى ما شاء الله تعالى.
2. من حديث عبد الله بن حوالة رضي الله عنه قال: ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” رأيت ليلة أسري بن عمودا أبيض كأنه لؤلؤة، تحمله الملائكة، فقلت ما تحملون ؟ فقالوا عمود الإسلام، أمرنا أن نضعه بالشام، وبينا أن نائم رأيت عمود الكتاب اختلص من تحت رأسي، فظننت أن الله تعالى قد تخلى عن أهل الأرض، فاتبعته بصري، وإذا هو نور ساطع بين يدي حتى وضع بالشام فقال ابن حوالة: يا رسول الله خر لي، قال: عليك بالشام “.
مرة أخرى نقول أن المستشار مؤتمن، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خير من يستشار، وواضح في سياق هذا الحديث الشريف أن الصحابي الجليل ابن حوالة رضي الله عنه يستشير رسوله صلى الله عليه وسلم أن يختار له الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مكاناً آمناً يحفظ فيه ابن حوالة إيمانه وعبادته وعزه وكرامته، وواضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد له قائلاً: ” عليك بالشام “، وقلب الشام هو بيت المقدس، وشريان هذا القلب الأساس هو المسجد الأقصى المبارك، بمعنى أن خندق التوحيد الأول في هذه النصيحة هو المسجد الأقصى المبارك، مع التأكيد أن هذا الخندق الصابر الصامد كان وسيبقى مشروعاً أبدياً لا يتغير ولا يتبدل ولا يقيل ولا يستقبل.
فمن بحث عن حلاوة الإيمان صادقاً في طلبها ففي المسجد الأقصى المبارك، ومن طلب العلى وسهر الليالي لعزة الدين وخير الآخرة ففي المسجد الأقصى المبارك، فإذا كان المسجد الأقصى المبارك بهذه الميزات لنا ولمن سبقنا ولمن سيلحقنا حتى قيام الساعة، إذا كان المسجد الأقصى المبارك كذلك، أفلا نخجل على أنفسنا ونستحيي من ربنا ونكون للأقصى المبارك كما هو لنا، ولن نَصْدُقَ في العلاقة المتبادلة إلا إذا أبقينا الأقصى المبارك مشروع تحرير أبدياً، نعطيه ولا نكتسب به
أبداً.
3. من حديث بهر بن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه عن جده قال: ” قلت يا رسول الله أين تأمرني ؟ قال: (وأومأ بيده نحو الشام) قال: ” إنكم محشورون رجالاً وركباناً ومُجْرَوْنَ على وجوهكم “.
إنه جواب من الناصح الأمين محمد صلى الله عليه وسلم يؤكد من خلاله انفراد الأقصى المبارك – الشريان الأساس لكل الشام – بهذه الميزة الفريدة في الماضي والحاضر والمستقبل، فكل حريص على دينه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم جواباً واحداً ” عليك ببيت المقدس ” أو بأسلوب أعم ” عليك بالشام “، وهذا الجواب نجده في الحديث النبوي الشريف المروي ن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عندما قال: ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ستخرج نار من نحو حضرموت، أو من حضرموت تحشر الناس ” قلنا: يا رسول الله: ما تأمرنا ؟ قال: عليكم بالشام بمعنى عليكم بالشام عامة وعليكم ببيت المقدس خاصة وعليكم بالأقصى المبارك بشكل أخص، فالقدس الشريف قلب الشام، والأقصى المبارك شريان هذا القلب الأساس، وحاشاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتم نصيحة عن الأمة الإسلامية، فلو أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم علم أرضا أخرى غير الشام تحمي من نار الفتن ومن نار أعداء الإسلام لذكرها، ولو أن الرسول صلى الله عليه وسلم علم أرضاً خيراً من الشام تصلح لحماية من لجأ إليها أو أوى إليها أو فر بدينه إليها لذكرها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ولكن ماذا عسانا نفعل، هذا قدر الله، والله العليم الحكيم الكريم يختص برحمته من يشاء ويجود بكرمه على من يشاء، فالشام عامة والقدس الشريف خاصة والأقصى المبارك بشكل أخص هي ملاذ الموحدين إلى قيام الساعة، وهي بذلك مشروع تحرير أبدي إلى قيام الساعة، ومن هنا علينا أ، نعلم عظمة العطاء الموكول للأمة الإسلامية والعالم العربي الذي يجب أن نقدمه لهذا المشروع الأبدي إلى قيام الساعة.
4. من حديث وائلة رضي الله عنه قال: ” سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحذيفة بن اليمان، ومعاذ بن جبل، وهما يستشيرانه في المنزل، فأومأ إلى الشام ثم سألاه فأومأ إلى الشام، قال: ” عليكم بالشام، فإنها صفوة بلاد الله – عز وجل – يسكنها خيرته من خلقه، فمن أبى فليلحق بيمينه، وليسق من غدره، فإن الله – عز وجل – تكفل لي بالشام وأهله “.
إن معنى هذا الحديث النبوي الشريف أوضح من الشمس في كبد السماء ليس دونها سحاب !! الشام عامة والقدس الشريف خاصة والأقصى المبارك بشكل أخص، فهل استيقظ النائم فينا ؟ وهلا تنبه العقل منه ؟! فيا أمة المسلمين في كل العالم ويا عالمنا العربي في أي مكان ألم يئن لكم أن تدركوا هذه الحقيقة: الأقصى المبارك مشروع تحرير أبدي.
يتبع
- الأقصى المبارك مشروع تحرير أبدي (3)
لقد توقفت عدة أسابيع عن متابعة كتابة هذه الحلقات بسبب زيارتي للجالية الإسلامية في الولايات المتحدة، ولقد تأكدت خلال تلك الزيارة أن قضية المسجد الأقصى المبارك ما زالت هي القضية الأساس المرشحة لتوحيد صف الأمة الإسلامية والعالم العربي، فقد أكرمني الله تعالى وتحدثت عشرات المرات عن هذه القضية وكنت كلما تحدثت عنها وعن المؤامرات التي تحاك لهدم المسجد الأقصى المبارك وبناء هيكل على حسابه، كنت أنظر كيف كانت توجل القلوب وتدمع العيون وتشرئب الأعناق باحثة عن دورها المطلوب، ومبدية كل الاستعداد للقيام به فوراً !! نعم لأنها قضية المسجد الأقصى المبارك، وهي ليست كأية قضية كانت، وهذا ما زاد قناعتي أكثر وأكثر إننا مطالبون بإحياء هذه القضية فوراً كمشروع تحرير أبدي يجمع المسلمين والعرب والفلسطينيين في صف واحد لا يشذ عنه إلا كل مارق شاذ من اتباع أبي رغال !! لذلك سأستكمل عرض بقية الأدلة التي أعرفها – وما لا أعرفه أكثر – التي تؤكد ضرورة إحياء قضية المسجد الأقصى المبارك كمشروع تحرير أبدي إلى قيام الساعة!
1. من حديث عبد الله بن حوالة رضي الله عنه، قال: ” يا رسول الله خر لي بلداً أكون فيه، فلو أعلم أنك تبقى لم أختر على قربك شيئاً قال: عليك بالشام.
فلما رأى كراهتي للشام قال: ” أتدري ما يقول الله تعالى في الشام ؟ أن الله تعالى يقول: يا شام، أنت صفوتي من بلادي، أدخل فيك خيرتي من عبادي، إن الله تكفل لي بالشام “.
مرة بعد مرة أؤكد أن القدس الشريف هي قلب الشام وأن الأقصى المبارك هو الشريان الأساس الذي يمد هذا القلب بالحياة، وفي هذا الحديث النبوي الشريف نلاحظ هذه النصيحة الأمينة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن حوالة، وهي نصيحة أمينة تؤكد نفسها في أكثر من حديث نبوي شريف، وعلى لسان أكثر من صحابي كانوا قد طلبوا النصيحة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصحهم بسكنى الشام عامة أو بسكنى بيت المقدس خاصة، فقد قال هذه النصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم لشداد بن أوس وذي الأصابع ومعاوية القشري وحذيفة بن اليمان ومعاذ بن جبل وآخرين من الصحابة رضي الله عنهم، وهذا يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينصحهم بسكنى هذا المكان عن سبق إصرار واضح من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبما أن الناصح أمين، وبما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير ناصح على وجه الأرض وخير أمين على وجه الأرض، فقد اختار هذا المكان هذا المكان لسكنى الصحابة رضي الله عنهم من بعده، لأن هذا المكان وبحق سيبقى قلعة التوحيد وحصن الدين ومعقل الإيمان إلى قيام الساعة، وسيبقى رافعة التاريخ الإسلامي كلما عصفت بالمسلمين عاصفة أو ألمت بهم مصيبة كادت أن تأتي على جذورهم، فتذرها قاعاً صفصفا، وسيبقى صوت اليقين وبارقة الأمل وخيوط الفجر الصادق لأمة المسلمين على مدار الزمان إلى قيام الساعة، يشحذ فيهم العزيمة ويقوي الإرادة ويثبت الأقدام وينادي قيهم الثبات الثبات، نعم هكذا كان المسجد الأقصى المحكمة العادلة التي حكمت كل الطغاة المتطاولين على أرض الشام والقدس الشريف، حكمت على كل أولئك المردة الصغار بحكم عدل لم يبق لهم جيشاً ولا دولة ولا راية ولا بوقاً مغروراً، ضمن هذه المحكمة صدر قرار الحكم على الصليبين والتتار ومن سبقهم ومن لحقهم، وهكذا سيبقى قرار الحكم قائماً إلى قيام الساعة، ومن هذه المحكمة صدر قرار الحكم الذي تجسد في ” حطين ” و ” عين جالوت ” وغيرها من قبل ومن بعد من مواقع أكدت مرة بعد مرة أن المسجد الأقصى المبارك مشروع تحرير أبدي إلى قيام الساعة !! فكلما كان يقال في الماضي ضاع المسلمون كان المسجد الأقصى المبارك يقول كلمته الأخيرة التي تقول: لا وألف لا ولا تزال طائفة من المسلمين على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين !! وكلما كان يقال في الماضي غربت شمس الإسلام إلى الأبد كان المسجد الأقصى المبارك يقول كلمته الأخيرة التي تقول: لا وألف لا والخير في الإسلام والمسلمين إلى يوم الدين !! هكذا كان المسجد الأقصى المبارك وهكذا سيبقى، وهذا ما يرشحه بحق أن يتربع على عرش هذا الدور المبارك كمشروع تحرير أبدي خلال الصراع الأبدي بين الإسلام وأعدائه وبين المسلمين والظالمين إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها !! ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن حوالة رضي الله عنه: ” أتدري ما يقول الله تعالى في الشام ؟، إن الله تعالى يقول: “يا شام، أنت صفوتي من بلادي” !! وقد تبتلى الشام صفوة البلاد، وقد تبتلى القدس الشريف قلب صفوة البلاد، وقد يبتلى المسجد الأقصى المبارك شريان قلب صفوة البلاد، قد يبتلون بزحف من جراد الحشر أو جراد البشر، ولكن سيبقى هذا الابتلاء محنة تقود إلى منحة، وسيبقى صبراً يقود إلى نصر، وكرباً يقود إلى فرج، وعسراً يقود إلى يسر، وليلاً يقود إلى فجرٍ صادق على منهاج النبوة الأولى !! ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن رواحه رضي الله عنه: ” إن الله تكفل لي بالشام وأهله “، وهذه بشائر حق يقينية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، تترجم حقيقة الكرامة التي أكرم الله تعالى بها أرض الشام وأهل الشام، والقدس الشريف وأهل القدس الشريف، والمسجد الأقصى المبارك وأهل المسجد الأقصى المبارك، مع الإدراك الواعي منا أن هذه القدس التي أكرمها الله تعالى وهذا الأقصى الذي أكرمه الله تعالى سيبتليهم الله تعالى وسيبتلي أهلهم، ليكون صبرهم على الابتلاء هو ثمن الكرامة التي اجتباها الله تعالى بها، وقديماً قالوا: بالصبر واليقين تنال الإمامة بالدين !! وقديماً قالوا: اشتدي أزمة تنفرجي.
2. من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إنكم ستجدون أجناداً، جنداً بالشام ومصر والعراق واليمن، قالوا: فخِزْ لنا يا رسول الله ؟ قال: (عليكم بالشام). قالوا: أنا أصحاب ماشية، ولا نطيق الشام، قال: (فمن لم يطق الشام فليلحق بيمينه، فإن الله قد تكفل لي بالشام)، هذا الحديث النبوي الشريف يمثل جزءاً من هذا الحشد المبارك من الأحاديث النبوية الشريفة التي تؤكد للصحابة رضي الله عنهم ضرورة سكنى الشام، أو بمعنى آخر ضرورة سكنى القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك شريان هذا القلب المتدفق عزة وكرامة، ولماذا الشام ؟ لماذا القدس الشريف قلب الشام ؟ لماذا المسجد الأقصى المبارك شريان هذا القلب ؟ لأنها البقعة المباركة التي اجتمعت فيها خصائص أهلتها بحق أن تبقى مشروع تحرير أبدي إلى قيام الساعة !! فهي خيرة الله من أرضه، ويجتبي إليها خيرته من عباده، وفيها معسكر الإيمان عند الفتن، وفيها الطائفة الظاهرة على الحق، وعنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يا طوبى للشام “، وعليها ملائكة الله باسطة أجنحتها، وفيها وضع عمود الإسلام، وهي أرض المحشر والمنشر، وفيها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” اللهم بارك لنا في شامنا “، وقد تكفل الله تعالى بحفظ الشام وحفظ القدس الشريف قلب الشام وحفظ المسجد الأقصى المبارك شريان قلب الشام، وحفظ أهلها وأرضها ودينهم وديمومة البركة فيها !! لذلك فإن كل مؤمن صادق ويقظ لو تدبر كل هذه الميزات التي خص الله تعالى بها الشام والقدس الشريف والأقصى المبارك لأدرك فوراً أنها بحق ستبقى بما تحمل من هذه الميزات مشروع تحرير أبدياً إلى قيام الساعة، ولذلك نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي الدرداء: ” عليكم بالشام “، نعم ” عليكم بالشام “، نصيحة أمينة قيلت لأبي الدرداء رضي الله عنه، ولعشرات الصحابة رضي الله عنهم، وستبقى كما هي إلى قيام الساعة: ” عليكم بالشام “.
3. من حديث معاوية بن قرة، عن أبيه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم، حتى تقوم الساعة “.
يقول الأستاذ (إبراهيم العلي) في كتابه القيم (الأرض المقدسة بين الماضي والحاضر والمستقبل): ” فكلما كان أهل الشام أكثر قرباً من دينهم وأكثر تمسكاً بأحكامه، وحرصاً على الدفاع عن حرمته، كلما كانت أمة الإسلام بخير.. وإن فسد أهل الشام وابتعدوا عن دينهم فإن ذلك يشكل علامة سوء في بعد هذه الأمة عن دينها.. وهذا يوجه أنظارنا إلى الجهود الهائلة التي يبذلها أعداؤنا لإفساد أبناء الشام.. وهذه لفته أخرى لا بد أن نقف عندها في هذا الحديث، وهي ربط النبي صلى الله عليه وسلم بين أثر فساد أهل الشام على أمة الإسلام، وبين بقاء الطائفة المنصورة.. ولذلك يجب الحرص على نصرة هذه الطائفة الموجودة في أرض الشام، ولا يمنع هذا الحديث أن يكون هناك من أبناء المسلمين في بلاد المسلمين المختلفة من هم على قلب هذه الطائفة، ويحرصون على نصرتها وتأييدها، ولكن جمهرة هذه الطائفة المنصورة موجودون في أرض الشام “.
بعد ذلك هل هناك مؤمن عاقل يشكك في بدهية قولي أن المسجد الأقصى المبارك مشروع تحرير أبدي ؟ فمتى يستيقظ النائم فينا ؟ ومتى ينتبه العاقل ؟ ومتى نردد صادقين: (حي على الصلاة).. (حي على الفلاح).. (الصلاة خير من النوم)..
يتبع
- الأقصى المبارك سنام الأمة الأبدي (1)
قد تتعثر الأمة الإسلامية في سيرها، ولكن تعثرها ليس أبديا، وحتى لو طال هذا التعثر لسنوات طوال فستنهض من عثرتها بإذن الله تعالى، لأن سنة التعثر إن كانت جزءا من مسيرة الأمة الإسلامية فإن سنة النهوض جزء من مسيرتها كذلك، وعلى هذا الأساس نستطيع أن نقول أن الأمة الإسلامية قد تكب على وجهها خلال حركة التاريخ، ولكنها سرعان ما تنتصب وتمشي سوية على صراط مستقيم، لان سنة الكبو على الوجه إن كانت جزءا من مسيرة الأمة الإسلامية فإن سنة الانتصاب السوي جزء من مسيرتها كذلك، وفي ذلك يقول النعمان بن بشير رضي الله عنهما: كنا قعودا في المسجد وكان بشير بن سعد رجلا يكف حديثه، فجاء أبو ثعلبة الخشيني فقال: يا بشير بن سعد… أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء ؟ فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته، فجلس أبو ثعلبة فقال حذيفة… قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت ” أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
فإذا تأملنا هذا الحديث الشريف جيدا، وإذا تدبرنا حركة الأمة الإسلامية فيه، نجد أنها بين تعثر ونهوض وبين كبو على الوجه وانتصاب سوي سينتهي لا محالة إلى قيام خلافة على منهاج النبوة، ومن الواضح لكل دارس لحركة تاريخ الأمة الإسلامية إن كل هذه المراحل التي وردت في هذا الحديث الشريف قد تحققت في حياة الأمة الإسلامية، من مرحلة النبوة في حياة رسول الله، ومن الخلافة في زمن الخلفاء الراشدين، ومن الملك العاض في زمن الخلافة الأموية والعباسية والعثمانية حتى سقوط الخلافة في عام 1924، حيث ابتدأت مرحلة الحكم الجبري، وهي المرحلة التي تعيشها الأمة الإسلامية هذه الأيام ونحن ننتظر بيقين تحقيق المرحلة الأخيرة التي بشر بها الرسول صلى الله عليه وسلم في نهاية هذا الحديث الشريف قال: “… ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ” ويقول راوي هذا الحديث الشريف بعد ذلك:”.. ثم سكت ” أي ثم سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمعنى أن هذه الخلافة المنتظرة القريبة التي ستكون على منهاج النبوة، ستمتد إلى نهاية الكون وستعايش وتعاصر ما شاء الله لها من أشراط الساعة الكبرى، وستكون القدس الشريفة هي القلب النابض لهذه الخلافة وسيكون الأقصى المبارك هو الشريان الأساسي الذي يمدها بالحياة وحركة تجديد الإيمان ومراغمة الباطل، والذي يؤكد ما قلته هو ما يرويه ابن زغب الأيادي حيث يقول: نزل علي عبد الله بن حوالة الأزدي فقال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لنغنم على أقدامنا، فرجعنا فلم نغنم شيئا وعرف الجهد في وجوهنا، فقام فينا فقال ” اللهم لا تكلهم إلي فأضعف عنهم، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها، ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم “، ثم وضع يده على رأسي – أو قال على هامتي ثم قال: ” يا ابن حوالة، إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلزال والبلابل والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك “.
فالمتدبر لحركة الأمة الإسلامية في هذا الحديث الشريفة يجد بوضوح جلي أن الخلافة الإسلامية ستنزل القدس الشريف والأقصى المبارك، وإذا نزلت- وهو أمر يقيني – وكانت القدس الشريفة عاصمة هذه الخلافة الإسلامية وكان الأقصى المبارك تاج هذه العاصمة، فإن ذلك يعني دنو أشراط الساعة الكبرى، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف “… فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام.. ” وهو تعبير واضح عن تلاحق أشراط الساعة الكبرى، لدرجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعبد الله بن حوالة رضي الله عنه “… والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك ” فالقضية واضحة جدا، ومما يوضحها أكثر، ومما يوضح تفصيلاتها ما يرويه معاذ بن جبل رضي الله عنه حيث يقول: ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية،وفتح القسطنطينية خروج الدجال ” ثم ضرب بيده على فخذ الذي حدثه أو منكبه فقال:” إن هذا هو الحق كما إنك ههنا أو كما إنك قاعد “، فإذا جمعنا بين هذا الحديث الذي يرويه معاذ بن جبل رضي الله عنه وبين الحديث الشريف السابق الذي يرويه عبد الله بن حوالة الأزدي رضي الله عنه نجد أن هذا الحديث الأخير هو توضيح تفصيلي لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن حوالة: ” إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة، فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام.. “.
فقول الرسول صلى الله عليه وسلم لابن حوالة ” إذا رأيت الخلافة نزلت الأرض المقدسة..” هو المعنى الواضح لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه ” عمران بيت المقدس..” لأنه لا عمران إلا بالإيمان ولا عمران لبيت المقدس إلا بنزول الخلافة فيها، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه عن خراب يثرب وخروج الملحمة وفتح القسطنطينية وخروج الدجال هو المعنى التفصيلي لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن حوالة ” فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام..” وواضح لكل عاقل أن هذه الأحداث ذات بعد عالمي، بمعنى أنها تبدأ بعمران بيت المقدس يوم أن تنزل الخلافة فيها، ثم تمتد إلى المدينة المنورة في قارة آسيا، ثم تمتد إلى الملحمة الكبرى التي ستجتمع لها جيوش الشرق والغرب، ثم تمتد إلى القسطنطينية بوابة أوروبا، ثم تمتد إلى حكومة الدجال العالمية التي تصبو من خلالها إلى إقامة نظام عالمي جديد يتحكم فيه بعقول الناس وقلوبهم وأعناقهم وأرزاقهم وأخلاقهم، كل ذلك سيقع كما بشر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك سيبدأ من القدس الشريف والأقصى المبارك.
وهذا يعني أن القدس الشريفة التي ستنال شرف اختيارها عاصمة الخلافة الإسلامية ستكون هي والأقصى المبارك بداية هذه الأمور العظام، وقلب الصراع الشديد خلال هذه الأمور العظام، وحصن الدين وقلعة التوحيد ومعقل الرجال الظاهرين على الحق الذين سيكتب الله تعالى لهم النصر ولإمامهم الصالح خليفة المسلمين يومها، وهل سيكون الإمام المهدي عليه السلام هو المرشح الوحيد لقيادة هذه الخلافة الإسلامية؟ أم أن هناك بعض القيادات الصالحة التي ستسبقه ثم تمهد لخلافته ؟ يبقى هذا السؤال محل اجتهاد وتعدد للآراء، ولكن ما نوقن به أن هذه الأحداث ستكون وستبدأ يوم أن تصبح القدس الشريفة عاصمة الخلافة الإسلامية، ويوم أن يصبح الأقصى المبارك تاج عاصمة الخلافة، وما نوقن به كذلك أن المهدي عليه السلام سيكون له دور أساس وقيادة منصورة يوم تقع هذه الأحداث، عن أم سلمة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من قريش من أهل المدينة هارباً إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة، فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام، ويبعث إليه بعث من الشام، فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة، فإذا رأى الناس ذلك، أتاه أبدال الشام وعصائب أهل العراق، فيبايعونه بين الركن والمقام، ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب، فيبعث إليهم بعثا فيظهرون عليهم، وذلك بعث كلب، الخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب، فيقسم المال، ويعمل الناس بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويلقى الناس بجرانه إلى الأرض فيلبث سبع سنين، ثم يتوفى ويصلى عليه المسلمون ” وإذ أكرم الله تعالى الإمام المهدي عليه السلام بهذه البيعة ثم بتتابع الانتصارات فسيبادر إلى الإقامة بالقدس الشريفة عاصمة الخلافة حتى نزول عيسى عليه السلام، ويصلي المهدي وعيسى عليه السلام إماما في الأقصى المبارك، ثم يتعاونا معا على القضاء على فتنة الدجال وأشياعه قضاء مبرما، وهذا العرض التفصيلي يرويه أبو إمامة الباهلي رضي الله عنه حيث يقول: ” خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الدجال… وقال فيه “.. إن المدينة لتنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد، ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص ” قالت أم شريك: فأين العرب يا رسول الله يومئذ ؟
قال: ” هم يومئذ قليل، وجلهم ببيت المقدس، إمامهم مهدي، رجل صالح فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح، إذ نزل عيسى بن مريم عليه السلام، حين كبر الصبح، فرجع ذلك الإمام ينكص ليتقدم عيسى يصلي بالناس، فيضع عيسى بين كتفيه، فيقول:” تقدم فصلها، فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم ” وفق كل هذه المعطيات سنبقى نؤكد لامتنا الإسلامية وعالمنا العربي أن الأقصى المبارك سيبقى سنام الأمة الأبدي.
