خاص هيئة علماء فلسطين

    

27/5/2024

تأليف: د. محمود مصطفى أبو محمود المدير التنفيذي لهيئة علماء فلسطين

تقديم: د. نواف تكروري رئيس هيئة علماء فلسطين

ملخَّص الكتاب

أطروحـــــة علميــــة سعت لتقديم صورة تفصيـليـة عن حــالـة التقويم التربوي في السُنّة النبويّة، فبيّنت الإجراءات التقويمية التي قام بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وفصلّت في مبادئ التقويم التربوي النبوي وخصائصه ومجالاته وأنواعه وكشفت عن أنماط الاستراتيجيات التقويمية المستخدمة، وعرضت آثارها ونتائجها على العملية التربوية النبويّة.

هدفت الدراسة في إطارها العام إلى تأصيل “التقويم التربوي” باعتباره عنصرًا من عناصر المنهج التربوي الإسلامي الذي بُعث به النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم لهداية الناس وتزكيتهم وتعليمهم. وتقصَّدَت أن يكون جهدها التأصيلي مُنصَبًّا على السُنّة النبويّة بما تشمله من أحاديث وسيرة في سنوات البعثة الثلاث والعشرين. وفي إطار الأهداف التفصيلية سَعَت للكشف عن مبادئ التقويم التربوي الأساسية وخصائصه ووظائفه وضوابطه ومجالاته وأنواعه واستراتيجياته؛ من خلال تتبع الأحاديث النبويّة وبيان الشواهد والدلالات التقويمية فيها. واستخدم لتحقيق أهداف الدراسة المنهج الاستقرائي والمنهج الوصفي التحليلي. وكان من نتائجها استنباط سبعة مبادئ أساسية للتقويم التربوية في السُنّة النبويّة، وهي: تحرِّي العدل في الأحكام وإجراءات التقويم التربوي، ومراعاة ما بين الناس من فروق فردية أثناء التقويم، ومراعاة التدرُّج في التقويم، ودمج التقويم في التعلم والتعليم، ومراعاة اليسر والتيسير في التقويم، وتشجيع المتعلم على المشاركة الفعلية في تقويم ذاته وتقويم مكتسبات تعلمه ومشاركته في تطويرها، وكذلك التثبت من الأخبار والبيانات التقويمية. كما استنبطت سبع خصائص للتقويم التربوي في السُنّة النبويّة، وهي: “الشمول والعموم”، والتنوع، والاستمرارية، والواقعية، وأن أثره ممتد، وأنه مَحَكِّي المرجع، وتعاوني. وبيَّنت الدراسةُ خمسة أغراض للتقويم التربوي في السُنّة النبويّة وهي: الكشف والتشخيص، والتكوين والعلاج، والتعزيز والتحفيز، والوقاية، والتنظيم. وفصَّلت في ثلاثة أنواع من ضوابط التقويم: الشرعية، والأخلاقية، والإدارية. وأبرزَت ثلاثة مجالات للتقويم التربوي في السُنّة النبويّة، وهي: مجال الأهداف التربوية، ومجال التعامل مع محتوى المنهج، ومجال الطرق والأساليب. ثمَ تتبعت الدراسةُ تأصيلَ استراتيجياتِ التقويمِ التربويِ من السُنّة النبويّة، ففصَّلَتْ في: التقويم المعتمِد على التواصلِ، والتقويم المعتمِد على الأداء، والتقويم المعتمِد على الذات، والتقويم المعتمِد على الملاحظة، والتقويم المعتمِد على الأقران وكذلك التقويم المعتمد على الورقة والقلم. وبيَّنت الدراسة – بشواهد من السُنّة النبويّة- أنواع التقويم التربوي بالنسبة لزمن تنفيذه، وهي: التقويم القَبلي، والتقويم البِنائي، والتقويم الختامي. وبذلك تكون الدراسة قد قدَّمت وصفًا لحالة التقويم التربوي في السُنّة النبويّة، وأثره الكبير في تسديد العملية التربوية النبويّة ونجاحها، وتكون أيضًا قد أكدت أن النبيّ صلى الله عليه وسلم استخدم في عمليته التربوية كل وسائل التقويم التربوي المتاحة في بيئته وعصره، واستثمرها على أحسن ما يكون، وأنه صلى الله عليه وسلم حاز السبق التربوي في كثير من تفصيلات عملية التقويم التربوي التي أدركها الباحثون والتربويون في عصرنا هذا. وقد ختمت الدراسة بتوصية الباحثين التربويين بالمضي قُدمًا في تأصيل العلوم التربوية والاجتماعية من السُنّة النبويّة، وإطلاق دراسات تستكمل الجهد التأصيلي للتقويم التربوي من القرآن الكريم. كما أوصت الدراسة بمراعاة نتائجها عند صياغة المناهج التربوية، والعناية بالإعلان عنها والتعريف بها وتطبيقها في الميدان التربوي؛ تمسكًا بسنّة النبيّ صلى الله عليه وسلم وتأسيًا به كما أوصانا ربنا سبحانه وتعالى، كما أوصت الدراسة بضرورة تعزيز التعاون بين المربين والدعاة والمختصين من أهل التكنولوجيا؛ لتفعيل كل أدوات العصر المتاحة في مجال التقويم التربوي بإتقانها واستثمارها في عمليات التربية والدعوة والإصلاح.

 

 

تقديم بقلم الدكتور نواف هايل تكروري

رئيس هيئة علماء فلسطين

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على نهجه واهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد:

فقد تشرفت وسعدت بقراءة كتاب الأخ العزيز محمود مصطفى بعنوان التقويم التربوي في السُنّة النبويّة، وهو بحث أكاديمي محكّم أعده لنيل درجة الدكتوراة. وقد وجدته كتاباً نافعاً ومفيدًا يحتاجه كل مربٍ وكل معلمٍ وكل قائدٍ وكل مديرٍ وكل زوجٍ وأبٍ وكل من له وجه توجيه وتربية وتعليم وتدريب، وقد أفدت منه كثيراً وما استطعت تجاوزه لغيره حتى أتممت قراءته، فقد وضع يده على كنز عظيم واستوعب في رسالته القيمة أطراف الموضوع وأصّل وأنار طريقاً لطلبة العلم والباحثين وسلط الضوء بعمق واستيعاب على معالم المنهج النبوي في التربية والتعليم والتقويم الذي كان أساساً في بناء المجتمع المسلم من كل وجه، فأسأل الله تعالى أن يجزل للأخ المؤلف المثوبة على جهده القيم.

وإن الناظر في السُنّة النبويّة لا سيما فيما له علاقة بالتقويم التربوي الذي أصّلت له هذه الدراسة يدرك حجم التحدي الكبير الذي تجاوزه النبيّ المعلم صلى الله عليه وسلم  وهو يقوّم الملة العوجاء التي كان عليها حال العرب والأمم قبل الإسلام وكيف صحّح مسيرتها حتى صارت خير أمة أخرجت للناس، قال تعالى: 

﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [ آل عمران: 110]، وكيف بنى جيلاً فريداً بإيمانه وأخلاقه وإقدامه وسلوكه وصلته بالخلق والخالق ومعاملاته في السلم والحرب، فصار نموذجًا يحتذى، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ [الجمعة: 2].

وظهرت ثمرة هذه الهداية وهذا الرقي المجتمعي على الصعد والمستويات كافة بما سجلته السيرة والتاريخ من دخول الناس في دين الله أفواجًا، وإقبال عالمي على هذا الدين الإسلامي العظيم، مما يعزز الدافع للنظر والبحث في المنهج النبوي في التربية والبناء؛ فصلاح حال الأمة اليوم لا يكون إلا بما صلح به حالها في عهدها الأول على نهج نبيها الكريم صلى الله عليه وسلم  وأصحابه العظام الذين حوّلوا التعاليم والنظريات إلى سلوكات عملية وحياة مُعاشة.

وقد استوعب الأخ المؤلف جزاه الله خيراً دراسة مفاهيمية أوضحت المراد، وأنزل التقويم التربوي على المصطلحات المستعملة اليوم في هذا المجال وبيّن كيف راعت ذلك السُنة النبويّة، فكان بذلك مسهماً في تقعيد هذا العلم وإخراجه بالأسلوب العصري؛ فقد كشف عن التطبيقات والأدوات والأساليب التي استخدمها النبيّ صلى الله عليه وسلم  أثناء تقويمه وتربيته لأصحابه الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، ودرس استراتيجيات التقويم التربوي في السُنة النبويّة وفصّل القول فيها، وبين أهم المبادئ والخصائص التي تميز بها التقويم التربوي النبوي وكذا مجالاته وأنواعه وأغراضه وضوابطه.

