خاص هيئة علماء فلسطين

         

دراسة تأصيلية مقاصدية

 د. محمد العامري

ملخص البحث

يتناول هذا البحث بيان مكانة المسجد الأقصى في الشريعة الإسلامية، من خلال تأصيل مكانته في القرآن الكريم والسنة النبوية، وبيان ارتباطه الوثيق بعقيدة الأمة وهويتها الدينية والحضارية. كما يبرز البحث الدور الذي تقوم به مقاصد الشريعة الإسلامية في حماية المقدسات، من خلال حفظ الدين والنفس والعرض، بوصفها من المقاصد الضرورية التي تقوم عليها الحياة الإنسانية واستقامة الدين. ويوضح أن الدفاع عن المسجد الأقصى ليس مجرد واجب سياسي أو عاطفي، بل هو تكليف شرعي أصيل ينبع من المقاصد الكلية للشريعة التي تهدف إلى صيانة العقيدة، وحماية المقدسات من محاولات التهويد وطمس الهوية الإسلامية. ويخلص البحث إلى أن مقاصد الشريعة تقدم إطارًا منهجيًا متكاملًا لفهم الواجب الشرعي تجاه المسجد الأقصى، وتجعل من الدفاع عنه جزءًا من حفظ الدين، ومن ثم فحمايته واجب شرعي على الأمة جمعاء.

Abstract

This study explores the significance of Al-Aqsa Mosque within Islamic law by highlighting its status in the Qur’an, the Sunnah, and Islamic history, as well as its deep connection to the faith and identity of the Muslim Ummah. The research emphasizes the role of Maqāṣid al-Sharīʿah (the higher objectives of Islamic law) in protecting sacred sites through the preservation of religion, life, and honor—considered among the essential (ḍarūriyyah) objectives upon which human existence and faith stability depend. It demonstrates that defending Al-Aqsa is not merely a political or emotional stance, but rather a religious obligation rooted in the higher purposes of Sharīʿah, which seek to safeguard faith and protect it from distortion or desecration. The study concludes that the maqāṣid framework offers a comprehensive methodological basis for understanding the legal and moral duty toward Al-Aqsa Mosque, making its defense an integral part of preserving religion and a collective obligation upon the Muslim community.

الكلمات المفتاحية

المسجد الأقصى – التهويد – مقاصد الشريعة – حماية المقدسات

المقدمة:

يعد المسجد الأقصى من أبرز المقدسات الإسلامية التي ارتبطت بعقيدة الأمة وتاريخها وحضارتها، فهو أولى القبلتين، ومسرى رسول الله ﷺ ومعراجه إلى السماوات العلى، وقد شكل على مر العصور رمزًا دينيًا وروحيًا وحضاريًا للأمة الإسلامية، ومحلًّا لاجتماع مشاعرها ووحدة كيانها.

ومع تزايد الهجمة الصهيونية الرامية إلى تهويد المسجد الأقصى وتغيير معالمه التاريخية والدينية، باتت الأمة الإسلامية أمام تحد خطير يمس جوهر عقيدتها ومقدساتها فالتهويد لا يستهدف الحجر فحسب، بل يستهدف محو الهوية الإسلامية وإضعاف الارتباط العقدي والوجداني بالأقصى، بما يترتب عليه من آثار دينية وثقافية وحضارية جسيمة.

من هذا المنطلق تبرز الحاجة الماسة إلى دراسة تأصيلية مقاصدية تبين الواجب الشرعي للأمة الإسلامية تجاه هذه القضية المصيرية؛ إذ لا يكفي الوقوف عند حدود الشعور والتضامن، بل لا بد من استحضار النصوص الشرعية والقواعد الكلية ومقاصد الشريعة، التي تؤكد على وجوب الدفاع عن المقدسات، وحمايتها من أي اعتداء أو انتهاك.

أولًا- أهداف البحث:

وعليه فإن هذا البحث يسعى إلى إبراز مكانة المسجد الأقصى من خلال التأصيل الشرعي، وبيان مقاصد الشريعة المرتبطة بحمايته ثم استجلاء صور الواجب الشرعي الملقى على عاتق الأمة الإسلامية، أفرادًا وجماعات، حكامًا ومحكومين، حتى تبقى قضية الأقصى حية في وجدان الأمة وواقعها، ولتبقى مسؤولية حمايته واجبًا شرعيًا مستمرًا لا يسقط بالتقادم، ولا تعفي منه التحديات.

ثانيًا- أسباب كتابة البحث:

  1. المكانة العقدية والروحية للمسجد الأقصى في وجدان الأمة الإسلامية.
  2. ما يتعرض له المسجد الأقصى من محاولات تهويد ممنهجة تهدد هويته الإسلامية.
  3. ضعف التفاعل العملي للأمة الإسلامية، وتشتت جهودها تجاه قضية الأقصى.
  4. الحاجة إلى دراسة تأصيلية مقاصدية تجمع بين النصوص الشرعية والواقع المعاصر.
  5. إبراز الواجب الشرعي للأمة الإسلامية وتحديد مسؤولياتها النظرية والعملية.
  6. المساهمة في تعزيز الوعي العام بقضية المسجد الأقصى وتثبيتها في نفوس الأجيال.

ثالثًا- أهمية البحث:

تنبع أهمية هذا البحث من طبيعة موضوعه المرتبط بأحد أهم المقدسات الإسلامية وهو المسجد الأقصى، الذي يعد ركيزة أساسية في العقيدة والهوية الإسلامية كما تتجلى أهميته في كونه يعالج قضية راهنة تمس حاضر الأمة ومستقبلها، وهي محاولات التهويد التي تستهدف طمس معالم المسجد الأقصى وتغيير هويته التاريخية والدينية.

ويضاف إلى ذلك أن البحث يسعى إلى تقديم معالجة تأصيلية مقاصدية، تجمع بين النصوص الشرعية ومقاصد الشريعة من جهة وبين واقع الأمة وتحدياتها السياسية والاجتماعية من جهة أخرى، وهو ما يمنح البحث بعدًا علميًّا وعمليًّا في آن واحد.

كما تكمن أهمية البحث في إبراز الواجب الشرعي للأمة الإسلامية أفرادًا وجماعات تجاه المسجد الأقصى، بما يُسهم في تعزيز الوعي الديني والفكري، ويوجّه الطاقات نحو حماية المقدسات، ويؤكد على أن الدفاع عن الأقصى ليس مجرد خيار، بل هو تكليف شرعي مرتبط بوجود الأمة وهويتها وكرامتها.

رابعًا- إشكالية البحث:

تتمثل إشكالية هذا البحث في أن المسجد الأقصى، باعتباره من أعظم المقدسات الإسلامية، يتعرض لعمليات تهويد منظمة تستهدف طمس هويته الإسلامية وفرض رواية تاريخية مزيفة، تخالف الحقيقة الشرعية والتاريخية؛ هذا الواقع الخطير يثير تساؤلًا جوهريًا حول الواجب الشرعي الملقى على عاتق الأمة الإسلامية تجاه هذه المحاولات، خاصة في ظل ما تشهده الأمة من ضعف التفاعل العملي، وتباين المواقف السياسية والاجتماعية والثقافية؛ وعليه فإن المشكلة الرئيسة التي يحاول البحث معالجتها تتمثل في:

ما هو الواجب الشرعي للأمة الإسلامية تجاه تهويد المسجد الأقصى في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية؟

يمكن صياغة الأسئلة الرئيسة على النحو الآتي:

  1. ما مكانة المسجد الأقصى في المصادر الشرعية وتاريخ الأديان؟
  2. ما هي مقاصد الشريعة المتعلقة بحماية المقدسات الإسلامية؟
  3. ما صور الواجب الشرعي الملقى على عاتق الأمة الإسلامية تجاه تهويد المسجد الأقصى؟
  4. كيف يمكن للأمة الإسلامية أن توفّق بين الواجبات الشرعية والتحديات الواقعية المعاصرة؟

سادسًا- حدود البحث:

  • الحد الموضوعي: يتحدد موضوع البحث في دراسة الواجب الشرعي للأمة الإسلامية تجاه تهويد المسجد الأقصى من منظور تأصيلي مقاصدي، مع التركيز على الجانب الشرعي والمقاصدي دون التوسع في الأبعاد السياسية أو القانونية الدولية.
  • الحد الزماني: يتناول البحث الفترة المعاصرة التي تشهد تصاعد مشاريع التهويد ضد المسجد الأقصى، مع الإشارة إلى بعض الجذور التاريخية التي تبرز مكانته وارتباطه بالأمة الإسلامية.
  • الحد المكاني: يتركز البحث على المسجد الأقصى والقدس الشريف، وما يرتبط بهما من جهود الأمة الإسلامية في مختلف بقاعها، بوصفهما محورًا للصراع الديني والحضاري.
  • الحد المنهجي: اعتمد هذا البحث استخدم المنهج الاستقرائي من خلال تتبع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والنصوص الفقهية التي تناولت مكانة المسجد الأقصى ووجوب حمايته، لاستخلاص القواعد والأحكام الشرعية المتعلقة بذلك. كما اعتمد المنهج التحليلي في دراسة تلك النصوص وتحليل دلالاتها وربطها بمقاصد الشريعة الكلية، بما يوضح الرؤية الشرعية للواجب الملقى على عاتق الأمة الإسلامية تجاه المسجد الأقصى.

