خاص هيئة علماء فلسطين

    

أ. د. فاتح حسني عبد الكريم([1])

ملخص البحث

حاول الباحث استجلاء وبيان مبشرات النصر والتمكين من خلال القرآن الكريم، وبيان أنّ هذه المبشرات مبنيةٌ ومتلازمة مع شروطٍ وأفعال لا غنى عنها، بل ولا تنفك عن هذه المبشرات، وأنّ التعاطي مع مبشرات النصر لا يكون بمنأىً عن أسبابه ولوازمه وسننه، ولكن بقوانين صارمة وسنن لا تتغير، مبيّناً ماهية صفات رجل الفتح والنصر.

وبيّن الباحث أنّ ألوان النصر متنوعة، فقد يأتي النصر بصور وأشكال غير عسكرية… ثم كانت الخاتمة والتوصيات.

وقد اتّبع الباحث في بحثه منهج الوصف والاستقراء ما أمكن.

كلمات مفتاحية: مبشرات – النصر – رجل الفتح

Research Summary

The researcher explored and explained the signs of victory and empowerment in the Holy Quran. He argued that these signs are based on and interconnected with necessary conditions and actions. They are inseparable from these promises، and dealing with the promises of victory cannot be done in isolation from their causes، consequences، and laws. Instead، it must be done according to strict and unchanging laws. The researcher also described the characteristics of the man of conquest and victory.

He pointed out that the colors of victory are diverse، and victory may come in non-military forms and shapes. The conclusion and recommendations followed.

The researcher used the method of description and induction as much as possible in his research.

Keywords: Promises / Victory / Man of Conquest

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من بعثه الله بشرى ورحمة للعالمين… وبعد:

فإنّ التعامل مع بُشريات الله جل جلاله تحتاج لإعمال عقل وتوجيه عاطفة؛ ذلك لأنّ بشريات الله – عامة وبشريات النصر والظفر خاصة – جاءت في سياقاتها وسننها؛ وكانت نتائج ومكافئات يكافئ الله بها أولياءه والعاملين لدينه، المضحّين بالغالي والنفيس لرفعة منارة توحيده والإقرار بربوبيته، ولم تكن أبداً للعاجزين والمتثاقلين الحالمين بالنصر المريح والتمكين الرخيص، وأنّ هذا الدين غالٍ عند الله، ولأجل غلائه وغلاء العاملين له فقد بشّر المجتهدين بالنصر والتمكين، ونكّس المخلَّفين والمعوِّقين، وأنذرهم بالخيبة والملامة وسوء العاقبة في الدنيا والدين.

وما مثل هذه البشريات إلا كمن وعد وبشّر بجائزة وعطايا لمن أنجز عملاً ما أو تجاوز اختباراً ما أو حظي بشهادة علمية أو فنية؛ ولذلك كانت أهمية الفقه بهذه المبشرات، حتى لا ننشغل بالأعطيات عن المطلوبات، ولا نمنّي النفوس بالهدايا وننسى الواجبات؛ لذلك بدأت بكتابة هذه الورقات مبيناً وموضحاً أنّ المبشرات جاءت في سياقاتها ومطلوباتها، وأنها ما كانت للخاملين والمتواكلين بل للعاملين والمجتهدين.

أولا: أهمية البحث: تكمن أهمية البحث في خطورة فهم سنن الله في النصر والهزيمة؛ وأنّ الله حين بشّر بنصره فقد سبق هذه البشرى بتكاليف ومطالب، يجتهد أهل الدين بالوفاء بها حتى يتحقق اسم الله الشكور، ويتجلى اسمه الحميد، فيسير السائر على بينّة وهدى من جانب، ولا يعتب على الله إن تأخر نصره من جانب آخر.

وتكن أهميتها بتجلية وعود الله وبشرياته بالنصر؛ فتتّقد الهمم وتشتعل المواهب وتتفاعل العقول وتتهاوى مشاغل الحياة وملذاتها لتتبوأ مطالب الله في مكانتها الأولى في سلم الأولويات ومضمار الأعمال.

ثانياً: مشكلة البحث: جاء البحث ليجيب عن التساؤلات الآتية:

1 – هل هناك مبشرات للمؤمنين بالنصر والتمكين لهم؟ وما هذه المبشرات وما الأعمال المرتبطة بها؟

2 – هل هذه المبشرات مشروطة بالعمل والاجتهاد ومراعاة السنن أم هي مطلقة مرسلة؟

3 – هل هناك نماذج لأمم انتصرت وتحقق بهم وعد الله بهذه المبشرات؟

4 – هل هذه المبشرات آنية فورية أم تراكمية تمهيدية؟

ثالثاً: أهداف البحث: جاء البحث ليحقق الأهداف الآتية:

1 – بيان المبشرات التي ذكرها القرآن تحفيزاً لأوليائه وأصفيائه.

2 – بيان وتوضيح الشروط والسنن الأعمال التي وضعها الله لاستحقاق هذه المبشرات.

3 – تجلية نماذج الأمم المستحقة للنصر وبشاراته.

رابعا: حدود البحث: سيبين الباحث المبشرات القرآنية لأوليائه بالنصر والتمكين، وما هي استحقاقات هذا النصر وموجباته، وسيضرب الباحث على صدق وعد الله بنصره بأمثلة متنوعة؛ ما بين أقوام شهدوا النصر والتمكين وأناس مهّدوا للنصر وعبّدوا طريقه لمن جاء بعدهم.

خامساً: منهج البحث: سيسير الباحث بعون الله على المنهج الوصفي الاستقرائي ما أمكن؛ محصياً وعود الله ومبشراته بالنصر والتمكين، ومستعيناً بالمنهج التحليلي لبيان مقتضيات وموجبات واستحقاقات هذا النصر.

سادسا: الدراسات السابقة: كتب في هذا العنوان الكثير من الكتب والأبحاث

1. تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين: دكتور علي الصلابي ط 1، (دار الفجر للنشر القاهرة، 2003 م).

2. الإسلام والنصر: لواء محمود شيت خطاب ط 1، (دار الفكر، 1972 م).

3. أسباب النصر والهزيمة في ضوء القرآن الكريم عبد الله إبراهيم المغلاج، (المكتبة الشاملة).

4. تثبيت أفئدة المؤمنين بذكر مبشرات النصر والتمكين: دكتور سيد حسين العفاني، (دار ماجد عسيري).

5. التمكين للأمة الإسلامية في ضوء القرآن الكريم محمد السيد يوسف ط، 1 (دار السلام للطباعة 1402 ه).

6. أسباب النصر والتمكين وسبيل النهوض بالأمة الإسلامية: ربيع بن هادي المدخلي.

7. الجهاد طريق النصر: عبد الله غواشه، (وزارة الأوقاف الأردنية).

8. الخلاصة في معاني النصر الحقيقية: الباحث علي ابن نايف الشحود، (المكتبة الشاملة).

9. واقع المسلمين بين فقه الاستضعاف وفقه التمكين: (أبو فهر السلفي)، (المركز العربي للدراسات الإنسانية).

وما سيضيفه هذا البحث الآتي:

  • قدم البحث نماذج من أمم انتصرت وتنوع الانتصار الذي حظيت به؛ ونماذج من أمم قضت وأخذت نصيبها من العذاب من ظالميهم -مع إيمانهم وولايتهم -ولكن الله جعلهم مصباحاً ينير من جاء بعدهم، وسلماً يصعدون به للاستحقاق بهذا النصر.
  • قدم الباحث تحليلاً لتعليق الله وتعقيبه على غزوات النبي صلى الله عليه وسلم كدروس غزوة أحد في سورة آل عمران.
  • قدم الباحث صفات المؤمنين في زمن الانفتاح الدعوي كما كان في سورة الفتح وصفات المؤمنين في زمن الانخناق الدعوي كما كان في سورة الأحقاف مثلاً.
  • محاولة الباحث إسقاط هذه المبشرات بتطبيقاتها الواقعية ما أمكن.

سابعاً: خطة البحث: اشتمل البحث على مقدمة وتمهيد ومبحثين وخاتمة:

المقدمة: وتحتوي على أهمية البحث ومشكلاته وأهدافه وحدوده.

تمهيد: الوثوق بالله عقيدة وشريعة.

المبحث الأول: قانون النصر وألوان التمكين، ويحتوي على مطلبين اثنين:

المبحث الثاني: مبشرات محفزات لأعمال ملزمات

ثم الخاتمة والتوصيات.

تمهيد: الوثوق بالله عقيدة وشريعة:

إنّ الثقة بالله وبوعده لأوليائه جزء لا يتجزأ من عقيدة المسلمين، ولا يتردد في هذا الوعد إلا صاحب عقيدة مدخولة ونفس مهزومة، قال الله: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [سورة آل عمران: 146] فمن النفس يبدأ الخور ثم يتسلل إلى باقي الأعضاء الجسدية لتتعوّه، وليستحيل الجسد رهينةً لأوامر نفس عائهةٍ أصلاً؛ ومن رأس النبع يأتي الكدر.

لذلك كان لزاماً على صاحب النفس المؤمنة التواقة أن يقيس درجة يقينه دائماً بربه ومولاه؛ فلا يدع للشك مدخلاً لنفسه وجسده؛ ففاعلية هذه المبشرات والمحفزات لا تعمل إلا في النفوس السوية، التي تربت على المحن والإحن، وأعملت حسابها على تجاوز الصعاب، متسلحين بها عقيدةً راسخة لا تتزحزح، منادين بها دعاةً لها ومضحّين.

وإنما قلت عنها شريعةً أيضاً لتكون مشرباً للناشئين ومنهجاً للقاصدين؛ لا تغيب عنهم في مناهجهم ولا في تعاملاتهم ولا في طموحاتهم:

 تجري الرياح كما تجري سفينتنا نحن الرياح ونحن البحر والسفنُ

 إن الذي يرتجي شيئاً بهمّتهِ يلقاهُ لو حاربَتْهُ الانسُ والجنُ([2])

فلن نقبل بالخنوع ولن نتكيف مع واقع رديء، وما كانت هذه الهمة فينا إلا بهذا القرآن ووعوده ومبشراته بالنصر والتمكين.