وإن مثل هذه العلوم التي تسمى حديثة؛ إنما هي حديثة في صياغتها لا في وجودها ككل علوم الآلة من أصول الفقه والنحو والقواعد الفقهية والأصولية، وكذا مثل هذا العلم – علم التقويم التربوي- فهي علوم كانت مستخدمة ومراعاة في التطبيق العملي غير أنها لم تكن مقعّدة في نظام خاص أو أصول موضحة وإنما تراعى تلقائياً وتطبيقاً عملياً.

ويظهر لنا من خلال البحث كيف أن السيرة النبويّة والسُنّة المطهرة قد رسّخت عند الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين أنه لا أحد فوق التقويم والتعليم، وأن الخصوصية لا تتجاوز طريقة المعاملة؛ فحاطب البدري h يقوَّم ويتابَع إلى أبعد الحدود، وعندما تراعى مكانته وأسبقيته وخصوصيته فلا تكون هذه المراعاة على حساب حفظ الحق العام، فنرى كيف تم الحفاظ على مكانة حاطب  التي لا يناسب أن تُهدَر لخطأ ولو كان كبيراً، ولكن دون أن تسوق مكانة حاطب على المسلمين الوبال أو يتم تلفيقها، لأنه ممن له فضل أو مكانة فتقع المصائب عندئذ، فقد جمع التقويم النبوي في هذه الحادثة بين حماية الحق العام، ومراعاة مكانة الفرد الذي وقع منه الخلل، وكذا كان الحال في توجيهاته عليه الصلاة والسلام. وإننا نجد اليوم مصائب تقع، ولا يستفاد من الحدث بدعوى أن القائم بها ذو شأن ينبغي تقدير مكانته وأسبقيته؛ وقد يكون هذا الكلام له وجه حق، ولكن لا يجوز أن تهدر به المصلحة العامة، ولا بد من تقدير الأمر بأفضل النتائج وأقل الخسائر وحفظ فضل أهل الفضل.

ومما أثمره هذا الكتاب هو الإشارة إلى التقييم الصحيح والسليم للمسيرة النبويّة مع الصحب الكرام، التي قامت على وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وتصدير أهل الاختصاص واستبعاد الضعفاء في ذات المجال، فلم يضر الصحابي أبا ذر المحبوب أن يُرفض طلبه، ولم ينقص ذلك من مكانته، فهو له بابه؛ ولكن ليس موقعه أن يكون قائداً أو مسؤولاً وإنما أن يكون موجهاً ومربياً فلكلٍ بابه. ولم يمنع حبّ الأنصار من حرمانهم من العطاء يوم غطفان للحاجة إليه في موضع آخر. ولم يمنع شرف المخزومية قطع يدها عند الاستحقاق كما أكد ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم  في الحديث عند البخاري، فقال : (( إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا)).

 وقد نشأ الصحابة رضوان الله تعالى عليهم على نقد الفعل وتقويمه وإبداء الرأي فيه – إن رأوه مستحقاً لذلك – ولو كان قائله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فهذا الحُبَاب بن المنذر يقوّم مكان تجهز المسلمين يوم بدر بأنه ليس مناسبًا؛ فقد علّمه أستاذه ومربيه عليه الصلاة والسلام أن موقع القائل لا يمنع نقد القول وبيان الرأي فيه، وكذا فإن تأخر مكانة المرء لا يمنع تقديم قوله إذا كان صالحًا. فهذه هي مدرسة الحبيب في بناء الجيل تقوم على أساس النظر للفكرة، وأن تقدير الأشخاص لا يمنع مناقشة أقوالهم، مع ملاحظة أن ذلك في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم  في حياته وحال وجوده وقبل الاستقرار على شيء، فهو لا يقر على خلل؛ لأنه مصوّب بالنهاية: إما بأصحابه الذين أيده الله بهم، أو بوحي الله تعالى له، فلا يستقر ولا يصح في سُنته عليه الصلاة والسلام إلا الحق. وأما غيره ولو كان عظيمًا وصحابيًا فيمكن أن يمضي ويقضي حياته وتبقى فكرته في أمرٍ مستحقة للتقويم والنقد؛ لا سيما حال خلافه مع أقرانه إذ قد يكون غيره أقرب للصواب منه.

ويبرز جليًا في التقويم التربوي النبوي مراعاة الفروق الفردية والمستويات في المواهب والقدرات؛ فالمطلوب من الخاصة ليس هو المطلوب من العامة، كما في قصة الأعرابي الذي سأل عما يدخله الجنة، فأمره عليه السلام بأداء الصلوات الخمس وصوم رمضان وإيتاء الزكاة، فقال الأعرابي لا أزيد على ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم:  أفلح إن صدق. بينما نجده يقول لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ((نِعْمَ الرَّجُلُ عبد اللَّهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ. فكان بَعْدُ لا ينام من الليل إلا قليلًا)). فالأعرابي طلب منه أداء الفرائض وتكفيه؛ إذ هذا مستواه وإمكاناته وما يملكه من الدوافع، بينما عبد الله بن عمر فقد حثّه على أداء النوافل كقيام الليل، وجعل تقصيره فيها منقصاً من شأنه، فهو تقويم تربوي أساسه العدالة والمساءلة على قدر المسؤولية والمكانة.

ولا أريد أن أطيل في تقديم هذا البحث القيم، بل أترك القارئ يطلع على أسرار نشأة الجيل الفريد، وما يبعث على اقتفاء الأثر النبوي في منهج بناء الانسان وصناعة الجيل وإعداده؛ خاصة وأننا  نرى الأمة الإسلامية في مخاض التحرير والانبعاث من جديد وطوفان الأقصى ينطلق بإذن الله تعالى  في مسيرة مباركة نحو العزة والكرامة.

وختاماً فإنني أوصي بتدارس هذا الكتاب على مستوى الأسرة والمؤسسات التعليمية والتربوية؛ كما وأدعو الله سبحانه وتعالى أن ينفع بالأخ محمود أبو مروان وأن يجزل له المثوبة. ولمن لا يعرف الأخ محمود فهو أخ مجتهد في العلم والعمل معًا، وهو أمر قلّ اليوم؛ فتجد المجدّين في البحث يعيشون مع أوراقهم وكتبهم بعيدين عن ميدان العمل، وأما الميدانيون فيعدّون أنفسهم منشغلين بما يسوّغ لهم عدم التفرغ للعلم وإعطائه من وقتهم؛ أما الأخ محمود فقد جمع بين الحزبين والفضيلتين. فأسأل الله تعالى أن ينفع به وأن يبارك في علمه وأن يوفقه لمزيد من التنقيب عن هذه الأصول. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

مقدمة المؤلف

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:

فإنَّ تحليق العقل والرُّوح في فضاءات حياة الجيل الأول من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم يفتح للمرء مغاليق الأفكار، ويَشْرَع أبواب المنهجية الراشدة في التربية على مصاريعها؛ فثمة عملية تربوية كبرى خضع لها هذا الجيل الفذُّ من الصحابة رضي الله عنهم تتجلَّى معالمها في آيات القرآن الكريم، وتنتشر لافتاتها على امتداد سبيل الحق الذي ترسمه السُنّة النبويّة، وقد كان المعلم الأول والرائد الذي لا يكذب أهله في هدايةٍ أو تربيةٍ هو النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم الذي زكّاه الله سبحانه وتعالى فأحسن تزكيته وعلّمه فأحسن تعليمه، وربَّاه فأحسن تربيته، قال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [ أل عمران: 164].

وما أعظم ما تحمَّله النبيّ صلى الله عليه وسلم في سبيل إنجاح مهمته التربوية العظيمة، فهو من يوم أن أمره ربنا سبحانه وتعالى بالقيام منذرًا ألقى عنه دِثاره، وودَّع الفِراش الوثير، وشمَّر لهداية الناس وتعليمهم وتزكيتهم، فأدى أمانة التبليغ، وأمانة التربية بأحسن أداء في الطرائق والأساليب، وكان يقول صلى الله عليه وسلم: (( إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا)). رواه مسلم، فكان إذا خُيِّر بين أمرين أخذ بأيسرهما ما لم يكن إثمًا؛ رفقًا بالناس وتدرجًا في تقويمهم؛ فاستحق ثناء الله تعالى عليه بما اتصف به من الرأفة والرحمة ولين الجانب، فقال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [سورة التوبة: 128]،  وقال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [ آل عمران: 159].

وقد شكّل هذا الأداء الأخلاقي من النبيّ المعلم صلى الله عليه وسلم عاملًا مؤثرًا في اختياره أنسب طرائق التربية والتعليم والتقويم والتي كانت فاعلة فحققت أحسن النتائج التربوية على المستويين الفردي والجماعي؛ مما يؤكد أننا أمام خير معلم عرفته البشرية على مدار التاريخ.