- الأقصى المبارك سنام الأمة الأبدي (2)
ما زلت أؤكد أن التعثر في حياة الأمة الإسلامية هو أمر وارد ولكنه استثنائي، والأصل أن تنهض الأمة الإسلامية من تعثرها وأن تستقيم في طريقها، مرفوعة الهامة ومنتصبة القامة، لا تحني رأساً ولا تركع إلا لله رب العالمين، ولذلك فإننا على موعد مع تحقق بشائر رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تؤكد ذلك، ونحن على يقين أنها ستقع وستكون القدس الشريفة عاصمة الخير القادم وسيكون الأقصى المبارك سنام هذا الخير، نعم سيكون ذلك لا محالة بعز عزيز وبذل ذليل، وهذا ما يجعلني أؤكد دوماً – وبحق – أن الأقصى المبارك هو سنام الأمة الأبدي إلى قيام الساعة، وتأكيداً لما كتبته في الحلقة السابقة، فقد روى ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وأن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها – أو قال ما بين أقطارها – حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً”، هذا الحديث الشريف كما نلاحظ يبشر بقيام خلافة إسلامية عالمية، بدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذا الحديث (إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها) وهذا يعني كما هو واضح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى كل الأرض، وكان ذلك كرامة من الله تعالى يوم إن زوى له الأرض فأصبحت رؤيتها واضحة غير محجوبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ما معناه أن الأمة الإسلامية سيبلغ ملكها كل الأرض لأن الله تعالى زوى كل الأرض لرسوله صلى الله عليه وسلم، وفي هذه البشرى لكل عاقل إننا على أبواب خلافة إسلامية عالمية، وفي هذا الحديث بشرى أخرى وهي أن الأمة الإسلامية ستتصدى لكل المتآمرين عليها مهما كان عددهم وعدتهم وقوة كيدهم حتى تحقق الأمة الإسلامية – لا محالة – قيام الخلافة الإسلامية العالمية، بدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذا الحديث الشريف: “.. وإن ربي قال، يا محمد ! إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدواً سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها … ” فلو اجتمع كل القوى الظالمة العالمية ورمت الأمة الإسلامية عن قوس واحدة بغية استئصالها، فإن هذه القوى الظالمة العالمية ستفشل وستخيب وستزول وستبقى الأمة الإسلامية تؤدي دويها الذي سيتوج بقيام خلافة إسلامية عالمية عاصمتها القدس الشريفة وسنامها الأقصى المبارك، وما يعزز هذا المعنى هو حديث تميم الداري رضي الله عنه قال: ” سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر، إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر “، وكان تميم الداري يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافراً الذل والصغار والجزية “.
ففي هذا الحديث الشريف يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مبشراً: ” ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ” وفي هذا كناية واضحة تحمل بشرى قيام خلافة إسلامية عالمية، لأن بيت المدر هم أهل المدن والقرى والوبر هم أهل البوادي، بمعنى أن الإسلام سيدخل بيت أهل المدن والقرى والبوادي، وهذا يعني أنه سيدخل كل بيوت الأرض على اختلاف بنائها ومكان بنائها، وفي هذا تأكيد صريح لكل عاقل أن الخلافة الإسلامية العالمية ستقوم ” لا محالة بإذن الله تعالى وستكون القدس الشريفة عاصمتها العالمية وسيكون الأقصى المبارك هو سنامها، ولذلك فإن من الواضح أن مدلول قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها.. ” يساوي مدلول قوله صلى الله عليه وسلم: ” ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله يبت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين… ” وهذا المدلول المشترك الذي يؤكد نفسه بين هذين الحديثين هو تأكيد لمدلول قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف الذي يرويه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، والذي تحدث فيه الرسول صلى الله عليه وسلم مبيناً أن الأمة الإسلامية ستعيش مرحلة النبوة ثم مرحلة الخلافة ثم مرحلة الملك العاض ثم مرحلة الحكم الجبري ثم قال صلى الله عليه وسلم: “.. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة … “.
فالمدلول المشترك لهذين الحديثين الشريفين الذين ذكرتهما في هذه الحلقة يساوي مدلول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” ثم تكون خلافة على منهاج النبوة … “، والذي يوضح بشكل أدق مدلول هذه الأحاديث الثلاثة المشترك هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم لابن حوالة ” إذا رأيت الخلافة نزلت الأرض المقدسة.. ” وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه ” عمران بين المقدس … “.
وإذا أردنا أن نرتب الأحداث متأدبين مع الدليل الشرعي فإننا نقول وبالله التوفيق: كانت مرحلة النبوة ورفعها الله تعالى ثم كانت مرحلة الخلافة ورفع الله تعالى، ثم كانت مرحلة الملك العاض ورفعها الله تعالى، وها نحن اليوم في مرحلة الملك الجبري وسيرفعها الله تعالى قريباً ولو كره الكافرون والمنافقون، وستكون مرحلة ” ثم تكون خلافة على منهاج النبوة … ” قريباً بإذن الله تعالى، وستكون جغرافية هذه الخلافة التي ستكون على منهاج النبوة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها.. ” أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين … ” أي أنها ستكون خلافة على منهاج النبوة عالمية، وستكون عاصمة هذه الخلافة العالمية كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن حوالة ” إذا رأيت الخلافة نزلت الأرض المقدسة.. ” أي أن القدس الشريف ستكون العاصمة العالمية لهذه الخلافة العالمية وهذا هو العمران الحقيقي الذي سينزل القدس الشريف والذي بشر به الرسول صلى الله عليه وسلم يوم إن قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: ” عمران بيت المقدس … ” وسيكون الأقصى المبارك سنام هذا العمران، وسنام العاصمة العالمية للخلافة الإسلامية العالمية، نقف عند هذا الحد متأدبين وغير متجاوزين لقدراتنا، فقد يسأل سائل بدافع حب الاستطلاع أو بدافع الشوق والرغبة متى سيكون ذلك ؟ فنقول: الله أعلم، وقد يسأل آخر كم هي المدة الزمنية بين بداية قيام هذه ” الخلافة على منهاج النبوة ” وبين وصولها إلى مرحلة ” الخلافة العالمية ” ؟ فتقول: الله أعلم، وقد يسأل ثالث أين ومتى وفي أي مكان ستبدأ انطلاقة هذه ” الخلافة على منهاج النبوة ” حتى تنزل القدس الشريف ؟ فنقول: الله أعلم، إلا إننا نقول مؤكدين إن ذلك واقع لا محالة وقادم لا محالة ومتحقق لا محالة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضرب بيده على فخذ أو منكب معاذ بن جبل رضي الله عنه: ” إن هذا هو الحق كما إنك هنا أو كما أنك قاعد ” فيأكل أعداء الأقصى المبارك في كل الأرض … أنتم تحرثون في البحر ليس إلا … خبتم وخابت كل مؤامراتكم …
- الأقصى المبارك سنام الأمة الأبدي (3)
لا زلت أؤكد بيقين إننا إذا أردنا أن نرتب الأحداث التي ستعيشها الأمة الإسلامية متأدبين مع الدليل الشرعي فإننا نقول وبالله التوفيق: كانت مرحلة النبوة ثم كانت مرحلة الخلافة ثم كانت مرحلة الملك العاض وها نحن اليوم في مرحلة الملك الجبري، التي سيتبعها بإذن الله قريباً مرحلة ” خلافة على منهاج النبوة “، ومازلت أؤكد أن هذه الخلافة ستكون عالمية وستكون عاصمتها العالمية القدس الشريفة وسيكون الأقصى المبارك سنام هذه العاصمة العالمية وسنام هذه الخلافة العالمية، وما زلت أؤكد أن هذه المرحلة الخامسة وهي مرحلة ” خلافة على منهاج النبوة ” ستكون هي المرحلة الأخيرة في تاريخ الأمة الإسلامية حتى قيام الساعة، بمعنى أن هذه الخلافة ستعايش أشراط الساعة الكبرى، وبما أن القدس الشريفة ستكون العاصمة لهذه الخلافة فإننا نجد أن أحداث أشراط الساعة الكبرى ستجتمع في القدس الشريفة والأقصى المبارك وأكنافها التي بارك الله تعالى حولها، لذلك سيبقى الأقصى المبارك سنام الأمة في دنياها وسيبقى سنام الأمة خلال ظهور أشراط الساعة الكبرى، ولذلك علينا أن نتمسك بالأقصى المبارك لأنه محشر ومنشر لنا، ولأنه سنام الدنيا والدين وسنام نجاتنا عند ظهور أشراط الساعة الكبرى، لأنه من المعروف أن ظهور الإمام المهدي عليه السلام هم المقدمة الأخيرة لظهور أشراط الساعة الكبرى، ومن المعروف أن إبدال الشام هم من أول من يبايع الإمام المهدي عليه السلام، والقدس الشريفة هي قلب الشام، والأقصى المبارك هو شريان القلب هذا القلب الأساس النابض بالحياة، لذلك أطمع لأهل القدس ورواد الأقصى المبارك أن يكون منهم عدد طيب يحظى بقصب السبق في مبايعة الإمام المهدي عليه السلام، ففي الحديث الشريف عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
” يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من قريش من أهل المدينة هارباً إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة، فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام، ويبعث إليه بعث من الشام، فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة، فإذا رأى الناس ذلك، أتاه إبدال أهل الشام وعصائب أهل العراق، فيبايعونه بين الركن والمقام ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب، فيبعث إليهم بعثاً فيظهرون عليهم، وذلك بعث كلب، والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب، فيقسم المال، ويعمل في الناس بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويلقي الإسلام بجرانة إلى الأرض، فيلبث سبع سنين، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون “.
فكما نلاحظ يأتيه إبدال الشام مبايعين، كما ويأتيه عصائب العراق مبايعين، ثم يظهر الله تعالى أمره للعالمين، فيسير في الأرض منصوراً لا يهزمه طاغوت، ولا يجهض مسيرته خائن حتى يدخل القدس الشريفة، فيتخذها عاصمة إسلامية عالمية للخلافة الإسلامية العالمية التي يبنيها على منهاج النبوة ويصلي في المسلمين إماماً في المسجد الأقصى المبارك، ويملأ الأرض قسطاً ودلاً كما ملئت ظلماً وجورا، ومن القدس الشريف يبعث البعوث الإسلامية لتتصدى لكل كذاب أشر، وهنا أؤكد أن الخلافة إذا نزلت القدس الشريفة فهذا هو حقيقة عمرانها، وهذا العمران سيدفع بالمسلمين إلى صدام عالمي مع بني الأصفر في معركة فاصلة سماها الرسول صلى الله عليه وسلم ” الملحمة الكبرى “، ولا أدري هل هي التي يسميها بنو الأصفر ” هار مجدون ” أم غيرها (الله أعلم)، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة وخروج الملحمة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال “، فكما نلاحظ فإن عمران القدس الشريف بنزول الخلافة فيها، وستبعث القدس الشريف بعوثها لمواجهة بني الأصفر في هذه ” الملحمة ” وسيكون النصر للمسلمين بإذن الله تعالى، ثم ستبعث القدس الشريفة بعوثها لفتح القسطنطينية ثم لفتح روما، وستبعث القدس الشريفة بعوثها للتصدي لعدو الله الدجال لعنة الله عليه وعلى اتباعه الحاضرين والقادمين، وبتفصيل أكثر عن بعوث القدس الشريفة التي ستخوض الملحمة الكبرى يقول يسر بن جابر: هاجت ريح حمراء بالكوفة، فجاء رجل ليس له هجيري إلا: يا عبد الله بن مسعود: جاءت الساعة ؟ قال: فقعد وكان متكئاً فقال: إن الساعة لا تقوم، حتى لا يقسم ميراث، ولا يفرح بغنيمة، ثم قال بيده هكذا ” ونحاها نحو الشام “، فقال: عدو يجمعون لأهل الإسلام، ويجمع لهم أهل الإسلام، قلت: الروم تعني ؟ قال: نعم، وتكون عند ذاكم القتال ردة شديدة، فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل، فيفيء هؤلاء وهؤلاء، كل غير غالب، وتفنى الشرطة، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت، لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون، حتى يحجز الليل، فيفيء هؤلاء وهؤلاء، كل غير غالب، وتفنى الشرطة، ثم يشترط المسلمون شرطة الموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون، حتى يمسوا، فيفيء هؤلاء وهؤلاء، كل غير غالب، وتفنى الشرطة، فإذا كان اليوم الرابع، نهد إليهم بقية أهل الإسلام، فيجعل الله الدبرة عليهم، فيقتتلون مقتلة – إما قال لم ير مثلها – حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم، فما يخلفهم حتى يخر ميتاً، فيعتاد بنو الأب، كانوا مائة، فلا يجدونه يفيء منهم إلا الرجل الواحد، فبأي غنيمة يفرح ؟ أو أي ميراث يقاسم ؟ فبينما هم كذلك، إذ سمعوا ببأس، هو أكبر من ذلك، فجاءهم الصريخ، إن الدجال قد خلفهم في ذراريهم، فيرفضون ما في أيديهم، ويقبلون، فيبعثون عشرة فوارس طليعة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إني لأعرف أسماءهم، وأسماء آبائهم، وألوان خيولهم، هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ، أو من خير فوارس ظهر الأرض يومئذ “.
وفق معاني هذا الحديث الشريف التي تقشعر لها جلود المؤمنين، نلاحظ أن الخلافة الإسلامية إذا نزلت القدس الشريفة فإن الأمور العظام تتدافع وتظهر بلا توقف، إذ إذن انتصار المسلمين في الملحمة الكبرى لا يعني يومئذٍ اندثار الفتن، بل إن هذا النصر العظيم سيقودهم إلى فتنة أعظم وهي محاصرة الدجال للقدس الشريف، بعد أن يعيث في الأرض فساداً، وبعد أن يتحرك مغروراً شرقاً وغرباً كالغيث إذا استدبرته الريح، يومها تخنع الشعوب للدجال، وتفتح الحكام أبواب دولها له، فيكتسح الأرض وتسجد له جموع الناس على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وقاراتهم ومللهم ونحلهم، ولا يثبت في وجهه إلا قلة قليلة من المسلمين فقط، وأنفار منهم في مكة المكرمة، وأنفار منهم في المدينة المنورة، وأنفار منهم في جبل الطور، وجلهم في القدس الشريفة قاعدة مواجهة الدجال لتمريغ وجهه بالتراب لا محالة، فمن حديث أبي إمامة الباهلي رضي الله عنه قال: ” خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الدجال، وقال فيه: ” إن المدينة لتنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد، ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص “، قالت أم شريك: ” فأين العرب يا رسول الله يومئذٍ ؟ قال: ” هم يومئذٍ قليل، وجلهم ببيت المقدس، وأمامهم مهدي، رجل صالح، فبينما أمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح، إذ نزل عيسى بن مريم عليه السلام حين كبر للصبح، فرجع ذلك الإمام ينكص ليتقدم عيسى يصلي بالناس، فيضع عيسى يده بين كتفيه، فيقول: تقدم فصلها، فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم “.
من الواضح أن الدجال سينجح بمحاصرة وحصر المسلمين في القدس الشريفة، وسيفرض عليهم حصاراً اقتصادياً فيجوعون ويعطشون، ويبكي أطفالهم ويقهقه الدجال أتباعه على هذا المشهد، ولكن سيختار المسلمون وأمامهم الثبات بكل ثمن، فمن حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه – في ذكر الدجال – إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “.. وإنه سيظهر على أرض كلها غير الحرم وبيت المقدس، وأنه يسوق المسلمين إلى بيت المقدس فيحصرون حصراً شديداً، ويزلزلون زلزالاً شديداً.. “، ويبقى المسلمون وأمامهم ذلك الحصار الشديد مرابطين في القدس الشريف وفي الأقصى المبارك حتى ينزل عليهم عيسى بن مريم الصبح، فإذا صلوا الصبح وإمام صلاتهم يومها المهدي عليه السلام، يقول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام: “.. افتحوا الباب، فيفتح وراءه الدجال.. ” وفي رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه: ” فإذا رأسه من الكعبة – أي موسى عليه السلام، قال: سمع الله لمن حمده، قتل الله الدجال، وأظهر المؤمنين “، ثم يخرج عيسى بن مريم عليه السلام من القدس الشريفة لمناجزة الدجال وأتباعه، ويخرج الإمام المهدي عليه السلام والمسلمون من الحصار خلف عيسى بن مريم عليه السلام، لمناجزة الدجال وأتباعه، فيقتل الدجال ويقتل اتباعه إلى غير رجعة غير مأسوف على شباب الدجال ولا على شباب اتباعه، فمن حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: “.. فإذا نظر إليه الدجال – أي إذا نظر الدجال إلى عيسى عليه السلام – ذاب – أي الدجال – كما يذوب الملح في الماء، وينطلق هارباً، فيدركه عند باب اللد الشرقي فيقتله.. “، نعم يقتله وتبقى القدس الشريفة ويبقى الأقصى المبارك قلعة شامخة شماء حتى قيام الساعة تتحطم على أسوارها كل الفتن مهما عظمت حتى قيام الساعة، وتبقى القدس هي القدس، ويبقى الأقصى المبارك هو سنام الأمة الأبدي حتى يوم الدين.
- اللهم إني بلغت اللهم فأشهد (1)
على أرض الأقصى المبارك تراكمت أطماع الغزاة العتاة في الماضي، ثم اندثرت ولم يبق منها إلا الذكريات، وعلى أرض الأقصى المبارك تتراكم اليوم أقوال الكثير التي تعبر عن شهوتهم الخفية أو الصريحة تجاه الأقصى المبارك، ونحن اليوم في أيام عصبية قد تضيق على الأقصى المبارك بما تحمل من حمى الحاقدين، وقد تشتد حرباً وكرباً على الأقصى المبارك بما تحمل من مفاجآت موهومة، ولكن لا يساورني شك أن مصيرها إلى زوال بإذن الله تعالى، ونحن نعيش بترقب ما الذي ستتمخض عنه مفاوضات ” كامب ديفيد ” يجب أن لا ننسى الأمور التالية:
يجب أن لا ننسى مقولة (بن غوريون) المشهورة التي رددها بعده مناحييم بيجن: ” لا قيمة لإسرائيل بدون القدس ولا قيمة للقدس بدون الهيكل “، وحديثهم عن الهيكل على حساب الأقصى.
يجب أن لا ننسى أن مقولة (ماكوفر): ” لا أشك لحظة في أن الجامع ذا القبة الذهبية والمقام على الصخرة نفسها التي أقام عليها الملك سليمان مركز العبادة العبرانية في التاريخ القديم.. هذا الجامع سيدمر ليقام مكانه هيكل القدس الجديد الذي سيعاد بناؤه بكل فخامته”.
يجب أن لا ننسى مقولة (ماكوفر) لم يطلقها من فراغ ولا في فراغ، فها هي مجموعة من الحاخامات في هذه الأيام تصدر فتوى دينية يهودية مفادها أنه قد يجوز التنازل عن بعض الأرض، لا بل قد يجوز التنازل عن مسجد الحرم الإبراهيمي في الخليل وعن القبور الواقعة فيه، ولكن لا يجوز التنازل في أية حال من الأحوال عن السيادة الإسرائيلية في حرم الأقصى المبارك، أو كما يسميه هؤلاء الحاخامات (جبل الهيكل).
يجب أن لا ننسى مقولة (ماكوفر) ليست مجرد شعار أطلقه للحظة ثم اندثر، فها هو مؤلف كتاب (الأصولية اليهودية) الفرنسي اليهودي (عيمانوئيل هيمان) يقول: “ توجد في القدس أكاديمية تلمودية تؤهل طلبتها لمهمة خاصة، في إعداد الكهنة الذين سيقومون بالخدمة في الهيكل الكبير عند إعادة بنائه، وللاستعداد لهذه الأيام المجيدة، يعكف على دراسة نصوص التوراة لاستخراج أدق التفاصيل لكيفية أداء الطقوس الإلهية كما كانت تمارس في مملكة إسرائيل منذ ثلاثة آلاف عام، وبكل الصبر والعناء، يعيدون صياغة أدوات العبادة ويجمعون الأواني النحاسية لتلقي دماء الذبائح وكؤوس حفظ السوائل المقدسة وأبواق النداء للطقوس، وعلى بعد خطوات من ” حائط المبكى “، أقيم متحف صغير لعرض أدوات العبادة هذه على الجماهير المتلهفة، ويأمل الحاخام (مناحييم ماكفور) الأمين على هذه المجموعة أن يقوموا ببناء الهيكل، فهي أحد الوصايا الإلهية ولا يجب أن ننتظر معجزة إلهية “.
يجب أن لا ننسى ما روى (هرتسل) قبل وفاته بنصف عام لأحد أصدقائه من الكتاب الصحفيين، حيث قال: ” ظهر لي المسيح الملك، على صورة رجل مسن في عظمته وجلاله فطوقني بذراعيه، وحملني بعيداً على أجنحة الريح، والتقينا على إحدى الغيوم القزحية بصورة موسى، فألتفت المسيح إلى موسى مخاطباً إياه وقال: ” من أجل هذا الصبي كنت أصلي ” ثم قال له: ” أذهب وأعلن لليهود بأنني سوف آتي عما قريب، لاجترح المعجزات الكبيرة، وأسدي الأعمال العظيمة لشعبي في العالم بأسره “.
يجب أن لا ننسى أن هذه العقيدة الدينية الخفية التي كانت توجه هرتسل هي بعينها التي كانت توجه (بن غوريون) أول رئيس وزراء في الحكومات الإسرائيلية حيث يقول: الإيمان بظهور المسيح لإعادة المملكة أصبح مصدراً أساسياً في الدين اليهودي، يردده الفرد في صلواته اليومية، إذ يقول بخشوع، أؤمن إيماناً مطلقاً بقدوم المسيح وسأبقى – حتى لو تأخر – أنتظره كل يوم “.
يجب أن لا ننسى أن هذه العقيدة الدينية الخفية، والتي تتخلص بانتظار ظهور مسيحهم، وهذا يعني بناء هيكل على حساب الأقصى، هذه العقيدة الدينية الخفية هي القوة السياسية الخفية التي وجهت ” هرتسل ” ووجهت ” بن غوريون “، وهي القوة الخفية التي وجهت ” مايير روتشيلد ” الذي يقول: ” وعندما يحين وقت سيدنا وسيد العالم أجمع (المسيح المنتظر) لاستلام السلطة، فإن الأيادي ذاتها التي سنصنعها ستتكفل بإزاحة من يقف في طريقه “.
يجب أن لا ننسى أن هذه العقيدة الدينية الخفية أو هذه القوة السياسية الخفية هي التي وجهت الأقلام التي كتبت (بروتوكولات حكماء صهيون) ففي البروتوكول الثالث والعشرين يقولون: ” إن ملكنا سيكون مختاراً من عند الله، ومعيناً من أعلى كي يدمر كل الأفكار التي تغري بها الغزيرة لا العقل، إن هذه الأفكار قد دمرت كل النظم الاجتماعية مؤدية بذلك إلى حكم ملك إسرائيل، ولكن عملها سيكون قد انتهى حين يبدأ حكم ملكنا، وحينئذ سنكون قادرين على أن نصرخ في الأمم صلوا لله وأركعوا أمام ذلك الملك الذي يحمل آية التقدير الأزلي للعالم، والذي يقود الله ذاته نجمه، فلن يكون أحد آخر إلا هو نفسه قادراً على أن يجعل الإنسانية حرة من كل خطيئة”.
يجب أن لا ننسى أن هذه القوة الدينية السياسية الخفية التي يطمعون في أن تتوج بظهور مسيحهم وبناء هيكل على حساب الأقصى هي التي دفعت ” إسحاق رابين ” أن يكتب في مذكراته وهو يصف لحظة دخول القدس عام 1967 ” كان صبرنا قصيراً.. كان يجب أن لا نضيع الفرصة التاريخية، كنا كلما اقتربنا من حائط المبكى ازداد الانفعال.. حائط المبكى الذي يميز إسرائيل، لقد كنت أحلم دوماً بأن أكون شريكاً.. ليس فقط في تحقيق قيام إسرائيل، وإنما في العودة إلى القدس، وإعادة أرض حائط المبكى إلى السيطرة اليهودية .. والآن عندما تحقق هذا الحلم تعجبت: كيف أصبح هذا ملك يدي وشعرت بأنني لن أصل إلى مثل هذا السمو طيلة حياتي “.
يجب أن لا ننسى أن هذه القوة الدينية السياسية الخفية هي التي دفعت رئيس الحكومة السابق ” نتنياهو ” إلى أن يهدي مجسماً يمثل الهيكل الثالث لأسقف الروم الأرثوذكس ” ماكسيموس سالوم ” عام 1997م، حيث اختفى مبنى الأقصى المبارك نهائياً من ذاك المجسم الوهمي، لذلك ذكرت صحيفة الحياة في (7/3/1997) أن الرئيس حسني مبارك واجه بنيامين نتنياهو عندما زار القاهرة في (5/3/1997) برسوم وتعميمات هندسية تجهزها إسرائيل سراً عن الهيكل الثالث، وقالت الصحيفة نقلاً عن مصادر مصرية مطلعة ” أن نتنياهو لم ينف أمام الرئيس مبارك مخططات إحياء هيكل سليمان في موقع مسجدي الأقصى والصخرة في القدس الشريف عندما واجهه بالتصميمات الهندسية للهيكل “.
