ملخص

     هذا البحث بعنوان احتساب الرسل عليهم السلام في ضوء القرآن الكريم، وقد هدف البحث إلى تسليط الضوء على هدي الرسل عليهم السلام في الاحتساب من خلال آيات القرآن الكريم، ثم استنباط أبرز الجوانب التربوية من طريقة الرسل عليهم السلام في أداء شعيرة الاحتساب، ولتحقيق هذا الهدف سلك الباحث المنهجَين الاستقرائي والاستنباطي، بحيث يعرض الباحث الآيات القرآنية التي تناولت موضوع احتساب الرسل عليهم السلام، ثم استنباط أبرز سمات الحسبة عندهم عليهم السلام، وقد خلص البحث في نتائجه إلى المكانة السامية لشعيرة الاحتساب في الإسلام، وأنّ الرسل عليهم السلام هم سادات المحتسبين، حيث قاموا بمهمة الاحتساب خير قيام، والتأكيد على ضرورة السير على خطى الرسل عليهم السلام في طريقتهم في الاحتساب، وأوصت الدراسة بمواصلة تربية النشء على ثقافة الاحتساب، والحرص على وضع الخطط؛ للتصدي للمنكَرات الشائعة في المجتمعات المسلِمة.

Abstract

     This research is titled the Messengers’ (Peace be upon them) Promotion of Virtue and the Prevention of Vice (Ihtisab) according to the Holy Qur’an،the research aims to highlighting the messengers’ right guidance in the promotion of virtue and the prevention of vice according to the Holy Qur’an and eliciting the most prominent moral aspects of the messengers’approach in implementing the rituals of the promotion of virtue and the prevention of vice، To achieve this goal، the researcher used both the induction and deduction methods presenting the Qur’an verses about the promotion of virtue and the prevention of vice and then inducing the moral values learnt from those verses about the same topic،the research found out that this ritual has a supreme status in Islam، and that the messengers (peace be upon them) are the masters of implementing this ritual of the promotion of virtue and the prevention of vice since they did it in the best way ever،it also emphasized following their footsteps in their approach of the promotion of virtue and the prevention of vice،the study recommended proceeding to nurture the young on the promotion of virtue and the prevention of vice and to devise plans in order to face the common vices in the Islamic communities.

المقدمة

   الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

          فهذا البحث بعنوان (احتساب الرسل عليهم السلام في ضوء القرآن الكريم)، يتناول هَدْي الرسل عليهم السلام في الاحتساب، ثم استنباط أبرز الجوانب التربوية من طريقتهم عليهم السلام في أدائهم لهذه الشعيرة العظيمة، وذلك من خلال آيات القرآن الكريم.

أهمية البحث:

     تكتسب هذه الدراسة أهميتها من الاعتبارات الآتية:

1-أهمية الموضوع نفسه الذي تبحث فيه الدراسة، وهو شعيرة الاحتساب.

2-أنّ هذه الدراسة تتعلق بصَفْوة الخَلق وهم الرسل عليهم السلام.

3-أنّ هذه الدراسة تعالج قضية إسلامية مهمة، وهي: هدي الرسل عليهم السلام في الاحتساب في ضوء القرآن الكريم؛ ليسير المصلحون في الوقت الحاضر على خطاهم.

4- أنّ هذه الدراسة تخدم جانب التأصيل الإسلامي لعلوم التربية؛ إذ هي تتناول موضوعاً تربوياً من خلال آيات القرآن الكريم، المصدر الأول للتربية الإسلامية.

إشكالية البحث:

    هذا وتتمثل مشكلة البحث في السؤال الرئيس الآتي:

ما هو هدي الرسل عليهم السلام في الاحتساب في ضوء القرآن الكريم؟

     وتتفرع عن هذه الإشكالية ثلاثة أسئلة أساسية:

1-ما المقصود باحتساب الرسل عليهم السلام؟

2-مَن هم الرسل عليهم السلام الذين قصّ القرآن الكريم احتسابهم؟

3-ما هي سِمات الحسبة عند الرسل عليهم السلام؟

أهداف البحث:

    يهدف البحث إلى تحقيق الآتي:

1-التعرف على هديالرسل عليهم السلام في تطبيق شعيرة الاحتساب.

2-بيان صور الاحتساب وأساليبه ومجالاته ووسائله من خلال دراسة احتساب الرسل عليهم السلام في القرآن الكريم.

3-استنباط سمات الحسبة من خلال دراسة هدي الرسل عليهم السلام في الاحتساب.

الدراسات السابقة وما يضيفه البحث إليها:

    من الدراسات السابقة المتعلقة باحتساب الرسل عليهم السلام في القرآن الكريم دراسة موسومة ب(وقفات مع آيات الحسبة في القرآن الكريم)، لصادق محمد الهادي([1]).

    حيث تعرضت الدراسة السابقة للاحتساب في ضوء القرآن الكريم، واستلهام بعض الدروس والمعاني من آيات الحسبة، وبعد البحث في الدراسات السابقة لم يعثر الباحث على أي دراسة قرآنية منشورة درست هذا الموضوع سوى هذه الدراسة المشار إليها، على الرغم من اتباعها طريقة الوعظ، إضافة إلى الحديث عن الآيات التي تُذكر فيها كلمة (الدعوة، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر)، دون الحديث عن دعوة الأنبياءعليهم السلام كما فعل الباحث هنا.

   لذا يتبيّن لنا ندرة الدراسات القرآنية المحكّمة التي جمعت شتات هذا الموضوع، وحاولَت بيان منهج الرسل عليهم السلام في الاحتساب من خلال القرآن الكريم فحسب.

ما يضيفه البحث:

    ما ندّعيه لهذا الدراسة من فروقات عن غيرها وما تضيفه علمياً هو:

1-اتباع هذه الدراسة منهج البحث العلمي، وعليه فهذه الدراسة دراسة قرآنية موضوعية، اتّبع الباحث فيها المنهجَين الاستقرائي والاستنباطي.

2-إبراز هذه الدراسة هدي الرسل عليهم السلام في الاحتساب كما عرضته آيات القرآن الكريم فحسب.

حدود البحث:

    سيعتمد هذا البحث على آيات القرآن الكريم فحسب، إذ هو المصدر الأول للتربية الإسلامية، ولكنّ الباحث سيعرِّج على التفاسير الأصيلة.

منهج البحث:

    طبيعة البحث وأهدافه تقتضي استخدام المنهجَين الاستقرائي والاستنباطي، بحيث يستقرئ الباحث الآيات التي تضمنت احتساب الرسل عليهم السلام، ثُم استنتاج المعاني التربوية المستنبطة من تلك الآيات.

خطة البحث:

   تمّ تقسيم البحث إلى مقدمة، وثلاثة مطالب، وخاتمة، كما يأتي:

المقدمة: وتضمنت أهمية الموضوع، وإشكاليته، وأسئلته، وأهدافه، وأهميته، وحدوده، والدراسات السابقة، ومنهجية البحث.

المطلب الأول: معنى احتساب الرسل عليهم السلام ونظائره في القرآن الكريم.

المطلب الثاني: نماذج من احتساب الرسل عليهم السلام في ضوء القرآن الكريم.

المطلب الثالث: سمات الحسبة عند الرسل عليهم السلام في ضوء القرآن الكريم.

الخاتمة: وتشتمل على أهم النتائج والتوصيات.

المطلب الأول: معنى احتساب الرسل عليهم السلام ونظائره في القرآن الكريم

     سيبيّن الباحث في هذا المطلب المقصود من احتساب الرسل عليهم السلام، من خلال تأصيل المعنى اللغوي والاصطلاحي لهذا المصطلح، ثم سيعرِّج على ذِكْر نظائر الاحتساب في التنزيل العزيز.

الفرع الأول: معنى احتساب الرسل عليهم السلام:

أولاً: معنى الاحتساب لغة:

    الحسبة في اللغة لها عدّة معانٍ، ومن معانيها التي تتعلّق بمعناها الشرعي المقصود في هذه الدراسة، ما عرَّفها به ابن منظور: “واحتسب فلان على فلان: أنكر عليه قبيح عمله”([2])، ويزيد الفيروز آبادي المعنى إيضاحا، فيقول: “واحتسَب عليه: أنكَر، ومنه: المحتسِب”([3]).

     وتأتي الحسبة في اللغة بمعنى طلب الأجر والمثوبة من الله U، ومنه حديث: “من صام رمضان إيمانا واحتساباً”([4])، والاحتساب هو: البِدار إلى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبرأو باستعمال أنواع البِرّ والقيام بها على الوجه المرسوم فيها؛ طلباً للثواب المرجوّ منها.([5])

     ومن هنا يظهر مصطلح القائم بالحسبة لأوّل مرة في معاجم اللغة العربية، كما يُلحظ الارتباط الوثيق بين الدلالة اللغوية للحسبة ومفهومها الاصطلاحي.

ثانياً: معنى الاحتساب اصطلاحاً:

    أمّا الحسبة أو الاحتساب في الشرع، فأجْمَع تعريف لها أنها: “أمْر بالمعروف إذا ظَهر تركُه، ونهي عن المنكر إذا ظَهر فعلُه([6]).

    والناظرُ في التعريف السابق يدْرِكُ –بداهةً- أنّ الاحتساب ينبني على ركيزتين؛ الأولى: الأمر بالمعروف، والمطلوب فيه دعوة الناس إلى الخير، والثانية هي: النهي عن المنكر، والمطلوب فيه إرشاد الناس بزجرهم عن الوقوع في الإثم، وبتوسيع مفهوم الاحتساب تصبح الدعوة إلى الله U أحَد مضامينه؛ ذلك أنّ جميع الأنبياء عليهم السلام قالوا لأقوامهم مقالةَ رجل واحد: ﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِين﴾ [الشعراء: 109]، ومعنى كلامهم أنهم يطلبون الأجر في دعوة أقوامهم من الله  Uوحده مع الصبر والتسليم.

