تأليف: د. أحمد الحيلة (كاتب ومحلل سياسي)

لتحميل ملف Word + pdf لهذه المقالة المحكمة:

https://drive.google.com/open?id=1n4T8AXf0IaICemOlNwpkHH4-tbYGTlLA&authuser=mail%40palscholars.org&usp=drive_fs

لتحميل ملف Word + pdf لكامل كتاب (ندوة صفقة القرن .. رؤية شرعية وقراءة استراتيجية):

https://drive.google.com/drive/folders/1r2-BGQF0Y5IXWzFDRP3goka9jrfh_rW9?usp=sharing

بُعيد تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية في الـ 20 من كانون الثاني/يناير من العام 2017، أعلن عن عزمه التدخل لإحلال السلام بإنهاء الصراع الفلسطيني ـ “الإسرائيلي” في منطقة الشرق الأوسط.

وفي حزيران/يونيو من العام 2019 أعلن مستشار وصهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر من العاصمة البحرينية، المنامة، عن تفاصيل الشق الاقتصادي من خطة السلام الأمريكية، بعنوان “السلام من أجل الازدهار” رؤية لتحسين حياة الشعبين الفلسطيني و”الإسرائيلي”، من خلال تأمين استثمارات دولية بقيمة 50 مليار دولار على مدى عشر سنوات.

 وفي ذات السياق، وبعد جولات ولقاءات سياسية متعددة ومكثّفة، أجراها الطرف الأمريكي مع الكيان الصهيوني، ومع العديد من الدول العربية المعنية؛ أعلن الرئيس ترامب، في الـ 28 من كانون الثاني/يناير من العام 2020، عن الشق السياسي لخطته للسلام والتي عُرفت إعلامياً وفي الأوساط السياسية بـ “صفقة القرن”.

شملت خطة الرئيس الأمريكي ترامب، تصوراً لـ “حل” قضايا الصراع والخلاف القائم بين الفلسطينيين والاحتلال “الإسرائيلي”، موزعة على 22 عنواناً رئيسياً، وكان من أبرز ما جاء فيها:

أولاً: سمات الدولة الفلسطينية المقترحة:

تناولت خطة الرئيس ترامب فكرة الدولة الفلسطينية، استناداً لأمرٍ واقعٍ أحدثه الاحتلال في الضفة الغربية بعيداً عن القرارات الدولية ذات الصلة، ومنها القرارات 242، و338، و194؛ واقعٍ احتلالي صادر مساحات شاسعة من الضفة الغربية، وعزل المدن والقرى عن بعضها البعض؛ وفرض حواجز عسكرية وأمنية تجاوزت الـ 98 حاجزاً ثابتاً، وأخرى متنقلة.

1. أرض الدولة الفلسطينية:

تذهب خطة الرئيس ترامب إلى اللا-عودة لحدود الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967، والمنصوص عليها في القرار الدولي رقم 242 والذي على أساسه تقوم المفاوضات بين الاحتلال “الإسرائيلي” ومنظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف)؛ فما تقترحه “صفقة القرن”، يعتمد على تثبيت وقائع احتلالية بفعل قوة الأمر الواقع، ومنها:

  • ضم المستوطنات وأراضٍ للكيان “الإسرائيلي”، تصل مساحتها لنحو 40% من إجمالي مساحة الضفة الغربية. 
  • إنشاء شبكة معقدة من الطرق والجسور، المُتحكّم بها “إسرائيلياً”، للوصل بين المدن والبلدات الفلسطينية في الضفة الغربية، وبينها وبين قطاع غزة.
  • استعداد الولايات المتحدة للاعتراف بالسيادة “الإسرائيلية” على الأغوار الفلسطينية ـــ تشكّل نحو 30% من مساحة الضفة الغربية ـــ التي تُعدّ عصباً اقتصادياً ومصدراً أساسياً للمنتجات الزراعية، ومنفذاً برياً وحيداً وطبيعياً للدولة الفلسطينية المفترضة مع الأردن.