يجب أن لا ننسى أن هذه القوة الدينية الخفية التي وجهت جميع ما ذكرت هي بعينها القوة الخفية التي توجه رئيس الحكومة الحالي ” إيهود براك ” خلال المفاوضات الحالية التي تجري في كامب ديفيد، وليت شعري ما هي القوة التي توجه المفاوض الفلسطيني خصوصاً إذا ما وقفنا عند تصريح الصحفي المصري عادل حمودة الذي يقول: “إن ياسر عرفات التقى في إحدى زياراته للقاهرة بعدد من الصحفيين، وشرح لهم تفاصيل المخطط الإسرائيلي لهدم الأقصى وقال للصحفيين: ” إن يهود العالم تبرعوا في السنوات الأخيرة بما يقرب من مليار دولار من أجل مشروع واحد، وهو بناء الهيكل الثالث.
يتبع
- اللهم إني بلغت اللهم فأشهد (2)
أعود وأؤكد أننا في أيام حبالى ستلد المفاجآت، ونحن اليوم في لحظات مخاض وآلام، وسيطال هذا الألم الجميع منا، وكي لا يطال هذا الألم القدس الشريف قلب الشام، وكي لا يطال هذا الألم الأقصى المبارك شريان هذا القلب الأساس يجب أن لا ننسى الأمور التالية بالإضافة إلى ما ذكرته في الحلقة السابقة:
1. يجب أن لا ننسى أن العقيدة الدينية الخفية التي تتمثل لدى قيادات الأمس واليوم في مسيرة المشروع الصهيوني بضرورة بناء هيكل على حساب الأقصى المبارك طمعاً بظهور مسيحهم المنتظر في وقت لاحق، أن هذه العقيدة الدينية الخفية هي التي أوجدت الدوافع الخفية للمواقف السياسية التي تبناها (هرتسل) و (بن غوريون) و (روتشيلد) و (رابين) و (نتنياهو) كما لاحظنا ذلك من خلال تصريحاتهم ومذكراتهم التي أوردت شواهد منها في الحلقة السابقة، وهي نفس العقيدة الدينية الخفية والدوافع الخفية التي تغذي (باراك) في مفاوضات (كامب ديفيد) الحالية، وستبقى هي نفس العقيدة الخفية والدوافع الخفية التي ستغذي كل مواقف قيادات المشروع الصهيوني القادمة.
2. يجب أن لا ننسى أن هذه العقيدة الخفية والدوافع الخفية ليست محصورة في تفكير قيادات المشروع الصهيوني فقط، بل هي عقيدة، ودوافع خفية باتت شعبية وباتت هي الموجه للقيادات ذات الصف الثاني والثالث وما بعده في دائرة المشروع الصهيوني، ثم باتت هي المحرك لكثير من المبادرات العلمية التي قد تكون مكشوفة الهدف أو التي قد تكون خفية متسترة بشعار ” الاستيطان ” أو ” استيعاب القادمين الجدد ” أو غير ذلك من هذه التقليعات الإعلامية التبريرية الكثيرة.
3. يجب أن لا ننسى أن هذه العقيدة والدوافع الخفية هي التي دفعت بنائب وزير المعارف ” موشي بيلد ” في حكومة ” نتنياهو ” السابقة أن يقول خلال المؤتمر السنوي السابع لرابطة إعادة بناء الهيكل ” والذي عقد بتاريخ 17/9/1998: ” أدعوكم إلى مواصلة نشر قيم الهيكل وقيم التراث والثقافة اليهودية بين شباب (إسرائيل) في كافة مراحل التعليم … إن الهيكل هو قلب الشعب اليهودي وروحه “.
4. يجب أن لا ننسى أن هذه العقيدة والدوافع الخفية هي التي دفعت بزعيم منظمة (قائم وحي) – وريثة منظمة (كاخ) – إلى أن يقول في نفس المؤتمر السنوي السابع لرابطة (إعادة بناء الهيكل): ” هلموا إلى جبل الهيكل … قاتلوا من أجله وليس في القاعات ولا بالأقوال سيحرر الهيكل … نحن الآن مدعوون للتضحية بأنفسنا وأرواحنا … مهمة هذا الجيل هي تحرير جبل الهيكل وإزالة الرجس والنجاسة عنه … سنرفع راية إسرائيل فوق أرض الحرم …، لا صخرة ولا قبة ولا مساجد، بل راية إسرائيل فهذا واجب مفروض على جيلنا “.
5. يجب أن لا ننسى أن هذه العقيدة والدوافع الخفية هي التي دفعت بوزير الأديان ” شطريت ” في حكومة (رابين) إلى أن يعقد لقاء خاصاً عام 1997 مع البابا يوحنا بولس الثاني، حيث طلب من البابا خلال اللقاء المساعدة في العثور على الشمعدان المقدس القديم الذي يزن (60كغم) من الذهب، ويدعي اليهود أن ذلك الشمعدان أحضر إلى روما في عهد الإمبراطور (طيطس) بعد هدم الهيكل – كما يدعون – عام 70م، لذلك فهم يدعون أن هذا الشمعدان المقدس موجود في مخازن الفاتيكان.
6. يجب أن لا ننسى أن هذه العقيدة والدوافع الخفية هي التي دفعت حتى برجل الآثار الإسرائيلي (جوزيف سيرج) إلى أن يقول: ” سنقوم بإعادة بناء الهيكل الثالث على أرض المسجد الأقصى الذي تستطيع إسرائيل تصعيده باستخدام الوسائل الحديثة “.
7. يجب أن لا ننسى أن هذه العقيدة والدوافع الخفية هي التي دفعت الحاخامات اليهود إلى أن يعملوا على عقد حلف مقدس ومؤقت مع رجال الدين المسيحيين (بالذات البروتستانت) الأمريكيين بهدف التعجيل ببناء هيكل على حساب الأقصى المبارك، فها هو أحد الحاخامات اليهود يقول لقسيس نصراني: ” أنكم تنتظرون مجيء المسيح للمرة الثانية، ونحن ننتظر مجيئه للمرة الأولى، فلنبدأ أولاً ببناء الهيكل، وبعد مجيء المسيح ورؤيته، تسعى لحل القضايا المتبقية سويا “.
8. يجب أن لا ننسى أن هذه العقيدة والدوافع الخفية هي التي تدفع بالماسونيين العرب والماسونيين الغربيين الحثيث من أجل بناء هيكل على حساب الأقصى المبارك، فقد جاء في النشرة الماسونية الصادرة في نيويورك عام 1901م: ” إن الماسونية الأوروبية ستشيد بناء حيث يعبد إله إسرائيل إلى الأبد “، ويقول إدريس راغب – وهو من أبرز الماسونيين العرب -: ” إن الاعتقاد بوجوب إقامة الهيكل يقوي إيماننا بالوعود المذكورة في الكتاب”.
9. يجب أن لا ننسى أن هذا العقيدة والدوافع الخفية هي التي تدفع بقيادات دينية مسيحية غربية إلى أن تدعو جهاراً إلى ضرورة بناء هيكل على حساب الأقصى المبارك، لا بل وتدفع بقيادات دينية مسيحية عربية إلى أن تتحدث عن هذا الموضوع إما رمزاً أو صراحة، فقد صرح القس الأمريكي (بات روبتسون) قائلاً: ” إن إعادة ميلاد إسرائيل هي الإشارة الوحيدة إلى أن العد التنازلي لنهاية العالم قد بدأ كما أنه مع مولدها فإن بقية التنبؤات ستحقق بسرعة”، ويقول القس الإنجيلي (جيري فالويل): ” ما أعظم أن نكون مسيحيين، إن أمامنا مستقبلاً رائعاً، نشكر الله أن هذه المعركة سوف تكون نهاية أيام العامة (الجنتيل)، لأنها بعد ذلك سوف تعد المسرح لقدوم الرب المسيح بقوة وعظمة ” وفي المقابل يقول القس العربي رشاد فكري في تفسير سفر حزقيال شارحاً النبوءة الواردة فيه عن (الهيكل الجديد): “التفسير الصحيح هو أن هذه النبوءة لم تتم بعد، فهيكل سليمان بكل عظمته لا يعتبر شيئاً بالنسبة لهذا البناء الجديد”.
10. يجب أن لا ننسى أن هذه العقيدة والدوافع الخفية هي التي دفعت بالكونغرس الأمريكي إلى اتخاذ كل موقف من شأنه أن يقود في نهاية الأمر إلى بناء هيكل على حساب الأقصى، لذلك سأنقل هذه الصفحة المهمة نقلاً حرفياً من كتاب (حُمى سنة 2000) لمؤلفه عبد العزيز بن مصطفى كامل، حيث يقود أخونا المؤلف المحترم في ص 148 من هذا الكتاب: “لقد تبنى الكونغرس الأمريكي الذي يسيطر عليه اليمينيون بشكل كامل النهج الإسرائيلي يما يتعلق بالقدس، فقد وافق في قراره رقم 570 في 24/10/1995 على مشروع القانون الذي تقدمت به وزارة الخارجية لتخصيص مبلغ مائة مليون دولار لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وكانت الموافقة، بأغلبية 406 أصوات مقابل 17 صوتاً، واشترط الأعضاء أن يتم نقل السفارة في موعد أقصاه يوم 31/5/1999 مع إعطاء الرئيس حق تأجيل لمدة لا تزيد على ستة أشهر (أي حتى بداية عام 2000) بشرط أن يكون ذلك أمراً تتطلبه دواعي الأمن القومي الأمريكي ! ولم ينتظر المحمومون بألفية القدس حتى يحل موعد نقل السفارة، بل ظلت أصواتهم تعلو بهذا المطلب حتى لا يبرد أثر القرار، فقد نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) في منتصف أبريل من عام 1997 إعلاناً عجيباً موقعاً بأسماء عدد من كبار القساوسة الأمريكيين من أعضاء ما يسمى بِـ (الاتحاد المسيحي نحو القدس الموحدة) جاء فيه: ” إن الاتحاد يدعم سيطرة إسرائيل الكاملة على القدس، ويعتبرها العاصمة الروحية والسياسية لليهود وحدهم خلال ثلاثة آلاف عام خلت بحكم الإنجيل والتوراة، وطالب الإعلان بالمشاركة في (معركة القدس) التي قد بدأت !! (مع من ؟) والتي يجب الوقوف مع اليهود فيها، وطالب الإعلان الأمريكيين بإمطار البيت الأبيض والكونغرس برسائل تطالب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس دون إبطاء، وبالفعل رضخت الحكومة الأمريكية لهذه الضغوط وأقرت في شهر مايو 1999 نقل منزل السفير الأمريكي إلى القدس، ريثما تتم الترتيبات لنقل السفارة، ومعروف أن منزل السفير بمثابة سفارة وله كل الصلاحيات الدبلوماسية والحصانية التي تعطى للسفارة …
11. أمام كل هذه الشواهد … ألا يخجل على أنفسهم بعض من بني جلدتنا من زعامات وبسطاء، الذين ينكرون علينا تمسكنا بالفهم السياسي للأحداث والأشخاص والمواقف من خلال فهمنا الديني الإسلامي ؟! ألا يخجل على أنفسهم هؤلاء المسؤولون والرموز من بني جلدتنا، الذين يمزقون في كل يوم ثوباً ويلبسون في كل يوماً ثوباً جديداً وينكرون علينا في نفس الوقت تمسكنا بلباس التقوى لأن ثوب التقوى هو الخير؟! ألا يخجل على أنفسهم هؤلاء وهم يبدلون لون صبغة حياتهم في كل يوم أكثر من مرة وينكرون علينا تمسكنا بصبغة الله تعالى ؟! الأيام حبالى وستنجب العجائب، فهنيئاً لمن تمسك بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهجاً، وهنيئاً لمن رابط في القدس الشريف والأقصى المبارك وأكنافهما !! اللهم إني بلغت اللهم فأشهد.
يتبع
- نحن في امتحان وليست القدس الشريفة ولا الأقصى المبارك (1)
كثرت أقوال الحكام والملوك في هذه الأيام عن القدس الشريفة والأقصى المبارك، وكثرت اللقاءات العلنية والسرية التي باتت تعقد لإجراء دراسات أو مباحثات أو مفاوضات حول القدس الشريفة والأقصى المبارك، وكثرت التصريحات بشتى اللغات ومن اكثر من مصدر رسمي أو شعبي عن القدس الشريفة والأقصى المبارك، فمن قائل أن ” الهيكل ” قائم تحت الأقصى المبارك، وهذا ما صرح به ” إيهود براك ” قبل مغادرة مؤتمر ” كامب ديفيد “، ومن قائل، تعالوا بنا لنقسم الأقصى المبارك إلى حصص وكفى الله المؤمنين القتال، وليأخذ اليهود حظهم من جهته الشمالية والشرقية والجنوبية، وليأخذ اليهود حظهم من الجهة الغربية، بما في ذلك ” حائط البراق “، الذي سمي تحرفاً وتضليلاً باسم ” حائط المبكى “، ومن قائل: ” تعالوا بنا لنعطي ما فوق أرض الأقصى المبارك للمسلمين، وبذلك تكون لهم الصخرة المشرفة والأقصى المبارك، ولنعط ما تحت أرض الأقصى لليهود، وبذلك يكون لهم المصلى المرواني والأقصى القديم، ومن قائل: أعطوا الفلسطينيين ” أبو ديس ” و ” عناتا ” و ” السواحرة ” و ” صور باهر ” وكفى، ومن قائل: أعطوا الفلسطينيين مشروع الإدارة المدنية على القدس في أحيائها الفلسطينية وكفى، إلى القائل: هناك اقتراح إسرائيلي آخر أو اقتراح أمريكي آخر أو اقتراح فلسطيني آخر.
وها هم الناس في ” حيص – بيص “، يضربون أخماساً بأسداس ويتساءلون محتارين: هل هناك جولة أخرى لمفاوضات ” كامب ديفيد ” ؟ أم انتهت كل المفاوضات ؟ هل هناك خطر التنازل عن القدس الشريفة والأقصى المبارك إذا كان هناك جولة ” كامب ديفيد ” أخرى أم لا ؟ هل هناك اتفاقيات سرية لم يعلن عنها حتى الآن أم لا ؟ هل نهاية كامب ديفيد هي الحقيقة كما نقلها الإعلام، أم أن هناك نهاية أخرى سيعلن عنها في جولة مناسبة وفي وقت مناسب ؟ هل الأقصى المبارك في خطر ما كان فيه قبل ذلك أم لا ؟ هل سنكتفي بإدارة دينية للأقصى المبارك في جهاته الشمالية والشرقية والجنوبية ثم رفع العلم الفلسطيني عليه ثم إيجاد طريق آمن يربط الأقصى المبارك مع ” أبو ديس ” ثم لا شيء آخر بعد ذلك أم لا ؟
نعم.. إنها أسئلة كثيرة باتت تقتحم على الناس عقولهم في كل لحظة دون استئذان أبداً، وباتت مشاعر الناس تتقلب بين الرغبة والرهبة وبين التفاؤل والتشاؤم، ولذلك ما أريد أن أقوله وأؤكده هو أن على الجميع منا أن يعلم – كائناً ما كان – إننا نحن في امتحان وليست القدس الشريف ولا الأقصى المبارك !!
نعم.. نحن في امتحان، وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان ! فالقدس الشريفة والأقصى المبارك قد مر عليهما من أشكالنا الكثير فزالوا وظلت القدس الشريفة والأقصى المبارك !!
نعم.. مر على القدس الشريفة والأقصى المبارك كثير من الحكام والملوك والقيادات والجنرالات على اختلاف الأشكال والألوان والأنواع والأنساب، فزالوا وظلت القدس الشريفة والأقصى المبارك ! وما صفا ود القدس الشريفة والأقصى المبارك في الماضي ولن يصفو ودهما في الحاضر والمستقبل إلا لكل مؤمن صادق صابر ومخلص ولا يعطي دنيه في دينه ولا يساوم على حساب القدس الشريفة والأقصى المبارك !! لذلك نحن في امتحان وليست القدس الشريفة والأقصى المبارك !! فهما محفوظان بحفظ الله تعالى، أما نحن فنحفظ من الله تعالى بقدر سعينا الصادق للتقرب من القدس الشريفة والأقصى المبارك، وإلا سيضيعنا الله تعالى ولات حين مندم!
أين الروم وأين الفرس قديماً ؟ لقد زالوا وظلت القدس الشريفة والأقصى المبارك!! وأين الصليبيون وأين التتار بعد ذلك؟ لقد زالوا وظلت القدس الشريفة والأقصى المبارك!! وأين البريطانيون وأين الفرنسيون بعد ذلك!! لقد زالوا وظلت القدس الشريفة والأقصى المبارك !! صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو القائل: ” بيت المقدس لا يعمر فيها ظالم “، فما دخلها ظالم إلا قصمه الله تعالى، وهكذا ستبقى هذه السنة الربانية مع كل ظالم تسول له نفسه وقوته أن يقتحم على القدس الشريفة والأقصى المبارك طهرهما حتى قيام الساعة !!! لذلك أعود ثم أعود لأقول: نحن في امتحان وليست القدس الشريفة ولا الأقصى المبارك، ولقد أدرك ذلك جيداً القائد الفذ صلاح الدين الأيوبي، لقد أدرك أنه في امتحان صعب يجب أن يسعى من خلاله إلى تطهير القدس الشريفة والأقصى المبارك وفي نفس الوقت كان يعلم يقيناً أن القدس الشريفة ليست في امتحان ولا الأقصى المبارك لأنهما أن لم يطهرا به فسيطهران بغيره !! لذلك عمل جاداً مخلصاً وصابراً لتطهيرهما، فهذا شداد يروي في كتابه ” النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية ” عن صلاح الدين الأيوبي قائلاً: ” وكان قدس الله روحه حسن الظن بالله، كثير الاعتماد عليه، عظيم الإنابة إليه، وقد شاهدت من آثار ذلك ما أحكيه، وذلك أن الفرنج (خذلهم الله) كانوا نازلين ” ببيت نوبة “، وهو موضع قريب من القدس الشريفة، حرسها الله تعالى، بينهما بعض مرحلة، وكان السلطان بالقدس، وقد أقام “يزكا” – أي حرساً، على العدو محيطاً به، وقد سير إليهم الجواسيس والمخبرين، فتواصلت الأخبار بقوة عزمهم على الصعود إلى القدس ومحاصرته، وتركيب (القنابل) عليه، واشتدت مخافة المسلمين بسبب ذلك، فاستحضر الأمراء، وعرفهم ما قد دهم المسلمين من الشدة، وشاورهم في الإقامة بالقدس، ولقد جلست في خدمته في تلك الليلة، وكانت ليلة جمعة، من أول الليل إلى أن قارب الصبح، وكان الزمان شتاء، وليس معنا ثالث إلا الله تعالى، ونحن نقسم أقساماً، ونرتب على كل قسم بمقتضاه، حتى أخذني الإشفاق عليه والخوف على مزاجه، فشفعت إليه، حتى يأخذ مضجعه، لعله ينام ساعة، فقال – رحمه الله: ” لعلك جاءك النوم، ثم نهض، فما وصلت إلى بيتي، وأخذت لبعض شأني، إلا وأذن المؤذن، وطلع الصبح، وكنت أصلي معه الصبح في معظم الأوقات، فدخلت عليه، وهو يمر الماء على أطرافه، فقال: ما أخذني النوم أصلاً، فقلت: قد علمت، فقال: من أين ؟ فقلت: لأني ما نمت، وما بقي وقت للنوم، ثم اشتغلنا بالصلاة، وجلسنا على ما كنا عليه، فقلت له: وقد وقع لي واقع، وأظنه مفيداً إن شاء الله تعالى، فقال: وما هو ؟ فقلت له: الإخلاد إلى الله تعالى، والإنابة إليه، والاعتماد في كشف هذه الغمة عليه، فقال: وكيف نصنع ؟ فقلت: اليوم الجمعة يغتسل المولى عند الرواح، ويصلي على العادة بالأقصى، موضع مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقدم المولى التصدق بشيء خفية على يد من يثق به، ويصلي المولى ركعتين بين الآذان والإقامة، ويدعو الله في سجوده، فقد ورد فيه حديث صحيح، وتقول في باطنك: ” إلهي قد انقطعت أسبابي الأرضية في نصرة دينك، ولم يبقى إلا الإخلاد إليك، والاعتصام بحبلك، والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونعم الوكيل”، فإن الله أكرم من أن يخيب قصدك، ففعل ذلك كله، وصليت إلى جانبه على العادة، وصلى الركعتين بين الأذان والإقامة، ورأيته ساجداً، ودموعه تتقاطر على شيبته، ثم على سجادته “، ويروي ابن شداد في موضع آخر من كتابه عن صلاح الدين الأيوبي قائلاً: ” ولقد كنت عنده ليلة وقد عين مواضع خمسة مجانيق كيما تنصب، فقال في تلك الليلة: ما ننام حتى ننصب الخمسة.. وسلم كل منجنيق إلى قوم، والرسل تتوالى بينه وبينهم، يعرفونه كيف يصنعون، حتى أظلنا الصباح، ونحن في خدمته (رحمه الله) وقد هيئت المنجنيقات، فرويت له الحديث الشريف وبشرته بمقتضاه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ” عينان لا تمسهما النار: عين باتت تحرس في سبيل الله وعين بكت من خشيت الله “. ثم ما زال يقاتل الصليبين في صفد حتى استسلموا “.
ويروي ابن شداد رواية ثالثة قائلاً: ” ولقد رأيته – رحمه الله – بمرج عكا، وهو على غاية من مرض اعتراه بسبب الدمامل، كانت أخذت بجسمه من وسطه إلى ركبتيه، بحيث ما كان يستطيع الجلوس، وهو في الخيمة، وإنما يتكئ على جانبه، وكان يتناول الطعام وهو على هذه الحال، وقد كان – حينئذ – في خيمته قريباً من العدو، ولم يشغله ما هو فيه عن أن يرتب الجيش ميمنة وميسرة وقلباً تعبئة للقتال، وكان مع ذلك كله يركب من بكرة النهار إلى صلاة الظهر، ومن العصر إلى المغرب، يطوف على الكتائب يأمر وينهى، ويؤجج فيهم روح الفداء والاستشهاد في سبيل الله، وهو صابر على شدة الألم، وقوة ضربان الدماميل ونحن نتعجب من ذلك، فيقول: إذا ركبت يزول عني ألمها حتى أنزل”.
يتبع
- نحن في امتحان وليست القدس الشريفة ولا الأقصى المبارك (2)
متابعة لما قلت في الحلقة السابقة ما زلت أؤكد متفائلاً بيقين المتوكل على الله تعالى، أن هذه الأزمة الراهنة التي تعصف بالقدس الشريفة والأقصى المبارك ليست هي الأزمة الأولى ولا الأخيرة في تاريخها الطويل، بل كانت هناك أزمات أشد، ومع ذلك اجتازتها القدس الشريفة والأقصى المبارك بنجاح باهر، وخاب فأل كل الظالمين لهما في الماضي، ثم طواهم التاريخ، وسجل أسماءهم في خانة المهزومين الخائبين، وما هذه النتيجة إلا نتيجة أبدية لازمة أصبحت جزءاً من تاريخ القدس الشريفة والأقصى المبارك، وجزءاً من مسيرتهما، إلى درجة أنها أصبحت سنة ربانية ثابتة تميز القدس الشريف والأقصى المبارك، لذلك فإن هذه النتيجة التي كانت بالأمس، ستبقى لتفرض نفسها اليوم وغداً وبعد غد وإلى ما شاء الله، وهذا ما يجعلني أقول أن القدس الشريفة والأقصى المبارك ليسا في امتحان، بل نحن كعالم إسلامي وعربي وفلسطيني في امتحان ؛ وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان، وحتى ندرك بعض ملامح هذا الامتحان فإنني أسجل هذه الملاحظات:
1. يقول: ” نداف شرجاي “، في صحيفة ” هآرتس ” العبرية الصادرة بتاريخ 18/6/2000: “لقد طمح ديان من وراء بلورة سياسة الأمر الواقع (الستاتس كوو) في جبل الهيكل – أي الأقصى المبارك – أن يحدد الفوارق وبشكل واضح بين الدين والقومية، فقد سعى وبذل جهده لإبقاء الصراع العربي – الإسرائيلي في الإطار الإقليمي القومي، وأن يجتث منه جهد الصراع الكامن بين اليهودية والإسلام”.
2. لذلك فإن المؤسسة الإسرائيلية تنظر بخطورة إلى كل حديث عن القدس الشريف والأقصى المبارك ينطلق من رؤية دينية إسلامية، وتسعى هذه المؤسسة الإسرائيلية إلى جر الطرف الفلسطيني أو العربي إلى مباحثات قائمة على رؤية علمانية أو سياسية محضة لا يشدها البعد الإسلامي الديني.
