بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، القائل في كتابه: ” قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ” والصلاة والسلام على الرحمة المهداة، محمد سيدنا وحبيبنا القائل: ” الْمُؤْمِنُونَ تَتكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ ” وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فقد تابع العلماء مع جماهير الأمة الإسلامية والشرفاء في العالم الحرّ – وما يزالون – ما يجري في تركيا الشقيقة من محاولات الكيد والمكر بها، من اللحظة الأولى التي تحركت فيها قوى الشرّ لتنفيذ المؤامرة الكبرى على تركيا والأمة الإسلامية، ولقد بلغت القلوب الحناجر وابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً ولكنَّ الله سلّم وثبت المؤمنين وما زادهم إلا إيماناً وتثبيتا، وردّ المجرمين ومن خلفهم بغيظهم لم ينالوا خيرا.
وإنَّ علماء الأمة الإسلامية على اختلاف بلدانهم ومؤسساتهم إذ يتوجهون إلى الله تعالى أولاً وآخراً بالحمد والثناء العظيم على منّه وفضله، ويتضرعون إليه بتمام النعمة وحفظ تركيا وردّ الكيد عنها وعن جميع بلاد المسلمين فإنهم يؤكدون على الآتي:
أولاً: يتوجه العلماء إلى الشعب التركي والأحزاب التركية على اختلاف توجهاتها وإلى القيادة رئاسةً وحكومةً وإلى الأمة الإسلامية جمعاء بأسمى آيات التهنئة والتبريك بهذا النصر الإلهي العظيم المتمثل بالقضاء على هذه المؤامرة الكبيرة، ويدعون الشعب التركي إلى المزيد من الدعاء والتضرع إلى الله تعالى ودوام الشكر له على هذه النعمة العظيمة، قال سبحانه: ” وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ” وقال سبحانه ” لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ “.
ثانياً: يؤكد العلماء على أنّ الانقلاب على الشرعية وعلى اختيار الشعوب وحريتها وفرض الاستبداد عليها بقوّة السلاح أمرٌ محرّمٌ شرعاً، لأن الانقلاب على الحكومة الشرعية المنتخبة هو بغي وعدوان وفساد في الأرض وفتنة لا يعلم مدى آثارها الخطيرة إلا الله سبحانه وتعالى فالنصوص الشرعية المتضافرة من الكتاب والسنة قاطعةٌ على حرمة هذه الأعمال الإجرامية التي تمس أمن الفرد والجماعة والحكومة الشرعية، وكما رفض العلماء الانقلاب الإجرامي على حرية الشعب المصري وعلى حرية الشعب اليمني وغيرهما من الانقلابات في مختلف أنحاء العالم الإسلامي فإنهم أيضاً يحرّمون أيّة محاولة انقلابية على اختيار الشعب التركي وحريته ويستنكرونها، كما هي مرفوضة في القوانين والأعراف الدولية.
ثالثاً: يثمّن العلماء الدور الكبير الذي قام به الشعب التركي في كسر هذا الانقلاب كما يثمنون موقف الأحزاب التركية جميعها حيث وقفت مع إرادة شعبها واسْتَعلت على الخلافات مقدمة المصلحة العامة، كما يثمن العلماء رباطة جأش القيادة التركية رئيساً حكومةً وسرعة تدخلها التي كان لها الأثر في إفشال هذه المؤامرة وكذلك يثمن العلماء دور بقية أجهزة الدولة العسكرية والمدنية التي وقفت مع إرادة شعبها وكان لها دورها في ردّ الحقوق إلى أصحابها والحفاظ على الشرعية.
رابعاً: مما لا بدَّ من الإشادة به أيضاً دور المساجد الذي كان بارزاً جداً في مواجهة الانقلاب الإجرامي، وهنا لا بدّ من التحية البالغة إلى رئاسة الشؤون الدينية على جهودها في إعادة المكانة والريادة للمساجد في الأزمات، والوقوف مع الحق إذ المساجد محطات شحنٍ إيمانية ونفسية للشعب في مواجهة التحديات.