2. عاصمة الدولة الفلسطينية:

  • القدس:

تعتبر “صفقة القرن” القدسَ عاصمة موحّدة لدولة الاحتلال “الإسرائيلي”، في الوقت الذي لا تمانع فيه من إقامة عاصمة لدولة فلسطين في الضواحي المجاورة لشرقي مدينة القدس (في منطقة كفر عقب أو في القسم الشرقي من بلدة شُعفاط أو في بلدة أبو ديس). وتَعِد الولايات المتحدة بإقامة سفارة لها في تلك الضواحي (عاصمة دولة فلسطين). هذا التصوّر “المستقبلي” لمدينة القدس، استبقته واشنطن بخطوة استفزازية حينما أقدمت على نقل سفارتها من تل ابيب إلى القدس بتاريخ 14 أيار/مايو 2018، تزامناً مع ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني، في إشارة أمريكية لحسم موقفها بالانحياز الكامل للاحتلال “الإسرائيلي”، وهو ما يتعارض، ليس فقط مع القانون الدولي، وإنما أيضاً مع أبسط متطلبات الوساطة السياسية بين الأطراف المتنازعة.

وهنا يجدر الإشارة إلى أن قرار الرئيس ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس جاء تنفيذاً لتشريع صادر عن الكونغرس باسم (تشريع سفارة القدس لعام 1995) في دورته 104 في 23/10 1995، والذي يُعبّر عن رغبة الولايات المتحدة الأمريكية نقل سفارتها في “إسرائيل” إلى القدس بدلاً من تل ابيب، والاعتراف بالقدس عاصمة لدولة “إسرائيل”، وذلك في موعد أقصاه أيار/مايو 1999؛ ولكن تنفيذ القرار أُجّل أكثر من مرّة إلى أن أقره الرئيس ترامب في 6 كانون الأول/ديسمبر من العام 2017.

  • الأماكن الإسلامية والمسيحية في القدس:

تنزع الخطة الأمريكية السيادة الفلسطينية عن الأماكن الإسلامية والمسيحية المقدسة بما فيها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، لصالح بسط السيادة “الإسرائيلية” عليها، مع إتاحة المجال لإبقاء الرعاية الدينية للمملكة الأردنية الهاشمية على المسجد الأقصى.

  • الفلسطينيون في القدس:

بشأن السكان المقيمين في مدينة القدس، تنص الخطة على تخيير الفلسطينيين المقيمين داخل الجدار الأمني القائم على خط الهدنة لعام 1949، بأحد الخيارات الثلاثة:

  1. إما أن يصبحوا “مواطنين” عرب في دولة “إسرائيل”.
  2. أو الاحتفاظ بوضعهم كمقيمين في “إسرائيل”.
  3. أو يصبحوا مواطنين في دولة فلسطين المرتقبة.

3. السكان في الدولة الفلسطينية:

تقترح “صفقة القرن”، بأن تستوعب الدولة الفلسطينية، المزمع إقامتها، السكان الفلسطينيين المتواجدين في الضفة الغربية وقطاع غزة، على ما تبقى لها من أراضٍ بعد ضم المستوطنات والأغوار الفلسطينية لدولة الاحتلال “الإسرائيلي”، والتي تشكل ـــ المستوطنات والأغوار ـــ  نحو 40% من مساحة الضفة الغربية.

  • اللاجئون الفلسطينيون:

لا تعترف خطة الرئيس ترامب (صفقة القرن) بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجّروا منها قسراً، بل تشترط الخطة لإبرام اتفاقية سلام بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”، تخلّي الفلسطينيين عن أي حقوق تاريخية أو قانونية كفلها لهم القرار الأممي الشهير (194)، والذي نصّ على حق العودة والتعويض. كما تشترط الخطة أيضاً حل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى “الأونروا”، واستبدال مخيمات اللاجئين بأحياء سكنية. 

بداية لا بد من الإشارة إلى أن نسبة اللاجئين الفلسطينيين تقدر وفقاً لأحدث الاحصاءات بـ 67.4% (أي بواقع 8.990 مليون لاجئ، أما المسجلين كلاجئين لدى وكالة “الأونروا” فيبلغ عددهم 6.172 مليوناً) من مجموع الشعب الفلسطيني البالغ تعداده حتى مطلع العام 2020 نحو 13.350 مليوناً.