وعلى الرغم من تعريف الحسبة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا أننا نلحظ عند التحقيق أنّ ثمّة أكثر من فرق بين المصطلحين، من ذلك أنّ الحسبة وظيفة رسمية من وظائف الدولة المسلمة تختص بالإجراء العملي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أمّا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو مهمة فردية، كلٌّ حسب طاقته ووُسْعه.

ثالثاً: معنى الرسل اصطلاحاً:

    الرسل: جمع رسول، والتعريف المختار للرسول: “مَن جمع إلى المعجزة الكتابَ المنزَّلَ عليه”([7]).

رابعاً: المقصود باحتساب الرسل عليهم السلام:

     والمقصود باحتساب الرسل عليهم السلام في هذا البحث: دراسة الآيات القرآنية التي تضمنت إنكار الرسل عليهم السلام للمنكَرات الشائعة في أقوامهم، وتذكيرُ أقوامهم بأنواع الخير الذي تركوه.

الفرع الثاني:نظائر الاحتساب في القرآن الكريم:

     من خلال تتبّع الباحث للألفاظ والمصطلحات التي وردت في كتاب الله الكريم، وحَملت في طيّاتها بعض معاني الاحتساب، تبيّن أنها عدة مصطلحات، وهي:

أولاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ورد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمعنى الاحتساب مرَّات كثيرة في القرآن الكريم، منها قوله U:﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104].

    وعلى الرغم من العلاقة الوثيقة بينالاحتساب والأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا أنّ ثَمّة فرقاً بين المصطلحين، ومن تلك الفروق بينهما أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبدأ أصيل من مبادئ الإسلام، في حين أنّ الاحتساب هو تطبيق عملي لهذا المبدأ، وتنظيم بشري لممارسته.

ثانياً: الدعوة إلى اللهU : وردت الدعوة إلى اللهU  بمعنى قريب من الاحتساب، وذلك في قوله U:﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ﴾ [آل عمران:104]، ويفرَّق ما بين الدعوة والاحتساب بأنّ الداعية لا يُلزِم أحداً، وإنما هو مبلِّغ، بينما المحتسب فإنه يُلزم الناسَ بالحق؛ وذلك لأن لديه سلطة رسمية، وكذلك يفرَّق بينهما بأنّ الدعوة هي: الإرشاد العام على فعل المعروف، والتحذيرُ العامّ مِن فعل المنكر على وجه الإجمال، أمّا الاحتساب فإنه يتعلق بمعروف معيّن تُرك، فيكون الاحتسابُ بالأمر بفعله، أو منكَر معيّن فُعل، فيتعلق الاحتساب بالإنكار على هذا المنكر المعيّن الذي فُعل، وهذا يعني أنّ الاحتساب أخصّ من الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر.

ثالثاً: الحُكم: ورد الحُكم بمعنى الاحتساب مرات عديدة في القرآن الكريم، منها قوله U: ﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ [ص: 26].

   ويفرَّق ما بين القضاء والاحتساب، بأنّ الاحتساب يزيد على أحكام القضاء من وجهين:

الأول: أنه يجوز للناظر فيها أن يتعرَّض لتصفُّح ما يأمر به من المعروف وينهى عنه من المنكر وإنْ لمْ يحضره خصم مستعد، وليس للقاضي ذلك الأمر.

والثاني: أنَّ للناظر في الحسبة من سلاطة السلطنة واستطالة الحماة فيما تعلَّق بالمنكرات ما ليس للقضاة؛ لأنَّ الحسبة موضوعة للرهبة، والقضاء موضوع للمناصفة، فهو بالأناة والوقار أحقّ.([8])

    وتجدر الإشارة هنا إلى وجود علاقة بين المظالم والحسبة، إذ تتّفق المظالم مع الحسبة في أمورٍ، وتختلف في أمورٍ أخرى، أمّا وجه الشّبه بين المظالم والحسبة‏،‏ فهو‏ في أمرين:

1-أنّ موضوع المظالم والحسبة يعتمد على الرّهبة وقوّة الصّرامة المختصّة بالسّلطنة‏.

‏2-يجوز للقائم في المظالم والحسبة أن ينظر مِن تلقاء نفسه‏ وفي حدود اختصاصه لأسباب المصالح‏،‏ وإنكار العدوان‏،‏ والإلزام في أحكام الشّرع‏،‏ بدون حاجةٍ إلى مُدّعٍ في ذلك‏.

     ‏أمّا أوجه الاختلاف بينهما فهي‏:‏

1- أنّ النّظر في المظالم موضوعٌ لمَا عَجز عنه القضاة‏،‏ أمّا النّظر في الحسبة فموضوعٌ لمَا ترفّع عنه القضاة‏،‏ أو لا حاجة لِعَرضه على القضاء‏،‏ فكانت رتبة المظالم أعلى ورتبة الحسبة أخفض منه‏،‏ ويترتّب على ذلك أنّه يجوز لوالي المظالم أن يخاطب القضاة والمحتسب‏، ولمْ يجُز للقاضي أن يخاطب والي المظالم‏،‏ ويجوز له أن يخاطب المحتسب‏،‏ ولا يجوز للمحتسب أن يخاطب واحداً منهما‏.

2- ‏يجوز لوالي المظالم أن ينظر في دعاوى المتخاصمِين‏،‏ ويَفصِل بينهما‏،‏ ويُصدِر حُكماً‏،‏ قضائياً قابلاً للتّنفيذ‏،‏ أمّا والي الحسبة فلا يجوز له أن يُصدِر حُكماً؛لأنّه مختص في الأمور الظّاهرة الّتي لا اختلاف فيها ولا تنازُع‏،‏ ولا تحتاج إلى بيّنةٍ وإثباتٍ وحِجاجٍ.([9])

المطلب الثاني: نماذج من احتساب الرسل عليهم السلام في ضوء القرآن الكريم

    الرسل عليهم السلام هم سادات المحتسبين، ومن خلال استقراء النصوص القرآنية التي تضمنت احتساب الرسل عليهم السلام، ظهر أنّ العديد منهم قاموا بمهمة الاحتساب خير قيام.

    لذا سيستعرض الباحث في هذا المطلب المحتسبين من الرسل الذين قصّ القرآن الكريم احتسابهم، ذاكراً الآية الكريمة التي تضمنتْاحتساب كلّ نبيّ، ثُمّ معقّباً على تلك الآيات بتعقيب مناسب، وذلك على النحو الآتي:

أولاً: احتساب نوحu : إنّ أوّل رسول بعثه الله U؛ لِيحمل لواء الاحتساب بعد انحراف البشرية عن الطريق المستقيم إنما هو نوحu، فقام  uبحمل لواء الاحتساب على أكمل وجه، حيث تَكرّر احتساب نوح u على قومه في القرآن الكريم، وذلك في المواقف والمجالات الآتية:

1- دعوة نوح  uقومه إلى عبادة الله وحده، كما جاء ذلك على لسان نوح  uمخاطباً قومه بطبيعة المهمة الأساس التي جاء لأجلها: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [المؤمنون:23]، كما خاطبَهم قائلاً: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الأعراف:59].

2-وصية نوح  uقومه بتقوى اللهY : قال الله U: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ(107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) ﴾ [الشعراء: 105-108].

3-احتساب نوح u على ابنه: فها هو ذا نوح  uيخاطب ابنه الكافر، ذلك الابن الذي أصرّ على كفره؛ لِينقذه من الكفر إلى الإيمان، فيقول له بخطاب المترفِّق: ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾ [هود:42].

4- احتساب نوح u في الثبات على الحقّ: فإنّ نوحاً u-بالرغم من موقف قومه- يخبِرهم بأنه ماضٍ في طريقه، ولا يَمنعه أحدٌ من تبليغ رسالة ربّه U، فها هو ذا يخاطب u قومه بقوله: ﴿فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:72]، ثُم إنّ نوحاً u يخبِر قومه، أنه لا يمكن أن يتخلّى عمن آمَن برسالته، فيصارحهم بقوله: ﴿ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ [هود:29].

5- دعوة نوح uقومه إلى الاستغفار من الذنوب السالفة، فقال نوح  uلقومه: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾ [نوح: 10].

6-تذكير نوح u قومه بنِعم الله U عليهم؛ وذلك لأن النفوس جُبلت على حُبّ مَن أحسن إليها، قال U حكاية عنه: ﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا﴾ [نوح: 11 – 16].

    وفي هذا درس للمحتسب بأن يذكّر الخَلق بإحسان الله  Uإليهم؛ ليكون ذلك أدعى إلى قبول دعوته.

7- الإلحاح في الحسبة: وهذا نراه واضحاً في تنويع نوح u لأساليبه في الاحتساب، وإصرارِه على دعوة قومه طيلة حياته، كما تجلّى ذلك في قوله U حكاية عنه: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا﴾ [نوح:5- 9].

    وبالنظر في الآيات السابقة يُلحَظ أنّ الحسبة هي الشغل الشاغل لنوح u، حيث استغرق برنامجه الاحتسابي حياته كلّها، ففي دعوة نوح  uدرس عظيم للمحتسب في بيان أنّ العمل للدِّين هو وظيفة العُمر.

   وتحسن الإشارة إلى أن الحسبة أنواع، منها ما كان تطوُّعاً، ومنها الوظيفة التكليفية مِن قِبل الدولة، وقد كانت حسبة الأنبياء عليهم السلام أمراً لازماً، وداخلة في التكليف لهم بالدعوة والتبليغ.

8-إنكار نوح u استبعاد قومه أن يَخصّه الله  Iبالنبوّة، يقول U مخبِراً عن توبيخ نوح  uلقومه: ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف:63].