3. لذلك نجد أن ” نداف شرجاي ” يقول في صحيفة ” هآرتس ” العبرية الصادرة بتاريخ 18/6/2000 مبيناً بشكل صريح ما يقلق المؤسسة الإسرائيلية ” إلا أن الانتهاك الأشد ” للستاتوس كوو “، والذي لم يحدث مثله منذ عام 1967 كان ببناء وإعداد إسطبلات سليمان، المسجد الثالث في منطقة الحرم، وهو أول حدث يحدث في الحرم منذ (1000 عام)، وكذلك الأمر تم إعداد المسجد القديم – أي الأقصى القديم – الواقع تحت المسجد الأقصى للصلاة، وكلا الموقعين يقعان تحت تأثير الحركة الإسلامية في إسرائيل، وهي الحركة التي وقفت وراء ترميمها”.
4. وفي موضع آخر يقول (نداف شرجاي): “الأكثر من ذلك فقد قامت مصادر أمنية مؤخراً بتسليم المستوى السياسي تقريراً مفصلاً حول مخططات الوقف والحركة الإسلامية في إسرائيل.. قسم من هذه المخططات معروف لدى الحكومة بسبب الطلبات التي تقدم بها الوقف، ولكن هناك ما هو جديد، والمعلومة والمعادلة التي أثارت حفيظة الجميع ما يتعلق بمخطط مرجعي شاركت فيه الحركة الإسلامية في إسرائيل يهدف إلى إنشاء مسجد رابع في الحرم، وذلك على طول الأسوار الشرقية، وذلك بشكل مصغر على غرار المسجد في الكعبة.
5. لذلك فإن هذه الأعمال الإعمارية من شأنها أن تحيي الشعور الديني الإسلامي، وهذا مكمن الخطر في نظر (موشيه ديان) وفي نظر قيادات المؤسسة الإسرائيلية، لذلك فإن هذا التخوف لدى المؤسسة الإسرائيلية دفع بقيادات سياسية إسرائيلية متناحرة فيما بينها إلى اتخاذ خطوة غير مسبوقة، وهذا ما يؤكده (نداف شرجاي) حيث يقول في صحيفة (هآرتس) العبرية الصادرة بتاريخ 18/6/2000: (قبل أسبوعين أصدرت مائتا شخصية بياناً ضم القوس السياسي الإسرائيلي، ووجهوا بيانهم إلى رئيس الحكومة، ناشدوه فيه العمل على منع هدم الآثار في الحرم – حسب ظنهم الأعوج – فلأول مرة يتحد(تيدي كوليك) و (ايهود اولمرت)، نواب المفدال وميرتس من اليسار واليمين، وقد جاء في البيان ” جريمة أثرية – حسب ظنهم الأعوج – كما ورد فيه”.
ويتابع البيان ” أن هذه الجريمة الأثرية لا يمكن أن يتحملها أي إنسان حضاري بغض النظر عن هويته السياسية ومواقفه العقدية، إننا نرفض هذا العمل، كما نرفض تماما أي عمل بربري يقوم بتدمير منهجي في أماكن مشابهة ذات أهمية خاصة في أرجاء العالم مثل – الأكروبولس – ” القسم الأعلى المحصن من أثينا ” أو – الفورم في روما – فورم المجلس الروماني”.
6. إلا أنهم وفي الوقت الذي يعبرون من خلاله عن ” تخوفهم من تحويل
الصراع على القدس الشريفة والأقصى المبارك إلى صراع ديني إسلامي، في المقابل فإنهم يسعون إلى عقد تفاهم وتعاون بين كافة الأجهزة الرسمية والشعبية والدينية والعلمانية في داخل المؤسسة الإسرائيلية، الأمر الذي دفع الحاخامين الرئيسين إلى ما يلي، وهو ما يؤكده (نداف شرجاي) حيث يقول في نفس صحيفة (هآرتس) وفي نفس التاريخ: ” هذا وقد أعلن الحاخامان الرئيسان لإسرائيل، ضرورة التنسيق معهم بشأن أي اتفاقية تتعلق بالحرم، وهو أمر طالبوا فيه منذ فترة رابين على اعتبار أنه المكان الأكثر قداسة للديانة اليهودية “.
7. لذلك فإن قضية القدس الشريف والأقصى المبارك تتحدد لدى المؤسسة الإسرائيلية من خلال المنظار الديني ليس إلا، فهذا (نداف شرجاي) يقول في صحيفة (هآرتس) العبرية بتاريخ 4/6/2000: ” دافيد بادي أحد زعماء جمعية ” إلعاد ” والتي جددت الاستيطان في سلوان أوضح قبل شهور قليلة أن المدينة (سلوان) تعتبر بالنسبة للشعب اليهودي النواة التي تطورت منها القدس، فهو يشير إلى أنه ” تكاد تكون نصف أحداث التوراة قد تمت في هذا المكان: الأنبياء والملوك، ومن الطبيعي عند عودة اليهود إلى القدس أن يعودوا ابتداء إلى هذا المكان الذي عاش على ثراه ملوكهم وأنبيائهم “.
8. ويتابع (نداف شرجاي) في نفس المقال ويقول: ” الراب شلومو أفنير ” – راب المدرسة اليهودية الدينية لعطريت كوهنيم – يوجه تلاميذه فيقول: إن حقنا التاريخي والأخلاقي على القدس لا يمكن لأية قوة أجنبية أن تصادره مهما طال الزمن، ولم نتوقف للحظة في التاريخ عن رفضنا لهذا الاحتلال، وعلى ذلك فإن كل إنسان في العالم، – أياً كان – يدعم نقل جزء من القدس التاريخية إلى أي طرف أجنبي فإنه يشارك في الجور الأخلاقي على العالم كله، ولقد عدنا إلى بيتنا بأمر إلهي … “.
9. حتى جهاز المخابرات (الشاباك) له ” قرص في هذا العرس “، وله التقاء وتوافق مع الجمعيات الدينية اليهودية التي يطلق عليها الإعلام العربي مصطلح – الجماعات المتطرفة – فهذا (نداف شرجاي) يقول في نفس المقال: ” على العكس من الانطباع السائد عن الجمعيات فإن (الشاباك) يصنف معظم الجمعيات اليهودية الناشطة في شرقي القدس وبالذات جمعية (عطريت كوهنيم – كعامل مهدئ ومعتدل، إذ أن هدفها استمرار أعمالها، وهذا الأمر يتطلب الهدوء بشكل مستمر مع رجال الشرطة والشاباك، ويطلعونهم أولاً بأول على معظم أعمالهم ونشاطاتهم، وفي بعض الأحيان يستعين رجال (الشاباك) وأذرع الأمن بأعضاء الجمعيات القاطنين في المنطقة ليفهموا واقع المنطقة أكثر، في مختلف المناطق في شرقي القدس”.
10. لذلك ووفق كل هذه المعطيات: لماذا نستغرب ما قاله دافيد بن غورين بعد هزيمة 1967 مباشرة، حيث يقول (نداف شرجاي) في صحية (هآرتس) العبرية بتاريخ 1/6/2000: ” بعد حرب الأيام الستة مباشرة أعطى دافيد بن غورين مباركته لكل من (تيدي كولك) و (موشيه ديان) و (بنحاس سفير) للانطلاقة، فقد قال لهم: يجب توطين اليهود شرقي القدس بكل ثمن، يجب توطين عشرات آلاف اليهود خلال فترة قصيرة، فاليهود سيوافقون على السكن في القدس الشرقية ولـو في – براكيات – (أكواخ)، علينا أن لا ننتظر بناء أحياء مرتبة، المهم إحضار اليهود”.
يتبع
- هل دقت ساعة هدم الأقصى المبارك ؟! (1)
إنه سؤال أوجهه إلى كل مسلم وإلى كل عربي وإلى كل فلسطيني، لا بل إلى كل إنسان في هذه الأرض !! أنه سؤال أوجهه إلى أحباب الأقصى المبارك قبل خصومه، وإلى أصدقائه قبل أعدائه، وإلى حماته قبل المتآمرين عليه !! إنه سؤال أوجهه إلى الملوك والحكام والوزراء والأعيان والقادة والساسة والشعوب اليقظة والنائمة والجماهير الواعدة والمطحونة !! إنه سؤال أوجهه إلى كل المتحدثين محلياً وعالمياً عن حقوق الإنسان وحرمة المقدسات والسلام العالمي وحوار الحضارات سواء كانوا مخلصين أو منافقين !! نعم إنني أوجه هذا السؤال إلى كل بني البشر لأن قضية الأقصى وإن كانت حقاً إسلامياً خالصاً وخاصاً، إلى أن أثرها سيقع على جميع أهل الأرض بدون استثناء، ولذلك فإن على الجميع أن يعتبر أن هذا السؤال وهو سؤال شخصي له من منطلق المسؤولية لا من منطلق حب الاستطلاع، وعلى اعتبار أنه جزء من الموقف لا على اعتبار أنه متفرج على ما يدور !! إنني اوجه هذا السؤال وأتابع صارخاً يا مسلمي العالم استيقظوا !! واتحدوا !! يا عالمنا العربي تنبهوا !! وتكاتفوا !! يا شعبنا الفلسطيني لا نوم مع الأقصى المبارك !! والذي يدعوني إلى إعلان هذا الإعلان الصارخ تزامن الأحداث واجتماع الإمارات التي باتت تفرض هذا السؤال فرضنا على كل عاقل منا، وبعجالة مفيدة سأسجل هذه الملاحظات:
1. طالعتنا مجموعة من الصحف العبرية بالحديث عن مشروع بناء كنس في ساحات الأقصى المبارك، ومما ورد في هذه الصحف العبرية ما يلي: ” لأول مرة في تاريخ مجلس الحاخامية الكبرى سيبحث يوم الاثنين الطلب بإقامة كنيس بجانب المساجد القائمة في جبل الهيكل (أي الأقصى المبارك) وذلك بناء على طلب حاخام حيفا الأكبر ” شئار يشوب هكوهين ” والذي كتب قبل عدة أشهر مقالاً ادعى فيه أنه لا يوجد أي مانع شرعي يمنع اليهود من الهجرة إلى جبل البيت (أي الأقصى المبارك)، وهذا تصريح واضح عن نيتهم بناء كنيس في ساحات الأقصى المبارك يعني الحديث عن بناء هيكل في ساحات الأقصى المبارك !! بدل كلمة (بناء هيكل) للتخفيف من وقع هذا الخبر على المسلمين والعرب الفلسطينيين في كل العالم!! وواضح لي كل الوضوح أن ساحات الأقصى المبارك هي جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك، وهذا يعني أن الحديث عن (بناء كنيس) أو (بناء هيكل) في ساحات الأقصى المبارك ما هو إلا بناء على حساب المسجد الأقصى المبارك وعلى حساب هدمه أو هدم بعض أجزائه في أخف الحالات سوءاً وحقداً وتآمراً !! وواضح لي كل الوضوح أن حاخام حيفا الأكبر (شئار يشوب هكوهين) ما قال ذلك إلا وهو مطمئن إلى ما قال، لا بل إلا وهو مطمئن أن هناك الآلاف المؤلفة من الشعب اليهودي رسمياً وشعبياً ودينياً ولا ما قال بقوة المال والإعلام والسلاح !! وواضح لي كل الوضوح أن حاخام حيفا الأكبر بات يصرح بهذا التفكير القديم الذي هو جزء من المشروع الصهيوني الذي لخصه (بن غورين) بقوله: ” لا قيمة لإسرائيل بدون القدس ولا قيمة للقدس بدون الهيكل ” !! وإذا كان حاخام حيفا الأكبر يصرح بذلك فماذا تقول عن حاخام حيفا الأصغر ؟! ماذا نقول عن حاخامات المستوطنات، وحاخامات الجماعات المتطرفة !! كل ذلك يدعوني لأتساءل صارخاً: هل دقت ساعة هدم الأقصى المبارك ؟!
2. الصحف العبرية تبعد أكثر من ذلك، حيث تقول بالنص الحرفي: ” والطلب لإقامة كنيس على أرض المسجد الأقصى ليس جديداً حيث أنه طرح في قمة مباحثات ” كامب ديفيد “، وهذا ما يجعلني أؤكد مرة بعد مرة أن هناك انسجاماً وتطابقاً بين الموقف الديني اليهودي والموقف السياسي اليهودي شعبياً ورسمياً، فالكل يلح طالباً بناء هيكل على حساب الأقصى المبارك، ولكن يبدو أن هناك اجتهادات فيما بينهم على الوقت المناسب والظرف المناسب والأسلوب المناسب، ويبدو أن بعضاً منهم قد نفد صبره، فبات يصرخ بما كتمه سابقاً وما يكتمه غيره حتى الآن !! وأنا شخصياً لا أجد فرقاً ولا بعداً بين قول حاخام حيفا الأكبر والمطالب ببناء كنيس في ساحات الأقصى المبارك وبين قول ” إيهود براك ” في الجولة الأولى من ” كامب ديفيد ” إن الهيكل الثاني يقع تحت الأقصى المبارك، فكلا القولين يصب في المطلب نفسه، سوى أن حاخام حيفا الأكبر قال ذلك تصريحاً، أما ” إيهود براك ” قال ذلك تلميحاً، وهذا يدفعني إلى أن أراجع ما قاله لي أحد المسؤولين الكبار في السلطة الفلسطينية قبل أشهر، حيث أكد أن مسؤولاً كبيراً في الحكومة الإسرائيلية الحالية أكد في أحد جلسات التفاوض أنه لا يمكن الاتفاق على مستقبل القدس إلا إذا تم السماح لليهود ببناء هيكل في ساحات الأقصى المبارك، كل ذلك يدعوني لأتساءل صارخاً: هل دقت ساعة هدم الأقصى المبارك ؟!
3. كتب مركز الدراسات المعاصرة في افتتاحية نشرها الصادرة تحت عنوان ” القدس في الصحافة العبرية ” كتب ما يلي: ” أقسم رئيس إسرائيل الجديد ” موشيه كتساف ” على الولاء لدولة إسرائيل وحماية مقدساتها، وقام بزيارة صلاة لحائط البراق، مؤكداً أبدية القدس كعاصمة لليهود ومشيراً إلى أنه سيباشر أعماله بعد الانتهاء من أيام الحداد على خراب الهيكل “. وأنا شخصياً أجد في ذلك انسجاماً واضحاً مع مطلب حاخام حيفا الأكبر ومع تطلع ” براك ” التلميحي الذي صدر عنه في مفاوضات ” كامب ديفيد “، وهذا ما يجعلني أعود وأتساءل صارخاً: هل دقت ساعات هدم الأقصى المبارك ؟!
4. لذلك فإنني لا أتردد في أن أقول محذراً أنه في مثل هذه الأجواء من الممكن أن يحدث كل شيء / من الممكن أن يظهر ” باروخ غولدشتاين ” جديد يؤدي دوراً جديداً، ولكن ليس في مسجد الحرم الإبراهيمي في الخليل، بل في المسجد الأقصى المبارك، طمعاً عند زمر الحاقدين أن يؤدي ذلك إلى تقسيم الأقصى المبارك كما أدت جرائم المجرم ” باروخ غولدشتاين ” الأول إلى تقسيم مسجد الحرم الإبراهيمي في الخليل، لا أقول ذلك خوفاً، لا والله، فالمحيي والمميت هو الله ولكن أقول ذلك لأنني بدأت أشعر أن كثيراً من الجماعات والقيادات اليهودية قد أجمعت على ضرورة بناء كنيس على حساب الأقصى المبارك، وما يشغلها اليوم هو البحث عن أحسن أسلوب لإخراج هذا الحلم الأسود وتوفير المبررات له، وما ضيرها بعد ذلك أن تقول ” إننا نشجب ونستنكر بكل لغة شجب واستنكار ” !! إنني أصارح الجميع أنني متوجس أن يحدث ذلك خلال أشهر قادمة!! وعندها الطوفان الذي لا يعلم نتائجه إلى الله تعالى.
يتبع
- هل دقت ساعة هدم الأقصى المبارك ؟! (2)
أعود إلى هذا السؤال مع يقيني التام أن الأقصى المبارك قلعة إيمان شماء تحطمت عليها في الماضي كل مؤامرات البائسين فزالوا وبقي الأقصى المبارك، وستتحطم في الحاضر والمستقبل على هذه القلعة أية مؤامرات بائسة أخرى تستهدف حجراً أو جداراً أو ركناً من الأقصى المبارك، وستزول هذه المؤامرات ويزول أصحابه البائسون ويبقى الأقصى المبارك أعود إلى هذا السؤال داعياً كل نائم منا أن يستيقظ وكل غافل أن يتنبه وكل متسيب أن ينضبط !! فهذه مرحلة مصيرية لا ينفع فيها أن يقف أي مسلم أو أي عربي أو أي فلسطيني موقف المتفرج وكأن الأمر لا يعنيه، أو كأن الظروف أقوى من إرادته، أو كأن المؤامرة سارت ولن يوقفها أحد !!
إن هذه المواقف الانهزامية لم تنفع في الماضي ولن تنفع اليوم ولا غداً !! لذلك علينا أن نتعرف بالتفصيل على حدود ما يجري اليوم، وبالذات خلال هذه الفترة التي تراكمت فيها الشواهد الكثيرة التي تدفعني لأسأل صارخاً: هل دقت ساعة هدم الأقصى المبارك ؟! نعم أسأل ولا أقف عند هذا السؤال وقفة الحائر المستسلم !! بل أسأل وأقف حاثاً نفسي وحاثاً كل المسلمين والعرب والفلسطينيين أن هُبُوا من نومكم وقوموا إلى واجبكم قبل أن تلعننا أبناؤنا وأحفادنا وأجيالنا القادمة !! وها أناذا أورد بعض الشواهد الساخنة التي يجب أن تستفز ضمير وعقل وقلب كل واحد منا:
1. كتبت صحيفة القدس بتاريخ 11/8/2000 على صفحتها الأولى وبخط كبير هذا العنوان الصارخ ” بالتنسيق مع الحكومة الإسرائيلية: الحاخامية الرئيسة تدرس إقامة كنيس في محيط الحرم القدسي “، وتحت هذا العنوان كتبت هذه الصحيفة ما يلي: “أن الحاخامية الرئيسة في إسرائيل لديها مخططات لإقامة هذا الكنيس في أحد المواقع التالية – المطلة على الحرم القدسي – وهي: المدرسة العمرية أو سطح باب الرحمة أو مبنى المحكمة الشرعية أو إقامة تل اصطناعي في منطقة الحفريات الأثرية قرب السور الجنوبي “.
وواضح جداً أن كل هذه المواقع المقترحة هي جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك !! لأن الأقصى يعني حرم الأقصى الذي تبلغ مساحته 144 دونماً، بما تحمل من مبان فوق الأرض أو تحت الأرض، وبما يحيط بهذه المساحة من أسوار أو مبان من جهاتها الأربع، فهذا كله أقصى مبارك، وعلى هذا الاعتبار فالمدرسة العمرية أقصى مبارك، ومبنى المحكمة الشرعية ومنطقة الحفريات الجنوبية أقصى مبارك، ملاصق أرضاً وتاريخاً وديناً وحضارة للأقصى المبارك، ملاصقة الجزء للكل وملاصقة الفرع الأصل، وهذا يعني أن الحاخامية الرئيسة تستهدف المس بالأقصى المبارك مباشرة.
2. الحديث عن إقامة كنيس في المدرسة العمرية يعني إقامة كنيس في الأقصى المبارك، وهذا الأمر يجعلنا نعيد النظر مرة ثانية في سبب افتتاح النفق الذي سمي كذباً باسم ” نفق الحشمونائيم “، نعم علينا أن نعيد النظر في سبب قيام ” نتنياهو ” بافتتاحه عام 1996، فيومها قيل أن الهدف سياحي ليس إلا، ولكن كما يبدو جلياً في هذه الأيام فإن الهدف ” ديني يهودي “، وذلك لأن هذا النفق هو الطريق الموصل إلى المدرسة العمرية، التي تقترحها الحاخامية الرئيسة موقعاً لبناء كنيس فيها، أي بمعنى آخر أن التخطيط لبناء هذا الكنيس كان منذ سنوات طويلة وتم التمهيد له بافتتاح النفق ليوصل إلى المدرسة العمرية، ثم ليجري الحديث بعد ذلك علانية عن بناء كنيس في المدرسة العمرية، وكلمه ” كنيس ” كما قلت في الحلقة السابقة تعني لدى الحاخامية ” هيكل ” للتخفيف من حدة وقعها على عالمنا الإسلامي والعربي وشعبنا الفلسطيني.
3. إن اقتراح الحاخامية بناء كنيس أو هيكل في المدرسة العمرية يجعلني أتوقف عند قيام ممثلين للسفارة الأمريكية والنمساوية وسفارة عربية، أتوقف عند قيامهم بزيارة فضيلة الشيخ عكرمة صبري – مفتي الديار المقدسة، وسؤاله عن قيمة ووزن المدرسة العمرية عند المسلمين ؟ وقد أجابهم فضيلة الشيخ عكرمة صبري أن هذه المدرسة جزء من الأقصى المبارك ولها حرمة الأقصى المبارك !! فيبقى السؤال ما هو سر اهتمامهم اليوم بالمدرسة العمرية !! مع تأكيدي أن كلا منهم قد زار فضيلة الشيخ لوحده وقد سأله نفس الأسئلة التي طالبت بالتعرف على وزن المدرسة العمرية عند المسلمين، لماذا الآن يوجهون هذه الأسئلة ؟! واضح جداً أن هناك طبخات وطبخات تعد من وراء الكواليس وتستهدف الأقصى المبارك !! فالثبات الثبات يا أهلنا في كافة مواقعكم !! يا عباد الله أثبتوا !!
4. بالإضافة إلى ما كتبته صحيفة ” القدس ” فإن هناك حديثاً يدور حول ” المدرسة التنكزية ” التي تعتبر جزءاً من الأقصى المبارك، والتي تقع في محيط الأقصى المبارك الغربي، حيث جرى الاستفسار عنها وعن وزنها عند المسلمين من قبل وفود السفارة الأمريكية والنمساوية وسفارة عربية لدى زيارتهم لفضيلة الشيخ عكرمة صبري، وأعود وأسأل لماذا الآن مع تأكيدي تسجيل التقدير الكبير للشيخ عكرمة صبري الذي بين لهم أن المدرسة العمرية جزء من الأقصى المبارك، والمدرسة التنكزية جزء من الأقصى المبارك وحرمتها كحرمة الأقصى المبارك.
5. لذلك أعود بذاكرتي إلى الوراء يوم أن استوقفني مسؤول كبير من هيئة الأوقاف قبل سنوات قرب المدرسة التنكزية وأبدى لي تخوفه الشديد من مستقبل المدرسة التنكزية، وقال لي أنه يخشى من وجود حفريات تحت هذه المدرسة باتجاه حرم الأقصى المبارك من الداخل !!
لقد كان تخوفه في محله، فها هي أطماع الحاخامية تمتد إلى هذه المدرسة التي ما زالت – مع شديد الأسف – تحت سيطرة واحتلال قوات الجيش الإسرائيلي، حيث ما زالت هذه القوات تستعملها كمعسكر جيش تشرف منها على كل حرم الأقصى المبارك، وتراقب كل تحركات المسلمين في الأقصى المبارك !!
6. بالإضافة إلى كل ذلك فهناك ممارسات خطيرة باتت تصدر عن جهات رسمية أو شعبية إسرائيلية تنذر بتوتير المنطقة ودفع الأقصى المبارك إلى دائرة الخطر الشديد ؟ فما معنى أن تقوم الشرطة الإسرائيلية قبل أيام بمنع وصول المسلمين والسياح إلى الأقصى المبارك بحجة منع اليهود المتطرفين من الوصول إليه !! وحتى لو تراجعت بعد ذلك ووافقت على دخول المسلمين فقط إلى الأقصى المبارك، حتى لو تراجعت هذا أمر خطير جداً، لا تقل خطورته عن بناء كنيس أو هيكل في الأقصى المبارك !!
7. ما معنى أن ينقل راديو إسرائيل عن قائد شرطة القدس ” يتسحاقي ” قوله: ” أن الشرطة ستواصل منع دخول الزوار غير المسلمين إلى باحة الحرم القدسي الشريف إلى أن تسمح دائرة الأوقاف الإسلامية لـ ” أمناء جبل الهيكل ” بدخول محيط الحرم أزواجاً أو مجموعات مكونة من ثلاثة أشخاص، أليس في ذلك فرض سيادة إسرائيلية بقوة السلاح على الأقصى المبارك !!
8. ما معنى أن يحاول المستوطنون وأتباع الأحزاب الدينية المتطرفة وأفراد من حركة ” أمناء جبل الهيكل ” اقتحام بوابات المسجد الأقصى أربع مرات بمناسبة ما يسمى ” التاسع من آب ذكرى خراب الهيكل “
يتبع
30. الأقصى المبارك ما زال حريقاً
كان ذلك في 21/8/1969 عندما قام المجرم ” دينيس مايكل روهان ” بإحراق المسجد الأقصى المبارك، ويومها اشتعلت النيران وأكلت ألسنتها منبر نور الدين زنكي، ثم أخذت تزحف في كل اتجاه تأكل كل ما تمر عليه في أروقة الأقصى المبارك، يومها فرك أعداء الأقصى المبارك أيديهم فرحاً في كل العالم، وكان لسان حالهم يقول: لا أقصى مبارك بعد اليوم !! لا منبر يرمز لطهر الأقصى المبارك وتحريره بعد اليوم، لا مسرى لنبي الإسلام والمسلمين بعد اليوم !!