سابعًا- خطة البحث:

المبحث الأول: التأصيل الشرعي لمكانة المسجد الأقصى

المبحث الثاني: مقاصد الشريعة في حماية المقدسات

المبحث الثالث: الواجبات الشرعية للأمة تجاه تهويد المسجد الأقصى

المبحث الأول: التأصيل الشرعي لمكانة المسجد الأقصى

يُعَدّ المسجد الأقصى من أعظم المقدسات الإسلامية التي ارتبطت بعقيدة الأمة وتاريخها، فهو موضع البركة ومسرى النبي ﷺ ورمز وحدتها الدينية والحضارية. وقد حظي بعناية خاصة في النصوص الشرعية، لما يمثله من مكانة روحية وسياسية في وجدان المسلمين. ويهدف هذا المبحث إلى بيان الأساس الشرعي لمكانة المسجد الأقصى في القرآن الكريم والسنة النبوية والفقه الإسلامي والتاريخ الحضاري للأمة.

المطلب الأول: مكانة المسجد الأقصى في القرآن الكريم والسنة النبوية.

أولًا: في القرآن الكريم

احتل المسجد الأقصى مكانة بارزة في القرآن الكريم، فقد ابتدأ الله تعالى سورة الإسراء بقوله: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ [الإسراء: 1] وهذه الآية الكريمة تؤكد على عظمة هذا المكان المبارك الذي اختاره الله ليكون مسرى النبي ﷺ ومعراجه إلى السماوات العلى؛ كما أنّ وصفه بالبركة في ستة مواضع من القرآن الكريم يدل على قدسيته وامتداد بركته على ما حوله من العالمين، وهي بركة تشمل الزمان والمكان والإنسان[1].

كما ورد ذكر الأرض المقدسة في مواضع أخرى من القرآن الكريم، كقوله تعالى: ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ]المائدة: 21[، وصفت الآية الأرض بصفة القداسة دون غيرها من البلاد، وهذا دليل على أنها عنوان الطهر والقداسة، وتؤكد على أنّ قداستها ثابتة منذ القدم، وليست مقتصرة على عهد معين أو أمة محددة، وجعل الله هذه الأرض المقدسة ميراثًا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن ثم وجب عليها الوقوف في وجه أطماع اليهود الأنجاس وجهادهم وقتالهم وتطهير الأرض من دنسهم[2].

كما يشير القرآن الكريم إلى قدسية هذا المسجد بكونه مهبطًا للأنبياء ومقرًّا للرسالات، فقد اجتمع فيه الأنبياء مع النبي ﷺ ليلة الإسراء والمعراج، وصلّى بهم إمامًا، وهذا الاجتماع الكبير مجمع البركات، ويعكس وحدة الرسالات السماوية، وتسليم السيادة على هذه الأرض لأمة محمد من بعده[3]، ويؤكد أنّ حمايته ليست قضية تخصّ المسلمين وحدهم، بل هي قضية إنسانية ودينية جامعة.

وإلى جانب ذلك ارتبطت كثير من الأحداث التاريخية العظيمة بالمسجد الأقصى، بدءًا من فتحه على يد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ومرورًا بتحريره على يد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، مما جعله رمزًا للجهاد في سبيل الله ودلالة على عزة الأمة ونهضتها.

ثانيًا: في السنة النبوية:

وفي السنة النبوية ثبتت أحاديث كثيرة تؤكد مكانة المسجد الأقصى، منها ما رواه البخاري ومسلم أن النبي ﷺ قال: “لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى”[4] قال النووي: “وفي هذا الحديث فضيلة هذه المساجد الثلاثة، وفضيلة شد الرحال إليها؛ لأن معناه عند جمهور العلماء لا فضيلة في شد الرحال إلى مسجد غيرها”[5] وهذا الحديث يضع المسجد الأقصى في مصافّ أقدس المساجد في الإسلام، ويجعل شدّ الرحال إليه عبادة مشروعة.

كما جاء في فضله ما رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو أن النبي ﷺ قال: “صلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وصلاة في مسجدي بألف صلاة، وصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة[6]، وهذا دليل على مكانته التعبدية العظيمة، وعلى أن الصلاة فيه مضاعفة الأجر، مما يرسّخ ارتباط المسلمين به.

ومن خلال هذه النصوص القرآنية والنبوية يتبين أنّ المسجد الأقصى ليس مجرد معلم تاريخي أو جغرافي، بل هو جزء من العقيدة الإسلامية، ورمز للعبادة والتوحيد ووحدة الأمة. ولذلك كان الدفاع عنه وحمايته واجبًا شرعيًا مستمدًا من هذه المكانة التي أضفاها الله ورسوله عليه.

وإلى جانب النصوص التي ذكرت مكانة المسجد الأقصى بشكل مباشر جاءت إشارات أخرى في السنة النبوية تؤكد ارتباط الأمة الإسلامية به، مثل حديث أَبِي ذَرٍّ قُلْتُ: “يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلُ؟ قَالَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ قُلْت ثُمَّ أَيُّ قَالَ ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى قُلْت كَمْ بَيْنَهُمَا قَالَ أَرْبَعُونَ سَنَةً”[7] ، وهذا الحديث يوضح أن المسجد الأقصى من أقدم المساجد التي شُيّدت لعبادة الله تعالى، وأن مكانته متجذرة في تاريخ الرسالات السماوية.

ومن خلال هذه الأدلة وغيرها الكثير، يتضح أن المسجد الأقصى يجمع بين المكانة العقدية والروحية والتاريخية، فهو قبلة الأنبياء، وأرض مباركة مذكورة في الوحي، ومسرى النبي ﷺ ومعراجه، ومهوى أفئدة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؛ ومن ثمّ فإن أي اعتداء عليه أو محاولة لتهويده تعد اعتداءً على مقدسات الأمة جمعاء، مما يجعل الدفاع عنه واجبًا شرعيًا لا يسقط بالتقادم ولا يتغير بتغير الظروف.

المطلب الثاني: المسجد الأقصى في الفقه الإسلامي والحضاري للأمة.

حظي المسجد الأقصى بمكانة خاصة في الفقه الإسلامي، حيث أجمعت المذاهب الفقهية على أنه أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال[8]، وقد عدّ الفقهاء شدّ الرحال إليه عبادة مستقلة، لما فيه من فضائل دينية، وارتباط وثيق بعقيدة التوحيد والرسالات السماوية، قال ابن تيمية: فكذلك المسجد الأقصى ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم بنى كلًّا منهما رسول كريم، ودعا الناس إلى السفر إليهما للعبادة فيهما. ولم يبن أحد من الأنبياء عليهم السلام مسجدًا ودعا الناس إلى السفر للعبادة فيه إلا هذه المساجد الثلاثة”[9].وقال: “واتفقوا على أنه لا يستحب السفر إلى بقعة للعبادة فيها غير المساجد الثلاثة”[10].

كما أقر الفقهاء مضاعفة الأجر في الصلاة بالمسجد الأقصى، وإن اختلفوا في عدد التضعيف الوارد في الأحاديث، إلا أنهم اتفقوا على أن الصلاة فيه ذات فضل عظيم؛ وقد استدلوا بذلك على أن للمسجد الأقصى خصوصية شرعية تجعله مقصدًا تعبديًّا للمسلمين، ومكانًا تتأكد فيه معاني الرباط والمرابطة في سبيل الله[11]. قال ابن تيمية: “وفيها المسجد الأقصى وفيها مبعث أنبياء بني إسرائيل وإليها هجرة إبراهيم وإليها مسرى نبينا ومنها معراجه وبها ملكه وعمود دينه وكتابه وطائفة منصورة من أمته؛ وإليها المحشر والمعاد كما أن من مكة المبدأ”[12].

ولعب المسجد الأقصى دورًا بارزًا في النهضة الحضارية الإسلامية، فكان محطة للمجاهدين، ومنطلقًا للفتوحات، وملتقى للعلماء، حتى غدا رمزًا للوحدة الإسلامية عبر العصور، وقد بلغت هذه الرمزية ذروتها عندما حرّره القائد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله سنة 583هـ/1187م، بعد أن ظل تحت الاحتلال الصليبي قرابة تسعين عامًا، فعاد ليكون منارة للتوحيد ومركزًا للعزة الإسلامية[13].

ومن هنا يتضح أن المسجد الأقصى لم يكن مجرد معلم ديني بل شكل معلمًا حضاريًا جامعًا للأمة، يختزن في جنباته تاريخًا طويلًا من العزة والجهاد والعلم، الأمر الذي يجعل الحفاظ عليه والدفاع عنه واجبًا شرعيًا وحضاريًا في آن واحد، لما يمثله من رمز للهوية الإسلامية ووحدة الأمة.

وإضافةً إلى ما سبق فقد ارتبط المسجد الأقصى في الفقه الإسلامي بمفهوم الرباط في سبيل الله، حيث وردت نصوص عديدة تحث على المرابطة في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، لما لذلك من أثر في حفظ الدين وحماية بيضة الإسلام. وقد عدّ الفقهاء الرباط في الأقصى من أعظم صور الجهاد المستمر، لما فيه من مواجهة للاعتداءات وحماية للمقدسات[14].