ثانياً: احتساب هودu : تكرَّر احتساب هود u على قومه في القرآن الكريم، وذلك في المجالات الآتية:

1-التأكيد على توحيد الله I، فقالU حكاية عنه: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ﴾ [هود: 50].

    ويَلحظ مِن خلال بدء هود وإخوانه من الرسل عليهم السلام بدعوة أقوامهم إلى تصحيح الاعتقاد، أنه ينبغي على المحتسب أن يحدِّد الأولويّات الاحتسابية، فليست المنكرات على درجة سواء، فبالتّالي على المحتسب أن يبدأ احتسابه في محاولة محو أكبر الانحرافات عن الوجود، وألا يَنجرّ أيضاً خلف معارك إعلامية وهمية مفتعلة.

2- البراءة من الشرك وأهله: كما قال الله U حاكياً عنه: ﴿قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ}[هود: 54].

3-الوصيّة بتقوى اللهI : قال الله I: ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ [الشعراء: 123 – 126].

4- إنكار الاغترار بالقوّة: كما قال الله I حاكياً عنه: ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾ [الشعراء: 128-130].

5- أمَر هود u قومه بشكر الله Iعلى نعمه، واتباع نبيّهم، كما أمَرهم u قائلاً: ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: 69]، وأمَرهم أيضاً بقوله: ﴿ وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ [الشعراء: 131 – 133].

6-الحثّ على التوبة والاستغفار،كما أمَرهم هود  uقائلاً: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ﴾ [هود: 52].

7-إنكار هود u استبعاد قومه أن يكون الله  Uبعَثه نبيًّا، حيث أخبر U عن قِيل هود u لقومه: ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ﴾ [الأعراف: 69].

    ويستفاد من هذه المشاهد الاحتسابية لهود u، أنه ينبغي على المحتسب أن يستخدم في احتسابه أسلوب الترغيب والترهيب، فيُرغّب قومه فيما عند الله  Iإذا التزَموا بشرعه، كما يبشِّرهم بالحياة الطيّبة في الدنيا، وقد استخدم نبيّ الله هود u ذلك الأسلوب مع قومه أثناء قيامه بوظيفته الدعويّة، فقال لهم: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ﴾ [هود: 52]، كما أنه  uذَكّرهم بنِعم الله عليهم،أضِف إلى ذلك أنه ينبغي على المحتسب أن يرهّب قومه من الهلاك بسبب ذنوبهم، كما أَنذر نبيُّ الله هود  uقومه قائلاً لهم: ﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ [هود: 57].

ثالثاً: احتساب صالحu : تكرّر احتساب صالح u على قومه في القرآن الكريم، وذلك في المجالات الآتية:

1-الدعوة إلى عبادة الله وحده، ونبْذ كلّ معبود سواه، وقد تعددت الآيات الواردة في تقرير هذه الدعوة، منها قوله I: ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: 73].

2-الوصية بتقوى اللهU : كما قال اللهI : ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ. إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ [الشعراء: 141 – 144].

3-الحثّ على التوبة والاستغفار، حيث أمَر صالح  uقومه قائلاً: {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ}[هود:61]، وقال أيضاً: ﴿لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [النمل: 46].

4-تذكير قومه بما أَنعم الله U عليه من نِعم، جاء ذلك في قولهU : ﴿وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: 74]، وقوله: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا [هود: 61].

5-إنكار إيثار الدنيا على الآخرة، ورد ذلك في قوله Y: ﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ. فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ. وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ [الشعراء: 146 – 149].

     ونلحظ من الآيات الكريمة أنّ أوّل ما دعا إليه نبي الله صالح u هو توحيد الله U، وكذلك فإنّ الدعوة إلى التوحيد هي الصيحة الأولى لكلّ رسالة، فكلّ مَن بُعث مِن الرسل منذ عهد نوح u حتى رسالة محمد r قد تَكرّرت على ألسنتهم مقولة التوحيد الخالدة: ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: 73]، فعلى المحتسب أن يسعى إلى على ترسيخ عقيدة التوحيد في قومه، والتحذير من الشرك، ومعالجة ظاهرة ضعف الإيمان، كما عليه أيضاً ألاّ يحتجّ بتركه الاحتساب في تصفية العقيدة بزعمه أنّ المسلمين في هذا الزمان ليسوا في حاجة إلى تحقيق توحيد الله U، ومِن الأدلّة على بطلان هذا الادعاء أنّ المجتمع الإسلامي في عصرنا الحديث يعاني من العديد من المنكرات العقدية، وعلى رأسها استبدال الشريعة الإسلامية، وتنحية منهج الإسلام عن الحُكم، ناهيك عن الشركيات المنتشرة في حياة المجتمعات الإسلامية، لذا فإنّ المسلم في حاجة دائمة إلى الفهم الشامل لتوحيد الله U، وتطبيقه واقعاً ملموساً في جميع مجالات حياته اليومية.

6-إنكار الفساد العريض، والنهي عن اتباع رؤساء الفساد، ويدخل في ذلك الفساد جميع المعاصي، وأعظم الفساد الشرك، كما أنّ أعظم الإصلاح التوحيد، قال U: ﴿وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: 74]، وقال لقومه: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ﴾ [النمل: 46]، وقال لهم أيضاً: ﴿وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ. الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ [الشعراء: 151 – 152].

    ويستفاد من خطاب صالحu  لقومه: ﴿لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [النمل: 46]، أنه ينبغي على المحتسب أن يختار أثناء احتسابه على غيره أبلغ الأساليب المنطقية الحكيمة؛ سعياً منه في إقناع قومه، وقد درج على هذا الأسلوب أنبياء الله جميعا، ومِن ذلك ما ظهر جلياًّ في خطاب إبراهيم u لأبيه آزَر: ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا﴾ [مريم: 42]، وقوله: ﴿يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا﴾ [مريم: 44].

رابعاً: احتساب إبراهيمu : تكرر احتساب إبراهيم u على قومه في القرآن الكريم، وذلك في المواقف والمجالات الآتية:

1-مناظرة إبراهيم  uلطاغية عَصْره: حيث ذكَر الله U مناظرة خليله u مع ذلك الملِك الجبّار في الربوبية والألوهية، وقصّ U ذلك في قوله: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 258].

    قال صاحب الظلال رحمه الله معلّقاً على التعبير القرآني: }أَلَمْ تَرَ{: “}أَلَمْ تَرَ {إنه تعبير التشنيعِ والتفظيع، وإن الإنكار والاستنكار لَينطلقان مِن بنائه اللفظي وبنائه المعنوي سواء، فالفعلةُ منكرة حقًّا، أن يأتي الحِجاج والجدال بسبب النعمة والعطاء! وأن يدّعيَ عبدٌ لنفسه ما هو من اختصاص الربّ، وأن يستقِلَّ حاكِم بحُكم الناس بهواه دون أن يستمدّ قانونَه من الله”([10]).

وفي احتساب الخليلu  على النمرود فائدة للمحتسب، وهي: أنه ينبغي على المحتسب أن يتعلّم فنّ المناظرة وآدابها وأغراضها الصحيحة؛ وذلك لأن المناظرة نوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

2-الوصية بتقوى الله U: قال Y: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت:16].

3-احتساب إبراهيم u على أبيه: حيث أمَر إبراهيم  uأباه بالمعروف، ونهاه عن المنكر، بل أكثر القول عليه، حتى غضب أبوه آزر منه وهَمَّ برجمه، وأمَر بهجره، كما حكى ربنا  Uذلك بقوله: ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا. يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا. يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا. يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا. قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [مريم: 42 – 46].

4-احتساب إبراهيم u على قومه: فهذا خليل الرحمن ينهى قومه عن شِركهم بلسانه، حين قال لقومه-منكراً وموبّخا-: ﴿قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ. أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [الأنبياء: 66 – 67]، ثُمّ أَتبع إبراهيمُu  الإنكارَ بالقول الإنكارَ بالفعل، فكَسّر أصنامهم، كما حكى ربّنا U عن ذلك فقال: ﴿فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ. فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ﴾ [الصافات:93-94].

     ويُلحظ من خلال تأمُّل طريقة إبراهيم  uفي الاحتساب على الشرك وأهله، أنّه يجب على مَن حَمَل لواء الحسبة، أن يكون صريحاً واضحاً في ولائه وبرائه، وأن لا يتوهَّم للحظة أنّ مصلحة الدعوة تكمن في تمييع المحرمات ومداهنة الظلمة، بل المصلحة كلّ المصلحة تكمن في تبليغ شرْع الله U بكماله وشموله وصفائه.

    ويستفاد من خلال تأمُّل القول الغليظ الذي خاطب به إبراهيم u قومه: ﴿أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [الأنبياء: 67]، أنّ للمحتسب أن يعدِل إلى القول الغليظ عند العجز عن منْع المنكر باللُّطف، وظهورِ علامات الإصرار على الجريمة، والمجاهرةِ بالفساد، والاستهزاءِ بالوعظ والنصح.

خامساً: احتساب يوسفu : قصّ القرآن الكريم احتساب يوسف u وهو في السجن، حيث دعا u الفتَيَين إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وخلْع ما سِواه من الآلهة المصطنعة التي كانت تُعبَد وقتئذ، فقال لهما: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ. مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾ [يوسف: 39 – 40].

