د. عصام عبد المولى

المدير التنفيذي لمركز الاستشراف للدراسات والأبحاث

13/06/2022

الملخص:

يتناول هذا البحث تحديد المسالك الخاصة للكشف عن الحكمة بالاستفادة من مسالك العلة، وكانت نقطة البداية التمييز بين المسلك كمصدر مولّد، وبين المسلك كآليَّة وطريقة يتوصل من خلالها إلى العلة أو الحكمة.

وظهر للباحث أن المسالك المصدريَّة للحكمة هي النص الشرعي، والإجماع، بينما يكون الاستقراء والاستدلال، من الآليات الموصلة إلى الحكمة.

الكلمات المفتاحية: المسلك، الحكمة، النص، الإجماع، العلة، الاستقراء الاستدلال.

Revealing Al-Hikma

 By Drawing upon the Text and Its Mechanisms

Dr. Isam Abdul Mola

This research addresses the identification of the specific trajectories towards revealing the Al-Hikma by tracing the (El-illa) causal pathway. The starting point builds upon making a distinction between a trajectory seen as a generating source, in contrast to a trajectory seen as a mechanism and a way conductive to recognizing the El-illa or the Al-Hikma.

The researcher finds out that the sources on which the Al-Hikma trajectories build on are the Sharia and the Al-Ijma’ (consensus), while the extrapolation and inference, are the conductive mechanisms to recognize the Al-Hikma.

Key word: Revealing Al-Hikma, El-illa, Sharia, Al-Ijma, extrapolation, inference

مقدمة:

لا يخفى على الباحثين التوجُّه العامّ في الدراسات التخصصية الأكاديمية بداية هذا القرن الحالي نحو الدراسات المقاصديّة، لآثارها المتعددة والمتعلقة بالغايات والأهداف التشريعية، وقد تنوعت تلك الدراسات؛ فمنها ذات التوجُّه نحو التطبيقات العملية للأبحاث المقاصدية، ومنها ذات الدراسات التأصيلية، والتي تسهم في تأسيس المفاهيم والمصطلحات ذات الصلة بالمجال المقاصديّ، وتأتي هذه الدراسة ضمن هذا التوجُّه الثاني؛ إذ يعنى هذا البحث باستكمال الدراسات التأصيليَّة المتعلِّقة بمصطلح أساسي في مقاصد الشريعة الإسلامية، ألا وهو الحكمة، والفكرة التي يحاول الباحث الإسهام فيها في لبنات الحكمة المتعددة هو كشف مسالك الوصول إلى الحكمة، انطلاقًا من الرحم الذي ولدت فيه العلم ألا وهو المباحث الأصولية المتعلِّقة بالعلَّة ومسالكها.

أهمية الموضوع:

تنبع أهمية الموضوع في استكمال بحث تأصيليٍّ بدأه الأقدمون واستفاضوا فيه وهو مسالك العلة، والاستفادة من تلك الجهود السابقة القيِّمة في تأصيل مسالك مصطلح ذي صلة وثيقة بالعلَّة، ألا وهو الحكمة الأصوليَّة.

أهداف البحث:

يهدف البحث إلى تأصيل المسلك الأساسيِّ المصدريِّ في الكشف عن الحكمة وهو النص، مع بيان الآليَّات المتعلِّقة به، والتي تسهم في فرز الحكمة عن غيرها من المصطلحات ذات الصلة.

حدود الدراسة:

تتشعب الأفكار المتعلِّقة بالحكمة، ابتداء من تحديد المفهوم، ومن ثمَّ المسالك والمظانّ، إضافة إلى مباحث أخرى اشتهرت بها الحكمة كالتعليل بالحكمة، وفي هذا البحث لن يتناول الباحث سوى الفكرة المتعلِّقة بالمسالك فقط، وأمّا بقيّة المباحث فلن يتمَّ التطرُّق لها؛ فهي بعيدة نسبَّيًا عن جوهر البحث.

الدراسات السابقة:

  • حقيقة الخلاف في التعليل بالحكمة وأثره في الفقه الإسلاميّ، د. علي بن عباس الحكمي بحث منشور في مجلة جامعة أمّ القرى، العدد التاسع، السنة السابعة، 1994.
  • طرق الكشف عن مقاصد الشَّريعة، نعمان جغيم، دار النفائس، الأردن، .2002
  • التعليل بالحكمة وأثره في قواعد الفقه وأصوله، رائد أبو مؤنس، رسالة دكتوراه نوقشت في الجامعة الأردنية 2001.
  • التعليل بالحكمة، رائد سليمان، رسالة ماجستير نوقشت في جامعة النجاح الوطنية 2003.
  • التعليل بالحكمة، أحمد بن عبد الله الضويحي، بحث منشور في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، رقم العدد72، تاريخ 2006.
  • الحكمة عند الأصوليين، صباح السامرّائي، رسالة دكتوراه نوقشت في جامعة بغداد 2007
  • التعليل بالحكمة عند الأصوليين وأثره في الفروق الفقهية، إبراهيم ولد اليزير، رسالة ماجستير نوقشت في جامعة السودان2014
  • التعليل بالحكمة، جوازه ووقوعه في الشريعة والفقه، محمد سليم العوا، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، 2014.
  • تعليل الأحكام بالحكمة: مفهومه ومسالكه عند الإمام الشاطبي، د. عبد العزيز وصفي، وهو بحث منشور عام 2016 عبر موقع الألوكة.
  •  علاقة مقاصد الشريعة بالعلَّة والمناسبة والحكمة، أسامة الغنيمين، بسمة ربابعة، مجلة دراسات (الجامعة الأردنيَّة)، رقم العدد3، تاريخ 2015
  • العلَّة والحكمة والتعليل بالحكمة دراسة مصطلحيَّة، أيمن صالح، مجلة جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلاميَّة، رقم العدد2، تاريخ 2017
  • ودراسات أخرى متنوعة تناولت الحكمة من خلال المظلة المقاصديَّة.

الجديد الذي يقدمه البحث:

تناولت تلك الدراسات السابقة المتميزة “الحكمة” من عدة زوايا، وفيما يتعلق بفكرة البحث الأساسيَّة فقد ذكرت المسالك ضمن دراستين، الأولى التّعليل بالحكمة، للدكتور رائد سليمان، والثّانية العلة والحكمة والتعليل بالحكمة دراسة مصطلحيَّةللدكتور أيمن صالح. وقد بذل الباحثان جهودًا علمية في تناولهم لمسالك الحكمة، وسيقوم الباحث ضمن هذه الدراسة باستكمال العمل البحثيِّ ذي الصبغة التراكميَّة، حيث سيقوم بتجلية مركَّزة لمسلك النص وآلياته التي لم تذكر في الدراسات السابقة ذات الصلة، ومن ثَمَّ الاستفادة منها في بيان مسالك الحكمة؛ سواء المسالك المصدريَّة، أو المسالك الآليَّة.

منهجية البحث:

إن طبيعة البحث تقتضي الاعتماد على المنهج الاستقرائيِّ القائم على التَّتبع للحصول على المعلومات ذات الصِّلة بفكرة البحث، والاستقراء المستخدم في هذا البحث إن لم يكن حاصرًا فهو واسع، وهذا يقتضي أن نحصل على نتائج ذات موثوقية عالية ودقيقة من خلال تطبيق منهج التَّحليل بعد ممارسة نوع من المقارنة، إضافة إلى النَّقد الموضوعيِّ البنّاء.

خطَّة البحث:

يتألف البحث من ثلاثة مباحث وخاتمة:

المبحث الأول: تعريف الحكمة، وأثر النص في بيانها

المطلب الأوَّل: الأصوليون ومسالك الحكمة.

المطلب الثَّاني: أثر النص في بيان الحكمة.

المبحث الثاني: الآليّات الموصلة إلى الحكمة في النَّص.

المطلب الأوَّل: الألفاظ التَّعليليَّة.

المطلب الثَّاني: الاستقراء.

المطلب الثَّالث: عرض موجز لمسالك العلَّة.

المبحث الثالث: الكشف عن مسالك الحكمة

المطلب الأول: مناقشة مسالك العلَّة في ضوء بنية الحكمة.

المطلب الثاني: مسالك الحكمة النهائية.

المبحث الأول: تعريف الحكمة، وأثر النَّص في بيانها

يتناول المبحث الأول تفصيل اتِّجاهات الأصوليّين في تعريف الحكمة، ومن ثمَّ أثر النَّصِّ الشرعيِّ في بيانها.

المطلب الأول: تعريف الحكمة

لم يهتم الأصوليّون ببيان مسالك الحكمة، ولم يفردوها بالبحث ضمن سياق حديثهم عن الحكمة، وربما يكون المبرِّر في ذلك أنَّ الأحكام تُربط بالعلل المنضبطة لا بالحِكم، وبسبب ربطها بالعلل لم يهتم العلماء كثيرًا في تفصيل الكلام عن الحكمة اهتمامهم البالغ بالعلَّة وما يتعلَّق بها.

ويضاف إلى تلك الأسباب السّابقة كون الحديث عن حِكم الشّارع ذا صفة تربويَّة ينعكس على قناعة المكلّف أكثر وأكثر عند تطبيقه للحُكم؛ وبما أنَّ مهمَّة كتب أصول الفقه البحث في آليّات استنباط الأحكام فإنَّ الحديث عن الجوانب التربويَّة إنْ وجد فهو قليل ونادر، فكتب الأصول ليست معنيَّة بهذا الأمر، فهي تتناول الحُكم وبيان علة الحكم مثلًا، وقد تتطرق باختصار إلى بيان حِكم الأحكام، وقد لا تتطرق، وحتى كتب تفسير القرآن الكريم، أو الكتب التربويَّة التي تطرَّقت لبيان حِكم بعض الأحكام -ككتاب إحياء علوم الدين- تجاوزت مسالك الكشف عن الحكمة لتبيِّن بشكل مباشر الحكمة، من غير الخوض في كيفية الوصول إليها.

وقد انقسم الأصوليون إلى اتِّجاهين من حيث تعريفهم لمصطلح الحكمة:

الاتِّجاه القياسيّ في توصيف الحكمة:

وصَّف بعض الأصوليين الحكمة من زاوية الاتِّجاه القياسيّ الذي يُعوِّل على الثمرة العمليَّة من عمليَّة القياس، المنحصرة في الإلحاق والتعدية([1])، ومن المناسب لأصحاب هذا الاتِّجاه القياسيِّ أن يُعرِّفوا الحكمة بما يخدم عملية التعدية بالعلَّة، ومن أمثلة تلك التعريفات التوصيفيَّة الموظَّفة للتعدية -عند أصحاب هذا الاتِّجاه- ما أورده الغزاليّ والشاطبيّ: 

  • “ولسنا نعني بالحكمة إلّا العلّة المخيّلة والمعنى المناسب”([2]).
  • ·       “ولا نعني بالحكمة والمعنى المخيّل إلا الباعث على شرع الحكم”([3]).
  • ·       “الحكمة التي هي العلة على كمالها” ([4]).