ومن هنا فإن السُنّة النبويّة تستحق الدراسة والبحث والاتباع، فهي الروح التي تنبعث في الجسد الهامد فـتحيـيه، وتنتشر بين زوايا وخبايا الركام المـتهالك فتهزُّه؛ لتدب في أوصاله القوة، فتبني أركان المجتمع الإنساني الصالح، وتُغربله لِتُسـقط أرضًا ما يُفسِده، وتدكَّ في أركانه أوتاد هذا الدين المتين، وترفع في بناء المجتمع ما يُصْلِحُه، فتعيد بناءَ أمَّة قوية صالحة.

لقد تميَّز النبيّ المعلم محمد صلى الله عليه وسلم بتقويمه التربوي؛ فكان لا ينطق عن الهوى ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 4]، يوحى إليه من الله تعالى الذي أنار في قلبه وسمعه وبصره من نوره؛ فجعله إمامًا ورحمة للعالمين، فلم يخل يوم من حياته صلى الله عليه وسلم دون أن يكون للتقويم التربوي أثر مبارك في التكوين، والبناء، وتصحيح السلوك، وتطوير الأداء لأعيان الصحابة وجموعهم رضي الله عنهم حتى شمخ بناء مجتمعهم، فكان القرن الذي عاش فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم خير القرون بما فيه من رقي أخلاقي وسمو روحي وحسن اتباع وعمل وتناصح وتعاون ونصرة للحق وعدل ودفاع عن المظلوم.

ومن الجدير ذكره أن هذا التقويم التربوي النّبويّ لم يكن صبغة جامدة، بل كان التنوع والمرونة والشمول والواقعية والتيسير سمات بارزة فيه، فكان لكلّ مقام وحال مقال وتقويم مناسب، ولكلِّ شخصية من الصحابة رضي الله عنهم تقويم تربوي خاص يراعى الظروف والأحوال والقدرات والمهارات. وكان يوازي ذلك تقويم تربوي جماعي لفئات مؤمنة من المهاجرين والأنصار ونحوهم ممن دخل في الإسلام قبل الفتح وبعده.

إننا نحتاج أن نستلهم من السُنّة النبويّة طرق التربية وأساليب التقويم في بيوتنا مع أزواجنا وأبنائنا، نحتاجه في حيِّنا مع جيراننا وأصدقائنا وفي أعمالنا، وعند اختلاطنا مع بعضنا؛ فكيف يتصور أن ترتقي هذه الأمة في طريق نهوضها دون أن تدرس تفاصيل العملية التربوية ومن معينها الصافي السُنّة النبويّة، وتدرس كل موقف وكلمة ووصف وحالٍ تم فيها، والتي مثَّل التقويم التربوي النّبويّ دور الراصد فيها والموجِّه الحكيم، والمحرِّك الفعَّال لتطويرها وتحسين أدائها.

نعم، إنه حِريٌّ بنا أن نسترشد ونهتدي بهدي خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم ونقتفي أثره في تقويمه التربوي؛ فندرس كلَّ لَحْظٍ وقَوْلٍ وفعلٍ وتقريرٍ وغضبٍ وبَشاشةٍ وتحفيزٍ وتوبيخٍ وإنفاقٍ وإمساكٍ وصمتٍ واعتزالٍ، وكل ما صدر في سياق عملية التقويم التربوي التي نُفِّذت في فترة الوحي والرسالة خلال الثلاث والعشرين سنة التي عاشها صلى الله عليه وسلم معلِّما ومربِّيًا قبل أربعة عشر قرنًا.

وتأتي هذه الدراسة في هذا السياق التأصيلي، وعنوانها “التقويم التربوي في السُنّة النبويّة”، والتي نرجو أن يتقبلها الله عزوجل وأن يجعلها مفتاحًا لأبواب خير تعود على أمتنا بالنفع العظيم، ونسأله سبحانه وتعالى التوفيق، والقبول، والرضى؛ إنَّه ولِيُّ ذلك والقادر عليه.

مسوغات الدراسة وأسئلتها:

جاءت هذه الدراسة في ظل استمرار الحاجة لمتابعة جهود التأصيل الإسلامي للعلوم التربوية رجاء الإسهام في مشروع بناء نظرية المنهاج الإسلامية والنظرية التربوية الإسلامية، ورجاء زيادة الوعي بما تمتلكه هذه الأمة في تراثها العظيم من رصيد تربوي زاخر.

وتأتي أيضًا في ظل ندرة الدراسات العلمية المتخصصة في موضوع التقويم التربوي الذي نفَّذه النبيّ المعلم محمد صلى الله عليه وسلم أثناء العملية التربوية التي بُعث بها للعالمين، ومع الإيمان بالحاجة لتمسيك الناس بهذه السُنّة النبويّة وتطوير طرق التعامل معها والنظر فيها، ورجاء أن نكون من الذين أشارت لهم الآية الكريمة في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾ [ الأعراف: 170]. وانطلاقا من كل ما سبق وغيره مما يبعث على الاقتداء، واقتفاء الأثر؛ وحيث إن التقويم التربوي يعدُّ ركيزة أساسية في أي عملية تربوية، وإنه ضرورة للمراجعة والتحسين في إطار تجويد المُدْخَلات والمُخْرَجات، وفي تحسين الوسائل والأدوات؛ فقد هُدينا -بفضل الله- للمضي في هذه الدراسة التي تسهم في تأصيل حالة التقويم التربوي في السُنّة النبويّة.

 

ويمكن صياغة السؤال الرئيس الذي ستحاول الدراسة الإجابة عنه، على النحو الآتي:

كيف كان التقويم التربويّ في السُنّة النبويّة؟

 ويتفرع من هذا السؤال الرئيس، الأسئلة الآتية:

  1. ما أغراض التقويم التربوي في السُنّة النبويّة؟
  2. ما ضوابط التقويم التربوي في السُنّة النبويّة؟
  3. ما أنواع التقويم التربوي في السُنّة النبويّة؟
  4. ما المبادئ الأساسية للتقويم التربوي في السُنّة النبويّة؟
  5. ما خصائص التقويم التربوي في السُنّة النبويّة؟
  6. ما مجالات التقويم التربوي في السُنّة النبويّة؟
  7. ما استراتيجيات التقويم التربوي في السُنّة النبويّة؟

 

أهمية الدراسة:

تكتسب هذا الدراسة أهميتها النظرية من الآتي:

  1. أنها تنطلق من السُنّة النبويّة ثاني مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم.
  2. كونها تأتي في الإطار التأصيلي للعلوم التربوية والاجتماعية، فقد اعتنت باستقراء الأحاديث النبويّة والمواقف المرتبطة بالتقويم التربوي باعتباره واحدًا من عناصر المنهج التربوي النبوي. فهذه الدراسة تسهم في الكشف عن مجالات التقويم التربوي في السُنّة النبويّة ومبادئه وخصائصه، ووظائفه وضوابطه، واستراتيجياته، وأنواعه، وما يرتبط بهذه العناوين من تفصيلات وتطبيقات نبوية.
  3. سعت هذه الدراسة لتقديم صورة تفصيلية عن العديد من الإجراءات التقويمية التي قام بها النبيّصلى الله عليه وسلم أثناء تربيته أصحابه رضي الله عنهم وتزكيتهم وتعليمهم، وتكشف عن أنماط من الاستراتيجيات التي استخدمها وتعرض آثارها ونتائجها التقويمية على العملية التربوية النبويّة.

 

 

 

وبالمقابل يؤمل أن تفيد الدراسة الجهات الآتية في تطبيقاتها العملية:

  1. التربويين: المشرفين التربويين، المعلمين، المديرين، الدعاة، الوالدين؛ إذ تثري هذه الدراسة المعرفة العلمية المؤصلة في مجال التقويم التربوي، وتعرض لإجراءات نبوية تقويمية عملية، يمكن أن تناسب كثيرًا من أحوال المتعلمين وظروف العملية التربوية في عصرنا.
  2. واضعي المناهج والبرامج التربوية ومصمميها: ليتأسوا بالنبيّصلى الله عليه وسلم في طرقه وأساليبه واستراتيجياته التقويمية، والتي هي أَولى بالاتباع من غيرها، كونها مسدَّدة من الله سبحانه وتعالى خالق البشر والعالم بما يصلح لهم.
  3. الباحثين والمعنيين بتأصيل العلوم التربوية؛ رجاء أن يكملوا مشوار التأصيل التربوي، ويتوسعوا فيما أشارت إليه هذه الدراسة، ويبنوا على نتائجها، متابعين في مسيرة أسلمة العلوم التربوية والاجتماعية.
  4. متوقع أن تعزز نتائج هذه الدراسة الدوافع الإيجابية لدى أطراف العملية التعليمية والمتأثرين بها، فيزداد تقبلهم وتفاعلهم مع إجراءات التقويم التربوي ويزداد الوعي بأهميته باعتباره من الهدي النّبويّ الذي أُمرنا باقتفائه وامتثاله.