     ومن خلال تأمُّل احتساب يوسف u مما سبق، يظهر أنه u لم يُقدِّم أيَّ تنازل في مجال الحُكم بما أنزل الله U؛ من أجل تحقيق مصالح عديدة، حيث صرَّح وهو في قمّة الاستضعاف ببطلان الشرك، ووجوب التوحيد، فإذا كان هذا هو حال يوسف u في الدعوة إلى الحُكم بما أنزل الله U وهو في السجن، فكيف يترك الدعوة إلى التوحيد وهو خارجه؟

   ويستفاد من هذا الموقف الاحتسابي ليوسفu وهو سجين، أنّ على الداعية الصادق أن ينتهز كلّ فرصة سانحة لإيصال دعوته للناس، وأنّ الدعوة ماضية إنْ أُوصِد باب مِن أبوابها، فإنّ ثمّة أبواب أُخَر لها مفتوحة على مِصراعَيها، ولا يُعدَم المصلِحُ صاحبُ الهمّة الاحتسابية العالية مِن وسيلةٍ للاحتساب.

سادساً: احتساب لوطu : تكرر احتساب لوط u على قومه في القرآن الكريم، وذلك في المواقف والمجالات الآتية:

1-النهي عن ممارسة الشذوذ، وترك الأزواج، فقال I: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ. وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ [الشعراء: 165، 166].

   وعلى الرغم من كون الفاحشة التي ارتكبها قوم لوط هي أفظع الفواحش، إلا أنهم لمْ يجعلوها زواجاً، وكذلك لمْ ينسبوها إلى الِّدين، بل أصرّوا عليها؛ لكونهم استمرؤوها، وتَبِعهم على طريق الانحطاط الخُلقي أذنابُهم من دعاة الإباحية في زماننا، حتى إنّ خلفهم المنحرفين في زماننا قد سبقوا سلَفهم الطالح في الانجرار في مستنقع الرذيلة؛ حيث اعتبروا الشذوذ زواجا، بل قاموا بتقنينه ومباركته من قِبل الكنيسة، ومَنحوا الشواذّ حقوقاً في القانون، وما فتئ أعداء الإسلام حديثاً يحاولون نشْر الإباحية في بلاد المسلمين.

2- النهي عن قطع الطرق، حيث كان قوم لوط يقطعون السبيل؛ لانتهاك حرُمات المسافرين-سواء كانت حرُمات أعراض أو أموال-، كما قال لوط u منكراً عليهم: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [العنكبوت: 29].

     ويعَدّ هذا النوع من الإفساد مِن أشدّ أنواع الجرائم إثما؛ لذلك عَدّه الإسلامُ جريمةً منكَرة، يستوجب صاحبُها الحدَّ الرادع، وسمّاها محاربةً لله ورسوله، فقال Y في المحاربين: ﴿إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة:33].

    ومن هنا يتبين أنّ لهؤلاء الخَلَف من المختطفين والعصابات المسلَّحة وقطّاع الطرق العامة في هذا الزمان سلَف من المجرمين من قوم لوط.

3-النهي عن الإعلان بالفواحش، وفِعْلها في اجتماعاتهم: كما قال لوط  uموبِّخاً لهم: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِين. إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ﴾ [الأعراف: 80، 81]، وقال: }وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَر ﴾ [العنكبوت:29].

     ويُعَدّ الإعلان بالفواحش منكَراً آخَرَ أشدّ مِن فعْلها في السرّ، وقد فاق الإباحيّون في الأزمنة المعاصرة سلَفَهم المجرمين مِن قوم لوط؛ إذ لمْ يكتفوا باقترافهم الجرائم عياناً أمام البشر في كلّ وسائل الإعلام، بل صاروا يأتون الفاحشة ويسجِّلونها؛ حتى تبقَى بَعد موتهم.

    ويستفاد من إنكار لوط u على قومه جريمةَ إتيان الذكور بَعد إنكاره لكفرهم وتكذيبهم له، أنه يجوز للمحتسب أن ينكِر تلك المعاصي التي يرتكبها من وقع في الكفر والإلحاد، فيبدأ بإنكار أكبَر منكَر وهو الشرك، ثُمّ يثنّي بإنكار المعاصي الأخرى التي يألَفُها قومه حتى صارت جزءاً من ثقافتهم.

4-الوصية بتقوى اللهI : قال الله U: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ. إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: 160 – 164].

   ومن خلال النظر في سِيَر الرسل عليهم السلام، نجد مقولتهم جميعاً واحدة في تطمين الناس أنهم لا يريدون منهم جزاءً ولا شكوراً، فهذا لوط  uقد أعلن ذلك الأمر لقومه صراحة: ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: 164]، كما ردّد تلك المقولة ذاتها إخوانه من الرسل صالح ونوح وشعيب عليهم السلام كما ظهر جليّاً في آيات سورة الشعراء، كذلك كَرّر المقولة ذاتَها خاتمُ الرسل المحتسبين محمد r، وذلك لمّا عَرض عليه المشركون المال الكثير والزعامة والسيادة والنساء والطبّ، فأخبرهم أنه لا يريد منهم شيئاً إلا أن يَشهدوا لله I بالوحدانية.

    ويلحظ من خلال تأمُّل مصارحة الرسل عليهم السلام لأقوامهم، بأنهم لا يريدون منهم أجراً على ما يدعونهم إليه، أنّ على المحتسب أن يعفّ عما في أيدي الناس، وألاّ يستغلَّ كذلك عاطفة الناس الفطرية تجاه دينهم في القيام بترويج دعايات لِسِلَع تجارية، وألاّ يتطلع إلى حظوظ مادية مقابل قيامه بشعيرة الاحتساب، سواء كان سؤاله للمدعوّين بلسان المقال أو بلسان الحال، ولعلّ الحكمة في إعلان الرسل عليهم السلام هذا الأمر تفنيد ما قد يثيره أهل الباطل في وجه دعوتهم مِن أنهم طُلَّاب مالٍ فحسب، فيَنتج عن إبطالهم لهذه التهمة استجابة المنصفين من أقوامهم إلى الحق، وهذا لا يعني أن يَرفض المحتسب المعيّن في وظيفة دعوية مِن قِبل دولته أن يأخذ راتباً شهرياً مقابل تفريغه لوقته ما لمْ يؤثّر ذلك سلْباً على دعوته.

سابعاً: احتساب شعيب u: تنوّعت صُور احتساب شعيب u على قومه-أصحابِ الأيكة- في القرآن الكريم، وذلك على النحو الآتي:

1-الدعوة إلى عبادة الله وحده، كما قال الله U على لسان شعيب u: ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ [الأعراف:85]، وحَثَّهم على تقوى الله U أيضاً، فقال لهم مخوِّفا:} وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ﴾ [الشعراء: 184].

2-تصحيح انحرافات قومه في باب المعاملات المالية: حيث نهاهم شعيب u عن بَخْس الناس أشياءهم، وأمَرهم بإيفاء الميزان، فقال لهم واعظاً: ﴿أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ. وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ﴾ [الشعراء: 181- 182]، وأردف قائلاً: ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ﴾ [الشعراء:183].

3-الوصية بتقوى الله  Iواتباع نبيّهم: قال الله U: ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ. إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ [الشعراء:176-179].

4-الحثّ على شُكر الله I على نِعَمه، والإقرارِ بفضله، فقال لهم: ﴿وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف:86].

5-النهي عن الفساد في الأرض، فحذَّرهم شعيب u بقوله: ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [الشعراء:183]، وقال لهم: ﴿وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف:86]، ونهاهم بقوله: ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف:85].

6-النهي عن القعود في وجه الدعوة إلى الله U، والحربِ على أنصارها وأتباعها، فهذا شعيب u يقول لقومه موبخاً: ﴿ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ [الأعراف:86].

7-النهي عن قطع الطُّرق، وقد كان قوم شعيب  uيقطعون الطُّرق؛ وذلك لأخذ أموال المسافرين بالقوّة، فنهاهم شعيب  uبقوله: ﴿ وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ ﴾ [الأعراف:86].

   ويُلحظ من خلال تأمُّل الموضوعات الاحتسابية لكلّ من النبيَّين شعيب ولوط عليهما السلام، أنهما قد أَنكَرا على قومَيهما جريمةَ قطْع الطرق؛ ولا غرو في ذلك فإنّ هذه الجريمة مِن أشدّ الجرائم وأشنعِها.

8-الحثّ على التوبة والاستغفار، حيث أمَر شعيب u قومه قائلاً: ﴿وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾ [هود:90].

   ويُلحظ من خلال تأمُّل قول شعيب u: ﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ﴾ [هود:85]، أنّ المحتسب الموفَّق يستخدم الرفق واللين في عرْض ما يريد، كما يُشعر المخاطبِين بالحرص على نفْعهم، ويُبرِز الصلات بينه وبينهم، ولقد درَج على ذلك الرسل عليهم السلام جميعاً، فقال كلُّ نبيّ لقومه: ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ [الشعراء:178]، فضلاً عن خطابهم لهم ب﴿يا أبتِ﴾ [مريم: 44]، كما خاطب بها الخليل u آزَر، بل ظلّ يُكرّر هذه الكلمةَ الحانية في كلّ عبارة يوجّهها إليه؛ زيادةً في التلطف مع أبيه، ونظير هذا الخطاب توسل هارون u إلى موسى u بنداء الأمومة: }ابنَ أمّ{ [الأعراف: 150]، وكذلك خطابُهم لهم ب}يا قومِ{، ويقصد شعيب u في خطابه لأصحاب الأيكة ب}يا قومِ{، أن يبيّن لهم أنه واحد منهم، وأنّ الرائد لا يَكذب أهله، وابن العشيرة لا يخون عشيرته، ولذلك فهو يريد الخير لهم، ويفسِّر محمد رشيد رضا هذا الخطاب رفيع المستوى من شعيب  uلقومه، فيقول: “يا قومي الذين أنا منهم وهم منّي، وأُحبّ لهم ما أُحبّ لنفسي، أَخبِروني عن شأني وشأنكم)”[11])، ولا شكّ أنّ لهذا الأسلوب الحسن في الاحتساب أثراً ظاهراً في كسب قلوب الغافلين، واستمالتها لقبول الحق.