ومن خلال الأمثلة التي ضربها الغزاليّ على هذا التَّعريف يتبيَّن أنَّه قد تطلق الحكمة على العلَّة (المعنى المؤثّر) إذا أمكن ضبطها، وهذا الإطلاق موظَّف من أجل تعدية الحُكم من المنصوص إلى المسكوت، وكما نصَّ الأصوليّون فإنَّ أهمَّ شرط من شروط التعدية هو الضبط([5])، وهذا الشرط قد تحقق في هذا النوع من الحِكم.

الاتّجاه المقاصديُّ في تعريف الحكمة:

من خلال سرد مجموعة جديدة من تعريف بعض الأصوليّين للحكمة نجد أن تعريفهم كان توصيفيًّا من زاوية أخرى مغايرة للاتِّجاه القياسيّ ومرتكزة على الاتِّجاه المقاصديّ، المتناوِل لغايات الأحكام التي هي جوهر المقاصد؛ لذا ناسب أن تُعرَّف الحكمة لديهم بما يخدم هذا الاتِّجاه؛ لأن غايات الأحكام (المقاصد) تُدرَك بعدَّة أمور، ومن بين هذه الأمور الحكمة، والتي من أهم أوصافها كونها (غاية). وتعريف أصحاب هذا الاتِّجاه للحكمة من المنظور المقاصديّ يلاحَظ من طريقين، الأول من خلال حصر الحكمة بالمصلحة، والثاني من خلال فكِّ الارتباط مع الجانب النفعيِّ، بحيث تكون الحكمة قرينًا للمصلحة ضمن المظلَّة المقاصديَّة، لا منصهرة بها. وقد فصلت كلا الطريقتين في مبحث محكم مستقلٍّ([6])، وتوصلت إلى أنَّ التَّعريف المختار للحكمة هو: المعنى الذي من أجله صارت العلَّة علَّة. ومن ثمَّ بيَّنت محددات التَّعريف وضوابطه، وأرى من الاستفاضة غير المحمودة تكرار التفصيلات المتعلِّقة بالمصطلح.

بعد هذا المدخل المتعلِّق بتعريف الحكمة يظهر أنَّ الحكمة يتعاورها جانبان، الأوَّل: قياسيّ. والثاني: مقاصديّ. 

ويظهر الجانب القياسيّ من كون الحكمة شديدة اللصوق بالعلَّة، فهي علَّة العلَّة، وكل حُكم له علَّة، وكلُّ علَّة تَستبطن حكمة، وبسبب عدم كون الانضباط والظُّهور من شروط الحكمة لم تُنط الأحكام بها، بل رُبطت بالعلة لانضباطها. فالصِّلة بين الحكمة والعلَّة وثيقة([7]).

ويظهر الجانب المقاصديّ الذي تصطبغ به الحكمة من خلال الغائيَّة والمناسبة المقاصديَّة الموجودة في الحكمة. وهذا الأمر –تضمَّن الحكمة معنى قياسيًّا، وآخر مقاصديًّا- يُقرِّب الإفادة من مسالك العلَّة، ومسالك المقاصد أيضًا في الوصول إلى مسالك الحكمة.

وقد ذكر العلماء مسالك خاصَّة للوصول إلى العلَّة، وذكر بعض المعاصرين مسالك أخرى للوصول إلى المقاصد ككلٍّ([8])، وليس من الصِّحَّة أن تكون مسالك العلَّة كلُّها، أو مسالك المقاصد كلُّها هي نفسها مسالك الحكمة؛ إذ الماهيَّة الخاصَّة للحكمة مختلفة عن الماهيَّة الخاصَّة للعلَّة، أو بقيَّة أنواع المقاصد، على الرَّغم من أنَّ للحكمة جانبًا قياسيًّا، وآخر مقاصديًّا. ولكن ستكون الإفادة من مسالك العلَّة أكبر من مسالك المقاصد؛ بسبب كون العلاقة بين الحكمة والعلَّة أكثر قوَّة من العلاقة بين الحكمة والمقاصد؛ لغلبة المعنى القياسيِّ في الحكمة.

قبل الشُّروع في بيان أثر النَّصِّ في الحكمة يحسن الإشارة إلى أمر لم يشر إليه كثير من الباحثين، ألا وهو التمييز عند إطلاق (المسلك) بين معنيين هما:

المسلك بمعنى (المصدر) الذي تنبع منه العلَّة أو المقصد.

والمسلك بمعنى (الآليَّة) التي يُتوصل بها إلى العلَّة من ذلك المصدر.

فمثلًا: يذكر الأصوليّون أنَّ “النصَّ” مسلك من مسالك العلَّة، ويذكرون أيضًا أنَّ “المناسبة” من مسالك العلَّة، ولكن بالتأمُّل نرى أنَّ النَّصَّ -وإنْ سمَّوه مسلكًا- هو مصدر ومنبع يولِّد العلَّة،  أما المناسبة فليست مصدرًا يولِّد العلَّة -وإن سمَّوها مسلكًا- بل هي آليَّة تكشف عن العلَّة، ومن ثَمَّ فإنَّ المسلك إمّا مصدر تنبع منه العلَّة، أو آليَّة تكشف عنها.

المطلب الثاني: أثر النصِّ في بيان الحكمة.

قال ابن القيِّم رحمه الله([9]): “والقرآن وسنَّة رسول الله مملوآن من تعليل الأحكام بالحِكم والمصالح، وتعليل الخلق بهما، والتنبيه على وجوه الحِكم التي لأجلها شرع تلك الإحكام، ولأجلها خلق تلك الأعيان، ولو كان هذا في القرآن والسنَّة في نحو مئة موضع أو مئتين لسقناها، ولكنَّه يزيد على ألف موضع بطرق متنوِّعة.

إن المصدر المباشر لمعرفة حِكَم الشّارع تنبع من خلال نصوصه وكلامه وتصـريحاته، فمنها تُستسقى الأحكام والحِكم والغايات والمعاني المقصودة؛ لذا فإنَّ نصوص الوحيِّ -بنوعيه المتلوِّ وغير المتلوّ- أوضح مسلك تظهر فيه حِكم الشّارع، ومن ثَمَّ فإنَّ من الإجحاف أن يُقصـر النصُّ على مسالك العلَّة فقط.

وبعبارة أدقّ: إنَّ النَّصَّ مصدر الأحكام والعلل والمقاصد والحكم، فالحديث عنه ليس حديثًا عن مسالك العلة فقط، وما أظنُّ أنَّني في حاجة إلى أن أؤكِّد ثانية أنَّ النَّصَّ (مسلك) بمعنى المصدر لا الآليَّة، على ما بينّاه قبل قليل. وسأعرض مثالًا عن النَّصِّ مسلكًا (مصدرًا) من مسالك الحكمة لتوضيح الفكرة.

قال تعالى: {يا أيها الذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْميْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ منْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالميسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُنتَهُون} [المائدة:91]

النصُّ واضح في تحريم الخمر، فقد “حكم الله على الخمر والميسر… بالتحريم، ثم أكَّد هذا الحُكم ببيان الحِكم الملحوظة من هذا الحِكم عند بيان مفاسدهما الدنيويَّة والدينيَّة” ([10]).

وعدَّ ابن عاشور العداوة، والبغضاء، والصَّدَّ عن ذكر الله، والصَّدَّ عن الصَّلاة علل التحريم فقال: “وهذه أربع علل كلُّ واحدة منها تقتضي التَّحريم”([11]).  ونصَّ الرازي على اعتبار هذه الأمور الأربعة عللًا أيضًا عندما أقرَّ مَن قال ذلك بقوله([12]): “الآية صريحة في أنَّ علَّة تحريم الخمر هي هذه المعاني”. وهذا توسُّع واضح منهما –ابن عاشور والرازي- في مفهوم العلَّة؛ فالعلَّة عند الأصوليين لها حقيقة لا تتناسب مع هذه الأمور الأربعة غير المنضبطة، وهذا مثال واضح على أن العلَّة قد تطلق ويراد بها الحكمة مجازًا.

والملاحظ أنَّ الشارع لم يذكر (الإسكار) كعلَّة، إنَّما بيَّن أنَّ حِكمة التحريم هي تلك الأمور الأربعة المشتملة على المفاسد الدينيَّة والدنيويَّة، فالعداوة أو البغضاء أو الصدُّ… معانٍ كانت العلَّة –وهي الإسكار- من أجلها علَّة، فالأوصاف المذكورة في هذه الآية تحقِّق فيها شروط الحكمة، فهي أوَّلًا لا تخفى مناسبتها لحكم التَّحريم، والذي أَنزل هذه الأوصاف من مرتبة العلِّيَّة إلى كونها حكمة عدم انضباطها، وبسبب عدم الانضباط ربط الشارع الحكم هنا بوصف منضبط يَستبطن كل المعاني المذكورة والتي هي غير منضبطة. 

المبحث الثّاني: الآليّات الموصلة إلى الحكمة في النَّصِّ.

سأبيِّن في هذه الفقرة الآليّات التي توصل إلى الحكمة في النَّصِّ على وجه الخصوص وإن أطلق الأصوليّون على بعضها اسم (المسلك). فمن خلال الاستقراء والتَّتبع يتبيَّن أنَّ هناك عدة آليّات يمكن تطبيقها على النَّصِّ من أجل الوصول إلى حِكم الشّارع، وتكمن في الألفاظ التعليليَّة، والإيماء والتنبيه كآليَّة دلاليَّة، والاستقراء بأنواعه، وسأختصر قدر المستطاع في هذه الآليات مستفتحًا بالأدوات التعليليَّة، مرجئًا الكلام المتعلِّق بالإيماء والتنبيه لأتكلَّم عنه عند بيان مسالك العلَّة.

المطلب الأوَّل: الألفاظ التعليليَّة.

يذكر الأصوليّون في مسالك العلَّة -وتحت مسلك النَّصِّ- بعض الألفاظ التي يمكن أن نصطلح عليها بـ: (الألفاظ التعليلية)، ومن غير الإنصاف أن نعدَّ تلك الألفاظ خاصَّة لمعرفة العلل، فإنَّها لا تفيد التعليل إلا إذا وُجد معها قرائن تدلُّ على العلَّة، وبالتّالي فإنَّ هذه (الألفاظ التعليليّة) أوسع من أن تختصَّ بالعلَّة؛ لأنَّ الألفاظ التي استدلَّ بها على العلِّيَّة ليست هي المستقلَّة في بيان العلَّة، وإنَّما القرائن هي التي حكمت بالعلِّيَّة، ومن ثَمَّ فإنَّ هذه الألفاظ تفيد في ترشيح الوصف المذكور للتعليل، ولا ريب بأنَّه إذا لم يكن علة لعدم الانضباط فسيكون حكمة.

وقبل أن أضرب الأمثلة المناسبة على تلك الألفاظ لا بدَّ من التنويه بأنَّ بعض هذه الأمثلة ليست أمثلة لأحكام فقهيَّة، لحقيقة أنَّ الحكمة لا ترتبط ضرورة بالحكم الشـرعيّ، فإنَّ أفعال الله سبحانه وتعالى مثلًا تحتاج إلى بيان الحكمة، وهذا أدعى لاقتناع المخاطب، وهو ما يصب في الفوائد العملية للحِكم. 