ويومها ذهلت كل مرضعة في عالمنا الإسلامي والعربي عما أرضعت وأصبح الناس سكارى وما هم بسكارى !! ويومها منعت سيارات الإطفاء من الوصول إلى موقع الحريق، وقطعت المياه ومنع وصولها عبر أنابيبها المعروفة إلى مواقع الحريق طمعاً من كل فرد حاقد ومن كل مؤسسة حاقدة أن تلتهم النيران كل الأقصى المبارك !! ويومها فزع المسلمون من كل حدب وصوب وهرعوا بما يملكون من إمكانيات بسيطة لإنقاذ الأقصى المبارك، الذي كان يصرخ مستغيثاً وسط الحريق !!
ويومها تدافع أهلنا من غزة والضفة ومن القدس الشريف ومن داخل الخط الأخضر نحو الأقصى المبارك ولسان حالهم يقول ” بروح بالدم نفديك يا أقصى ” !! ويومها ركض الأطفال وتسابق الرجال وخرجت النساء وكلهم يحملون ما يستطيعون من أواني بيوتهم لنقل الماء المتوفر في أي مكان والوقوف في وجه نار الحاقدين التي هبت – تبلع ولا تشبع، تلتهم كل ما يقف أمامها من حرم الأقصى المبارك !! وخمدت النيران وتوقف الحريق، ولكن ظلت آثاره وصمة عار في جبين كل مسلم وعربي وفلسطيني إلى الآن، كائناً من كان هذا الشخص، ذكرا أو أنثى، كبيراً أو صغيراً، حاكماً أو محكوماً، عالماً أو عابراً، صالحاً أو فاسداً، طائعاً أو عاصياً …
نعم ظل أثر الحريق وصمة عار في جبيني وفي جبينكم يا معشر المسلمين والعرب والفلسطينيين في كافة مواقعكم … نعم ظلت رائحة الحريق المؤذية فواحة وعابقة إلى الآن، وما زالت تزكم أنوفنا لتوقظ صاحب الأنف النائم وصاحب الأنف الغافل وصاحب الأنف الخائن، وكأني بهذه الرائحة المؤذية الفواحة تأخذ بتلابيب الجميع منا ثم تهزنا هزاً شديداً، ثم تصرخ في وجوهنا جميعاً وهي تقول: ” يا أمة المسلمين، يا أمة العرب، يا جموع الفلسطينيين، هل مت ؟ هل هنت ؟! أين المسلمون ونخوتهم ؟! أين العرب والعروبة ؟! أين الرجال والرجولة ؟! أين أنتم ؟! هل نمتم ؟! هل غبتم ؟! هل سحرتم ؟! ألستم الأمة التي أنجبت الفاروق عمر – رضي الله عنه – فاتح الأقصى الأول، أم أنكم أمة أخرى ؟! ألستم الأمة التي أنجبت صلاح الدين محرر الأقصى المبارك أم أنكم أمة أخرى ؟! هل أنتم امتداد حقيقي أم مزيف لأمة ساقت ناقة الفتح على عهد الفاروق عمر – رضي الله عنه – وصنعت منبر التحرير على عهد نور الدين الزنكي – رحمه الله، وأحيت ليلة النصر على عهد صلاح الدين الأيوبي – رحمه الله ؟! هل أنتم منهم أم لا ؟! فإذا كنتم منهم فلماذا هذا الذل والخنوع ؟! لماذا هذا النوم والغفلة ؟! لماذا هذا التمزق والضياع ؟! وإذا لم تكونوا منهم فمن أنتم ؟!
نعم ظل دخان حريق الأقصى المبارك يتلبد سواداً وحداداً إلى اليوم فوق قباب الأقصى المبارك، وفوق مآذنه وبوائكه وكل مبانيه وساحاته !! وإلى اليوم ما زال هذا الدخان الأسود يغطي سماء الأقصى المبارك ويضغط نفسه ويعتصر الدموع ويمطر أحزاناً وآهات وأنات تنزل علينا لهباً وغضباً، وكأن كل قطرة مطر منها قد تحولت إلى قبضة فولاذية تضرب على أبوابنا وتهز مقابض شبابيكنا وتقرع جدران قصورنا وأكواخنا وخيامنا، ثم يزيد وتزيد وتتوعد وتصرخ: قوموا !! استيقظوا!!
ما زالت نيران الحاقدين تلتهم الأقصى المبارك قوموا، اصحوا، استيقظوا !! ما زال الأقصى في خطر !! قوموا، اصحوا، استيقظوا !! باروخ غولدشطاين قتل جموع الساجدين في مسجد الحرم الإبراهيمي !! وشقيق حقده قتلهم في ساحات المسجد الأقصى المبارك !! نعم كأن الحريق أندلع الآن، وكأن ” دينيس مايكل روهان ” قد ألقى بجمرة حقده من قبل لحظات، وكأني به قد صب زيت حسده وما زال يصبه في كل أركان الأقصى المبارك !! فيا أهل البصر والبصيرة، انظروا جيداً إلى الأقصى المبارك !! تصدقوا على الأقصى بدقائق من أعماركم ودققوا النظر فسترون أن الأقصى المبارك ما زال حريقاً !! ما زالت النار والجمر والدخان والسواد فيه !! وما زال أهله يتدافعون لاهثين دون توقف !! بين ألسنة لهيبه ودخان نيرانه !!
ما زالوا يتدافعون صارخين:
لا نامت أعيننا يوماً يا حصن الدين
أن ظل المنبر محروقاً والقدس حزين
لكن لا تيأس يا أقصى لو عشت سجين
فطريق العزة يا أقصى صبر ويقين
ما زالوا صارخين:
في القدس يا أحبتي جراح
تحيطها الغزاة بالسلاح
دمائها تسيل في البطاح
وليلها السجون والنباح
لكنها تصيح في فلاح
لا بد بعد الليل صباح
ما زالوا يتدافعون صارخين:
في القدس يا أحبتي ظلام
هيا أفيقوا يا بني الإسلام
ما لي أرى جموعكم نيام
ما لي أرى وئامكم خصام
ما لي أرى أفعالكم كلام
وعيشكم ممزقاً حرام
ما زالوا يتدافعون صارخين:
يا مسلمون.. أنتم حيارى تائهون
يا مسلمون عن حقكم يا غافلون
بنهاركم وبليلكم يا نائمون
والمسجد الأقصى بكى لو تسمعون
هلا صحوتم بعد إن مرت سنون
والكل فيكم ضائع لو تعلمون
ما زالوا يتدافعون صارخين:
يا قدس يا بوابة الشهيد للسماء
إنا على طريقكم نجدد الوفاء
نجدد الفداء بالروح والدماء
نجد العطاء ونرفع اللواء
وإننا يا قدسنا نجد الولاء
لطهركم ومجدكم يا قلعة الإسراء
وما زالوا يتدافعون صارخين:
المسجد الأقصى لنا نفديه نفديه بالأرواح
لا عيش ولا فرح لنا أن ظل مستباح
فلتعصفي في قدسنا بالشر يا رياح
ولترتوي من جرحنا يا أيها السفاح
إنا صنعنا دربنا بالبر والكفاح
لا لن نهون وننحني لو طالت الجراح
وما زالوا يتدافعون صارخين:
يا ثالث الحرمين أسرك نكبة
وقلوبنا يا مسلمون هواء
يا ثالث الحرمين حرقك لعنة
يصلى لظاها الشعب والزعماء
يا ثالث الحرمين دمعتك دمعتي
ودماك دمي والمصير سواء
فيا أيها العالم الإسلامي العملاق.. ويا عالمنا العربي الهادر، ويا شعبنا الفلسطيني الصابر، لو أن كل واحد منا تقدم بدينار ليس إلا باسم (دينار الأقصى) لفدينا الأقصى المبارك بأموالنا !! ولو أن كل واحد منا نفخ نفخة واحدة لتحولت نفخاتنا إلى إعصار هادر يمسح عن الأقصى وعن ساحات الأقصى وعن جبال الأقصى كل ما علق به وبها من غبار أو أقذار، فماذا بعد يا أهلنا في كل مكان، إن الذي يعزينا أن لأعداء الأقصى المبارك ناراً مسعورة، وللأقصى المبارك أنواراً طهورة طهوره، وإن نور الأقصى سيطفئ نارهم لا محالة بإذن الله تعالى ولو كره الكافرون.
يتبع
31. تمخض (كامب ديفيد) فماذا سيلد ؟
لا أبالغ إذا قلت أن هذه الأيام تشهد سقوط كل الأقنعة عن كل الوجوه، بخصوص ما يتعلق بالمسجد الأقصى المبارك، ما هي حقيقة الوجه اليساري الإسرائيلي تجاه الأقصى المبارك ؟ وما هي حقيقة الوجه اليميني الإسرائيلي تجاه الأقصى المبارك ؟ وهل هناك فرق بينهما ؟ ثم ما هي حقيقة الوجه المتدين الإسرائيلي والوجه اللاديني الإسرائيلي تجاه الأقصى المبارك ؟ وهل هناك فرق بينهما ؟ في تصوري أن الأجوبة باتت واضحة جداً في هذه الأيام والشواهد على ذلك كثيرة، إلى درجة أننا بتنا نصدم كل يوم بتصريحات ما كان البعض منا يتصور أن تصدر عن فلان أو فلان، وأمام هذا الكم الهائل من هذه التصريحات، وأمام المحاولات الأمريكية المحمومة لدفع عجلة (كامب ديفيد) إلى الأمام، وأمام الجولات المكوكية التي بات يقوم بها (كلينتون) في آخر عمره الرئاسي، وأمام الحقيقة التي باتت معروفة للجميع وهي أن سبب تعثر مفاوضات (كامب ديفيد) الأخيرة هو موضوع الأقصى المبارك، أمام كل ذلك، وأمام موقف رئيس إندونيسيا المشبوه في هذه القضية، وأمام التزام عشرات الدول العربية بالصمت حتى الآن تجاه هذا الموضوع، أمام كل ذلك يبقى السؤال المصيري الذي يطرح نفسه على كل عاقل: ما زال (كامب ديفيد) يتمخض فماذا سيلد ؟
لم يكن مفاجئاً أن يعلن حاخام حيفا الأكبر علانية عن رغبته في الشروع ببناء (هيكل) في حرم الأقصى المبارك، ولم يكن مفاجئاً ما أوردته صحيفة (الأيام) المقدسية حيث كتبت تقول: ” وقال مصدر مقرب من الحاخامية الكبرى أن حاخام السفارديم الأكبر (اليهود الشرقيين) ” إلياهو باكشي دورون ” وحاخام الإشكناز (اليهود الغربيين) الأكبر ” يسرائيل لاو ” جدداً التأكيد أنه على إسرائيل التي احتلت وضمت القسم الشرقي من القدس عام 1967، إبقاء سيادتها على الحرم القدسي، ثم تمضي صحيفة (الأيام) المقدسية وتؤكد في نفس المقال فتكتب قائلة: ” يشار إلى أن مسألة القدس وخصوصاً وضع الحرم القدسي كانت حجر العثرة الرئيس خلال قمة كامب ديفيد التي انتهت إلى فشل في 25 تموز الماضي ” أقول، لم يكن مفاجئاً كل ذلك، وبنى عليه يبقى السؤال المصيري الذي يطرح نفسه على كل عاقل: ما زال (كامب ديفيد) يتمخض فماذا سيلد ؟
ثم كان مفاجئاً للبعض – ولم يكن مفاجئاً لي شخصياً – ما صرح به نائب وزير الدفاع الإسرائيلي (أفرايم سنيه) الذي قال علانية أن إسرائيل تريد السيادة على المسجد الأقصى، وقد أوردت هذا الخبر صحيفة (الأيام) المقدسية حيث كتبت تقول: ” في تصريح هو الأخطر لمسؤول حكومي إسرائيل قال ” أفرايم سنيه ” نائب وزير الدفاع الإسرائيلي أن حكومته تريد السيادة على المسجد الأقصى المبارك لأن المعتقدات اليهودية تشير إلى أن الهيكل الثالث سوف يقام في هذا المكان “، ثم تمضي صحيفة (الأيام) المقدسية وتكتب على لسان ” أفرايم سنيه ” قوله ” ولكن في المعتقدات اليهودية هناك إيمان أنه عندما يعود المسيح المنتظر فإنه سيكون هناك انبعاث للأموات، وفقط في ذلك الوقت سيكون بإمكاننا بناء الهيكل الثالث بعد أن تم هدم الهيكلين الأول والثاني “، ثم تمضي صحيفة (الأيام) المقدسية وتكتب قائلة: ” وأشار في هذا الصدد إلى أن الأماكن الأكثر قدسية لليهود هي المسجد الأقصى وحائط البراق والبلدة القديمة التي سماها – جبل الهيكل وحائط المبكى والجزء القديم من المدينة – وقال: هذه هي الأماكن الأكثر قدسية لنا، فعلى سبيل المثال فإن جبل الهيكل وفق ديننا هو المكان الذي سيقام فيه يوماً ما الهيكل الثالث، وهذا هو المكان الذي يصلي جميع اليهود من أجل أن يقام فيه الهيكل الثالث “، وأضاف: ” هذا لا يعني أننا مستعدون لمنح السيادة بشكل أوتوماتيكي على أجزاء أخرى من المدينة “، بناء عليه يبقى السؤال المصيري الذي يطرح نفسه على كل عاقل: ما زال (كامب ديفيد) يتمخض فماذا سيلد ؟
ثم كان مفاجئاً للبعض – ولم يكن مفاجئاً لي شخصياً – ما صرح به وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي (شلومو بن عامي) والذي يقوم بمهام وزير الخارجية ” بالوكالة حالياً، حيث أكد في وجوده في زيارة لبعض الدول الأوروبية قبل أيام تمسك إسرائيل بالسيادة على الأقصى ” وأشار إلى ضرورة التفهم الطلب بأداء اليهود صلاتهم في حرم الأقصى، وكذلك كان هناك تصريح من رئيس الحكومة إيهود براك خلال هذه الأيام قال فيه أنه لا يوجد أي رئيس حكومة إسرائيلي على استعداد لإعطاء سيادة للفلسطينيين على المسجد الأقصى، لذلك ما أريد أن أقوله أن هذه التصريحات تؤكد ما قاله ” أفرايم سنيه) وهذا يعني أن هذه التصريحات ليست مجرد فلتات لسان إعلامية، وليست مجرد فقاعات دعائية، بل هي في نظرهم سياسة تفكير وسقف مفاوضات ونهج عمل، وهذا ما يدعوني إلى أن أعود وأؤكد متسائلاً: ما زال (كامب ديفيد) متمخض فماذا سيلد ؟
ثم أضع بين يدي القراء شاهد آخر وهو ما ورد في مقابلة صحفية أجراها الصحفي ´موشيه زوندر ” مع البروفيسور ” ميرون بنفستي ” فيكتب قائلاً: ” ميرون بنفستي شخص كلاسيكي، ألقيته للحوار معه في قضية جبل الهيكل – الأقصى المبارك – والقدس والصهيونية والنخبة الإشكنازية العليا واليسار الإسرائيلي والفلسطيني، والبروفيسور بنفستي نائب رئيس بلدية القدس الأسبق تيدي كوليك، ويده اليمنى … ” ثم يمضي الصحفي ” موشي زوند ” يعرض وقائع الحوار وخلال ذلك يكتب على لسان ” البروفيسور بنفستي ” قائلاً: ” أنا أتحدث بجدية بأننا سنقيم كنيساً على جبل الهيكل – الحرم – بشكل يخلق بعد آخر على أن نكون أسياداً فيه … “، وغني عن البيان والتذكير بما يقوله أعضاء المجموعات الدينية التي تدعو علانية إلى تدمير الأقصى المبارك أو بناء هيكل على حساب الأقصى المبارك، ولكن لو راجعنا كل هذه التصريحات السابقة لخرجنا بنتيجة واضحة مفادها أن العنصر الديني والفكري والسياسي الإسرائيلي كلها تؤكد خلال تصريحاتها موقفاً واضحاً وواحداً، وهو الإصرار على السيادة الإسرائيلية على الأقصى المبارك والدعوة إلى بناء هيكل على حساب الأقصى المبارك، أو إعطاء الحق الكامل لليهود بالصلاة في الأقصى المبارك، ومن الواضح أن هذا الموقف يشمل الدائرة الرسمية الإسرائيلية والدائرة الشعبية الإسرائيلية، ومن الواضح جداً أن أمريكا تتدعم هذا الموقف يشمل الدائرة الرسمية إذ يكفي أن نعرف أن أمريكا كانت صاحبة الاقتراح الذي يقول: أن ما تحت الأرض لليهود وما فوق الأرض للمسلمين، بمعنى أن المصلى المرواني والأقصى القديم لليهود والأقصى المبارك والصخرة المشرفة للمسلمين، كل ذلك بات يتراكم بعضه فوق بعض خلال هذه الأيام المصيرية، وهذا ما يدعوني إلى أن أعود وأؤكد متسائلاً: ” ما زال (كامب ديفيد) يتمخض فماذا سيلد ؟
32. أنه حائط ” البراق ” وليس حائط ” المبكى “
1. بداية أنه الأقصى المبارك وليس بقية هيكل أول ولا بقية هيكل ثان، ولأنه الأقصى المبارك، فكل حجر من مبناه هو جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك، وكل جدار من جدرانه هو جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك وكل ساحة من ساحاته هي جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك، وكل بناء من مبانيه وكل قبة فيه وكل مئذنة وبائكة وباب وسبيل مياه هي جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك، سواء كان ذلك من فوق الأرض أو تحت الأرض، وسواء كان ذلك جدرانه من الداخل أم جدرانه من الخارج، وسواء كان ذلك مبانيه الواقعة في محيط جدرانه من الداخل، فكل ذلك جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك، وعلى هذه الأساس فالصخرة المشرفة والمصلى المرواني والأقصى القديم ومبنى المسجد الأقصى القديم ومبنى المسجد الكبير الذي اصطلحنا على تسميته باسم الأقصى المبارك، كل هذه المباني جزء لا يتجزأ من حرم الأقصى المبارك، وقدسيتها سواء بسواء، وحرمة التفريط بأي واحد منها سواء بسواء وعلى هذا الأساس فالحائط الشرقي للأقصى المبارك من الداخل ومن الخارج والحائط الغربي للأقصى المبارك من الداخل والخارج والحائط الشمالي والجنوبي للأقصى المبارك من الداخل والخارج، كلها جزأ لا يتجزأ من حرم الأقصى المبارك، وكل ما تحمله من مبان جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك، وقدسيتها سواء بسواء، وتساوي قدسية الأقصى المبارك بكل مبانيه المعروفة وهي الصخرة المشرفة والمصلى المرواني والأقصى القديم والمسجد الكبير، وحرمة التفريط بالحائط الغربي من داخله أو خارجه كحرمة التفريط بالصخرة المشرفة أو المصلى المرواني أو الأقصى القديم أو المسجد الكبير أو كحرمة التفريط في الحائط الشرقي والشمالي والجنوبي من داخلها وخارجها، أعود وأقول لأن كل ذلك جزء لا يتجزأ من حرم الأقصى المبارك.
2. نعم إن كل ذلك جزء لا يتجزأ من حرم الأقصى المبارك، وعلى هذا الأساس فالحائط الغربي بكل أقسامه وبكل مبانيه وأبوابه وبكل أسماء هذه الأقسام والمباني والأبواب هي جزء لا يتجزأ من حرم الأقصى المبارك، فحائط البراق الذي هو جزء من حائط الأقصى الغربي والذي تسميه المؤسسة الإسرائيلية – تضليلاً وتحريفاً – باسم ” حائط المبكى “، إن ” حائط البراق ” هو جزء من الحائط الغربي وهو جزء من الأقصى المبارك وهو جزء من قدسية الأقصى المبارك، وحرمة التفريط فيه كحرمة التفريط في أي جزء من الأقصى المبارك، وعلى هذا الأساس ” فرباط الكرد ” الذي هو جزء من حائط الأقصى الغربي والذي تسميه المؤسسة الإسرائيلية – تحريفاً وتضليلاً – باسم ” المبكى الصغير ” إن ” رباط الكرد ” له نفس وضعية وحكم ” حائط البراق ” وله نفس وضعية وحكم كل الأقصى المبارك، وعلى هذا الأساس فإن باب المغاربة الذي هو جزء من حائط الأقصى الغربي وكذلك المدرسة التنكزية التي هي جزء من حائط الأقصى الغربي وكذلك المدرسة العمرية التي هي جزء ممتد من حائط الأقصى الغربي، وكذلك باب القطانين وباب المجلس وباب الناظر، وكذلك باب الحديد، وكذلك باب السلسلة، وكذلك كل بقية المباني الواقعة على امتداد حائط الأقصى الغربي، أن كل هذه الأقسام والمباني والأبواب بكل أسمائهم لها نفس وضعية وحكم ” حائط البراق ” ولها نفس وضعية وحكم كل الأقصى المبارك، بمعنى أنها جزء من الأقصى المبارك، وجزء من قدسية الأقصى المبارك، وحرمة التفريط بأي منها كحرمة التفريط بأي جزء من الأقصى المبارك.
3. نعم إن كل ذلك جزء لا يتجزأ من حرم الأقصى المبارك، والأقصى المبارك – كما نعلم – هو أول بناء بني في التاريخ البشري في الشام عامة وفي أرض القدس الشريفة خاصة، فكان حرم الأقصى المبارك ولم يكن هناك أي بناء، سواء كان بناء سكن أو كنيس أو كنيسة أو مسجد، بمعنى أن المسجد الأقصى هو الأساس الذي لا أساس قبله وهو البداية التي لا بداية قبلها، وعلى هذا الأساس روى البخاري في صحيحه: ” عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول ؟ قال: المسجد الحرام، قلت ثم أي ؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما ؟ قال: أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فضل، فإن الفضل فيه “، وإذا ما عرفنا أن أول من بنى المسجد الحرام آدم عليه السلام، – وقد بينت ذلك في حلقات سابقة – فإن أول بناء كان للمسجد الأقصى في عهد آدم عليه السلام أو في عهد أبنائه، وعلى هذا الأساس فأي قول بوجود ” حق لليهود” أو وجود سيادة ” للمؤسسة الإسرائيلية ” على أي جزء من أجزاء الأقصى المبارك ولو كان على حجر من حجارة الأقصى المبارك هو محض اعتداء صارخ وافتراء محض وادعاء شاذ وقول ضال ومضلل، وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلاً، ومن قبل به من الفلسطينيين أو العرب أو المسلمين – كائناً من كان – فقد خان الله ورسوله، ثم خان كل الأنبياء، ثم خان المسجد الأقصى المبارك، ثم خان المسلمين والعرب والفلسطينيين، فالقول بوجود ” حق لليهود ” أو ” سيادة للمؤسسة الإسرائيلية ” تحت ذريعة أنها مجرد حق سيادة على الحائط الغربي أو تحت ذريعة تزييف اسم ” حائط البراق ” وتسميته بحائط ” المبكى ” أو تحت ذريعة بناء كنيس في ” المدرسة العمرية ” أو ” المدرسة التنكزية “، أو تحت ذريعة إعطاء حق لليهود بأداء صلاتهم، أو تحت ذريعة أن هذا مطلب أمريكي أو أوروبي، أو تحت ذريعة تقريب وجهات النظر الفلسطينية – الإسرائيلية، أو العربية – الإسرائيلية، أو تحت ذريعة إنقاذ مفاوضات كامب ديفيد، أو تحت ذريعة موفقة فلسطينية أو عربية أو إسلامية، إن الموافقة على ذلك والإذعان له أو التوقيع عليه وإضفاء الشرعية عليه هو خيانة لله وللرسول ولكل الأنبياء ولكل المؤمنين، ثم خيانة الأقصى المبارك، ثم خيانة للمسلمين والعرب والفلسطينيين.
4. نعم إن كل ذلك جزء لا يتجزأ من حرم الأقصى المبارك، وتأكيداً لما قلت فقد أخرج مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه، قال: فركبته حتى أتيت بيت المقدس، قال: فربطه بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، قال: ثم دخلت المسجد فصليت به ركعتين ثم خرجت … “، فهذه شهادة رحلة الإسراء ولا شهادة بشرية تعلو فوقها، هذه شهادة هذه الرحلة المباركة التي تؤكد أن الأقصى هو الأقصى، وأي تسمية غيره لا محال لها من الإعراب، هذه شهادة هذه الرحلة المباركة التي تؤكد أن حائط الأقصى الغربي يحمل من ضمن ما يحمل تلك الحلقة التي ربط بها الرسول صلى الله عليه وسلم دابة البراق، عندما أتى بيت المقدس، لذلك فإن حائط الأقصى الغربي يحمل من ضمن ما يحمل جزءاً منه يسمى حائط البراق، وأي تسمية أخرى لحائط البراق هو محض تحريف وتضليل، وهي محض كذب وتزوير ولا محل لها من الإعراب، سواء كانت باسم ” المبكى ” أو ” المبكى الصغير ” أو غيره.