وحتى نكون متوازنين متصالحين مع الواقع أولاً ومع صاحب هذه المبشرات من قبل ذلك، لزم أن نعلم أنّ هذا طريق جاف لا مَاء فيه، مع الصبر واللأواء، قاحل غليظ خشن يحتاج جلداً وقوةً، لكنه في موسم حصاده سيُبهر من عطاياه ويُدهش من سجاياه، قال ابن القيم: “يا مخنَّث العزم، كيف أنت والطريق، إنه طريق تعب فيه نوح، وقعد للذبح إسماعيل، وبيع يوسف بثمن بخس، وألقي في النار إبراهيم، وقطع رأس السيد الحصور يحيى، ونشر بالمنشار زكريا، وسار مع الوحش عيسى، وابتلي بجهاد الكافرين محمد صلى الله عليه وسلم.. تراها أنت باللهو واللعب؟! “([3])

والشانئون لهذا الدين قد ناصبوا القاصدين العداء، وجمعوا لهم الشرور ليلاً ونهاراً لا يملّون ولا يكلّون ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾[سورة البقرة 217]مَاتَ يَاسِرٌ فِي الْعَذَابِ وَأُعْطِيَتْ سُمَيَّةُ أُمُّ عَمَّارٍ لِأَبِي جَهْلٍ يُعَذِّبُهَا – وَكَانَتْ مَولَاةً لِعَمِّهِ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَهُوَ الَّذِي عَهِدَ إِلَيْهِ بِتَعْذِيبِهَا – فَعَذَّبَهَا عَذَابًا شَدِيدًا رَجَاءَ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِهَا فَلَمْ تُجِبْهُ لِمَا يَسْأَلُ، ثُمَّ طَعَنَهَا فِي فَرْجِهَا بِحَرْبَةٍ فَمَاتَتْ، وَكَانَتْ عَجُوزًا كَبِيرَةً، وَكَانَ أَبُو جَهْلٍ يَقُولُ لَهَا مَعَ ذَلِكَ: مَا آمَنْتِ بِمُحَمَّدٍ إِلَّا أَنَّكِ عَشِقْتِهِ لِجَمَالِهِ، يُؤْذِيهَا بِالْقَوْلِ كَمَا يُؤْذِيهَا بِالْفِعْلِ، وَكَانَ يُلْبِسُ عَمَّارًا دِرْعًا مِنَ الْحَدِيدِ فِي الْيَوْمِ الصَّائِفِ يُعَذِّبُهُ بِحَرِّهِ.. وَكَانَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ يُعَذِّبُ بِلَالًا يَفْتِنُهُ، فَكَانَ يُجِيعُهُ وَيُعَطِّشُهُ لَيْلَةً وَيَوْمًا، ثُمَّ يَطْرَحُهُ عَلَى ظَهْرِهِ فِي الرَّمْضَاءِ عَلَى الرَّمْلِ الْمُحْمَى بِحَرَارَةِ الشَّمْسِ الَّذِي يُنْضِجُ اللَّحْمَ، وَيَضَعُ عَلَى ظَهْرِهِ صَخْرَةً عَظِيمَةً وَيَقُولُ لَهُ: لَا تَزَالُ هَكَذَا حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ ‘ وَتَعْبُدَ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، فَيَأْبَى ذَلِكَ، وَهَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللهِ ™، وَكَانُوا يُعْطُونَهُ لِلْوِلْدَانِ فَيَرْبُطُونَهُ بِحَبْلٍ وَيَطُوفُونَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ وَهُوَ يَقُولُ: ((أَحَدٌ، أَحَدٌ)) وَحَكَى خَبَّابٌ رضي الله عنه فِي نَفْسِهِ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمًا وَقَدْ أُوقِدَتْ لِي نَارٌ وَضَعُوهَا عَلَى ظَهْرِي فَمَا أَطْفَأَهَا إِلَّا وَدَكُ (دُهْنُ) ظَهْرِي”([4]).

ولكنّ نهاية الطريق الهناء ونسيان هذا البلاء عند صاحب العظمة جليل الأسماء، وما جعل الله هذه المبشرات إلا لجعل هذه الصعاب كقرصة حبيب لحبيبه؛ ترفع الهمم وتشحذ العزم وتوصل القمم ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [سورة الصافات: 173] وإنّ لهذا النصر ثمناً، وإنّ الشكور لا يضيع أجر العاملين: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [سورة آل عمران: 172].

المبحث الأول: قانون النصر وألوان التمكين:

إنّ التعامل مع النصوص القرآنية محوط بالحذر وحسن الفهم، ويحتاج المتعامل مع القرآن إلى خلفية علمية سننية مقاصدية؛ حتى لا تزل قدم الفهم وتضل سهام التصور الصحيح؛ فكم هي الأماني التي أطاحت بالفهوم، وكم هي الأماني التي استحالت إلى قنوط وخيبة ويأس؛ لأنها سارت بغير هدىً ولا نور.

وحين بث مولانا في كتابه العزيز بشرياته بالنصر والتمكين فقد بثها في سياق المكافأة والنتيجة المتراكمة لمقدمات هذا النصر، هذا من جانب، أما من جانب آخر فإّن حتمية النصر ووقوعه تخضع لعلم الله وحكمته وليست لإرادة البشر وعجلتهم، ما يجعل العجلة وعدم الإحاطة بما في الخبر تردي وتسقط الجزوع والمضطرب، ولا مكان للمتبرمين أو المرتاعين في هذا الطريق. قال تعالى: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [سورة البقرة: 216]من هنا كان لزاماً على كل مسلم ومتدبر للقرآن أن يحسن قراءة للقرآن الكريم حتى لا يفجأ نفسه في منظومة معرفية لا يعلمها الله ﴿قلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ [سورة الرعد: 33] قَال ابن جرِير: “مَعْنَاهُ أَتُخَبِّرُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَكُونُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ؟ ” ([5])، وقد وعد الله عباده بالنصر وأخبرهم أنّ هذا النصر من عنده سبحانه: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ﴾ [سورة آل عمران: 126]، وأنّ هذا النصر نصر حاسم مزلزل: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ﴾ [سورة آل عمران 160]، وأحاطهم علماً بأنّ لهذا النصر قيمةً مثمّنةً لا مناص من معرفته والقيام باستحقاقاته ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾[سورة محمد: 7] هذه الكليات الثلاث لا مهرب من اعتبارها واحتسابها… فكيف تسير خطة النصر في القرآن؟

المطلب الأول: حتمية الانتصار:

إنّ الوثوق بوعد الله وبشرياته بالنصر جزء من شخصية وعقيدة كل مسلم، وإنّ الاستبشار بخلود وظهور هذا الدين يمثّل حصانةً له عن أي زلل أو خطل ﴿إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [سورة يوسف: 87] بشر الله المسلمين في مكة – في فم الاستضعاف وبين أنياب الخوف – بالنصر، ولم تنقطع بشرياته وهم في المدينة، وقد التحمت قبائل العرب وجحافل الفرس والروم ضدهم.

ولم تفتأ آيات القرآن بشكل عام وآيات القصص القرآني في تغذية هذه البشريات وتعزيزها في القلوب والأرواح، وربطها بموضوع العقيدة؛ وأنّ هذا النصر له موعد وله آن، وأنّ هذا النصر لا يغيثهم إلا بعد أن يستنفذ المسلمون العاملون كل الجهد وكل الحول، فلا باب إلا بابه ولا غوث إلا غوثه، وأنّ أوانه مقترن أيضاً برد كيد الكافرين ومحق مكرهم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ [سورة الأنفال: 36].

إنّ حتمية وعود الله ونصره جاءت في القرآن قطعية في دلالتها جلية واضحة في أبعادها ومآلاتها؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ [غافر 52-51] وقال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [سورة النور: 55].

وعلى كل سالك في هذا الطريق وهذا الوعد أن يضع في حسبانه بعض الشواخص العقدية والعملية:

أولاً: التعامل مع النصر وكأنه حاصل منجز: وهذا منهج النبي صلى الله عليه وسلم الذي استمده من القرآن الكريم؛ فكان دائم التفاؤل بالنصر… وطوال المرحلة المكية وهو يجد ويجتهد في تقصد الناس والقبائل سعيا منه لإقامة دولة الإسلام، وكان يعمل في مكة عمل المتيقن بنصر الله، وأرسل مصعبا رضي الله عنه إلى المدينة ليعمل عمل المتيقن بنصر الله، وفي كل المرات التي كان يطلب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم النصرة من القبائل كان يرجو أن تأتيه النصرة منهم، فلا يألو جهداً في بذل المستطاع من أجل تحقيق الغاية؛ فحامل الدعوة لا يدري من أين يأتيه النصر ومتى! فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتاه النصر من حيث لم يتوقع المتابعون لسيره وعمله؛ من المدينة المنورة! حيث القبيلتان المتناحرتان، ولكن الله إذا أراد أمراً هيأ له الأسباب ودبر الأمور تدبيراً.

ثانيا: التهيئة والاستعداد: وهذا ما ترتب على النقطة السابقة؛ فمصداق صدقك لوعود الله هو التهيئة المستمرة لهذا الوعد وهذه البشريات “إنها دعوة السماء، وصوت الكبير المتعال.. قم.. قم للأمر العظيم الذي ينتظرك، والعبء الثقيل المهيأ لك. قم للجهد والنصب والكد والتعب… قم فقد مضى وقت النوم والراحة… قم فتهيأ لهذا الأمر واستعد.

وإنها لكلمة عظيمة رهيبة؛ تنتزعه صلى الله عليه وسلم من دفء الفراش في البيت الهادئ والحضن الدافئ. لتدفع به في الخضم، بين الزعازع والأنواء، وبين الشد والجذب في ضمائر الناس وفي واقع الحياة سواء.