 1-(كي):

قال تعالى: {ما أَفَاء اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالمسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ} [الحشر:7]

هذه الآية واضحة المعنى في كون الحكمة من تداول الأموال؛ كي لا يكون الفيء الذي حقُّه أن يُعطى للفقراء -ليكون لهم بلغة يعيشون بها- واقعًا في يد الأغنياء([13]). ومن هذا التعليل يظهر أن من حِكم الشريعة و”من مقاصد الشريعة أن يكون المال دولة بين الأمة الإسلامية([14]).

ولا بد من التنبيه على أنَّ هذا النصَّ يذكره الأصوليّون مثالًا للعلة؛ إذ يرون أنَّ (التداول) هو علَّة قسمة الغنائم، ويبدو أنَّ كلامهم محلٌّ للنظر؛ لأنَّ من الصِّفات الأساسيَّة للعلَّة دوران الحكم معها وجودًا وعدمًا، وهذا الدوران لا يظهر في هذا المثال؛ فقسمة الفيء على النَّحو المذكور في الآية تبقى على حالها سواء حصل التداول أم لم يحصل، وإذا اعتبرنا أنَّ العلَّة هي التداول فهذا يؤدي إلى عدم تطبيق التقسيم المذكور في الآية إن تحققت العلَّة بطريقة ما، فمن أجل هذا كلِّه لعلَّ الأنسب أن يكون التداول حكمة لا علَّة… والله أعلم.

لعل:

ومن الأمثلة القرآنية على هذه الأداة قوله تعالى:

{فَقُولاَ لَهُ قَوْلًا ليِّنًا لعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}  [طه:44] ، {كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} [الحج:36]

{وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون}  [الحج:77] ، {وَتُوبُوا إِلَى الله جَمِيعًا أَيها المؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} [النور:31]

وإفادة (لعل) للعلِّيَّة هو مذهب بعض اللغويين([15])، ومن الواضح أنَّهما لا يقصدان إفادتها للتعليل الأصوليّ، بل إفادتها للتعليل بمعناه الأوسع والذي يدخل من ضمنه إفادتها للحكمة.   

سأكتفي بهذه العيِّنة من الأدوات المفيدة لبيان الحِكم، مع وجود أدوات أخرى يستفاد منها في نفس السياق (إنَّما، حتّى، اللّام، أنْ…)، وهي منثورة في كتب الأصول، وأؤكِّد مرَّة ثانية أنَّ معظم الأدوات التي يذكرها الأصوليون على أنَّها من ألفاظ التعليل لا تستلزم العلِّيَّة بالضـرورة، بل باستجماع شروط العلَّة، ولكنَّها أوسع وأكثر ملاءمة في إفادتها للحكمة منها للعلة.

ملاحظة:

إنّ الإيماء والتنبيه آليَّة دلاليَّة، وهذه الآليَّة لا تختصُّ في الكشف عن العلَّة فقط كما استخدمها الأصوليّون في مسالك العلّة، بل تصلح هذه الآليَّة للكشف عن الحكمة والعلَّة، وسنحيل القارئ في بيان هذه الآليَّة إلى مسالك العلَّة.

المطلب الثاني: الاستقراء.

تكمن بنية (الاستقراء) اللغويَّة في الجمع والضمِّ والتَّتبُّع، وهذا ما يُستنتج من لسان العرب عندما قال: “وقَرَأتُ الشـيءَ قرآنًا جَمَعْتُه، وضَممْتُ بعضَه إلى بعض”([16]). ومن بنيته اللغويَّة انطلق الأصوليّون في بناء ماهيَّته الاصطلاحيَّة عندما عرَّفوه بأنَّه: “تصفُّح أمور جزئية لنحكم بحكمها على أمر يشمل تلك الجزئيات”([17]).

وإنْ كان التَّصفُّح والتتبُّع يشمل كلَّ الجزئيّات كان الاستقراء تامًّا([18])، وإلّا فهو استقراء ناقص([19])، وهو الذي أطلق عليه بعض الأصوليّين إلحاق الفرد بالأعمِّ الغالب([20]).

وأمّا مجال هذه الوسيلة فهو فيما يأتي:

  1. استقراء نصوص الحُكم الواحد.
  2. استقراء نصوص الأحكام المتشابهة. 
  3. استقراء نصوص أحكام متنوعة اشتركت في حكمة واحدة.

 وسأضرب الأمثلة المناسبة عن هذه الأنواع المختلفة.

  1. استقراء نصوص الحُكم الواحد:

 وفي هذا النوع من الاستقراء ينصبُّ عمل هذه الآليَّة على حكمٍ شرعيٍّ واحدٍ، وسنكشف حكمة هذا الحُكم من خلال استقراء النُّصوص المتنوِّعة التي أسَّست لهذا الحُكم، واستنتاج حكمة هذا الحُكم من خلال تلك النُّصوص، وبالتّالي “يحصل العلم بعد ذلك بأنَّ هذه الحكمة مقصد شرعيٌّ سعى الشّارع إلى تحقيقه من تلك الأحكام”([21]).

وأوضح مثال على ذلك النُّصوص المتعلِّقة بالزكاة والصَّدقات، فقد جاءت نصوص قرآنيَّة كثيرة، ودعمتها نصوص نبويَّة أيضًا لتفصِّل أحكامها، وبجمع هذه النُّصوص سنجد أنَّها تشترك في معنى واحد أو أكثر، ويقوم عمل المجتهد بعد النَّظر فيها بالكشف عن هذه المعاني، وسأذكر أهم النُّصوص المتعلِّقة بفرضيَّة الزكاة:

قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالمسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً منَ الله} [التوبة:60]

وقال المصطفى r عندما بعث معاذًا t إلى اليمن([22]): فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ الله افْتَرَضَ عليهم صَدقةً في أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ من أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ على فُقَرَائِهِمْ. وقال r حاضًّا على دفع زكاة الفطر([23]): “أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم”

فمن خلال تلك الآية القرآنية المشيرة إلى الصدقات، ومن خلال الحديثين الشريفين المشيرين إلى نفس الحُكم يلاحَظ أنَّ كلَّ النُّصوص السّابقة تلتقي في معنىً مهمٍّ، وهو مواساة الفقراء([24]).

  • استقراء نصوص الأحكام المتشابهة.

ثمَّة أحكام شرعيَّة متشابهة فيما بينها، وأعني بالتشابه أنَّها تدخل تحت باب واحد، وغالبًا ما تكون أسباب تلك الأحكام وعللها متشابهة، كما أنَّ من الملاحظ أنَّ لها حكمة واحدة تنظِّمها([25])، وكلُّ هذا يظهر من خلال آليَّة الاستقراء الموظَّفة لخدمة تلك الأحكام المتشابهة.

ومن أمثلة ذلك حكمة الوضوء وحكمة الغسل، أو حكمة الطَّهارة بشكل عامٍّ، فللوضوء أو الغسل دواعٍ مختلفة، فمن أهم موجبات الوضوء: خروج الغائط، أو خروج المذي. ومن أهم موجبات الغسل: خروج المني، أو الجماع، أو الحيض.

وسأذكر الأدلَّة من القرآن الكريم أو السنَّة المطهَّرة على هذه الأحكام المتشابهة تباعًا:

الوضوء من خروج الغائط: قال تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم منَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم منْهُ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم منْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} [المائدة:6]

الوضوء من خروج المذي: عن عَلِيٍّ t قال: كنت رَجُلًا مَذَّاءً، وَكُنْتُ أَسْتَحْيِي أَنْ أَسْأَلَ النبي مَكَانِ ابْنَتِهِ، فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بن الْأَسْوَدِ فَسَأَلَهُ. فقال r: يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ([26]).

الغسل من خروج المني: قال تعالى: {وإنْ كُنتم جنبًا فاطَّهرُوا} [المائدة:6]

إضافة إلى أن الصحابيَّ الجليل علي بن أبي طالب t سأل النبيَّ r عن المذْيِ فقال r: من المذْيِ الْوُضُوءُ، وَمِنْ المنِيِّ الْغُسْلُ([27]).

الغسل من الجماع: قال r: إذا جَلَسَ بين شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ، وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ([28]).

الغسل من الحيض: قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي المحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ} [البقرة:222]

وقال النبي r: إذا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصلاةَ، وإذا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي([29]).

فهذه أسباب متنوعة لإيجاب الوضوء أو الغسل، ومن خلال تلك النصوص السّابقة يمكن بسهولة تلمُّس أنَّها اشتركت في حكمة واحدة تتجلى في النَّظافة والطَّهارة([30]). وهذه الحكمة تُستنتج من خلال استقراء عموم تلك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على تنوُّعها، والتي ركَّزت بعض ألفاظها على تلك الحكمة، ومن هذه الألفاظ: (يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ، يَغْسِلُ ذَكَرَهُ، فاطَّهروا، الوُضُوءُ، الْغُسْلُ، يَطْهُرْنَ، أَذىً، فَاغْسِلِي…)

  • استقراء نصوص أحكام متنوعة اشتركت في حكمة واحدة:

في هذا النَّوع من الاستقراء سينصبُّ الجهد في هذه الآلية على استقراء أحكام شرعية متنوِّعة، ولكنَّها ذات حكمة مشتركة فيما بينها، ومثاله المشقَّة المبثوثة ضمن أحكام متنوعة:

آية إباحة قصـر الصَّلاة بالنِّسبة للمسافر: قال الله عزَّ وجلَّ: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101]

آية إباحة الفطر بالنسبة للمريض أو المسافر: قال الله عزَّ وجلَّ:  (فَمَن كَانَ مِنكُم مرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ منْ أَيامٍ أُخَرَ} [البقرة:184]

حديث إسقاط الصلاة عن الحائض: قال الرسول r([31]): (إِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، وَصَلِّي)

من خلال تلك النُّصوص السّابقة استنتج العلماء أنَّ المشقَّة هي من الحِكم التي أباحت للمسافر قصر الصَّلاة، وأيضًا من الحِكم التي أباحت للمسافر وللمريض الفطر في رمضان، وتعتبر من الحِكم التي أسقطت قضاء الصلاة بالنسبة للمرأة الحائض؛ وذلك بسبب تكرار الصلاة([32]).

فهنا لدينا أحكام متنوعة، وهي: (الفطر في رمضان بالنسبة للمسافر، وقصر الصَّلاة بالنسبة إلى المسافر أيضًا، وإسقاط قضاء الصلاة بالنسبة للمرأة الحائض). وكل هذه الأحكام المتنوعة تشترك في حكمة (المشقَّة) بالنسبة للمسافر أو الحائض. ولا يخفى أنَّ هذا النَّوع من الاستقراء لا يولِّد حكمة، بل يؤكِّد على حكمة واحدة جاءت بها النُّصوص المستقرأة خلافًا للنوعين السابقين، وقصدي من ذكره هنا أمران:

  1. بيان أنَّ الاستقراء يوصل إلى أنَّ بعض الحِكم مراعاةٌ من قبل الشارع، مما يعزِّز هذه الحِكم في نفوس المكلَّفين.
  2. مناسبة هذا النَّوع من الاستقراء للأنواع السابقة من ناحية كونها من باب واحد، وإن لم يولّد هذا النوع من الاستقراء الحِكمة.


المطلب الثالث: عرض موجز لمسالك العلة.

يرى الأصوليّون أنّ المقصود بالمسالك: ما دلَّ على كون هذا الشيء علة لهذا الحكم حيثما كان هذا الشيء([33])

وسأذكر أهمَّ المسالك التي أوردها علماء الأصول تباعًا مع شرح مختصر، ومن غير الخوض في التفاصيل، بله ذكر الأمثلة؛ إذ المسالك واضحة في كتب الأصول، وسأتبع ذلك ببيان ما يصلح منها لأن يكون مسلكًا للحكمة.

المسلك الأوَّل: الإجماع.

والمقصود من الإجماع أحد أمرين، الأول: الإجماع على علة معيَّنة لحكم ما([34])، والثاني: الإجماع على أصل التعليل، وإن وقع اختلاف في عين العلَّة([35]).  

المسلك الثّاني: النَّص على العلَّة من كتاب الله U  وسنَّة حبيبه r([36]).

يقصد الأصوليّون بذلك ألفاظ التعليل المصاحبة للنَّص، وله أنواع:

  1. الصـريح([37]): والمقصود به ألّا يحتمل اللفظ غير العلِّيَّة، ولا يحتاج إلى نظر واستدلال.

ومن أمثلة الألفاظ التعليليَّة: ” لأجل ذلك، لعلة كذا، لسبب كذا.”

  • الظّاهر أو المحتمل([38]): وهو اللفظ الذي يحتمل العلِّيَّة احتمالًا راجحًا.

نلاحظ أنَّ المسلكين السابقين يقصد بهما مصدر العلَّة، وليس آليَّة الوصول إلى العلَّة، فالإجماع والنص يولّدان العلة.

المسلك الثالث: الإيماء والتنبيه على العلة.

هو دلالة اللَّفظ على أنَّ اقتران الوصف بحكم لو لم يكن الوصف أو نظيره للتعليل لكان ذلك الاقتران بعيدًا من فصاحة كلام الشّارع ([39]). والفرق بينه وبين مسلك النَّصِّ على العلَّة أنَّ النَّصَّ يدلُّ على العلَّة بوصفه لها، والإيماء يدلُّ عليها بطريق الالتزام([40]). والإيماء والتنبيه له أنواع كثيرة([41])؛ كتعليق الحكم على العلَّة بفاء الشرط والجزاء([42])، وكتفريق الشّارع بين شيئين في الحكم([43]).

ويلاحظ أنَّ هذا المسلك يعدُّ مسلكًا بمعنى الآليَّة، ويتميز بأنَّه آليَّة دلاليَّة.   

المسلك الرابع: السبر والتقسيم.

وهو حصـر الأوصاف الصّالحة للتعليل غير المنصوص عليها في الأصل المقيس عليه، وإبطال ما لا يصلح للتعليل للوصول إلى العلَّة المختارة ([44])،  أو: إبطال كلِّ علَّة عُلِّل بها الحكم إلا علّة واحدة، فيعيّن حينئذ([45]).

نلاحظ من التَّعريف أنَّ هذا المسلك يقوم على عمليَّتين:

الأولى جمع الأوصاف الصّالحة للتعليل، وهذه العملية تسمّى بالتَّقسيم.

والعمليَّة الثّانية اختبار هذه الأوصاف لمعرفة الأصلح منها للتَّعليل، وهذه العمليَّة تسمّى بالسبر.

وذكر الأصوليّون نوعين لهذا المسلك:

  1. السَّبر والتَّقسيم المنحصر، وهو الدّائر بين النّفي والإثبات([46]):

وهذا النوع قائم على حصـر الأوصاف التي يمكن التعليل بها، ثمَّ اختبارها، وإبطال ما لا يصلح منها.

كأن يُقال: الحكم إمّا ألّا يكون معلَّلًا، وهذا باطل. أو هو معلَّل؛ وإما هو معلَّل بالوصف الفلانيّ، أو بغيره. وقد بطل ألّا يكون معلَّلًا، وبطل أيضًا أن يكون معلَّلًا بغير ذلك الوصف، وبالتّالي تعيَّن أن يكون معلَّلًا بذلك الوصف.

  • السَّبر والتَّقسيم المنتشر([47]):

وهو الذي لا يدور بين النَّفي والإثبات، أو دار بينهما، لكن كان الدليل على نفي علِّيَّة ما عدا الوصفِ المعيّن فيه ظنًّا. وهذا النَّوع من السَّبر لا يعدُّ حاصرًا لكلِّ الأوصاف الصّالحة للتعليل؛ لاحتمال أن تكون العلَّة وصفًا غير مذكور، فيجتهد الفقيه للوصول إليها، فتكون العلَّة التي توصّل إليها ظنِّيَّة؛ لظنِّيَّة كلٍّ من السَّبر والتَّقسيم في هذا المقال، بخلاف العلَّة المتوصَّل إليها في النوع الأول، فإنَّ التَّقسيم فيه قاطع، والسَّبر قطعيّ أو يقرب من ذلك.

المسلك الخامس: تنقيح المناط.

 ذكر الأصوليّون تعريفين لتنقيح المناط:

التعريف الأول لتنقيح المناط: تعيين العلَّة من بين أوصاف مذكورة (تصلح للتَّعليل)([48]).

كأن يُضيف الشارع الحكم إلى وصف ما، وتقترن بالحكم بنفس الوقت أوصافٌ لا مَدخل لها بالعلِّيَّة، فيَحذف المجتهد ويلغي خصوصيةَ اعتبارِ الشارع له، ويُنيط الحكم بالمعنى الأعم.([49])

وبعبارة أخرى: يُبقي المجتهد من الأوصاف المقترنة بالحكم ما يصلح للعلية، ويُلغي ما لا يصلح([50]). وإلغاءُ بعضِ الأوصاف ليس تَشهيًا، بل بناءً على دليل، وبالتالي فهو حَذفُ ما عُلم بعادة المشـرع في مصادره في أحكامه أنه لا مدخل له في التأثير.([51]) ولابد من بيان أن مجال تنقيح المناط – حسب ما هو ملاحظ من تعريف الأصوليين له- هو الأوصاف الواردة في النص، وأما ما لا يرد في أوصاف النص فيدخل في السبر والتقسيم الذي مر سابقًا.

التعريف الثاني لتنقيح المناط:

أورد بعض المصنفين تعريفًا ثانيًا لتنقيح المناط، وهو: إلحاقُ المسكوتِ عنه بالمنصوص بإلغاء الفارق([52]).

من الملاحظ من هذا التعريف أن تنقيح المناط بالمعنى الثاني يصب في المعنى الأول، فهو لا يزال بحثًا عن الوصف المناسب في الأوصاف الصالحة للتعليل، المذكورة في النص، ولكن الجديد فيه أنه يذكر آلية الوصول إليه بإلغاء الفارق، بينما أغفل التعريف الأول هذه الآلية.

قبل مغادرة مسلك تنقيح المناط لابد من بيان أن هذا المسلك ومسلك السبر والتقسيم الذي سبقه هما من حيث الآلية شيء واحد باعتمادهما على حصـر الأوصاف الصالحة للتعليل، ثم اختبارها بشتى الطرق للوصول إلى الوصف الأكثر صلاحية للتعليل.

ويختلفان في المجال: فمجال السبر والتقسيم منحصر في العلل الاجتهادية. ومجال تنقيح المناط منحصر في العلل المنصوصة.

المسلك السادس: المناسبة.

استخدم الأصوليون عدة مصطلحات للتعبير عن المناسبة، فالمناسبة قد تسمى الإخالة([53])،  وقد تسمى رعاية المقاصد([54])، ويسمى استخراجها: تخريج المناط.([55])

قد استعمل الأصوليون المناسبة في ثلاثة معانٍ هي:

  1. المناسبة بمعنى الآلية والمسلك الذي يوصل إلى الوصف الأكثر مناسبة (ملاءمة).
  2. المناسبة بمعنى العلاقة بين الوصف الصالح للتعليل والحُكم الشرعي المرتبط بذلك الوصف.
  3. المناسبة بمعنى الأثر؛ أي: المناسب نفسه، والذي هو العلة.

وسأبين شرحًا موجزًا لتلك الاستعمالات:

ركز الاستعمال الأول للمناسبة على الآلية والمسلك الذي يوصل إلى الوصف الأكثر مناسبة (ملاءمة)، وكلامهم عن المناسبة كآلية كان أساسَ انطلاقهم في الحديث عن المناسبة، ومن نصوص الأصوليين في هذا الاتجاه:

  • “المسلك الخامس في إثبات العلية المناسبة، وهو من الطرق المعقولة… وهو تعيين العلة بمجرد إبداء المناسبة؛ أي المناسبة اللغوية التي هي الملاءمة”([56]).
  • ·     “المناسبة والإخالة ، وتسمى تخريج المناط ، وهو تعيين العلة بمجرد إبداء المناسبة من ذاته. ([57]).
  • ·     “الخامس من مسالك العلة المناسبة والإخالة… تعيين العلة بإبداء مناسبة بين المعيِّن والحُكم مع الاقتران بينهما”([58]).

 وبناء على هذا الاستعمال يكون التعريف المختار للمناسبة من هذه الزاوية: أنها المسلك الذي يوصل إلى العلة بمجرد إبداء الملاءمة بين الوصف والحُكم، وبعبارة أخرى: تعيين العلة بمجرد إبداء الملاءمة.

وأما الاستعمال الثاني للمناسبة فإنه ركز على العلاقة بين الوصف الصالح للتعليل والحُكم الشرعي المرتبط بذلك الوصف. ولا يُقبل أي علاقة على الإطلاق، بل لابد من أن تكون تلك العلاقة فيها مواءمة بين الوصف والحكم([59])، ومن نصوص الأصولين في استعمال المناسبة بمعنى العلاقة ما يلي:

  • “وهي أن يقترن بالحُكم وصف مناسب، وهو وصف ظاهر منضبط يلزم من ترتيب الحكم عليه ما يصلح أن يكون مقصودًا من حصول مصلحة أو دفع مفسدة”([60]).
  • ·     “المناسبة وهي أن يقترن بالحُكم وصف مناسب”([61]).
  • ·     “المناسبة من ذات الوصف؛ يعني أن يكون الأصل مشتملًا على وصف مناسب للحكم، فيحكم العقل بوجود تلك المناسبة…”([62]).

فالتعريف المختار للمناسبة من هذه الزاوية: هي علاقة مواءمة عقلية بين الوصف والحُكم.

من الواضح أن التعريف قد نص على ذكر الآلية التي توصل إلى تلك العلاقة، وهي العقل، والمبرر لذكر الآلية في التعريف هو أن هذه الآلية جزء أساسي من التعريف، فلا يُعد ذكر الآلية حشوًا في التعريف.

 ولا يخفى أن مقصود المناسبة في الاستعمالين السابقين هو الوصول إلى الوصف الأصلح للتعليل، وهو ما يسميه الأصوليون بالمناسب، وهو الاستعمال الثالث، كما سنستبين في السطور الآتية.

ينحصر الاستعمال الثالث -للأصوليين عند كلامهم عن المناسبة- في الأثر؛ أي: المناسب نفسه، والذي هو العلة؛ لأن المبحوث عنه في مسلك المناسبة، والمقصود منها هو العلة؛ أي الأثر والنتيجة، وهذا الأثر والنتيجة أطلق عليه الأصوليون المناسبة. وبعبارة أخرى: إن المناسبة تُولِّد الوصف المناسب، وهذا الوصف هو أثر من تلك المناسبة، وهو: “وصف ظاهر منضبط يلزم من ترتيب الحكم على وفقه حصول ما يصلح أن يكون مقصودًا من شرع ذلك الحكم”([63]).

فهم يسمون المناسب بالمناسبة، ويعللون بالمناسبة؛ أي بالوصف المناسب، ومن النصوص التي تشهد لهذا الكلام:

  • “وكذا في جانب الوصف أعم أوصافه كونه وصفًا تُناط به الأحكام حتى تدخل فيه الأوصاف المناسبة وغير المناسبة”([64]).
  • 1.    “المناسبة مع الاقتران دليل العلية”([65]).

فالواضح من كلا النصيين أن المقصود من المناسبة هو الوصف المناسب؛ أي: العلة.

الخلاصة: ما أريد أن نؤكده هنا هو أن المقصود بالمناسبة هو المسلك والآلية، فتكون المناسبة بناء على ذلك الطريق الموصل إلى الوصف الذي يلزم من ترتيب الحكم على وفقه حصول ما يصلح أن يكون مقصودًا من شرع ذلك الحكم، وسيكون ذلك الوصف لاريب يجلب للإنسان نفعًا، وتقع المصلحة عقبه، أو يدفع الضرر ويدرؤه عنه([66]).

مثال:

  • (القتل العمد العدوان) هو وصف ظاهر منضبط، يلزم من ترتيب الحكم عليه –وهو إيجاب القصاص على المعتدي- حصول منفعة، ودفع مضرة([67]):

والمنفعة هي: بقاء الحياة كما قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179]

والمضـرة المدفوعة: التعدي؛ لأن الشخص إذا عَلم بوجوب القصاص على المعتدي امتنع من القتل.

نجد من خلال المثال أن للعقل حضورًا كبيرًا في هذا المسلك، ويؤكد هذا المعنى تعريف الغزالي للمناسبة بأنها “معنى معقولًا ظاهرًا في العقل، يتيسر إثباته على الخصم بطريق النظر العقلي، بحيث ينسب الخصم –بعد الإظهار بطريقه- إلى النكر والعناد([68])“.  وأكد الزركشي العلاقة بين المناسبة والعقل عندما صرح بأن المناسبة “من الطرق المعقولة([69]) ” في إثبات العلية.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام: كيف يوصل العقل إلى المناسبة

إن الجواب ينبغي أن يولد من بنية المناسبة المذكورة سابقًا، والتي هي (المواءمة بين الوصف والحكم)، والذي يكشف هذه المواءمة الاستدلال. وقد عرف الجويني الاستدلال بأنه: “معنىً مشعر بالحكم مناسب له فيما يقتضيه الفكر العقلي من غير وجدان أصلٍ متفق عليه، والتعليل المنصوب جارٍ فيه([70])“.  ومن الواضح أن الجويني يقصد بـ(المعنى) أعم من أن يكون دليلًا، ولعله يعني (ما يوصل إليه)، وبالتالي هذا ما يؤكد أن الاستدلال آلية، وليس دليلًا.

ومن هنا يظهر لنا أن مسلك المناسبة بوصفه آلية يعتمد اعتمادًا كليًّا على آلية الاستدلال.

المسلك السابع: الشبه.

بداية إن الشبه لفظ عام أريد به الخاص([71])؛ إذ يطلق الشبه على جميع أنواع القياس؛ لأن كل قياس لا بد فيه لكي يكون قياسًا من الشبه بين الأصل والفرع([72])، وقد استعمل الأصوليون الشبه في ثلاثة معانٍ هي([73]):

  1. الشبه بمعنى الآلية والمسلك الذي يوصل إلى العلة المناسبة بغيرها لا بذاتها.
  2. الشبه بمعنى العلاقة بين الوصف الصالح للتعليل والحُكم الشـرعي المرتبط بذلك الوصف.
  3. الشبه بمعنى الأثر، وهو العلة الثابتة بهذا المسلك([74]).

مثال: ذكر الإمام الشافعي في مسألة إزالة النجاسة أنها طهارة تُراد لأجل الصلاة، وبالتالي فلا يجوز إزالتها بغير الماء، فهي كطهارة الحدث. فإزالة النجاسة عند الشافعي شابهت رفع الحدث في اشتراط الطهارة، فمناسبة الماء لإزالة النجاسة لا تظهر بذاتها، بل بمشابهة إزالة النجاسة لرفع الحدث؛ إذ إن الجامع بين إزالة النجاسة ورفع الحدث هو الطهارة، ويؤيد ذلك أن الشارع اعتبرها في بعض الأحكام كمس المصحف والصلاة والطواف مما يوهم اشتمالها على المناسبة([75]). 

ويلاحظ أن مسلك الشبه هو آلية للوصول إلى العلة، وليس مصدرًا لها.

المسلك الثامن: الدوران.   

وهو عبارة عن اقتران ثبوتِ الحكم مع ثبوت الوصف، وعدمِه مع عدمه.([76]) 

وبعض الأصوليين يُعبر عن هذا المسلك بالجريان، وبعضهم يعبر عنه بالطرد والعكس معًا ([77]).

مثال([78]): العنب حين يكون عصيرًا فهو ليس بمسكر، وبالتالي فهو غير محرم، فقد اقترن العدم بالعدم؛ أي: عدم الإسكار بعدم الحرمة. وبالمقابل إذا صار العصير مسكرًا تغير الحُكم تبعًا لذلك إلى الحرمة، فقد اقترن الثبوت بالثبوت؛ أي: وجود الحكم (الحرمة) بوجود الوصف (السكر).

فالدوران آلية تكشف العلاقة الوجودية والعدمية ما بين الوصف والحكم.

المسلك التاسع: الطرد.

الطرد: هو الجمع بين الأصل والفرع بوصف يُعلم خلوه عن المصلحة، وعدمُ التفات الشـرع إليه([79])، فبنية الطرد ألا تكون علته مناسبة ولا مؤثرة في الحكم بذاته ([80]). والفرق الواضح بين الطرد وبين مسلك الدوران يظهر في أن الدوران قائم على حالتي الوجود والعدم معًا، وأما الطرد فهو في حالة الوجود دون العدم([81]).

ومثال الطرد التعليل في مسألة ما بالطول أو القصـر، أو باللون… مع أن هذه الأوصاف ليست مناسبة.

ويلاحظ أن الطرد يستعمل في العلاقة بين الوصف والحكم من حيث عدم مناسبته بذاته أو بغيره. ويستعمل أيضًا في الآلية التي توصل إلى هذا الوصف.

الخلاصة:

هذه باختصار مسالك العلة المذكورة في كتب الأصوليين، وقد أشرت إلى أهم النقاط المتعلقة بهذه المسالك من غير الخوض في التفاصيل الدقيقة لكل مسلك، ومن غير الخوض في الخلاف المذهبي بين الأصوليين؛ فالهدف من ذكر هذه المسالك هو معرفة مدى الاستفادة منها ضمن مسالك للحكمة.

المبحث الثالث: الكشف عن مسالك الحكمة

أناقش في هذا المبحث مسالك العلة من زاوية بنية الحكمة، لمعرفة ما يصلح منها كمسالك للحكمة، لأصل في المطلب الثاني إلى مسالك الحكمة النهائية.

المطلب الأول: مناقشة مسالك العلة في ضوء بنية الحكمة

بعد الجولة المختصرة بين مسالك العلة سأبدأ بسبرها تباعًا لمعرفة صلاحية كل واحد منها لأن يكون من مسالك الحكمة:

أولًا: الإجماع.

الإجماع بنوعيه واقعٌ في العلل كما ذكرت سابقًا، لكن هل أجمعت الأمة ونصَّتْ على أن أفعال الشارع مبنية على الحِكم أو أن هذا الحُكم حكمته كذا أو كذا.؟ العبثية في أفعال الله منفية، ولا يقول بها أحدٌ، وبالتالي فإن الحِكمة من أهم صفات الأحكام الصادرة من قبل الشارع، وطبعًا هي من باب التفضّل لا الإلزام، فكلٌّ يعمل على شاكلته، والتفصيل في هذه الفكرة متوافرٌ في كتب الأصول([82]).

ويبدو من وجهة نظر الباحث أن الإجماع المتعلق بالحكمة واقعٌ بطريقة عملية غير لفظية (الإجماع السكوتي) على حِكم بعض الأحكام الواضحة، فأكثر كتب الأصول تضرب مثالًا على الحكمة بـ: (المشقة) المستبطنة في السفر.

لم ينص الأصوليون على أن الإجماع واقع على أن المعنى الذي كان من أجله السفر علة هو المشقة، لكن كتب الأصول عمليًّا ناطقةٌ بذلك، وبالتالي يمكن أن نطلق على تواطئهم على هذا المثال (بالإجماع) تجوُّزًا ومجازًا.

والسؤال الجدير بالطرح: لماذا لم يجمع العلماء على حِكم بعض الأحكام، كإجماعهم على علل بعض الأحكام.؟

إن الجواب عن هذا السؤال يمكن في أن وضوح حِكم بعض الأحكام –كحُكم قصر الصلاة- لا يحتاج إلى إجماع، وكما ذكرت في مقدمة هذا المبحث أن الشارع ربط الأحكام بالعلل المنضبطة الظاهرة، ومن خلال الاستقراء لم نجد الشارع قد ربط الأحكام بالحِكم؛ لعدم انضباطها إضافة إلى خفائها، وبسبب ارتباط الأحكام الشرعية بالعلل لم يهتم العلماء بالحكمة كاهتمامهم الممنهج بالعلة.

وبالتالي فإن الإجماع يصلح أن يكون مسلكًا من مسالك الحكمة بمعنى المصدر لا الآلية، على ندرته.

ثانيًا: النص على العلة.

وأما مسلك النص فلا أجد نفسي مضطرًا للحديث عنه بعدما بينت في الفقرة السابقة أنه مصدر مستقل من مصادر الحكمة.

ثالثًا: الإيماء والتنبيه على العلة.

وأما هذا المسلك فواضح أنه آلية دلالية تخدم مسلك النص بطرقها المتعددة التي ذكرها الأصوليون في مباحث مسالك العلة، وقد فصلت ذلك سابقًا.

رابعًا: المناسبة.

إن هذا المسلك من مسالك العلة لا يحتاج إلى كبير جهد لبيان صلاحيته لأن يكون مسلكًا من مسالك الحكمة، وذلك للأسباب الآتية:

  1. إن المناسبة بوصفها علاقة بين الحكم والوصف تدخل في ماهية الحكمة، فالمسلك الذي يوصل إلى هذه العلاقة، وهو مسلك المناسبة لا ريب يرتقي لأن يكون كاشفًا للحكمة.
  2. إن المناسبة بوصفها علاقة من أهم السمات الملازمة للحكمة، وهذا لا ريب يؤهلها لأن تكون من مسالك الحكمة.

خامسًا: السبر والتقسيم، وتنقيح المناط.

سبق وأن بينا فيما مضى أن هذين المسلكين يعملان بآلية واحدة، وهي جمع الأوصاف الصالحة للتعليل، ثم اختبارها وصولًا للوصف الأصلح، بغض النظر عن ورود هذه الأوصاف في النص أو لا.

والذي ينبغي الإشارة إليه هنا أن عملية اختبار هذه الأوصاف غالبًا ما تعتمد على بيان مناسبتها للحكم، ومن ثَم فإن المناسبة هي أهم طرق السبر في هذين المسلكين، الأمر الذي يُقرِّب المسافة بينهما وبين مسلك المناسبة.

 إضافة إلى أنّ تحديد الوصف الصالح للعلية يعتمد على وجود أدنى مناسبة له للحكم، الأمر الذي يجعل للمناسبة دورًا في التقسيم، وليس في السبر وحسب.

ويمكن القول: إن كل المخرجات من هذه العملية تتحقق فيها صفة المناسبة، وبالتالي فإن المخرجات من هذين المسلكين هي حِكم ابتداءً، وقد ينتهي بها المطاف إلى أن تتحول إلى علل إذا انطبقت عليها شروط العلة.

سادسًا: الشبه، والطرد.

قوام الشبه مبني على عدم المناسبة، أو في أحسن الأحوال مبنيٌّ على المناسبة بالغير، وليس المناسبة الذاتيَّة.

وقوام الطَّرد أيضًا مبنيٌّ على عدم المناسبة، وبالتّالي فإنَّ كلا المسلكين يشتركان في عدم المناسبة، ومن السِّمات الملازمة للحكمة هي المناسبة كما بيَّنّا سابقًا، وبالتالي فإنَّ كلا المسلكين لا يصلحان لأن يكونا من مسالك الحكمة.

 سابعًا: الدوران.

هذا المسلك من مسالك العلَّة غير صالح لتعديته إلى مسالك الحكمة؛ لأنَّ بنية هذا المسلك كون الحُكم يثبت مع ثبوت الوصف، وينتفي بانتفائه، وهذا المعنى غير مناسب للحكمة؛ لأنَّ الحُكم لا يرتبط ثبوته أو عدمه بوجود الحكمة أو عدمها، فعدم وجود المشقة، والتي هي حِكمة، لا يؤثِّر على عدميَّة الحُكم، والذي هو قصر الصَّلاة بالنِّسبة للمسافر، بل المؤثِّر هنا هو (السَّفر) فقط، والذي هو علَّة، وسواء رافق السَّفر وجود المشقَّة والتي هي الحكمة، أم كان السفر مريحًا بعيدًا كلَّ البعد عن أدنى مشقَّة.

المطلب الثاني: مسالك الحكمة النهائيَّة

بعد هذه الجولة بين النصِّ الشرعيّ، ومسالك العلَّة، وما قمنا به من بيان المسالك الصّالحة منها لمعرفة الحكمة، سأضع تقسيمًا مختارًا لمسالك الحكمة في ضوء ما تمَّ ذكره في الفقرات السابقة، معتمدًا على تقسيم هذه المسالك إلى نوعين: مصادر تنبع منها الحِكم، وآليات تُسهم في الوصول إلى تلك الحكم، وستكون الافتتاحية بذكر المصادر.

  • مصادر الحكمة:
  • النَّصّ:

المصدر الأوَّل والأساسيُّ من مصادر الحكمة هو النَّصُّ بنوعيه النصّ القرآنيّ، والنصّ النبويّ، فالنصّ هو أمّ المصادر؛ ابتداء من مصادر الحكمة، فالعلة، وانتهاء بالمقاصد.

وليس من الدِّقَّة حصر هذا المسلك ليختصَّ في مسالك العلَّة، فهذا تصغير واضح لهذا المصدر المهمّ، وقد استفضنا في هذا المسلك سابقًا.

  • الإجماع:

كما ذكرت سابقًا فإنَّ الإجماع من الممكن أن يصلح لأن يكون من مصادر الحكمة إن وقع ذلك، على ندرته طبعًا.

  • آليّات الوصول إلى الحكمة:

أمّا الآليّات الصّالحة لأن تُستخدم من أجل الوصول إلى الحِكم فهي تنحصر فيما يأتي: 

الاستقراء:

إنَّ من الآليّات المستخدمة للكشف عن الحكمة هو الاستقراء بأنواعه التي ذكرناها سابقًا، فهو آليَّة تكشف عن الحِكم المختلفة من خلال بنية هذه الآليَّة القائمة على التَّتبُّع، وهو ليس محصورًا في النَّصِّ، بل يصلح للسَّبر والتَّقسيم؛ لأنَّ التَّقسيم يعتمد على الاستقراء.

الاستدلال:

سبق أن ذكرنا من قبل أنَّ الاستدلال هو الأساس الذي تقوم عليه المناسبة، ومن ثَمَّ فإنَّه يُعدّ من أهمِّ الآليَّات التي يمكن التعويل عليها في مسالك الحكمة.

أمَّا السَّبر والتَّقسيم، أو تنقيح المناط:

كما بيَّنّا سابقًا فإنَّ السَّبر والتَّقسيم متطابق من حيث الآليَّة مع تنقيح المناط، ووجه التَّطابق يظهر من طبيعة عملهما القائمة على الحصر؛ أي حصر الأوصاف الصّالحة للتعليل من حيث ظهور المناسبة، ومن خلال عملية حصر الأوصاف الصّالحة للتَّعليل تُفرز من هذه الآليَّة الحِكم، وينتهي بنا المطاف إلى العلل إن استكملت الشروط الخاصَّة بها.

ومن الملاحظ أنَّ السَّبر والتَّقسيم وتنقيح المناط يعتمدان بشكل أساسيٍّ على الاستقراء والمناسبة:

أمّا الاستقراء فبهِ يتمُّ التَّقسيم.

وأمّا المناسبة فتظهر فيهما من ناحيتين: الأولى: أنَّ التَّقسيم يتوقَّف على تحديد الأوصاف المناسبة. والثانية: سبرها وصفًا وصفًا للوصول إلى الوصف الأكثر مناسبة.

وبما أنَّ المناسبة تدخل في ماهيَّة الحكمة، فليس يبعد أن يُستغنى عن مسلكي السَّبر والتَّقسيم، وتنقيح المناط بالاستقراء والاستدلال الذي تقوم عليه المناسبة بشكل أساسيّ، والله أعلم.

الخاتمة:

نصل بالقارئ إلى مجموعة من النَّتائج التي توصَّل إليها البحث:

  • تطلق المسالك على المصادر المولّدة، وعلى الآليّات والطرق الموصلة.
  • يمكن الاستفادة من مسالك العلَّة في الكشف عن الحِكم.
  • إن المسالك المصدريّة للحكمة هي النَّصُّ الشرعيُّ والإجماع.
  • إن المسالك الآليَّة الموصلة للحكمة هي الاستقراء والاستدلال.

المراجع:

الإسنوي، عبد الرحيم، نهاية السول شرح منهاج الوصول، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1999م

الآمدي، علي بن أبي علي، الإحكام في أصول الأحكام، بيروت، المكتب الإسلامي، ط2، 1981م

ابن أمير حاج، محمد بن محمد بن محمد، التقرير والتحرير، بيروت، دار الكتب العلمية، ط2، 1983م

الأنصاري، زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا، غاية الوصول في شرح لب الأصول، مصر، دار الكتب العربية الكبرى

ابن بدران، عبد القادر بن أحمد، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط1، 1980م

التفتازاني، سعد الدين مسعود بن عمر، شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1996م

ابن جزي، محمد بن أحمد بن محمد، تقريب الوصول إلى علم الأصول، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 2003

الجصاص، أحمد بن علي أبو بكر الرازي، الفصول في الأصول، وزارة الأوقاف الكويتية، ط2، 1994م

الجويني، عبد الملك، البرهان في أصول الفقه، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1997م

الخادمي، نور الدين ، علم المقاصد الشرعية، الرياض، مكتبة العبيكان

الدهلوي، ولي الله، حجة الله البالغة، بيروت، دار الجيل، 2005

الرازي، محمد بن عمر بن الحسن، المحصول، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1997م

الزركشي، محمد بن عبد الله بن بهادر، البحر المحيط، دمشق، دار الكتبي، ط1، 1994م

السبكي، تقي الدين، الإبهاج في شرح المنهاج، بيروت، دار الكتب العلمية، 1995م

ابن السبكي، عبد الوهاب بن تقي الدين، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، بيروت، عالم الكتب، ط1، 1999م

السمرقندي، علاء الدين، ميزان الأصول في نتائج العقول، قطر، مطابع الدوحة الحديثة، ط1، 1984م

السمعاني، منصور بن محمد، قواطع الأدلة في الأصول، بيروت، دار الكتب العلميةـ ط1، 1999م

السيوطي، عبد الرحمن، الأشباه والنظائر، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1990م

الشاطبي، إبراهيم بن موسى بن محمد، الموافقات، السعودية، دار ابن عفان، ط1، 1997م

الشربيني، عبد الرحمن، تقرير الشربيني على حاشية العطار، بيروت، دار الكتب العلمية

الشنقيطي، عبد الله بن إبراهيم العلوي، نشر البنود، المغرب، مطبعة فضالة

الشيرازي، إبراهيم، شرح اللمع، بيروت، دار الغرب، ط1، 1988م

الطوفي، سليمان، شرح مختصر الروضة، السعودية، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، ط2، 1998م

ابن عبد السلام، عز الدين، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، بيروت، دار المعارف

عبد المولى، عصام، الوقائع المسكوت عنها في الكتاب والسنة، رسالة ماجستير، جامعة اليرموك، 2006 م

علاء الدين البخاري، عبد العزيز، كشف الأسرار شرح أصول البزدوي، دار الكتاب الإسلامي، د.ت.

الغزالي، محمد بن محمد، شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل، بغداد، مطبعة الإرشاد، 1971م، (ط1)

ابن فرحون، إبراهيم، تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، مصر، مكتبة الكليات الأزهرية، 1986م

ابن قدامة، موفق الدين، روضة الناظر وجنة المناظر، مؤسسة الريان، ط2، 2002م

القرافي، أحمد بن إدريس، شرح تنقيح الفصول، شركة الطباعة الفنية المتحدة، ط2، 1973م  

القرافي، أحمد بن إدريس، الذخيرة، بيروت، دار الغرب الإسلامي، ط2، 1994م

ابن القيم الجوزية، محمد بن أبي بكر، شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، بيروت، دار المعرفة، ط1، 1978م

ابن القيم، محمد بن أبي بكر، مفتاح دار السعادة، بيروت، دار الكتب العلمية، د.ت

ابن اللحام، علي بن محمد بن عباس، المختصر في أصول الفقه، مكة المكرمة، جامعة الملك عبد العزيز، ط1، د.ت

المرادي، علي، التحبير شرح التحرير، السعودية، مكتبة الرشد، ط1، 2000م

 ابن النجار، محمد بن أحمد الفتوحي، شرح الكوكب المنير، السعودية، مكتبة العبيكان، ط2، 1997م

ابن نجيم، زين الدين، الأشباه والنظائر، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1999م

جغيم، نعمان، طرق الكشف عن مقاصد الشارع، عمان، دار النفائس، ط1، 2002م


([1]) تعرف التعدية بأنَّها: “مجاوزة الحكم من محلِّه، وإثباته في آخر غيره، لاشتراكهما في المعنى المؤثّر”. عبد المولى، عصام، الوقائع المسكوت عنها في الكتاب والسنة، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة اليرموك، 2006، ص39   

([2]) الغزالي، محمد بن محمد، شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيّل ومسالك التعليل، بغداد، مطبعة الإرشاد، 1971م، ط1، ص: 613     

([3]) المرجع السابق، ص:615

([4]) الشاطبي، إبراهيم بن موسى، الموافقات، السعودية، دار ابن عفان، 1997، ط1، ج1، ص515

([5]) جاء في البحر المحيط حول الضبط المتعلّق بالعلة: “أَنْ يَكُونَ وَصْفًا ضَابِطًا”. الزركشي، محمد بن عبد الله بن بهادر، البحر المحيط، دمشق، دار الكتبي، 2/168

([6]) ومن أهمّ روّاد الاتّجاه المقاصديّ في تعريف الحكمة: العز بن عبد السلام، الزركشي، الرازي، الآمدي.

ينظر: الحكمة في المصطلح الأصولي، المفهوم والمحددات، مجلة الميزان للدراسات الإسلامية والقانونية، العدد الأول، رمضان 1443، نيسان 2022.  

([7]) المرجع السابق.

([8]) ينظر الدراسة القيمية حول مسالك المقاصد: جغيم، نعمان، طرق الكشف عن مقاصد الشارع، عمان، دار النفائس، ط1، 2002م

([9]) ابن القيِّم، محمد بن أبي بكر بن أيوب، مفتاح دار السعادة، بيروت، دار الكتب العلمية، 2/22

([10]) القاسمي، محمد جمال الدين، ، محاسن التأويل، بيروت، دار الكتب العلمية،  وذلك في معرض تفسيره للآية.  

([11]) ابن عاشور، محمد الطاهر، التحرير والتنوير، تونس، الدار التونسية للنشر، وذلك في معرض تفسيره للآية.  

([12]) الرازي، محمد بن عمر، مفاتيح الغيب، بيروت، دار إحياء التراث العربي، في معرض تفسيره للآية.  

([13]) ينظر: الرازي، والقرطبي، وابن عاشور في معرض تفسيرهم للآية.  

([14]) ابن عاشور، محمد الطاهر، التحرير والتنوير، وذلك في معرض تفسيره للآية.   

([15]) كالأخفش والكسائي. ينظر: المرادي، حسن بن قاسم، الجنى الداني في حروف المعاني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1992، 1/99 ؛ ابن هشام، عبد الله، مغني اللبيب، دمشق، دار الفكر، 1/378 ؛ الزركشي، محمد بن عبد الله بن بهادر، البحر المحيط، 5/196

([16]) ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، بيروت، دار صادر، مادة: قرأ.

([17]) الغزالي، محمد بن محمد، المستصفى، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1993، 1/41 ؛ الزركشي، محمد بن عبد الله بن بهادر، البحر المحيط، 7/261.

([18]) الاستقراء التام هو:

  • إثبات الحكم في جزئي لثبوته في الكلي.  

(السبكي، تقي الدين، الإبهاج في شرح المنهاج، بيروت، دار الكتب العلمية، 1995م، 3/173؛ ابن النجار، محمد بن أحمد الفتوحي، شرح الكوكب المنير، السعودية، مكتبة العبيكان، 1997م، ط2، 4/419؛ المرادي، علي، التحبير شرح التحرير، السعودية، مكتبة الرشد، ط1، 2000م، 8/3788)

(الاستقراء بالجزئي على الكلي) بأن تُتبع جزئيات كلي ليثبت حكمها له (إن كان تامًا؛ أي: بالكل) أي كل الجزئيات. (الشربيني، عبد الرحمن، تقرير الشربيني على حاشية العطار، بيروت، دار الكتب العلمية، 2/28)

([19]) الاستقراء الناقص هو:

  • هو الحكم على كلي بما يوجد في جزئياته الكثيرة.  (ابن سينا، الحسين بن عبد الله، الإشارات والتنبيهات، 1/367 ؛ السبكي، تقي الدين، الإبهاج في شرح المنهاج، 3/173 ؛ الرازي، محمد بن عمر بن الحسن، المحصول، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1997م، 5/68.
  • هو أن تتصفح جزئيات كثيرة داخلة تحت معنى كلي، حتى إذا وجدت حُكمًا في تلك الجزئيات حَكمتَ على ذلك الكلي به. (الغزالي، محمد بن محمد، معيار العلم في فن المنطق، مصر، دار المعارف، ط1، 1961م، 1/30؛ الغزالي، محمد بن محمد، المستصفى، 1/41)

([20]) ينظر: الشربيني، عبد الرحمن، تقرير الشربيني على حاشية العطار، 2/28 ؛ السبكي، تقي الدين، الإبهاج في شرح المنهاج، 3/173 ؛  ابن النجار، محمد الفتوحي، شرح الكوكب المنير، 4/419 ؛ المرادي، علي، التحبير شرح التحرير، 8/3788.

([21]) جغيم، نعمان، طرق الكشف عن مقاصد الشارع، 329.

([22]) البخاري، كتاب: الزكاة. رقم: 1331.

([23]) قال الزيلعي: غريب بهذا اللفظ. (نصب الراية، 2/308)

([24]) الطوفي، سليمان، شرح مختصر الروضة، السعودية، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، 1998م، ط2،3/387.    

([25]) جغيم، نعمان، طرق الكشف عن مقاصد الشارع، 329.

([26]) مسلم، كتاب: الطهارة، باب المذي. رقم: 303

([27]) الترمذي، كتاب: أبواب الطهارة، باب ما جاء في المني والمذي. رقم: 114

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

([28]) مسلم، كتاب: الطهارة. باب: نسخ الماء من الماء، ووجوب الغسل بالتقاء الختانين. رقم: 349

([29]) البخاري، كتاب: الحيض، باب: إذا رأت المستحاضة الطهر. رقم: 324

([30]) “وقد قيل: إن الوضوء معقول المعنى فإنه مشعر بالتنظيف والتنقية.” (السمعاني، منصور بن محمد، قواطع الأدلة في الأصول، بيروت، دار الكتب العلميةـ ط1، 1999، 3/141)

([31])  البخاري، كتاب: الحيض. باب: باب إذا رأت المستحاضة الطهر. رقم: ‏ 324.

([32]) أمير بادشاه، محمد أمين، تيسير التحرير، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1996م، 2/258؛ علاء الدين البخاري، عبد العزيز، كشف الأسرار شرح أصول البزدوي، دار الكتاب الإسلامي، 4/376؛ ابن نجيم، زين الدين، الأشباه والنظائر، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1999م، ص: 75 ؛ السيوطي، عبد الرحمن، الأشباه والنظائر، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1990م، ص: 77.

([33]) الشنقيطي، عبد الله بن إبراهيم العلوي، نشر البنود، المغرب، مطبعة فضالة، 2/148 ؛ الشربيني، عبد الرحمن، تقرير الشربيني على حاشية العطار، 2/305. 

([34]) السبكي، تقي الدين، الإبهاج في شرح المنهاج، 3/1518 ؛ الشربيني، عبد الرحمن، تقرير الشربيني على حاشية العطار، 2/305 ؛ الزركشي، محمد بن عبد الله بن بهادر، البحر المحيط، 5/184 ؛ ابن النجار، محمد الفتوحي، شرح الكوكب المنير، 4/116 ؛ ابن جزي، محمد بن أحمد بن محمد، تقريب الوصول إلى علم الأصول، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 2003، ص: 126.

([35]) الزركشي، محمد بن عبد الله بن بهادر، البحر المحيط، 5/184.

([36]) السمرقندي، علاء الدين، ميزان الأصول في نتائج العقول، قطر، مطابع الدوحة الحديثة، ط1، 1984م، ص: 590 ؛ القرافي، أحمد بن إدريس، شرح تنقيح الفصول، شركة الطباعة الفنية المتحدة، ط2، 1973م، ص: 390 ؛ السبكي، تقي الدين، الإبهاج في شرح المنهاج، 3/1499؛ الشربيني، عبد الرحمن، تقرير الشربيني على حاشية العطار، 2/305 ؛ شرح الكوكب المنير:  4/117.

([37]) السمرقندي، علاء الدين، ميزان الأصول في نتائج العقول، ص: 590 ؛ القرافي، أحمد بن إدريس، شرح تنقيح الفصول، ص: 390 ؛ الشنقيطي، عبد الله بن إبراهيم العلوي، نشر البنود، 4/149؛  الغزالي، محمد بن محمد، المستصفى، 2/373 ؛ شرح اللمع، رقم الفقرة: 989 ؛ الرازي، محمد بن عمر بن الحسن، المحصول، 5/ 139 ؛  البحر المحيط: 5/187 ؛ السبكي، تقي الدين، الإبهاج في شرح المنهاج، 3/1499 ؛ ابن النجار، محمد الفتوحي، شرح الكوكب المنير،  4/117 ؛ الطوفي، سليمان، شرح مختصر الروضة، 3/357.

([38]) السمرقندي، علاء الدين، ميزان الأصول في نتائج العقول، ص: 593 ؛ القرافي، أحمد بن إدريس، شرح تنقيح الفصول، ص: 390 ؛ الشنقيطي، عبد الله بن إبراهيم العلوي، نشر البنود، 4/150؛ المحصول:  5/ 141؛ الزركشي، محمد بن عبد الله بن بهادر، البحر المحيط: 5/189 ؛ السبكي، تقي الدين، الإبهاج في شرح المنهاج، 3/1501؛ ابن النجار، محمد الفتوحي، شرح الكوكب المنير،  4/121.

([39]) ابن النجار، محمد الفتوحي، شرح الكوكب المنير، 4/125.

([40]) الزركشي، محمد بن عبد الله بن بهادر، البحر المحيط، 5/197 ؛ الطوفي، سليمان، شرح مختصر الروضة، 3/361.

([41]) قال الغزالي في المستصفى (2/377): “هذا وأمثاله مما يكثر، ولا يدخل تحت الحصر؛ فوجوه التنبيه لا تنضبط”.