 

حدود الدراسة:

–  الحدود الموضوعية: تتناول الدراسة التقويم التربوي بتأصيله من المصادر التي جمعت أحاديث السُنّة وسيرة النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم.

 – الحدود الزمانية: اقتصر مجال البحث في هذه الدراسة على الفترة الزمنية ما بين بعثة النبيّ ووفاته صلى الله عليه وسلم وهي الفترة التي أشرف فيها النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم بنفسه على سير عمليات التربية والتعليم والبناء والتقويم.

 

منهج الدراسة:

استخدم في الدراسة المنهجين:

–  المنهج الاستقرائي: وكان أساسًا في تتبُّع الأحاديث وإحصاء المواقف من السُنّة النبويّة ذات العلاقة بالموضوع وتفصيلاته.

–  المنهج الوصفي التحليلي: ومن خلاله تم تشخيص المواقف التربوية التقويمية ووصفها وتحليل أسبابها ونتائجها.

 

 

خطوات الدراسة:

قام الباحث أثناء كتابته بمراعاة جملة من الخطوات والإجراءات المنهجية، كان أبرزها ما يأتي:

  1. مراجعة الأدب النظري في التربية المعاصرة وما تضمنه من عناوين وموضوعات مرتبطة بالتقويم التربوي. وتتبع الدراسات السابقة في التقويم التربوي ومراجعة محتواها، والوقوف على مناهج البحث فيها وطبيعة الإنجاز الأكاديمي فيها ومجالاته ومستواه.
  2. جمع وتوفير جملة من المراجع القديمة والحديثة المرتبطة بموضوع التقويم التربوي، والحصول على إمكانية الولوج الإلكتروني لمكتبة جامعة اليرموك ومكتبة المنظومة. وكذلك المكتبة الشاملة، والتواصل مع بعض الباحثين والحصول على نسخة من أبحاثهم، ونحوه.
  3. استقراء لجمع الأحاديث من كتب السُنّة النبويّة وتخيّر الروايات المناسبة للموضوعات وأصحها وتجنب الضعيف منها.
  4. دراسة معاني عبارات النصوص من كتب شروح الأحاديث، وتحديد محل الشاهد فيها ووجه دلالته، ثم القيام بعملية الاستنباط والتوجيه في إطار الإجابة عن أسئلة الدراسة.
  5. عزو الآيات القرآنية إلى أماكنها في سورها وبيان أرقامها عقب الآية في المتن.
  6. عزو الأحاديث والآثار إلى مصادرها؛ وإن كان الحديث أوالأثر من الصحيحين أو في أحدهما فيكتفي الباحث بأخذه من أحدهما، ويعزوه إلى مصدره، ويذكر اسم الكتاب، ثم اسم الباب، ورقم الجزء ورقم الصفحة ورقم الحديث. وأما إن كان الحديث في غير الصحيحين، فإن الباحث كان بعد عزوه إلى مصدره يذكر اسم الباب ورقم الجزء ورقم الصفحة ورقم الحديث ثم يذكر حُكمًا على صحته من أحد علماء الحديث.
  7. تفسير المفردات الغريبة أوالمصطلحات العلمية.
  8. الترجمة للأعلام غير المشهورين ترجمة موجزة، وتوثيق مصادرها.
  9. استخدمت بعض الرموز في هوامش الدراسة للاختصار في توثيق بيانات المصادر على الآتي: (د. ت) بدون تاريخ نشر، (د. ط) دون طبعة، (د. م) دون مكان نشر، (ح) رقم الحديث، (ت) تاريخ الوفاة.
  10. كتابة تفاصيل عن المرجع حال وردوه أول مرة، ومختصرة عند وره مرة أخرى.

 

 

مصطلحات الدراسة:

ارتكزت الدراسة على عدة مصطلحات، أبرزها الآتي:

السُنّة النبويّة:

مصطلح متداول ومعروف في الأوساط العلمية والشرعية. وينظر له طلبة العلم الشرعي من زوايا عديدة تبعًا لتنوع الاختصاصات، لكن يجمعها كلها جامع وهو “رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريقته وما ورد عنه”.

وقد وجد الباحث أن تعريف شيخنا “همام سعيد” للسُنّة النبويّة، متوافقًا مع إجراءات البحث، وحدود الدراسة، وبعدها التربوي. حيث عرّف السُنّة النبويّة بأنها: “ما صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خُلُقية من مبدأ بعثته إلى وفاته، وقد تأتي قولاً أو فعلاً من الصحابة أو التابعين باعتبارهم شهود عصر النبوة والمقتبسين من مشكاتها”.

التربية الإسلامية:

نظرت الدراسة للتربية الإسلامية من خلال تعريفها بأنها: البناء المستمر للإنسان من كل جوانب شخصيته، المستند إلى الأدلة الشرعية الكلية والتفصيلية، بُغية صلاح الفرد والجماعة في الدنيا وفلاحهم في الآخرة، وتحقيقًا لعبودية الله سبحانه وتعالى والاستخلاف في الأرض.

فالتربية الإسلامية هي التي تُحوّل الإطار النظرية في محتوى المنهج الإسلامي وأهدافه إلى سلوك وتطبيق عملي في واقع الحياة، من خلال عملية بناء منهجية مستمرة ومتدرجة ومهدّفة وإيجابية وموجّهة للإنسان المُسلم، فهي تعتني بتنمية شخصيته المتكاملة من جوانبها الجسدية أو الروحية أو العقلية أو الاجتماعية، وتتعهدها بالإصلاح والتطوير عبر كل مراحل حياتها، مستندة في ذلك إلى: الأدلة الشرعية الكلّية؛ سواء أكانت أدلة شرعية أصلية كالكتاب والسُنّة، أو كانت أدلة شرعية تبعية كالإجماع والقياس والاستحسان والمصالح المرسلة والاستصحاب والعرف. أما الأدلة الشرعية التفصيلية فهي نصوص الكتاب والسُنّة وجزئيات الأدلة الشرعية الأخرى. وهذا الاستناد في المرجعية إلى الأدلة الشرعية والأخلاق والقيم الإسلامية يمتد أثره إلى كل مجالات التربية وأنواعها؛ ويضبط أداء كل أطراف العملية التربوية.

التقييم:

تُعرِّف الدراسة الحالية التقييم بأنه: عملية منهجية دقيقة تُقَدَّر من خلالها الأحكام المتعلقة بنتائج القياس”

 ويدل التعريف بأن “القياس” بأدواته أساس ومقدمة لازمة للتقييم، ومن ثم وبناء على القراءات الواردة من القياس – بالملاحظة والتشخيصات الرقمية أو الوصفية – يصدر القرار المناسب والنتيجة وهو ما يعبّر عنه بالتقييم. كحال الطبيب حين يفعّل أسئلته وملاحظته أو يستخدم أجهزة طبية خاصة لفحص درجة الحرارة أو قياس مستوى ضغط الدم ونحوها من التحاليل المخبرية، ومن ثم بخبرته يدرك مغزى هذه القراءات ويتوصل إلى “تقييم” حولها، فيعطي نتيجة أو وصفًا حول وضع الحالة ويحكم عليها. وبذلك يأخذ “التقييم” مكانته قبل المباشرة في وصف المعالجة وإجراءاتها – عمومًا -.

 

التقويم:

وتعرّف الدراسة الحالية “التقويم” اصطلاحًا، بأنه: عملية تستند إلى معايير، وتتضمن إجراءات منهجية موجّهة، غرضها المعالجة بالإصلاح أو التطوير، بعد تمام القياس والتقييم.

ومن دلالة التعريف أننا إذا أردنا تقويم برنامج أو موقف أو حالة متعلم فإننا  – عمومًا-  سنسير ثلاث خطوات متتالية متلازمة في الأولى” القياس” بالوزن والفحص والملاحظة ونحوها. وفي الخطوة الثانية “التقييم” بالتقدير واستصدار قرار التشخيص المناسب بناء على قراءات القياس، فتعطى الحالة حكمها المناسب أو وصفها أو القرار بشأنها. وفي الخطوة الثالثة يكون البدء بوصف مسار المعالجة التربوية المناسبة والمباشرة بتنفيذ القرارات والتوصيات والأحكام.

التقويم التربوي:

مصطلح مركب من كلمتين، فالتقويم فيه لبيان الإجراء، والتربية فيه لبيان المجال المستهدف، وهما معًا يعبّران عن عملية منهجية كبرى مجالها التربية والتعليم، وتتضمن إجراءات جزئية متوالية ومتداخلة تبدأ بالقياس والتشخيص والتقدير وإصدار الأحكام، وتنتهي بالمعالجة التربوية المناسبة.

وتُعرّف الدراسة الحالية “التقويم التربوي” إجرائيًا، بأنه:

عملية تربوية تستند إلى معايير، وتتضمن إجراءات منهجية موجهة للموقف التربوي أيًّا كان فاعله، لوزنه وتقديره، أو تتميم بنائه، أو تعديل اعوجاجه، أو تثبيته وتعزيزه؛ بغية تحقيق أهداف منشودة.

نتائج الدراسة

يمكن إجمال أهم نتائج هذه الدراسة على النحو الآتي:

  • تأصيل جوانب عديدة من أدبيات التقويم التربوي في السُنّة النبويّة، كخصائصه ومبادئه، ووظائفه وضوابطه، ومجالاته، وأنواعه، واستراتيجياته، وما يرتبط بهذه العناوين من تطبيقات تربوية.
  • إظهار حالة التوافق الكبير بين استراتيجيات التقويم الواقعي التي انتشرت في التربية المعاصرة وبين استراتيجيات التقويم التربوي في السُنّة النبويّة، فرغم مابينهما من مسافة زمنية تصل لأربعة عشر قرنًا فقد أمكن في هذه الدراسة تأصيل: استراتيجية التقويم المعتمد على الأداء، واستراتيجية التقويم المعتمد على التواصل، واستراتيجية التقويم المعتمد على الملاحظة، واستراتيجية التقويم المعتمد على الأقران، واستراتيجية التقويم المعتمد على مراجعة الذات، وكذا استراتيجية التقويم المعتمد على الورقة والقلم. وإن هذا التأصيل لها يعطي: أوَّلًا: تأكيدًا على سبق النبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم في استحداث وتطبيق خير الوسائل والاستراتيجيات التقويمية المتاحة في عصره في أثناء عمليته التربوية. وثانيًا: يعطي دعمًا وتأكيدًا على فعالية وأهمية تطبيق استراتيجيات التقويم الواقعي التي أثبتت مكانتها وتقدمها في التربية المعاصرة.
  • كان محتوى المنهج في العملية التربوية وحي القرآن الكريم المحفوظ منه والمسطور إضافة إلى وحي السُنّة النبويّة، مع ملاحظة أن مضمون وحي السُنّة النبويّة ومحتواها القولي والفعلي كان يُتداول وينقل بشكل شفهي في فترة حياتهصلى الله عليه وسلم، ويستثنى من ذلك حالات خاصة عند بعض الصحابة رضي الله عنهم ممن كان يكتب لنفسه. فلم تسجِّلْ السُنّة النبويّة عناية النبيّ صلى الله عليه وسلم بكتابة أقواله أو إشرافه على تدوين أحاديثه، كما كان حاله في تعامله مع وحي القرآن الكريم الذي كان يُكتب فور تنزله وتحت إشرافه صلى الله عليه وسلم.
  • بيَّنت الدراسة أن النبيّصلى الله عليه وسلم والذي نفَّذَ عمليته التربوية قبل أربعة عشر قرنًا قد تلقى المساندة الكاملة من الله – تعالى- وحيًا، وأنه كان يتلقى التوجيهات والدعم المناسبين؛ مما جعل من التقويم التربوي في السُنّة النبويّة تقويمًا مسددًا وناجحًا حقق أغراضه بأقصر الطرق وبأحسن الأساليب وضمن وقت قياسي بالمقارنة مع حجم الإنجاز التقويمي الذي حصل.
  • تميّز التقويم التربوي في السُنّة النبويّة بنمط التقويمات عقب الأحداث والمواقف، وناسب ذلك التنزُّلِ المفرَّقِ لمحتوى المنهج – القرآن الكريم- كما في قوله تعالى: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا﴾ [الإسراء: 106]. فقد تنزَّل منجمًا على الوقائع والأحداث إلى رسول اللهصلى الله عليه وسلم في ثلاث وعشرين سنة، مبينًا ومفسرًا ومقوِّمًا لأداءات الناس وسلوكاتهم. وتعتبر هذه استراتيجية تعليمية تقويمية واقعية فاعلة آتت أُكُلها على أحسن ما يكون، فهي جعلت من التجارب الحياتية الحقيقية وأسئلة المتعلمين وتحدياتهم مادة خصبة للتعلم، وجعلت من الأداءات الفردية والجماعية مادة ثرية للتقويم ومنطلقًا للتحسين والتطوير في الأداءات والمهارات.
  • أبرزت الدراسة أن من سمات التقويم التربوي في السُنّة النبويّة أنه تقويم ممتد الأثر يمكن محاكاة مضمونه وأسلوبه وأدواته، فهو وإن كان يتم في إطار مكان وزمان محدودين عاش فيهما النبيّ صلى الله عليه وسلم مع المتعلمين من أصحابه رضي الله عنهم فإن صلاحيته تتعدى ذلك المكان وتتجاوز خصوصية الزمان؛ حيث ينسحب حكم الحالة وتقويمها على المواقف المشابهة سواءً أكان ذلك أثناء حياته أم بعد مماته صلى الله عليه وسلم.
  • بينت الدراسة بأن مكوث الصحابي الجديد أو الغريب عن المدينة عند النبيّصلى الله عليه وسلم أيامًا بعد إسلامه بصحبته في حلّه وترحاله وجهاده يُعدُّ نهجًا نبويًّا يمكن ملاحظته، وقد كان مثمرًا لأنه منح فرصة للكشف عن قدرات المتعلم ومواهبه وسجله التاريخي والعائلي وطرفًا من جوانب شخصيته. ومن جهة أخرى كان ضروريًّا للإعداد والتدريب والتعليم والتقويم قبل أن يُوَّجه المتعلم في مهمة إلى قومه؛ كما جرى مع أبي ذَرٍّ الغفاري والطُّفَيْلِ بنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيِّ رضي الله عنهما حين أُرسل كل منهما إلى قومه داعيًا ومعلمًا.
  • أبرزت الدراسة أن عمليات تقويم الأقران بين جيل الصحابة رضي الله عنهم انطلقت بتوجيهات النبيّصلى الله عليه وسلم ودعمه، وكان بعضها يحدث في حضرته صلى الله عليه وسلم وبعضها الآخر كان يجري بعيدًا عنه، فإذا رفعت إليه تفاصيلها علّق عليها بالإقرار أو التعديل، بالإضافة إلى ما لا يحصى من التقويمات كان يجريها الصحابة رضي الله عنهم دون أن يطَّلع النبيّ صلى الله عليه وسلم أو يخبر بها.
  • كان التقويم التربوي ممارسةً عملية تعتمد بالدرجة الأولى على المعايشة وملاحظة أداءات المتعلم ومهاراته كما يعيشها في حياته فعليًّا. فقد شكَّلت معايشة النبيّصلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم وتوفره الدائم بينهم؛ فرصةً تربوية كبيرة منحته القدرة على تفقدهم وتشخيص حالهم واستكشاف مواهبهم وطرق تفكيرهم وأثر منهج القرآن فيهم. وفي المقابل أتاحت المعايشة للمتعلمين من الصحابة رضي الله عنهم فرصة اللقاء المتكرر بالنبي صلى الله عليه وسلم والتعلم منه مباشرة والإجابة عن أسئلتهم حول العقيدة والعبادات وتفصيلات أحكام الشريعة والأخلاق وفتح المجال للحوارات التربوية وتقديم النصح والمشورة.
  • ابتعد التقويم التربوي في السُنّة النبويّة عن ثقافة الاختبارات التي لها مواقيت محددة أو إلزامية، إلا من بعض المهرجانات السنوية التي كان يستعرض فيها الفتيان من أبناء الصحابة رضي الله عنهم قوتهم ومهاراتهم ومواهبهم لفرزهم لمشاركة الرجال في فعاليات الجهاد والدفاع ونحوه.
  • تميّزت المراجعة الذاتية في إطارها التقويمي في السُنّة النبويّة باعتمادها على المشافهة والتواصل اللفظي والبصري المباشر بين المعلم والمتعلم، وأن الكتابةَ والتدوين لم تكن إحدى أدواتها.
  • أشارت الدراسة أن الاختبارات التحصيلية – التحريرية- لم تأخذ مداها في السُنّة النبويّة ولم يعتنى بها لاعتبارات إمكانات البيئة في الجزيرة العربية في ذلك العصر، كما أن العملية التعليمية لم تكن قد أخذت شكلها النظامي والمؤسساتي بعد، كما أن منظومة التصورات والقيم والاتجاهات التي جاء بها المنهج التربوي النّبويّ لم يكن من الممكن تقويمها أوالتعبير الصادق عن امتثالها من خلال الاختبارات التحريرية.
  • أظهرت الدراسة حالة الدمج والتداخل الحاصل في السُنّة النبويّة بين مهام التعلم والتعليم من جهة، ومهام التقويم التربوي من جهة أخرى، حيث كان بينهما تزامن وتقديم وتأخير، دونَ أن يكون هناك حاجة لتنبيه المتعلم بأن هذا الموقف تعليمي أوتقويمي؛ فقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يبدأ موقفه بالتعليم أحيانًا ثم يختمه بتقويم مناسب، أو يبدأ بالتقويم ثم يعقِّبُ مفسِّرًا ومرشدًا، أو كان يستخدم طريقة تضيف علمًا ومعرفة وفي نفس الوقت تَبني توجهًا ودافعًا لتقويم ذاتي عند المتعلم.
  • بيان فضل الرعيل الأول من الصحابة السابقين رضي الله عنهم فانطلاقة العملية التربوية النبويّة – حتى تمامها- اعتمدت اعتمادًا واضحًا عليهم؛ فهم شقُّوا طريق الهداية مع النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان لتعاونهم وتضافر جهودهم رضي الله عنهم أثر كبير في إنجاح جهود النبيّ صلى الله عليه وسلم في الدعوة والتعليم والتزكية والتقويم فاستحقوا أعلى درجات التقدير من الله تعالى والثناء من رسوله صلى الله عليه وسلم؛ وقد أخرج الطبري في تفسيره: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرَّ برجل يقرأ: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [ التوبة: 100].قال: وأخذ عمر بيده فقال: من أقرأك هذا؟ قال: أُبيّ بن كعب! فقال: لا تفارقني حتى أذهب بك إليه! فلما جاءه، قال عمر: أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا؟ قال: نعم! قال: أنت سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم! قال: لقد كنت أظن أنَّا رُفِعنا رِفْعَةً لا يبلغها أحدٌ بعدنا! فقال أُبيٌّ: بلى، تصديق هذه الآية: ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الجمعة: 3].وأقول إن تصديق ذلك من السُنّة النبويّة ما أخرجه البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: ((لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ، ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ)).
  • تأكيد النجاح الكبير للتقويم التربوي النّبويّ على الصعيد الجماعي، فأصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم الذين التقى بهم وتعلَّموا منه أو نقلوا حديثه بلغوا حدًا لايجمعهم ديوان، كما بيَّن ذلك البخاري في روايته عن كعب بن مالك حين وصف عدد الصحابة رضي الله عنهم قبيل غزوة تبوك، فقال: (( وَالمُسْلِمُونَ مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم كَثِيرٌ، وَلاَ يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ -يُرِيدُ الدِّيوَانَ)).  ونحو ذلك  ما نقله ابن الجوزي في كتابه التبصرة عن الإمام أبو زُرْعَةَ الرازي  (ت: 264ه)  وهو من علماء الحديث في زمانه، قال: “شَهِدَ مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حِجَّةَ الْوَدَاعِ أَرْبَعُونَ أَلْفًا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَشَهِدَ مَعَهُ تَبُوكَ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَقُبِضَ عَنْ مِئَةِ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ الصَّحَابَةِ، مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ وَسَمِعَ مِنْهُ”. مما يشير إلى تحول مهيب في حال المجتمع في جزيرة العرب فصار بعد ضياع وفرقة وتناحر يمثّل أمَّةً متوحدةً تحمل مشروعًا حضاريًا وترفع لواء العلم والتوحيد والعدل والأخلاق وتنشره إلى غيرها من الأمم.
  • نجح التقويم التربوي النّبويّ نجاحًا كبيرًا على الصعيد الفردي مع أعيان الصحابة والمتعلمين رجالًا ونساءً كبارًا وصغارًا حيث تغيرت بهم الأحوال وتصححت عندهم المفاهيم والتصورات وارتقت بهم أخلاق الإسلام، ولم يجد الباحث صعوبة في تتبع مظاهر التغير الإيجابي التي حصلت عند أفراد الصحابة رضي الله عنهم من خلال تصور وملاحظة ماكان عليه الواحد منهم أيام الجاهلية من العصبية القبلية والجهل بالخالق والوقوع في فخ الأوهام والخرافات والتقليد الأعمى وظلم المرأة ووأد البنات وعبادة الأوثان، وكيف تقوَّم حالهم بعد اتباعهم النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم وانخراطهم في العملية التربوية النبويّة وتلقيهم التزكية والتعليم والتقويم فصار الواحد منهم كأنه قرآن يمشي على الأرض يفيض علمًا ويعيش خُلُقًا.
  • تؤكد الدراسة على أنَّ التقويم التربوي في السُنّة النبويّة منحَ الصحابة المتعلمين مساحة واسعةً من حرية التعبير وإبداء الرأي والمراجعة والتحفظ والاستفهام والنقد البناء والمشاركة في صنع القرار، بل إنَّ منهج التقويم التربوي النّبويّ أرسى دعائم هذه الحرية وجعلها حقًّا للمتعلم يطالب به ولا يتنازل عنه، وقد أوردت الدراسة شواهد على العديد من مراجعات الصحابة ومداخلاتهم وكيف أنهم تحفظوا على بعض الإجراءات واقترحوا بعض التعديلات في الوسائل والأدوات، وكان يقابل ذلك بسعة صدر من النبيّ المعلم صلى الله عليه وسلم فيستمع ويقدّم للمراجع التفسيرات والتعليلات الشافية والمناسبة للموقف.
  • أكدت الدراسة تميُّز التقويم التربوي ببعده الاستراتيجي الذي يراعي المرونة والتنويع في خيارات التعامل مع المتغيرات الميدانية التي تفرضها حالة أطراف العملية التعليمية؛ بما يسمح به المحتوى المُنزّل وما تفرضه طبيعة البيئة وإمكاناتها، فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يستعين بجديد الأدوات والوسائل وينّوع في أساليب التربية وأشكال التقويم، وكان يشرف بنفسه على كتابة المحتوى التعليمي ويتابع عمليات حفظه مكتوبًا وفهمه وتطبيقه، كما أنه استحدث دار الأرقم في مكة لتكون مدرسة تربوية لأصحابه، وبثَّ المعلمين في المنازل والنواحي والأطراف يعلّمون أقرانهم ويقوِّمونهم، وبنى المسجد كحاضنة تربوية وأمر برفع الأذان داعيًا ومذكّرًا بـ حيّ على الصلاة، وجعل رمضان مدرسة للتربية على التقوى والصبر، والحج مدرسة للجهاد ومؤتمرًا سنويًّا عامًّا. واتخذ خاتمًا لرسائله، ووجه لتعلم لغة الآخر، وبصورة يسمح بها ذلك العصر فقد استخدم المؤتمرات والملتقيات التربوية والمقابلات والمشاريع والمهام الخاصة، واستخدم أحسن وسائل التواصل في عصره كتشجيع الشعراء على نظم الشِعر المعبِّرِ عن المبادئ والقيم التربوية، كما أشرف بنفسه على كتابة الرسائل التي حملت في طياتها المضمون التربوي والإصلاحي والتقويمي وتخير لنقلها الأمين ومن يتقن لغة الأقوام ويحسن التصرف حال التبليغ والتعليم والتقويم، وشرع للناس خطبة الجمعة الأسبوعية، ومارس بفاعلية المعايشة التربوية في المسجد وفي ساحات الجهاد على وجه الخصوص، وعزز التقويم الذاتي ودعم دور الرقابة الداخلية والوازع الديني، واستثمر كثيرًا البيعة بينه وبين المتعلمين في إطار تقويمهم وتثبيتهم. هذا كله ونحوه في سياقه التقويمي أشارت إليه هذه الدراسة وذكرت الشواهد عليه.
  • وبذلك تكون الدراسة الحالية – بفضل الله تعالى وتوفيقه- قد اقتربت من تقديم صورة تفصيلية عن حالة التقويم التربوي في السُنّة النبويّة، وبيّنت الإجراءات التقويمية التي قام بها النبيّصلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أثناء تعليمهم وتزكيتهم، وكشفت عن أنماط استراتيجيات استخدمها، وعرضت آثارها ونتائجها التقويمية على العملية التربوية النبويّة.