5. وعليه وبم أن الأقصى المبارك يمر خلال هذه الأيام بمرحلة مصيرية، فإننا ننصح فلاسفة الهزيمة وأبواق الهرولة والتفريط وأصحاب الفتوى المفصلة – سلفاً – ننصحهم وننصح أنفسنا وننصح كل أمتنا الإسلامية وعالمنا العربي وشعبنا الفلسطيني – حكاماً ومحكومين – ونقول لهم، أن الأقصى المبارك فوق أي مفاوضات حتى قيام الساعة، إن التفريط بحجر من الأقصى المبارك هو تفريط بكل الأقصى المبارك !! أن التفريط بالحائط الغربي أو أحد أقسامه أو أبوابه أو مبانيه هو تفريط بكل الأقصى المبارك !! أن التفريط بساحة من ساحات الأقصى المبارك ولو كمفحص قطاة هو تفريط بكل الأقصى المبارك !! ومن قام بذلك كائناً من كان، ومن وافق على ذلك كائناً من كان، ومن أفتى بذلك كائناً من كان، فقد غرق في مستنقع الخيانة من أخمص قدميه حتى مشاش رأسه، وقد خان الله ورسوله والأنبياء والمسلمين والعرب والفلسطينيين، وقد خان الأقصى المبارك وحائطه الغربي وحائط البراق، وقد خان رحلة الإسراء ودابة البراق.
يتبع
33. رسالتنا في المهرجان الخامس ” الأقصى في خطر “
يشهد هذا اليوم المبارك عقد المهرجان الخامس ” الأقصى في خطر ” في مدينة أم الفحم، ويتزامن هذا المهرجان مع أدق وأهم لحظات مصيرية يمر بها الأقصى المبارك في تاريخه الطويل، لذلك فإن هذا المهرجان هو أمانة ثقيلة يجب أن نؤديها ونحن أوفياء بكل كلمة وجملة ونبرة للأقصى المبارك، وهذا يفرض علينا أن نكون صرحاء بحديثنا كل الصراحة، وواضحين كل الوضوح، وبعيدين عن كل لغة دبلوماسية وأساليب تورية قد يفهم منها أكثر من معنى، وعليه فإنني أسجل هذه النقاط كمضمون رسالة نخاطب بها كل الوجود الإنساني وكل امتنا الإسلامية وعالمنا العربي وشعبنا الفلسطيني من على منبر المهرجان الخامس ” الأقصى في خطر “:
1- نؤكد للجميع أن الأقصى المبارك هو أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، وهو آية في كتاب الله تعالى، وهو مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبوابة معراجه ومربط براقه وقاعة مؤتمره النبوي الفريد الذي اخذ فيه البيعة من كل الأنبياء والمرسلين على وراثتهم حتى قيام الساعة،
والأقصى المبارك هو حصن الدين وقلعة التوحيد وأرض الظاهرين على الحق حتى قيام الساعة، وهو أرض المنشر والمحشر ولا يعمر فيها ظالم، وهو قلب عاصمة خلافة الإمام المهدي – عليه السلام – العالمية التي ستملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا، والأقصى المبارك هو مهبط عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان، حيث سيخرج منه لقتل الدجال عنوان أكبر فتنة على وجه الأرض حتى قيام الساعة والأقصى المبارك هو آخر بناء سيبقى على وجه الأرض وفيه وستحشر البشرية ومنه ستحشر البشرية ليوم الحساب.
2- لذلك فالأقصى المبارك هو كالروح تجري في أجسادنا وكالدم يجري في عروقنا، وهو عافية للأبدان، وزاد للقلوب، ودليل للحيارى، وشمس للدنيا والدين، وعمود للإسلام، وسوط الله على الظالمين، لذلك ليعذرنا الجميع إذا واصلنا النداء “بالروح بالدم نفديك يا أقصى” وليعذرنا الجميع إذا واصلنا التأكيد بعد التأكيد أن الأقصى المبارك أغلى من أرواحنا، وضرورة الحفاظ عليه أغلى علينا من الحفاظ على حياتنا، وهو المقدم عندنا قبل مرضاة الخلق جميعا من ملوك وحكام ورؤساء وزعماء، وقادة ووزراء، وعباد وعلماء، وشعوب رجالا ونساء، وهو فوق كل مفاوضات، وليس أسيرا لأي تنازلات، ومن رضي لنفسه أن يتنازل عن حجر من الأقصى كان كمن تنازل عن كل الأقصى المبارك، ومن رضي لنفسه أن يتنازل عن حائط من الأقصى غربيا كان أم شرقيا أم شماليا أم جنوبيا كان كمن تنازل عن كل الأقصى المبارك، ومن رضي لنفسه أن يتنازل عن ذرة تراب فيه أو عن حجر فيه أو عن حائط فيه أو ساحة فيه فوق الأرض أو تحت الأرض فقد خان الله والرسول والذين آمنوا.
3- وعليه فإننا نقولها بصراحة لكل المجتمع اليهودي في كافة أماكن وجوده في العالم، وعلى اختلاف توجهاته في الحياة سواء كان متدينا أو علمانيا، وعلى اختلاف أدوار أبناء هذا المجتمع ومهماتهم سواء كانوا رؤساء أو مرؤوسين، نقولها لكم بصراحة، لا حق لكم في الأقصى المبارك، بل لا حق لكم في حجر من الأقصى المبارك، ولا حق لكم في ذرة تراب من الأقصى المبارك، ولا حق لكم في حائط من الأقصى المبارك، فهو الأقصى المبارك وليس هيكلا أولا أو ثانيا كما تدعون، وحائطه هو حائط الأقصى المبارك، وجانب من هذا الحائط هو ” حائط البراق ” وليس ” حائط المبكى ” كما تدعون، ونصارحكم القول إننا لا نعترف بشيء أسمه هيكل أول ولا هيكل ثاني، ولا نعترف بالحديث عن شيء اسمه هيكل ثالث بداهة، ونصارحكم القول أننا لا نعترف بشيء أسمه ” حائط المبكى ” ولا ” نفق الحشمونائيم ” {.. إن هي إلا أسماء سميتموها انتم وآباؤكم ما انزل الله بها من سلطان.. }، وادعاء رئيس الحكومة الإسرائيلي ” ايهود براك ” انه لا يوجد رئيس حكومة إسرائيلي على استعداد لمنح سيادة على الأقصى المبارك لغير اليهود، إن هذا الادعاء هو محض اعتداء صارخ على عالمنا الإسلامي والعربي وعلى شعبنا الفلسطيني، وادعاء وزير الأمن الداخلي والإسرائيلي ” شلومو بن عامي ” أنه يؤكد أن لحكومته الإسرائيلية حق السيادة على مباني الأقصى المبارك من تحت الأرض ومن فوق الأرض، ان هذا الادعاء هو محض اعتداء صارخ على عالمنا الإسلامي والعربي وعلى شعبنا الفلسطيني، وان ادعاء الحاخامية اليهودية أن لهم حق الصلاة في الأقصى المبارك أو حق بناء هيكل في الأقصى المبارك، وان هذا الادعاء هو محض اعتداء صارخ على عالمنا الإسلامي والعربي وعلى شعبنا الفلسطيني، ونرى من الضروري أن نؤكد أصحاب هذه الادعاءات المرفوضة إنما يدفعون العالم قاطبة إلى حرب دينية لا يعرف نتائجها إلا الله تعالى.
4- وعليه فإننا نخاطب كل امتنا الإسلامية وكل عالمنا العربي وكل شعبنا الفلسطيني، إننا نخاطب الحكام والملوك والرؤساء فيهم، إننا نخاطب العلماء والمفتين فيهم، إننا نخاطب الشعوب رجال ونساء، إننا نخاطب الجميع راجين منهم أن يكونوا على قدر المسؤولية المرجوة منهم، فلا نرضى لأنفسنا ولا نرضى لأي منهم أن نُسجل عند الله تعالى وكأننا خنا الأقصى المبارك وفرطنا فيه أو تنازلنا عن حجر أو ذرة تراب أو حائط أو ساحة منه، لا نرضى لأنفسنا ولا نرضى لأي واحد منهم أن نسجل عند الله تعالى وكأننا خنا الله والرسول والمؤمنين، لذلك فإننا ما زلنا نشكك ولا نصدق ما تقوله بعض وسائل الإعلام العالمية والمحلية وكان هناك موافقة إسلامية أو عربية أو فلسطينية على ” منح إسرائيل سيادة كاملة على حائط البراق “، نعم.. ما زلنا نشكك ولا نصدق ذلك لان هذا يعني التنازل عن عمود أساس من أعمدة الأقصى المبارك، وهذا يعني التنازل الكامل عن الأقصى المبارك، لذلك نربأ بالجميع أن ينزلق أحدهم هذا المنزلق، ونبرأ إلى الله تعالى من كل من ينزلق هذا المنزلق، وننصحه قائلين أن الأقصى المبارك ليس ملكا لحاكم أو عالم أو مفت أو مفاوض من كل عالمنا الإسلامي والعربي وشعبنا الفلسطيني، فهو حق ديني وتاريخي دائم ما دامت السماوات والأرض لكل فرد من الأمة الإسلامية بما في ذلك الأموات في قبورهم والأجنة في بطون أمهاتهم، لذلك فان المفرط في حجر أو ذرة أو حائط من الأقصى المبارك سيعتبر خائنا في نظر الأمة الإسلامية وسيموت خائنا وسيبعث عند الله تعالى من أكابر الخائنين يوم القيامة، نعم.. ننصح بهذه النصيحة المرة لأننا نطمع لأنفسنا ولكل فرد من امتنا الإسلامية وعالمنا العربي وشعبنا الفلسطيني أن نحيا أمناء وان نموت أمناء وان نبعث يوم القيامة، { يوم لا ينفع ما ولا بنون } ولا ملك ولا سلطان ولا حرس ولا إعلام ولا شهرة ولا منصب إلا من أتى الله تعالى بقلب سليم.
5- وأخيرا فإنني احيي صمود أهلنا في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، إنني احيي صمود هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار والهيئة الإسلامية العليا.. إنني أحييهم واشد على أياديهم وأبارك لهم صمودهم على موقفهم المنافح عن الأقصى المبارك حتى الآن وأقول لهم: اصبروا على هذا الموقف، فالشجاعة صبر ساعة، وموتوا على هذا الموقف ميتة الأمناء عند الله تعالى وعند خلقه، وإنني احيي صمود أهلنا الذين يشدون الرحال للصلاة في الأقصى المبارك أو الذين يشدون الرحال لإعمار الأقصى المبارك برعاية وإدارة ومسؤولية هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار، وأخص بالذكر ” جمعية الأقصى ” صاحبة الدور الأساسي، ثم لجنة التراث الإسلامية صاحبة الدور الطيب، إنني احيي تلك الأخت التي جادت بذهبها، وذلك العريس الذي جاد بنقوط عرسه، واحيي جيل الطفولة فينا الذي جادوا بما جمعوه من خزينة طفولتهم للمساهمة بإعمار الأقصى المبارك.. إنني أحيي كل هيئات الخير في عالمنا الإسلامي والعربي التي تتواصل مع هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار ولجنة التراث للمساهمة في إعمار الأقصى المبارك.. إنني احيي مساهمات بعض الدول الإسلامية والعربية لإعمار الأقصى المبارك والتي كان آخرها تبرع أمير الشارقة فضيلة الشيخ محمد القاسي بسجاد فاخر لفرش الأقصى المبارك، ونقول للجميع كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن النصر مع الصبر وان الفرج مع الكرب وان مع العسر يسرا “.
34. لو لم نقلها لأثمنا
1- كان ومن الواجب علينا أن نقولها، إحقاقا لحق الأقصى المبارك وإزهاقا لباطل أعدائه، ولو لم نقل لأثمنا، كان من الواجب علينا أن نقول بلغة واضحة لا تقبل إلا معنى واحدا أن المجتمع اليهودي في كافة أماكن تواجدهم لا حق لهم ولو في حجر من حجارة الأقصى المبارك، لا بل لا حق لهم ولو في ذرة تراب من الأقصى المبارك، حتى قيام الساعة، ولو لم نقلها لأثمنا، كان من الواجب أن نقول للرئيس الأمريكي (كلنتون) وللإدارة الأمريكية أن دعوتكم لتقسيم الأقصى المبارك على اعتبار أن ما فوق الأرض للمسلمين وما تحت الأرض لليهود، هذه الدعوة للتقسيم هي إعلان حرب عالمية دينية على عالمنا الإسلامي العربي وعلى شعبنا الفلسطيني، ولو لم نقلها لأثمنا، كان من الواجب علينا أن نؤكد لعالمنا الإسلامي العربي ولشعبنا الفلسطيني على صعيد الحكام خاصة وعلى المحكومين عامة، أن الأقصى المبارك أغلى علينا من حياتنا وأثمن عندنا من أرواحنا، وهو روح تجري في أجسادنا، ودم يجري في عروقنا، وان من فرط بحجر أو بذرة منه كان كمن فرط بكل الأقصى المبارك، وان من يرتكب هذه الجريمة فقد خان الله ورسوله والذين آمنوا، ولو لم نقلها لأثمنا، كان من الواجب علينا أن نقولها صريحة إننا لا نعرف شيئا أسمه (حائط المبكى) بل هو حائط البراق، وإننا لا نعرف شيئا اسمه (الاسطبلات) بل هو المصلى المرواني، ولا نعرف شيئا أسمه (باب خلده) بل هو باب النبي، ولا نعرف شيئا أسمه (هيكل أول ثان) بل هو المسجد الأقصى المبارك، ولو لم نقلها لأثمنا، كان من الواجب علينا أن نقولها صريحة أن دعوة الحاخامية اليهودية إلى بناء هيكل في ساحات الأقصى أو دعوة هذه الحاخامية إلى السماح لليهود بأداء صلاتهم في حرم الأقصى أو دعوة القيادة الدينية اليهودية أو القيادة السياسية اليهودية أنه لا يوجد سيادة لغير اليهود على المسجد الأقصى، إن كل ذلك هو عبارة عن إعلان حرب دينية عالمية على عالمنا الإسلامي العربي وعلى شعبنا الفلسطيني، ولو لم نقلها لأثمنا، نحن كجزء من عالمنا الإسلامي العربي وكجزء من شعبنا الفلسطيني ولو لم نقلها لأثمت كل الأمة الإسلامية العربية وكل الشعب الفلسطيني، ولكن قلناها فسقط الإثم عن جميع المسلمين والعرب والفلسطينيين.
2- قلناها ونحن نعلم أن مؤسسة (نجمة داوود الحمراء) كان قد طلب منها أن تستعد لحالات طوارئ خلال ساعات انعقاد المهرجان الخامس ” الأقصى في خطر ” لا بل منعوا موظفيها أن يخرجوا من هذه المؤسسة لإجازة خلال انعقاد المهرجان الخامس (الأقصى في خطر)، بل علمنا أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية كانت أعدت مجنزرات عسكرية في حالة تأهب انعقاد المهرجان الخامس (الأقصى في خطر) ومع ذلك كان علينا أن نقول ما قلناه، ولو لم نقلها لأثمنا.
3- قلناها ونحن نعلم أن عدد حضور المهرجان الخامس ” الأقصى في خطر ” زاد على السبعين ألفا، وان عدد القنوات الفضائية المختلفة زاد على العشرين قناة، وان عدد مراسلي الصحف العالمية والمحلية كان بالعشرات، فكانت لنا فرصة نادرة، قد لا تعود أن نذكر أنفسنا أولا، ثم نذكر عالمنا الإسلامي العربي وشعبنا الفلسطيني، ثم نذكر المجتمع اليهودي، ثم نذكر الأسرة الدولية قاطبة، وكانت لنا فرصة نادرة، أن نذكر رؤساء وملوك وحكام عالمنا الإسلامي العربي وشعبنا الفلسطيني، ولو لم نقلها لأثمنا.
4- حدثنا أحد المراسلين في إحدى وسائل الإعلام انه كان في المهرجان الخامس ” الأقصى في خطر ” وإذ بأحد المسؤولين في جهاز الشرطة الإسرائيلية، يتصل بهذا المراسل ثم يخبره أن عدد حضور المهرجان لا يزيد عن خمسة عشر ألفا، عندها قال له هذا المراسل بصريح العبارة أن الذين ينقلون لك هذه المعلومات يضللونك لأن عدد الحضور الحقيقي يزيد على الخمسين ألف، ومع ذلك أصر هذا المسؤول في جهاز الشرطة على هذا الرقم مغالطا نفسه ومدعيا كذبا كبيرا أن عدد حضور المهرجان لم يزد على الخمسة عشر ألفا، ومع وجود مثل هذا الجو البائس فقد قلناها ولو لم نقلها لأثمنا.
5- بهذه المناسبة أتحدث معاتبا بصراحة بعض الصحف في الضفة الغربية وقطاع غزة التي لم تبادر إلى إيفاد مراسل عنها، بل اكتفت أن تنقل أخبار المهرجان عن وكالة الأنباء الفرنسية التي قدرت العدد أربعين ألفا فقط !! الأمر الذي استفز أحد الأخوة الصحفيين في الضفة فاتصل بي غاضبا وقال لي أنه يحاول تصحيح هذا الخطأ الكبير الذي وقعت به صحافة الضفة والقطاع، فأجرى معي مقابلة حول مهرجان الأقصى الخامس (الأقصى في خطر) ثم بادر إلى نشرها جزاه الله كل خير، كما وأتحدث معاتبا بصراحة الفضائيات العربية التي تحدثت عن المهرجان وذكرت أن عدد الحضور كان عشرات الآلاف !! فأنا لا أعرف إلى الآن لماذا لم تذكر بصراحة عدد الحضور !! علما أن إحدى الفضائيات العربية قالت بصراحة في نشرتها الإخبارية أن عدد الحضور زاد الثمانين ألفا، كما وأتحدث بصراحة معاتبا الفضائية الفلسطينية التي كنت أتوقع أن أراها في المقدمة لتغطية هذا الحدث الكبير في تاريخ الأقصى المبارك، إلا أنها غابت مع شديد الأسف، ومع ذلك فقد اتصل بعض أفراد إدارتها بعد المهرجان ووعدوا خيرا، ومع وجود كل هذه المعطيات فقد قلناها ولو لم نقلها لأثمنا.
6- حدثني بعض الأخوة المنظمين من الفرق التي أشرفت على استقبال الضيوف الكرام، حدثني هؤلاء الاخوة انهم واصلوا استقبال الحافلات والسيارات على اختلافها، تلك التي تقل الضيوف خلال المهرجان حتى الساعة التاسعة والنصف ليلا، وبعدها لم تعد مدينة أم الفحم تتسع لسيارة واحدة، عندها أخذوا يعتذرون للضيوف و يلتمسون منهم العذر ويطلبوا منهم العودة من حيث أتوا، ولذلك فإن أحد مراسلي إحدى قنوات التلفاز الإسرائيلي كان يقوم بمهمة نقل بعض وقائع المهرجان بالبث المباشر فسئل عن عدد الحضور، فما كان منه إلا أن يقول، إني أرى أمامي ما يزيد على الأربعين ألفا وما زال الحضور يتوافدون بالآلاف !! لمثل كل هذه المعطيات فقد قلناها، ولو لم نقلها لأثمنا.
7- خلال ساعات انعقاد المهرجان كانت تصلنا رسائل كثيرة من الجمهور يؤكدون إيصال تبرعاتهم المالية لدعم مسيرة إعمار الأقصى المبارك، وكنا نناشد الأخوة القائمين على النظام أن تقدموا وتجولوا بين الناس وحاولوا أن تصلوا كل الحضور، إلا أن الاخوة القائمين على النظام كانوا يعتذرون أنهم لا يستطيعون ذلك، فلم تبق هناك ممرات ولا فراغات بين الناس، ومن الصعب جدا الوصول إلى كل الضيوف، ولعل هذا ما دفع بالبعض إلى أن يصلنا بشخصه. ويقدم المال أو الذهب، للمساهمة في إعمار الأقصى المبارك، ولعل هذا ما دفع بالبعض إلى أن يتصل بنا بعد انتهاء المهرجان بأيام ليقدم المال أو الذهب للمساهمة في إعمار الأقصى المبارك، لمثل كل هذه المعطيات فقد قلناها، ولو لم نقلها لأثمنا.
8- وإزاء التصريح الذي أوردته صحيفة (الأيام) بتاريخ 19/ 9/2000 ، والذي جاء في بيان صدر عن مكتب (ايهود براك ) حيث جاء فيه: ” إن إسرائيل لا تعارض فقط نقل السيادة على جبل الهيكل – أي الأقصى المبارك – إلى الفلسطينيين، بل ترفض تماما فكرة نقل السيادة إلى أية هيئة إسلامية ” وإزاء قول الصحفي ” موشيه زاك ” في صحيفة ” معاريف ” ان “… الفلسطينيين مواطني إسرائيل يعقدون اجتماعات احتجاجية في أم الفحم من أجل إنقاذ الأقصى كما لو كانت السلطات الإسرائيلية تعرض المسجد إلى الخطر..” وإزاء قول هذا الصحفي في نفس المقال “… استثمر الفلسطينيون سكان إسرائيل الكثير من الجهود لترميم المسجد الأقصى… ” إزاء كل ذلك فقد قلناها ولو لم نقلها لأثمنا.
35. هل المطلوب هو رأس الأقصى من خلال المدرسة العمرية؟!!
المحاولات المكشوفة والمخططات السرية التي تستهدف الأقصى المبارك كثيرة ومتواصلة، وكلها تهدف في نهاية الأمر إلى بناء هيكل على حساب الأقصى المبارك، أو على فرض سيادة يهودية أو السماح بأداء صلاة يهودية في حرم الأقصى كمقدمة أولى نحو الوصول إلى بناء هيكل على حساب الأقصى المبارك بعد ذلك، لذلك كان هناك مخطط يستهدف تحويل (المصلى المرواني) إلى كنيس يهودي، و(المصلى المرواني) كما نعلم هو جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك وتبلغ مساحته أربعة دونمات، إلا أن وقفة هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار الشجاعة ثم الدور الكريم الذي أكرمنا الله تعالى به، وبالتعاون مع لجنة التراث الإسلامي أفسدنا هذا المخطط السري من خلال إعمار (المصلى المرواني) وفتحه للصلاة أمام كل مسلمي العالم الذين باتوا يشدون الرحال إليه من كل فج عميق، ثم كان هناك مخطط يستهدف تحويل (الأقصى القديم) إلى كنيس يهودي، و(الأقصى القديم) كما نعلم هو جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك وتبلغ مساحته ما يزيد على الدونمين، إلا أن وقفة هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار الشجاعة ثم الدور الكريم الذي أكرمنا الله تعالى به، وبالتعاون مع لجنة التراث الإسلامي أفسدنا هذا المخطط السري من خلال إعمار الأقصى القديم وفتحه للصلاة أمام كل أهلنا من كل ديارنا المباركة، ومن كثير من بقاع عالمنا الإسلامي والعربي، ثم كان هناك مخطط يستهدف بناء هيكل في الزاوية الشرقية الشمالية من حرم الأقصى المبارك، وقد تولى كبر هذا المخطط الأمريكي اليهودي المدعو ” يسرائيل هوكنز ” حيث تجرأ وقابلني في بلدية أم الفحم وعرض علي هذا التخطيط، وكان جوابي له واضحا لا يقبل التأويل، حيث قلت له أنت بذلك تثير حربا عالمية دينية علينا وعلى عالمنا الإسلامي والعربي وعلى شعبنا الفلسطيني فحاول أن يلاطفني ويطلب عقد جلسة أخرى، إلا أنني قلت له مؤكدا ” أنه لا داعي لجلسة أخرى لأنه لا يمكن لنا أن نتفق حتى قيام الساعة وبعد قيام الساعة ” فخرج مدبرا مستكبرا، إلا أن وقفة هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار الشجاعة ثم الدور الكريم الذي أكرمنا الله تعالى به، وبالتعاون مع لجنة التراث الإسلامي أفسدنا هذا المخطط من خلال فتح أبواب المصلى المرواني العملاقة الواقعة شمال المصلى المرواني بمحاذاة الجدار الشرقي لحرم الأقصى المبارك، ثم بنينا مدرجا عملاقا ودرجا كبيرا ثم واصلنا تبليط ساحة الأقصى الداخلية الممتدة من هذه الأبواب العملاقة باتجاه شمال حرم الأقصى المبارك، وما زلنا نواصل تبليط هذه الساحة بإدارة هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار من خلال مؤسستنا (مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية) وبالتعاون مع لجنة التراث الإسلامي، وبذلك أسأل الله تعالى أن تتبخر أحلام اليقظة في مخيلة ” يسرائيل هوكنز ” وأمثاله إلى الأبد، ولكن من الضروري أن نصارح أنفسنا وأن نصارح المسلمين والعرب والفلسطينيين في كل مكان، من الضروري أن نقول للجميع أن المؤامرات التي تحاك بليل ونهار وسرا وعلنا لضرب الأقصى المبارك ما زالت متواصلة، ولعل دعوة الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية والمؤسسة الإسرائيلية الرسمية والشعبية، لعل دعوة كل هذه الأجسام إلى تحويل المدرسة العمرية إلى كنيس يهودي أو إلى إعطاء اليهود حق الصلاة فيها، لعل هذه الدعوة من أخطر الدعوات التي نودي بها مؤخرا لضرب الأقصى المبارك وذلك لعدة أسباب أذكر أهمها:
1- المدرسة العمرية تقع في الزاوية الشمالية الغربية من حرم الأقصى المبارك وهي جزء لا يتجزأ من حرم الأقصى المبارك.
