رسالة المنبر ١٧-٣-٢٠٢٣م
د. محمد سعيد بكر
🌹المحاور🌹
✅ لابد أن يدرك المسلمون حاجتهم لمواسم الطاعات .. في مقابل استغناء رب هذه المواسم عنهم، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ” (فاطر: 15).
✅ يأتي شهر الخير والبركة رمضان في كل عام ونحن بأمسِّ الحاجة إليه .. وذلك لأسباب ووجوه عديدة منها:
1️⃣ لمحو الذنوب والتخفيف من الأوزار التي أثقلت كاهلنا طوال العام، فقد روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” الصلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إلى الجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ ما بيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الكَبَائِرَ”.
2️⃣ لزيادة الأجور ورفع الدرجات واستثمار فرصة بركات ليلة القدر .. تلك الليلة الشريفة، قال تعالى: “لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ” (القدر: 3).
3️⃣ لرفع منسوب التقوى والشكر والرشد التي يتم استهلاكها فتكاد تختفي طوال العام؛ قال تعالى في خواتيم بعض آيات الصيام من سورة البقرة وهو يحكي لنا مقاصد تشريع الصيام .. (لعلكم تتقون) .. (ولعلكم تشكرون) .. (لعلهم يرشدون) .. ويالجمال مجتمعاتنا وهي تكسى بحلة التقوى والشكر والرشد في هذا الموسم الكريم.
4️⃣ لاستعادة طاقتنا وقوتنا المستهلكة .. فرمضان شهر القوة لا شهر الضعف، وشهر النهضة لا شهر النوم، وشهر العمل لا شهر الكسل .. على خلاف ما يتصور بعض الذين تحولت عباداتهم الجميلة إلى عادات ثقيلة.
5️⃣ لتمكين المحبة وترسيخ قيمة الأخوة فيما بيننا .. فرمضان شهر الشعور بالآخرين .. كيف لا ونحن نجوع ونعطش فيه جوعاً وعطشاً اختيارياً لنشعر بجوع وعطش من يجوعون ويعطشون طوال العام جوعاً وعطشاً اجبارياً اضطرارياً.
6️⃣ لإثبات قيمة العطاء وتحقيق صورة اليد العليا لدى كل مسلم .. فصدقة الفطر في رمضان مطلوبة من كل مسلم غنياً كان أم فقيراً؛ ليشعر الجميع بلذة العطاء حتى ولو كان كل منهم مستحقاً للأخذ؛ قال صلى الله عليه وسلم: “فرضَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ علَى العَبْدِ والحُرِّ، والذَّكَرِ والأُنْثَى، والصَّغِيرِ والكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وأَمَرَ بهَا أنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلى الصَّلَاةِ” رواه البخاري.
7️⃣ لاستعادة بطولاتنا وفتوحاتنا التي أكرمنا الله بها يوم كنا أمة تحسن استثمار مواسم طاعاتها .. وترى فيها دورات ربانية مكثفة لرفع مستوى الأمة وشد جسدها .. ومن تلك الفتوحات والانتصارات الرمضانية التي اشتقنا لها ما يأتي:
👈 غزوة بدر الكبرى (٢ هجرية).
👈 غزوة فتح مكة (٨ هجرية).
👈 معركة القادسية (١٥ هجرية).
👈 فتح الأندلس (٩٢ هجرية).
👈 فتح عمورية (٢٢٣ هجرية).
👈 معركة حطين (٥٨٤ هجرية).
👈 معركة عين جالوت (٦٨٥ هجرية).
✅ إننا بحاجة لرمضان لامتلاك إرادتنا التي سُلبت وأصبحنا إلى العجز أقرب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .. فرمضان يقول لنا أننا نستطيع ونستطيع .. فنحن قد أوهمنا أنفسنا طوال العام بأننا لا نستطيع الصيام ولا القيام .. فجاء رمضان وما فيه من تنافس على الصيام والقيام .. فهو يحكي لنا أن أزمتكم ليست أزمة قدرة بل هي أزمة إرادة بامتياز .. ومن أراد استطاع .. فإذا أردنا الإنتصار والتفوق انتصرنا بحول الله وتفوقنا.
✅ إننا بحاجة لرمضان لاستعادة علاقتنا المتقطعة بدستور السماء .. فرمضان شهر القرآن بامتياز .. ولا يعني ذلك أن القرآن لا يُقرأ إلا في رمضان .. بقدر ما يعني تجديد وتأكيد العلاقة به في الشهر الكريم .. وعدم تركه وهجره بعده .. فهو مصدر عزنا وأساس كرامتنا .. وهو شفيعنا وأنيسنا بين يدي وحشتنا .. وما أجمل قول الله في بيان كون القرآن مصدر عزة الأمة وسؤددها، قال تعالى: “لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ” (الأنبياء: 10) .. قال الإمام الطبري: والذِّكر هو الشرف؛ فالقرآن شرف لمن اتبعه وعمل بما فيه.