خامساً: يدعو العلماء الشباب خصوصاً والشعب التركي على العموم أن يرفض الفكر الذي يدعو إلى الانقلاب على الشرعية والذي يقبل التحالف مع الأعداء ضدَّ أبناء الأمة والوطن ويؤكدون على أن هذا الفكر متعارضٌ مع أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها ولو ادعى أصحابه الإسلام فإن الإسلام يحرّم تحريماً مطلقاً الولاء للأعداء والكيد للإسلام والمسلمين، قال سبحانه وتعالى: ” وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ” ولذلك يحذر العلماء الشباب من الوقوع في براثن هذه الضلالات والولاءات وأن من كان منتمياً إلى مثلها فعليه أن يعود إلى الله سبحانه وتعالى ثمَّ إلى أمته بالعمل الصالح والعمل لخمة المشروع الذي يخدم امتنا الإسلامية.
سادساً: يثمن العلماء مواقف الدول والمنظمات الدولية والحقوقية والمؤسسات الإعلامية التي وقفت مع الشرعية وساندتها، وفي الوقت ذاته ينددون بأيَّ تدخل من أيّ دولة أو جهة في الشأن الداخلي التركي أو غيره ومن هنا فإنهم يؤكدون على أن أي جهد أو مال يبذل في سبيل الباطل والفتنة فسيكون مصيره الفشل والحسرة في الدنيا والآخرة بإذن الله، يقول تعالى: ” إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ “.
سابعاً: يدين العلماء الازدواجية التي تتعامل بها بعض دول الغرب مع ما جرى في تركيا أو غيرها إذ غضت الطرف عن جرائم الانقلابيين في تركيا وغيرها ثمَّ ملأت الدنيا صراخاً واستنكاراً لما تقوم به تركيا من حقها الطبيعي في محاكمة المجرمين محاكمة عادلة.
ثامناً: يدعو العلماء أبناء الأمة الإسلامية على تنوع مكوناتهم إلى مساندة تركيا شعباً وقيادة في مواجهة الانقلاب وما يُدبر لها من مكرٍ وكيدٍ ويعدون ذلك من أعظم واجبات الوقت الشرعية، إذ إنَّ المستهدف مما يعد ليس تركيا وحدها بل الأمة كلّها وقواها المؤثرة، ويهيب العلماء بقوى الأمة الفاعلة من اعلاميين ومثقفين وكتاب ومراكز قرار أن تتضافر جهودهم لبذل كل ما يستطيعون من أجل دعم مشروع الحرية والعدالة وحقوق الإنسان في العالم الإسلامية كله بصورة عامة وفي تركيا بصورة خاصة، قال تعالى: ” والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض” وقال تعالى: ” وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ” وقال عليه السلام: ” المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً “.
تاسعاً: يحذر العلماء الجهات المغرضة التي تضخم الإجراءات الاحترازية التي تقوم بها الحكومة التركية ويحاولون تسييسها، والتي يقوم بها القضاء التركي ضد الانقلابيين، ونحن على يقين أن الحكومة التركية حريصة على الحفاظ على حقوق جميع أبناء الشعب التركي وحذرةٌ من الانزلاق في ردة الفعل التي قد تسبب الظلم للأبرياء.
عاشراً: يثمن العلماء المواقف المشرفة لتركية مع قضايا الأمة في كل مكان وبخاصة في فلسطين وسورية والعراق ومصر وبورما والصومال وغيرها، وبذلت جهوداً طيبةً مادياً وسياسياً لخدمة هذه القضايا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” صنائع المعروف تقي مصارع السوء ” وما كان الله ليضيع هذه البلدة الطيبة التي مدّت يد النصر والعون إلى كلّ من احتاجها من شعوب الأمة والعالم.
حمى الله تركيا، وردّ عنها كيد الكائدين ومكر الماكرين، وجلَّلها بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام وسائر بلاد المسلمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
21/7/2016