 

 

التوصيات

وفي ختام هذه الدراسة وعلى ضوء ما توصلّت إليه، فيقترح الباحث جملة من التوصيات، على النحو الآتي:

  1. العمل على تعزيز مكانة النبيّ صلى الله عليه وسلم في نفوس الناشئة من الجيل المعاصر، حتى يمتثل الواحد منهم قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: ((لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ))، رواه البخاري، ولا يكون ذلك إلا ببيان سيرته العطرة التي تظهر فضله وما قدَّمَهُ من تضحيات وجهود عظيمة في بناء الأمة وتزكيتها وتقويمها.
  2. أن تعتني الجامعات ومراكز البحث بترجمة الأدب التربوي النّبويّ المرتبط بالتقويم التربوي والتعليمي إلى ماأمكن من لغات أخرى، دعمًا للبحث العلمي وتعريفًا بخاتم الأنبياء والمرسلين وبهديه التربوي والتقويمي؛ ليدرك الناس عظيم فضل النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم على هذه البشرية ومدى الرحمة التي اتصف بها وبعث بها للعالمين.
  3. تعزيز مكانة الصحابة رضي الله عنهم في نفوس الناشئة وأن يُعَرَّفَ بهم بالوسائل المتاحة والأدوات الممكنة، وبيان مناقبهم ومواقفهم وتضحياتهم وجهودهم العظيمة في فترة الوحي والرسالة وبعدها، ليجدَ الناس فيهم الأسوة الحسنة فهم شقُّوا طريقَ الهداية مع النبيّ صلى الله عليه وسلم وبايعوه وساندوه وتركوا ديارهم وأموالهم وخرجوا وهاجروا في سبيل نصرته وما وهنوا لما أصابهم وما ضعفوا ولا استكانوا.
  4. مراعاة تطبيق أدبيَّاتِ التقويم التربوي في السُنّة النبويّة والإعلان عنها والتعريف بها؛ فهي حَرِيَةٌ بالاتباع، فقد أصابتها بركة الوحي المنزَّل، بل هي وحي في كثير من تفصيلاتها، وفي اتباعها تمسُّكٌ بالهدي النبوي وإحياء للسُنّة وتأسٍ مبارك بالنبيّصلى الله عليه وسلم يجلب رضا الله تعالى وتوفيقه والفلاح في الدارين.
  5. توصي هذه الدراسة المتصدرين لإصلاح المجتمعات الإسلامية والساعين لنهوض الأمة وبناء مشروعها الحضاري أن يسلكوا الطرق النبويّة ويأخذوا بالوسائل التربوية والتقويمية التي طبَّقها النبيّ صلى الله عليه وسلم فهي -كما ظهر- آتت أُكُلَها على أحسن ما يكون وفي فترة وجيزة، ونجحت نجاحًا عظيمًا يمكن محاكاته، كما أنها نالت شرعيةً من خلال تطبيقها الفعلي وحضورها في السُنّة النبويّة التي أمرنا باتباعها. وبلا شك فهي بمجموعها تشكِّلُ منهجًا تقويميًّا جديرًا بالدراسة والاقتداء.
  6. توصي الدراسة باعتماد تطبيق استراتيجيات التقويم التربوي الواقعي، فهي من أحدث مداخل التقويم التربوي المعاصر، وكونها تركّز على الأثر الناتج – والنهائي- عن عملية التعلم والتقويم، كما أنها ترقب الأداءات بأشكالها وتجعل من تجاوز تحديات واقعِ المتعلم والإجابةِ عن أسئلته جسرًا لتجاوز تحديات المستقبل. وقد أكدت هذه الدراسة أن استراتيجيات التقويم التربوي الواقعي تمتلك رصيدًا كبيرًا من المصداقية من خلال تطبيقها في السُنّة النبويّة.
  7. توصي هذه الدراسة بتفريد التقويم التربوي – وترجيح كفته قدر الإمكان-؛ من خلال استيعاب حال المتعلم وقدراته وظروفه الخاصة وبيئته والغايات التربوية المنشودة له، ومن ثم على أساسها يُختَار الطرق والأساليب التقويمية المناسبة له.
  8. توصي الدراسة القائمين على المناهج التربوية والبرامج التعليمية بالأخذ بمبادئ التقويم التربوي في السُنّة النبويّة ومراعاة استراتيجياتها عند تصميم المناهج، وصياغة محتواها، وطرق تدريسها وتقويمها.
  9. توصي الدراسة الباحثين والتربويين أن يمضوا قدمًا في تأصيل العلوم التربوية والاجتماعية، وإطلاق دراسات أخرى تبحث في عناوين تفصيلية في التقويم التربوي، رجاء أن يسهم ذلك في تتميم النظرية التربوية الإسلامية.
  10. توصي الدراسة الميدان الأكاديمي بعمل مزيد من الدراسات والأبحاث العلمية في مجال التقويم التربوي، وبالأخص العناوين التالية:
  • التقويم التربوي في القرآن الكريم.
  • التقويم التربوي في عهد الخلفاء الراشدين.
  • التقويم التربوي عند علماء السلف.
  • التقويم التربوي عقب السرايا والغزوات والمواقف والأحداث.
  1. كما توصي الدراسة بضرورة تعزيز التعاون بين المربِّين والمختصين من أهل التكنولوجيا والإعلام لتفعيل أدوات العصر في مجال التقويم التربوي والتعريف بها واستثمارها في عمليات التربية والدعوة وبناء الجيل.
  2. وأخيرًا توصي الدراسة بمزيد من التتبع والتأصيل لتفاصيل الحالة التربوية والتقويمية في السُنّة النبويّة ومراعاة مبادئها وتنفيذ استراتيجياتها وطرقها وأساليبها؛ والتي ستكون كفيلة بوضع البرامج التربوية على طريقها الصحيح.

وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.

 

 

 

فهرست عناوين الكتاب ومحتوياته

الفصل الأول: الإطار النظري للدّراسة

المبحث الأولالدراسات السابقة       

المطلب الأول:  دراسات سابقة في التقويم التربوي مجالها القرآن الكريم والسُنّة النبويّة.

المطلب الثاني:  دراسات سابقة في التقويم التربوي مجالها السُنّة النبويّة.

المبحث الثاني: التقويم التربوي في المعاصرة والمفاهيم المرتبطة

المطلب الأول:  مفهوم العملية التربوية ومنهجها وتأصيلها.

المطلب الثاني:  مصطلح التقويم التربوي والمفاهيم المرتبطة.

المطلب الثالث:  مجالاته التقويم التربوي في التربية المعاصرة وأغراضه.

المطلب الرابع:  خطوات التقويم التربوي في التربية المعاصرة.

المطلب الخامس:  أنواع التقويم التربوي في التربية المعاصرة.

المبحث الثالث: التقويم الواقعي ميزاته

المطلب الأول: مفهوم التقويم الواقعي

المطلب الثاني: ميزات التقويم الواقعي

الفصل الثاني:  مفهوم التقويم التربوي في السُنّة النبويّة وأغراضه وضوابطه

المبحث الأولمفهوم التقويم التربوي في السُنّة النبويّة

المطلب الأول: مفهوم السُنّة النبويّة ومكانتها وحجيتها

المطلب الثان : مفردة “التقويم” في القرآن والسُنّة ومفهومه التربوي

المبحث الثاني: أغراض التقويم التربوي في السُنّة النبويّة

المطلب الأول: أغراض التقويم التربوي للكشف والتشخيص

المطلب الثاني:  أغراض التقويم التربوي للتكوين والعلاج

المطلب الثالث:  أغراض التقويم التربوي للتحفيز والتعزيز

المطلب الرابع: أغراض التقويم التربوي الوقائية

المطلب الخامس: أغراض التقويم التربوي التنظيمية

المبحث الثالث: ضوابط التقويم التربوي في السُنّة النبويّة

المطلب الأول: ضوابط التقويم التربوي الدينية

المطلب الثاني: ضوابط التقويم التربوي الأخلاقية

المطلب الثالث : ضوابط التقويم التربوي الإدارية

الفصل الثالث:  أنواع التقويم التربوي في السُنّة النبويّة

المبحث الأول: التقويمُ القَبْلي  (التمهيدي).

المطلب الأول: المقابلات الأولية

المطلب الثاني:  المعايشة القَبلية

المطلب الثالث:  السجلات التاريخية للمعلم والمتعلم

المطلب الرابع:  الامتحانات القَبلية الخاصة

المطلب الخامس: شهادة الأقران

المطلب السادس : المسابقات والمبارزات

المبحث الثاني: التقويمُ البنائي  (التكوينيُّ).