وفي هذا السياق، فإن خطة الرئيس ترامب تنص على أن:

  • اللاجئ الفلسطيني الذي لا يحظى بإقامة دائمة، عليه أن ينتظر الشروط التي قد تنطبق عليه للإقامة في دولة فلسطين المتوقعة، أو الدمج في الدول العربية، أو التوطين في أحد الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي على مدار عشر سنوات
  • الفلسطينيون في منطقة المثلث:

تطرح “صفقة القرن” فكرة ضم منطقة المثلث الواقعة شمال فلسطين المحتلة عام 1948، والتي تشمل بلدات (كفر قرع، وعرعرة، وياقة الغربية، وأم الفحم.. الخ)، إلى الدولة الفلسطينية، مع إمكانية إعادة رسم الحدود لدولة “إسرائيل” اليهودية.

  • ·       “اللاجئون اليهود”:

في المقابل تعترف خطة ترامب بحق “اللاجئين اليهود” الذين هاجروا “لإسرائيل” من البلاد العربية والتي تدعو إلى تعويضهم عن ممتلكاتهم التي فقدوها في الدول العربية، وما تحمّلته “إسرائيل” من نفقات لاستيعابهم.

ثانياً: مظاهر السيادة:

في سياق الحديث عن المظاهر السيادية لدولة فلسطين المرتقبة، وعلاقتها بدولة الاحتلال “الإسرائيلي”، فالخطة الأمريكية تحمل في طياتها العديد من النقاط المثيرة للانتباه، ومنها:

  • إلزام الفلسطينيين بالاعتراف بـ “يهودية الدولة الإسرائيلية”.
  • ألا تشكّل الدولة الفلسطينية، بأي شكل من الأشكال، خطراً على الأمن “الإسرائيلي” كما يرتئيه الإسرائيليون.
  • ألا تقع غزة تحت حكم حركة “حماس” أو التنظيمات الفلسطينية المسلحة.
  • أن تكون القوانين الفلسطينية مقيِّدة لأي نشاط مقاوم للاحتلال.
  • تغيير المناهج التعليمية بما يضمن وقف التحريض على الاحتلال.
  • مقاومة إيران، ومحاصرة نشاطاتها.
  • لا يجوز للسلطة الفلسطينية، أثناء المفاوضات، الانضمام لأي منظمة دولية دون موافقة دولة “إسرائيل”.
  • أن تكون فلسطين المقترحة، دولة منزوعة السلاح تماماً مع التزامها بما يلي:
  • منع أي تنظيم مسلح.
  • يمنع تطوير أي قدرات عسكرية في الداخل أو الخارج.
  • يحق للبحرية “الإسرائيلية” منع وصول الأسلحة والمواد المحظورة إلى دولة فلسطين.
  • يمنع على دولة فلسطين توقيع اتفاقيات عسكرية أو استخباراتية أو أمنية مع أي دولة أو منظمة تهدد الأمن “الإسرائيلي”، وفقاً للتقديرات “الإسرائيلية”، وفي حال وجود أي تهديد أمني يستهدف “إسرائيل” سيكون من حق “إسرائيل” القيام بعمليات عسكرية داخل حدود الدولة الفلسطينية.
  • من حق “إسرائيل” أن تدمّر أي منشأة فلسطينية تراها خطراً عليها.
  • الحدود والمعابر:
  • o      “إسرائيل” مسؤولة أمنياً عن المجال الجوي للدولة الفلسطينية.
  • تبقى كافة معابر الدولة الفلسطينية خاضعة لرقابة السلطات “الإسرائيلية”.
  • تبقى المياه الإقليمية لغزة تحت السيطرة “الإسرائيلية”.
  • ربط الضفة الغربية وقطاع غزة بخطوط نقل سريعة، خاضعة للسيطرة “الإسرائيلية”.
  • يخضع نهر الأردن للسيادة “الإسرائيلية”، وتعويض المزارعين الفلسطينيين.

ثالثاً: المعتقلون:

الإفراج عن السجناء الفلسطينيين، ما لم يكونوا من المقاومين المتهمين بارتكاب “جرائم قتل أو شروع بالقتل”.

