الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
🔸 إنَّ المعلوم من الدين بالضرورة عند كلِّ مسلمٍ موحدٍ إنَّ من أصول الاعتقاد في الإسلام والتي أجمع عليها المسلمون أنَّه لا يوجد على وجه الأرض دينٌّ حقٌّ سوى دين الإسلام، وأنَّه لا دينَ مقبول عند الله تعالى إلاَّ الإسلام. يقول الله عزَّوجلَّ: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَام وَمَا ٱختَلَفَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا ٱلكِتَـٰبَ إِلَّا من بعد مَا جَاۤءَهُمُ ٱلعِلمُ بَغیَا بَینَهُم وَمَن یَكفُر بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِیعُ ٱلحِسَابِ) سورة آل عمران:19. وقال الله تعالى: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) سورة آل عمران:83-85 .
🔸 ومن المعلوم من الدين بالضرورة أيضاً أنَّ من أصول الاعتقاد في الإسلام أنَّ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم عامة للناس أجمعين، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (سـَـبَأ: 28. وقال سبحانَه: (قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا (سورة الأعرَاف: 158.
🔸 ولقد ردَّ الله تعالى محاجَّة اليهود والنصارى ومجادلتهم لمَّا ادَّعى اليهود أنَّ إبراهيم كان يهوديًّا، وادَّعى النصارى أنَّه نصراني، وجادلوا على ذلك. فقال الله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) سورة آل عمران:65-68.
🔸 ولمواجهة الإسلام الدِّين الحقِّ، ومواجهة الصحوة الإسلامية التي أخذت تنتشر في الأرض، ولتمرير مشاريع التطبيع مع المحتلِّين الصهاينة أعداء الله والمسلمين، وتجريم الجهاد لمقاومة الاحتلال الصهيوني الغاصب لفلسطين، بزعم أنَّهم أصبحوا إخوةً في الدِّين الإبراهيمي ظهر وشاع في الآونة الأخيرة ما يُسمَّى “الديانة الإبراهيمية” أو “الدين الإبراهيمي العالمي”، نسبة إلى أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
فالمقصود بما يُسمَّى “الديانة الإبراهيمية” هو: الخلط بين دين التَّوحيد دين الإسلام الحق الذي تكفَّلَ الله بحفظه، وبين اليهودية والنصرانية المحرَّفتين، وما فيهما من كفريات وضلالات وخرافات، بزعم أنَّها كلُّها تنتسبُ إلى أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام، نظرًا لرمزيته في الشرائع السماوية الثلاثة، وهي دعوةٌ سابقةٌ قديمةٌ، فقد أطلقها بعضُ اليهود والنصارى، إنَّهم يريدون أن يتنازل المسلمون عن أحقية عقيدتهم الصحيحة، بأنْ يقبلوا -على الأقل- اعتبار أديان اليهود والنصارى أديانَ حقٍ ونجاةٍ في الآخرة، ولكنْ كان الجواب واضحًا صريحًا في القرآن الكريم: (وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) سورة البقرة:135.
🔸 إنَّ الدعوة للديانة الإبراهيمية ستؤدي حتمًا إلى هدمِ أحدِ أصول الإسلام، وهو: وجوبُ اعتقاد كفر كل من لم يدخل في الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم وتسميته كافرًا، وأنَّه عدوٌ لله ورسوله والمؤمنين، وأنَّه من أهل النَّار كما قال تعالى: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) البَيّنـَـة:1. وقال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) البَيّنـَـة:6، وغيرها من الآيات. وثبت في صحيح مسلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: “وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّار”.
ومعلومٌ بالضَّرورة من الدين وجوب الاعتقادُ بكفر من كذَّب الله تعالى ورسولَه صلى الله عليه وسلَّم، ولم يرض بالإسلام دينًا، ومن نواقضِ الإسلام من لم يكفِّر الكفَّارَ أو يشكُّ في كفرِهم أو صحَّح مذهبَهم فقد كَفَرَ. ولذا فإنَّ اتباعَ الديانة الإبراهيمية، أو تبنِّيها كفرٌ بَيِنٌ وردّةٌ صريحةُ عن الإسلام.
🔸 لقد نشأت الفكرة الخبيثة “الديانة الإبراهيمية” أولاً تحت فكرة مشروع “الاتحاد الإبراهيمي الفيدرالي”، التي تهدفُ لتحقيقِ المصالح الأمريكية، وتقليصِ الصراعات في الشرق الأوسط.
🔸 وقد علم بأنَّ وراءَ نشأة الديانة الإبراهيمية مراكز بحثية ضخمة وغامضة، انتشرت مؤخراً في ربوع العالم، وأطلقت على نفسها اسم “مراكز الدبلوماسية الروحية”، وأنَّه يعملُ على تمويل تلك المراكز أكبر وأهم الجهات العالمية، مثل: الاتحاد الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والولايات المتحدة الأميركية.
وتهدف الدعوة للديانة الإبراهيمية إلى عدة أمور:
■ أولاً: طمس معالم الدين الإسلامي الحق، ومحاربة أحكام الشريعة الإسلامية، وإبدال دين الله الحق بدينٍ جديدٍ مصنوعٍ من أهوائهم وأفكارهم وثقافتهم الباطلة. قال الله تعالى: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) سورة البقرة:217.