    ويلحظ من خلال تأمُّل قول شعيب u: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ﴾ [هود:88]، وذلك حين دعا قومه إلى إيفاء المكيال والميزان، وإعطاءِ الناس حقوقهم، والبعدِ عن أكل الباطل، أنّ على الداعية الصدوق أن يظلّ قدوة حسنة أمام المخاطَبين، فعليه أن يبدأ بنفسه أولاً في كلّ شيء قبل دعوته الآخرين؛ حتى تَصِل دعوته إلى قلوب المدعوّين قبل آذانهم، ومن هنا نجد قوله I آمِراً نبيّه محمداً r بقوله: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [هود:112].

ثامناً: احتساب إسماعيلu : حيث احتسب احتساب إسماعيل u على أهل بيته، كما ذكَر الله I عنه ذلك بقوله: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ﴾ [مريم:55].

    وفي هذا درس للمحتسب بألا ّيَدَع احتسابه على أهل بيته وقرابته؛ فإنّ في هداية المقرّبين من الداعية عوناً له في نجاح دعوته.

تاسعاً: احتساب موسى u: تَكرر احتساب موسى u على قومه في القرآن الكريم، وذلك في المواقف والمجالات الآتية:

1-إنكار الوقوع في الشرك: فهذا كليم الله موسى u لمّا رجع من ميقات ربّه، وجد بني إسرائيل قد عَبدوا العجل، فحملتْه الغيرة على التوحيد أن رمى بالألواح التي تتضمن كلام الله I؛ غضباً لله  Uأن يَخلُفه هذا المنكَر العظيم في قومه، كما حكى I: ﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ﴾ [الأعراف:150]، فما كان من الكليم u إلا أن نهى عن المنكَر بيده، فخاطب الدجّال الذي أضلّهم –وهو: السامريّ- بقوله: ﴿قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا﴾ [طه: 97].

   والمتأمّل في قوّة موسى  uفي الإنكار، وسرعةِ استجابة عبَدة العجل له، يعلم أنّقوّة الشخصية فضل يؤتيه الله  Uمَن يشاء، فقد يستجيب بعض الغافلين بأسلوب الشدّة أكثر من استجابتهم باللُّطف، وعليه فمن الخطأ البيّن عند بعض المحتسبين ظنّهم أنّ الصواب دائماً يكمن في استعمال الرفق مع المخالفين، ولمْ يكن موسى u بِدْعاً من الرسل، حيث سَلك رسُلٌ آخرون هذا المسلك في أثناء احتسابهم، ومنهم إبراهيم u لمّا كسّر الأصنام، وسليمان u لمّا عاقب الخيل.

2-الأمْر بشكر الله I على نِعمه، فقال u لقومه: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ﴾ [المائدة:20]، وقال لهم: ﴿وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ{[إبراهيم:6].

3- إنكار تزوير الحقائق، حيث أنكر موسى u على قوم فرعون هذا المسلَك بقوله: ﴿أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَـذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ﴾ [يونس:77].

4-إنكار موسى u على قومه عدم توخّي طاعته، كما قال U مخبِراً عن كليمه موسى بن عمرانu  أنه قال لقومه: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف:5].

5-النهي عن متابعة المفسدين في فسادهم، قال الله I:﴿وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف:142].

   ويُلحظ أنّ التعاون في أداء الاحتساب مِن قِبل أكثر من شخص مجتمعين تقويةٌ لهم ولموقفهم في التبليغ، فهذا موسى  uسأل ربّه  Iأن يعينه بأخيه هارون في دعوته لفرعون، فاستجاب الله I دعاءه، كما قال الله I:﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ. قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ [القصص: 34-35].

6-إنكار موسى u على فرعون تكذيبه بالآيات التسع القاطعة على صحّة نبوّته وصِدقه، حيث جابهه واحدةً  بواحدة، كما قال الله I: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا. قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا﴾ [الإسراء: 101-102].

    ويُلحظ من خلال تأمُّل موضوعات احتساب كلٍّ من الرسل شعيب وصالح وموسى عليهم السلام، أنهم قد نهوا أقوامهم عن جريمة الإفساد في الأرض، ومتابعةِ المفسدين في فسادهم،فهذا مُوسَى u أوصى هارونu  لمّا استخلفه بذلك التوجيه، كما أنّه u سمّى عمل السحرة والسحر بأنه عمل المفسدين، كما في قوله I: ﴿فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس:81]، وهذا شعيب u ينهى قومه عن الفساد في الأرض بقوله لهم: ﴿وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [الشعراء:183]، وهذا صالح u يحذّر قومه من الإفساد قائلاً: ﴿وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف:74]، وينهاهم عن التأثر بالمفسدين بقوله لهم: ﴿وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ. الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ [الشعراء: 151-152]، وعليه فإنّ النهي عن الفساد بكافّة صُوره من منهج الرسل عليهم السلام في الاحتساب.

وتبيَّن أنّ مِن مذهب المفسدين والطغاة قديماً وحديثاً اتهام المصلحين بالإفساد في الأرض، وأنّ المحتسبين يَقِفون ضدّ مصالح الناس، نجد هذا الأمر جليّاً في اتهام رأس المفسدين فرعون لموسى u بذلك: ﴿إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ [غافر:26]، كما رَدّد الملأ المُضلّون من قوم فرعون التهمة ذاتها في حق موسىu ، فقالوا: ﴿أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾ [الأعراف:127].

عاشراً: احتساب هارونu : حيث احتسب هارون u على قومه لمّا فُتِنوا بالعجل، فأنكَر عليهم  uبلسانه سُوء صنيعهم بقوله: ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي﴾ [طه:90].

     وقد يظهر للوهلة الأولى أنّ هارون u قد ترَك الاحتساب؛ لمصلحة الدعوة وخشيةِ تفريق الوحدة الوطنية، كما يبدو ذلك من قول هارون u: ﴿قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ [طه: 94]، لكنْ يتّضح بطلان هذا الزعم من خلال تأمُّل جواب هارون لموسى عليهما السلام، كما ورد ذلك في قوله I: ﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: 150]؛ إذ لمْ يكتف هارون u بالإنكار القلبي، بل ضمّ إليه الإنكار باللسان واليد حتى خشِي على نفسه، لذلك لمّا وضّح هارون لموسى عليهما السلام أنه قام بكلّ ما يستطيعه، استغفر موسى u من ظنّه أنّ هارونu  لمْ يقُم بواجب الإنكار، فقال موسىu : ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأعراف: 151].

أحد عشر: احتساب سليمان u: تكرَّر احتساب سليمان u في قصّته  uمع ملكة سبأ، حيث رفض سليمان  uمصانعة ملكة سبأ له بالهديّة مقابلَ الكفِّ عن الاحتساب عليها وعلى قومها، كما ورد ذلك في قوله I: ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ. فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ. ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ. قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: 35- 38].

  ويَدخل تهديد سليمان  uلبلقيس بالحرب في حال رفْضهم الإسلام في باب إزالة المنكر بالقوّة، وفي هذا درس للمحتسب أن يستخدم الشدّة إذا كان أصحاب المنكَر لا يرتدعون إلا بذلك، ومِن هؤلاء المجرمين الذين يتعيّن على أهل الحسبة استعمالُ القوّة معهم: السحرة والمشعوِذون، وقطّاع الطرق، وتجّار المخدرات، ونحوهم.

اثنا عشر: احتساب عيسى u: تكرَّر احتساب المسيح عيسى  uعلى قومه في القرآن الكريم، وذلك في المواقف الآتية:

1-إعلان عيسى u ربوبية الله  Iله وللناس، ودعوتُه إلى عبادة الله الواحد، وتحذيرُه من الشرك، كما قال I: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا ل ِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾ [المائدة:72].

2-احتساب عيسى u مع أتباعه الحواريين، وذلك في قصّة المائدة، كما قال U: ﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء﴾ [المائدة:112]، فأجابهم المسيح u آمِراً لهم بالمعروف بقوله: ﴿اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [المائدة:112].

3-احتساب عيسى  uمع بني إسرائيل، كما قال I: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [الصف:6]، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: “وقد أقام في ملأ بني إسرائيل مبشّراً بمحمد وهو أحمَد خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي لا رسالة بعده ولا نبوّة”([12]).

4-الوصية بتقوى اللهI : قال الله U حكاية عن عيسى u: ﴿وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ [آل عمران:50].

   ولو تتبَّعْنا الدور الاحتسابي للرسل عليهم السلام في القرآن الكريم، لوجدناهم جميعاً يأمرون أقوامهم بالتقوى، بدءاً مِن أوّل الرسل نوح u، مروراً بهود وصالح ولوط وشعيب وعيسى عليهم السلام، كما أنهم يُردِفون حثَّهم على تقوى الله U بدعوتهم أقوامهم إلى الاستغفار، ويظهر أنّ من المناسب أن يأمر الرسل عليهم السلام أقوامهم بالاستغفار بَعد أمْرهم إياهم بالتقوى؛ وذلك لأن العبد مهما اجتهد بتحقيق التقوى ولازم الاستقامة، فإنه لابدّ أن يزِلّ، من هنا جاء أمْر الرسل عليهم السلام جميعاً أقوامَهم بالاستغفار.

ثلاثة عشر: احتساب محمد r: تَكرر احتساب الرسول محمد u على قومه في القرآن الكريم، وذلك في المواقف والمجالات الآتية:

1-دعوة الرسول محمد  rالناس إلى عبادة الله وحده، كما قالU : ﴿أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ﴾ [هود: 2].

2-دعوة الرسول محمد  rقومه إلى الاستغفار والتوبة، وتذكيرُه لهم بنِعَم الله U عليهم، جاء ذلك في قولهU : ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾ [هود: 3].

   ويُلحظ من خلال تأمُّل قول الرسول محمد r لقومه: ﴿ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾ [هود:3]، وكذلك جوابه لهم: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [يونس:15]، أنّ على المحتسب أن يُظهر الشفقة على المخاطبِين، وإبداءَ الخوف عليهم من عذاب يوم القيامة، وهذا مسلَك يحتاجه كلُّ مصلح، وهو مسلَك الرسل جميعاً عليهم السلام، فشفقتُهم على أقوامهم واضحة بدءاً من نوح حتى خاتمهم محمد عليهم السلام أجمعين، فهذا نوح u يقول لقومه: ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الأعراف: 59]، وهذا شعيبu  يخاطب قومه مشفِقا: ﴿وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ ﴾ [هود:84]، وهذا هودu  يقول لقومه مخوِّفا إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الشعراء:135]، حتى إنّ الله  U نهى نبيّه r عن الشفقة المهلِكة، فقال له: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ [الكهف:6]، ولا ريب أنّ شفقة الداعية على قومه مطلوبة؛ لأنها تدعوه غالباً إلى التفاني في العمل الاحتسابي، وشحْذ همّته، كما أنها تدلّ على صِدقه في دعوته، مما يترتب عليها أبلغ الأثر في استجابة المدعوّين للحقّ.

    وجملة القول: أنّ حياة محمد  rكانت كلُّها احتسابا، فهو إمام المحتسبين حقّا، حتى إنّ القرآن الكريم لَينصّ على أنّ الوظيفة الأساسية له r هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما بيّن الله U صفة خاتم رسُلهr  في الكتب المتقدِّمة: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: 157].

     قال الطبري في تفسير هذه الآية: “يأمر هذا النبيُّ الأميُّ أتباعَه بالمعروف، وهو: الإيمان بالله، ولزومُ طاعته فيما أمَر ونهى، فذلك (المعروف) الذي يَأمرهم به، (وينهاهم عن المنكر)، وهو: الشرك بالله، والانتهاءُ عمّا نهاهم الله عنه”([13]).

   وتبيَّن مما سبق في هذا المطلب، أنّ الاحتساب من أعظم مهمّات الرسل عليهم السلام جميعاً،وأنّ منهجهم الاحتسابي عليهم السلام يعدُّ منارةً للدعاة مِن بعدهم يستضيئون بهديه في طريق دعوتهم؛ لأنهم عليهم السلام أَفنوا أعمارهم في السعي بالصلاح، ومقاومةِ الفساد، ومن خلال استقراء آيات القرآن الكريم ظهر أنّ الله  Uقد عَرض لنماذج عديدة من رسُله عليهم السلام قد قاموا بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حقَّ قيام، وعليه ينبغي على المسلِم ولا سيما الداعية أن يتلمّس خطى المرسلين عليهم السلام في طريقتهم الاحتسابية؛ حتى تعُمّ الفضائل، وتَقِلّ الرذائل من حياة الأفراد والمجتمعات والدُّول.

المطلب الثالث: سمات الحسبة عند الرسل عليهم السلام في ضوء القرآن الكريم

  بَعد الانتهاء من بيان النصوص القرآنية التي تضمنت احتساب الرسل عليهم السلام، فإنه يحسن بالباحث أن يعرّج على سِمات الحسبة عند الرسل عليهم السلام، ومن أهمّ تلك السِّمات ما يأتي:

1-مِن سِمات أعداء الرسل أذيّةُ المحتسبين وتكذيبُهم: لَقِي الرسل عليهم السلام في سبيل احتسابهم ألواناً من الأذى؛ وذلك لأنهم احتَسبوا على أقوامهم في ترْك أهوائهم وعوائدهم القبيحة، ودَعَوْهم لإخلاص العبودية لله   Uوحده، وإنّ تكذيبَ المحتسبين من الرسل عليهم السلام وإيذاءهم أسلوبٌ قديم أَخذت به الأُمم المعانِدة لدفع دعوة رسُلهم، ونَطَق القرآن الكريم بذلك في آيات كثيرة، مِن أجمعِها قولُ الله U: ﴿وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ [الحج:42- 44].

    وما زالت أبواق تكذيب المحتسبين وإيذائهم متواصلة عبر القرون المتطاولة، حيث رُمي العديد من العلماء والدعاة والمصلِحين بالتُّهم والأكاذيب، ورُوّجت في حَقّهم الشائعات القبيحة، بل ونالَهم شديد الأذى على أيدي أعداء الحسبة، ووَصل الإيذاء إلى حدّ قَتْل عشرات منهم؛ بسبب احتسابهم على أصحاب الشهوات والأهواء، وإنّ معرفةَ هذه الحقيقة لازمة لكلّ مسلِم محتسِب؛ حتى لا يتأثر بشدة تكذيب الخصوم وإيذائهم للدعاة، ولكي لا ينطلي عليه هذا الأسلوب الماكر، أو يَحمِله تكذيب الأعداء على الشكّ في صِدق الدعوة التي يُنافح عنها.

2-سعة موضوعات الاحتساب: الموضوعات التي احتسب فيها الرسل عليهم السلام على أقوامهم شاملة لمَا يُصلِح الدين والدنيا، ابتداءً بتحقيق توحيد الله I، ونبْذِ الشرك، واتباعِ الرسل عليهم السلام، فما مِن رسول منهم إلا ابتدأ دعوته لقومه بقوله: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [المؤمنون: 32]، ثُم تأمر الرسل عليهم السلام أقوامهم بتقوى اللهI ، وتجديد الاستغفار والتوبة، ونجد هذا المعنى عند نوح وهود وصالح وشعيب ومحمد عليهم السلام، ثم حذّروا أقوامهم من ارتكاب المعاصي التي دَرَجوا عليها، كما عَنوا بتقويم سلوك أقوامهم، وتصحيحِ معاملاتهم وأخلاقهم،وبالجملة شَمل احتسابُ الرسل عليهم السلام على أقوامهم جميعَ مجالات الحياة، من عقيدة، وعبادات، وأخلاق وسلوك، واقتصاد، وسياسة، حيث أَمَروهم بكلّ معروف فيه صلاح أحوالهم في الدنيا والآخرة، ونهَوهم عن كلّ معصية تضرّهم في الدنيا والآخرة.

   ونجد أنّ كلّ مجال من مجالات المنكرات الذي انتشر في أمّة من الأمم السالفة دون الأخرى، قد تصدّى له كلّ رسول منكِراً له، ومحتسباً على قومه فيه، حيث مثّل احتسابُ إبراهيم وموسى عليهما السلام على الطاغيتَين المستكبرَين مقاومة الفساد السياسي، ومَثَّلَ احتسابُ هود وصالح عليهما السلام مقاومة الفساد العمراني والمادي، ومَثَّلَ احتسابُ شعيب  uمقاومة الفساد الاقتصادي، كما مَثَّلَ احتساب لوط عليه السلام مقاومة الفساد الخُلقي، ونلحظ أنّالرسل عليهم السلام جميعاً بدأوا بمقاومة الفساد العقدي؛ لأن الشرك كان موجوداً في كلّ الأُمم التي عُذّبت، ولذا ابتدأ الرسل عليهم السلام جميعاً احتسابهم على أقوامهم بتحقيق التوحيد، والبراءةِ من الشرك.

   والمتأملُ في واقعنا المعاصر يجد أنّكلّ المعاصي التي سَلفت في الأُمم الغابرة قد اجتمعت في الحضارة المعاصرة، مما يَجعل التبعات على المصلِحين كبيرة في إنكار هذه المنكَرات مجتمعة؛ رفعاً للعذاب، وإصلاحاً للناس.

   ويتعيّن على المحتسبين في الوقت الحاضرتوسيعُ مجالات المنكَرات المُهمّشة في اهتمامات المجتمع؛ كالمنكر الاقتصادي المتمثل في بيوع الربا والعِينة، والغشّ التجاري، والاحتكار، والغلاء الفاحش في الأسعار، والقروض الربويّة وغيرها، وكالمنكر الإداري المتمثِّل في تأثير المحسوبيات والشفاعات المحرّمة في التوظيف، والتوسُّع في إهدار المال العام، والكيد الوظيفي، وترقية غير الأكفاء، وغير ذلك، وكالمنكر الاجتماعي المتمثِّل في العنصرية، والفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والتعدّي بالسب والقذف على أعراض الآخرين -سواء بشكل خاص أو في وسيلة إعلامية-، وأيضا كالمنكر السياسي المتمثِّل في الاستبداد، والاستئثار بالسلطة، وسوء توزيع الثروات، والحبس دون حقّ، والابتزاز، ومنع الحقوق، ومصادرة حرية الرأي، ونحو ذلك من مجالات المنكرات التي هي أعظم وأبعد أثراً من كثير من المنكرات التي ضخّمها المجتمع وبعض المؤسسات الدينية وسلوك بعض المحتسبين.

3-شمولية أصناف المحتسَب عليهم: شَمل احتساب الرسل عليهم السلام طبقاتِ المجتمع كافّة، حيث كان احتسابهم شامِلاً لكُبراء القوم ومَلئهم، ومِن ذلك احتسابُ إبراهيم u على النمرود بن كنعان، واحتساب موسى u على فرعون، كما شَمل احتسابهم عامّةَ الناس، فأنكَروا عليهم ما ساد فيهم من الشرك والمعاصي المتنوعة، فنوح  uمثلاً أَنكر على قومه شِركهم، وفي الوقت نفسه لمْ يَترك الرسل عليهم السلام الاحتساب على أهل بيوتهم وقرابتهم، بل إنهم بدأوا بهم قبل غيرهم، فهذا نوح u احتَسب على ابنه، وهذا إبراهيم  uاحتَسب على أبيه، وهذا إسماعيل  uاحتَسب على أهل بيته.

