3/6/2025

قال تعالى: “وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ” الأنفال: 72
الحمد لله القائل: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ” والصلاة والسلام على من علّمنا أن “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد”، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإنّنا، نحن الموقعين على هذا البيان من علماء الأمة، وأمناء رسالتها، وورثة نبيّها، نرفع هذا البيان في هذه الأيام العظيمة المباركة، حيث تهفو الأرواح إلى البيت الحرام، وتستعد القلوب للوقوف بعرفات، وترتفع الأكفّ في الدعاء على صعيد منى ومزدلفة، وما بين زحام الحجيج وسكينة التهجد، لا تغيب عنا غزة، ولا تُنسينا مواسم الطاعات فريضةَ النصرة، ولا تحجب بهجة العيد مشهد الدم المهراق على رمال فلسطين.
وإنّنا في هذا البيان نوجّه إلى أبناء أمتنا، علماء وخطباء، ومفكرين، وشعوباً، دعوة للوقوف مع غزة التي تعيش أبشع أنواع الإبادة ومع الأقصى الأسير الذي يعاني التهويد والتدنيس، ونداءً للتذكير بواجب النصرة في زمن الولوغ بالتخاذل والتواطؤ.
أولًا: أيّها المسلمون، يا حجاج بيت الله الحرام، يا من لبّيتم النداء وتهيّأتم لعرفات، أتُرفع الأكفّ في أعظم المشاهد ولا يُذكر فيها المذبوحون؟! أتُسكب الدموع طلبًا للغفران، ويُنسى فيها من غُمرت ديارهم بالدماء؟!
نناشدكم بالله، أن تكون غزة حاضرة في الضراعة يوم عرفات، وفي دعاء المزدلفة، وفي التهليل عند الجمرات، وفي الدعاء أيام النحر والتشريق، ويا أيها الدعاة: علّموا الناس أن الدعاء للمستضعفين عبادة، وأنّ دمعة في جوف الليل لأطفال غزة أحبّ إلى الله من ألف زينة نزيّن بها للعيد ودماء أبنائنا وبناتنا تملأ الشاشات.
قال تعالى: “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ” الأنعام: 42
ثانيًا: يا أبناء أمتنا الإسلاميّة: تذكروا أن عيدكم ناقص إن غابت فيه غزة. فلتكن “العيدية” هذا العام بصيغة العطاء لغزة وأبنائها:
– ليهدِ كلّ أبٍ منكم عيدية لابن في غزة، كما يُهدي أبناءه.
– علموا أطفالكم أن يقتطعوا من فرحتهم بالعيديّات لإخوانهم من أطفال غزة الذين لا يعرفون الفرح.
– ويا نساء الأمّة: خصّصن من زينتكن، من ذهبكن، من عيدياتكنّ، عيدية لأخواتكن على أرض غزة.
فالعيد في الإسلام شعور جمعي، لا يكتمل إن كان ثمة عضو ينزف في جسد الأمة.
ثالثًا: يا خطباء الأمة، اجعلوا العيد منبرًا لنصرة الدم، لا منصة للغفلة؛ ارفعوا خلفكم على منابر العيد لافتات تقول: “عيدنا عيدكم يا أهل غزة”، “دماؤكم دماؤنا”، “غزة تُباد”، واجعلوا طرقات المصليات معارض للكرامة، وصور الشهداء، ورسائل الأمهات، ودموع الأطفال. وبيانا لجرائم العدو حتى يسيء الله وجهه..
وليكن منبر العيد هذا العام صرخة بوجه صمت المسلمين، وجرس إنذار لأمة تتعوّد على المجازر. وترضى بتسلط الأعداء.
رابعًا: أيها المحتفلون بالعيد: ما أروع أن تُختم صلاة العيد بوقفة وفاءٍ وكرامةٍ، وقفة بعنوان: “لبّيكِ غزة”، حين يجتمع الناس مكبّرين، فليكبروا نصرةً للمظلوم، ووفاءً للمرابط، وتنديدًا بالعدوان.
انصبوا اللافتات، ارفعوا الشعارات، واجعلوا العيد يومًا يُسمع فيه نبض غزة في كلّ الساحات، يُكتب فيه على الجدران: “القدس في القلب، وغزة في العيد”.
خامسًا: ما يزال المسجد الأقصى المبارك يستصرخكم، وإنّنا نُدين بأشدّ العبارات العدوان المتكرّر على المسجد الأقصى المبارك، واقتحامات المتطرّفين تحت حراسة الاحتلال، ومحاولاتهم تدنيسه بذبح القرابين في ساحاته، في استهداف صريح لعقيدة المسلمين، وتحدٍّ سافرٍ لمشاعر مليار ونصف مليار مسلم.
نُحذّر من صمتٍ رسميٍّ يُشرع الانتهاك، وندعو إلى حملةٍ عالميةٍ دائمة لحماية الأقصى، وفضح مخططات التهويد، وقطع العلاقات مع كلّ من يشارك أو يبرّر هذا العدوان. وإننا نتساءل هنا أين هم الحكام والساسة الذين كانوا على الدوام يعلنون أن القدس خط أحمر، وأن المسجد الأقصى المبارك خط أحمر؟! وها هو المسرى ينتهك كل يوم، وتدنس حرماته في كل لحظة على مرأى ومسمع العالم أجمع.
سادسًا: إن العدو الصهيوني ومعه عملاؤه ومرتزقته وثلة من المغفلين من أبناء جلدتنا يحملون المقاومة مسؤولية تعثر المفاوضات، وإننا نُؤكّد أنّ تحميل فصائل المقاومة في غزة مسؤولية تعثّر مفاوضات وقف إطلاق النار هو قلب للحقائق، وتضليل إعلامي فاضح. فالمحتلّ هو من يستبيح المدنيين، ويعرقل كلّ مبادرة لا تضمن خضوعًا كاملاً.
وإنّ كل تدليس يقوم على تحميل المجاهدين مسؤوليّة تعثّر وقف إطلاق النّار هو إعانة ضمنيّة للمحتل وأعوانه على المجاهدين بفصائلهم كلها.
قال تعالى: ” قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا ۖ وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ۖ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ۚ أُولَٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا” الأحزاب: 18، 19
ختامًا: يا علماء الأمة، إنّ التاريخ لا ينسى، وربّ السماء لا ينسى، والدم لا يضيع؛ فكونوا صوتًا لا يخفت، ونداءً لا يخبو، وراية لا تنكّس.
كونوا غزّة في عيد الأمة، وكونوا الأقصى في خطب الأمة، وكونوا الضمير في زمن الفجيعة.
والله غالبٌ على أمره، ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون.