دراسة أصولية

الدكتور: مصطفى مخدوم

المقدمة:

          الحمد لله على عظيم آلائه، والشكر له سبحانه على سابغ نعمائه وامتنانه، والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه، وصفوة أوليائه محمد-صلى الله عليه وسلم-، ومن سار على نهجه إلى يوم لقائه، وبعد:

     فإن من أهمّ ما يميِّز عصرنا هو سرعة التغيّرات وكثرة المستجدات، وتبعًا لذلك فقد تغيّرت أوضاع كثيرة داخل العالم الإسلامي وخارجه في جميع المجالات، فتطورت العلوم وتدخّلت التكنولوجيا في معظم مناحي الحياة العصرية؛ لذا بدأت التساؤلات حولها، وليست هذه التطورات والتغيرات المستجدة بعيدة عن الشريعة الإسلامية؛ لأن من خصائصها المرونة وقدرتها على استيعاب المتغيرات، وصلاحيتها لكل زمان ومكان.

أهمية البحث:

1- موضوع البحث يتعرض لأبرز سمات الشريعة الإسلامية وخصائصها وهي: الشمول، والمرونة وصلاحيتها لكل زمان ومكان، كما يتعرض لأبرز سمات قضايا العصر وهو التغير.

2- إظهار قواعد الشريعة كالتخفيف والتيسير، ودفع الضرر والفساد، مع بقاء الأصل والحفاظ على الثوابت، وهذا ما يزيل الجمود، والوقوف على ظواهر النصوص فقط، دون النظر إلى مقاصد الشريعة.

أهداف البحث:

1- معرفة مفهوم تطور الوسائل، وعلاقته بتغير الأحكام الشرعية.

2- بيان الأحكام الشرعية التي تقبل التغيير.

3- إيضاح العوامل الموجبة لتغيّر الأحكام الاجتهادية، وضوابطه.

4- ذكر تطبيقات معاصرة لبعض الأحكام التي تأثرت بتطور الوسائل.

مشكلة البحث:

     إن التطور الهائل لوسائل الحياة بمختلف المجالات، أدّى إلى بعض التساؤلات، وهي: 

1- هل تتأثر الأحكام الشرعية وتتغير لهذا التطور في الوسائل؟

2- هل التغير يشمل جميع الأحكام؟ وما هي الأحكام الشرعية التي لا تقبل التغير؟

3- ما العوامل الموجبة لتغيّر الأحكام الاجتهادية؟ وما ضوابط التغيير؟

4- هل هناك قضايا معاصرة تأثرت بتطور الوسائل، وتغير فيها الحكم الشرعي؟

منهج البحث:

     استخدم الباحث المنهج الوصفي والتحليلي، وذلك بجمع مادة البحث، وتقسيمها، وتحليل مفرداتها، وتأصيل الموضوع تأصيلًا شرعيًّا، مع تطبيقه على بعض الأحكام والمسائل المعاصرة التي تأثرت بتطور الوسائل.

حدود البحث:

     إن هذه الدراسةَ في تغيّر الأحكام الشرعية، تُعدّ من الموضوعات الواسعة، لا سيَّما وأن الكتابات فيه محدودة، وتناولته بشيء من الإيجاز؛ لذا كان لا بدَّ من التركيز على فرع من فروعه، وهو دراسة مدى تأثّر الأحكام الشرعية بتطور الوسائل الحديثة، وبيان مفهوم تطور الوسائل، وتحديد نوع الأحكام التي تتأثر به، تأصيلًا، وتطبيقًا في بعض المسائل المعاصرة، وعليه فلن أخوض في مناقشة أقوال العلماء في المسائل، وذكر أدلتهم والاعتراض على الاستدلال بها؛ وإنما المقصود التنبيه على تلك المسائل التي تغيّر فيها لتغيُّر وسائل الحكم.  

الدراسات السابقة:

     لم أجد عنوانًا مستقلًّا في تطوُّر الوسائل وأثره على الحكم الشرعي، وإنما هناك دراسات وبحوث تناولته في بعض فصولها بشيء من الإيجاز، ومن تلك الدراسات:

1- دراسة بعنوان: “تغير الأحكام في الشريعة الإسلامية”، للدكتور: إسماعيل كوكسال، ومن عنوان الدراسة نلاحظ أنها عامة، فقد تناول الباحث التغيُّر بشكل عامٍّ في الأحكام الشرعية، ثمَّ تناول بعض العوامل الموضوعية التي تغير الأحكام، وذكر منها: العلوم والتكنولوجيا، فتكلَّم عن هذا العامل في تغيُّر الأحكام بما لا يتجاوز صفحتين، وقد ذكر بعض فروع البحث في أماكن متفرقة من دراسته الطويلة، وهذه الدراسة هي من أهمّ الدراسات التي استفاد الباحث منها، وبنى عليها.

3- دراسة بعنوان: “تغير الأحكام” دراسة تطبيقية لقاعدة: “لا ينكر تغيُّر الأحكام بتغير القرائن والأزمان”، للدكتورة: سها سليم مكداش، وهذه الدراسة كسابقتها، فهي عامَّة أوَّلًا، ثم ركَّزت الباحثة على القاعدة المذكورة، بالشرح، وبيان أهميتها، وذكرت أسباب تغيُّر الأحكام كالنيّة، والعرف والعادة، والمصلحة، واهتمت بالجانب الفقهي التطبيقي لتلك القواعد، ولم تتطرق لتطور الوسائل وبيان أثره على تغيُّر الأحكام.

3- دراسة بعنوان: “قواعد الوسائل في الشريعة الإسلامية”، لكاتب هذا البحث، فقد تناولت الوسائل في الشريعة الإسلامية من حيث التعريف، والتقسيم، والأحكام، والقواعد الأصولية والفقهية، وفي فصل قاعدة الوسائل لها حكم المقاصد أفرد مسألة تحت عنوان: “مسألة: تطور الوسائل وأثره في الحكم الشرعي”، وأشرت إلى القضية وبينت بعض أدلتها وأسبابها ولكن لم أتوسع فيها رغبة في إفرادها ببحث مستقل يستوعب أطرافها وتفاصيلها.

خطة البحث:

     اقتضت طبيعة البحث أن يكون في مقدمة ومدخل، وثلاثة مباحث، وخاتمة، وفهارس: فأما المباحث:

المدخل: التعريف بمصطلحات البحث ومفاهيمه.

المبحث الأول: التأصيل الشرعيّ لتغيُّر الأحكام الشرعية بتغيّر الوسائل: وفيه مطلبان:

     المطلب الأول: الأدلَّة على تغيُّر الأحكام الشرعية الاجتهادية.

     المطلب الثاني: الثوابت والمتغيرات في الشريعة الإسلامية.

المبحث الثاني: الأسباب الموجبة لتغيّر الأحكام الاجتهادية وضوابطه: وفيه مطلبان:

     المطلب الأول: الأسباب الموجبة لتغيّر الأحكام الاجتهادية.

     المطلب الثاني: ضوابط تغيُّر الأحكام بتغير الوسائل.

المبحث الثالث: تطبيقات معاصرة على تطوُّر الوسائل وأثره في الحكم الشرعي.

الخاتمة: وفيها أهم النتائج.

فهرس المصادر والمراجع.

فهرس الموضوعات.

مدخل: التعريف بمصطلحات البحث ومفاهيمه:

أوَّلًا: تعريف التطوُّر:

     لفظ: “طَوَر”(مخفَّفة) له معنى واحد: وهو ‌الامتداد في شيء من مكان أو زمان، من ذلك طوار الدار، وهو الذي يمتد معها من فنائها؛ ولذلك يقال: عدا طوره، أي: جاز الحدّ الذي هو له من داره، ثم استعير ذلك في كل شيء يتعدّى([1]).

     ولفظ “التطوُّر”: هو التغيّر والتحوُّل وزنًا ومعنى، وهو كلمة جارية على قياس اللغة، وأساليب الاشتقاق فيها، وإن لم تَرِد بهذه الصورة في كتب المعاجم؛ لذا اشتقَّ المعاصرون الفعل “تطوَّر” ومصدره “تطوُّر” من “الطَّوْر” بمعنى التارة أو المرة أو الحالة، وقد وردا في المعاجم الحديثة كالوسيط، والأساس بمعناهما الجديد، ونصَّ “الوسيط” على أن استعمال طوَّره بمعنى: حوّله من طور إلى طور مجمعية، وتشيع الكلمة الآن في لغة المعاصرين([2]).

     والمقصود من التغيُّر في الحكم الشرعيِّ هو انتقاله من حالة كونه مشروعًا إلى حالة كونه ممنوعًا، أو العكس بحسب اختلاف درجات المشروعيَّة والمنع([3])، فقد ينقلب المباح مكروهًا أو الحرام مباحًا، أو الحلال مكروهًا، وهكذا بحسب أحوال المكلَّفين وما يحتفُّ بهم من ظروف وأحوال وقرائن وملابسات.

ثانيًا: تعريف الوسائل:

     الوسائل: جمع “وسيلة”، وفعله “وَسَل”، يقال: وَسَلْتُ إلَى اللَّهِ بِالْعَمَلِ أَسِلُ مِنْ بَابِ وَعَدَ رَغِبْتُ وَتَقَرَّبْتُ، والْوَسِيلَةِ: وَهِيَ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى الشَّيْءِ([4])، قال الراغب الأصفهاني: “‌الوَسِيلَةُ: ‌التّوصّل ‌إلى الشيء برغبة”([5]).

     ونلاحظ أن “التوصُّل إلى أمر آخر”، هو جوهر دلالة هذه الكلمة، فلا يسمى الشيء وسيلة إلا إذا كان مما يتوصل به إلى أمر آخر، هو المقصود بمباشرة الوسيلة.

     والوسائل في الاصطلاح له معنيان أحدهما عام، والآخر خاص:

     الوسائل بالمعنى العام هي: “الأفعال التي يتوصل بها إلى تحقيق المقاصد”.

     والوسائل بالمعنى الخاص هي: “الأفعال التي لا تقصد لذاتها؛ لعدم تضمنها المصلحة أو المفسدة، ولكنها تقصد للتوصُّل بها إلى أفعال أخرى هي المتضمنة للمصلحة أو المفسدة والمؤدية إليها”([6]).

     ولفظ “الوسائل” يطلق خاصَّة في عصرنا على الأعيان والآلات التي تستخدم في الوصول إلى مقاصد متعددة، كوسائل الإعلام ووسائل الطب ونحو ذلك، والحقيقة أنَّ الوسائل بهذا المعنى الواسع لها دور عميق، وأثر فعّال، في النفس البشرية، والمجتمع الإنساني، ولهذا كان الاهتمام بها علامة وعي، وأمارة فطنة.

     ولكن النظر الأصولي، والاجتهاد الفقهي، لا يتعلق بها من حيث هي آلات، بل من حيث مباشرة المكلّف لهذه الوسائل، واستخدامه لها، فهي بهذا النظر راجعة إلى أفعال المكلفين، وحكم الشارع فيها([7]).

     فالخلاصة أن الحكم لا يتعلق بذوات هذه الوسائل، وإنما بأفعال المكلفين المتعلقة بها، فإذا قلنا: هذه وسيلة جائزة، فالمراد جواز مباشرة العبد لها، واستخدامه لها، وإذا قلنا: هذه وسيلة ممنوعة، فالمراد منع مباشرة العبد لها واستخدامه لها، فرجع الكلام فيها إلى أفعال المكلَّفين.

المبحث الأول: التأصيل الشرعي لتغيُّر الأحكام الشرعية بتغير الوسائل:

     وفيه مطلبان:

المطلب الأول: الأدلة على تغيّر الأحكام الشرعية الاجتهادية

     تميّزت الشريعة الإسلاميّة عن بقيّة الشرائع بعدّة ميّزاتٍ، تؤهِّلها للبقاء والصلاحية، والديمومة والثبات من جهة، والسعة والمرونة من جهةٍ أخرى، والتغيُّر أمر واقع وظاهرة إنسانية وكونية عامَّة يشاهدها المتأمل منذ نعومة أظفاره فيما يجري حوله من الأحداث، وهو من المسلَّمات التي لا تحتاج إلى إقامة البرهان، والتغيُّر أمر محايد لا يخضع في أصل وجوده إلى المذهبيات المختلفة الموجهة له؛ إذ الشريعة الإسلامية قادرة على الاستجابة لجميع مطالب الحياة الحديثة الصحيحة والتوفيق بين مستجداتها؛ لأن الإسلام يقرر القواعد والأسس التي لا يتصور بدونها قيام مجتمع متحضر، ويترك جزئياتها تدور مع تقلبات الزمان لكي يختار لكل عصر ما يتلاءم مع أوضاعه وظروفه([8]).

     ولكن القواعد الكلية ثابتة في كل زمان ومكان لا تقبل تبديلًا ولا تغييرًا، وما كان من الفتاوى والأحكام الاجتهادية مرتبطًا بالبيئات والظروف والأعراف والعادات أو المصالح ونحو ذلك فإنها تقبل التغيُّر والاجتهاد، وهذا في ذاته من مظاهر المرونة، ومن دلائل الخصوبة([9]).

     ومما يدلُّ على تغيُّر الأحكام الشرعية ورود آيات الأحكام إلا أنَّها في العبادات قليلة ومفصلة، بخلاف المعاملات موجزة وكثيرة، فقد وردت آيات الأحكام في العبادات قليلة ومفصلة فهي موجودة وكثيرة، فقد وردت بنحو (89) آية، وأما أحكام المعاملات فموجزة على رغم كثرة مواضعها، وردت بنحو (217) آية، فنسبة أحكام العبادات 28%، فمجيء آيات العبادات مفصلة وآيات المعاملات موجزة يشير إلى ثبوت أحكام العبادات وتغيُّر أحكام المعاملات على حسب الظروف([10]).

     مع أنَّ حصر آيات الأحكام بهذا العدد-كما درج عليه الأقدمون-أصبح منتقدًا، ولم يعد يسلَّم به؛ إذ من التحكم القول بأن آية ما، خالية من الحكم، وعلى كلٍّ فالشاهد أنَّ التفصيل في المعاملات أقلّ منه في العبادات مع كثرة أحكام المعاملات ما يدلُّ على تغيُّرها.

     وقد فتح الرسول-صلى الله عليه وسلم-باب التغيير والتجديد والتطوُّر في حياته، وذلك أنَّه فتح باب الاجتهاد حينما كان يستشير الآخرين، وتبيينه بأنَّ المجتهد مأجور، وإن كان مخطئًا([11]).

     وممّا يدلُّ على تغيُّر الأحكام مبدأ التيسير في الشريعة وهو ذو مظاهر ثلاثة([12]):

     أحدها: أن أحكامها (المَعِيْنة) مبنية على التيسير نظرًا لغالب الأحوال، كما قال الله تعالى-في كتابه الكريم-: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ ‌مِنْ ‌حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].

     الثاني: أنها تعتمد على تغيير الحكم الشرعي من صعوبة إلى سهولة في الأحوال العارضة للأمة أو الأفراد، فتيسر ما عرض له العسر، قال تعالى: ﴿إِلَّا مَا ‌اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ [الأنعام: 119]؛ ولذلك كان من أصول قواعد التشريع قاعدة: “المشقة تجلب التيسير”([13]).

     الثالث: أنها لم تترك للمخاطَبِينَ بها عذرًا في التقصير في العمل بها؛ لأنَّها بُنِيَتْ على أصول الحكمة والتعليل والضبط والتحديد، قال الله تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: 50].

المطلب الثاني: الثوابت والمتغيرات في الشريعة الإسلامية.

     إن التغيير والتخفيف في الأحكام، وإن كان مبدأ أصيلًا في التشريع الإسلامي، ومقصدًا أعلى في الشريعة الإسلامية-كما تقدَّم-إلا أنَّ له مجالًا يعمل فيه، ومجالًا لا يعمل فيه؛ فالتغيير والتخفيف في الأحكام التكليفية لا يدخل في أصول الدين، وكليات الشريعة التي بها بقاء الدين ودوامه، قال الشافعي: “كل ما أقام الله به الحجة في كتابه أو على لسان نبيه منصوصًا بينًا لم يَحِلَّ الاختلاف فيه لمن عَلِمَهُ”([14]).

     وعليه فأحكام الشريعة الإسلامية نوعان:

النوع الأول: الأحكام الأساسية (الثوابت):

     وهي الأحكام الأساسيَّة التي جاءت الشريعة لتأسيسها وتوطيدها بنصوصها الأصلية الآمرة الناهية كحرمة المحرمات المطلقة، وكوجوب التراضي في العقود، والتزام الإنسان بعقده، وضمان الضرر الذي يلحقه بغيره، وسريان إقراره على نفسه دون غيره، ووجوب منع الأذى وقمع الإجرام وسدّ الذرائع إلى الفساد، وحماية الحقوق المكتسبة، ومسؤولية كل مكلف عن عمله وتقصيره، وعدم مؤاخذة بريء بذنب غيره … إلى غير ذلك من الأحكام والمبادئ الشرعية الثابتة التي جاءت الشريعة لتأسيسها ومقاومة خلافها، فهذه لا تتبدَّل بتبدُّل الأزمان بل هي الأصول التي جاءت بها الشريعة لإصلاح الأزمان والأجيال، ولكن وسائل تحقيقها وأساليب تطبيقها قد تتبدل باختلاف الأزمنة المتغيرة([15]).

     فهذه الأحكام والثوابت لا تقبل التغيير؛ لأنَّها ذات صفة دائمة، أو ذات حاكمية مطلقة على الأحداث والوقائع، لكون المصلحة فيها ثابتة وغير قابلة للتبدل، وليس للأعراف المتغيرة تأثير عليها.

النوع الثاني: الأحكام الاجتهادية (المتغيرات):

     وهي الأحكام الاجتهاديَّة المبنيَّة على قاعدة أو مصدر القياس أو رعاية المصلحة، وهذه الأحكام هي التي تقبل التغيير والتخفيف ويمكن تغيّرها، وللإمام ابن القيم في هذا السياق كلام يؤكد هذه القسمة؛ فقال: “الأحكام نوعان: نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة ولا اجتهاد الأئمة: كوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم، ونحو ذلك؛ فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه. والنوع الثاني: ما يتغيَّر بحسب اقتضاء المصلحة له زمانًا ومكانًا وحالًا كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها؛ فإن الشّارع ينوِّع فيها بحسب المصلحة”([16]).

المبحث الثاني: الأسباب الموجبة لتغيّر الأحكام الاجتهادية وضوابطه:

     وفيه مطلبان:

المطلب الأول: الأسباب الموجبة لتغيّر الأحكام الاجتهادية:

     ومما تقدم يتضح أنَّ التغيُّر يدخل الأحكام الاجتهادية، دون الأحكام الثابتة، وقد ذكر الأصوليّون والفقهاء عوامل توجب التغيّر؛ إذ هو من خصائص الشريعة-كما تقدم-، وأهمها:

أوَّلًا: اعتبار مقاصد الشريعة:

     للشريعة المطهرة غايات عُليا تأتي بعد مرتبة النصوص، وهي أنواع خمسة ثبتت بالاستقراء للنصوص والأحكام والأدلَّة والتصرُّفات الشرعيَّة؛ بحيث صارت معلومة من الدين بالضرورة؛ إذ الشريعة موضوعة لحفظ أديان الناس في عقائدهم وشرائعهم، وإقامة أبدانهم وصيانتها والإبقاء على مهجهم، وحفظ عقولهم، ونماء أموالهم، وصون أعراضهم ونسلهم، وهذه المقاصد على ثلاث مراتب: ضروريّات، وحاجيّات، وتحسينيّات، وقد جاءت الشريعة الغرّاء بحفظ كلِّ هذه المقاصد في مراتبها الثلاث([17]).

     واعتبار المقاصد له أهميته في تغيُّر الأحكام، كما تجدر الإشارة إلى أهميَّة التَّوازن بين النَّظر إلى الألفاظ ورعاية المقاصد؛ كما في قاعدة: “الأمور بمقاصدها”، فقد تألَّف النبي-صلى الله عليه وسلم-قومًا على الإسلام يوم كان المسلمون بحاجة إلى دعم الوجهاء والكبراء في القبائل والعشائر؛ فأعطى من الإبل تأليفًا لقلوبهم على الإسلام ([18]).

     وذلك يدلُّ بجلاء على أنَّ الفتاوي والأحكام الاجتهادية قد يطرأ عليها ما يفضي إلى تغييرها بالنظر إلى مقاصد الشريعة وخصائصها وقواعدها([19]).

ثانيًا: ‌تغيّر الأحكام الاجتهادية بتغيّر الزمان والمكان:

     المقصود على وجه الدقَّة أنَّ ‌الاختلاف يكون في ‌الصُّورة ‌الحادثة في الزمان وفي المكان؛ ذلك أنَّ الزمن ليس بذاته مؤثِّرًا في تغيُّر الأحكام؛ لأنَّه محلٌّ تتحقق فيه تلك التغيُّرات؛ لذلك قال تقيُّ الدين السُّبكيّ: “لا نقول: إنَّ الأحكام تتغير بتغيُّر الزمان ‌بل ‌باختلاف ‌الصورة ‌الحادثة”([20])، وهو ما عناه العز ابن عبد السلام بقوله: “يحدث للناس في كلِّ زمانٍ من الأحكام ما يناسبهم”([21]).

     وقد قرّر ذلك ابن القيِّم، في “إعلام الموقِّعين”؛ حيث عقد له فصلًا ممتعًا واسعًا في تغيُّر الفتوى واختلافها بحسب تغيُّر الأزمنة والأمكنة، واختلاف الأحوال والنيّات والعادات والعوائد، وهو من نفائس هذا الكتاب، وفرائد مباحثه، ونبَّه على ذلك بقوله في أوَّله: “هذا فصل عظيم النفع جدًّا، وقع بسبب الجهلِ به غَلَطٌ عظيم على الشريعة أوْجَبَ من الحرج والمشقة وتكليفِ ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي هي في أعلى رُتَب المصالح لا تأتي به…”([22]).

     ثم أخذ في تفصيل ما أجمله فيه بالتمثيل، ثم ذكر وجه تغيُّر الفتوى بتغيُّر الأزمنة والأحوال، عند الكلام عن: “فتوى الصحابيِّ على خلاف ما رواه”: “وإذا عرف هذا فهذه المسألة مما تغيَّرت الفَتْوى بها بحسب الأزمنة كما عرفت؛ لما رأته الصحابة من المصلحة؛ لأنَّهم رأوا مَفْسَدة تتابع الناس في إيقاع الثلاث([23]) لا تندفع إلا بإمضائها عليهم، فرأوا مصلحة الإمضاء أقوى من مفسدة الوقوع، ولم يكن باب التحليل الذي لَعَنَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-فاعله مفتوحًا بوجه ما، بل كانوا أشد خلق اللَّه في المنع منه، وتوعد عمر فاعله بالرجم، وكانوا عالمين بالطلاق المأذون فيه وغيره”([24]).

     ثم ذكر ابن القيِّم لمحة تاريخية عمّا يجري في عصره بسبب عدم القول بهذه الفتوى، وبيَّن المقصود بذلك، فقال: “وإنَّما المقصود أنَّ هذا شأن التحليل عند اللَّه ورسوله وأصحاب رسوله، فألزمهم عمر بالطلاق الثلاث إذا جَمَعُوها ليكُفُّوا عنه إذا علموا أنَّ المرأة تحرم به، وأنَّه لا سبيل إلى عَوْدِها بالتحليل، فلمّا تغيَّر الزمانُ، وبَعُدَ العهدُ بالسُّنَّة وآثار القوم، وقامت سوق التحليل ونفقت في الناس؛ فالواجب أن يُرَدَّ الأمر إلى ما كان عليه في زمن النبي-صلى اللَّه عليه وسلم-، وخليفته من الإفتاء بما يعطِّل سوق التحليل أو يقللها”([25]).

     وقال ابن عابدين: “… ولهذا ترى مشايخ المذهب خالفوا ما نصَّ عليه المجتهد في مواضع كثيرة بناها على ما كان في زمنه؛ لعلمهم بأنَّه لو كان في زمنهم لقال بما قالوا به أخذًا من قواعد مذهبه، فمن ذلك إفتاؤهم بجواز الاستئجار على تعليم القرآن، ونحوه؛ لانقطاع عطايا المعلمين التي كانت في الصدر الأول، ولو اشتغل المعلمون بالتعليم بلا أجرة يلزم ضياعهم وضياع عيالهم، ولو اشتغلوا بالاكتساب من حرفة وصناعة يلزم ضياع القرآن والدين، فأفتوا بأخذ الأجرة على التعليم، وكذا على الإمامة والأذان، كذلك مع أن ذلك مخالف لما اتفق عليه أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد من عدم جواز الاستئجار وأخذ الأجرة عليه كبقية الطاعات من الصوم والصلاة والحج وقراءة القرآن ونحو ذلك”([26]).

ثالثًا: تغيُّر الأحكام الاجتهادية بتغيّر العرف والعادة:

     من المقرَّر في فقه الشريعة أن لتغيُّر الأوضاع والأحوال الزمنية تأثيرًا كبيرًا في كثير من الأحكام الشرعيَّة الاجتهاديَّة؛ لأجل ذلك قال القرافي: “إن اختلفت العوائد في الأمصار والأعصار أوجب اختلاف هذه الأحكام، فإنَّ ‌القاعدة ‌المجمع ‌عليها: ‌أنَّ كل حكم مبنيٍّ على عادة إذا تغيرت العادة تغيَّر، كالنقود ومنافع الأعيان وغيرهما”([27]).

     وقد سُئل القرافي عن الأحكام المدونة في الكتب المرتبة على العوائد والأعراف التي كانت موجودة زمن جزم العلماء بهذه الأحكام، هل إذا تغيَّرت العوائد وصارت لا تدلُّ على ما كانت تدلُّ عليه أوَّلًا، هل يُفتي بما تدل عليه العوائد والأعراف الجديدة، أو يفتي بما هو مدون في الكتب؟

     فأجاب بقوله: “إنَّ إجراء الأحكام التي مدركها العوائد مع تغيُّر تلك العوائد، خلاف الإجماع وجهالة في الدين، بل كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد يتغير الحكم فيه عند تغيُّر العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة”، ثم شرع يفصِّل فقال: “ألا ترى أنَّهم لمّا جعلوا أنَّ المعاملات إذا أطلق فيها الثمن يحمل على غالب النقود، فإذا كانت العادة نقدًا معينًا حملنا الإطلاق عليه، فإذا انتقلت العادة إلى غيره عيَّنا ما انتقلت العادة إليه، وألغينا الأول لانتقال العادة عنه”، إلى أن يقول: “بل ولا يشترط تغيير العادة، بل لو خرجنا نحن من تلك البلد إلى بلد آخر عوائدهم على خلاف عادة البلد الذي كنا فيه، وكذلك إذا قدم علينا أحد من بلد عادته مضادة للبلد الذي نحن فيه؛ لم نفته إلا بعادته دون عادة بلدنا…”([28]).

     ومن بعد القرافي ذكر ابن القيم مثالًا على تغيُّر الفتوى بتغيُّر العرف والعادة، في مسألة: (موجبات الأيمان والأقارير والنذور)، فقال: “ممّا تتغيَّر به الفتوى لتغيُّر العرف والعادة: موجبات الأيمان والإقرار والنذور وغيرها؛ فمن ذلك أن الحالف إذا حلف “لا ركبت دابَّة” وكان في بلد عرفهم في لفظ الدابَّة الحمار خاصَّة اختصَّت يمينه به، ولا يحنث بركوب الفرس ولا الجمل، وإن كان عرفهم في لفظ الدابَّة الفرس خاصَّة حملت يمينه عليها دون الحمار، وكذلك إن كان الحال ممن عادته ركوب نوع خاصٍّ من الدوابِّ كالأمراء ومن جرى مجراهم حملت يمينه على ما اعتاده من ركوب الدوابّ؛ فيفتى في كل بلد بحسب عرف أهله”([29]).

     وقال الخرشي: “الأمور ‌العرفية ‌تتغيَّر ‌بتغيُّر العرف”([30])، وقال ابن عابدين: “وكثير منها؛ أي؛ المسائل الاجتهادية ما يبنيه المجتهد على ما كان في عرف زمانه بحيث لو كان في زمان العرف الحادث لقال بخلاف ما قاله أوَّلًا؛ ولهذا قالوا في شروط الاجتهاد أنَّه لا بدَّ من معرفة عادات الناس، فكثير من الأحكام تختلف باختلاف الزَّمان؛ لتغيُّر عرف أهله … ولهذا ترى مشايخ المذهب خالفوا ما نصَّ عليه المجتهد في مواضع كثيرة بناها على ما كان في زمنه؛ لعلمهم بأنَّه لو كان في زمنهم لقال بما قالوا به أخذًا من قواعد مذهبه … ومن ذلك: قول الإمامين بعدم الاكتفاء بظاهر العدالة في الشهادة؛ لأنَّه كان في الزَّمن الذي شهد له رسول الله-صلى الله عليه وسلم-بالخيريَّة، وهما أدركا الزمن الذي فشى فيه الكذب، وقد نصَّ العلماء على أنَّ هذا الاختلاف اختلاف عصر وأوان لا اختلاف حجة وبرهان”([31]).

رابعًا: تغيّر الأحكام بتغيّر أساليب الحياة ووسائلها (التطور الحديث):

     لا شكَّ أنَّ ثمَّة ارتباطًا وثيقًا بين الظروف الاجتماعية والثقافية والعادات والعلوم والمعارف التقنية من جهة، وبين ما يقبل التغير من الأحكام الفقهية الاجتهادية، والفتيا في النوازل من جهة أخرى، ولا يخفى أن أحكامًا اجتهادية متعددة قد بُنيت على معارف العصور المتقدمة، وهي قابلة للتغيُّر بناء على تغيُّر تلك المعارف وتطوُّر تلك العلوم، وكما أنَّ هذه المعارف قد تُغيِّر بعض الأحكام التي بنيت عليها؛ فإنَّها قد تضيِّق هُوَّة الخلاف الفقهي الذي نشأ عند الأقدمين([32]). ومن ذلك:

     تدوين السنَّة النبويَّة: فقد دُوِّنَت السنَّة النبويَّة، في مطلع القرن الثاني الهجريّ، بأمر الخليفة عمر ابن عبد العزيز رضي الله عنه، خوفًا من ضياعها بموت رواتها وحفظتها؛ لأن أسلوب الكتاب أثبت وأدوم من حفظ الذاكرة علمًا بأن النبي-صلى الله عليه وسلم-في بدء أمره ودعوته نهى عن كتابة أحاديثه، حتى لا تختلط بالقرآن، وقال لأصحابه: “لا تكتبوا عني شيئًا، ومن كتب غير القرآن فليمحه”([33]).

     ظاهرة السجلات العقارية أو العينيَّة: كان من المقرَّر فقهًا ضرورة وصف المبيع بحدوده الأربعة، ووجود التسليم، أي التخلية، فلما ظهر نظام السجل العقاريّ، أصبح بيان الحدود الأربعة عبثًا، واستقر الاجتهاد القضائيُّ على حصول التسليم بمجرد تسجيل العقد في السجل العقاريّ، وبالتسجيل تنتقل تبعة ضمان هلاك المبيع، من عهدة البائع إلى عهدة المشتري، أخذًا بتطور أساليب التنظيم والضبط المحققة للمراد، بدلًا من التسليم الفعلي للعقار الذي كان لابد منه، بل إن الدولة لا تعترف بانتقال ملكية العقارات إلا بهذا التسجيل، وليس بمجرد التعاقد([34]).

المطلب الثاني: ضوابط تغيّر الأحكام بتغيُّر الوسائل:

     مما تقدم يمكن أن نستخلص بعض الضوابط والشروط في الأحكام التي تقبل التغيُّر بتغيُّر الوسائل:

1- أن الثوابت أو الأحكام الأساسيَّة المنصوص عليها صراحة في النصوص الشرعيَّة من القرآن والسنة النبوية، لا يدخلها التغيُّر.

2- أن أحكام العبادات والاعتقادات لا مجال للتغيُّر فيها، فبعد أن توفِّي النبي -صلى الله عليه وسلم-اكتملت الشريعة، فلا زيادة ولا نقصان([35])، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ ‌أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3].

     قال الطوفي: “وإنَّما ‌اعتبرنا ‌المصلحة ‌في ‌المعاملات ونحوها دون العبادات وشبهها لأنَّ العبادات حقُّ الشرعِ خَاصٌّ به، ولا يمكن معرفة حقه كمًّا وكيفًا وزمانًا ومكانًا إلا من جهته، فيأتي به العبد على ما رَسَمَ له سَيِّدُهُ، ولأنَّ غلام أحدنا لا يعدُّ مطيعًا خادمًا له إلا إذا امتثل ما رَسَمَ له سَيِّدُهُ، أو فعل ما يعلم أنه يرضيه فكذلك ها هنا؛ ولهذا لما تعبدت الفلاسفة بعقولهم ورفضوا الشرائع أسخطوا الله عزَّ وجلَّ وضلوا وأضلوا، وهذا بخلاف حقوق المكلَّفين فإنَّ أحكامها سياسية شرعية وضعت لمصالحهم فكانت هي المعتبرة، وعلى تحصيلها المُعَوَّلُ”([36]).

     ونفهم من ذلك أن العبادات لا تتغيَّر، وإن وجد تغيُّر فنسبة قليلة أو استثنائية، على طول التاريخ الفقهي، وذلك كصلاة التراويح، لمّا أقامها عمر-رضي الله عنه-وجمع الناس مع أبي بن كعب يصلون التراويح؛ لأنهم كانوا يقومون متفرقين([37])

     ومن ذلك الأذان من يوم الجمعة الذي استحدثه عثمان-رضي الله عنه-، ولم يكن النداء للجمعة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-إلا نداء واحدًا؛ فلما كثر المسلمون رأى عثمان -رضي الله عنه-أنَّهم يحتاجون إلى تذكير أكثر بصلاة الجمعة فجعل هناك أذانًا سابقًا، فهذا الحالات وغيرها محدودة، وليست من أصل الدين ولا الفرائض؛ لذلك تقبل من التغيُّرات البسيطة لمعنى المصلحة([38]).

3- وأن الأحكام القابلة للتغيُّر، هي الأحكام الاجتهادية المبنية على قاعدة أو مصدر القياس أو رعاية المصلحة، وهذا التغيُّر قد يكون بسبب تغيُّر الزمان والمكان، والعرف والعادة، أو تغيُّر مصالح الناس، أو مراعاة الضرورة، أو لفساد الأخلاق، وضعف الوازع الديني، أو لتطوُّر الزمن وتنظيماته المستحدثة، فيجب تغيُّر الحكم الشرعيِّ لتحقيق المصلحة ودفع المفسدة، وإحقاق الحق والخير.

المبحث الثالث: تطبيقات معاصرة على تطوُّر الوسائل وأثره في الحكم الشرعيّ:

     تتغيَّر الوسائل والتكنولوجيا كلّ يوم مما يغيّر علاقات الإنسان بالكون والمجتمع؛ لأن التطوُّر التكنولوجي يسرّع من وتيرة الحياة، فيضيف مشاكل جديدة أو يوسع من إطار المشاكل القديمة، أو يحلُّ مشاكل قديمة أو يسرعِّ في الحلِّ للمشاكل القديمة، أو يغيُّر المفاهيم، وكان لهذا التطوُّر تأثيرٌ على تغيُّر بعض الأحكام الاجتهادية المعاصرة على حسب الظروف الجديدة؛ دليلًا على مرونة الشريعة، مع ثبات في الأصول، ومن ذلك([39]):

أوًّلًا: تطوُّر الوسائل في العبادات وأثره في تغيّر الحكم الشرعي.

المسألة الأولى: تحديد القبلة في الصلاة بالوسائل الحديثة:

     من أبرز المسائل التي تتعلق بموضوع تغيّر الأحكام بسبب تطوُّر الوسائل، تحديد القبلة في الصلاة، فقد أجمع الفقهاء على أن استقبال القبلة في الصلاة شرط من شروطها، فقال تعالى: ﴿‌قَدْ ‌نَرَى ‌تَقَلُّبَ ‌وَجْهِكَ ‌فِي ‌السَّمَاءِ ‌فَلَنُوَلِّيَنَّكَ ‌قِبْلَةً ‌تَرْضَاهَا ‌فَوَلِّ ‌وَجْهَكَ ‌شَطْرَ ‌الْمَسْجِدِ ‌الْحَرَامِ ‌وَحَيْثُ ‌مَا ‌كُنْتُمْ ‌فَوَلُّوا ‌وُجُوهَكُمْ ‌شَطْرَهُ ‌وَإِنَّ ‌الَّذِينَ ‌أُوتُوا ‌الْكِتَابَ ‌لَيَعْلَمُونَ ‌أَنَّهُ ‌الْحَقُّ ‌مِنْ ‌رَبِّهِمْ ‌وَمَا ‌اللَّهُ ‌بِغَافِلٍ ‌عَمَّا ‌يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: 144].

     فقد أمر اللَّه تعالى بالصلاة إلى المسجد الحرام وهي الكعبة، قال القرطبي: “قوله تعالى: {فَوَلِّ} أمر، {وَجْهَكَ شَطْرَ} أي ناحية، {الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} يعني الكعبة، ولا خلاف في هذا”([40])، ثم قال: “لا خلاف بين العلماء أن الكعبة قبلة في كل أفق، وأجمعوا على أن من شاهدها وعاينها فرض عليه استقبالها، وأنه إن ترك استقبالها وهو معاين لها وعالم بجهتها فلا صلاة له، وعليه إعادة كل ما صلى ذكره أبو عمر، وأجمعوا على أنَّ كلَّ من غاب عنها أن يستقبل ناحيتها وشطرها وتلقاءها، فإن خفيت عليه فعليه أن يستدلَّ على ذلك بكل ما يمكنه من النجوم والرياح والجبال وغير ذلك مما يمكن أن يستدلَّ به على ناحيتها”([41]).

     والشاهد قوله: “وأجمعوا على أنَّ كلَّ من غاب عنها أن يستقبل ناحيتها وشطرها وتلقاءها”، فإذا كان الإجماع منعقد على أنَّ من غاب عنها فله أن يستقبل الناحية والجهة، أمّا من عاينها فرض عليه استقبالها، فإذا كان بإمكان من غاب عنها أن يتحقق بالوسائل الحديثة عين الكعبة، فهل له حكم من عاينها بدون الوسيلة فيكون فرضًا عليه استقبالها، خاصَّة وقد ذكروا فيمن غابت عنه أن يستدلَّ على ذلك بكل ما يمكنه من النجوم والرياح والجبال، فهل تكون الوسائل الحديثة كنحو البوصلة، ووجد الآن ما يسمى بالبوصلة الإلكترونية، ونظام (جي بي أس)، وقد صمم هذا الأخير ليعطي تغطية حول العالم لمدة 24 ساعة بمعلومات دقيقة عن الارتفاع، وخطوط الطول والعرض والسرعة والزمن والاتجاه وكل ذلك حيًا ومباشرًا.

     والسؤال هنا، هل هذه الوسائل الحديثة تجعل الغائب عن الكعبة كالمشاهد لها في اشتراط استقبال عين القبلة؟

     فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة ما يؤيد تعيُّن ذلك، ونصُّها: “إذا ثبت لدى أهل الخبرة الثقات من المسلمين أن جهازًا أو آلة تضبط القبلة وتبيِّنها عينًا، أو جهة لم يمنع الشرع من الاستعانة بها في ذلك وفي غيره، بل قد يجب العمل بها في معرفة القبلة إذا لم يجد من يريد الصلاة دليلًا سواها”([42]).

     وقد ذكر الدكتور هشام آل الشيخ أنَّ “التقنيات الحديثة (الجي بي أس) التي ملأت الأسواق في هذا الزمن، تعتمد اعتمادًا كبيرًا على المستخدم لها، من حيث إدخال البيانات الصحيحة حتى تكون النتيجة المطلوبة صحيحة، فإذا ما تم إدخال إحداثيات مغلوطة عن القبلة، فإن الجهاز بلا شك سوف يعطي نتيجة مغلوطة عن اتجاه القبلة، وبالتالي لا يمكن الاستفادة منه إلا في حال كون المدخلات صحيحة.

     وهذه الأجهزة (الجي بي أس) من صنع البشر، فهي خاضعة للنقص والخلل، ذلك أنَّها مفتقرة للشحن بالكهرباء، ولا بدَّ من معرفة طريقة استخدامها، وعلى افتراض أنَّ جميع المدخلات كانت صحيحة، والمتعامل بهذا الجهاز يعرف طريقة استخدامه، فإنَّ النتيجة تكون صحيحة ولا شكَّ فيها”.

ثم رجح الرجوع إلى هذا الجهاز مطلقًا، ولكن وفقًا للشروط الآتية:

١- أن يكون المتعامل بمثل هذه الأجهزة ماهرًا فيها، متلافيًا أوجه الخطأ.

٢- أن لا تخالف نتيجة هذه الأجهزة ما هو ثابت من معرفة الاتجاهات والنجوم، كأن يتعرف شخص على القبلة من خلال النجوم، وتكون نتيجة الجهاز مخالفة لما توصَّل إليه، فإن كان كذلك، ينظر في المجتهد في النجوم: هل هو من أهل هذا الفن، أم هو متخرِّص؟ إذ النجوم تختلف، فما يظنُّه بعض الناس أنَّه القطب الشماليُّ، ربما يكون نجمًا آخر.

3- أن يضيف إلى النتيجة التي توصَّل إليها الجهاز قدرًا معيَّنًا من الاجتهاد والنظر في أدلَّة القبلة، كمعرفة الاتجاهات مثلًا.

٤- أن لا يؤخذ بنتيجتها حال كون المستخدم لها داخل المدن والقرى الموجود فيها مساجد لها محاريب تدل على القبلة.

     وبهذا القدر من الشروط يمكن الأخذ بما توصَّل إليه جهاز (الجي بي أس) من تحديد القبلة، مع مراعاة أن يقوم المستخدم لهذا الجهاز بإعادة استخدامه مرة أخرى إذا أراد الصلاة للفرض الثاني؛ إذ في عملية إدخال الإحداثيات (خطوط الطول والعرض) لمكة المكرمة، أو للكعبة المشرفة، قدر يسير من الاجتهاد وإعمال الذهن، وهذا هو المطلوب في الاتجاه للقبلة([43]).

     ومثل هذه المسألة، رؤية الهلال بالوسائل الحديثة.

المسألة الثانية: إحرام القادم إلى الحج أو العمرة في الطائرة ممّن لا يشملهم تحديد المواقيت الأرضية:

     من المعلوم أنَّ النبي-صلى الله عليه وسلم-قد حدَد مواقيت الإحرام المكانية لكل جهات حول مكة للقادمين إليها، كما في الحديث عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: “إن النبي صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشأم ‌الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن ‌يلملم، هن لهن، ولمن أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك، فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة”([44]).

     فكانت هذه المواقيت الأرضية لمن يأتي مكَّة من البر، ولكن عند تطوُّر وسائل المواصلات الحديثة أصبح معظم القاصدين للحج يأتونه جوًّا على الطائرة، فاختلف الفقهاء المعاصرون في الوقت المكاني الذي يهلّ عنده الحاج أو المعتمر، فمنهم من قال: يُحْرِم في الطائرة في الجوِّ متى مرَّت الطائرة بأحد المواقيت أو حاذته، وعلى هذا القول لم يتغير حكم المواقيت.

     إلا أنَّ الدكتور: مصطفى الزرقا قرّر-في بحثٍ لهذه المسألة-أنَّ القدوم جوًّا ليس مشمولًا بتحديد المواقيت المكانيّة، وأنَّه خاضع للاجتهاد في تحديد ميقات مكاني للقادمين منه بالوسائط الجديدة المبتكرة في عصرنا هذا، كسائر قضايا الساعة التي ليس عليها نص، فيجب أن يكون لها الحكم المناسب في ضوء أصول الشريعة ومقاصدها، وفي طليعتها دفع الحرج([45]).

ثانيًا: تطوُّر الوسائل في باب البيوع وأثره في تغيّر الحكم الشرعي.

المسألة الأولى: إجراء العقود بوسائل الاتصال الحديثة:

     بعد ظهور ثورة في عالم الاتصالات، وسهولة التواصل بالصوت والصورة مهما تباعدت المسافات ظهرت طرق أخرى لإبرام العقود عبر هذه الوسائل المعاصرة، وقد اهتمّ الفقهاء المعاصرون بتلك المستجدات والنوازل الحديثة، ومن ذلك مؤتمر عقده مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17-23 شعبان 1410هـ الموافق 14-20 آذار (مارس) 1990م، حيث قدمت فيه بحوث عديدة في موضوع العقود بالوسائل الحديثة، وحاصل ما جاء فيها([46]):

     أنَّ التعاقد إمّا أن يتمَّ بين متعاقدَين حاضرَين، ويشترط حينئذٍ اتحاد مجلس العقد، فلا يصحُّ الإيجاب في مجلس والقبول في آخر، ولا بد من تحقق أركان العقد والشرائط الأخرى وذلك في غير الوصيَّة وعقود أخرى كعقد الوكالة وهذا ليس هو المقصود به هنا.

     وإمّا أن يتمَّ التعاقد بين متعاقدين غائبين لا يجمعهم مكان واحد، ولا يرى أحدهم الآخر، ولا يسمع كلامه وطريق الاتصال بينهما: إما الكتابة وإما الرسول، ويلحق بالكتابة الوسائل المستجدة كالتلغراف والتلكس والفاكس وما يستجد من ذلك.

     وإمّا أن يتمَّ التعاقد بين متعاقدين حاضرين غائبين في آن واحد بمعنى أن يكون في مكانين متباعدين أو في بلدين، ولكن يسمع كل منهما كلام الآخر، وربما يشاهده كالاتصالات التي تتم بواسطة الهاتف واللاسلكي والمذياع أو التلفاز، وما يستجد من وسائل.

     وذكر في المؤتمر أنَّ لجنة تعليل مجلة الأحكام العدلية نصت على صحة التعاقد بالتلغراف والهاتف في سنة 1921م، وأفتى الشيخ أحمد إبراهيم سنة 1935م بنحو ذلك، وقال: وأمّا العقد بالتليفون فالذي يظهر أنه كالعقد مشافهة مهما طالت الشُّقة بينهما، ويعتبر العاقدان كأنَّهما في مجلس واحد إذ المعنى المفهوم من اتحاد المجلس أن يسمع أحدهما كلام الآخر ويتبيَّنه وهذا حاصل في الكلام بالتليفون.

     وبعد مناقشة البحوث التسعة والتعليق عليها من قبل الأعضاء والخبراء والحضور خرج قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17-23 شعبان 1410هـ الموافق 14-20 آذار (مارس) 1990م.

     وبعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة، ونظرًا إلى التطوُّر الكبير الذي حصل في وسائل الاتصال وجريان العمل بها في إبرام العقود لسرعة إنجاز المعاملات المالية والتصرفات، وباستحضار ما تعرَّض له الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب وبالكاتبة وبالإشارة وبالرسول، وما تقرر من أن التعاقد بين الحاضرين يشترط له اتحاد المجلس (عدا الوصية والإيصاء والوكالة) وتطابق الإيجاب والقبول، وعدم صدور ما يدل على إعراض أحد العاقدين عن التعاقد، والموالاة بين الإيجاب والقبول بحسب العرف، قرر:

1 – إذا تم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مكان واحد، ولا يرى أحدهما الآخر معاينة، ولا يسمع كلامه، وكانت وسيلة الاتصال بينهما الكتابة أو الرسالة أو السفارة (الرسول)، وينطبق ذلك على البرق والتلكس والفاكس وشاشات الحاسب الآلي (الكمبيوتر) ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلى الموجه إليه وقبوله.

2 – إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانين متباعدين، وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي، فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقدًا بين حاضرين وتطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء المشار إليها في الديباجة.

3 – إذا أصدر العارض بهذه الوسائل إيجابًا محدد المدة يكون ملزمًا بالبقاء على إيجابه خلال تلك المدة، وليس له الرجوع عنه.

4 – أن القواعد السابقة لا تشمل النكاح لاشتراط الإشهاد فيه، ولا الصرف لاشتراط التقابض، ولا السلم لاشتراط تعجيل رأس المال.

المسألة الثانية: القبض في البيوع بوسائل الاتصال الحديثة:

     ناقش مجمع الفقه الإسلامي-أيضًا-موضوع القبض في نفس الدورة التي ناقش فيها موضوع إجراء العقود بوسائل الاتصالات الحديثة وخرج بالقرار الآتي([47]):

     إنَّ مجلس مجمع الفقه الإِسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14 – 20 آذار (مارس)1990م.

     بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: “القبض: صوره وبخاصة المستجدة منها وأحكامها، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله، قرر:

أوَّلًا: قبض الأموال كما يكون حسيًّا في حالة الأخذ باليد، أو الكيل أو الوزن في الطعام، أو النقل والتحويل إلى حوزة القابض، يتحقق اعتبارًا وحكمًا بالتخلية مع التمكين من التصرف ولو لم يوجد القبض حسًّا، وتختلف كيفية قبض الأشياء بحسب حالها واختلاف الأعراف فيما يكون قبضًا لها.

ثانيًا: إنَّ من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعًا وعرفًا.

1- القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل في الحالات التالية:

     ( أ ) إذا أودع في حساب العميل مبلغ من المال مباشرة أو بحوالة مصرفية.

     (ب ) إذا عقد العميل عقد صرف ناجزًا بينه وبين المصرف في حالة شراء عملة بعملة أخرى لحساب العميل.

     (ج ) إذا اقتطع المصرف – بأمر العميل – مبلغًا من حساب له إلى حساب آخر بعملة أخرى، في المصرف نفسه أو غيره، لصالح العميل أو لمستفيد آخر، وعلى المصارف مراعاة قواعد عقد الصرف في الشريعة الإِسلامية.

     ويغتفر تأخير القيد المصرفي بالصورة التي يتمكن المستفيد بها من التسلم الفعلي، للمدد المتعارف عليها في أسواق التعامل. على أنَّه لا يجوز للمستفيد أن يتصرَّف في العملة خلال المدة المغتفرة إلَّا بعد أن يحصل أثر القيد المصرفيِّ بإمكان التسلم الفعليّ.

2- تسلُّم الشيك إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه وحجزه المصرف.

     وقد تحل هذه المشكلة آجلًا أو عاجلًا؛ نظرًا للتطوُّر السريع، والطفرات المتلاحقة في وسائل الاتصالات، فساعتها يجوز إجراء الصرف والتسلُّم.

ثالثًا: تطوُّر الوسائل في باب الأنكحة وأثره في تغيّر الحكم الشرعيّ.

المسألة الأولى: نفقة التداوي للزوجة المريضة:

     قرّر فقهاء المذاهب الأربعة([48]) أن الزوج لا يجب عليه أجور التداوي للمرأة المريضة من أجرة طبيب وحاجم وفاصد وثمن دواء، وإنما تكون النفقة في مالها إن كان لها مال، وإن لم يكن لها مال وجبت النفقة على من تلزمه نفقتها كالابن والأب ومن يرثها من أقاربها؛ لأنَّ التداوي لحفظ أصل الجسم، فلا يجب على مستحق المنفعة.

     قال الدكتور: وهبة الزحيلي: “ويظهر لي أنَّ المداواة لم تكن في الماضي حاجة أساسية، فلا يحتاج الإنسان غالبًا إلى العلاج؛ لأنَّه يلتزم قواعد الصحة والوقاية، فاجتهاد الفقهاء مبنيٌّ على عرف قائم في عصرهم، أمّا الآن فقد أصبحت الحاجة إلى العلاج كالحاجة إلى الطعام والغذاء، بل أهم؛ لأنَّ المريض يفضل غالبًا ما يتداوى به على كل شيء، وهل يمكنه تناول الطعام وهو يشكو ويتوجع من الآلام والأوجاع التي تبرح به وتجهده وتهدده بالموت؟! لذا فإني أرى وجوب نفقة الدواء على الزوج كغيرها من النفقات الضرورية … وهل من حسن العشرة أن يستمتع الزوج بزوجته حال الصحة، ثم يردها إلى أهلها لمعالجتها حال المرض؟!

     وأخذ القانون المصري (م١٠٠) لسنة ١٩٨٥م برأي في الفقه المالكي أن النفقة الواجبة للزوجة تشمل الغذاء والكسوة والمسكن ومصاريف العلاج وغير ذلك بما يقضي به الشرع وأخذت المحاكم بهذا”([49]).

     نلاحظ في مسألة نفقة التداوي للزوجة، أنَّ المذاهب الأربعة لم تلزم الزوج بنفقة العلاج لزوجته؛ إذ إنَّ عرفَهم وعادتَهم أنَّ هذا التداوي ليس من الأساسيات، وأن مرض الزوجة ليس مما يكثر فيها، إمّا لاتباعهم قواعد الصحة، أو لعدم وجود تغيرات بيئيَّة تضرُّ بالصحَّة، فكان حكمهم عدم إلزام الزوج، ولكن عندما تغيَّرت الظروف، وعادات الناس، واختلف الواقع، أصبحت الحاجة إلى العلاج كالحاجة إلى الطعام والغذاء، بل أهم؛ فالمسألة من المسائل الاجتهادية، لأجل ذلك رأى الدكتور: وهبة الزحيلي وجوب نفقة الدواء على الزوج كغيرها من النفقات الضرورية، وهو ما أخذ به القانون المصري، فتغيَّر الحكم على نقيض ما كان، فأصبحت نفقة العلاج للزوجة واجبة على الزوج كالغذاء والكسوة والمسكن، بعد أن كانت عند جمهور الفقهاء ليست واجبة.

المسألة الثانية: إسقاط الجنين بتحديد عمره بالوسائل الحديثة.

     إن إسقاط الحمل بعد نفخ الروح فيه بعد أربعة أشهر لا يجوز شرعًا، ولا يحلُّ لمسلم أن يفعلَه؛ لأنَّه جناية على حيّ متكامل الخلق، ظاهر الحياة؛ لذلك وجبت في إسقاطه الدية([50]).

     ولقد حرمت شريعة الإسلام الإجهاض–وهو قتل الجنين في بطن أمه–تحريمًا قاطعًا، إلا إذا ثبت ثبوتًا قطعيًّا دون ريب ‌بالوسائل العلمية ومن طريق موثوق به أنَّ بقاءه يؤدي لا محالة إلى موت الأم، فإنَّ الشريعة بقواعدها العامة تأمر بارتكاب أخفِّ الضررين، فإن كان بقاؤه يؤدّي إلى موت الأم، ولا منقذ لها سوى إسقاطه، كان إسقاطه في تلك الحالة متعينًا، ولا يضحى بها في سبيل إنقاذه؛ لأنَّها الأصل، لا سيما وحياة الأم مستقرة ولها وعليها حقوق وهو بعد لم تستقل حياته، بل هو في الجملة كعضو من أعضائها([51]).

     قال فضيلة الإمام الشيخ محمود شلتوت، ما ملخَّصه: اتفق الفقهاء على أنَّ ‌إسقاط ‌الحمل بعد نفخ الروح فيه-أي: ‌بعد ‌أربعة ‌أشهر-حرام وجريمة لا يحلُّ لمسلم أن يفعلَه؛ لأنَّه جناية على حيٍّ متكامل، ولكنهم قالوا: إذا ثبت من طريق موثوق به أن بقاءه بعد تحقيق الحياة يؤدّي لا محالة إلى موت الأم فإنَّ الشريعة بقواعدها العامة تأمر بارتكاب أخف الضررين، وهو ‌إسقاط هذا ‌الحمل، أمّا إسقاطه قبل نفخ الروح فيه – أي قبل إتمام أربعة أشهر كما يقولون – فقد اختلفوا فيه فرأى فريق أنَّه جائز ولا حرمة فيه، ورأى آخرون أنَّه حرام أو مكروه([52]).

     وممّا تقدَّم نلاحظ أنَّ حكم إسقاط الحمل حرام؛ لأنَّه جناية على حيّ متكامل الخلق، ظاهر الحياة؛ لذلك وجبت في إسقاطه الدية؛ ولكن إن ثبت بالوسائل الحديثة ثبوتًا قطعيًّا أن بقاء الحمل سيؤدّي إلى موت الأم مع عدم إمكانية إنقاذهما معًا، فإنَّ الشريعة بقواعدها العامة تأمر بارتكاب أخف الضررين، فيحكم بجواز إسقاط الطفل، حفاظًا على الأم.

المسألة الثالث: المدة القصوى للحمل:

     اختلف الفقهاء في أقصى مدة للحمل([53])، ولكن لمّا نظرنا في أدلة الفقهاء وجدناها تستند على العادة والتجربة، وقد أمكن اليوم تصوير الجنين في الأرحام، وتسجيل لحظاته، ومعرفة تطوراته، وقياس ما يتعلق بحياته، جاز الاعتماد عليها بتحديد مدة الحمل([54]).

     وعليه فكل حكم يتعلق بمعرفة مدة الحمل، لا يحتاج إلى القول بأقصى مدة أو أقل مدة؛ لأنَّ الوسائل الحديثة تحدِّد بدقَّةٍ مدَّة الحمل، سواء كان طبيعيًا أم غير ذلك.  

المسألة الرابعة: الاحتياط لميراث الحمل:

     مسألة ما جرى عليه عمل الفقهاء من الاحتياط لميراث الحمل في ستة تقديرات معروفة ومحتملة للحمل([55])، فمن المعلوم عند الفقهاء أنَّه يشترط ‌لميراث أي إنسان تحقّق حياة الوارث عند موت مورِّثه، وباعتبار أن الحمل وهو لا يزال في بطن أمه مجهول الوصف والحال: فإمّا أن يولد حيًّا أو ميتًا، وإمّا أن يكون ذكرًا أو أنثى، وإمّا أن يكون واحدًا أو متعددًا. فلا يمكننا في هذه الحالة أن يقطع بأمره، ومادام الجنين غامض الوصف والحال، وعليه فإن توزيع التركة بشكل نهائي يصبح أمرًا متعذرًا.

     ولكن قد تصادفنا أمور اضطرارية، لمصلحة بعض الورثة توجب علينا قسمة التركة (قسمة أوّليّة) ثم نترك التقسيم النهائي إلى ما بعد الولادة؛ ولهذه الضرورات نظّم الفقهاء أحكامًا خاصة بالحمل تقسم التركة على ضوئها قسمة أوَّليَّة، ويحتاط فيها لمصلحة الحمل ما أمكن ‌الاحتياط([56]).

      وأمّا في الوقت المعاصر، مع تطوُّر الوسائل، ووجود الأشعة التليفزيونية، وتصوير الأجنَّة بشكل دقيق، وإمكان معرفة ما إذا كان الحمل ذكرًا أو أنثى، واحدًا أو متعددًا، بحيث تتقلص تلك الاحتمالات المفروضة في تقدير ميراث الحمل، فلا يحتاج إلى الاحتياط لميراث الحامل([57]).

رابعًا: تطوُّر الوسائل في الجنايات والمعالجات وأثره في تغيّر الحكم الشرعي.

المسألة الأولى: شقّ بطن المرأة الميتة لإخراج الجنين الحيّ:

     ذكر جماعة من الفقهاء أن شقَّ ‌بطن ‌المرأة ‌الميتة ‌التي ‌في ‌بطنها حمل متحرك يضطرب جائز، وفي هذا إنقاذ لحياة معصوم، وهي مصلحة أعظم من مفسدة انتهاك حرمة الميت([58]).

     وقد أفتى الشيخ السعدي بجواز شق بطن المرأة الميتة لإخراج الحيِّ، مخالفًا بذلك مذهب الحنابلة([59])؛ لأنَّ الجراحة قد تطوَّرت، وصار مثل هذا الفعل أقرب إلى المصلحة منه إلى المفسدة([60]).

المسألة الثانية: إجراء القصاص في العظام:

     منع الفقهاء قديمًا من إجراء القصاص في العظام خوف التلف أو خشية السراية، وعدم تحقق المساواة والمماثلة([61])، إلا أنَّ التقنية الحديثة في العصر الحديث تؤكِّد إمكان المماثلة، قال الدكتور محمد يسري: “وفي العصر الحديث فإن التقنية الحديثة تؤكد إمكان المماثلة في غير العظام المخوفة كعظام الرقبة أو الرأس أو الظهر، وسواء كان القطع من مفصل أو لم يكن من مفصل”([62]).

     وقال الدكتور الطريفي: “والعِلَّةُ التي لأجلِها منَعوا القِصاصَ في بعضِ أجزاءِ الجسمِ قد تَنتفِي في زمن يتقنُ فيه الأطباء الجِرَاحةَ، وقد يكون عندَ الأطباءِ اليومَ مِن الإتقانِ في ‌القِصاصِ ‌في ‌العِظامِ أعظَم مِن إتقانِ الأطباءِ السابقينَ في المَفاصِلِ التي يجمِعُ العلماءُ على القِصَاصِ فيها…”([63]).

     وقد أفتى الإمام ابن عثيمين-رحمه الله-بأن القصاص يمكن أن يحدد موضع القطع تمامًا بأقلَّ من الشعرة، فلما تقدَّم الطب يمكن القصاص الآن، فإذا أمكن القصاص وجب، وفي موضع آخر قال: “والصحيح أنَّه يشترط إمكان الاستيفاء بلا حيف مطلقًا، ولا نقيِّده بما إذا كان من مفصل أو له حد ينتهي إليه، والآن بسبب ‌تقدم ‌الطب يمكن أن نستوفي بلا حيف من أي مكان…”([64])، وقال-أيضًا-في مسألة: هل يجوز قطع الإصبع الزائدة أو لا؟ “الفقهاء يقولون: لا يجوز، ويعلِّلون ذلك بالخطر، ولكن بناء على تقدم الطب الآن فإن الصحيح جواز ذلك …”([65]).

المسألة الثالثة: نقل العضو وزراعة الأعضاء:

     اختلف الفقهاء قديمًا([66]) وحديثًا، في أخذ عضو من إنسان حي أو ميت، فيه مقومات الحياة الخلوية، وزرعه في جسد إنسان آخر، وهو أهم أنواع النقل والزرع، وقد بحثه من المعاصرين الدكتور: وهبة الزحيلى، وقدمه لمؤتمر مجمع البحوث الثالث عشر، 13 ربيع أول 1430هـ- 10 مارس 2009م.

     وخلص إلى جوازه شرعًا، خلافًا لبعض الفقهاء القدامى، بضوابط معينة في حال نقل عضو لا تتوقف عليه الحياة كالقلب([67])، من إنسان إلى آخر للضرورة أو للحاجة العلاجيَّة التي تنزَّل منزلة الضرورة أحيانًا؛ لأنَّ “الضرورات تبيح المحظورات”، و”الحاجة تنزل منزلة الضرورة-عامَّة كانت أو خاصَّة-“؛ ولأنَّ أخلاق الإيثار والتضحية والتعاون على الخير من جملة أخلاق الإسلام ومبادئه العامَّة؛ ولأنَّ مصلحة الحيِّ مقدَّمة على مصلحة الميت.

     وأكد-مشروعية عمليات نقل الأعضاء وزراعتها-جميع الأطباء الجراحين، ووافقت القوانين الوضعية على تلك العمليات بضوابط وشروط تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها القائمة على اليسر والسماحة والتضحية والإيثار والاعتبارات الإنسانية العامَّة والخاصَّة، دون تمييز بين الناس بسبب الدين أو المذهب أو الأصل أو اللون وغير ذلك.

     وقد مال الشيخ السعدي إلى جواز المعالجة بنقل الأعضاء وتركيبها في إنسان آخر مضطر إليها، أخذًا بالمصلحة الراجحة، ثم قال: “ويؤيد هذا أن كثيرًا من الفتاوى تتغير بتغير الأزمان والأحوال والتطورات، وخصوصًا الأمور التي ترجع إلى المنافع والمضار، ومن المعلوم أنَّ ترقي الطب الحديث له أثره الأكبر في هذه الأمور كما هو معلوم مشاهد…”([68]).

المسألة الرابعة: الإثبات بالقرائن المستحدثة في القضاء كالبصمة وغيرها.

     من المعلوم بالضرورة أنَّ المتتبِّع للجريمة في العصور المختلفة يعلم أنَّ المجرمين كانوا في العصور الأولى يرتكبون جرائمهم بوسائل بسيطة يسهل على رجال المباحث والأمن اكتشافها ودون تعب ونصب … ونتيجة للتطوُّر الهائل والثورة العلمية التي وصلت إليها المعرفة تفنن المجرمون في طرق مختلفة لارتكاب جرائمهم، وكذلك رجال الأمن تفننوا في طريقة معرفة الجناة بوسائل حديثة تتناسب مع تطوُّر الجريمة والمجرمين.

     وهذا موضوع متشعب الجوانب، متعدد الأطراف، والذي يهمنا منه هو معرفة مدى تأثر الحكم الفقهي مع وجود القرائن المستحدثة التي نشأت مع تطوُّر الجريمة، ولم تكن معروفة عند سلفنا الصالح من الفقهاء، ولم تعرف إلا في هذا العصر الحديث، ومن أبرز القرائن: البصمات، والكلاب البوليسية، والتصوير الفوتوغرافي، وتسجيل الصوت وغيرها([69]).

     وقد توصَّل الباحث الدكتور: أحمد إسماعيل عمر، في بحثه الموسوم: بـ”البصمة الوراثية وأثرها في إثبات جرائم القصاص”([70])، إلى أنَّ الاعتداد بالبصمة الوراثية كدليل لتحديد هوية مرتكب الجريمة يوجب أن يجري تحليل الحامض النووي في معامل معترف بها، كما يجب إتباع القواعد العلمية في أخذ العينة أو رفعها وحفظها وتحليلها، وأيضًا يجب أن يراعى أن يكون أخذ العينة من المتهم وفقًا للحدود والإجراءات المسموح بها قانونًا.

     واعتبر البصمة الوراثية من أقوى طرق الإثبات التي عرفت حديثًا في الكشف عن الجريمة، وتحديد مرتكبيها، وذلك من خلال ما يُعْثَر عليه في مسرح الجريمة من مخلفات أو بقايا آدمية، مع أنَّ هذه الوسيلة لم تكن من أدلة الإثبات، فتغيُّر الحكم بناءً على تطور وسائل الإثبات.

الخاتمة

     وتشمل أهم النتائج والتوصيات:

أوَّلًا: أهم النتائج:

1- أنَّ المقصود بتطوُّر الوسائل هو التجديد في البحث الفقهي أو فيما يتعلَّق بالفقه، ودراسة الأحداث والوقائع والأوضاع القائمة، ومحاولة امتداد أحكام لها لا تخرج عن قواعد الدين ومبادئه.

2- أنَّ أبرز الأدلَّة على تغيُّر الأحكام الاجتهادية، هي ما تتصف به الشريعة الإسلامية من السمات والخصائص كالمرونة وصلاحيتها لكل زمان ومكان، ومبدأ التيسير، ورفع الحرج، مع ثبات قواعدها الكليَّة.

3- أنَّ الأحكام التي تقبل التغيُّر، هي الأحكام الاجتهاديَّة المبنية على قاعدة أو مصدر القياس أو رعاية المصلحة، وأما الأحكام الأساسيَّة التي جاءت الشريعة لتأسيسها، وتوطيدها بنصوصها الأصلية الآمرة الناهية، فهذه لا تتبدَّل ولا تتغيَّر، بل هي الأصول التي جاءت بها الشريعة لإصلاح الأزمان والأجيال، وهذا من أهم ضوابط تغيّر الوسائل والأحكام.

4- أنَّ العوامل الخارجيَّة التي تؤدي لتغيِّر الأحكام الاجتهاديَّة، هي: تغيّر الزمان والمكان، والعرف والعادة، وتغيِّر الأخلاق، وتغيِّر أساليب الحياة ووسائلها (التطور الحديث).

5- أن أبرز التطبيقات المعاصرة التي تأثر حكمها بتطور الوسائل، هي:

     أ- مسألة الوقت المكاني الذي يهلّ عنده الحاج أو المعتمر، إذا كان على متن طائرة، فقد رأى الدكتور مصطفى الزرقا أنَّه لا يجب عليه الإحرام إلا من بعد أن تهبط الطائرة بهم في البلد الذي سيسلكون بعده الطريق الأرضي.

     ب- مسألة نفقة التداوي للزوجة المريضة، فقد ذهب الأئمة الأربعة إلى عدم إلزام الزوج بها، ولكن عندما تغيَّرت الظروف، وعادات الناس، واختلف الواقع، أصبحت الحاجة إلى العلاج كالحاجة إلى الطعام والغذاء، فرأى الدكتور: وهبة الزحيلي وجوب نفقة الدواء على الزوج كغيرها من النفقات الضرورية، وبه أخذ القانون المصري.

     ج- مسألة شقّ بطن المرأة الميتة لإخراج الجنين الحي، فقد أفتى الشيخ السعدي بجواز شق بطن المرأة الميتة لإخراج الحي، مخالفًا بذلك مذهب الحنابلة؛ لأنَّ الجراحة قد تطوَّرت، وصار مثل هذا الفعل أقرب إلى المصلحة منه إلى المفسدة.

ثانيًا: أهم التوصيات:

1- حثّ الباحثين والمهتمين على دراسة مسائل الأحكام الاجتهادية التي تأثر الحكم فيها بتطور وسائل التكنولوجيا المعاصرة، دراسة مقارنة، وبيان مدى الحاجة إليها.

2- إقامة الندوات والمؤتمرات لبحث المسائل المستجدة، وإجراء مزيدٍ من البحوث والدراسات ومناقشتها مع المتخصصين في التكنولوجيا والوسائل الحديثة؛ لتكتمل الصورة لدى الفقهاء والحكم عليها بناءً على ذلك التصور ومواكبة التطور.

المستخلص:

          عنوان البحث: “تطوُّر الوسائل وأثره في الحكم الشرعيِّ”، يهدف إلى بيان الأحكام التي تقبل التغيير بسبب تغيُّر الوسائل وتأصيل ذلك في ضوء القواعد الأصولية، ويبين مدى تأثر تلك الأحكام بتطور الوسائل الحديثة، مع ذكر بعض المسائل المعاصرة التي تأثر حكمها بتطوُّر المسائل.

     وقد خلص الباحث إلى نتائج أهمها: أنَّ خصائص الشريعة الإسلامية كالمرونة وصلاحيتها لكل زمان ومكان، ومبادئها كالتيسير ورفع الحرج، يُعدّ من أبرز أدلَّة تغيّر الأحكام.

     وأنَّ الأحكام التي تقبل التغيير هي الأحكام الاجتهادية المبنية على قاعدة فقهية أو القياس أو رعاية المصلحة، ونحو ذلك من الأدلَّة الاجتهاديَّة، وأمَّا الأحكام الأساسيَّة وأصول الدين وثوابته، وأصول الحلال والحرام، فلا تقبل التغيير ولا تتغير بتغيُّر الزمان والمكان.

     وأنَّ العوامل الموجبة لتغيّر الأحكام الاجتهادية، هي: تغيّر المصلحة، وتغيُّر الزمان والمكان، والعرف والعادة، وتغيّر الأخلاق، وتغيّر أساليب ووسائل الحياة.

     ومن أبرز الأمثلة التطبيقية المعاصرة: مسألة نفقة التداوي للزوجة المريضة، فقد ذهب أصحاب المذاهب الأربعة إلى عدم إلزام الزوج بها، ولكن عندما تغيَّرت الظروف، وعادات الناس، واختلف الواقع، أصبحت الحاجة إلى العلاج كالحاجة إلى الطعام والغذاء، فرأى بعض الفقهاء المعاصرين وجوب نفقة الدواء على الزوج كغيرها من النفقات الضرورية، وأخذت به قوانين بعض الدول.

     وأوصى الباحث بدراسة مسائل الأحكام الاجتهادية التي تأثر حكمها بتطور وسائل التكنولوجيا المعاصرة، ودراستها دراسة مقارنة، ومناقشتها، وبيان مدى الحاجة إليها.

فهرس المصادر والمراجع

مالمصدر أو المرجع
 الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام للقرافي، اعتنى به: عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، الطبعة: الثانية، ١٩٩٥م.
 الاستذكار لابن عبد البر، تحقيق: سالم محمد عطا، ومحمد علي معوض، دار الكتب العلمية-بيروت، الطبعة: الأولى، 1421-2000م.
 الأشباه والنظائر للسبكي، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1411هـ- 1991م.
 الإشراف على مذاهب العلماء لابن المنذر، المحقق: صغير أحمد الأنصاري أبو حماد، مكتبة مكة الثقافية، رأس الخيمة-الإمارات العربية المتحدة، الطبعة: الأولى، 1425هـ-2004 م.
 إعانة الطالب في بداية علم الفرائض، لأحمد بن يوسف بن محمد الأهدل، دار طوق النجاة، الطبعة: الرابعة، 1427 هـ – 2007 م.
 إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم الجوزية، علق عليه: أبو عبيدة مشهور بن حسن، دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1423 هـ.
 إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان لابن القيم، المحقق: محمد حامد الفقي، مكتبة المعارف، الرياض، السعودية.
 ‌الطرق الحكمية في القرائن كوسيلة إثبات شرعية، إعداد: حسن سفر، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد: (12).
 بحر المذهب للروياني، المحقق: طارق فتحي السيد، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 2009م.
 البناية شرح الهداية للعيني، دار الكتب العلمية – بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 1420 هـ – 2000م.
 تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي، للزيلعي، المطبعة الكبرى الأميرية – بولاق، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1313 هـ.
 التجريد للقدوري، المحقق: محمد أحمد سراج وعلي جمعة محمد، دار السلام-القاهرة، الطبعة: الثانية، 1427 هـ-2006 م.
 التعيين في شرح الأربعين للطوفي، المحقق: أحمد حَاج محمّد عثمان، مؤسسة الريان (بيروت – لبنان)، المكتَبة المكيّة (مكّة – المملكة العربية السعودية)، الطبعة: الأولى، ١٩٩٨ م.
 تغير الأحكام في الشريعة الإسلامية، بإسماعيل كوكسال، مؤسسة الرسالة، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 2000م.
 تغير الأحكام، لسها سليم مكداش، دار البشائر الإسلامية، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، 2007م.
 تنظيم النسل ورأي الدين فيه، إعداد الدكتور: محمد طنطاوي، مفتي الديار المصرية، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد (5).
 الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية، لعابد السفياني، مكتبة المنارة، مكة المكرمة – المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1408 هـ – 1988 م.
 حاشية الصاوي على الشرح الصغير، لأبي العباس الصاوي المالكي، دار المعارف، بدون طبعة.
 الخلافيات بين الإمامين الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه، لأبي بكر البيهقي، تحقيق: فريق البحث العلمي بشركة الروضة، الروضة للنشر والتوزيع، القاهرة – جمهورية مصر العربية، الطبعة: الأولى، 1436 هـ – 2015 م.
 الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار، لعلاء الدين الحصكفي الحنفي، المحقق: عبد المنعم خليل إبراهيم، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1423هـ- 2002م.
 درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية، تحقيق: الدكتور محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المملكة العربية السعودية، الطبعة: الثانية، 1411 هـ – 1991 م.
 رد المحتار، لابن عابدين، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة: الثانية، ١٩٦٦ م.
 الرسالة للشافعي، المحقق: أحمد شاكر، مكتبه الحلبي، مصر، الطبعة: الأولى، 1358هـ/1940م.
 سبل الاستفادة من النوازل “الفتاوى”، والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرة، لوهبة مصطفى الزحيلي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد (11).
 الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي، الناشر: دار الفكر، بدون طبعة.
 شرح المشكاة للطيبي، المحقق: عبد الحميد هنداوي، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة – الرياض، الطبعة: الأولى، 1417 هـ – 1997 م.
 شرح مختصر خليل للخرشي، دار الفكر للطباعة – بيروت لبنان.
 الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، لابن القيم، مكتبة دار البيان، بدون طبعة أو تاريخ.
 العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية، لابن عابدين، دار المعرفة، بدون طبعة أو تاريخ.
 فتاوى السبكي، دار المعارف، بدون طبعة أو تاريخ.
 الفروق للقرافي، عالم الكتب، بدون طبعة أو تاريخ.
 الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي، دار الفكر – سوريَّة – دمشق، الطبعة: الرَّابعة.
 فقه النوازل لبكر أبو زيد، مؤسسة الرسالة، الطبعة : الأولى – 1416 هـ ، 1996 م.
 فقه النوازل للأقليات المسلمة، لمحمد يسري إبراهيم، دار اليسر، القاهرة – جمهورية مصر العربية، الطبعة: الأولى، 1434 هـ – 2013 م.
 الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، لشهاب الدين النفراوي المالكي، دار الفكر، 1415هـ.
 القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة لمحمد الزحيلي، دار الفكر – دمشق، الطبعة: الأولى، ٢٠٠٦ م.
 قواعد الوسائل في الشريعة الإسلامية، لمصطفى بن كرامة الله، دار أشبيليا، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1999م.
 القواعد لابن رجب الحنبلي، مكتبة الخانجي، مصر، وصورتها دار الكتب العلمية ودار الفكر.
 المبسوط للسرخسي، دار المعرفة – بيروت، تاريخ النشر: 1414هـ.
 المجموع شرح المهذب للنووي مع تكملة السبكي والمطيعي، دار الفكر، بدون طبعة.
 مجموعة رسائل ابن عابدين، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان.
 المحرر في الفقه لابن تيمية، مطبعة السنة المحمدية، 1950م.
 المحيط في أصول الفقه للزركشي، دار الكتبي، الطبعة: الأولى، 1414هـ – 1994م.
 المدخل الفقهي، لمصطفى أحمد الزرقا، دار القلم، الطبعة الأولى، 1418ه- 1998م.
 المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، لأحمد بن محمد الفيومي، المكتبة العلمية – بيروت.
 معجم الصواب اللغوي، لأحمد مختار عمر وآخرون، عالم الكتب، القاهرة، الطبعة: الأولى 2008م.
 المعجم الفلسفي، لجميل صليبا، الشركة العالمية للكتاب – بيروت، 1414 هـ – 1994م.
 معرفة السنن والآثار للبيهقي، المحقق: عبد المعطي أمين قلعجي، دار قتيبة، دمشق بيروت، دار الوعي، حلب-دمشق، الطبعة: الأولى، 1412هـ-1991م.
 المعيار المعرب، للوَنْشَرِيسي، المحقق: مجموعة بإشراف محمد حجي، دار الغرب الإسلامي 1990 م.
 المغني لابن قدامة، مكتبة القاهرة، 1388هـ.
 المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، المحقق: صفوان عدنان الداودي، دار القلم، الدار الشامية – دمشق بيروت، الطبعة: الأولى – 1412 هـ.
 مقاصد الشريعة الإسلامية لابن عاشور، المحقق: محمد الحبيب ابن الخوجة، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، 1425 هـ – 2004 م.
 مقاييس اللغة لابن فارس، المحقق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، 1399هـ – 1979م.
 منهاج الطالبين للنووي، المحقق: عوض قاسم أحمد عوض، دار الفكر، الطبعة: الأولى، ٢٠٠٥م.
 الموافقات للشاطبي، المحقق: أبو عبيدة مشهور بن حسن، دار ابن عفان، الطبعة الأولى 1417هـ.
 نهاية الزين، لمحمد بن عمر نووي الجاوي البنتني، دار الفكر – بيروت، الطبعة: الأولى.
 نهاية المطلب في دراية المذهب للجويني، حققه: عبد العظيم محمود الدّيب، دار المنهاج، الطبعة: الأولى، 1428هـ-2007م.
 الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، لمحمد صدقي، مؤسسة الرسالة، بيروت – لبنان، الطبعة: الرابعة، ١٩٩٦م.


فهرس الموضوعات:

المقدمة: 2

مدخل: التعريف بمصطلحات البحث ومفاهيمه: 5

أولًا: تعريف التطور: 5

ثانيًا: تعريف الوسائل: 5

المبحث الأول: التأصيل الشرعي لتغيُّر الأحكام الشرعية بتغير الوسائل: 7

المطلب الأول: الأدلة على تغيّر الأحكام الشرعية الاجتهادية 7

المطلب الثاني: الثوابت والمتغيرات في الشريعة الإسلامية. 8

النوع الأول: الأحكام الأساسية (الثوابت): 8

النوع الثاني: الأحكام الاجتهادية (المتغيرات): 9

المبحث الثاني: الأسباب الموجبة لتغيّر الأحكام الاجتهادية وضوابطه: 9

المطلب الأول: الأسباب الموجبة لتغيّر الأحكام الاجتهادية: 9

المطلب الثاني: ضوابط تغيّر الأحكام بتغير الوسائل: 14

المبحث الثالث: تطبيقات معاصرة على تطور الوسائل وأثره في الحكم الشرعي: 16

أولًا: تطور الوسائل في العبادات وأثره في تغيّر الحكم الشرعي. 16

ثانيًا: تطور الوسائل في باب البيوع وأثره في تغيّر الحكم الشرعي. 19

ثالثًا: تطور الوسائل في باب الأنكحة وأثره في تغيّر الحكم الشرعي. 22

رابعًا: تطور الوسائل في الجنايات والمعالجات وأثره في تغيّر الحكم الشرعي. 25

الخاتمة 29

المستخلص: 31

فهرس المصادر والمراجع. 32

فهرس الموضوعات: 35


([1]) ابن فارس، أحمد بن فارس، مقاييس اللغة، المحقق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، 1399هـ – 1979م (3/ 430).

([2]) عمر، أحمد مختار، معجم الصواب اللغوي، عالم الكتب، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1429 هـ – 2008 م (1/ 238)؛ وصليبا، أحمد صليبا، المعجم الفلسفي، الشركة العالمية للكتاب – بيروت، 1414 هـ – 1994م (1/ 293).

([3]) السفياني، عابد بن محمد، الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية، مكتبة المنارة، مكة المكرمة، الطبعة: الأولى، 1408 هـ – 1988 م (ص449).

([4]) الفيومي، أحمد بن محمد، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، المكتبة العلمية – بيروت (2/ 660).

([5]) الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، المحقق: صفوان عدنان الداودي، دار القلم، الدار الشامية – دمشق بيروت، الطبعة: الأولى – 1412 هـ (ص871).

([6]) مخدوم، مصطفى بن كرامة الله، قواعد الوسائل في الشريعة الإسلامية، دار إشبيليا، الرياض، السعودية، الطبعة الأولى، 1999م (ص: 47- 56).

([7]) مخدوم، مصطفى بن كرامة الله، قواعد الوسائل في الشريعة الإسلامية (مرجع سابق) (ص: 57).

([8]) كوكسال، إسماعيل كوكسال، تغيُّر الأحكام، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 2000م (ص: 119).

([9]) إبراهيم، محمد يسري فقه النوازل للأقليات المسلمة، دار اليسر، القاهرة، الطبعة: الأولى، 2013 م (1/ 197).

([10])كوكسال، إسماعيل، تغيُّر الأحكام (مرجع سابق) (ص: 133).

([11]) أخرجه البخاري في صحيحه (9/ 108) برقم: (7352) من حديث عَمْرِو بْنِ العَاصِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ”.

([12]) مكداش، سها سليم، تغير الأحكام، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الأولى، 2007م (ص: 52).

([13]) تاج الدين السبكي، عبد الوهاب بن علي، الأشباه والنظائر، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1991م (1/ 49).

([14]) الشافعي، محمد بن إدريس، الرسالة، المحقق: أحمد شاكر، مكتبه الحلبي، مصر، الطبعة: الأولى، 1358هـ/1940م (1/ 560).

([15]) الزرقا، مصطفى أحمد، المدخل الفقهي العام، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 1998م (2/ 942).

([16]) ابن القيم، محمد بن أبي بكر، إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان المحقق: محمد الفقي، مكتبة المعارف، الرياض (1/ 330).

([17]) الشاطبي، إبراهيم بن موسى، الموافقات، المحقق: أبو عبيدة مشهور بن حسن، دار ابن عفان، الطبعة الأولى 1417هـ (2/ 300)؛ وابن عاشور، محمد الطاهر بن محمد، مقاصد الشريعة الإسلامية، المحقق: محمد الحبيب ابن الخوجة، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، ١٤٢٥ هـ – ٢٠٠٤ م (2/ 146).

([18]) أخرجه مسلم في صحيحه (2/ 737) رقم: (1060) من حديث رفيع بن خديج -رضي الله عنه-.