إنّ الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحاً، ولكنه يعيش صغيراً ويموت صغيراً. فأما الكبير الذي يحمل هذا العبء الكبير فماله والنوم؟ وماله والراحة؟ وماله والفراش الدافئ، والعيش الهادئ؟ والمتاع المريح؟! ولقد عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة الأمر وقدّره، فقال لخديجة رضي الله عنها وهي تدعوه أن يطمئن وينام([6]): «مضى عهد النوم يا خديجة»” ([7]) وهو مخاض شاق يحتاج زاداً ومحفزاً حتى يهون عليه العسر والاحتراق.

ثالثاً: انتفاش الباطل سحابة صيف: قال الله جل جلاله: ﴿أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ﴾ [سورة الرعد: 17]. الله جل جلاله حكيم، لم يرد أن يكون الحق هكذا؛ يُحصَل عليه بكل سهولة، وبدون أي معركة ولا مواجهة، ولا تغلب، وإنما أراد أن يكون هنالك صراع، وأن يكون هنالك تغلب في النهاية للحق، وعلوٌ للباطل في البداية… أول ما ينزل المطر، ﴿فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا﴾ [سورة الرعد: 17] أول ما يوقدون عليه في النار تخرج الفقاقيع ويعلو الزبد… إذن البداية للزبد، لكن ليس الاستمرار له ولا البقاء، فضلاً عن النفع والرسوخ، ولذلك قال: ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ﴾ [سورة الرعد: 17]” ([8])…. فمشروع تنصيري جُمع له ثلاثمائة وستة وثلاثون مليون دولاراً، وآخر جمع له مائة وخمسون مليون دولاراً انهار كلٌّ منها بسبب فضيحة أخلاقية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا -ستخرج، ستبذل، ستذهب – ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً﴾ [الأنفال: 36] لكي يقفوا ويقولوا: ماذا صنعنا؟ بالنسبة لحسابات الأرباح والخسائر، فإنّ ما كسبوه من التنصير لا يعادل – أبداً إطلاقاً – المبالغ الهائلة والجهود التي صرفت: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ﴾ [سورة الصف: 8].

رابعاً: نماذج وألوان البشرى والتمكين: في طريق العمل والتمكين قد يُبرز الله نماذج من أمم لم تحظ بالتمكين والنصر على أعداء الدين، بل قد ترى أشلاءهم تتناثر بين حروف الكلام وبنيّاته، فتخلع القلب من بين جنبيك، فتأخذك الحسرة ويقطعك الإحباط؛ أين نصر الله لهذه الفئة؟ ولمَ لمْ تغشاهم سحائب معيّته سبحانه! وهنا تبرز رحمة الله بك ليقول لك: البشرى هنا بملكوتي العظيم وموعد الحساب في اليوم العقيم([9]) قال الله: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [سورة البروح: 1-8]، يقول السرجاني: “لعل المتابع لحصار إخواننا المسلمين في غزة يجد أوجه الشبه كبيرة بينه وبين ما أخبرنا ربّنا ´ في سورة البروج؛ من حصار للمؤمنين في قرية من قرى اليمن، ثم إبادتهم جميعًا عن طريق التحريق… وإذا كان التحريق الذي حدث أيّام أصحاب الأخدود قد تمَّ بالحطب والأخشاب، فهو يتم الآن على نطاق واسع بالقنابل والصواريخ وقاذفات اللهب والأسلحة المحرمة دوليًّا”([10]).

فهذا نموذج لم يحظ أصحابه بتمكين وظفر، بل بقتل وبطش شديد؛ لكنّ الله طمأننا في بداية السورة وفي نهايتها، وبشرنا بسيطرته سبحانه على هذا الكون ببروجه، وأنّ الله شاهد لا يغيب، واقتضت حكمته ليكون هؤلاء شمعات ومصابيح تضيء لمن بعدهم طريق التمكين والنصر المبين، ولم يتركنا نهباً لتصورات ساذجة تميل بنا هنا وهناك، فقال: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾[سورة البروج: 12-16]، فالأمر أمره فلا تعجلوا، هو فعال لإرادته لا لرغباتكم…. ثم ضرب لنا مثالاً لبطشه في الأمم، وختم السورة بجرعات التطمين ورشفات التبشير؛ بأنّ الله حافظ لكونه كما هو حافظ لدينه مهما حصل، مهما استشرى القتل واستبد الظلم فإني محيط بهم، ظالمٍ ومظلومٍ، فختم بما بدأ به من شهادته ومعرفته، وأنّ هذا الدين لن يُمسّ، فاستبشروا: ﴿وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ [سورة البروج: 20-22].

فهو سناء ونور يسطع من قصة أصحاب الأخدود بتكييف من تكييفات النصر والدعوة، وأنّ الاحتمالات كلها قد وردت، فلتتهيأ أيها السالك أمام كل احتمال. “لقد شهد تاريخ الدعوة إلى الله نماذج منوعة من نهايات في الأرض مختلفة للدعوات.. شهد مصارع قوم نوح، وقوم هود، وقوم شعيب، وقوم لوط، ونجاة الفئة المؤمنة القليلة العدد… وشهد تاريخ الدعوة مصرع فرعون وجنوده، ونجاة موسى وقومه، مع التمكين للقوم في الأرض فترة كانوا فيها أصلح ما كانوا في تاريخهم… وشهد تاريخ الدعوة انتصار المؤمنين انتصاراً كاملاً، وشهد- كما رأينا – نموذج أصحاب الأخدود… لم يكن بد من هذا النموذج الذي لا ينجو فيه المؤمنون، ولا يؤخذ فيه الكافرون! ذلك ليستقر في حس المؤمنين -أصحاب دعوة الله -أنهم قد يُدعون إلى نهاية كهذه النهاية في طريقهم إلى الله؛ وأن ليس لهم من الأمر شيء، إنما أمرهم وأمر العقيدة إلى الله! إنّ عليهم أن يؤدّوا واجبهم، ثم يذهبوا، وواجبهم أن يختاروا الله، وأن يؤثروا العقيدة على الحياة”([11]).

وبالمقابل فقد أعطانا الله نموذج النصر والتمكين لأصحاب عيسى وبكيفية مختلفة؛ قال الله جل جلاله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾[سورة الصف: 14] “فَجَاءَ هَذَا الْخِطَابُ الثَّانِي تَذْكِيرًا بِأُسْوَةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ أَحْوَالِ الْمُخْلِصِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ السَّابِقِينَ، وَهُمْ أَصْحَابُ عِيسَى ’ مَعَ قِلَّةِ عَدَدِهِمْ وَضَعْفِهِمْ؛ فَأَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِنَصْرِ الدِّينِ وَهُوَ نَصْرٌ غَيْرُ النَّصْرِ الَّذِي بِالْجِهَادِ، لِأَنَّ ذَلِكَ تَقَدَّمَ التَّحْرِيضُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ﴾[سورة الصَّفّ: 11] وَوَعدهُمْ عَلَيْهِ بِأَنْ يَنْصُرَهُمُ اللَّهُ، فَهَذَا النَّصْرُ الْمَأْمُورُ بِهِ هُنَا نَصْرُ دِينِ اللَّهِ الَّذِي آمَنُوا بِهِ بِأَنْ يَبُثُّوهُ وَيَثْبُتُوا عَلَى الْأَخْذِ بِهِ دُونَ اكْتِرَاثٍ بِمَا يُلَاقُونَهُ مِنْ أَذىً مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ.. وَهَذَا هُوَ الَّذِي شَبَّهَ بِنَصْرِ الْحَوَارِيِّينَ دِينَ اللَّهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى؛ فَإِنَّ عِيسَى لَمْ يُجَاهِدْ مَنْ عَانَدُوهُ، وَلَا كَانَ الْحَوَارِيُّونَ مِمَّنْ جَاهَدُوا؛ وَلَكِنَّهُ صَبَرَ وَصَبَرُوا حَتَّى أَظْهَرَ اللَّهُ دِينَ النَّصْرَانِيَّةِ وَانْتَشَرَ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ دَبَّ إِلَيْهِ التَّغْيِيرُ، حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَامُ فَنَسَخَهُ مِنْ أَصْلِهِ”([12]).

فهذان النموذجان للنصر والظفر على طرفي نقيض من النتيجة، وفي كليهما بشائر النصر فائحة، ولا يعلم مناطها وتحقيقاتها وموعدها إلا الله؛ فلا ننشغل إلا بما هو مطلوب، ولندع ما دون ذلك لعلام الغيوب.

وللنصر أوجه وألوان كثيرة لا تحصر في هزيمة عسكرية فقط؛ فمن ذلك: علوّ الحق ولو كان محارَبا، وثبات أصحابه أمام جيوش الإعلام وخزائنه وذهبه وشهواته… ومن صوره أيضاً نجاة المؤمنين من كيدِ وَصَفَهُ الله بالكبّار؛ ألم ينجي الله الخليل من نار قومه؟… وما أعظم وما أجلّ نصر الدليل والحجة والبيان وما أشد بأسه… قال الله جل جلاله مبشراً: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾[سورة الأنبياء: 18].