وقد اتفق الفقهاء على مضاعفة أجر الصلاة في المسجد الأقصى للأحاديث الواردة في ذلك ومنها الذي رواه الطبراني” والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة” والراجح أن مضاعفة الأجور تشمل صلاة الفرض والنافلة[15]، وكان بيت المقدس مقصدًا للحجاج والزائرين بعد أداء مناسك الحج في مكة، فيجمعون بين زيارة المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، تعظيمًا لشعائر الله وإحياءً لمعالم الإسلام وهذا يوضح كيف كان الأقصى حاضرًا في حياة المسلمين الروحية والعملية على مر العصور.

ومن الناحية الحضارية فقد كان المسجد الأقصى مركز إشعاع علمي، حيث ازدهرت فيه حلقات العلم في الفقه والتفسير والحديث واللغة، وتخرج منه كبار العلماء والقضاة الذين أثروا الحضارة الإسلامية، كما شكل الأقصى نقطة التقاء بين الأجيال والأمم الإسلامية، فحافظ على وحدة الأمة الفكرية والروحية، بالرغم من تنوعها الجغرافي والثقافي.

ولا يخفى أن كل محاولة للنيل من المسجد الأقصى أو تهويده، إنما تستهدف هوية الأمة وتاريخها، لأنه ليس مجرد مكان للعبادة، بل هو شاهد حضاري على وجود الأمة الإسلامية وعزتها ومكانتها بين الأمم؛ ومن هنا فإن الدفاع عن الأقصى لا يعد واجبًا دينيًا فحسب، بل هو واجب حضاري وإنساني، يعكس التزام الأمة بواجبها تجاه ماضيها وحاضرها ومستقبلها.

المبحث الثاني: مقاصد الشريعة في حماية المقدسات

يُبرز هذا المبحث مقاصد الشريعة في حماية المقدسات، ولا سيما المسجد الأقصى الذي يُعدّ جزءًا من عقيدة الأمة ورمزًا لوحدتها الدينية والحضارية. فحماية الأقصى ليست مسألة عاطفية أو سياسية، بل واجب شرعي يقوم على مقاصد كلية تهدف إلى حفظ الدين والهوية وصيانة العقيدة من محاولات الطمس والتهويد. ويتناول المبحث المقاصد الضرورية والحاجية والتحسينية التي تُبرز مكانة الأقصى ودور الشريعة في الدفاع عنه.

المطلب الأول: المقاصد الضرورية المرتبطة بالأقصى (حفظ الدين، النفس، العرض)

تقوم مقاصد الشريعة الإسلامية على خمسة أصول كبرى تسمى بالمقاصد الضرورية، وهي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ المال، وحفظ العرض؛ وهذه المقاصد تعد أساسًا لاستقامة حياة الإنسان وصيانة مصالحه، ولا تقوم الحياة بدونها. ومن بين هذه المقاصد، يتضح الارتباط الوثيق بين المسجد الأقصى؛ وبين ثلاثة منها على وجه الخصوص: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ الكرامة[16].

أولًا: حفظ الدين

يعدّ حفظ الدين في مقدمة المقاصد الضرورية التي جاءت الشريعة الإسلامية لصيانتها، إذ هو الأساس الذي تبنى عليه المقاصد الأخرى، ولا تستقيم حياة الفرد أو الأمة بدونه[17]، وقد تجلى هذا المقصد في ارتباطه الوثيق بالمسجد الأقصى، حيث إن هذا المكان المبارك يمثل ركنًا أصيلًا من عقيدة المسلمين، فقد ذكره الله تعالى في كتابه الكريم مقرونًا بالمسجد الحرام في قوله: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ[الإسراء: 1] مما يوضح مكانته الدينية العظيمة في الإسلام، فهو أولى القبلتين التي توجه إليها المسلمون في صلاتهم، قبل أن تتحول القبلة إلى المسجد الحرام، وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال، فالمحافظة عليه من التهديم والتدنيس حفظ للدين؛ لأن صيانة أماكن العبادة في شريعتنا الغراء أمر واجب فضلًا عن إقامة الشعائر، والأقصى في مقدمة المساجد الواجب صونها، والتصدي لمحاولات الصهاينة في تدميره أو هدمه، أو بناء هيكل سليمان المزعوم كذبًا وافتراء على سيدنا سليمان -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- وزيادة سواد المسلمين في رص الصفوف، والوحدة أمام محاولات تذويب الهوية الإسلامية للأجيال المسلمة القادمة على أرض فلسطين.

والتفريط في الأقصى أو تركه عرضة لمحاولات التهويد إنما يعد تفريطًا في أصل من أصول الدين ورمزٍ من رموزه الكبرى[18] .

ومن ثمّ فإن الدفاع عن المسجد الأقصى يُعدّ جزءًا أصيلًا من مقصد حفظ الدين، وهو مقصدٌ كليّ من مقاصد الشريعة الإسلامية؛ إذ إن صيانة المقدسات هي في حقيقتها صيانةٌ للعقيدة وحمايةٌ لهوية الأمة. ولذلك اتفق العلماء على أن التفريط في الأقصى أو التنازل عنه يمثل خرقًا خطيرًا لمقصد حفظ الدين، الأمر الذي يجعل الأمة بكاملها أمام واجبٍ شرعيّ جماعي لحمايته والذود عنه ومنع أي اعتداء عليه[19].

ثانيًا: حفظ النفس

من المقاصد الضرورية الكبرى التي جاءت بها الشريعة الإسلامية حفظ النفس، حيث قررت حرمة الدماء، وجعلت الاعتداء على النفس البشرية بغير حق من أعظم الكبائر، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾[النساء: 29] وقال أيضًا: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾[ سورة المائدة : 32].

ويرتبط هذا المقصد بالمسجد الأقصى من خلال ما يتعرض له أهل القدس وفلسطين من اعتداءات متكررة تهدد حياتهم بشكل مباشر؛ فالمرابطون في المسجد الأقصى يمثلون خط الدفاع الأول عنه، وحمايتهم تعني حماية المقدسات التي يدافعون عنها. ومن ثم، فإن صون دمائهم ورعايتهم واجب شرعي؛ لأن استهدافهم لا ينفصل عن استهداف الأقصى ذاته، والعناية والرعاية للجرحى والأيتام والأرامل وأسر الشهداء، وإعداد هذه الطاقات وتنشئتها على معاني الرجولة والبطولة وتكريم ذويهم، وإنشاء مؤسسات ترعاهم وتلبي احتياجاتهم من الواجبات الضرورية، كل ذلك يدخل في حفظ النفس[[20]].

وفي إطار حماية النفس الجماعية للأمة الإسلامية يدخل بناء الفرد جسديًا وإعداده وتأهيله بالتدريب، وتنمية وعيه بطبيعة الصراع، لتكوين الجماعة المسلمة المجاهدة القوية القادرة على تحرير الأوطان ودحر العدوان وصيانة كرامة الإنسان، إذ إن التفريط في بناء النفوس أو تركها عرضة للهدم المعنوي، والتشويه الثقافي، يضعف الأمة ويمس بكيانها المادي والمعنوي، ما يؤدي إلى الإخلال بمقصد حفظ النفس على مستوى الأمة جمعاء[21].

وبذلك يظهر أن مقاصد الشريعة في حفظ النفس لا تقتصر على حماية الفرد المسلم فقط، وإنما تشمل حماية الجماعة والأمة من أي تهديد يستهدف بقاءها أو مقدساتها، مما يجعل الدفاع عن المسجد الأقصى جزءًا من الوفاء بمقصد حفظ النفس، وكرامة الإنسان.

ثالثًا: حفظ الكرامة الإنسانية

يعد حفظ الكرامة الإنسانية من المقاصد الضرورية التي جاءت الشريعة الإسلامية لصيانتها وحمايتها، حيث شرعت الحدود والزواجر لحماية كرامة الإنسان وصون مكانته وكرامته من أي اعتداء أو امتهان. وقد أكدت النصوص الشرعية على مكانة الكرامة وحرمة المساس بها، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾[سورة الإسراء: 70]، وتكريم الإنسان معناه جعله الله كريمًا أي نفيسًّا غير مبذول ولا ذليل، مع شعور بالاستعلاء، وإحساس بالعزة، ووعي بقيمته وذاته النابع من إيمانه[22].

ويرتبط هذا المقصد ارتباطًا وثيقًا بالمسجد الأقصى، إذ إن الاعتداء عليه بالاقتحامات وممارسة الطقوس اليهودية يتضمن انتهاكًا لحرمات المسلمين وكرامتهم، فعزتهم من عزة مسجدهم، ويترافق مع الاعتداء على الأقصى اعتداء على المصلين والمرابطين داخله من الرجال والنساء، أو عبر محاولات الإذلال والإهانة التي يتعرض لها أهل القدس، وهذه الانتهاكات تمثل مساسًا مباشرًا بكرامة الفلسطيني شُرع في سبيل دفعها مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المشروعة الممكنة الناعمة والخشنة على السواء.

كما أن حفظ العرض لا يقتصر على البعد الفردي، بل يمتد إلى البعد الجماعي المتمثل في كرامة الأمة وهيبتها بين الأمم. فالمسجد الأقصى رمز لشرف الأمة وعزتها، والتفريط فيه يعد انتقاصًا من مكانتها وامتهانًا لكرامتها، ومن هنا فإن حماية الأقصى تدخل في صميم مقصد حفظ العرض؛ لأنها تعني حماية شرف الأمة وصيانة هويتها الدينية والحضارية[[23]].

وعليه فإن مقاصد الشريعة في حفظ العرض توجب على الأمة الإسلامية أن تدافع عن المسجد الأقصى وتمنع أي اعتداء عليه، إدراكًا بأن التفريط فيه ليس مجرد إهمال لمقدس ديني، وإنما هو تفريط في كرامة الأمة واعتبارها[24].

المطلب الثاني: المقاصد الحاجية والتحسينية ودورها في تعزيز حماية المسجد الأقصى

تُعد المقاصد الحاجية من المقاصد المهمة في الشريعة الإسلامية، إذ ترفع عن الناس المشقة والحرج، وتمكّنهم من أداء التكاليف والواجبات الشرعية بيسر وسهولة. وإذا كانت المقاصد الضرورية متعلقة بحفظ أسس الحياة والدين، فإن المقاصد الحاجية تأتي متممة لها؛ لتيسير شؤون الناس، ودفع العنت والمشقة عنهم؛ لتسهيل مهمة قيامهم بالخلافة في الأرض، وأداء التكليف[25].

أولًا: المقاصد الحاجية وأثرها في حماية المسجد الأقصى

المقاصد الحاجية تأتي في المرتبة الثانية بعد المقاصد الضرورية، وهي تهدف إلى رفع الحرج عن الناس، وتيسير حياتهم بما يمكنهم من أداء واجباتهم الشرعية بمرونة دون مشقة أو عنت، وإذا كان فقدان الضروريات يؤدي إلى فساد عظيم في الدين والدنيا، فإن فقدان الحاجيات لا يترتب عليه الهلاك، ولكنه يجلب الضيق والحرج، وبدونها تعاني الأمة مشقة الحياة[[26]].

وفيما يتعلق بالمسجد الأقصى، تتجلى أهمية المقاصد الحاجية في تمكين المرابطين والمقدسيين من مقومات الصمود والبقاء، إذ إن بقاءهم في محيط المسجد الأقصى يمثل خط الدفاع الأول عنه، ومن هنا فإن توفير حاجاتهم من السكن والعمل والتعليم والرعاية الصحية عن طريق الإسناد والإمداد من المحسنين والداعمين للقضية الفلسطينية ماليًّا واقتصاديًّا، يُعَدّ في مرتبة الحاجيات التي تمكّنهم من مواصلة حماية المسجد الأقصى من مشاريع التهويد.

كما أن المقاصد الحاجية تفرض على الأمة الإسلامية العمل على تخفيف الأعباء عن أهل القدس، ومساندتهم في مواجهة الضغوط السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تهدف إلى إضعاف وجودهم؛ لأن إزالة الحرج عنهم وتيسير سبل حياتهم هو جزء من الواجب الشرعي الجماعي؛ ليتفرغوا للرباط وحماية المسجد الأقصى وتعزيز صموده أمام الأخطار.

ثانيًا: المقاصد التحسينية وأثرها في تعزيز مكانة المسجد الأقصى

المقاصد التحسينية تمثل المرتبة الثالثة من مقاصد الشريعة الإسلامية بعد الضروريات والحاجيات، وهي تتعلق بمكارم الأخلاق وآداب السلوك، وما يجمل حياة الناس؛ حتى تكون في أحسن صورة ممكنة، ويجعلها أكثر اكتمالًا وسموًا، فهي لا تقوم مقام الضروريات أو الحاجيات، لكنها تضفي على الحياة طابعًا من الكمال والرقي، وتجعل أحكام الشريعة متناسقة مع الفطرة السليمة والقيم العليا[27].

ويتجلى أثر المقاصد التحسينية في قضية المسجد الأقصى من خلال تعزيز روح الانتماء والارتباط الروحي به، ونشر فضائله في نفوس المسلمين، وخاصة الأجيال الناشئة، عبر وسائل التعليم والإعلام والثقافة والفنون، فإبراز مكانة الأقصى كرمز ديني وحضاري للأمة، وإحياء الوعي الجمعي بقدسيته، يدخل في إطار المقاصد التحسينية التي تعزز حماية المقدسات.

كما يظهر دور المقاصد التحسينية في المحافظة على جمالية المسجد الأقصى، وصيانة معالمه التاريخية والآثار الإسلامية التي يحتضنها؛ لما في ذلك من إبراز لعظمة الحضارة الإسلامية، وتأكيدٍ على أن الدفاع عنه ليس مجرد التزام شرعي، بل هو أيضًا حفاظ على الهوية الجمالية والثقافية للأمة.

ومن هنا فإن المقاصد التحسينية تُكمل الضروريات والحاجيات، حيث تعمل على ترسيخ القيم والمعاني التي تجعل المسجد الأقصى حاضرًا في وجدان المسلمين، وتغرس فيهم الدافع المعنوي والأخلاقي للتمسك به وحمايته من أي اعتداء أو تهويد.

المطلب الثالث : المقاصد الكلية وأثرها في حماية الهوية الدينية ومواجهة مشاريع التهويد

تعد المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية الإطار الجامع الذي تنتظم فيه سائر المقاصد الجزئية، وهي الغايات الكبرى التي تهدف إلى تحقيق العدل، وصيانة الدين، وحماية الكرامة الإنسانية، وحفظ هوية الأمة وفي سياق المسجد الأقصى، فإن لهذه المقاصد دورًا محوريًا في مواجهة محاولات جرف الأديان ومشاريع التهويد التي تسعى إلى طمس الهوية الإسلامية وفرض رواية زائفة للتاريخ، ومن هنا فإن استحضار المقاصد الكلية يعطي بعدًا شاملًا لفهم الواجب الشرعي تجاه الأقصى، إذ يحوّل الدفاع عنه من مجرد واجب ظرفي إلى مقصد كوني يتصل بحفظ الدين والعدل والكرامة ووحدة الأمة.

أولًا: مفهوم المقاصد الكلية وأهميتها

المقاصد الكلية هي الغايات العامة والكلية التي جاءت الشريعة الإسلامية لتحقيقها، وتشمل جميع الأحكام التفصيلية والجزئية بحيث ترتبط كل التشريعات بغاية كبرى تحقق مصالح العباد في الدنيا والآخرة. ومن أبرز هذه المقاصد: تحقيق الخلافة والعدل، والتيسير ورفع الحرج، وحفظ نظام الأمة، وغيرها فهي تمثل روح الشريعة وأساسها الذي تنتظم تحته المقاصد الضرورية والحاجية والتحسينية[28].

وتبرز أهمية المقاصد الكلية في كونها معيارًا يحتكم إليه عند مواجهة القضايا الكبرى التي تمس الأمة ومقدساتها، مثل قضية المسجد الأقصى، فهذه المقاصد تجعل من الدفاع عن الأقصى واجبًا شرعيًا ذا بعد شامل، إذ يتصل بحفظ الدين والهوية من جهة، وبصيانة كرامة الأمة ووحدتها من جهة أخرى كما أن استحضار هذه المقاصد يساعد على مواجهة المشاريع التي تهدف إلى طمس الحقائق أو تغيير المعالم الدينية والتاريخية؛ لأنها تقدم إطارًا كليًا يحدد الموقف الشرعي ويُوحِّد الأمة حوله.

وعليه فإن المقاصد الكلية لا تقتصر أهميتها على الجانب النظري، بل هي أساس عملي يوجه سلوك الأمة ويعزز قدرتها على مواجهة التحديات الكبرى، وعلى رأسها مشاريع التهويد التي تستهدف المسجد الأقصى.

ثانيًا: المقاصد الكلية في مواجهة تشويه الهوية:

من أخطر التحديات التي يواجهها المسجد الأقصى محاولات طمس الهوية الدينية وتشويه الحقيقة التاريخية من خلال فرض سردية صهيونية زائفة، وهنا يبرز دور المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية التي تقوم على حفظ الدين باعتباره أصل الأصول، وصيانة العقيدة من كل تحريف أو تبديل؛ لأن العدو يدرك أن قوام الأمة في تمسكها بدينها، لذلك يحاول فتنة الأمة عنه بتحريفه وتزييفه، والجهاد شرع لحماية الأديان وصيانة أماكن العبادة، وحرية الشعائر[29]، ومن هنا فمقاومة المشروع الصهيوني في فلسطين بكل السبل الممكنة، وخاصة فيما يتعلق بالرواية وحقائق التاريخ، وكشف تضليله، ومحاولة اختراقه للأمة من خلال التطبيع المزعوم، يمثل حماية للدين وإبقائه نقيًّا من أي عبث أو تزوير، ومقاومة مشاريع التهويد والطمس الثقافي التي يمارسها العدو في القدس المحتلة؛ جزء لا يتجزأ من هذا المقصد الكلي.

إن العداوة المتأصلة في اليهود ضد الإسلام هي الباعث على احتلال الأرض، وتدنيس المقدسات، وتشويه الهوية وتزييف الحقائق، وهذا يكشف لنا عن طبيعة المعركة معهم بأبعادها الدينية والعقدية[30] وإذا كان الدين في مرمى الاستهداف، فإن الدفاع عن المسجد الأقصى كمقدس ديني، وليس مجرد مسألة سياسية أو صراع على جغرافيا، هو ضرورة شرعية متصلة بالرسالة الكونية للإسلام، التي تهدف إلى حفظ الوحي والشرائع السماوية من التحريف والتبديل، وحماية العقائد وأماكن العبادة.