4-تعدُّد صور الاحتساب: تعدَّدت صور احتساب الرسل عليهم السلام في القرآن الكريم على صورتين؛ الأولى: نهي أقوامهم عن المنكرات التي ارتكبوها، والثانية: حثُّ أقوامهم على فِعل المعروف الذي هجروه، ومِن ذلك تذكيرُ أقوامهم بشكر الله U على نِعمه، نجد هذا المعنى عند هود وصالح وشعيب وموسى عليهم السلام، ومِن ذلك أيضا ًحثُّهم على التوبة والاستغفار، حيث درج على ذلك نوح وهود وصالح وشعيب ومحمد عليهم السلام، إضافة إلى تذكير أقوامهم بطاعة أنبيائهم.

5-تنوُّع وسائل الاحتساب ومراتبه: لمْ يكتف الرسل عليهم السلام بالإنكار القلبي، والذي يَستلزم هجْر مجالس المنكرات وأرباب الشهوات؛ تعبيراً عن الكراهية والغضب لله U، بل لجأوا أيضاً إلى الإنكار باللسان، تارة بالمناظرة، وتارة بردّ الشبهات، وتارة بالإقناع، وتارة بالترغيب والترهيب، وتارة عن طريق الدعوة إلى التأمُّل والتدبر في خلق الله U، وأحياناً أخرى عن طريق بيان مظاهر نعم الله U على عباده، إضافة إلى التعنيف بالقول،كما ذكر الله U عن إبراهيم‏   u تعنيفه لقومه بالقول الغليظ:‏ ﴿‏أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ‏﴾ [الأنبياء: 67]، إضافة إلى أنه لمْ يقتصر إنكار الرسل عليهم السلام لمنكرات أقوامهم بألسنتهم فحسب، بل لجأوا أحياناً إلى الإنكار باليد، فها هو إبراهيم  uقد كَسّر الأصنام، كما أنّ سليمان  uقام بضرب قوائم الخيل وأعناقها بالسيف، وكذلك موسى u قد دفعتْه الغيرة على التوحيد أن رمى بالألواح التي تتضمن كلام الله، ونجِد الكليم  uأيضاً يقوم بحرْق العجل ثُم تَذريته في الريح،ومن هنا ينبغي على المحتسبين أن يَشتدّوا في الإنكار في مواطن الشدّة، ويَلِينوا في مواطن اللين؛ وعليه فإنّ المحتسب الناجح يُنكِر المنكر بغير منكر، ويَأمر بالمعروف بمعروف.

     وفي الناظر في واقعنا المعاصر يلحظ تنوُّع المنكرات، وتطوُّر وسائلها، واتساع رقعتها، أضِف إلى ذلك تضييق الخِناق على الاحتساب وأهله، وتجفيف منابعه، لذلك لا يتأتّى للغيور تخفيف أو إزالة  كثير من المنكرات الشائعة إلا باستعمال وسائل عصرية بحسب الإمكان، إضافة إلى ضرورة استعمال وسائل التغيير مجتمعة، فلا بدّفي محاربة المنكرات الشائعة من قلب ولسان ويد، سواء على النطاق الشخصي أو على النطاق المؤسسي، ومن هنا يتضح خطأ مَن يحتكر وسائل الاحتسابفي طرق معينة، بل الواجب على المصلحين استعمال كلّ الوسائل العصرية المتاحة في الاحتساب ما دامت مشروعة، ومحقِّقة للمقصود.

   ومِن أمثلة الوسائل المعاصرة التي يمكن تفعيلها في الحسبة، خطبة الجمعة، وعقد المحاضرات والندوات، وكذلك الاحتساب من خلال القانون إما طعنًا فيه، أو استعمالًا له، ومن هذه القوانين التي كان لها أثرها الظاهر في الحسبة، قانون تجريم التشيع، وقانون تجريم سبّ الصحابة كما حصل في بعض الدول الإسلامية، كما يمكن الاستفادة في محاربة المنكرات باستخدام التقنية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي وتويتر، ولعلّ من أهم مميزات تويتر في الاحتساب سهولة التأثير وسرعته، فتغريدةٌ واحدة يمكن أن تحصل على آلاف المؤيِّدين، كما يمكن الاستفادة في الاحتساب المعاصر أيضاً من الأجهزة الرسمية كوزارة الاتصالات، وذلك في حجب المواقع الالكترونية الفاسدة، وكوزارة التجارة والصناعة، وذلك في التبليغ عن المخالفات التجارية من غش ونحوه، وكهيئات الرقابة أيضاً، ومن الوسائل المعاصرة التي يمكن تفعيلها في الحسبة، توجيه أئمة المساجد والمؤثرين وأصحاب الوجاهة في العائلات؛ لمخاطبة الجهات المعنيّة أو زيارتهم في مكاتبهم أو منازلهم؛ لإحباط أيّ منكر عامّ يتمّ الإعلان عنه.

6أهمية الاحتساب في الشريعة الإسلامية: يُعدّ الاحتساب صمّام أمان المجتمع، ويكفيه شرفاً أنه المهمّة الأساسية للأنبياء جميعهم عليهم السلام، وقد جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تُرغِّب ترغيباً شديداً في القيام بشعيرة الاحتساب، منها قوله U: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون﴾ [آل عمران:104]، ويوضّح الغزالي رحمه الله مكانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيقول: “إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القُطْب الأعظم في الدين، وهو المهمّ الذي ابتعث الله له النبيِّين أجمعين، ولو طُوِي بساطه، وأُهْمِل عِلمه وعمَله لتعطّلت النبوّة، واضمحلّت الديانة، وعمّت الفترة، وفشَت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتّسع الخَرق، وخَربت البلاد، وهلَك العباد، ولمْ يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد”([14]).

7-الاحتساب وظيفة الرسل أجمعين عليهم السلام وأتباعهم: المتأمل في سِيَر الرسل عليهم السلام، يجدهم قد أوْلوا الاحتساب عناية شديدة، وكيف لا وقد تطابق على وجوبه الكتابُ الكريم والسنّةُ المطهرّة والإجماع، لذلك جرت سُنَّة الرسل عليهم السلام على الأمر بالمعروف والنَّهي عن المُنكر، ابتداءً من نوح u، حيث بذل الرسل عليهم السلام أقصى جهدهم في نُصح أقوامهم، وقاموا بذلك على أكمل وجه، كما قال U: ﴿فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ﴾ [هود:116].

   وما زال القيام بشعيرة الاحتساب دأب الصالحين بعد الرسل عليهم السلام، كما ورد ذلك في وصايا لُقْمان الحكيم لابنه، حيث مثّلت وصيّته لابنه دليلاً على اهتمام واضح بمهمة الاحتساب كما قالY  حكاية عنه: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [لقمان:17]، والجدير ذكره أنّ الاحتساب من أخصّ صفات المؤمنين والصالحين، ولهذا قال المولى U: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة:71].

   وعليه ينبغي على المحتسبين في العصر الحاضر أنْ لا يغتال اليأسُ قلوبَهم مهما أرعد الباطل وأزبد، وألاّ ينصرفوا لحظوظهم الشخصية والدنيوية.

8-ضرورة تحلي المحتسب بالأخلاق الحسنة: تَخلّق سادات المحتسبين من المرسلين عليهم السلام أثناء قيامهم بواجب الاحتساب بأفضل الخصال، ومن تلك الأخلاق الحسنة إظهار الشفقة على أقوامهم، والخوف عليهم من عذاب يوم القيامة، وهذا مسلك جميع الرسل عليهم السلام، فشفقتهم على أقوامهم واضحة من نوح إلى محمد عليهم السلام أجمعين، ومن تلك الأخلاق الحسنة أيضاً خلُق الحلم، والمجادلةُ بالتي هي أحسن، والتعففُ عن أموال المدعوّين، ومِن شواهد ذلك إجابة هود u لقومه الذين اتهموه بالسفاهة والكذب، فأجابهم نبيُّهم بكلّ حلم: ﴿يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: 67]، ويعقّب الزمخشري على تلك الإجابة بقوله: “وفي إجابة الرسل عليهم السلام على مَن نسَبهم إلى الضلال والسفاهة، بما أجابوهم به من الكلام الصادر عن الحلمِ والإغضاءِ وترْكِ المقابلة بما قالوا لهم، مع عِلمهم بأنّ خصومهم أضلّ الناس وأسفهُهم أدبٌ حسَن، وخلُقٌ عظيم، وحكاية الله U ذلك، تعليمٌ لعباده كيف يخاطِبون السفهاء، وكيف يغضّون عنهم، ويسبلون أذيالهم على ما يكون منهم”([15])، وعليه ينبغي على المحتسبين مِن بعد الرسل عليهم السلام أن يتَخلّقوا بأخلاق سادات المحتسبين من الرسل عليهم السلام، فإنّ المحتسب الفظّ يفسد أكثر مما يصلح.

9-العناية بغرس التوحيد وتصفية العقيدة: المتأمل في حديث القرآن الكريم عن احتساب الرسل عليهم السلام، سيجد أنّ الدعوة إلى الله  Uوإفراده بالعبادة والتوبة إليه، هي مقولة الرسل الواحدة على مرّ الدهور، وجدنا تلك المقولة عند أوّل الرسل نوحu، ﴿أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ [هود: 26]، ورأيناها نفسها عند هود u، ﴿ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ﴾ [هود:50]، وألفيناها نفسها عند صالحu ، } يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ﴾ [هود: 61]، وكذلك نجد المقولة نفسها عند شعيب u،﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [هود: 84]، كما جدّد خاتم الرسل وسّيد المحتسبين محمد  uتلك المقولة في القرآن الكريم، فقال لهم: ﴿أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ﴾ [هود: 2]، وكذلك نلحظ العناية البالغة من الرسل عليهم السلام في البراءة من الشرك والمخالفات العقدية، حيث أَنكَروا على أقوامهم اتخاذ الأنداد من دون الله، ونَهوا عن الفساد المتمثِّل في الكفر بالله U، كما شَنّعوا على أقوامهم إنكارَ النبوّات، وعليه ينبغي على المحتسبين في العصر الحاضر أن يجعلوا قضية التوحيد والبراءةَ من ضدّه من أولويّات احتسابهم، وألاّ يظنّوا أنّ قضية التوحيد أمر هامشي.