المطلب الثاني: تراكم طريق التمكين من سنة الدين:

وهو شأنُ عِلْية السالكين، ونورٌ يستضيء به العاملون، إنه طريقٌ قصّر فيه المتعثرون؛ فلم يدركوا طبيعة وكنه هذا الدين، فاستعجلوا الثمرة وشربوا الحسرة، يقول الشهيد سيد قطب: “إنّ بعضنا ينتظر من هذا الدين-ما دام هو المنهج الإلهي للحياة البشرية- أن يعمل في حياة البشر بطريقة سحرية خارقة! دون اعتبار لطبيعة البشر، ولطاقتهم الفطرية، ولواقعهم المادي، في أية مرحلة من مراحل نموهم، وفي أية بيئة من بيئاتهم! وحين يرون أنه لا يعمل بهذه الطريقة، وإنما هو يعمل في حدود الطاقة البشرية، وحدود الواقع المادي للبشر، وأنّ هذه الطاقة وهذا الواقع يتفاعلان معه، فيتأثران به في فترات تأثراً واضحاً، أو يؤثران في مدى استجابة الناس له، وقد يكون تأثيرهما مضاداً في فترات أخرى فتقعد بالناس ثقلة الطين، وجاذبية المطامع والشهوات، دون تلبية هتاف الدين أو الاتجاه معه في طريقه اتجاهاً كاملاً، حين يرون هذه الظواهر فإنهم يصابون بخيبة أمل لم يكونوا يتوقعونها! – ما دام هذا الدين من عند الله- أو يصابون بخلخلة في ثقتهم بجدية المنهج الديني للحياة وواقعيته! أو يصابون بالشك في الدين إطلاقاً! وهذه السلسلة من الأخطاء تنشأ كلها من خطأ واحد، هو عدم إدراك طبيعة هذا الدين، وطريقته، أو نسيان هذه الحقيقة الأولية البسيطة”([13])

وخذ على ذلك مثالاً قرآنياً في بيان دور عامل الوقت والزمان والسنن في تراكمية النصر وانسيابه:

في سورة الأحقاف: وهي مكية، نزلت في وقت اختناق الدعوة ومَعق إنتاجها، حين توقف مدّ الدعوة وتجمد في مكانه “قال مجاهد: أول من أظهر إسلامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وخبّاب، وصهيب وبلال، وعمر وسمية أم عمار، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمّه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه قومه، وأما الآخرون فألبسوا أدرع الحديد، ثم صهروهم في الشمس، فبلغ بهم الجهد ما شاء الله أن يبلغ من حر الحديد والشمس، قال الشعبي: أما خباب فصبر، ولم يعط الكفار ما طلبوه، فجعلوا يلزقون ظهره بالرضف، وهي الحجارة المحماة على النار – حتى ذهب لحم متنه -أي ظهره-“([14]).

ويأمر الله نبيه بالصبر والعزم عليه، يأمره بصبر يقتدي به بأولي العزم من الرسل؛ فمرحلة الدعوة وسكونها وجمودها بلغت مبلغاً عصيباً، قال الله جل جلاله: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [سورة الأحقاف: 35] أمر الله نبيه بـ”الوقوف لحكم الله، والثبات من غير بثّ ولا استكراه”([15]).

وفي عتمة الظلم، وتعسف المتحكمين وجورهم، يفتح الله نافذة البشرى ويضيء مصباح الأمل ببشارات ومحفزات:

أولاً: جاءت هذه النهاية في جوٍّ ظاهرٍ من الإغلاق وباطن من الفتوحات والعطاءات؛ فقد تلاقت هذه النهاية الخانقة وبعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من الطائف([16]) كسيراً جريحاً([17])؛ فكان هذا فتحاً وبشرى من عالم الجن، تمهيداً لفتوحات من عالم الإنس بعد ذلك ببيعة العقبة الأولى والثانية.

ثانياً: ثاني هذه المبشرات ما جاء في سورة محمد؛ وهي السورة التي تليها مباشرة بل وفي أول آية؛ لتتلاقى الآيتان على الفرح بعد القرح والنصر بعد الصبر؛ مع أنّ سورة محمد سورة مدنية وسورة الأحقاف سورة مكية؛ لنتعلم منهجية النصر وبشرى التمكين، وأنّ مساره مرسوم في معجزة ترتيب آياته وسوره، قال الله في مطلع سورة محمد: ﴿الَّذِينَكَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ [محمد: 1]، فانظر كيف كان الحال وكيف صار! من أمر بالصبر إلى بيان مصير الكافرين! وما بينهما آهات ومحن.. وكدح وإحن… وصبر فنصر فتمكين.

ثالثاً: موضوع سورة محمد ومن البداية هو معركة بدر، وما شكلته من دافع وتحفيز وصل عنان السماء، فمثلت المعركة انتصاراً للحق بعد انكساره؛ فكانت هذه البشرى متاخمة للأمر بالصبر والتحمل.

رابعاً: جاءت سورة الفتح بعد سورة محمد، وما أعظم سورة الفتح وما أمتع بشرياتها، لتقول للمؤمنين السالكين في الطريق: إنّ ثمار العمل ونتاج الصبر قد آتى أكله؛ فكان فتح الدعوة وفتح السياسة وفتح الاقتصاد وفتح الاجتماع؛ فتوحات وأي فتوحات! عطاءات وأي عطاءات؛ استطاع النبي صلى الله عليه وسلم بصلح الحديبية نزع الاعتراف السياسي بكيان أمة جديدة هي أمة الإسلام، وبالتالي تفرغ المسلمون للدعوة؛ وانتصرت الدعوة وتضاعفت أضعافاً كثيرة، قال الله جل جلاله: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾[سورة الفتح: 1] وتوج ذلك بفتح مكة، “فِي الْفَتْحِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: فَتْحُ مَكَّةَ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَثَانِيهَا: فَتْحُ الرُّومِ وَغَيْرِهَا وَثَالِثُهَا: الْمُرَادُ مِنَ الْفَتْحِ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ وَرَابِعُهَا: فَتْحُ الْإِسْلَامِ بِالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ، وَالسَّيْفِ وَالسِّنَانِ وَخَامِسُهَا: الْمُرَادُ مِنْهُ الْحُكْمُ كَقَوْلِهِ جل جلاله: ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ﴾[سورة الْأَعْرَافِ: 89] وَقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ﴾[سورة سَبَأٍ: 26]”([18]).

خامساً: جاءت بعد ذلك سورة الحجرات؛ لتبشر بأعظم البشريات؛ لقد صارت للمسلمين دولة، وأمسى النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل وفداً ويودع آخر، يحالف ويخالف، صار الخطاب خطاباً عالمياً: ﴿يأيها النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[سورة الحجرات: 13] وقد بلغ مجموع ما ذكرته المصادر أكثر من ستين وفداً، ذكر البخاري عدداً منها([19])، وتوحدت الجزيرة العربية سياسياً لأول مرة في تاريخها في أقل من عشر سنوات.

المبحث الثاني: مبشرات محفزات لأعمال ملزمات:

من الخطورة بمكان أن ننشغل بالمبشرات ونكثر الكلام عنها بمعزل عن أعمال ومطلوبات وتكليفات؛ فما كانت هذه المبشرات إلا لتحفيز العمل وتنشيط الهمم، فما وعد الله بالنصر إلا لمن عمل واجتهد: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾[سورة الحج: 40] ﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾[سورة محمد: 7] “أنّ الذي يتأمل النصوص القرآنية يجد أنّ ثمة علاقة واضحة بين النصر والمدافعة، ويمكننا القول إنّ المدافعة هي السبيل إلى النصر، ودون المدافعة لا عزة ولا كرامة للأمة، بل لا وجود لها، ويتضح ذلك في قوله تعالى: ﴿فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ[سورة البقرة: 251]”([20]).

فالآية تجلي في الذهن ركنية الحركة والاجتهاد والعمل بنديّة مع المفسدين؛ دفعاً لهم بجهد وتعب، حتى يتحقق النصر؛ فجعل الهزيمة والنصر متعلقة بسنة إلهية وقانون صارم هو قانون التدافع “لَوْلَا أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَدْفَعُ أَهْلَ الْبَاطِلِ بِأَهْلِ الْحَقِّ، وَأَهْلَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ بِأَهْلِ الْإِصْلَاحِ فِيهَا لَغَلَبَ أَهْلُ الْبَاطِلِ وَالْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَبَغَوْا عَلَى الصَّالِحِينَ وَأَوْقَعُوا بِهِمْ حَتَّى يَكُونَ لَهُمُ السُّلْطَانُ وَحْدَهُمْ، فَتَفْسُدَ الْأَرْضُ بِفَسَادِهِمْ، فَكَانَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَى الْعَالَمَيْنِ وَإِحْسَانِهِ أَنْ أَذِنَ لِأَهْلِ دِينِهِ الْحَقِّ الْمُصْلِحِينَ فِي الْأَرْضِ بِقِتَالِ الْمُفْسِدِينَ فِيهَا مِنَ الْكَافِرِينَ وَالْبُغَاةِ الْمُعْتَدِينَ”([21]).. فلا نصر بالمجان، ولا تمكين من غير عمل وجهد وبذل وابتلاء ﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا﴾[سورة الأحزاب: 10-11]وهذا الجهد وهذا العمل مقدّرٌ عند الله، السميع لكل شهقة صدر، ولكل قطرة دم، ولكل نقطة عرق، يعلم ما ألمّ بالمؤمنين وما عسر عليهم ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[سورة التوبة: 117] فسماها الله ساعة، ووصفها أنها عسيرة شاقة؛ مما يعطي للتحفيز مدىً في النفوس وصقلاً في الأرواح وحركة في الأبدان. ﴿في ساعة العسرة﴾: أي: من النفقة والظهر والزاد والماء”([22]).

فكيف رتب الله البشريات على الأعمال، وكيف سدد أنظارنا على الانشغال بالعمل لا بالمكافأة عليه:

المطلب الأول: الانشغال بالدين والتطلع للتمكين:

إنّ السعي للتمكين والفوز بالنصر المبين هدفٌ استراتيجي من أهداف العمل الإسلامي والدعوة الإسلامية؛ لكنّ هناك أمرين متناقضين صحبا هذا الهدف وهذا الطموح: السيولة في الوصول والجمود في الانتهاء:

أولاً: التمكين غاية بوسائل ثابتة: ونعني بذلك أنّ التمكين هدف لا يستغني عنه، ولا ينفك عن الدعوة والعبادة وتمسيك الدين، قال الله جل جلاله: ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170﴾[سورة الأعراف – 170] قال السعدي: “يتمسكون به علماً وعملاً؛ فيعلمون ما فيه من الأحكام والأخبار، التي عِلْمها أشرف العلوم، ويعملون بما فيها من الأوامر، التي هي قرة العيون، وسرور القلوب، وأفراح الأرواح، وصلاح الدنيا والآخرة، ومن أعظم ما يجب التمسك به من المأمورات، إقامة الصلاة ظاهراً وباطناً، ولهذا خصها الله بالذكر لفضلها، وشرفها، وكونها ميزان الإيمان، وإقامتها داعية لإقامة غيرها من العبادات”([23]).

