خاص هيئة علماء فلسطين

    

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وآله وصحبه والتابعين وبعد

فيصدر هذا العدد الحادي عشر من مجلة المرقاة للبحوث والدراسات الإسلامية، في ظلال معركة طوفان الأقصى، واشتداد العدوان الصهيوني الهمجي على أهلنا في غزة العزة، وقد كان لطوفان الأقصى آثار هائلة نوعية ليس على حياة أهلنا في غزة فحسب، بل على مستوى الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، حيث أعاد القضية إلى بؤرة الاهتمام بعد أن كادت تنسى، وجعل اقتحامات المسجد الأقصى أكثر صعوبة على المتطرفين، ووضع خيار المقاومة في مكانه الصحيح، وبين أهميته في مواجهة المشروع الصهيوني في المنطقة. وكذلك على مستوى العدو الصهيوني، حيث ألحق به من الهزيمة والخسائر ما لم يصبه في تاريخه، وأفقده توازنه وأصبح يتصرف كالثور الهائج، ورغم كل الطاقات والقدرات العسكرية والتكنولوجية التي يمتلكها العدو فإنه لم يحقق من أهدافه التي أعلنها للحرب على شعبنا شيئاً، سوى القتل الواسع للمدنيين والأطفال والنساء وهدم البيوت والمساجد والمستشفيات والكنائس واتباع سياسة الأرض المحروقة. بل وأصبحت إدانته على مستوى العالم غير مسبوقة وأصبحت شرعيته الدولية تتلاشى في المحاكم الدولية وعلى امتداد العالم، ولعل هذا من أهم آثار طوفان الأقصى، فلأول مرة نرى هذا الحجم من التعاطف العالمي مع القضية الفلسطينية، وبحجم يفوق التحركات الشعبية في الدول العربية والإسلامية، فضلاً عن آثار أخرى كثيرة ليس هذا مجال الاستفاضة في عرضها واستقصائها.

ولا تفوتني هنا دعوة العلماء والباحثين إلى الارتقاء إلى مستوى طوفان الأقصى، وتكثيف وتعميق الدراسات المتعلقة بنتائجها، وآثارها، وامتداداتها، وكيفية توظيفها والبناء عليها وصولا إلى معركة التحرير الفاصلة والشاملة. مع دعوتي للتركيز على التأصيل الشرعي للقضايا، وربطها بالعقيدة والقرآن والسنة، فقد رأينا- وما زلنا نرى- آثار القرآن الكريم، وحفظه، وتربية المساجد، على المجاهدين، وآثارها على نتائج المعركة.

ولعل من أبرز محاور البحث التي يمكن أن يتناولها الباحثون: ما يتعلق بعينية الجهاد في فلسطين وكيفية القيام به، وبعض أوجه الجهاد والرباط المعاصرة وأشكالها، وهل تغني المشاركة فيها عن فرضية الجهاد بالنفس أم لا؟  وبعض الأحكام الشرعية المتعلقة بالجهاد في فلسطين: مما يحتاجه المجاهدون والناس من مثل: حكم مشاركة الجنود والضباط المسلمين في دول الطوق في حصار أهل فلسطين، ومنع الناس من الوصول إليهم والجهاد معهم، ومنع المساعدات والإغاثات من الوصول إلى أهلنا بدرجة كافية، بل وإرسال المساعدات والمنتجات إلى العدو الصهيوني، وما مدى صحة اعتذار بعضهم بتنفيذ أوامر من هم أعلى رتبة منهم في السلم الوظيفي والعسكري؟  وهل تجوز الهجرة والخروج من غزة وفلسطين في ظل العدوان والإجرام أم لا تجوز ولا بد من الثبات والصمود والجهاد؟ وعلى من تنطبق هذه المسألة؟ وهل يدخل فيها الرجال والنساء والشباب؟ وماحكم الأخذ من ممتلكات الغير بعلمه أو بدون علمه، سواء كان طعاماً أو مالاً أو استخدم بيته ونحو ذلك من الاحتياجات الميدانية للناس؟ وغير ذلك من الأحكام الشرعية المطلوبة في هذه المرحلة. يضاف لذلك العديد من الدراسات التربوية للآيات والأحاديث وربطها بالطوفان، ودراسة السنن الإلهية في ضوء القرآن والسنة، والكثير الكثير مما لا يتسع المجال لحصره وإنما ذكرنا ما ذكرناه هنا على سبيل التمثيل والاستثارة لا على سبيل الحصر.

وغني عن التأكيد على استعدادنا في المجلة للمسارعة في نشر البحوث من هذا القبيل، بل ودعم النوعي منها، وهذا هو خط مجلتنا فيما يلي الدراسات الإسلامية المتعلقة بالقضية الفلسطينية. كما يظهر في عددنا هذا المتضمن ثلاثة بحوث متعلقة بالقضية الفلسطينية، وبعضها مرتبط بطوفان الأقصى، ونحن نثق بقدرات باحثينا وكفاءاتهم وإبداعهم، وقدرتهم على الإتيان بالجديد دائماً خدمة للقضية الفلسطينية ونصرة لها وللمسجد الأقصى، كما هو الحال على امتداد العالم وفي شعوبنا العربية والإسلامية، بل والإنسانية جمعاء.

هذا وإننا رغم اشتداد آلام أهلنا في غزة، وتزايد أعداد الشهداء، والجرحى من النساء والأطفال والمدنيين، أقول رغم كل ذلك الحجم من الألم فإننا ندرك أن عدونا يألم أكثر. ﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ النساء 104. ونثق بوعد الله تبارك وتعالى بنصرنا على عدونا وأن العاقبة للمتقين.

رئيس هيئة التحرير

ا.د. عبد الجبار سعيد