2- تبلغ مساحة هذه المدرسة بكل طوابقها حوالي ثمانية دونمات وهي درة ثمينة من حرم الأقصى المبارك ومن بدائع التاريخ والحضارة الإسلامية العربية.
3- تقع تحت المدرسة العمرية أروقة ضخمة تشبه الرواق الأساس الذي يعتبر المدخل الأساس للمصلى المرواني، وهذه الأروقة الضخمة تمتد تحت أرضية ساحة الأقصى المبارك الداخلية وتمتد حتى تصل (تحت الأرض) إلى الصخرة المشرفة.
4- بمعنى أن وضع اليد على المدرسة العمرية من قبل المؤسسة الإسرائيلية يعني وضع اليد الإسرائيلية على هذه الأروقة الضخمة، ثم وضع اليد الإسرائيلية على الصخرة المشرفة، ثم على كل حرم الأقصى المبارك.
5- وفوق كل ذلك أن تحويلها إلى كنيس يهودي أو إعطاء اليهود حق الصلاة فيها يعني اقتطاع جزء ثمين من الأقصى المبارك.
6- تم فتح باب النفق الذي سمي – ضلالا وتضليلا – باسم (نفق الحشمونائيم) من تحت بوابة المدرسة العمرية، وهذا يعني أن النفق يربط بين هذه المدرسة وبين (حائط البراق) الذي سمي – ضلالا وتضليلا – باسم (حائط المبكى)، وبناء على هذه المعطيات فإذا أردنا أن ننظر إلى الأمام فيمكننا أن نقول: توهم أن المدرسة العمرية قد تحولت إلى كنيس يهودي، هذا يعني أنها ارتبطت مع (حائط البراق) من خلال (النفق)، وهذا يعني أنها ارتبطت مع الصخرة المشرفة من خلال الأروقة الضخمة الواقعة تحت الأرض، وهذا يعني ان هناك مسارا طويلا سيمتد تحت الأرض يبدأ بحائط البراق ثم النفق، ثم المدرسة العمرية، ثم الأروقة الضخمة، ثم الصخرة المشرفة ثم إلى أين ؟!
7- يؤكد بعض أهلنا الثقات أن القوات الإسرائيلية استخدمت المدرسة العمرية كمكان لقنص المتظاهرين المصلين في ساحات الأقصى المبارك.
8- يؤكد فضيلة الشيخ عكرمة صبري مفتي الديار المقدسة أن عدة سفارات غربية وأمريكية قد توجهت إليه خلال هذه الأشهر القريبة وسألته عن (المدرسة العمرية)، ومع أنه طوال الوقت كان يؤكد لهم أن المدرسة العمرية هي جزء من الأقصى المبارك، والمدرسة التنكزية المجاورة لها، والتي تقع على حائط الأقصى المبارك الغربي هي جزء من الأقصى المبارك، ومع انه كان يؤكد لهم أن كل الحائط الغربي بما يحمل فوق الأرض وتحت الأرض هو جز ء من الأقصى المبارك ( وحائط البراق) الذي سمي – ضلالا وتضليلا – باسم (حائط المبكى) هو جزء من الحائط الغربي وهو جزء من الأقصى المبارك، مع كل ذلك فما زال ممثلون عن هذه والسفارات يزورونه ويزورون غيره مستفسرين بأسلوب لحوح عن المدرسة العمرية، وهذا الأسلوب اللحوح يخفي الخطر الكثير الذي يتهدد الأقصى المبارك.
9- لذلك سألت منبها نفسي ومنبها كل المسلمين وكل العرب وكل الفلسطينيين في كل العالم: هل المطلوب هو رأس الأقصى المبارك من خلال المدرسة العمرية؟
10- ولذلك أبارك تلك الرسالة التي أعتبرها وثيقة تاريخية ثمينة، تلك التي أرسلتها ” مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية ” إلى كل رؤساء وملوك العالم الإسلامي والعربي، لذلك ولأهميتها فسأوردها في مقالتي كجزء من هذه المقالة بإذن الله رب العالمين:
نداء استغاثة من مؤسسة الأقصى
بسم الله الرحمن الرحيم
معالي رؤساء وملوك العالم الإسلامي والعربي المحترمين , الأخوة العاملين في اللجان الدولية الإسلامية والعربية , أهلنا في عالمنا الإسلامي والعربي , شعبنا الفلسطيني في كل مكان… السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد:
فقد رأينا من الواجب أن نؤكد لكم أن الاقتراح الذي يدعو إلى تحويل المدرسة العمرية الواقعة في الزاوية الشمالية الغربية لحرم الأقصى المبارك إلى كنيس يهودي أو السماح لليهود أداء صلاتهم في هذه المدرسة هو اقتراح خطير يهدف في نهاية الأمر إلى تدمير الأقصى المبارك وذلك لعدة أسباب, من أهمها ما يلي:
1- المدرسة العمرية هي جزء لا يتجزأ من الأقصى المبارك , ومعنى تحويلها إلى (كنيس يهودي) أو السماح لليهود بالصلاة فيها , إن معنى ذلك هو اقتطاع جزء مقدس وثمين من الأقصى المبارك.
2- المدرسة العمرية تبلغ مساحتها بمجموع كل طبقاتها ثمانية دونمات وهي إرث إسلامي ديني مقدس وهي إرث حضاري عربي , وهذا الاقتراح جاء ليدوس على كل ذلك.
3- يقع تحت المدرسة العمرية أروقة كبيرة تمتد تحت ساحات حرم الأقصى من الداخل وتصل إلى الصخرة المشرفة , لذلك إذا سكتنا عن تحويلها إلى (كنيس يهودي) أو (السماح لليهود الصلاة فيها) فإن ذلك يوقعها تحت سيطرتهم ثم يوقع الصخرة المشرفة وكل الأقصى المبارك تحت سيطرتهم علما أنه لا حق لليهود ولو في حجر من حجارة الأقصى لا بل لا حق لهم ولو في ذرة تراب من الأقصى المبارك.
4- يلاحظ في هذه الأيام توجه كثير من سفارات الدول الغربية إلى فضيلة الشيخ عكرمة صبري مفتي الديار المقدسة ومحاولة معرفة رأيه في المدرسة العمرية , ومع أن فضيلة الشيخ عكرمة صبري أكد لهم اكثر من مرة وبصورة واضحة وصريحة أن المدرسة العمرية جزء من الأقصى المبارك، وكل الحائط الغربي بكل مبانيه هو جزء من الأقصى المبارك إلا أن هذه السفارات الغربية ما زالت تردد هذا الاقتراح الداعي إلى تحويل المدرسة العمرية إلى كنيس يهودي أو السماح لليهود بأداء صلاتهم فيها، وهذا يعني أن هناك إصراراً من طرفهم، فما هو الإصرار الذي من طرفنا.
5- وفق كل ذلك نرى من الواجب أن نؤكد لكم أن القدس في خطر والأقصى في خطر وهما أمانة في أعناقنا حتى نلقى الله تعالى، وسيسألنا الله عنهما يوم القيامة هل حفظناهما أم ضيعناهما، لذلك فكلنا أمل، لا بل نتمنى عليكم أن نكون نحن وأنتم درعاً صلباً وشامخاً لحفظ هذه الأمانة.
6- هذا نداء لكم لأننا نطمع لأنفسنا ولكم أن نحيا أمناء وأن نموت أمناء وأن نلقى الله تعالى أمناء، حافظين للقدس الشريف، وحافظين للأقصى المبارك أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين.
7- وأخيراً اسأل الله تعالى أن يهدينا وإياكم لما يحبه ويرضاه، أسأل الله تعالى أن يرينا وإياكم الحق حقاً ويرزقنا اتباعه وان يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه !
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وأخيرا أؤكد لنفسي ولكم أهلنا في كل مكان أن هذه الأيام لا ينفع فيها نوم ولا غفلة، فاليقظة… اليقظة… اليقظة… فالأقصى في خطر
36. زلزال انتفاضة الأقصى (1)
لا أدري هل أدركت المؤسسة الإسرائيلية الرسمية والشعبية والمتدينة والعلمانية والحكومية والمعارضة، هل أدركت أن مجرد لمس الأقصى المبارك يعني تفجير العالم الإسلامي والعربي والشعب الفلسطيني ؟! هل أدركت أن المقولات التي أطلقها ايهود براك – رئيس الحكومة الإسرائيلية وكثير من وزرائه والتي أكدوا من خلالها انهم مصرون على السيادة الإسرائيلية المطلقة على الأقصى المبارك ورفض أي سيادة إسلامية هل أدركوا أن ذلك كان بمثابة إعلان حرب دينية على الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني؟! هل أدركوا أن المقولة الراسخة التي نؤكد انه لا حق للمجتمع اليهودي ولو في حجر أو ذرة تراب من الأقصى المبارك حتى قيام الساعة، هل أدركوا أن هذه المقولة الراسخة مغروزة في قلب وعقل كل مسلم وعربي وفلسطيني ؟! هل أدركوا أن كل مسلم وعربي وفلسطيني يعتقد اعتقادا راسخا أن قضية الأقصى المبارك قضية مصيرية في حياته، يوم يسعى لنصرتها فهو يباشر ذلك ليس كمتضامن فقط، بل على اعتبار انه جزء من قضية الأقصى المبارك والقدس الشريف، وعلى اعتبار أن المعركة الحضارية للحفاظ على الأقصى المبارك والقدس الشريف هي معركته الأساس ؟! هل أدركوا أننا نحن الجماهير الفلسطينية في المثلث والجليل والنقب والمدن المختلطة نعتقد اعتقادا راسخا أننا جزء من قضية الأقصى المبارك والقدس الشريف ولسنا مجرد متضامنين معها ؟! هل أدركوا أن العنتريات اليهودية التي باتت تطالب ببناء هيكل في الأقصى المبارك أو التي باتت تطالب بحق أداء صلاتهم في الأقصى المبارك والتي كانت تطالب بتقسيم الأقصى المبارك أو هدمه، والتي أدى (شارون) مشهدا منها لدى اقتحامه للأقصى المبارك يوم الخميس الماضي الموافق 28/9/2000م.
هل أدركت المؤسسة الإسرائيلية أن كل هذه العنتريات اليهودية بمجرد مسها الأقصى المبارك قد أيقظت كل نائم وقد نبهت كل غافل في العالم الإسلامي والعربي وفي الشعب الفلسطيني وفي جماهيرنا العربية داخل المثلث والجليل والنقب والمدن المختلطة ؟! لا ادري هل ستقف المؤسسة الاستراتيجية الإسرائيلية الأمنية والعسكرية والسياسية منها عند الحقائق أم أنها ستدفن رأسها في الرمال وتتجاهل كل ذلك، وتخدع نفسها وتخدع المجتمع اليهودي في كل العالم وتكتفي ببعض التهويشات الإعلامية التي راح يرددها رئيس الحكومة (موشيه كتساف) ووزير الأمن الداخلي (البروفيسور شلومو بن عامي) ووزير الداخلية (حاييم رامون) ومسؤول جهاز المخابرات سابقا (كرمي جيلون) حيث يرجمون الحركة الإسلامية بحرب بياناتهم الإعلامية، فمن قائل منهم ” أن الشيخ رائد صلاح هو اخطر شخصية في الوسط العربي “، ومن قائل منهم ” ان الحركة الإسلامية هي لوحدها وقفت من وراء الأحداث ” ومن قائل منهم إن مهرجان ” الأقصى ” هو الذي حرك الجماهير، ومن قائل منهم ” أن الشيخ رائد صلاح أكبر محرض على إسرائيل في العالم الإسلامي والعربي ” أعود وأقول: هل ستختار المؤسسة الإسرائيلية بكامل اذرعها أن تقف عند الحقائق التي أوردتها أم أنها ستكتفي بحرب التهويش الإعلامي، سيما وأنها تملك الإعلام العالمي والعبري وبعض الإعلام العربي ؟ !
ولكن بغض النظر عن كل ما ذكرت فسيبقى الأقصى المبارك هو (المولد الحي) وهو (المحرك القوي) لمسيرة جماهير الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني، ولا أدل على ذلك من انتفاضة الأقصى المبارك، وما سجلته في عقولنا وقلوبنا، وما حفرته في ذاكرة الأيام وما صنعته من موقف شملت تحركا عالميا شمل الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني والجاليات الإسلامية والعربية في الولايات المتحدة وأوروبا، نعم إنها انتفاضة الأقصى، وهذا يعني انتفاضة الحق الديني والإرث التاريخي والمخزون الحضاري لدى كل مسلم وعربي وفلسطيني في كل العالم، ولذلك فان المراقب لأحداث انتفاضة الأقصى يمكنه أن يسجل الشيء الكثير على الصعيد العالمي عامة وعلى صعيدنا المحلي خاصة وعلى سبيل المثال لا الحصر:
1- لقد تحرك العالم الإسلامي والعربي والشعب الفلسطيني في كافة أماكن وجوده في العالم، ولأول مرة خلال هذه الحقبة التي سماها البعض (الزمن الرديء) والتي عاب فيها البعض على المسلمين والعرب نومهم الطويل، فجاءت انتفاضة الأقصى واستيقظ النائم وخرجت الجماهير غاضبة في المحيط العربي وفي الخليج العربي ودول الشرق الأوسط العربي وفي العالم الإسلامي وفي الولايات المتحدة وأوروبا، وما زالت المسيرة الصاخبة تكبر ككرة الثلج، المتدحرجة يوما بعد يوم، ولا يوجد عاقل يحترم نفسه ينكر أن ذلك كان كنتيجة لهذه الرافعة العملاقة في تاريخنا الطويل ألا وهي الأقصى المبارك.
2- لذلك فإنني أقولها ناصحا لنفسي وناصحا للملايين ” المملينة ” من المسلمين والعرب عامة وللملوك والحكام المسلمين والعرب خاصة، ما كان للنائم أن يبقى نائما، وما كان للغافل أن يبقى غافلا، وما كان للحكام والملوك أن تبقى في واد وجماهيرنا المسلمة والعربية في واد آخر، لان حركة التغيير مقرونة في نهاية الأمر بإرادة الجماهير بعد مشيئة الله تعالى، لذلك ننصح حكام وملوك المسلمين والعرب ان يسرعوا ويلتحموا مع جماهيرهم ومع طموح جماهيرهم الغاضب والواعد، لان سنة الله تعالى في الحياة ألا يبقى حاكم في حكمة ولا ملك في ملكه والعاقبة بعد الصبر واليقين للمتقين.
3- وعلى صعيدنا المحلي هبت جماهيرنا في المثلث والنقب والجليل والمدن المختلطة، هبت رجالا ونساء وأطفالا تؤكد تلاحمها مع الأقصى المبارك والقدس الشريف، هبت تردد ” بالروح بالدم نفديك يا أقصى ” هبت تردد ” بالروح بالدم نفيدك يا شهيد “: هبت تردد ” لا اله إلا الله والشهيد حبيب الله ” ويوم أن سولت لقوات الجيش الإسرائيلي أنفسهم ان يكسروا إرادتنا وان يفلوا عزمنا ثارت المواجهات وانفجر الغضب في كل مكان، فأصيب المئات من أهلنا بالجراح وسالت دماء زكية من جراحهم تلعن ظلم الظالم وغطرسة المستبد، وتقدم الجميع كوكبة الشهداء الأبرار، نعم تقدمنا جميعا هؤلاء الشهداء النجوم
1- الشهيد محمد احمد عيق جبارين – أم الفحم.
2- الشهيد احمد إبراهيم صيام من قرية معاوية – أم الفحم.
3- الشهيد مصلح حسين أبو جراد من دير البلح – أم الفحم.
4- الشهيد رامي غرة – جت.
5- الشهيد صبحي لوابنة – الناصرة.
6- الشهيد عماد فرج غنايم – سخنين.
7- الشهيد وليد عبد المنعم أبو صالح – سخنين.
8- الشهيد اسيل عاصلة – عرابة.
9- الشهيد علاء نصار – عرابة.
10- الشهيد رامز بشناق – كفرمندا.
11- الشهيد محمد غالب خمايسة – كفركنا.
4- وكانت هناك اللطائف الربانية التي أحاطت بنا خلال انتفاضة الأقصى، وكانت هناك المواقف الأخيرة التي سجلها الشهداء قبل أن يرحلوا عنا إلى عالم الخلود، كل ذلك يحتاج إلى توثيق وسأتابع ذلك في مقالات قادمة إن شاء الله تعالى، وافتتح ذلك بما رواه لي أحد أهلنا الأحباب في مدينة أم الفحم، حيث قال لي انه كان عائدا إلى بيته لأداء صلاة الظهر في يوم الأحد الموافق 1/10/2000م، وهو يوم المواجهات الأول في المثلث والجليل والنقب والمدن المختلطة، قال فلما اقتربت من بيتي، والله شهيد على ما أقول، سمعت صوتا يقول: الشيخ رائد سيصاب في هذا اليوم، قال: فأخذت أدعو الله تعالى، والله اعلم بما دعوت، فلما دخلت البيت قال لي آهل بيتي إن الشيخ رائد أصيب وكانت هناك محاولة لقتله، ولهذا الأخ من أم الفحم الذي لم اذكر اسمه أقول له إننا نحبك في الله.
يتبع
37. زلزال انتفاضة الأقصى (2)
خلال كتابة هذه السطور وقبل أن انهي ملاحظاتي حول انتفاضة الأقصى المبارك حدث أن هاجمت سوائب اليهود المتطرفين مدينة الناصرة، وأدى ذلك إلى مواجهات عنيفة وقف أهلنا فيها في فسطاط ووقف اليهود في فسطاط آخر يدعمهم الجيش الإسرائيلي وقد أسفرت هذه المواجهات عن استشهاد:
1- الشهيد عمر عكاوي من مدينة الناصرة.
2- الشهيد وسيم حمدان يزبك – مدينة الناصرة.
وقد سمعت من بعض الأخوة خبرا لم أتأكد منه وهو وجود شهيد ثالث من اريحا ما زال مجهولا استشهد خلال تلك المواجهات، وبذلك يصل عدد شهداء انتفاضة الأقصى إلى أربعة عشر شهيدا، وعليه فما زلت أؤكد أن هذه الكوكبة من الشهداء قد سطرت مواقف مضيئة تجسد ومضة أمل في ظلمة هذا الحاضر، ولذلك سأتابع توثيق هذه الملاحظات التي لما أسجلها كلها حتى الآن:
1- الشهيد محمد محمود عيق من مدينة أم الفحم، هو الشهيد الأول في انتفاضة الأقصى 1/10/2000م في مدخل مدينة أم الفحم خلال المواجهات مع قوات حرس الحدود الإسرائيلي وقناصته، وقد حدثني بعض أهل الشهيد أنه كان يأكل رغيف ” مناقيش زعتر ” قبل ساعات من استشهاده، وقد أكل نصف الرغيف فقط ثم ترك النصف الآخر على أمل ان يعود ثم يتناوله فيما بعد، إلا انه كان على موعد آخر مع رغيف (مناقيش) آخر ليس في الدنيا وإنما في الآخرة، هناك حيث الروح والريحان والنعيم الكريم، هناك حيث اعد الله تعالى للشهداء ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
2- الشهيد احمد إبراهيم صيام ، هو الشهيد الثاني في مواجهات مدينة أم الفحم، وقد جُرح في اليوم الأول من المواجهات بتاريخ 1/10/2000م وظل ينزف دما إلى ان فاضت روحه في اليوم الثاني من المواجهات بتاريخ 2/10/2000م وقد حدثني بعض أهله أنه قبل إصابته بيوم واحد فقط كان يجلس مع جدته، فلاحظت عليه انه قد أطلق لحيته فسالته جدته وقالت: لماذا أطلقت لحيتك يا احمد وأنت ما زلت في مقتبل عمرك… يكفيك انك شاب تصلي وتصوم وتسعى إلى حفظ القرآن الكريم ؟! فقال لها الشهيد احمد هذه لحية الشهادة يا جدتي !! قال ذلك ثم استشهد وكأنه كان على موعد مع الشهادة !! نعم صدق الله فصدقه الله تعالى.
3- الشهيد مصلح حسين إبراهيم أبو جراد، استشهد في مدخل مدينة أم الفحم خلال المواجهات التي وقعت بتاريخ 2/10/2000م وهو من قطاع غزة، وقد قام بعض الأخوة بإيصاله إلى أهله بارك الله فيهم، وقد حدثني أحد الأخوة الأفاضل الذي قام بنقله، حدثني وقال: لما اقترب والده منه بكيت بصوت خافت وسالت دموعي ساخنة على خدي، فلما رآني والده قال لي، أرجوك لا تبك !! ابني مصلح شهيد !! وانا على يقين ان امه قد أعدت له (زغرودة) لتستقبله بها !! فلما سمعت ذلك لم اتمالك نفسي وارتفع صوت بكائي !! ثم ودعتهم واخذو الشهيد مصلح إلى غزة.
4- الشهيد رامي غرة استشهد في مدخل قرية جت، حيث كان يقف مع بعض أهلنا وفجأة مرت سيارة حرس حدود عسكرية فأطلقت عليه الرصاص بتاريخ 1/10/2000م فجرح جراحا بالغة وظل دمه ينزف حتى فاضت روحه واستشهد بتاريخ 2/10/2000م، وكان لي شرف لقاء والده الذي عانقني عندما رأيته رابط الجأش مطمئنا لقدر الله تعالى، وكم فوجئت عندما جلست فقام أحد أخوة الشهيد واخذ يطوف علينا ليوزع الفواكه والحلويات احتفالا باستشهاد ابنهم الشهيد رامي.
5- الشهيد إياد صبحي لوابنة، استشهد خلال المواجهات في مدينة الناصرة، وقد حدثني بعض من عرفه وقال لي: ان اياد كان يستمع لنشرة الأخبار وخلال النشرة سمع عن الشهداء في مدينة أم الفحم فترك بيته فورا ودخل في مواقع المواجهات ثم استشهد، وحدثوا عن والد الشهيد اياد ما أقول لكم، فقد قابلته بعد ذلك وعانقته فقال له: بقي لي لي كذا أولاد فداء الأقصى المبارك.
6- الشهيد عماد فرج غنايم، استشهد في مواجهات مدينة سخنين وكان من قبل معروفا انه من عشاق المسجد الأقصى المبارك، وحدثني من عرفه من أهله وإخوانه انه كان ملازما لصلاة الفجر في المسجد وكان صاحب همة عالية لخدمة المسجد الأقصى المبارك، وقد أكرمني الله تعالى وقابلت والده في بيت الشهادة، وخلال عناقي له قال لي: شهادة ابني عماد تأكيد منا لعهد الحفاظ على المسجد الأقصى المبارك.
7- الشهيد وليد عبد المنعم أبو صالح، استشهد في مواجهات مدينة سخنين، وكان على موعد مع الشهادة هناك، وما لفت انتباهي إعجابا وإكبارا هو موقف والده الذي كان يستقبل وفود الآلاف من وسطنا العربي ببسمة ترحاب وتهلل وجه، وقد أكد خلال عناقي له ان شهادة ابنه وليد وهي تجديد عهد مع الله للحفاظ على المسجد الأقصى المبارك.
8- الشهيد اسيل عاصلة، استشهد في مواجهات قرية (عرابة) وترك من بعده والدا صبورا محتسبا شهادة ابنه عند الله تعالى وقد قابلته مرات بعد استشهاد اسيل فكان يضمني بحرارة ثم يتكلم ويسمعني ويسمع كل الحضور ان اسيل قد استشهد دفاعا عن الأقصى المبارك ودفاعا عن المقدسات، لا بل دفاعا عن الحقوق العادلة لكل الإنسانية، ولعل لفتة لا أنساها من والد الشهيد، حيث وقف في بيت الشهادة يذكر قيادة الوسط العربي بضرورة الوحدة وتكاتف الصف دائما.
9- الشهيد علا نصار، استشهد في مواجهات (عرابة) وقد قتُل غدرا وعدوانا فقد حدثني من رأي لحظات استشهاده ان القتلة من حرس الحدود العسكري قد أطلقوا عليه الرصاص من مسافة قريبة جدا فنال الشهادة أما القتلة فباؤوا بوزر جريمتهم، وترك الشهيد من بعده والدا صابرا محتسبا شهادة ابنه عند الله تعالى، فقد قابلته وعانقته وكان يصبر كل من حضر ويقول: كنت اعرف ان علاء سيحظى بهذه النهاية الكريمة، لقد ربيته لمثل هذه اللحاظ.