الخاتمة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أمّا بعد:

     فإنه بعد الجولة العطرة بين ثنايا موضوع (احتساب الرسل عليهم السلام في ضوء القرآن الكريم)، من خلال استقراءٍ لعدد من الآيات القرآنية، يمكِن الخُلوص إلى النتائج الآتية:

* أجمع تعريف للحسبة في الشرع، أنها: أمْر بالمعروف إذا ظَهر تركُه، ونهي عن المنكر إذا ظَهر فعلُه.

* مِن نظائر الاحتساب في القرآن الكريم: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله U، والحُكم.

* أهمية الاحتساب في الإسلام؛ إذ هو صمّام أمان المجتمع، إضافة إلى كونه أنه المهمّة الأساس للأنبياء جميعِهم عليهم السلام.

* الرسل عليهم السلام هم سادات المحتسبين، وظهر أنّ العديد من الرسل عليهم السلام قد قاموا بمهمّة الاحتساب خيرَ قيام، فقد قصّ الله Uفي القرآن الكريم نماذج لثلاثة عشر نبيّا، وهم: نوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، واسماعيل، ويوسف، ولوط، وشعيب، وموسى، وهارون، وسليمان، وعيسى، ومحمد عليهم السلام.

* مِن سمات الحسبة عند الرسل عليهم السلام في القرآن الكريم: سعة موضوعات الاحتساب، وشمولية أصناف المحتسَب عليهم، وتعدُّد صور الاحتساب، وتنوُّع وسائل الاحتساب ومراتبه، وضرورة تحلِّي المحتسب بالأخلاق الحسنة، والعناية بغرس التوحيد وتصفية العقيدة، وتعرُّض المحتسبين إلى الإيذاء والتكذيب.

* شمولية احتساب الرسل عليهم السلام على أقوامهم لجميع مجالات الحياة، من عقيدة، وعبادات، وأخلاق وسلوك، واقتصاد، وسياسة.

* تخلُّق سادات المحتسبين من الرسل عليهم السلام بأفضل الخِصال أثناء قيامهم بواجبهم الاحتسابي، ومن تلك الأخلاق الحسنة إظهار الشفقة على أقوامهم، وإبداء الخوف عليهم مِن عذاب يوم القيامة، وخلُق الحلم، والمجادلة بالتي هي أحسَن، والتلطف بالقول، والتعفُّف عن أموال الناس.

* تعدُّد صور احتساب الرسل عليهم السلام في ضوء القرآن الكريم، حيث شَمل احتسابُهم في النهيَ عن المنكرات التي يرتكبها أقوامهم كالشرك، كما شَمل احتسابُهم الحثَّ على المعروف الذي هجَره أقوامُهم كالاستغفار.

* تنوُّع وسائل الاحتساب لدى الرسل عليهم السلام في ضوء القرآن الكريم، بدءاً بالإنكار القلبي، وثانية بالإنكار باللسان، وأخرى بالإنكار باليد، وينبغي على المحتسبين اليوم استثمار كلّ الوسائل العصرية المتاحة في الاحتساب ما دامت مشروعة، ومحقِّقة للمقصود.

     وفي ضوء هذه النتائج، فإنّ الباحث يوصي بما يأتي:

1. واجب الغيورين السير على منهج الرسل عليهم السلام في الاحتساب، كما رُسمت معالمه في الوحيين؛ القرآن الكريم، والسنّة الصحيحة، كمصدرَين أساسيَّين من مصادر التربية الإسلامية.

2. ضرورة تربية النَّشء على ثقافة الاحتساب، وعدم السلبية.

3. الحرص على وضع الخُطط للتصدّي للمنكرات الشائعة؛ لأن ذلك مسؤولية الجميع.

4.واجب المصلحين تحديدُ الأولويّات الاحتسابية، وعدمُ الانجرار خلف معارك إعلامية مفتعَلة.

     وبعد؛ فهذا ما يسّر الله U للباحث الوصول إليه في هذا البحث، ونسأله  Iأن يجعلنا من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر، وصلوات الله وسلامُه على أشرف خلْقه وتاج رسُله محمد وعلى آله وصحبه، والحمد لله ربّ العالمين.

المصادر والمراجع

  • ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر الدمشقي (ت: 774هـ): تفسير القرآن العظيم، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، (دار طيبة للنشر والتوزيع، ط2 – 1420هـ – 1999م).
  • ابن منظور، محمد بن مكرم الأفريقي المصري (ت: 711): لسان العرب، (بيروت، دار صادر، ط1).
  • البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي (ت: 256): الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله r وسننه وأيامه، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا، (بيروت، اليمامة، دار ابن كثير، ط3 – 1407هـ – 1987م).
  • الرازي، أبو عبد الله فخر الدين محمد بن عمر (ت: 606هـ): مفاتيح الغيب،(بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط3 – 1420هـ).
  • رضا، محمد رشيد (ت: 1354هـ): تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)، (الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1990م).
  • الزمخشري، أبو القاسم محمود بن عمر (ت: 538): الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التنزيل، تخريج: الإمام الزيلعي، (بيروت، دار الكتاب العربي، ط3 – 1407هـ).
  • الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير (ت: 310هـ): جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تحقيق: محمود محمد شاكر، وتخريج: أحمد محمد شاكر، (مؤسسة الرسالة، ط1 – 1420هـ – 2000م).
  • الغزّالي، أبو حامد محمد بن محمد الطوسي (ت: 505هـ): إحياء علوم الدين، (بيروت، دار المعرفة).
  • قطب، سيّد إبراهيم حسين الشاربي (ت: 1385هـ): في ظلال القرآن،(القاهرة، بيروت، دار الشروق، ط17 – 1412هـ).
  • الماوردي، علي بن محمد بن حبيب البصري البغدادي (ت: 450هـ): الأحكام السلطانية، (القاهرة – دار الحديث).
  • الهادي، صادق محمد: وقفات مع آيات الحسبة في القرآن الكريم، (الرياض، دار المحتسب للاستشارات، 1433هـ).

وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية: الموسوعة الفقهية الكويتية،(دار السلاسل – الكويت، ط2).

لتحميل جميع أعداد (مجلة المرقاة المحكمة) بنسخة Word + pdf :

https://drive.google.com/drive/folders/1ZDoZNZFySzrdmILoMtn-pZ0no9Lbh7VU?usp=sharing


[1] الهادي، صادق محمد: وقفات مع آيات الحسبة في القرآن الكريم، (الرياض، دار المحتسب للاستشارات، 1433ه).

 [2]ابن منظور، محمد بن مكرم الأفريقي المصري (ت: 711): لسان العرب، (بيروت، دار صادر، ط1)، مادة (حسب)، (1/ 317).

[3] الفيروزآبادي، أبو طاهر محمد بن يعقوب (ت: 817هـ): القاموس المحيط، (لبنان، بيروت، مكتب تحقيق التراث، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، ط8، 1426 هـ – 2005م)، مادة (حسب)، (ص: 74).

 [4]انظر، البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي (ت: 256): الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله r وسننه وأيامه، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا، (بيروت، اليمامة، دار ابن كثير، ط3 – 1407هـ – 1987م)، كتاب الإيمان، باب: صوم رمضان احتسابا من الإيمان، حديث رقم (38)، (1/ 16).

[5] ابن منظور: لسان العرب، مادة (حسب)، (1/ 315).

 [6]الماوردي، علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي (ت: 450هـ): الأحكام السلطانية، (القاهرة – دار الحديث)، (349).

[7] وهذا التعريف رجّحه فخر الدين الرازي في تفسيره، الرازي، أبو عبد الله فخر الدين محمد بن عمر (ت: 606هـ): مفاتيح الغيب، (بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط3 – 1420هـ)، (23/ 236).

[8]انظر، الماوردي: الأحكام السلطانية، (352-353).

[9]انظر، الماوردي: الأحكام السلطانية، (353- 354).

[10] قطب، سيّد إبراهيم حسين الشاربي (ت: 1385هـ): في ظلال القرآن، (القاهرة، بيروت، دار الشروق، ط17 – 1412هـ)، (1/575).

[11] رضا، محمد رشيد (ت: 1354هـ): تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)، (الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1990م)، (12/ 119).

 [12]ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر الدمشقي (ت: 774هـ): تفسير القرآن العظيم، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، (دار طيبة للنشر والتوزيع، ط2 – 1420هـ – 1999م)، (8/ 109).

[13] انظر، الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير (ت: 310هـ): جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تحقيق: محمود محمد شاكر، وتخريج: أحمد محمد شاكر، (مؤسسة الرسالة، ط1 – 1420هـ – 2000م)، (13/ 165).

 [14]الغزّالي، أبو حامد محمد بن محمد الطوسي (ت: 505هـ): إحياء علوم الدين، (بيروت، دار المعرفة)، (2/ 306).

 [15]الزمخشري، أبو القاسم محمود بن عمر (ت: 538): الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التنزيل، تخريج: الإمام الزيلعي، (بيروت، دار الكتاب العربي، ط3 – 1407هـ)، (2/ 116) – (2/ 117).