وهذه دليل على أنّ أي إصلاح في المجتمع أو تمكين يجب أن يسبقه الصلاح؛ ليتهيأ لطهارة الجائزة الربانية بأنوار التمكين؛ لأنّ المجتمع لا يصلح إلا إذا كانت علاقة أهله بخالقهم وفق المنهج الرباني؛ لذلك كان سياق هذه الآية تعقيباً على قصة تحايل – من جملة حيل – بني إسرائيل، قال ابن كثير: “هؤلاء قوم احتالوا على انتهاك محارم الله بما تعاطوا من الأسباب الظاهرة التي معناها في الباطن تعاطي الحرام” ([24])، فهؤلاء قوم حُرموا نعمة النصر والتمكين، وزالت منهم نعم قد فكهوا بها؛ بسبب إهمال الدين والاحتيال عليه؛ لذلك جاءت الآية بالعمل على الدعوة وتمسيك الناس بدينهم، حتى يظفر المؤمن بنعمة النصر والتمكين.

وفي مطلع سورة الفتح جاءت هذه الخطة متسلسلة متناغمة: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا﴾[سورة الفتح: 1-3]… فذكر فتح الدعوة والمغفرة والهداية ثم توّجها بالنصر العزيز” ﴿وَيَنصُرَكَ الله﴾ إظهارُ الاسمِ الجليلِ لكونِه خاتمةَ الغاياتِ ولإظهارِ كمالِ العنايةِ بشأنِ النصرِ، كما يعربُ عنه تأكيدُه بقولِه تعالى ﴿نَصْراً عَزِيزاً﴾ أي نصراً فيه عزة ومنعة”([25]).

ولا أعني من قريب أو بعيد إهمال العمل والسعي للتمكين، بل ما يعنيني هو وضع الدعوة والعبادة في أول سلم الأولويات، ولا ننشغل بما ليس أوانه فتنصرف الجهود لمستقبل لم يحن أوانه بعد، يقول الله سبحانه في كتابه العزيز: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّـالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يعبدونني لاَ يُشْرِكُونَ بي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَـاسِقُونَ﴾[سورة النور: 55]. هذه آية تحمل في طيَّاتها قانون النصر، وتحتوى على عناصرِ معادلة التمكين… فالله سبحانه في هذه الآيات يعدُ الذين آمنوا وعملوا الصالحات الذين حققوا الإيمان في قلوبهم ولم يتوقفوا عند ذلك، بل أتبعوا الإيمان بالعمل الصالح، يعدهم بوعود عظيمة ما كانت لتخطر عليهم، بل كانوا يقنعون بما هو أدنى منها بكثير، يعدهم سبحانه بأن يستخلفهم في الأرض وأن يمكّن لهم دينهم، وأن يؤمِّنهم بعد أن كانوا خائفين، وهذه المعادلة لا يتحقق جانب منها إذا لم يتحقق الجانب الآخر، فإذا أدى الناس ما عليهم جاءت النتيجة من الله الذى لا يخلف الميعاد.

لذلك كانت تعقيبات القرآن دائماً حاضرة بعد كل غزوة، توجه وتسدد وتصحح، وسأضرب مثالين اثنين على أنّ العمل والإحسان هو طريق التمكين من خلال تدبر منهجية القرآن في عرض شيء من هذا الموضوع:

المثال الأول: نهاية سورة النحل مع بداية سورة الإسراء: ختمت آيات سورة النحل بالحض على العبادة بل والإحسان فيها، وذكر الله شمول معيته ونصرته للذين اتقوا والذين أحسنوا في تقواهم، قال جل جلاله: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾[سورة النحل 127-128]” وقصارى ذلك: أنَّ الله تعالى وليُّ الذين تبتّلوا إليه، وأبعدوا الشواغل عن أنفسهم،… الذين هم محسنون أعمالهم برعاية فرائضه، وأداء حقوقه على النحو اللائق بجلاله وكماله،…. المعنى: إنْ أردت أيها الإنسان أن أكون معك بالعون والفضل والرحمة.. فكن من المتقين المحسنين؛ وفي هذا إشارة إلى التعظيم لأمر الله، والشفقة على خلق الله”([26]).

ثم جاءت سورة الإسراء بمطالعها المبشرة، بل والمنجزة بعطاءات الله؛ فكان الإسراء! بل كانت المواساة؛ وكأنها يدٌ حانية مسحت آثار مشقة وعناء، أزالت انكساره صلى الله عليه وسلم في الطائف، وكأنها تقول له: كَسَرك أهل الأرض وسيجبرك أهل السماء، يا محمد: إن جفاك أهل الأرض فأهل السماء حافّين لك… لك البشرى يا محمد، لك السعد فاسعد… فجاءت هذه البشرى وهذه العطاءات، بعد سلسلة عمل وإحسان واجتهاد، فما كانت المكافأة لولا العمل والجد.

وقد تكررت هذه المتلازمة في سورتين أخريين، وهذا ما سنبحثه في المثال الثاني.

المثال الثاني: نهاية سورة العنكبوت مع بداية سورة الروم: فما سبق من تناسق المكافأة على العمل والإحسان تكرر وبالمنهجية ذاتها، فحين ختم الله جل جلاله نهاية سورة العنكبوت ختمها بالإحسان والثناء على المحسنين المستحقين لكرمه في قطع دابر الشانئين لهذا الدين، الذين وصفهم الله كبيت العنكبوت، قال الله: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [سورة العنكبوت: 69] “الْمُجَاهَدَةُ هِيَ الصَّبْرُ عَلَى الطَّاعَاتِ…. ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ بِالنَّصْرِ وَالْمَعُونَةِ فِي دُنْيَاهُمْ وَبِالثَّوَابِ وَالْمَغْفِرَةِ فِي عُقْبَاهُمْ”([27]) ثم جاءت البشرى في مطلع سورة الروم باستنزاف القوى الكبرى وانشغالهم بأنفسهم؛ ليسنى المجال ويتفرغ المسلمون بالدعوة والفتح والانتصار؛ فكانت البشرى بغزوة بدر: ﴿الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾. [سورة الروم: 1- 5].

وهكذا نرى أنّ منحة التمكين والنصر لا تتنزل إلا على من يحفظ هذه الأمانة ويستحقها ويحسن رعايتها، وهي معهم ما راعوا سببها وحافظوا على تبعاتها واستحقاقاتها؛ فإن “الصبر على النصر أشق من الصبر على الهزيمة”([28]) وهذا ما سنبحثه في المقطع الآتي.

ثانياً: جمود الهدف وضعف الأفق: وحتى تكتمل البشرى وتتم بكمالاتها، وحتى لا تضيع البوصلة وتضل غاياتها كان لزاماً على أهل النصر والتمكين المحافظة على هذا العطاء وهذه المنحة، وتعدّ هذه الإجراءات وهذه التنبيهات من مبشرات النصر والمحافظة عليه، قال جل جلاله: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾[سورة الحج: 39- 40].

معادلة صارمة وسنة لا تتخلف: سنة البقاء؛ فبعد أنْ وعدهم بقدرته على النصر ذكّرهم بسبب هذا الوعد؛ وهو قولهم: ﴿ربنا الله﴾؛ ربنا الله إذا عبدنا وإذا حالفنا أو خالفْنا، ربنا الله في البيت وفي السوق، ربنا الله في نصرة الضعيف والضرب على يد الظالم، ربنا الله نظام حياتنا واجتماعنا، ربنا الله في اقتصادنا وسياساتنا… ثم تمم وعدة بتمام تأييده ونصرته لمن ينصره، وطمأنهم بأنّ الواعد بالنصر قوي وعزيز، فبدأ بالقدرة وختم بالقوة.

ثم أخذ عليهم العهد بلوازم الوعد: أن يحافظوا على طهارتهم ونقاء دعوتهم؛ بأن يكملوا السير وينفعوا الغير، فعبر عن الدين بإقامة الصلاة وعن الخير للغير بالدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾[سورة الحج: 41]، ثم ذكر سنته وحذرنا من الوقوع في شركها؛ وأنّ هلاك القرى بعد قيامها كان بالظلم: ﴿فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾[سورة الحج: 45]، فما أصعب النصر وما أصعب المحافظة عليه. “عرض للصورة الكريمة التي سيكون عليها هؤلاء المؤمنون الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق، وذلك حين ينصرهم الله، ويمكّن لهم في الأرض، وتكون لهم القوة والغلب.. إنهم- مع ما ملكت أيديهم من قوة، وما مكّن الله ´ لهم في الأرض من سلطان- لن يكونوا على شاكلة هؤلاء الضالّين الذين كانت إلى أيديهم القوة والسلطان، فتسلطوا على عباد الله، ورهقوهم، وأخذوهم بالبأساء والضراء، وأخرجوهم من ديارهم بغير حق.. إنّ هؤلاء المؤمنين، حين يمكّن الله لهم في الأرض، سيكونون مصابيح هدى، وينابيع رحمة، للإنسانية كلها، بما يقيمون فيها من موازين الحق، والعدل،… إنهم يقيمون الصلاة، ليستمدوا منها أمداد الهدى من الله، ويؤتون الزكاة، فيكشفون بها الضرّ عن عباد الله.. ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.. فيصلحون بهذا من سلوك الناس، ويقيمون لهم طرقهم مستقيمة، فلا تتصادم منازعهم، ولا تفسد مشاربهم”([29]).