10- الشهيد رامز بشناق، استشهد في مواجهات قرية (كفرمندا) وقبيل استشهاده كان المؤذن قد أذن لصلاة المغرب، فصلى الشهيد رامز من موقع المواجهات ثم تابع دوره واستشهد، وترك لنا صورته التي كانت محببة إليه إلا وهي صورته في ساحات المسجد الأقصى المبارك، وحدثني بعض إخوانه عن سيرته فقالوا: انه كان من خير الرجال، أما والده فقد التقيته بعد ذلك وعانقته وجلست قربه، وخلال جلوسي مر علينا أحد أهله ببعض الحلوى، فاعتذرت، فقال لي: والده، لا يجوز ان تعتذر !! يجب ان تأكل !! هذه حلاوة الشهادة في سبيل الله.
11- الشهيد محمد غالب خمايسي، استشهد في مواجهات قرية كفركنا وكان شابا يافعا، ترك الدنيا على موعد مع الشهادة وزهد بزينة الدنيا طامعا بما عند الله تعالى، وما عند الله خير وأبقى، وقد ترك الشهيد من بعده والدا صابرا وصلب العزيمة فقابلته وعانقته، وقابل الآلاف وكان كما هو نعم الصابر ونعم المحتسب اجره عند الله، لم يتكلم إلا القليل القليل، ولكنه كان متهلل الوجه، يستقبل الوفود بكل سرور وترحاب.
12- الشهيد عمر عكاوي استشهد في مواجهات مدينة الناصرة الأخيرة، وحدثني بعض إخوانه انه كان من المواظبين على الصلاة في مسجد شهاب الدين، وقد سمع قبل استشهاده ان سوائب اليهود المتطرفين قد هاجموا الحي الشرقي في مدينة الناصرة فترجل إلى الأمام وكأني به يردد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من قتل دون أهله فهو شهيد ” وقد ترك من خلفه أهلا صابرين ومحتسبين، قابلناهم ورحبوا بنا مبتسمين مسرورين.
13- الشهيد وسيم حمدان يزبك، استشهد في مواجهات مدينة الناصرة الأخيرة مع أخيه في الشهادة عمر عكاوي، نعم تقدم كما تقدم عمر، وكأني به ردد ما كان يردد عمر مستذكرا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من قتل دون أهله فهو شهيد ” وقد حدثني بعض إخوانه أنه كان خلوقا أديبا ترك الدنيا وقد واظب قبل ذلك على الصلاة في مسجد الأبرار لأكثر من سنة قبل استشهاده، وقد ترك من خلفه أهلا صابرين ومحتسبين التقينا بهم في بيت شهيدهم، فكانوا يقدمون الحلوى لنا ولكل الوفود.
يتبع
38. زلزال انتفاضة الأقصى (3)
بالإضافة إلى أن المسجد الأقصى المبارك حق خالص وخاص إسلامي عربي فلسطيني إلى قيام الساعة، بالإضافة إلى ان المجتمع اليهودي لا يملك حقا ولو في حجر أو ذرة تراب من المسجد الأقصى المبارك إلى قيام الساعة، بالإضافة إلى كل ما ذكرت فقد ثبت بالدليل القطعي المتواصل أن الأمة الإسلامية العربية والقيادة الإسلامية والعربية هي الوحيدة التي تستأمن على رعاية وإعمار الأقصى المبارك، وجاءت انتفاضة الأقصى لتؤكد أن كل الأمم المختلفة غير الأمة الإسلامية العربية قد عاثت في الأقصى المبارك فسادا وقتلا في الفترات التاريخية السابقة وفي هذه الفترة الحاضرة التي احتلت فيها الأقصى المبارك بحق النار والبطش والاضطهاد، نعم لا نحتاج إلى أكثر من نظرة متأنية تراجع تاريخ الأقصى المبارك حتى نقف على حقيقة مفادها أن الأمم غير المسلمة والعربية قد هان عليها حرمة الأقصى المبارك وحرمة عباده فلم تتردد أن تهدم وتحرق وتقتل بغض النظر عن لغات وأجناس وألوان تلك الأمم غير المسلمة والعربية، وقد ختم ذلك بمجزرة الأقصى الأخيرة التي يتحمل وزرها في الدنيا والآخرة رئيس الحكومة الإسرائيلية ” ايهود براك ” ومساعده ” شلومي بن عامي ” وفي المقابل لا نحتاج إلى أكثر من نظرة متأنية تراجع تاريخ الأقصى المبارك الطويل حتى نقف على حقيقة مفادها أن الأمة الإسلامية والعربية هي الوحيدة التي حفظت العهد مع الأقصى المبارك وعباد الأقصى المبارك، فلم تهدم ولم تحرق ولم تقتل، بل رعت الأقصى المبارك وعمرت بناءه وحفظت حرمته وحرست عباده وأكرمت علماءه، ونحته عن عالم الرجس والدنس والنجس، ولم ترق فيه قطرة دم، ولم تغتصب في أكنافه امرأة، ولم تتخذه اسطبلا للخيول، بل أقامت فيه المدارس لطلبة العلم الذين شدوا إليه الرحال من كل الدنيا، وأنشأت فيه سبل المياه الساقية والرفادة في سبيل الله، وشيدت فيه المصاطب والقباب والبوائك والمآذن نصرة للأقصى المبارك وترسيخا لمعالم التوحيد فيه، لذلك فنحن أمام صورتين لا ينكرها عاقل، صورة حضارية تمثلها الأمة الإسلامية العربية من خلال رعايتها للأقصى المبارك، وصورة قبيحة دموية تمثلها كل الأمم غير الأمة الإسلامية والعربية، من خلال إفساد هذه الأمم في الأقصى المبارك ماضيا وحاضرا، بحيث أن مجرزة الأقصى الأخيرة – كما قلت – جاءت حلقة من حلقات الهدم والقتل والتي أوقعتها هذه الأمم على الأقصى المبارك وعلى عُبّاده العزل، وتوضيحا لهاتين الصورتين، صورة الأمة الإسلامية والعربية الحضارية في مقابل صورة الأمم القبيحة غير الإسلامية والعربية، توضيحا لهما سأورد بعض الشواهد من الماضي والحاضر عن الصورة القبيحة التي رسمتها الأمم غير المسلمة والعربية من خلال هدمها وقتلها في الأقصى المبارك، ثم انتقل إلى صورة الأمة الإسلامية العربية الحضارية خلال تاريخها المجيد الطموح إلى حاضر مجيد كذلك بعز عزيز وبذل ذليل.
1- بعد وفاة نبي الله سليمان عليه السلام تمزقت حياة بني إسرائيل التي من بعده، وبسبب هذا التمزق قامت مملكة ” إسرائيل ” ضمت “شكيم ” وقامت مملكة ” يهوذا ” التي ضمت في حينه القدس، وقد تتابع على مملكة ” يهوذا ” عشرون ملكا يهوديا أكثرهم مات قتلا بأيدي قومهم، ومالت حياتهم إلى الفساد والشرك، ويشهد على ذلك حبر من أحبارهم هو السموال بن يحيى المغربي الذي أسلم وكتب رسالته ” إفحام اليهود ” حيث يقول ” فأشتد على اليهود من جميع هذه المماليك ما نالهم من ملوكهم العصاة مثل أحاب وأحزيا… الذين قتلوا الأنبياء وبالغوا في تطلبهم ليقتلوهم، وعبدوا الأصنام وأحضروا من البلاد سدنة لأصنام وابتنوا لها البيع العظيمة والهياكل وعكف على عبادتها الملوك “.
2- في عام 605 قبل الميلاد زحف ” نبوخذ نصر ” إلى ان وصل القدس، وبعد سنوات من دخوله إلى القدس خربها وحولها إلى أكوام من الأنقاض.
3- في عام 332 قبل الميلاد استولى الإسكندر على القدس ودخلها ثم مات بعد ذلك، فكان أن حلت الفوضى في البلاد عامة وفي القدس خاصة وغرقت في الخراب.
4- في عام 70 م دخل القائد الروماني ” طيطس ” مدينة القدس وأعمل فيها النهب والحرق والقتل وساق لها أسرى ثم باعهم بأبخس الأثمان في أسواق الإمبراطورية الرومانية، وخلد الرومان نصرهم على اليهود يومها بالعبارة، اللاتينية المشهورة (هبْ، هبْ، هورا -) ومعنى العبارة (الآن سقطت أورشليم).
5- في عام 135م أثار ما تبقى من اليهود الشغب في مدينة القدس فقام الإمبراطور الروماني ” هدريان ” ودمر القدس وحرثها بكل ما فيها من أبنية حتى أنه لم يبق فيها حجرا على حجر، ثم قتل عددا كبيرا من اليهود وسبى عددا آخر ثم منعهم من دخولها، أو السكن فيها أو الدنو منها، وسمى مدينة القدس (إيليا)، فلم يبق من آثار المباني اليهودية ولا من معابدهم حجر على حجر، وانقطعت صلتهم بالقدس مدة ثمانية عشر قرنا متواصلة، فلم يسكنها بعد عام 135 ولمدة ألف سنة يهودي واحد، كما لم يكن فيها في القرون الخمسة التي تلت المدة المذكورة اكثر من خمسين يهوديا.
6- في عام 614م دخلت جيوش الفرس بيت المقدس، فأشعلت النار في كنيسة القيامة وسويت على الأرض، وقتل من المسيحيين يومها أكثر من ستين ألف نسمة، قال ابن البطريق في وصف هذا المشهد ” فأما خسرو – القائد الفارسي – فسار إلى الشام فأخربه ونهب أهله، وصار إلى بيت المقدس، فاجتمع إليه اليهود من طبريا وجبل الجليل والناصرة، وجاءوا إلى بيت المقدس فكانوا يعينون الفرس على خراب الكنائس وقتل النصارى، فلما صار إلى بيت المقدس، خربوا الكنائس واحرقوها، وقتل اليهود من النصارى كثرتهم… “.
7- في عام 1099م دخل الصليبيون ” بيت المقدس ” لبثوا أسبوعا يقتلون المسلمين، وقتلوا بالمسجد الأقصى المبارك ما يزيد على سبعين ألفا، منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم، ممن فارق الأوطان وجاور بذلك الموضع الشريف، ثم قام الصليبيون بتحويل المسجد الأقصى المبارك إلى إسطبل لخيولهم وما زالت الحلقات التي حفروها في أعمدة المسجد الأقصى المبارك لعقل خيولهم بها، ما زالت هذه الحلقات موجودة حتى الآن، بالذات في أعمدة المصلى المرواني وهو جزء أساس من حرم الأقصى المبارك، ثم حفر الصليبيون أسطوانة طويلة في أعلى الصخرة الموجودة تحت قبة الصخرة المشرفة وهناك كانوا يذبحون ذبائحهم، ثم قاموا بتحويل المسجد الكبير الذي هو جزء أساس من الأقصى المبارك، والذي اشتهر لدى المسلمين باسم الأقصى المبارك، قام الصليبيون بتحويل هذا المسجد الكبير إلى مقر لقيادتهم العسكرية.
8- في الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم الأحد 9/12/1917 دخل الجيش البريطاني بيت المقدس، ثم توالت سلسلة من المصائب على المسجد الأقصى المبارك، ففي أيار من عام 1918م طلب وايزمن من السلطة العسكرية البريطانية التوسط لشراء الممر المؤدي إلى حائط البراق – وهو ما يسميه اليهود ضلالا وتضليلا باسم المبكى – وقدم وايزمن ثمانين ألف جنيه ثمنا، ولكن أهل القدس رفضوا ذلك بالإجماع، وفي حزيران من عام 1919، نزلت فلسطين لجنة (كنغ – كرين) وأبرقت من القدس في 20/ 6/ 1919 إلى ويلسون (امريكيا) قالت فيها ” إن عرب فلسطين من المسلمين ومسيحيين متحدون في جبهة واحدة في معارضة واحدة لا تقبل جدلا ضد الهجرة اليهودية، وضد إنشاء وطن قومي لليهود كما جاء في وعد بلفور، وجميعهم هنا – من أمريكان وإنكليز – مقتنعون بأن سياسة بلفور لا يمكن أن تنفذ إلا بقوة السلاح ” وفي يوم الجمعة 23/8/1929 قامت ثورة أهل فلسطين من أجل حماية حائط البراق الذي كان يسعى اليهود للاستيلاء عليه وتحويله ضلالا وتضليلا إلى ما أسموه ” حائط المبكى ” فكانت حصيلة هذه الثورة استشهاد 661 شهيدا وجرح 232 جريحا، ثم أصدرت بريطانيا على 27 آخرين حكما بالإعدام، وخفف الحكم على 24 واحدا منهم، ونفذ الحكم في ثلاثة هم: عطا أحمد الزير، ومحمد خليل جمجوم، وفؤاد حسن حجازي.
9- في عام 1967 سقطت مدينة القدس وسقط الأقصى المبارك ودخله جيش الاحتلال الإسرائيلي ثم توالت المصائب تترى على الأقصى المبارك مباشرة خلال أيام سقوطه عام 1967، فخلال تلك الأيام قامت القوات الإسرائيلية بإزالة حي المغاربة الملاصق لحائط البراق عن الوجود، ثم حولوا حائط البراق زورا وبهتانا إلى ما أسموه ” حائط المبكى ” وفي يوم 21/8/1969 قام المجرم ” دينيس مايكل وليم روهان ” – أحد أذناب الصهيونية بحرق الأقصى المبارك، ثم توالت عملية الحفريات في حرم الأقصى المبارك إلى الآن من قبل المؤسسة الإسرائيلية الرسمية، ثم كانت عشرات المحاولات بهدف نسفه أو بناء هيكل على حسابه ، ثم كانت مجزرة الأقصى الأولى عام (1990)، ثم كانت مجزرة الأقصى الثانية عام (1996) على أثر افتتاح النفق، ثم كانت مجزرة الأقصى الثالثة في يوم 29/9/2000م حيث أعقبتها انتفاضة الأقصى المبارك وما زالت حصيلة انتفاضة الأقصى المبارك حتى الآن، ما يزيد على مائة شهيدا، وأكثر من ثلاثة آلاف جريح.
يتبع
39. زلزال انتفاضة الأقصى (4)
ما زلت أؤكد أن نظرة متأنية تراجع تاريخ الأقصى المبارك الطويل توقف الإنسان على حقيقة مفادها أن الأمة الإسلامية العربية والقيادة الإسلامية العربية هي الوحيدة التي تستأمن على رعاية وأعمار الأقصى المبارك، وأن غير الأمة الإسلامية العربية قد عاثت في الأقصى المبارك فسادا في الفترات التاريخية السابقة وفي هذه الفترة الحاضرة، والتي يعاني فيها الأقصى المبارك من احتلاله بقوة النار والبطش والقتل والاضطهاد، وفي الحلقة الأخيرة كنت قد أوردت شواهد تبرز صورة الأمم القبيحة غير الإسلامية العربية وما أوقعت في الماضي والحاضر من هدم وقتل وفساد في الأقصى المبارك، وفي هذه الحلقة سأورد شواهد تبرز الصورة الحضارية للأمة الإسلامية العربية وكيف رعت الأقصى المبارك خلال تاريخها الطويل.
1- في عام 637 م أكرم الله تعالى الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه بفتح بيت المقدس، ومباشرة بعد الفتح بادر الفاروق عمر رضي الله عنه بكتابة ” عهد ” لأهل بيت المقدس النصارى، وقد جاء في هذا العهد ” بسم الله الرحم الرحيم: هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أمانا لأنفسهم، وأموالهم ولكنائسهم، وصلبانهم، وسقيمها، وبريئها وسائر ملتها، ان لا تُسكن كنائسهم، ولا تهدم ولا ينتقص منها، ولا من حيزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بايلياء، معهم أحد من اليهود… “.. وعلى ما في هذا الكتاب، عهد الله وذمة رسوله، وذمة الخلفاء، وذمة المؤمنين، اذا اعطوا الذي عليهم من الجزية..”.
2- نقل عبد الله التل في كتابه ” خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية ” ترجمة مخطوط باليونانية وجده في دير المصلبة في القدس، يسجل المخطوط تفصيل حادث مجيء الخليفة عمر إلى القدس، ومما جاء فيه “… ثم دعاه البطريرك صفرونيوس لتفقد كنيسة القيامة فلبى الدعوة، وأدركته الصلاة وهو فيها فالتفت إلى البطريرك وقال له: اين أصلي ؟ فقال مكانك صل، فقال: ما كان لعمر أن يصلي في كنيسة القيامة، فيأتي المسلمون من بعدي ويقولون: هنا صلى عمر، ويبنون عليه مسجدا، وابتعد عنها رمية حجر، وفرش عباءته وصلى، وجاء المسلمون من بعده وبنوا على مصلاه مسجدا، وهو قائم على رمية حجر من كنسة القيامة إلى يومنا هذا “.
3- من خلافة بني أمية تم توكيل (رجاء بن حيوه) و(يزيد ابن سلام) لمتابعة بناء (قبة الصخرة) وإنفاق ما يحتاجه بناؤها من أموال، ورجاء بن حيوه كان من العلماء الأعلام ومن جلساء عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، أما يزيد بن سلام فكان مولى لعبد الملك بن مروان وهو من أهل بيت المقدس، وبعد أن باشرا العمل وأتما بناء (قبة الصخرة) كتبا إلى الخليفة بدمشق ” قد أتم الله ما أمر به أمير المؤمنين من بناء قبة صخرة بيت المقدس والمسجد الأقصى ولم يبق لمتكلم فيه كلام، وقد بقي ما أمر به أمير المؤمنين من النفقة عليه – بعد أن فرغ البناء وأحكم – مائة ألف دينار فيصرفها أمير المؤمنين فيما أحب، فكتب اليهما أمير المؤمنين: قد أمرت بها لكما جائزة لما وليتما من عمارة البيت الشريف المبارك، فكتبا إليه: نحن أولى أن نزيده من حلي نسائنا فضلا عن أموالنا فأصرفها في أحب الأشياء إليك، فكتب اليهما تسبك وتفرغ على القبة فسكبت وأفرغت عليها “.
4- في عام 120 هـ أواخر العهد الأموي، حدث زلزال سقط بسببه شرقي المسجد وغربه، ولما زار الخليفة أبو جعفر المنصور العباسي مدينة القدس عام 141 هـ طلب منه أهل القدس أن يصلح المسجد، فأمر بقلع الصفائح الذهبية والفضة التي كانت ملبسة على أبواب المسجد الأقصى من عهد بنائه الأول، وضربت نقودا وتمت عمارة المسجد.
5- في عام 774م وقع البناء الذي أقامه الخليفة أبو جعفر المنصور، بسبب زلزال آخر ، فأمر الخليفة المهدي بإعادة بنائه،فبنى المسجد هذه المرة بعناية كبيرة، وأنفقت عليه أموال طائلة، وهنا أؤكد ان إعمار الأقصى المبارك كان مشروع تنافس بين الخلفاء بني أمية وخلفاء العباسيين، فقد روي ان الخليفة العباسي المهدي لما قدم يريد بيت المقدس دخل مسجد دمشق، ومعه أبو عبيد الله الشعري كاتبه فقال: يا أبا عبد الله ! سبقتنا بنو أمية بثلاث، فقال: وما هي يا أمير المؤمنين، فقال: بهذا البيت – يعني مسجد دمشق – ولا أعلم على ظهر الأرض مثيله، ونبل الموالي، فان لهم موالي ليس لنا مثلهم، وبعمر بن عبد العزيز، لا يكون والله فينا مثله أبدا، ثم أتى بيت المقدس، فدخل قبة الصخرة، ثم قال: يا أبا عبد الله وهذه رابعة “.
6- في عهد الخلفاء العباسيين حصلت زلزلة ثالثة بعد إصلاح المهدي، فأصاب المسجد خراب، فأمر الخليفة المأمون في أواخر سنة 216 هـ بترميم وإعمار ما يحتاجه المسجد الأقصى المبارك، وقام بالبناء قائده عبد الله بن طاهر بعد سنة 210 هـ.
7- بتاريخ 2/10/1187 م تم تحرير المسجد الأقصى المبارك على يد القائد المظفر المسلم صلاح الدين الأيوبي، وبعد تحريره مباشرة، قام القائد صلاح الدين بقلع الصليب الكبير المذهب الذي كان على رأس قبة الصخرة، ثم أمر بتطهير المسجد والصخرة، من الأقذار والأنجاس، ثم أمر بإحضار منبر نور الدين محمود زنكي من حلب ونصب في المسجد الأقصى المبارك، قال صاحب الأنس الجليل: ولما تسلم السلطان صلاح الدين الأيوبي القدس أمر بإظهار المحراب، وكأن الداوية قد ينوا في وجهه جدارا وتركوه هُريا (مخزنا) وقيل اتخذوه مستراحا، وبنوا غربي القبة دارا وسيعة وكنيسة، فهدم ما قدام المحراب من الأبنية، ونصب المنبر واظهر المحراب، ونقض ما أحدثوه بين السواري، وفرش المسجد بالبسط، وعلقت القناديل وكان يوما مشهودا.. “قال صاحب الأنس الجليل: ” واما الصخرة، فقد كانت الفرنجة بنوا عليها كنيسة ومذبحا، وجعلوا فيها الصور والتماثيل، فامر السلطان بكشفها ونفض الغبار المحدث فيها، واعادها كما كانت ورتب لها امام حسن القراءة، ووقف عليها دارا وارضا وحمل اليها والى محراب المسجد الأقصى مصاحف وختمات وربعات شريفة، ورتب للصخرة وللمسجد خدمه “.
8- توفي صلاح الدين الأيوبي بدمشق عام 1193م فعهد إلى أولاده وأخيه من بعده بمتابعة إعمار الأقصى المبارك، فتم بناء إنشاءات كثيرة، في داخل المسجد الأقصى المبارك ومن حوله، فتم إنشاء حارة المغاربة، ثم إنشاء المدرسة الأفضلية في حارة المغاربة، ثم بناء جامع عمر عام 589 هـ الواقع قرب كنيسة القيامة، ثم بناء قبة المعراج في سنة 597 هـ ثم القبة النحوية في سنة 604 هـ ثم سبيل شعلان في سنة 613 هـ.
9- في عام 667 هـ نجح القائد المسلم (الظاهر بيبرس) بالقضاء على مملكة إنطاكية الصليبية، وهو الذي كتب الله تعالى على يديه كسر الغزو المغولي في معركة (عين جالوت) فقام هو ومن بعده من خلفاء المسلمين الذين اشتهروا باسم (المماليك) قاموا بمشاريع إعمار رائعة في حرم الأقصى المبارك، شملت بناء الأروقة في المسجد الأقصى، وبناء المآذن والمدارس والسبل، وقنوات المياه، وتم تجديد تذهيب قبة الصخرة .
10- في عهد الخلافة الإسلامية العثمانية كانت هناك مشاريع اعمار متواصلة في حرم المسجد الأقصى المبارك، فتم تجديد بناء أسوار مدينة القدس الشريف، وتم بناء بعض القباب والمحاريب وتم تجديد ترميم قبة الصخرة لدرجة ان عارف العارف قال في كتابه (تاريخ قبة الصخرة) ” والمعروف ان تلك العمارة كانت من اضخم العمارات التي تمت في الصخرة، وأنها شملت بناء الصخرة الأساسي ونقوشها الداخلية وقد دام العمل بضع سنين ” وظلت مشاريع الإعمار متواصلة على عهد الخلافة الإسلامية العثمانية دون توقف وكان ختامها ما قام به السلطان عبد الحميد الثاني، حيث جدد عمارة سبيل (قايتباي) وزود المسجد الأقصى المبارك بالسجاد الفاخر والثريا الثمينة، وفي عهده كتبت سورة (يس) بالخط الثلث في الصخرة ووضع فوق قبتها الهلال الحالي .
11- قام المجلس الإسلامي الأعلى في عام 1927 م بمشروع اعمار أشرف عليه المهندس التركي كمال الدين بك أستاذ الهندسة في جامعة استانبول وفي عام 1927م حدث الزلزال الذي الحق بالمسجد الأقصى المبارك الضرر الذي لم يظهر إلا في عام 1936، فقام المجلس الإسلامي الأعلى بالتعاون مع الحكومة المصرية بمشروع إعمار عام 1937.
12- من خلال وزارة الأوقاف الأردنية، تم إعادة وإعمار قبة الصخرة عام 1966، كما وتم إعمارها للمرة الثانية في بداية التسعينات، وما زالت وزارة الأوقاف تقوم بدورها من خلال هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار.
13- في هذه الحقبة العصيبة التي تمر على الأقصى المبارك، ورغم المؤامرات والدسائس التي تحاك ضده، إلا انه تم بفضل الله رب العالمين ثم بجهود هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار ثم بدور الجندي المتطوع من مؤسسة الأقصى لإعمار لمقدسات الإسلامية، وكذلك لجنة التراث الإسلامي، تم اعمار المصلى المرواني ثم اعمار الأقصى القديم ثم فرش كل منهما بالسجاد الفاخر وتزويدهما بالثريا الفاخرة.
14- ويبقى المسجد الأقصى المبارك بحاجة ماسة إلى جهود مباركة من كل الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني بهدف التعاون على اعماره ورد كرامته إليه، فها هو الأقصى المبارك بكل حجر فيه ينادينا قائلا:
أنا ثالث الحرمين لا أبقى سوى أن تستحي من نكبتي يا أمتي