ومن هنا فإن استحضار المقاصد الكلية في المواجهة مع العدو الصهيوني يعطي الأمة الإسلامية القوة الفكرية والحصانة الثقافية، والمنهجية لمواجهة الروايات والسرديات الصهيونية المزيفة التي تستهدف الهوية والتاريخ، ويثير حمية المسلمين للدفاع عن المسجد الأقصى كجزء من عقيدتهم وموروثهم الديني والحضاري.

كما أن هذه المقاصد الكلية تهدف إلى تحرير الناس من العبودية للبشر، وتقصد إلى منع الظلم والعدوان، وتحقيق العدل والمساواة بين الناس، والتحرر من الذل، ونيل الحرية، والتخلص من العدوان والاحتلال، وهي من أهم المصالح التي لا تنازل عنها[31]، وترخص في سبيل تحصيلها الدماء وتهون الصعاب. وهذه المقاصد غائبة عن أرض بيت المقدس المحتلة التي يمارس فيها العدو كل أنواع الظلم والعدوان والاستعباد.

ثالثًا: المقاصد الكلية في مواجهة مشاريع التهويد

تعد مشاريع التهويد التي تستهدف المسجد الأقصى أخطر ما يواجهه في العصر الحديث، إذ لا تقتصر على السيطرة المكانية فحسب، بل تسعى إلى تغيير هويته الدينية والحضارية، وفرض رواية جديدة تخدم المشروع الصهيوني[32]، ويتجلى دور المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية في مواجهة هذه المشاريع، فهي التي تضع الضوابط الكلية لحماية المقدسات، وتؤكد على أن الدفاع عن الأقصى واجب لا يسقط بالتقادم، لأنه يتصل مباشرة بمقصد حفظ الدين والهوية.

إن مقاصد الشريعة المتعلقة بتحقيق العدل ومنع الظلم تبطل الأسس التي تقوم عليها مشاريع التهويد، فهي مشاريع قائمة على العدوان والاغتصاب ومخالفة سنن الحق، كما أن مقصد حفظ وحدة الأمة وكرامتها يحتم على المسلمين أن يتكاتفوا في مواجهة هذه المحاولات؛ لأن التفريط في الأقصى يمثل مساسًا مباشرًا بمكانة الأمة واعتبارها بين الأمم[33].

وبذلك فإن استحضار المقاصد الكلية يجعل قضية المسجد الأقصى قضية مركزية في وجدان الأمة، تتجاوز حدود الشعارات والانفعالات؛ لتصبح جزءًا من الرسالة الكونية للإسلام، القائمة على العدل وصيانة المقدسات، ومقاومة كل صور الاحتلال والتهويد، فالدفاع عن الأقصى -وفق هذا المنظور- ليس مجرد التزام شرعي فحسب، بل هو أيضًا حماية للهوية الحضارية والإنسانية للأمة الإسلامية جمعاء.

المبحث الثالث: الواجبات الشرعية للأمة تجاه تهويد المسجد الأقصى

إن الدفاع عن المسجد الأقصى وحمايته من محاولات التهويد ليس مجرد خيار سياسي أو مطلب شعبي، بل هو واجب شرعي ثابت يستند إلى نصوص الوحي ومقاصد الشريعة الإسلامية، فالمسجد الأقصى ليس ملكًا لجيل دون آخر، ولا لشعب دون بقية الأمة، وإنما هو أمانة في أعناق المسلمين جميعًا عبر العصور، ومن هذا المنطلق، فإن الواجبات الشرعية تجاه الأقصى تتنوع بين ما هو عقدي وفقهي ودعوي من جهة، وبين ما هو عملي يتعلق بالجهود السياسية والاقتصادية والإعلامية والجهادية من جهة أخرى.

ويهدف هذا المبحث إلى بيان صور هذه الواجبات على المستويين النظري والعملي، فإدراك هذه الواجبات والعمل بها يمثل استجابة حقيقية للتكليف الشرعي، وتجسيدًا لوحدة الأمة، وحماية لهويتها ومقدساتها في مواجهة مشاريع التهويد التي تستهدف وجودها الديني والحضاري.

المطلب الأول: الواجبات الشرعية النظرية (العقدية، الفقهية، الدعوية)

تتأسس الواجبات الشرعية تجاه المسجد الأقصى أولًا على الجانب النظري الذي يشمل الأبعاد العقدية والفقهية والدعوية، إذ إن إدراك مكانة الأقصى في العقيدة الإسلامية، ومعرفة أحكامه في الفقه، ونشر الوعي بفضله عبر الخطاب الدعوي، يشكل الركيزة الأساسية لأي عمل عملي لاحق، فالوعي العقدي يرسخ الارتباط الروحي والشرعي بالأقصى، والبيان الفقهي يوضح أحكام الدفاع عنه ووجوب نصرة أهله، أما الجانب الدعوي فيسهم في تعبئة الأمة وتذكيرها بمسؤولياتها الشرعية تجاهه، ومن ثم فإن هذه الواجبات النظرية تمثل الأساس الفكري والمعرفي الذي يبنى عليه الموقف الشرعي العملي في حماية المسجد الأقصى[34].

أولًا: الواجبات العقدية

تعد الواجبات العقدية من أهم الأسس التي يقوم عليها ارتباط الأمة الإسلامية بالمسجد الأقصى، إذ إن مكانته ليست مجرد مكانة تاريخية أو حضارية، بل هي جزء أصيل من عقيدة المسلم وإيمانه، فالمسجد الأقصى هو أولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومسرى النبي ﷺ، ومعراجه إلى السماوات العُلى، مما يجعله متجذرًا في وجدان الأمة باعتباره ركنًا من أركان هويتها الدينية[35].

ويترتب على هذا الارتباط العقدي أن يدرك المسلمون جميعًا أن التفريط في المسجد الأقصى أو التهاون في حمايته يُعدّ خللًا في أصل من أصول الدين؛ لأنه مساس بمقدس من أعظم المقدسات التي باركها الله تعالى وخصّها بفضائل عظيمة، ولهذا فإن نصرة الأقصى ليست مجرد واجب سياسي أو وطني، وإنما هي تكليف شرعي مرتبط بالعقيدة ذاتها[36].

كما أن الواجبات العقدية تتجلى في ضرورة غرس حب المسجد الأقصى في نفوس الناشئة من خلال أحاديث فضائل بيت المقدس، والأبعاد العقدية للمسجد الأقصى، وربطهم به من خلال التربية والتعليم والخطاب الديني، حتى يبقى حاضرًا في وجدان الأجيال المتعاقبة فالحفاظ على هذا البعد العقدي يضمن بقاء الأقصى رمزًا جامعًا للأمة، ويحول دون نجاح محاولات التهويد الرامية إلى قطع صلة المسلمين به[37].

وعليه فإن الواجب العقدي تجاه المسجد الأقصى يتمثل في تثبيت الإيمان بقدسيته، واستحضار مكانته في العقيدة الإسلامية، وتعليم ذلك للأجيال، باعتباره الخطوة الأولى والركيزة الأساسية لكل واجب فقهي أو عملي لاحق.

ثانيًا: الواجبات الفقهية

تعد الواجبات الفقهية من المرتكزات الأساسية في بيان المسؤولية الشرعية تجاه المسجد الأقصى، إذ إن الفقه الإسلامي يُحدِّد الأحكام العملية المتعلقة بحماية المقدسات وصيانتها، وقد أجمع العلماء على أن الدفاع عن المسجد الأقصى فرض كفاية على الأمة الإسلامية، يتحول إلى فرض عين على من يليه من المسلمين إذا تعرّض لاحتلال أو اعتداء مباشر، كما هو الحال في واقعنا المعاصر[38].

وقد بيّن الفقهاء أن نصرة المقدسات تدخل ضمن باب الجهاد في سبيل الله، الذي شرع لحماية الدين ورد العدوان وصيانة حرمات المسلمين. وبناءً على ذلك، فإن مقاومة مشاريع التهويد والتصدي للاعتداءات التي يتعرض لها المسجد الأقصى تُعَدّ واجبًا شرعيًا يستند إلى القواعد الفقهية الكلية، مثل قاعدة “ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب” وقاعدة “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح”.

كما تشمل الواجبات الفقهية مسؤولية الأمة في دعم صمود أهل القدس ماديًا ومعنويًا؛ لأنهم يمثلون خط الدفاع الأول عن الأقصى. وقد أفتى علماء الأمة بوجوب تقديم العون لهم، واعتبروا ذلك من صور الإنفاق الواجب في سبيل الله. إضافة إلى ذلك فإن مقاطعة كل ما يعزز مشاريع التهويد يدخل في دائرة الواجب الفقهي؛ لأنه يندرج تحت مبدأ سد الذرائع المفضية إلى الحرام[39].

وعليه فإن الواجبات الفقهية ترسم الإطار الشرعي العملي الذي يجب على الأمة الالتزام به في مواجهة التحديات التي تهدد المسجد الأقصى، بدءًا من وجوب الدفاع عنه، ومرورًا بدعم المرابطين، وانتهاءً برفض كل أشكال التطبيع أو المشاركة في أي فعل يُفضي إلى إضعاف مكانته أو تمكين المعتدين منه.