■ ثانياً: هدمُ عقيدة الولاء والبراء، الحب والبغض في الله، فترمي هذه الديانة الماكرة إلى كسر حاجز براءة المسلمين من الكافرين، ومفاصلتهم، والتدين بإعلان بغضهم وعداوتهم، والبعد عن موالاتهم، وتوليهم، وموادتهم، وتقريبهم. قال الله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) سورة التوبة:23. وقال تعالى: (ولو كَانوا يُؤمِنونَ باللهِ والنَّبِيِ ومَا أُنْزلَ إليهِ ما اتَّخَذوهم أولياء ولكنَّ كثيرًا منهم فاسقون). المائدة:81.
■ ثالثاً: كما تهدفُ هذه الدَّعوةُ الخبيثةُ إلى أنْ تأتيَ على الإسلام من القواعد، وإسقاط جوهره واستعلائه، وظهوره وتميُّزِهِ. فيتمُّ القضاء عليه وانْدِراسه، وبالتالي وَهْن المسلمين، ونزع الإيمان من قلوبهم، وَوَأدهُ، وتفسيخ العالم الإسلامي وتفتيته، وعزل الشريعة الربَّانية عن الحياة، وتسريح الإسلام في مجاهل الفكر، والأخلاقيات الهدَّامة، وتفريغه من كل مقوماته، فلا يترشح الإسلامُ لقيادةٍ أو سيادةٍ، وما على المسلم إلاَّ التَّلقي لِما يُملَى عليه من أعدائه، وأعداء دينه.
■ رابعاً: إنها توظيف سياسي يستفيد منه العدو اليهودي المحتل الغاصب، لترسيخ حقه المزعوم الموهوم، وهو إذن يشكل خطرًا واضحًا على مجمل قضايا الأمة الإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وخاصة المسجد الأقصى المبارك حيث يتطلع العدو الصهيوني إلى هدمه وبناء هيكلهم المزعوم. وقد تجلَّى ذلك من خطورة ما أصدره القائمون على هذا المشروع من وثيقة “مسار إبراهيم”، والذي يهدف إلى إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط، بما يتماهى مع خارطة ما يسمى (إسرائيل الكبرى)، وهي تنصُّ صراحةً على أنَّ أراضي الدول التي يسجلها هذا المسار ليست ملكًا لسكَّانِها الفلسطينيين أصحاب الحقِّ الأصلي، بل ملكٌ لأتباعِ النَّبيِ إبراهيم الذي ملَّكه الرَّب تعالى أرضَ فلسطين بوعد إلهي مقدس كما يزعمون، ومعلوم أنَّ يهودَ اليوم يزعمون أنَّهم الأبناءُ الحقيقيون لنبيِ الله إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام، وبذا يتيحُ الدينُ المنسوب إليه زورًا وبهتانًا (الديانة الإبراهيمية) فرصةً ليهود اليوم بالاندماج في المنطقة، ومن ثمَّ المطالبة بحقوقهم التاريخية والدينية المُدَّعاة في أيِ مكانٍ وطئتهُ أقدامُهم، حسب التصور التوراتي.
🔸 وقد رافقت الدَّعوة للديانة الإبراهيمية مسارات التطبيع العربي مع العدو الصهيوني وتلك المسارات باسم اتفاقية “إبراهام” أي باسم نبي الله (إبراهيم) عليه السلام، ولو كان ما يفعلونه صواباً لما احتاجوا إلى أن يعطوه اسم (إبراهيم)، ويستخدمون اللفظة المسيحية الإنجيلية “إبراهام” وإنَّما هو تأسيس لما بعده من مصائب، ومحاولة بائسة لتغطية الجرائم السياسية ضد المسجد الأقصى والقدس والشعب الفلسطيني، بغطاء مقدس من الدين، لتمريرها على الناس. ويظهر من هذه المسميات أنها ضرب من التضليل والخداع، فصراع المسلمين على أرض فلسطين المسلمة هو في الحقيقة صراعٌ يتمثَّلُ في مواجهةِ المشروع الصهيوني الاحتلالي الاستيطاني.
🔸 لذا فإنَّه يجب أنْ يقوم علماء الإسلام ومؤسساتهم العلمية ومجامعهم ودور الإفتاء في العالم الإسلامي من تفنيدها، وكشف حقيقة أهدافها، وبيان مخاطرها.
🔸 إنَّ المسلمَ الصادقَ عليه أنْ يَحذرَ من الدُّخولِ في مؤتمرات أصحاب الدَّعوةِ للديانة الإبراهيمية، وندواتهم، واجتماعاتهم، وجمعياتهم ومحافلهم، بل يجبُ عليه شرعًا نبذُ ما يُسمَّى بالديانة الإبراهيمية، والحذر ومنها، والتَّحذير من خطورتها وسوء عواقبها، واحتساب الأجر من الله تعالى في الطَّعن فيها، والتَّنفير منها، وإظهار الرَّفض لها، وإبعادها وأصحابها عن ديار المسلمين، وعزلها عن شعورهم، ومشاعرهم، والقضاء عليها، ونفيها من واقع المجتمعات الإسلامية.
والله ولي التَّوفيق والسَّداد، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الموقعون على البيان:
1- رابطة علماء فلسطين، قطاع غزة.
2- منتدى العلماء.
3- أكاديمية الرواد الالكترونية.
4- رابطة علماء فلسطين- لبنان.
5- الهيئة الدائمة لنصرة القدس وفلسطين- لبنان.
6- رابطة علماء أهل السنة.
7- ملتقى علماء فلسطين.
8- هيئة علماء الاتحاد الإسلامي الماليزي.
9- جمعية النهضة اليمنية.
- هيئة علماء فلسطين
11- جمعية الاتحاد الإسلامي – لبنان.
12- جامعة دارالعلوم- زاهدان- إیران