ومن خلال استقراءٍ طفيف نستطيع حصر وصايا القرآن في المحافظة على النصر بما يأتي:

1 – الثبات على المبادئ: قال الله جل جلاله: ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ﴾ [سورة محمد: 7] فهو إكسير النصر، ثم قال بعدها ربنا جل جلاله: ﴿وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾[سورة محمد: 7] “الْمُؤْمِنُ يَنْصُرُ اللَّهَ بِخُرُوجِهِ إِلَى الْقِتَالِ وَإِقْدَامِهِ، وَاللَّهُ يَنْصُرُهُ بِتَقْوِيَتِهِ وَتَثْبِيتِ أَقْدَامِهِ وَإِرْسَالِ الْمَلَائِكَةِ الْحَافِظِينَ لَهُ مِنْ خَلْفِهِ وقدامه”([30]).

2- التحذير من الفرقة والنزاع: قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [سورة الأنفال: 46] “وتذهب ريحكم!… والجمهور على أنّ الريح هنا مستعارة والمراد بها النصر والقوة”([31]).

3- خطورة الغرور بالنصر: وهو داء فتاك لا يبقي ولا يذر، مضيعة للبشر وماحق للظفر، حين ترى نفسك وتنسى ربك، حين تنسب إنجازك لقوتك وبطرك، قال الله: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ [سورة الأنفال: 47]، “ويتبادر لنا أنّ الآيات انطوت على قصد المقارنة أيضاً، فالكفار خرجوا بتزيين الشيطان وكان معتمدهم وجارهم، فأخزاهم الله على ما كانوا عليه من كثرة عدد وعدة وزهو وبطر واعتداد بالنفس، والمسلمون خرجوا بإلهام الله، متوكلين عليه، فنصرهم على ما كانوا عليه من قلة عدد وعدد”([32]).

المطلب الثاني: صفات رجل النصر وأعماله:

وهذا سر النصر وكيمياؤه، هو القلب الطاهر والركن الماهر، وهو محل استحقاق الأمانة ومناط الهبة وتعلقات العطاء؛ فما كانت عطاءات الله مرسلةً من غير تحقيق شروطها.

وسأستعرض في هذا المطلب ثلاث سور، لا على سبيل الحصر بل على سبيل المثال؛ فاخترت سورة طويلة وهي سورة آل عمران، وتعقيب الله على أحداث غزوة أحد، وسورة متوسطة وهي سورة الأنفال وتعقيب الله جل جلاله على أحداث غزوة بدر، وختمت بسورة قصيرة وهي سورة الفتح وتعقيب الله جل جلاله على أحداث وصلح الحديبة؛ ولعلي في هذه السور الثلاث قد استقرأت ما أمكنني بذكر صفات الرجال المستحقين للنصر والتمكين، مبيناً دروس أحداث عظيمة مرت بالأمة المسلمة.

أولا: صفات رجل النصر في سورة بدر: كانت غزوة بدر تجربة أولى للمسلمين في امتحان النصر وطريق التمكين، فكان اختباراً حقيقياً ظهرت فيه أخلاق بعض المسلمين وانكشفت”([33]) فساق الله في بداية السورة وبطريقة إعجازية صفات المؤمن الحق وصفات رجل الفتح الحق؛ قال الله جل جلاله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾[سورة الأنفال: 1-6].

فانظر إلى ترتيب الآيات الواصفة لرجل الفتح؛ فقد جاءت معترضة بين الحديث عن المعركة وأحداثها، بل بين العتاب والمنّ الربانيّ وعطاءاته؛ مما يسترْعي التيقظ والتوقف والانتباه، فألهب العقل وأحنقه متدبراً متفكراً؛ فكان الجواب من الآية ساطعاً: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾” لأنهم حققوا إيمانهم بأن ضموا إليه مكارم أعمال القلب، من الخشية والإخلاص والتوكل، ومحاسن أعمال الجوارح التي هي العِيار عليها، كالصلاة والصدقة، لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي: كرامات وعلو منزلة، أو درجات الجنة يرتقونها بأعمالهم، وَمَغْفِرَةٌ لما فرط من ذنوبهم، وَرِزْقٌ كَرِيمٌ أعده لهم في الجنة، لا ينقطع مدده، ولا ينتهي أمده، بمحض الفضل والكرم. “([34]) فجاءت هذه الصفات وبكيفية معينة في غزوة هي من أهم غزوات المسلمين وأشدها اختباراً، ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول عن أهل بدر: “وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى مَنْ شَهِدَ بَدْرًا فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ”([35])… وهذه الصفات هي ما نحتاجها اليوم كما احتجنا إليها يوم بدر: – فَاتَّقُوا اللهَ – وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بِيْنِكُمْ – وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ – الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ – وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانا – وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ – الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ – وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ… وفي كل صفة من هذه الصفات معانٍ تربوية لها أبعادها في صقل الشخصية وتأهيلها لتنال بشارات النصر ونقائه.

ثانياً: صفات رجل النصر في سورة آل عمران: كانت أحداث سورة آل عمران أُتونا تربوياً، وكما كانت ملحمةً عسكرية، فأدمجت التوجيهات التربوية الإلهية بالتعليقات المدمية على معركة أحد ومجرياتها، فكانت لسورة آل عمران صولات وجولات في تثبيت معادلة جديدة بين المسلمين وأعدائهم، وتطوير علاقتهم بالله وبسننه وآياته؛ فكشفت سورة أحد عن صفات الرجال المستحقين للنصر وجلّت عن نقائضهم وأعدائهم من بين أظهرهم، وكيف أنّ النفاق هو أساس البلاء في كل زمان: كما قال جل جلاله: ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [سورة المنافقون: ٤]، وأنّ تنقية الصف منهم من أعظم نعم الله على الصف المسلم، ليستحق شرف النصر ويستبشر به، وأنّ الشورى من صفات المؤمن الملازمة له ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْـمُتَوَكِّلِينَ﴾[سورة آل عمران: 159]. فالشورى جعلها الله من مكونات صفات المؤمنين، ولتعزيز هذه الصفة فقد جعلها الله بين ركنين عظيمين: الصلاة والزكاة، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ [سورة الشورى: 38]. وجعل الله من أركان صفات مؤمن الفتح العقل السنني، الذي يحسن التعامل مع أحداث الكون بعقلية قانون الله في الأرض؛ هذا القانون الصارم حتى على أعز خلق الله وهم الأنبياء، بل حتى على صفوة أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [سورة آل عمران: 137]. ومعرفة هذه السنن من أعظم ما يظفر به المسلم؛ لخص الله فيها صفات رجل الفتح والنصر ” قد مضت وتقررت من قبلكم سنن ثابتة ونظم محكمة فيما قدره الله ´ من نصر وهزيمة، وعزة وذلة، وعقاب في الدنيا وثواب فيها، فالحق يصارع الباطل، وينتصر أحدهما على الآخر بما سنَّه سبحانه من سنة في النصر والهزيمة، من طاعة للقائد، وإحكام في التدبير، وقوة إيمان، واستعداد للفداء،… وإنّ من سنن الله تعالى الثابتة ألا يمكن من الظلم وأن ينتصر أهل الحق إذا عملوا على نصرته، وتظافروا على إقامته ولم ينحرفوا عن طاعته، وأنّ أهل الباطل قد ينتصرون إن اتحدوا واستعدوا، لتخاذل أهل الحق وانقسامهم، أو إرادتهم عرض الدنيا، أو عدم الصبر على طاعة القائد كما كان الشأن في أحد.

وإنّ من سنن الله تعالى أن يجعل العاقبة للصابرين الصادقين، فإن أَمْلى للكافرين سنة فإنه سيأخذهم من بعد أخذ عزيز مقتدر، وينصر عليهم أهل الحق، وإنما قدر الله تعالى نصرتهم الوقتية على أهل الحق ليصقل أهل الإيمان، وليهديهم هداية عملية إلى طريق الانتصار، وليميز من بينهم ضعيف الإيمان، ويظهر نفاق أهل النفاق، وبذلك تتبين الصفوة المختارة التي يعتمد عليها، ويذهب الذين مردوا على النفاق بنفاقهم، فلا ينخدع بهم أحد، ولا يرجفون بكيدهم في الجماعة، ولقد بين سبحانه لأهل الإيمان عاقبة المكذبين تثبيتا لقلوبهم ([36])، ولنلخص صفات رجل الفتح في سورة آل عمران:

1 – ربانيّ المرجع: قال الله جل جلاله: ﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾[سورة آل عمران: 100]، وانظر كيف يستهجن الله تعدد المرجعية أو نكرانها، فقال الله مباشرة: ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾[سورة آل عمران: 101].

2 – الخوف من الله: ﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [سورة آل عمران: 102].

3 – ينتمي للأمة الواحدة: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [سورة آل عمران: 103]،

4 – جزء من الأمة الداعية: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر﴾ [سورة آل عمران: 104]،

5 – صاحب رسالة حضارية: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [سورة آل عمران: 110].

6 – صاحب نفس قوية متينة: ﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ﴾ [سورة آل عمران: 111 – 112].

7 – منصف متسامح: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ﴾ [سورة آل عمران: 113].

8 – نية الرباط تملك روحه: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [سورة آل عمران: 121].

9 – يعظم قيمة الجنة: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ [سورة آل عمران: 122].

10 – متحمل للمسؤولية حتى لو مات القائد: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [سورة آل عمران: 144].

11 – ينكر ذاته ويحمل همّ أمته: ﴿.. وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [سورة آل عمران: 154].

12 – كمال الصدق مع الله: ﴿وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ [سورة آل عمران: 143].

13 – تقي يؤوب تائب عن الذنوب: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ [سورة آل عمران: 155]، وبهذه المناسبة فقد ذكر الله أسباب هزيمة جولة من جولات معركة أحد، ولم يعيّن نزول الرماة كسبب أوحدٍ للهزيمة؛ بل كان سبباً من عدة أسباب، وليس السبب الوحيد.