ثالثًا: الواجبات الدعوية

الواجبات الدعوية تمثل جانبًا محوريًا في مسؤولية الأمة الإسلامية تجاه المسجد الأقصى، إذ إن الدعوة إلى الله لا تقتصر على تعليم العقائد والعبادات، وإنما تشمل أيضًا تذكير الأمة بمقدساتها وتنبيهها إلى المخاطر التي تهددها. ومن هنا، فإن بيان مكانة المسجد الأقصى في الخطاب الدعوي يعد واجبًا شرعيًا؛ لأنه يُسهم في ترسيخ الارتباط العقدي والروحي للمسلمين به.

ويتحقق هذا الواجب من خلال دور العلماء والدعاة والمؤسسات الدينية في نشر الوعي بفضائل المسجد الأقصى وأهميته في عقيدة المسلمين، والتأكيد على الحق الديني والتاريخي في فلسطين وأن الدفاع عنه يقع على الأمة جمعاء. كما يقتضي الواجب الدعوي توظيف المنابر الإعلامية والدينية للتذكير المستمر بالقضية والرد على شبهات المرجفين، حتى تبقى حية في وجدان المسلمين، ولا تضعف أمام محاولات التهويد والتهميش[40].

كذلك يتجلى البعد الدعوي في غرس حب المسجد الأقصى في نفوس الناشئة عبر المناهج التعليمية والأنشطة التربوية والثقافية، حتى ينشأ جيل مرتبط بهويته ومقدساته، مدرك لمسؤولياته تجاهها. فالدعوة في هذا السياق لا تقتصر على الوعظ والإرشاد، بل تشمل التربية العملية التي تجعل قضية الأقصى جزءًا من وعي الأجيال الجديدة[41].

وعليه فإن الواجبات الدعوية تجاه المسجد الأقصى تعد مكملة للواجبات العقدية والفقهية، إذ إنها تترجم الجانب النظري إلى وعي شعبي وحراك جماهيري، وتضمن استمرار حضور القضية في حياة الأمة، لتبقى نصرة الأقصى واجبًا حيًا متجددًا في القلوب والعقول.

المطلب الثاني: الواجبات الشرعية العملية (السياسية، الاقتصادية، الإعلامية، الجهادية بضوابطها الشرعية)

تمثل الواجبات الشرعية تجاه المسجد الأقصى جوهر التكليف العملي الملقى على الأمة، إذ لا يكفي الوعي العقدي أو الفقهي دون ترجمة فعلية تحمي الأقصى وتدعم صموده. وتتوزع هذه الواجبات بين الموقف السياسي، والدعم الاقتصادي، والدور الإعلامي، وصولًا إلى الجهاد المنضبط بضوابطه الشرعية، لتشكّل جميعها تعبيرًا حيًّا عن التزام الأمة برسالتها في نصرة الأقصى.

أولًا: الواجبات السياسية

تعد الواجبات السياسية من أبرز صور المسؤولية العملية للأمة الإسلامية تجاه المسجد الأقصى، نظرًا لكونها تتعلق بمواقف الحكومات والدول والمؤسسات الرسمية التي تمثل الأمة في المحافل الدولية، فالسياسة الشرعية تلزم ولاة الأمور بالعمل على حماية المقدسات والدفاع عنها، والسعي بكل الوسائل المتاحة للحفاظ على هوية المسجد الأقصى الإسلامية في مواجهة محاولات التهويد المستمرة[42].

وتتجلى هذه الواجبات في ضرورة رفض جميع مشاريع الاحتلال الرامية إلى شرعنة التهويد أو الاعتراف بالسيطرة غير المشروعة على المسجد الأقصى وتجريم التطبيع مع العدو، وكذلك في العمل الدبلوماسي الفعّال من خلال الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية لتثبيت الحقوق الإسلامية والعربية في القدس والأقصى[43].

كما تشمل هذه الواجبات تنسيق المواقف بين الدول الإسلامية لتوحيد كلمتها، وعدم ترك القضية رهينة للانقسامات والصراعات الداخلية.

كذلك فإن الواجب السياسي يفرض على الحكومات دعم صمود الشعب الفلسطيني وأهل القدس عبر القرارات والتشريعات والسياسات التي تمنع تهجيرهم أو التضييق عليهم، وتعزز من وجودهم في محيط المسجد الأقصىى. ومن هنا فإن الموقف السياسي ليس ترفًا أو خيارًا ثانويًا، بل هو واجب شرعي يدخل في إطار حماية الدين والمقدسات، ويعدّ جزءًا من الوفاء بالعهد الذي حمّل الله به الأمة الإسلامية تجاه المسجد الأقصى.

ثانيًا: الواجبات الاقتصادية

الواجبات الاقتصادية تمثل جانبًا محوريًا في حماية المسجد الأقصى وتعزيز صموده، إذ إن المعركة حوله ليست معركة عسكرية أو سياسية فحسب، بل هي أيضًا معركة بقاء وصمود في وجه محاولات التهويد التي تستهدف تهجير أهله وإضعاف وجودهم. ومن هنا فإن دعم المقدسيين ماديًا واقتصاديًا يُعَدّ واجبًا شرعيًا، من أعلى القربات وأجل الطاعات[44]؛ لأنه يدخل في إطار التعاون والتكافل المأمور به في قول الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾[ سورة المائدة: 2]؛ وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن لِلْمؤْمن كالبُنْيان يَشُدُّ بَعْضُه بَعْضا، ثُمَّ شَبّك بين أَصابعه[45]، والعون والدعم يعمل على تثبيت بقائهم في أرضهم، وتعزيز صمودهم في وجه الاحتلال الساعي لاقتلاعهم وطردهم من بيوتهم ومصادرة ممتكلاتهم[46].

ويدخل الامداد والإسناد لأهل فلسطين والأقصى في باب التجهيز للغزو والمشاركة في الجهاد لحديث النبي صلى الله عليه وسلم:مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ فَقد غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي أَهْلِه بِخَيرٍ فقد غَزَا[47].

ويتحقق هذا الواجب من خلال إنشاء صناديق دعم خاصة للقدس وأهلها، خاصة الأيتام وذوي الشهداء، وتوفير التمويل اللازم لبناء البيوت السكنية التي يهدمها الاحتلال، والمرافق التعليمية والصحية، بما يمكنهم من التمسك بأرضهم والبقاء قريبين من المسجد الأقصى، كما يشمل دعم التجار وأصحاب المهن في القدس، وتوفير فرص عمل للشباب، وأصحاب المحال التجارية الذين يواجهون تضييقًا ممنهجًا من الاحتلال يهدف إلى إضعافهم اقتصاديًا ودفعهم إلى الرحيل[48].

وعليه: فإن الواجب الاقتصادي يقتضي مقاطعة المنتجات الصهيونية، والشركات الداعمة للاحتلال أو المتورطة في مشاريعه التهويدية، باعتبار ذلك صورة من صور الجهاد المالي المشروع، ووسيلة ضغط فعّالة لوقف الانتهاكات بحق الأقصى وأهله، وهي نوع من المقاومة السلبية للاحتلال[49].

والواجب الاقتصادي ليس مجرد تبرع أو إحسان، بل هو جهاد بالمال يدخل في باب نصرة المظلومين والدفاع عن المقدسات، ويعدّ ركيزة أساسية تُمكّن الأمة من مواجهة مشاريع التهويد عبر دعم الصمود والثبات على الأرض.

ثالثًا: الواجبات الإعلامية

تعد الواجبات الإعلامية من الأدوات الفاعلة في حماية المسجد الأقصى، إذ إن المعركة حوله ليست ميدانية عسكرية، بل هي معركة رواية وصورة ووعي. فالاحتلال يسعى جاهدًا إلى تزييف الحقائق التاريخية والدينية، وطمس الهوية الإسلامية للمسجد الأقصى من خلال الدعاية المكثفة والهيمنة على وسائل الإعلام العالمية، وصناعة الصور الذهنية الزائفة، والحرب النفسية على الفلسطينيين، وهنا يبرز الدور الشرعي للإعلام الإسلامي في كشف هذه المخططات وإبراز الحقائق كما هي[50].

ويتمثل هذا الواجب في نشر الوعي بقضية المسجد الأقصى عبر مختلف الوسائل الإعلامية التقليدية والحديثة، وتوضيح مكانته في العقيدة الإسلامية والتاريخ الإنساني، وبث الوعي بأهميته ومركزيته، بحيث يبقى حاضرًا في وجدان الأمة، والتصدي لشبهات المرجفين، كما يقتضي تسليط الضوء على الانتهاكات والجرائم الصهيونية اليومية التي يتعرض لها الأقصى وأهله؛ لتوثيقها وكشفها أمام الرأي العام العالمي، حتى لا تضيع في غمرة التعتيم والتضليل الإعلامي[51].

وتشمل الواجبات الإعلامية استخدام منصات التواصل الاجتماعي التي تسهل مشاركة المعلومات، وتتجاوز الرقابة التي تفرضها الدول، لتعبئة الشعوب وربط الأجيال الجديدة بقضية الأقصى، وتعزز الرواية الفلسطينية الصحيحة، وبذلك يصبح الإعلام وسيلة جهادية سلمية[52] لا تقل عن السلاح العسكري، تُسهم في مقاومة مشاريع التهويد وتثبيت صورة الأقصى كرمز ديني وحضاري عالمي.