([19]) كوكسال، إسماعيل، تغيُّر الأحكام، (مرجع سابق) (ص: 74)؛ وإبراهيم، محمد يسري، فقه النوازل للأقليات المسلمة، (مرجع سابق) (1/ 203).

([20]) السبكي، علي بن عبد الكافي، فتاوى، دار المعارف، (2/ 572)

([21]) حكاه عنه الزركشي، محمد بن عبد الله في البحر المحيط في أصول الفقه، دار الكتب، الطبعة: الأولى، 1994م (1/ 219).

([22]) ابن القيم، محمد بن أبي بكر، إعلام الموقِّعين عن رب العالمين، علَّق عليه: أبو عبيدة مشهور بن حسن، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1423 هـ (3/ 11).

([23]) أي: أن كثرة استعمال الناس للفظ الطلاق ثلاثًا، ثم لا تحسب إلا طلقة واحدة دفعهم للإكثار منها، وهذا لا يندفع إلا بالرجوع إلى القول بأن من تلفظ بالطلاق ثلاثًا يقع الطلاق بائنًا، لكي يكفوا عن التلفظ به، ولذلك رأى الصحابة أن مصلحة الإمضاء أقوى من مفسدة الوقوع؛ وقد أوضحه ابن القيم فقال: ” فألزمهم عمر بالطلاق الثلاث إذا جمعوها ليكفوا عنه إذا علموا أن المرأة تحرم به …”. انظر: ابن القيم، إعلام الموقعين (3/ 44).

([24]) ابن القيم، إعلام الموقعين، (مرجع سابق) (3/ 38).

([25]) ابن القيم، إعلام الموقعين، (مرجع سابق) (3/ 44).

([26]) ابن عابدين، محمد أمين، مجموعة رسائل، دار إحياء التراث العربي، بيروت-لبنان (2/ 125).

([27]) القرافي، أحمد بن إدريس، الفروق، عالم الكتب (4/ 103).

([28]) القرافي، أحمد بن إدريس، الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام، اعتنى به: عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، الطبعة: الثانية، ١٤١٦ هـ – ١٩٩٥ م (ص218).

([29]) ابن القيم إعلام الموقعين (مرجع سابق) (3/ 45).

([30]) الخرشي، محمد بن عبد الله، شرح مختصر خليل، دار الفكر للطباعة – بيروت لبنان (4/ 38).

([31]) ابن عابدين، مجموعة رسائل، (مرجع سابق) (2/ 126).

([32]) إبراهيم، محمد يسري فقه النوازل للأقليات المسلمة، (مرجع سابق) (1/ 225).

([33]) أخرجه احمد في مسنده (17/ 151) رقم: (١١٠٨٧) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.

([34])‌‌ الزحيلي، وهبة مصطفى، سبل الاستفادة من النوازل “الفتاوى”، والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد (11).

([35])كوكسال، إسماعيل، تغير الأحكام، (مرجع سابق) (ص: 209).

([36]) الطوفي، سليمان بن عبد القوي، التعيين في شرح الأربعين المحقق: أحمد حَاج محمّد عثمان، مؤسسة الريان (بيروت – لبنان)، المكتَبة المكيّة (مكّة – المملكة العربية السعودية)، الطبعة: الأولى، ١٤١٩ هـ – ١٩٩٨ م (1/ 279).

([37]) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (3/ 339) رقم: (٢٢٠٨).

([38]) كوكسال، إسماعيل، تغير الأحكام، (مرجع سابق) (ص: 218).

([39]) سأذكر في هذا المبحث المسائل التي تأثَّرت في الحكم بسبب تطوُّر وسائلها الحديثة، دون الخوض في تفاصيل نقاش الفقهاء واختلافهم؛ إذ الغرض التنبيه على مثل هذه المسائل المعاصرة التي دفعت بعض الفقهاء المعاصرين للقول فيها بخلاف قول المتقدمين، وهي من المسائل الاجتهادية التي تقدم التأصيل لها بأنها مما تقبل التغيُّر.

([40]) القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية – القاهرة، الطبعة: الثانية، ١٣٨٤ هـ – ١٩٦٤ م (2/ 159).

([41]) القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن (مرجع سابق) (2/ 160)

([42]) فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى (6/ 319) الفتوى رقم (4254).

([43]) آل الشيخ، هشام بن عبدالملك، أثر التقنية الحديثة في الخلاف الفقهي، مكتبة الرشد – الرياض، ط: 1، 1427 هـ، 2006م (ص169).

([44]) أخرجه البخاري في صحيحه (2/ 134) رقم: (١٥٢٤)، ومسلم في صحيحه (2/ 839) رقم: (١١٨١).

([45]) من أين يحرم القادم بالطائر جوًا للحج أو العمرة؟ لفضيلة الشيخ مصطفى الزرقاء، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد: (3).

([46]) حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السادس، (ص: 593) وما بعدها.

([47]) حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السادس، (ص: 239) وما بعدها.

([48]) الروياني، عبد الواحد بن إسماعيل، بحر المذهب، المحقق: طارق فتحي السيد، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 2009 م (11/ 459)، وابن تيمية، عبد السلام بن عبد الله، المحرر في الفقه، مطبعة السنة المحمدية، 1950م (2/ 114)، و النووي، يحيى بن شرف، منهاج الطالبين المحقق: عوض قاسم أحمد عوض، دار الفكر، الطبعة: الأولى، ١٤٢٥هـ/٢٠٠٥م (ص: 263)، والدسوقي، محمد بن أحمد، الشرح الكبير للشيخ الدردير، دار الفكر، بدون طبعة (2/ 511) والصاوي، أحمد بن محمد، حاشيته على الشرح الصغير، دار المعارف، بدون طبعة أو تاريخ (1/ 519)، وابن عابدين، محمد أمين، الدر المختار وحاشية (مرجع سابق) (3/ 575).

([49]) الزحيلي، وهبة بن مصطفى، الفقه الإسلامي وأدلته (مرجع سابق) (10/ 7381).

([50]) ابن عابدين، محمد أمين، الدر المختار وحاشية (مرجع سابق) (3/ 176).

([51]) كوكسال، إسماعيل، تغير الأحكام، (مرجع سابق) (ص: 233).

([52])‌‌ طنطاوي، محمد، تنظيم النسل ورأي الدين فيه، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد (5).

([53]) فعند الحنفية والحنابلة سنتان، وعند المالكية خمس سنوات، وعند الشافعية أربع سنوات، وقيل غير ذلك. انظر: ابن المنذر، محمد بن إبراهيم، الإشراف على مذاهب العلماء، المحقق: صغير أحمد الأنصاري أبو حماد، مكتبة مكة الثقافية، رأس الخيمة-الإمارات العربية المتحدة، الطبعة: الأولى، 1425هـ-2004 م (5/ 347)، والقدوري، أحمد بن محمد، التجريد، المحقق: محمد أحمد سراج وعلي جمعة محمد، دار السلام-القاهرة، الطبعة: الثانية، 1427 هـ-2006 م (10/ 5343)، و البيهقي، أحمد بن الحسين،، الخلافيات بين الإمامين الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه، تحقيق: فريق البحث العلمي، الروضة، القاهرة – جمهورية مصر، الطبعة: الأولى، 1436 هـ – 2015 م (6/ 442)، وابن قدامة، عبد الله بن محمد، المغني، مكتبة القاهرة، 1388هـ (8/ 121).

([54]) كوكسال، إسماعيل، تغير الأحكام، (مرجع سابق) (ص: 101)، وإبراهيم، حمد يسري، فقه النوازل، (1/ 225).

([55]) السرخسي، محمد بن أحمد، المبسوط، دار المعرفة – بيروت، تاريخ النشر: 1414هـ (30/ 50)، وابن قدامة، عبد الله بن محمد، المغني (6/ 382).

([56]) الأهدل، أحمد بن يوسف، إعانة الطالب في بداية علم الفرائض، دار طوق النجاة، الطبعة: الرابعة، 2007 م (ص182).

([57]) إبراهيم، محمد يسري، فقه النوازل للأقليات المسلمة (مرجع سابق) (1/ 225).

([58]) ابن مازه، محمود بن أحمد، المحيط البرهاني (مرجع سابق) (5/ 380)، وابن الهمام، محمد بن عبد الواحد، فتح القدير (مرجع سابق) (2/ 142)، وابن نجيم، زين الدين بن إبراهيم ، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (مرجع سابق) (2/ 203)، وابن عابدين، محمد أمين، حاشية (مرجع سابق ( (2/ 238)، وفي (6/ 192).

([59]) قال ابن قدامة في المغني (3/ 497): “والمذهب أنه لا يشق ‌بطن ‌الميتة لإخراج ولدها، مسلمة كانت أو ذمية، وتخرجه القوابل إن علمت حياته بحركته، وإن لم يوجد نساء لم يسط الرجال عليه، وتترك أمه حتى يتيقن موته، ثم تدفن. ومذهب مالك، وإسحاق قريب من هذا. ويحتمل أن يشق بطن الأم، إن غلب على الظن أن الجنين يحيا، وهو مذهب الشافعي؛ لأنه إتلاف جزء من الميت لإبقاء حي، فجاز، كما لو خرج بعضه حيًّا، ولم يمكن خروج بقيته إلا بشق، ولأنه يشق لإخراج المال منه”.

([60]) مخدوم، مصطفى بن كرامة الله، قواعد الوسائل في الشريعة الإسلامية (مرجه سابق) (ص: 238).

([61]) السرخسي، محمد بن أحمد، المبسوط (٢٦/ ٨٠)، وابن عبد البر، يوسف بن عبد الله، الاستذكار، تحقيق: سالم محمد عطا، ومحمد علي معوض، دار الكتب العلمية-بيروت، الطبعة: الأولى، 1421-2000م (8/ 185)، والجويني، عبد الملك بن عبد الله نهاية المطلب في دراية المذهب، حققه: عبد العظيم محمود الدّيب، دار المنهاج، الطبعة: الأولى، 1428هـ-2007م (16/ 190)

([62]) إبراهيم، محمد يسري، فقه النوازل للأقليات المسلمة (مرجع سابق) (1/ 226).

([63]) الطريفي، عبد العزيز بن مرزوق، التفسير والبيان لأحكام القرآن، اعتنى به: عبد المجيد بن خالد المبارك، مكتبة دار المنهاج للنشر والتوزيع، الرياض – المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، ١٤٣٨ هـ (3/ 1193).

([64]) في الشرح الصوتي لزاد المستقنع – ابن عثيمين.

([65]) العثيمين، محمد بن صالح، الشرح الممتع على زاد المستقنع (8/ 313).

([66]) الزيلعي، عثمان بن علي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، المطبعة الكبرى الأميرية – بولاق، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1313 هـ (4/ 51)، والعيني، محمود بن أحمد، البناية شرح الهداية، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 2000م (8/ 166).

([67]) القلب يمكن إدخاله الآن في الأعضاء التي يجوز نقلها من الميت إلى الحي؛ لما تم التأكد من نجاح مثل هذه العمليات مرارًا وتكرارًا في السنوات الأخيرة، وقد أكّد ذلك الدكتور مصطفى صبري أردوغدو، في بحث له بعنوان: ” ‌‌نهاية الحياة الإنسانية”، نشرته مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد (3) (ص: 205) فقال: “إذا تأكد الطبيب المسلم الثقة العدل من أن الذي يؤخذ قلبه أو عينه سيموت حتمًا، جاز ‌نقل ‌القلب أو العين وزرعه لآخر مضطر إليه؛ لأن ‌الحي أفضل ‌من ‌الميت، ورعاية المصالح أمر مطلوب شرعًا، وتحقيق النفع للآخرين مندوب إليه في الإسلام، والضرورات تبيح المحظورات، لأنَّه يترتب على النقل إنقاذ مريض بالقلب، أو إعادة البصر لإنسان وتوفير الحياة أو البصر نعمة عظمى مطلوبة شرعًا”.

([68]) مخدوم، مصطفى بن كرامة الله، قواعد الوسائل في الشريعة الإسلامية (مرجع سابق) (ص: 238).

([69]) ‌‌ سفر، حسن، الطرق الحكمية في القرائن كوسيلة إثبات شرعية، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد: (12).

([70]) نشرته مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، العدد (15) صفر 1431هـ فبراير 2010م.