ثالثاً: صفات رجل النصر في سورة الفتح: جاء في آخر سورة الفتح توزيع الأوسمة والنياشين على فئة المؤمنين التي استحقت كرم الله ونصره في بداية السورة، ووعدهم بالفتح والنصر، ولعلنا نتدبرها لنستخرج الدلالات الآتية:

الدلالة الأولى: ذكر في بداية السورة النصر وختم السورة بالرضا؛ فهو كمال وجلال، ليعرف المؤمنين قيمة وشأن رجال الفتح ورجال بشرى النصر ومستحقيه.

الدلالة الثانية: جاءت الآية وختمت بعد آية محورية عظيمة؛ يقول الأستاذ سعيد حوى: “ومجيء هذه الآية بعد قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾[سورة الفتح: 28] يشعر أنّ وجود من هذا شأنهم هو الطريق إلى انتصار الإسلام، ولقد تحقق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ورد في الآية، وعلى أتباعه أن يفعلوا ليكون لهم شرف المعيّة، فلئن فاتتهم معيّة الجسد فلا تفوتهم معيّة الاقتداء والتحقيق والتخلق، وإنّ في الآية لرداً على من أغفلوا الصراع مع الكفر وتناسوه”([37])، ويقول: “ومجيء آية: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ﴾[سورة الفتح: 29] في سياق سورة الفتح يشعر بأن ما ذكرته هذه الآية هو مواصفات الجماعة التي تستأهل الرعاية والنصرة والغلبة، فلنتدبر الآية، وليحاول المسلم أن يأخذ حظّه مما ورد فيها، ولتحاول الطائفة القائمة بالحق أن تأخذ بحظها من ذلك الإيمان، والعمل الصالح، والوحدة والتلاحم والتفاني، ووضاءة الوجوه من العبادة، والركوع والسجود، والرحمة بالمؤمنين، والشدّة على الكافرين”([38]).

ولو تدبرنا صفات رجل الفتح في هذه السورة لخرجنا بالصفات الآتية:

أولاً: عابد متضرع: ﴿تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾ [سورة الفتح: 29] يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما ينصر الله هذه الأمَّة بضعيفها؛ بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم)([39]).

ثانياً: سامع مطيع ملازم للصف: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾ [سورة الفتح: 10].

ثالثاً: رحيم القلب بإخوانه: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [سورة الفتح: 29].

رابعاً: ثابت لا يضره المتساقطون: ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا﴾ [سورة الفتح: 11]

خامساً: علامات الخير ظاهرة عليهم وبعملهم: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [سورة الفتح: 29].

سادساً: محارب للظلم والفساد: ﴿يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ [سورة الفتح: 29].

سابعاً: محفيٌّ بهم في كل الرسالات: ﴿ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ([40]) والدليل على ذلك في قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْءانِ.. ﴾ [سورة التوبة: 111].

ثامناً: يعلم أنّ ترك النصرة للدين خطر عظيم موجب للاستغفار: ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا﴾ [سورة الفتح: 11] “وصفهم بأوصاف كلها مدائح لهم، وذكرى لمن بعدهم، وبها سادوا الأمم، وامتلكوا الدول، وقبضوا على ناصية العالم أجمع، وهي:

(1) إنهم غلاظ على من خالف دينهم وناوأهم العداء، رحماء فيما بينهم.

(2) إنهم جعلوا الصلاة والإخلاص لله ديدنهم في أكثر أوقاتهم.

(3) إنهم يرجون بعملهم الثواب من ربهم والزلفى إليه ورضاه عنهم.

(4) أن لهم سيماء يعرفون بها، فلهم نور في وجوههم، وخشوع وخضوع يعرفه أولو الفطن.

(5) إنّ الإنجيل ضرب بشأنهم المثل فقال: سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر؛ ذاك أنهم في بدء الإسلام كانوا قليلي العدد ثم كثروا واستحكموا وترقى أمرهم يوماً قيوماً حتى أعجب الناس بهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قام وحده ثم قوّاه الله بمن معه، كما يقوّى الطاقة الأولى من الزرع ما يحتفّ بها مما يتوالد منها”([41]).

الخاتمة والتوصيات

فقد وصف الله جل جلاله كتابه بالهدى والنور، وهذا الهدى وهذا النور موصل للرحمة والسكينة والفوز، وما كان لهذه الرحمة أن تغشى أحداً لم يستنر بهذا النور وهذا الهدى؛ فهو كمن يمشي في ظلمات وحفر وشرور وضرر ولا يستعين بمصباح! فحتماً ضلاله وقع… وفي الشرور والحفر سيلقى حتفه أو الوجع؛ وهذا مثلٌ للقرآن: فمن استضاء بهديه واستنار بنوره رُحم ونجا من الشرور ووصل إلى مستقره في سرور، قال الله جل جلاله: ﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ الأنعام (154) وقال الله: ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾[سورة الأعراف: 52].

وهذا البيان والتوضيح كان للنصر وأسبابه ومبشراته، فنوّر الله طريق السالكين إليه وأضلّ طريق الشاردين، ومن سلك طريق الله عرف هذه المبشرات واطمأنّ لوعد الله؛ وحتى يكون يقينه ثابتاً لا يتزحزح بيّن الله له شروط وتبعات واستحقاقات هذه البشارات، وأنها غير لازمة لكونه يوصف مؤمناً بل لكونه عاملاً صابراً محتسباً، وأنّ النصر أمانة لا تتنزل إلا على من صانها وأخذ بحقها، فمن عرف ذلك اطمأنّ لسعيه وعرف طريقه لم يفجأ بتأخر نصر أو هزيمة؛ لأنّ ترتيب عقله كان متّسقاً مع ترتيب القرآن وسنته في الكون والإنسان؛ فعرف أنّ الفتح والنصر له استحقاقاته من قبلُ ومن بعد، فيحسن الظفر به من جهة ويحسن المحافظة عليه من جهة أخرى.

ولا بد للسالكين طريق النصر والتمكين أن يضعوا في بؤرة حسابهم وسعيهم اعتبارات كثيرة قد وقفنا على جملة من هذه الاعتبارات في هذا البحث؛ فقد حاول الباحث إضاءة الطريق لمبشرات النصر ومثبتاته، ولعلها تكون حافزاً لدراسة المزيد والتنقيب عن سنن الله وقوانينه أكثر، حتى يحافظ المسلم على إيمانه ويقينه، ولا يضيع سعيه بجهله فيها.. وسأجعل في هذه الخاتمة بعض التوصيات، وأخلص إلى أهم النتائج الآتية:

1 – النصر قادم حتماً فانظر نفسك أين تكون.

2 – كما أنّ هناك مبشرات فإنّ هناك معوّقات للنصر، فلتراع يا رعاك الله، متوازناً كلا الأمرين، ولا تشخُص لأحدهما ببصرك دون الآخر.

3 – يجب النظر لأسباب منحة وعطاء النصر ومبشراته قبل النظر بالنصر فقط، ولا نكن كمن وُعد بجائزة مقابل فوزه بمباراة ما، فانشغل بالجائزة ونسي أنها مقابل أمر يجب القيام باستحقاقاته ولوازمه.

4 – معرفة سنن الله في النصر والهزيمة مثل اللفاح المضادّ للمرض؛ يأخذه المعافى قبل المريض محصّناً له عن المرض، وأمراض الشبهات تحتاج للصيانة والمناعة أيضاً بل هي الأوْلى.

5 – التعامل مع المبشرات أمر ليس بالسهل؛ بل هو منهاج وليس كلمات ترسل وتدغدغ العواطف وتستنهض الهمم من غير مثبّتات وعوامل ومقومات، بل هو منهاج متكامل يؤخذ مع تطبيقاته وإعداداته ولوازمه.

6 – العجلة داء عضال يفتك باليقين وينقص من الدين.

7 – التربية القرآنية من أعظم وسائل ومقاصد الدعوة والدعاة.

8 – بالاشتغال بالدين يأتي ويتم اليقين وليس العكس.

9 – المواقف هي من تفيدك وتفيد الدين، وترك الاكتفاء بالمشاعر.

10 – ثق بترتيب الله لك وإن كان الأفق القريب لا يبشر.

والحمد لله رب العالمين

 المراجع

  1. ابن الأثير: أبو الحسن أسد الغابة، دار الفكر، بيروت، 1409ه -1989م.
  2. ابن جرير الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، ت: أحمد شاكر، مؤسسة الرسالة، ط 1 ،1420ه.
  3. أبو السعود العمادي محمد بن محمد بن مصطفى، تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
  • أبو العباس أحمد ابن عجيبة الحسني الأنجري الفاسي الصوفي، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، تحقيق: أحمد عبد الله القرشي رسلان، د حسن عباس زكي، القاهرة، الطبعة: 1419ه.
  • أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية 1420ه – 1999 م.
  • أبو بكر عبد الله ابن أبي شيبة الكوفي العبسي، المصنف في الأحاديث والآثار، ضبط: كمال يوسف الحوت، (دار التاج – لبنان)، (مكتبة الرشد – الرياض)، (مكتبة العلوم والحكم – المدينة المنورة)، الطبعة: الأولى، ١٤٠٩ه – ١٩٨٩ م.
  • أبو سعد العاملي، وقفات تربوية في سبيل نهضة جهادية، مؤسسة المنارة، بلا معلومات.
  • أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، المجتبى من السنن = السنن الصغرى للنسائي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، الطبعة: الثانية، 1406ه – 1986.
  • أبو عبد الله البخاري، الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، المحقق: محمد، دار طوق النجاة الطبعة: الأولى، 1422ه.
  • أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي، معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي، محيي السنة، تحقيق: حققه محمد عبد الله النمر وآخرون، دار طيبة للنشر والتوزيع، 1417ه.
  • أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، المحقق: عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1422ه.
  1. اتحاد “الرائد” -القسم الثقافي، قصة أصحاب الأخدود والصبر على الطريق إلى الله، 2012.09.09 https: //www. arraid. org/ar/node/2359
  2. أحمد بن مصطفى المراغي، تفسير المراغي، ومطبعة مصطفى البابى، الطبعة: الأولى، 1365ه.
  1. د راغب السرجاني، موقع قصة إسلام، رابط المادة: http: //iswy. co/e48vi.
  2. سعيد حوى، الأساس في التفسير، دار السلام، القاهرة، الطبعة: السادسة، 1424ه.
  3. سيد قطب، في ظلال القرآن، دار الشروق، الطبعة الشرعية الثانية والثلاثون 1423ه.
  4. عبد الرحمن السعدي، تحقيق: عبد الرحمن اللويحق تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى 1420ه -2000 م.
  1. عبد الكريم القشيري، لطائف الإشارات، تحقيق: إبراهيم البسيوني، الهيئة المصرية للكتاب، مصر، ط 3.
  1. عبد الكريم يونس الخطيب، التفسير القرآني للقرآن، دار الفكر العربي – القاهرة.
  2. عبد اللطيف مرشود، النصر والهزيمة “دراسة قرآنية، رسالة ماجستير جامعة النجاح فلسطين، 2007م.
  • فخر الدين الرازي، مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط3 1420ه.
  • محمد الأمين الأرمي العلوي الهرري الشافعي تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن، إشراف: د هاشم محمد مهدي، دار طوق النجاة، بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 1421 ه.
  • محمد الطاهر ابن عاشور التونسي، التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر، تونس، 1984 هـ
  • محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، الفوائد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 3، 1393.
  • محمد رشيد رضا، تفسير القرآن الحكيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1990 م.
  • محمد عزت دروزة، التفسير الحديث، دار إحياء الكتب العربية – القاهرة، الطبعة: 1383ه.
  • مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي – بيروت.
  •  