([42]) القرافي، أحمد بن إدريس، شرح تنقيح الفصول، ص: 389 ؛ الغزالي، محمد بن محمد، المستصفى، 2/377 ؛ الرازي، محمد بن عمر بن الحسن، المحصول، 5/ 144 ؛ السبكي، تقي الدين، الإبهاج في شرح المنهاج، 3/1504 ؛ ابن النجار، محمد الفتوحي، شرح الكوكب المنير، 4/125 ؛ الطوفي، سليمان، شرح مختصر الروضة، 3/363.

([43]) القرافي، أحمد بن إدريس، شرح تنقيح الفصول،ص: 390 ؛ الشنقيطي، عبد الله بن إبراهيم العلوي، نشر البنود، 4/155 ؛ الغزالي، محمد بن محمد، المستصفى، 2/376 ؛ الرازي، محمد بن عمر بن الحسن، المحصول، 5/ 152 ؛ السبكي، تقي الدين، الإبهاج في شرح المنهاج، 3/516 ؛ الشربيني، عبد الرحمن، تقرير الشربيني على حاشية العطار، 2/310؛ الزركشي، محمد بن عبد الله بن بهادر، البحر المحيط، 5/200.

([44]) الشربيني، عبد الرحمن، تقرير الشربيني على حاشية العطار، 2/313 ؛ ابن النجار، محمد الفتوحي، شرح الكوكب المنير،  4/142.

([45]) الطوفي، سليمان، شرح مختصر الروضة، 3/404.

([46]) القرافي، أحمد بن إدريس، شرح تنقيح الفصول، ص: 379 ؛ الشنقيطي، عبد الله بن إبراهيم العلوي، نشر البنود، 4/158؛ الرازي، محمد بن عمر بن الحسن، المحصول، 5/ 216 ؛ الغزالي، محمد بن محمد، المستصفى، 2/384 ؛ الزركشي، محمد بن عبد الله بن بهادر، البحر المحيط، 5/222.

([47]) الرازي، محمد بن عمر بن الحسن، المحصول، 5/ 218 ؛ الزركشي، محمد بن عبد الله بن بهادر، البحر المحيط، 5/224

([48]) القرافي، أحمد بن إدريس، شرح تنقيح الفصول، ص: 389 ؛ ابن جزي، محمد بن أحمد بن محمد، تقريب الوصول إلى علم الأصول، ص: 127 ؛ الطوفي، سليمان، شرح مختصر الروضة، 3/243. 

([49]) الغزالي، محمد بن محمد، المستصفى، 2/284 ؛ الشربيني، عبد الرحمن، تقرير الشربيني على حاشية العطار، 2/337 ؛ الشنقيطي، عبد الله بن إبراهيم العلوي، نشر البنود، 4/199 ؛ الطوفي، سليمان، شرح مختصر الروضة، 3/237 

([50]) السبكي، تقي الدين، الإبهاج في شرح المنهاج، 3/1570 ؛ الآمدي، علي بن أبي علي، الإحكام في أصول الأحكام، 3/380 ؛ الطوفي، سليمان، شرح مختصر الروضة، 3/237 ؛ ابن النجار، محمد الفتوحي، شرح الكوكب المنير، 4/132

([51]) الغزالي، محمد بن محمد، المستصفى، 2/284

([52]) القرافي، أحمد بن إدريس، شرح تنقيح الفصول، ص: 389 ؛ السبكي، تقي الدين، الإبهاج في شرح المنهاج، 3/1567 ؛ الزركشي، محمد بن عبد الله بن بهادر، البحر المحيط، 5/255  ؛  الشنقيطي، عبد الله بن إبراهيم العلوي، نشر البنود، 4/200

قال الطوفي: “لا بأس بتسمية إلغاء الفارق تنقيحًا؛ إذ التنقيح هو التخليص والتصفية، وبإلغاء الفارق يصفو الوصف، ويخلُص للعلية، فلا يكون هذا قولًا في تنقيح المناط، بل يكون إلغاء الفارق ضربًا من تنقيح المناط”  الطوفي، سليمان، شرح مختصر الروضة، 3/245    

وقال العطار: الأوجه المغايرة بينهما، وإن لم يتغايرا تغايرًا كليًّا، إذ بينهما عموم مطلق؛ لأن إلغاء الفارق يعم القطعي والظني، وتنقيح المناط خاص بالظني فيرجع إلى أنه قسم من إلغاء الفارق. الشربيني، عبد الرحمن، تقرير الشربيني على حاشية العطار، 2/338

([53]) لأن بها يخال؛ أي: يُظن أن الوصف علة. الشربيني، عبد الرحمن، تقرير الشربيني على حاشية العطار، 2/317 ؛ الزركشي، محمد بن عبد الله بن بهادر، البحر المحيط، 5/206 ؛ ابن النجار، محمد الفتوحي، شرح الكوكب المنير، 3/153

([54]) الزركشي، محمد بن عبد الله بن بهادر، البحر المحيط، 5/206

([55]) الشربيني، عبد الرحمن، تقرير الشربيني على حاشية العطار، 2/317 

([56]) الزركشي، محمد بن عبد الله بن بهادر، البحر المحيط، 7/25

([57]) ابن السبكي، عبد الوهاب بن تقي الدين (ت 771هـ)، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، بيروت، عالم الكتب، 1999م، ط1، 4/330

([58]) الشربيني، عبد الرحمن، تقرير الشربيني على حاشية العطار،5/165

([59]) الزركشي، محمد بن عبد الله بن بهادر، البحر المحيط، 7/25

([60]) ابن اللحام، علي بن محمد بن عباس، المختصر في أصول الفقه، مكة المكرمة، جامعة الملك عبد العزيز، ط1، د.ت، 4/153

([61]) الطوفي، سليمان، شرح مختصر الروضة، 3/382 

([62]) ابن النجار، محمد الفتوحي، شرح الكوكب المنير، 4/153

([63]) الآمدي، علي بن أبي علي، الإحكام في أصول الأحكام، بيروت، المكتب الإسلامي، ط2، 1981م، 2/312

([64]) الرازي، محمد بن عمر بن الحسن، المحصول، 5/156

([65]) الزركشي، محمد بن عبد الله بن بهادر، البحر المحيط، 7/26

([66]) القرافي، أحمد بن إدريس، شرح تنقيح الفصول، ص: 391 ؛ الغزالي، محمد بن محمد، المستصفى، 2/386 ؛ السبكي، تقي الدين، الإبهاج في شرح المنهاج، 3/1569 ؛ الزركشي، محمد بن عبد الله بن بهادر، الزركشي، محمد بن عبد الله بن بهادر، البحر المحيط، 5/206 ؛ ابن النجار، محمد الفتوحي، شرح الكوكب المنير، 4/153

([67]) الإسنوي، عبد الرحيم، نهاية السول شرح منهاج الوصول، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1999م، ص325

([68]) الغزالي، محمد بن محمد، شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل، ص: 143

([69]) الزركشي، محمد بن عبد الله بن بهادر، البحر المحيط، 5/206

([70]) الجويني، عبد الملك، البرهان في أصول الفقه، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1997، رقم الفقرة: 1127 ؛ وانظر أيضًا: السمعاني، منصور بن محمد، قواطع الأدلة في الأصول، 2/259

([71]) قال الأبياري: “لستُ أرى في مسائل الأصول مسألة أغمض من هذه…”  الزركشي، محمد بن عبد الله بن بهادر، البحر المحيط، 5/ 230

([72]) الغزالي، محمد بن محمد، المستصفى، 2/405 ؛ السبكي، تقي الدين، الإبهاج في شرح المنهاج، 3/1541 ؛ الزركشي، محمد بن عبد الله بن بهادر، البحر المحيط، 5 /230  ؛ الآمدي، علي بن أبي علي، الإحكام في أصول الأحكام، 3 /325

([73]) المراجع السابقة.

([74]) السبكي، تقي الدين، الإبهاج في شرح المنهاج، 3/1543 ؛ الرازي، محمد بن عمر بن الحسن، المحصول، 5 /202 ؛ الزركشي، محمد بن عبد الله بن بهادر، البحر المحيط، 5 /232

([75]) الآمدي، علي بن أبي علي، الإحكام في أصول الأحكام، 3/327 

([76]) القرافي، أحمد بن إدريس، شرح تنقيح الفصول، ص: 396 ؛ الشنقيطي، عبد الله بن إبراهيم العلوي، نشر البنود، 4/194 ؛ الرازي، محمد بن عمر بن الحسن، المحصول،   5/ 207 ؛ السبكي، تقي الدين، الإبهاج في شرح المنهاج، 3/1553 ؛ الشربيني، عبد الرحمن، تقرير الشربيني على حاشية العطار، 2/334 ؛ ابن النجار، محمد الفتوحي، شرح الكوكب المنير،  4/192

([77]) الزركشي، محمد بن عبد الله بن بهادر، البحر المحيط، 5/243 ؛ الطوفي، سليمان، شرح مختصر الروضة،  3/412

([78]) القرافي، أحمد بن إدريس، شرح تنقيح الفصول، ص: 396 ؛ الرازي، محمد بن عمر بن الحسن، المحصول، 5/207 ؛ الطوفي، سليمان، شرح مختصر الروضة، 3/413

([79]) الطوفي، سليمان، شرح مختصر الروضة، 3 /430 ؛ ابن قدامة، موفق الدين، روضة الناظر وجنة المناظر، مؤسسة الريان، ط2، 2002، 3 /870؛ الآمدي، علي بن أبي علي، الإحكام في أصول الأحكام، 3 /327

([80]) السبكي، تقي الدين، الإبهاج في شرح المنهاج، 3 /67 ؛ الرازي، محمد بن عمر بن الحسن، المحصول، 5 /202 ؛ الزركشي، محمد بن عبد الله بن بهادر، البحر المحيط، 5/248 

([81]) الزركشي، محمد بن عبد الله بن بهادر، البحر المحيط، 5/248 

([82]) ومن نصوص العلماء على أن أحكام الله عز وجل مبنية على الحِكم:

  • لأن الله قد يفعل فعلًا بسبب، وقد يفعل فعلًا ابتداء، وكذا يثبت حكمًا بسبب، وحكمًا ابتداء بلا سبب، وفعله وحكمه لا يخلوان عن الحكمة قط، عرفنا وجه الحكمة أو لا.  السمرقندي، علاء الدين، ميزان الأصول في نتائج العقول، ص: 581
  • ولكل حكم من هذه الأحكام حكمة تختص به: منها ما عرفناه، ومنها ما جهلناه. ابن عبد السلام، عز الدين، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، بيروت، دار المعارف، 1/414
  • سبحانه حكيم لا يفعل شيئًا عبثًا، ولا لغير معنى ومصلحة وحكمة هي الغاية المقصودة بالفعل، بل أفعاله سبحانه صادرة عن حِكمة بالغة لأجلها فعل، كما هي ناشئة عن أسباب بها فعل.ابن القيم الجوزية، محمد بن أبي بكر، شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، بيروت، دار المعرفة، ط1، 1978م، 1/190