وعليه فإن الواجب الإعلامي ليس دورًا تكميليًا، بل ركنًا رئيسًا في المعركة يتجاوز تغطية الأخبار ونقل المشاهد؛ ليصبح أداة وفعلًا مقاومًا وجبهة أساسية في معركة الدفاع عن الأقصى؛ لأنه يشكل الرأي العام ويؤثر فيه، ويوحد المواقف، ويكشف زيف الاحتلال، ويمارس الحرب النفسية على العدو، ويزرع الشك في قدرته على حسم الحرب بين صفوف جيشه، ويحافظ على صورة القضية العادلة والإنسانية التي لا يجوز أن تغيب عن الساحة الدولية[53].

رابعًا: الواجبات الجهادية بضوابطها الشرعية

يعد الجهاد في سبيل الله من أعظم الواجبات الشرعية التي شرعت لحماية الدين والمقدسات، ودفع العدوان، وصيانة بيضة الإسلام، وفيما يتعلق بالمسجد الأقصى، فإن الواجب الجهادي يمثل ذروة سنام المسؤولية الشرعية، لأنه يترجم ارتباط الأمة العقدي والفقهي والدعوي بالأقصى إلى فعل عملي يهدف إلى تحريره والدفاع عنه.

وقد اتفق فقهاء العصر على أن الجهاد في فلسطين يصبح فرض عين إذا تعرضت أرض المسلمين للاحتلال أو اعتدي على مقدساتهم، وهذا ما ينطبق تمامًا على المسجد الأقصى الذي يرزح تحت الاحتلال[54]. غير أن هذا الواجب لا بد أن يمارس في إطار فقه التدافع وميزان الأولويات؛ ليكون الجهاد منظمًا ومحققًا لمقاصده، مثل الخطة المحكمة، ومراعاة المصلحة العامة، وفقه الحال والمآل، وتجنب الخطوات غير المدروسة التي تفضي إلى زهق الأرواح دون تحقيق نكاية بالعدو.

كما أن الواجب الجهادي لا يقتصر على حمل السلاح، بل يشمل الجهاد بالمال والفكر والإعلام، وذلك عبر دعم المرابطين، وتمويل المشاريع التي تخدم بقاءهم، والتصدي للشبهات الفكرية والإعلامية التي تستهدف شرعية القضية الفلسطينية فكل جهد يسهم في حماية الأقصى يعد صورة من صور الجهاد المأجور عند الله[55].

وبذلك، فإن الواجب الجهادي تجاه المسجد الأقصى يتسم بالشمولية والضبط الشرعي، فهو ليس عملًا عشوائيًا أو فرديًا، بل هو تكليف شرعي منظم يقوم على فقه الأولويات، ويهدف إلى تحرير المقدسات وحماية الأمة من محاولات التهويد والطمس، في انسجام مع المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية.

الخاتمة :

بعد هذا العرض يتبين أن المسجد الأقصى ليس مجرد معلم ديني أو تاريخي، بل هو قضية عقدية وحضارية تمثل جوهر هوية الأمة الإسلامية وكرامتها، فقد دلت النصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية على مكانته العظيمة، وأكدت أن الدفاع عنه واجب شرعي يدخل في صميم مقاصد الشريعة التي تقوم على حفظ الدين والنفس والعرض.

كما أوضحت الدراسة أن مقاصد الشريعة الإسلامية، سواء الضرورية أو الحاجية أو التحسينية، تشكّل أساسًا متينًا لحماية المقدسات، وأن المقاصد الكلية تضيف بعدًا شاملًا يُمكّن الأمة من مواجهة محاولات جرف الأديان ومشاريع التهويد التي تستهدف طمس هوية المسجد الأقصى. وهذا يثبت أن حماية الأقصى ليست خيارًا سياسيًا أو ظرفيًا، بل هي تكليف إلهي يتصل برسالة الإسلام العالمية.

ومن جهة أخرى أبرز البحث أن الواجبات الشرعية تجاه المسجد الأقصى تتنوع بين الجانب النظري الذي يشمل البعد العقدي والفقهي والدعوي، والجانب العملي الذي يتجلى في المواقف السياسية والاقتصادية والإعلامية والجهادية.

وعليه فإن من أهم النتائج المستخلصة أن نصرة المسجد الأقصى مسؤولية شرعية جماعية تقع على عاتق الأمة بأسرها، حكامًا ومحكومين، مؤسسات وشعوبًا، وأن التفريط فيه يعد تفريطًا في الدين والهوية والكرامة. لذا، فإن الواجب يقتضي استنهاض طاقات الأمة وتوحيد صفوفها، وتفعيل جميع الوسائل المشروعة لدعم الأقصى وأهله، حتى يبقى حيًّا في وجدان الأمة، وراسخًا في واقعها، رمزًا لوحدتها وعزتها، وعنوانًا لمستقبلها.

النتائج والتوصيات :

  • النتائج :
  • المسجد الأقصى يحتل مكانة مركزية في العقيدة الإسلامية، تؤكدها النصوص القرآنية والأحاديث النبوية والفقه الإسلامي.
  • حماية المسجد الأقصى تدخل في صميم مقاصد الشريعة الضرورية، وخاصة حفظ الدين والنفس والكرامة.
  • المقاصد الحاجية والتحسينية تسهم في تعزيز حماية الأقصى عبر دعم صمود أهله وترسيخ مكانته في وعي الأجيال.
  • المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية توفر إطارًا شاملًا لمواجهة محاولات تشويه الأديان ومشاريع التهويد.
  • الواجبات الشرعية تجاه المسجد الأقصى تتنوع بين واجبات نظرية (عقدية، فقهية، دعوية) وواجبات عملية (سياسية، اقتصادية، إعلامية، جهادية)
  • هناك عوائق متعددة تحول دون قيام الأمة بواجبها، منها السياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافية.
  • نصرة المسجد الأقصى واجب شرعي جماعي على الأمة الإسلامية كلها، ولا يسقط بالتقادم أو تغير الظروف.
  • التفريط في المسجد الأقصى يُعَدّ تفريطًا في الدين والهوية والكرامة الإسلامية.
  • التوصيات :
  • ضرورة ترسيخ مكانة المسجد الأقصى في مناهج التعليم وخطاب الدعوة؛ لضمان غرس الوعي بقيمته في نفوس الأجيال.
  • توحيد الجهود السياسية للدول الإسلامية وتنسيق مواقفها في المحافل الدولية للدفاع عن القدس والأقصى.
  • إنشاء صناديق اقتصادية وقفية خاصة لدعم المقدسيين وتمكينهم من الصمود أمام سياسات التهويد.
  • تطوير الإعلام الإسلامي والعربي لإبراز قضية المسجد الأقصى عالميًا، والتصدي للروايات المزيفة.
  • تفعيل دور المؤسسات الدينية والعلمية في إصدار الفتاوى والبيانات التي تؤكد الواجب الشرعي تجاه الأقصى.
  • تعزيز أشكال الجهاد المشروع، ماديًا ومعنويًا وفكريًا، وفق الضوابط الشرعية التي تحفظ وحدة الأمة ومصلحتها.
  • ضرورة تجاوز الانقسامات السياسية والداخلية في الأمة، والعمل على جعل قضية الأقصى قضية مركزية موحِّدة.
  • دعم الإنتاج الثقافي والفني والأدبي المتعلق بالقدس؛ ليبقى الأقصى حاضرًا في الوعي الثقافي والإعلامي عالميًا.

المصادر و المراجع

إبراهيم، محمد يسري- واجب العلماء والدعاة نحو تحرير فلسطين والمسجد الأقصى، دار اليسر، القاهرة، ط1، 2024م

ابن الأثير، عز الدين، الكامل في التاريخ، بيروت: دار الكتب العلمية، 1987م، ج10، ص 186–190.

ابن تيمية- مجموع الفتاوى، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، 1416هـ/1995م.

إسماعيل، سيف الدين عبد الفتاح- قاموس المقاومة، تاسك للنشر، ط1، 2025م، ص 267.

إسماعيل، محمد بكر (2005) مقاصد الشريعة تأصيلاً وتفعيلًا، القاهرة: دار السلام، ص٨٩

الأشقر، أسامة- البركة مقوماتها ومنازلها بين مكة وبيت المقدس، عمّان: مؤسسة الفرسان للنشر والتوزيع، 2015م.

بزا، عبد النور- مصالح الإنسان مقاربة مقاصدية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 2008م.

البقاعي، برهان الدين إبراهيم. نظم الدرر في تناسب الآيات والسور. القاهرة: دار الكتب الإسلامي، 1984م. ص٧٥

الخالدي، صلاح- حقائق قرآنية حول القضية الفلسطينية، منشورات فلسطين المسلمة، لندن، 1995م، ص38-39.

الخفاجي، شهاب الدين. عناية القاضي وكفاية الراضي على تفسير البيضاوي. بيروت: دار صادر، دون تاريخ.

دوابه، أشرف- نحو جهاد اقتصادي لتحرير الأقصى، دار المدرس، تركيا، ط1، 2019م.

الشاطبي، إبراهيم بن موسى. الموافقات في أصول الشريعة تحقيق: مشهور سلمان، دار ابن عفان، ط1، 1997م، 2/18.

الصلاحات، سامي محمد- حتمية الصراع الديني على أرض فلسطين من منظور المقاصد الشرعية، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية،21/65.

 الصلاحات، سامي محمد- فلسطين دراسات من منظور مقاصد الشريعة، مركز الزيتونة، بيروت، ط2، 2010م.