✅ إننا بحاجة لرمضان للتدريب على مواجهة الاستفزازات الحياتية المتنوعة بالصبر الجميل .. فالمسلم يعاني يومياً من استفزازات سياسية واجتماعية واقتصادية ونفسية كثيرة .. ويراد له أن يُخرج عند كل استفزاز أسوأ ما عنده .. فيأتي رمضان لتدريبنا عملياً على دفع الاستفزازات بالحكمة والحسنى .. وذلك وفق توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لنا حين قال: ” قالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ؛ فإنَّه لي، وأَنَا أجْزِي به، والصِّيَامُ جُنَّةٌ، وإذَا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولَا يَصْخَبْ، فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ” رواه البخاري.
✅ إننا بحاجة إلى رمضان بقدر حاجتنا للفرح والسعادة والسرور الذي بدأ يتسرب ويذوي من حياتنا، في زمان ساد فيه الحزن والاكتئاب .. وكيف لا نجدد فرحتنا في رمضان على الرغم من كثرة أسباب الحزن من حولنا؛ ونحن نؤمن بحديث النبي صلى الله عليه وسلم:” لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ” رواه البخاري .. فيا رب لا تحرمنا من فرحة الدنيا بطاعتك .. ولا من فرحة الآخرة برضاك عنا ودخول جنتك.
✅ إننا بحاجة لرمضان لتشكيل البيئة الدافعة للفضيلة .. فالبيئة كلما كانت نظيفة كان في ذلك تحصين لنا ولأجيالنا من الوقوع في سيول الشبهات والشهوات المثارة في زماننا .. ونحن نرى عياناً أثر تصفيد مردة الشياطين ولله الحمد والمنة في رمضان .. ويبقى واجب تحدي صغار شياطين الجن وكبار شياطين الإنس الاستعانة بالله .. فالله المستعان وعليه التكلان.
✅ إننا بحاجة لرمضان .. لا لأنه شهر العبادة فحسب .. بل لأنه شهر السلوك والأخلاق والقيم كذلك .. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به، فليسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ” رواه البخاري.
✅ ومن بديع ما قيل في رمضان شعراً .. كلمات ذاك الشعر المفضال:
جُد بالقَرِيضِ وأعْذبِ الألحْانِ
رَحِّبْ بشَهرِ البِرِّ والإحسانِ
واعزِفْ عَلى وترِ الفُؤادِ قصيدةً
ترقى بِهَا في سِدرَةِ الرّحمانِ
واسرحْ مع الغفّارِ في ملكوتِهِ
في جنّة الفردوس والرّضوانِ
أكرمْ بشهرِ الخيرِ، حانَ قُدُومُهُ
شهرِ الهدَى وتَنزُّلِ القرآنِ
شَهرِ الفضيلةِ والعبادةِ والعُلا
رَمَضانِ شهرِ الصّومِ والغُفرانِ
شهرِ القَدَاسةِ والطهارةِ والتُّقى
ومكارمِ الأخلاقِ والإيمانِ
فاللهُ فضّلَ ليلةً في شهرِهِ
في قدْرِها، في مُحْكمِ الفُرقانِ
عنْ ألفِ شهرٍ طاعةً وعبادةً
فاظَفَرْ بِهَا في طَاعةِ الدَّيَّانِ
جِبريلُ فِيها والملائكُ رحمةً
للطّائعينَ وصائِمي رمضانِ
فالصّومُ تزكيةُ النُّفُوس وطُهْرُهَا
وحَصَانَةُ الأجسامِ والأبْدانِ
وهوَ السبيلُ إلى الهدايةِ والتُّقى
وهوَ الطريقُ لجنَّةِ الرِّضْوانِ
الصّومُ لي وأنا الذي أجزي به
هذي مقالةُ خالقِ الأكوانِ
لنبيّه وعِبادِهِ كيْ ينعُمُوا
بالبرّ والتّقْوَى وبالإيمانِ
فاسلُكْ سبيلَ المؤمنينَ بصَومِهِ
وانْعَمْ بفَضلِ الله والإحسانِ
صلّى الإه على النبيّ وآلِهِ
مَا هلَّ شهرُ الصّومِ في رَمَضَانِ
🌹وختاماً🌹
👈 لقد أدرك أعداء الأمة قيمة رمضان وحاجة الأمة إليه؛ فأعدوا برامجهم المفسدة لمقاصد الصيام، وذلك حتى لا ينال المسلمون من صيامهم إلا الجوع والعطش .. وهذا بالتالي ما يتطلب وعياً بالغاً لمواجهم سيول البرامج والمسابقات والحفلات الماجنة في الشهر الفضيل.
👈 وليس من المبالغة أن نقول بأن رمضان حاجة للبشرية كلها وليس للمسلمين فحسب .. وذلك من جهة كونه شهر الصحة الجسدية والنفسية فضلاً عن كونه شهر عبادة محضة للمسلمين حصرياً .. فالمعدة رأس الداء والحِمية رأس الدواء .. وفي الحديث وإن كان فيه ضعف: “صوموا تصحوا” ما يؤكد أهمية الصيام للصحة والعافية.
👍 اللهم بلغنا رمضان وبلغ رمضان لنا.
👍 اللهم أهلّ علينا هلال رمضان .. باليُمن والإيمان والسلامة والإسلام.