رابعاً: “إسرائيل” في محيطها الإقليمي:

تكون العلاقات “الإسرائيلية” مع محيطها من خلال:

  • تعزيز مسار التطبيع بين الدول العربية و”إسرائيل”، والتشارك في علاقات مع أوروبا.
  • التعاون العربي “الإسرائيلي” لمواجهة حركتي “حماس” وحزب الله.
  • السماح للفلسطينيين باستخدام الموانئ “الإسرائيلية” في حيفا وأسدود.
  • تسهيل العبور بين الأردن وفلسطين مع حق “إسرائيل” في الرقابة.
  • إنشاء منطقة تجارة حرة بين الأردن وفلسطين.
  • تَعِد الولايات المتحدة الأمريكية بوضع نهاية لاعتماد الفلسطينيين على المؤسسات الخيرية والمعونة الأجنبية.

خامساً: الموقف الفلسطيني، ومواقف المجتمع الدولي:

نشير بداية إلى مواقف مسبقة لبعض المسؤولين الأمريكيين والتي تعكس التصور الأمريكي للصراع وكيفية حلّه:

  • وزير الخارجية بومبيو (18 نوفمبر 2019): لا تعتبر واشنطن الاستيطان مخالفاً للقانون الدولي”.
  • السفير الأمريكي لدى الكيان الصهيوني ديفيد فريدمان: في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز، 8 حزيران/يونيو 2019، قال: “في ظل ظروف معينة، أعتقد أن إسرائيل تملك الحق في المحافظة على جزء من الضفة الغربية، لكن على الأغلب ليس كل الضفة الغربية”، وأضاف “آخر ما يحتاجه العالم هو دولة فلسطينية فاشلة بين إسرائيل والأردن”.

تلك المواقف المسبقة توضّح مدى انحياز وتبنّي واشنطن للرؤية الصهيونية، التي لا تنظر للفلسطينيين كأمّة أو قومية لها حقوق وطنية، وحق في تقرير المصير، وفقاً للسيرورة التاريخية أو وفقاً للقانون الدولي.

ردود الفعل المحلية والدولية:

مع إعلان الرئيس ترامب عن خطته لحل الصراع الفلسطيني/العربي ـــ “الإسرائيلي”، توالت ردود الأفعال الدولية تجاه تفاصيل الخطة، والتي كان أبرزها ما يلي: 

  • فلسطين:

رفضت (م.ت.ف)، وحركتي “فتح” و”حماس”، والقوى الفلسطينية كافة، الخطةَ على اعتبارها وصفة لتصفية القضية، بما يتناقض مع الثوابت الفلسطينية، وتزامن ذلك مع إعادة النظر وتعليق العمل بالاتفاقيات الموقّعة مع الاحتلال.

  • الأمم المتحدة:

انتقدت الأمم المتحدة الخطة، مؤكدة على حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود العام 1967، وقد صرّح متحدث باسم الأمين العام قائلاً؛ “يتعهد الأمين العام أنطونيو غوتيريش بمساعدة “الإسرائيليين” والفلسطينيين التوصّل إلى سلام قائم على قرارات المنظمة الدولية، والقانون الدولي، والاتفاقات الثنائية ورؤية الدولتين بناءاً على حدود ما قبل العام 1967″.

  • منظمات إقليمية:

رفضت جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومفوضية الاتحاد الإفريقي الخطة واعتبرتها تجاوزاً لحقوق الشعب الفلسطيني، وانتهاكاً للقانون وللقرارات الدولية.

  • الاتحاد الأوروبي:

أكد الاتحاد الأوروبي التزامه بالتفاوض على أساس حل الدولتين، ودعا إلى ضرورة مراعاة التطلعات المشروعة لكل من الفلسطينيين و”الإسرائيليين”، مع احترام جميع قرارات الأمم المتحدة، والاتفاقيات الدولية.

  • الصين:

أكدت وزارة الخارجية الصينية على “حل الدولتين”، ومبدأ “الأرض مقابل السلام” كأساس لحل القضية الفلسطينية.