المطلب الأول: برنامج التزكية اليومي

المطلب الثاني: مؤتمر الجمعة الأسبوعي

المطلب الثالث : البيعة مع المربِّي

المطلب الرابع:  نظام المؤاخاة

المطلب الخامس: مدرستي رمضان والحج

المبحث الثالث: التقويمُ الختامي.

المطلب الأول: التقويم الختامي في “مراجعة القرآن الكريم”.

المطلب الثاني: التقويم الختامي تقديرًا للمتعلمين وإبرازًا لتميزهم.

المطلب الثالث: التقويم الختامي عقب المواقف والسرايا والغزوات.

المطلب الرابع : التقويم الختامي في وصف المجاميع وطرق التعامل معهم.

الفصل الرابع:  مبادئ التقويم التربــوي في السُنّة النبويّة وخصائصه ومجالاته

المبحث الأول: مبادئ أساسية للتقويم التربوي في السُنّة النبويّة.

المطلب الأول: تحرِّي العدل من جميع الأطراف في التقويم التربوي.

المطلب الثاني: مراعاة الفروق الفردية أثناء التقويم.

المطلب الثالث: مراعاة التدرُّج في التقويم.

المطلب الرابع: دمج التقويم في التعلم والتعليم.

المطلب الخامس: مراعاة التيسير في إجراءات التقويم التربوي.

المطلب السادس: تشجيع المتعلم على تقويم مكتسبات تعلمه ومشاركته في تطويرها.

المطلب السابع: التثبت من الأخبار والبيانات قبل التقويم.

المبحث الثاني: خصائص للتقويم التربوي في السُنّة النبويّة,

المطلب الأول: “الشمول والعموم”.

المطلب الثاني: التنوع.

المطلب الثالث: الاستمرارية.

المطلب الرابع: تقويم واقعي.

المطلب الخامس: تقويم ممتد الأثر.

المطلب السادس: تقويم “مَحَكِّي المرجع”.

المطلب السابع: تقويم تعاوني.

المبحث الثالث: مجالات التقويم التربوي في السُنّة النبويّة.

المطلب الأول : التقويم في مجال أهداف العملية التربوية النبويّة

المطلب الثاني: التقويم في مجال التعامل مع محتوى المنهج

المطلب الثالث: التقويم في مجال طرائق التربية والتعليم

الفصل الخامس: استراتيجيات التقويم التربوي في السُنّة النبويّة

المبحث الأول : استراتيجية التقويم المعتمِد على الأداء في السُنّة النبويّة.

المطلب الأول : الأداء العملي في العبادات

المطلب الثاني : المشروع

المطلب الثالث:  إدارة المواقف وحلّ المشكلات

المطلب الرابع:  المحاكاة ولعب الأدوار

المطلب الخامس : ( التقديم (العرض والإلقاء

المبحث الثاني : استراتيجية التقويم المعتمِد على التواصل في السُنّة النبويّة.

المطلب الأول : المقابلة

المطلب الثاني:  الأسئلة والأجوبة

المطلب الثالث: الرسل والمراسلات

المطلب الرابع : الزيارة

المطلب الخامس:  المؤْتَمر

المطلب السادس:  المعايشة

المبحث الثالث : استراتيجية التقويم المعتمِد على الملاحظة في السُنّة النبويّة.

المطلب الأول : الأدلة الشرعية على الملاحظة التقويمية

المطلب الثاني : أنواع الملاحظة التقويمية

المطلب الثالث : تهيئة البيئة في الملاحظة وصناعة المشهد

 المطلب الرابع : وسائل الملاحظة التقويمية وشواهدها في السُنّة النبويّة

المبحث الرابع : استراتيجية التقويم المعتمِد على المراجعة الذاتية في السُنّة النبويّة.

المطلب الأول:  مستويات المراجعة الذاتية وأدواتها وخطواتها

المطلب الثاني: المراجعة الذاتية في المنهج التربوي النبوي

المطلب الثالث :  تطبيقات عملية للمراجعة الذاتية في السُنّة النبويّة

المبحث الخامس : استراتيجية التقويم المعتمِد على الأقران في السُنّة النبويّة.

المطلب الأول :  مفهوم التقويم بالأقران ومكانته في السُنّة النبويّة

المطلب الثاني: أنماط التقويم التربوي بالأقران في السُنّة النبويّة

المطلب الثالث : انطلاق تقويم الأقران من التوجيه النبوي

المطلب الرابع:  تقويمات الصحابة في حضرة النبيّ صلى الله عليه وسلم.

المطلب الخامس:  إقرار النبيّ صلى الله عليه وسلم لتقويمات أصحابه

المطلب السادس:  مجالات التقويم بالأقران في السُنّة النبويّة

المبحث السادس : استراتيجية التقويم المعتمِد على الورقة والقلم في السُنّة النبويّة.

المطلب الأول:  غياب الاختبارات التحريرية عن السُنّة النبويّة

المطلب الثاني:  ممارسات تقويمية بالورقة والقلم في السُنّة النبويّة

 الخاتمة

النتائج

التوصيات

المراجع

الكلمات المفتاحية: (التقويم التربوي، السُنّة النبويّة، استراتيجيات التقويم، مجالات التقويم، خصائص التقويم، مبادئ التقويم).

Abstract

The Educational Evaluation in Sunnah Nabawia, By: Mahmoud Mustafa Abu Mahmoud, Supervisor: Dr. Ahmed Yahya Alawami

2023, Başakşehir Islami Akadamisi, Yarmouk University Program

 

The present study aimed at rooting educational evaluation as an element of the Islamic educational curriculum that the prophet Mohammed -PBUH- had sent to guide, teach, and recommend people. The study aimed at being the rooting effort much fair on (Sunnah Nabawia) with all that included (Hadeeth and Sira of the prophet Mohammed) -PBUH-. This is through the following situations and instructions related to the evaluation of educational performance during the educational process carried out by the Prophet Mohammed -PBUH-, with regard to the detailed objectives of the story, which aims to discover the principles, characteristics, and functions of educational evaluation as well as its controls, scopes, kinds, and Strategies this is by following (Sunnah Nabawia), locating and identifying evidence of educational evaluation in these (Ahadeeth). In this study, the descriptive Inductive analytical method was used. It deduced seven characteristics, which are comprehensiveness, generality, diversion, continuity, realism, and long-term impact. It’s a real reference as well as cooperative. On the other hand, seven basic education evaluations have been extracted from (Sunnah Nabawia) which are: investigating justice in judgments and procedures of evaluation and taking into consideration individual differences. It’s important to integrate evaluation with the learning-teaching process, facilitate and simplify the evaluation process, encourage learners to actively participate in self-evaluation, evaluating their learning outcomes, and contributing to their development, verify the accuracy of evaluation information and data. The study has shown the functions of educational evaluation which are a function of personal discovery, remedial construction, and systematic administration. It is detailed in three forms of systematic evaluation: (Shariaá), ethical, and administration. It focused on three scopes of work which are the educational objectives, contents, and methodologies scopes. It also detailed the rooting of six educational evaluation strategies in detail which are communicational evaluation, evaluation based on performance, evaluation based on individual, evaluation based on observation, evaluation based on mates, and Paper-and-pencil assessment. The study concluded with shreds of evidence from (Sunnah Nabawia) on kinds of educational evaluation and the rate of time for performance. They are pre-evaluation, formative, and summative evaluations. So, the study has introduced a description of educational evaluation in (Sunnah Nabawia) and its influence on the success of (Sunnah Nabawia) in the educational process. Therefore, the study has emphasized that the prophet -PBUH- employed all means and media of educational evaluation in his era and used them in the best ways. The study has recommended that all researchers and studies must continue rooting educational knowledge in (Sunnah Nabawia). It also recommended that other studies must be performed forward to rooting educational evaluation in Holy Quran. It also recommended considering the results of this study, especially during the designing of educational curricula, as well as identifying them and applying them in the educational field. The study finally recommended the necessity of cooperation between teachers at preachers who have good knowledge of applying technology in all fields of educational evaluation. This is to be invested in the educational process and reform.

KEYWORDS:(Educational evaluation, Sunnah Nabawia, Evaluation strategies, Evaluation fields, Evaluation properties, Evaluation principles).

لتحميل الكتاب نسخة pdf :

https://drive.google.com/open?id=1gbNdY_P-VaIMYjnLk8a8KK9q3MagvHEC&usp=drive_fs

مناقشة رسالة الدكتوراه:  

لقراءة رسالة الماجستير للمؤلف: 

بعنوان: المضامين التربوية في آيات الأرض المباركة في القرآن الكريم وتطبيقاتها

https://palscholars.org/?p=14628