قراقيش، نجوى- بيت المقدس وأحكامه، دار الفرسان، عمان، ط1، 2014م.

القرضاوي، يوسف (1997) القدس قضية كل مسلم. القاهرة: مكتبة وهبة. ص٦٤

القرضاوي، يوسف- فقه الجهاد: دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته في ضوء القرآن والسنة. القاهرة: مكتبة وهبة، 2/1459.

مسلم بن الحجاج- الجامع الصحيح، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1991م.

المصري، مشير- تحرير فلسطين بين ثوابت القضية ومتغيراتها في السياسة الشرعية، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة طرابلس، لبنان، 2021م.

موقع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فتوى بشأن واجب الحكومات الإسلامية تجاه الغزو الصهيوني على غزة: https://iumsonline.org/ar/ContentDetails.aspx?ID=31407

موقع مجمع الفقه الإسلامي: https://iifa-aifi.org/ar/2431.html

موقع مجمع الفقه الإسلامي: https://iifa-aifi.org/ar/2431.html

موقع هيئة علماء فلسطين واجب الأمة وعلمائها تجاه القدس والمسجد الأقصى، الرابط: https://palscholars.org/

النجار، عبد المجيد- مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 2006م.

النووي، يحيى بن شرف “شرح صحيح مسلم” بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1392هـ.

واجب المسلمين تجاه المسجد الأقصى المبارك: على الرابط، https://www.aqsapedia.net/ar/2998


[1] الخالدي، صلاح- حقائق قرآنية حول القضية الفلسطينية، منشورات فلسطين المسلمة، لندن، 1995م، ص38-39.

[2] الخالدي، صلاح- حقائق قرآنية حول القضية الفلسطينية، ص47، 48.

[3] الأشقر، أسامة- البركة مقوماتها ومنازلها بين مكة وبيت المقدس، عمّان: مؤسسة الفرسان للنشر والتوزيع، 2015م. ص120، الخالدي، صلاح- حقائق قرآنية حول القضية الفلسطينية، ص148.

[4] صحيح البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، بَابُ فَضْلِ الصَّلاَةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ، ح(1189)، مسلم بن الحجاج- الجامع الصحيح، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1991م، كتاب الحج، باب لا تشد الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ، ح(1397).

[5] النووي- شرح صحيح مسلم، 9/168.

[6] رواه الإمام أحمد في المسند (مسند عبد الله بن عمرو بن العاص، حديث رقم 6566 ، الحديث حسنه بعض أهل العلم وضعفه آخرون من جهة الإسناد، لكن كثيرًا من المحدثين اعتبروه من الأحاديث التي يستشهد بها في فضل المسجد الأقصى (انظر: الألباني، صحيح الترغيب والترهيب، رقم 1174).

[7] رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب: قوله ووهبنا لداوود سليمان، ح3425.

[8] النووي، يحيى بن شرف “شرح صحيح مسلم” بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1392هـ، ج9/ 106.

[9] ابن تيمية- مجموع الفتاوى، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، 1416هـ/1995م، 27/352.

[10] ابن تيمية- مجموع الفتاوى،35/359.

[11] في مضاعفة الأجر بالصلاة في المسجد الأقصى وردت أحاديث، منها ما رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو: “صلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وصلاة في مسجدي بألف صلاة، وصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة” (المسند، حديث رقم 6566)

[12] ابن تيمية- مجموع الفتاوى،27/507.

[13] ابن الأثير، عز الدين، الكامل في التاريخ، بيروت: دار الكتب العلمية، 1987م، ج10، ص 186–190.

[14] قراقيش، نجوى- بيت المقدس وأحكامه، دار الفرسان، عمان، ط1، 2014م، ص170.

[15] للمزيد أنظر، قراقيش، نجوى- بيت المقدس وأحكامه، ص55-60.

[16] الشاطبي، إبراهيم بن موسى. الموافقات في أصول الشريعة تحقيق: مشهور سلمان، دار ابن عفان، ط1، 1997م، 2/18.

[17] الشاطبي، إبراهيم بن موسى. الموافقات في أصول الشريعة، 2/32، بزا، عبد النور- مصالح الإنسان مقاربة مقاصدية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 2008م، ص226.

[18] الإمام أبو إسحاق الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق: عبد الله درّاز، بيروت: دار المعرفة، ج2، ص 8-10، الصلاحات، سامي محمد- حتمية الصراع الديني على أرض فلسطين من منظور المقاصد الشرعية،  مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية،21/65، ص 324.

[19] موقع مجمع الفقه الإسلامي: https://iifa-aifi.org/ar/2431.html

[20] الصلاحات، سامي محمد- فلسطين دراسات من منظور مقاصد الشريعة، مركز الزيتونة، بيروت، ط2، 2010م، ص158.

[21]  الصلاحات، سامي محمد- فلسطين دراسات من منظور مقاصد الشريعة، ص162-163.

[22] النجار، عبد المجيد- مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 2006م، ص98.

[23] ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم (2004) مجموع الفتاوى 2/42.

[24] البقاعي، برهان الدين إبراهيم. نظم الدرر في تناسب الآيات والسور. القاهرة: دار الكتب الإسلامي، 1984م. ص75.

[25] النجار، عبد المجيد- مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة، ص48.

[26] النجار، عبد المجيد- مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة، ص48، بزا، عبد النور- مصالح الإنسان مقاربة مقاصدية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 2008م، ص347.

[27] النجار، عبد المجيد- مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة، ص48-49، بزا، عبد النور- مصالح الإنسان مقاربة مقاصدية، ص355.

[28] أنظر: النجار، عبد المجيد- مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة، ص40-41.

[29] أنظر: النجار، عبد المجيد- مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة، ص82-83.

[30] الصلاحات، سامي محمد- فلسطين دراسات من منظور مقاصد الشريعة، ص91.

[31] بزا، عبد النور- مصالح الإنسان مقاربة مقاصدية، ص238.

[32]  موقع مجمع الفقه الإسلامي: https://iifa-aifi.org/ar/2431.html

[33] إسماعيل، محمد بكر (2005) مقاصد الشريعة تأصيلاً وتفعيلًا ، القاهرة: دار السلام، ص89.

[34] ابن تيمية، أحمد. اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم. الرياض: دار الفضيلة، 2003م، ص86.

[35] الخفاجي، شهاب الدين. عناية القاضي وكفاية الراضي على تفسير البيضاوي. بيروت: دار صادر، دون تاريخ، ص42.

[36] ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم (2004) مجموع الفتاوى (تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم) مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ص73.

[37] إبراهيم، محمد يسري- واجب العلماء والدعاة نحو تحرير فلسطين والمسجد الأقصى، دار اليسر، القاهرة، ط1، 2024م، ص70.

[38]  القرضاوي، يوسف (1997) القدس قضية كل مسلم. القاهرة: مكتبة وهبة، ص64.

[39]  واجب الأمة وعلمائها تجاه القدس والمسجد الأقصى. موقع هيئة علماء فلسطين، الرابط: https://palscholars.org/

[40] إبراهيم، محمد يسري- واجب العلماء والدعاة نحو تحرير فلسطين والمسجد الأقصى، دار اليسر، القاهرة، ط1، 2024م، ص77.

[41] إبراهيم، محمد يسري- واجب العلماء والدعاة نحو تحرير فلسطين والمسجد الأقصى، ص 71.

[42] موقع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فتوى بشأن واجب الحكومات الإسلامية تجاه الغزو الصهيوني على غزة: https://iumsonline.org/ar/ContentDetails.aspx?ID=31407

[43] واجب المسلمين تجاه المسجد الأقصى المبارك: على الرابط، https://www.aqsapedia.net/ar/2998

[44] دوابه، أشرف- نحو جهاد اقتصادي لتحرير الأقصى، دار المدرس، تركيا، ط1، 2019م، ص20.

[45] صحيح مسلم، كتاب البر والصلة، باب تراحم المؤمنين، ح2585.

[46] المصري، مشير- تحرير فلسطين بين ثوابت القضية ومتغيراتها في السياسة الشرعية، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة طرابلس، لبنان، 2021م، ص410-411.

[47] صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله، ح1893.

[48] إبراهيم، محمد يسري- واجب العلماء والدعاة نحو تحرير فلسطين والمسجد الأقصى، دار اليسر، القاهرة، ط1، 2024م، ص75.

[49] القرضاوي، يوسف- فقه الجهاد: دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته في ضوء القرآن والسنة. القاهرة: مكتبة وهبة، 2/1459.

[50] إبراهيم، محمد يسري- واجب العلماء والدعاة نحو تحرير فلسطين والمسجد الأقصى، ص72-73.

[51]  المرجع السابق، ص72-73.

[52]  إسماعيل، سيف الدين عبد الفتاح- قاموس المقاومة، تاسك للنشر، ط1، 2025م، ص 267.

[53] إسماعيل، سيف الدين عبد الفتاح- قاموس المقاومة، ص267، المصري، مشير- تحرير فلسطين بين ثوابت القضية ومتغيراتها في السياسة الشرعية، ص403.

[54] القرضاوي، يوسف- فقه الجهاد، 2/1326، المصري، مشير- تحرير فلسطين بين ثوابت القضية ومتغيراتها في السياسة الشرعية، ص418.

[55] إبراهيم، محمد يسري- واجب العلماء والدعاة نحو تحرير فلسطين والمسجد الأقصى، ص 76-77.