  • روسيا الاتحادية:

عارضت موسكو خطة ترامب، وتمسكت بحل الدولتين.

  • تركيا:

اعتبرت بأن الخطة “تهدف إلى القضاء على حل الدولتين وسرقة الأراضي الفلسطينية” وبأن الخطة “ولدت ميّتة”.

سادساً: الكيان الصهيوني وعقيدته السياسية:

 شهد المجتمع الصهيوني في العقدين الأخيرين انزياحاً كبيراً نحو اليمين المتطرف، لا سيّما نحو حزب الليكود، ويمين الليكود باتجاه الأحزاب الدينية المتطرفة، حتى أصبحت أحزاب اليسار أو الوسط الصهيوني بالكاد تحافظ على وجودها من خلال استرضاء الجمهور عبر تبنيها المزيد من المواقف اليمينية.

  • الضفة الغربية والقدس في عقيدتهم السياسية:
  • الضفة الغربية:

أكّد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتانياهو، والذي حظي بأطول فترة حكم متواصلة في تاريخ دولة الاحتلال، في (أيار/مايو 2011) بأنّ: “وجود اليهود في الضفة الغربية ليس احتلالاً، بل عودة إلى أرض الأجداد، فالأرض حق تاريخي لليهود”.

  • القدس:

أعلن الكيان الصهيوني “رسمياً” بسط سيادته الاحتلالية على مدينة القدس، عبر تشريعٍ في الكنيست “الإسرائيلي” عُرف بـ “قانون القدس” ، وذلك بتاريخ 30 يوليو/تموز 1980.

وفي 2 يناير 2018، صادق الكنيست على قانون “القدس الموحّدة”، وأكد فيه أن الانسحاب من شرقي القدس أو تسليم أي جزء منها، سيكون مرهوناً بمصادقة غالبية استثنائية لا تقل عن ثمانين عضواً من أعضاء الكنيست.

وأكد بنيامين نتانياهو في عدة مناسبات تمسكه بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني؛ ففي خطاب أمام المجتمع الدولي في 23 أيلول 2011، أكد بأن القدس ستكون موحدة تحت السيادة “الإسرائيلية”، واستغرب من دعاوى الفلسطينيين بأن “إسرائيل” تهوّد القدس، متسائلاً: “هل يُقال لأمريكا إنها تؤمرك نيويورك!”.

  • حركة السيادة؛ أحد معالم التطرف السياسي في المجتمع الصهيوني:

تأسّست حركة السيادة في الكيان الصهيوني عام 2010، كجماعة ضغط (لوبي) لدعم السيادة “الإسرائيلية” على الضفة الغربية عن طريق التنظير الإيديولوجي، والنشاط السياسي الميداني.

وفقاً لمنظور حركة السيادة؛ فإن خطر إزالة المستوطنات يخيّم دائماً على أي مشروع تسوية مستقبلية مع الفلسطينيين. وسبب هذا التخوف عدم تمكن اليمين من تقديم رؤية سياسية بديلة لحل الدولتين. والبديل الذي تطرحه حركة السيادة هو مبدأ السيادة “الإسرائيلية” الكاملة على الضفة الغربية بوصفها جزءاً من “أرض إسرائيل الكبرى”، وتسعى لمنع إقامة دولة فلسطينية بأي ثمن.

ولكن هذا لا يعني حصول فلسطينيي الضفة على المواطنة “الإسرائيلية” وحقوق سياسية ومدنية متساوية. بل تتبنى الحركة تطبيق أشكال مختلفة من الفصل العنصري، كمنح الفلسطينيين “سلطات حكم ذاتي” على مناطق مفكّكة بحيث لا يسمح لهم بالتصويت في الكنيست “الإسرائيلي”، وأن يتم التعامل معهم كمقيمين، كما هو الحال مع سكان القدس.

يتعاظم تأثير حركة السيادة على الديناميات السياسية “الإسرائيلية”، إذ يؤيد غاياتها 39 عضواً في الكنيست، منهم 25 ممن شغلوا مناصب وزارية حكومية. وبالتالي، فإنها تعمل جنباً إلى جنب مع اليمين من أجل خلق حقائق جديدة في الضفة الغربية.  أسهمت الحركة في تعزيز خطاب السيادة على الضفة ضمن هياكل الليكود وأحزاب اليمين، وظهر ذلك في انتخابات 2019 حيث أبدا نتانياهو نيته فرض السيادة على الضفة سعياً لجذب أصوات اليمين.