([1]) أستاذ التفسير وعلوم القرآن، الجامعة الإسلامية بمينيسوتا أمريكا، تاريخ استلام البحث، 5/4/2024م، وتاريخ قبوله للنشر، 17/5/2024م، البريد الالكتروني: fateh-72@hotmail. com‏

([2]) ينسب للشاعر نضال جابر معارضاً قصيدة المتنبي التي منها: تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.

([3]) ابن القيم، محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، الفوائد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 3، 1393، ص 45. وأما قتل يحيى ’ على وجه الخصوص، فلم يرد في القرآن ولا في السنة الصحيحة المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم خبر قتله، ولا كيفية ذلك. لكن قد اشتهر هذا الأمر عند الصحابة والتابعين، فمن ذلك: ما وراه ابن أبي شيبة في “المصنف” (17/533) بسند رواته ثقات: ” دخل ابن عمر المسجد وابن الزبير مصلوب، فقالوا: هذه أسماء، قال: فأتاها، فذكَّرها، ووعظها، وقال لها: إن الجيفة ليست بشيء، وإنما الأرواح عند اللَّه، فاصبري واحتسبي، فقالت: وما يمنعني من الصبر، وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل”. وقد يكون هذا من الإسرائيليات، والسلامة التي وُعد بها هي السلامة الدينية والأخروية. أبو بكر عبد الله ابن أبي شيبة الكوفي العبسي، المصنف في الأحاديث والآثار، ضبط: كمال يوسف الحوت، (دار التاج – لبنان)، (مكتبة الرشد – الرياض)، (مكتبة العلوم والحكم – المدينة المنورة)، الطبعة: الأولى، ١٤٠٩ هـ – ١٩٨٩ م.

([4]) رضا، محمد رشيد، تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1990 م 2/252.

([5]) الطبري، محمد ابن جرير الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، ت: أحمد شاكر، مؤسسة الرسالة، ط1، 1420ه، 15/46.

([6]) ليس للحديث أصل، ولم أجده إلا عند صاحب الظلال فقط. ولم يدرك سيد قطب مراجعة سورة المزمل، وجاءه أجله قبل أن يصل إليها، ولعله كان يعيش ظلال قوله تعالى: ﴿إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً﴾ [سورة المزمل: 5]، فكأنها حكاية حال النبي صلى الله عليه وسلم لا مقاله والله أعلم.

([7]) قطب، سيد، في ظلال القرآن، دار الشروق، الطبعة الشرعية الثانية والثلاثون 1423ه، 7/378.

([8]) أبو سعد العاملي، وقفات تربوية في سبيل نهضة جهادية، ص 13.

([9]) ﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ [سورة الحج: 55].

([10]) السرجاني، راغب، موقع قصة إسلام، رابط المادة: http: //iswy. co/e48vi

([11]) اتحاد “الرائد” -القسم الثقافي، قصة أصحاب الأخدود والصبر على الطريق إلى الله، 9/9/2012م، https: //www. arraid. org/ar/node/2359

([12]) ابن عاشور، محمد الطاهر التونسي، التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر، تونس، 1984، 28/200.

([13]) قطب، سيد، في ظلال القران 1/ 526.

([14]) ابن الأثير: أبو الحسن أسد الغابة، دار الفكر، بيروت، 1409ه -1989م، 1/591.

([15]) القشيري، عبد الكريم، لطائف الإشارات، تحقيق: إبراهيم البسيوني، الهيئة المصرية للكتاب، مصر، ط 3، 3/402.

([16]) سألت عَائِشَةُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم -، فقَالَتْ: يا رسول الله: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟! قَالَ: ” لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ.. ” انظر البخاري في صحيحه 3231، بَابُ إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ: آمِينَ وَالمَلاَئِكَةُ فِي السَّمَاءِ، آمِينَ، ومسلم بَابُ مَا لَقِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ. أبو عبد الله البخاري، الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، تحقيق: محمد، دار طوق النجاة الطبعة: الأولى، 1422ه.

([17]) انظر ابن سعد، محمد، الطبقات الكبرى، تحقيق: محمد عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1 1410 ه، ” (1/ 196)، وعبد الملك بن هشام، السيرة النبوية، تحقيق: مصطفى السقا، مصطفى البابي، مصر، 1375ه. (1 /381).

([18]) الرازي، فخر الدين، مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط3 1420ه، 28/65.

([19]) كحديث 4847 بَابُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ وغيره.

 ([20]) مرشود، عبد اللطيف، النصر والهزيمة “دراسة قرآنية”، رسالة ماجستير جامعة النجاح فلسطين، 2007م.، ص” 72.

([21]) رضا، محمد رشيد، تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)، 2/390.

([22]) ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر ابن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية 1420ه – 1999 م، 4/229.

([23]) السعدي، عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، تحقيق: عبد الرحمن اللويحق، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى 1420ه -2000 م، ص 307.

([24]) ابن كثير، القرشي البصري ثم الدمشقي، تفسير القرآن العظيم، 3/494.

([25]) أبو السعود، العمادي محمد بن محمد بن مصطفى، تفسير أبي السعود، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 8/104.

([26]) الهرري، محمد الأمين الأرمي العلوي الهرري الشافعي، تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن، إشراف: د هاشم محمد مهدي، دار طوق النجاة، بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 1421ه، 15/427. وانظر: الخازن، علاء الدين علي بن محمد الشيحي أبو الحسن، المعروف بالخازن، لباب التأويل في معاني التنزيل، تصحيح: محمد علي شاهين، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1415ه، 4/126.

([27]) البغوي، أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي، معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي، محيي السنة، تحقيق: محمد عبد الله النمر وآخرون، دار طيبة للنشر والتوزيع، 1417ه، 6/256.

([28]) قطب، سيد، في ظلال القرآن، 2/11.

([29]) الخطيب، عبد الكريم يونس الخطيب، التفسير القرآني للقرآن، دار الفكر العربي – القاهرة، 9/1047.

([30]) الرازي، مفاتيح الغيب، التفسير الكبير، 28/42.

([31]) ابن عطية، بو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام ابن عطية الأندلسي المحاربي، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1422ه، 2/536.

([32]) دروزة، محمد عزت دروزة، التفسير الحديث، دار إحياء الكتب العربية – القاهرة، الطبعة: 1383ه، 7/69.

([33]) انظر القصة كاملة في سيرى ابن هشام، ما نزل في تقسيم الأنفال، 667.

([34]) ابن عجيبة، أبو العباس أحمد ابن عجيبة الحسني الأنجري الفاسي الصوفي، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، تحقيق: أحمد عبد الله القرشي رسلان، د حسن عباس زكي، القاهرة، الطبعة: 1419ه، 2/305.

([35]) متفق عليه، انظر البخاري في جامعه بَابُ غَزْوَةِ الفَتْح ِ4274، ومسلم في مسنده، بَابُ الْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ، وَاللَّحْنِ بِالْحُجَّةِ، 1713.

([36]) أبو زهرة، محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة، زهرة التفاسير، دار الفكر العربي. 3/1419.

([37]) حوى، سعيد، الأساس في التفسير، دار السلام، القاهرة، الطبعة: السادسة، 1424ه، 9/5387.

([38]) نفس المرجع والصفحة.

([39]) النسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، المجتبى من السنن = السنن الصغرى للنسائي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، الطبعة: الثانية، 1406 – 1986، برقم 3178، الِاسْتِنْصَارُ بِالضَّعِيفِ، والحديث صححه الألباني.

([40]) في التوراة: وَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «اعْبُرْ فِي وَسْطِ الْمَدِينَةِ، فِي وَسْطِ أُورُشَلِيمَ، وَسِمْ سِمَةً عَلَى جِبَاهِ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَئِنُّونَ وَيَتَنَهَّدُونَ عَلَى كُلِّ الرَّجَاسَاتِ الْمَصْنُوعَةِ فِي وَسْطِهَا». انظر حزقيال 9: 1 – 6 وفي الإنجيل: وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ فَأَعْطَى ثَمَرًا. ” انظر: متى 13: 1 – 9، موقع الأنبا تكلا. https: //st-takla. org/P-1_. html.

([41]) المراغي، أحمد بن مصطفى المراغي، تفسير المراغي، ومطبعة مصطفى البابي، الطبعة: الأولى، 1365ه، 26/115