وتسعى الحركة لتعزيز التشريعات الداعمة للاستيطان، وتعمل على توفير ميزانيات أكبر للبناء الاستيطاني، بالإضافة إلى تعزيز رؤيتها للحل عبر المجتمع المدني والمؤسسات التعليمية والكليات الدينية، وتنظيم نشاطات شعبية ومظاهرات داعمة.

وبلغ تأثيرها شخصيات أمريكية مؤثرة مثل ديفيد فريدمان؛ السفير الأمريكي لدى الكيان “الإسرائيلي”، وشيلدون أديلسون؛ رجل الأعمال الأمريكي الجمهوري القوي الذي موّل نفقات إنشاء السفارة الأمريكية في القدس، وأنفق مئات الملايين لدعم الاستيطان واليمين في الكيان “الإسرائيلي”.

سابعاً: قراءة سياسية في صفقة القرن وتداعياتها:

لطالما حرصت واشنطن على تقديم فكرة القرارات الدولية وحل الدولتين أساساً لحل الصراع “الإسرائيلي” -الفلسطيني. ولكن تجاوزت إدارة الرئيس ترامب هذا التقليد وتبنت الرؤية الصهيونية المبنية على سياسة فرض الأمر الواقع بعيداً عن المرجعيات الدولية.

  • أسباب تراجع الموقف الأمريكي (الوسيط المفترض):

تراجع الموقف الأمريكي لعدة أسباب:

  1. السمات الشخصية للرئيس ترامب، والذي يؤمن بمقدرته على فعل ما لم يفعله سابقوه في البيت الأبيض، بصفته أحد تجليات التيار الإنجيلي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية.
  2. ضعف الحالة العربية نتيجة عدة عوامل أهمها:
  3. استنزاف الدول والشعوب العربية بالثورات والثورات المضادة، والتي لا زالت تداعياتها قائمة.
  4. سعي بعض الأنظمة العربية لحماية نفسها من التحولات الجماهيرية خلف جدار الحماية الأميركي، ولتعويض الفجوة في شرعيتها الوطنية بشرعيات خارجية داعمة لها.
  5. ضعف وانقسام الفلسطينيين على أنفسهم، وهذا يعود لعدة عوامل أهمها:
  6. فشل قيادة (م.ت.ف) وحركة “فتح” في إدارة المشهد الوطني، بفشل برنامجها السياسي المبني على خيار التسوية السياسية المتوقّف منذ نيسان/أبريل 2014، وبفقدانها أوراق القوة كالقوة العسكرية أو المقاومة الشاملة للاحتلال، وتراجع حاضنتها الشعبية الناظرة بعين الشك في كفاءتها السياسية، ما أضعف شرعيتها الوطنية وتمثيلها للفلسطينيين.
  7. مراوحة مشروع المقاومة الذي تقوده حركة “حماس”، والعجز عن إحداث اختراق في المعادلة الأمنية/ العسكرية مع الاحتلال، وذلك نتيجةً لحصار غزة منذ العام 2007، وضعف بنيته وأدائه في الضفة الغربية نتيجة الهجمة المزدوجة من قبل الاحتلال “الإسرائيلي” والأجهزة الأمنية الفلسطينية.
  8. استمرار الانقسام السياسي بين حركتي (“فتح” و”حماس”)، والانقسام المؤسسي بين رام الله وغزة، ما عمّق الآثار السياسية والاجتماعية السلبية على مجمل الحالة الوطنية.

هذا كلّه أحدث فراغاً في القضية الفلسطينية، وشجّع واشنطن وتل ابيب على التقدّم بصفقة القرن كبديل أكثر سوءاً من مسار أوسلو، لا سيّما بعد نقل واشنطن سفارتها إلى القدس، وضعف الموقف وردة الفعل الفلسطينية والعربية والإسلامية على تلك الخطوة الحساسة.

  • الفرص والتحديات أمام الفلسطينيين:
    • التحديات:

لا شك أن صفقة القرن والموقف الأمريكي المنحاز بقوة للرؤية الصهيونية، أحدثا إرباكاً شديداً في المشهد السياسي، وخلقا عدداً من التحديات أمام الفلسطينيين، ومنها على سبيل المثال:

  • ازدياد الضغط الأمريكي ـــ “الإسرائيلي”، سياسياً واقتصادياً..، على السلطة الفلسطينية، مما أدّى إلى تفاقم عجزها عن سداد رواتب الموظفين نسبياً، إضافة إلى أزمة مخصصات الأسرى في سجون الاحتلال.
  • الشرخ في الموقف العربي المتجسّد في المبادرة العربية للسلام (قمة بيروت 2002)؛ فالضغط الأمريكي أدّى إلى إقدام بعضها منفردة كالإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والمغرب، والسودان، لتطبيع علاقاتها مع الاحتلال، وتراجع دور جامعة الدول العربية، مما ساهم في عزل الفلسطينيين عن عمقهم العربي.
  • بطء مسار المصالحة الوطنية بين حركتي “فتح” و”حماس”، حيث لم تتراجع معالم الانقسام المؤسسي بين رام الله وغزة على الأرض، بالإضافة إلى استمرار الحصار المضروب على القطاع بنفس الكيفية والأثر.
  • تراجع ثقة الشعب الفلسطيني في القيادة السياسية، بحكم تراجع أدائها الوطني وانشغالها في الانقسام الذي كان له عظيم الأثر على نفوس ومصالح الفلسطينيين المعيشية والأمنية والسياسية. ولعل ضعف أداء اللجنة الوطنية للمقاومة الشعبية، وعدم تفاعل الجماهير معها يُفسر مستوى تراجع ثقة الناس بالقيادة السياسية عموماً.
  • مراهنة حركة “فتح” السياسية على الإدارة الأمريكية لا سيّما بعد فوز جو بايدن في السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض. الأمر الذي يساهم في استمرار الانقسام السياسي والمؤسسي وتعززه.
    • الفرص:

رغم صعوبة الوضع فلسطينياً نتيجة المؤثرات الخارجية، إلا أنه لا زال هناك فرصة أمام الفلسطينيين إن أحسنوا استثمارها، وهي: استعادة وحدة الموقف والصف الفلسطيني بإعادة بناء المؤسسة القيادة (منظمة التحرير الفلسطينية)، والتوافق حول رؤية وطنية لمواجهة المشروع الصهيوني، ما سيفوّت على واشنطن وتل ابيب فرصة التلاعب على التناقضات والخلافات الفلسطينية الفلسطينية، ويحرج الأنظمة العربية ويحد من هرولة بعضها نحو التطبيع، ويعيد للمشهد الفلسطيني قوّته كقوة قاطرة ومنشّطة لشعوب المنطقة العربية ما يوفّر بدوره شبكة أمان عربية وإسلامية للفلسطينيين.

وهذه الفرصة، يدفع بها العديد من العوامل، ومنها:

  • تطور رؤية الاحتلال “الإسرائيلي” لإنهاء الصراع، استناداً لسياسة فرض الأمر الواقع بالقوة بعيداً عن المرجعيات الدولية، والتي شكّلت السقف الأدنى للمفاوض الفلسطيني طوال 30 سنة.
  • انحياز واشنطن الكبير للاحتلال ولرؤيته لتسوية الصراع.
  • انسداد مسار التسوية منذ العام 2014، وفشله وفقاً لتطور الموقف الصهيوني، واندفاع أنظمة عربية للتطبيع كأحد تجليات تشظي الحالة العربية وانقسام الصف الفلسطيني.

توفّر تلك الأسباب أرضية موضوعية للفلسطينيين لإعادة النظر في المسار السياسي، وفي شكل العلاقة مع الاحتلال على قاعدة؛ شعب يقاوم احتلالاً لاسترداد حقوقه الوطنية، وهي المعادلة والمسار الأقدر على استعادة حرية وكرامة الإنسان. فهل يفعلها الفلسطينيون؟