بسم الله الرحمن الرحيم

     الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد:

فإنَّ كل مسلمٍ في مشارق الأرض ومغاربها يعدّ فلسطين الحبيبة كلها وجميع الأراضي التي يحتلها الكيان الصهيوني قضيته الكبرى ويسعى لنصرتها ويراها مسؤوليته التي يُسأل عنها في الدنيا والآخرة.

وفي تحول مفصلي خطير تتسابق اليوم أنظمةٌ عربية وإسلامية في مضمار التطبيع السياسي الذي يُسفر عن اعترافٍ صريحٍ بالكيان الصهيوني وحقه في الوجود وإقامة علاقات رسمية وغير رسمية معه تُفضي إلى تصفية القضية الفلسطينية وتذويب عقيدة تحرير المسجد الأقصى المبارك من رجس الصهاينة الغاصبين.

وانطلاقاً من قوله تعالى: ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) آل عمران/187

فقد تداعى ثلة من علماء الأمة الاسلامية من بلاد شتى يمثلون العديد من المؤسسات العلمائية، منها: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورابطة علماء المسلمين، وهيئة علماء فلسطين في الخارج، وهيئة علماء السودان، ورابطة علماء أهل السنة، وهيئة علماء لبنان، ورابطة أئمة وخطباء ودعاة العراق، ورابطة العلماء السوريين، ورابطة أهل السنة والجماعة في العراق، وهيئة علماء ليبيا، ورابطة علماء المغرب العربي، والحملة العالمية لمقاومة العداون، ومنتدى العلماء والأئمة في موريتانيا وذلك لبيان الحكم الشرعي في جلساتٍ حوارية وعلمية، استمرت على مدار يومين في مؤتمر علماء الأمة لمقاومة التطبيع السياسي مع الكيان الصهيوني الذي انعقد في اسطنبول يومي الجمعة والسبت 1-2/صفر/1439ه الموافق 20-21/أكتوبر/2017م.

و في ختام المؤتمر يعلن العلماء المشاركون ما يلي:

أولاً: اعتماد ميثاق علماء الأمة الاسلامية في مواجهة التطبيع السياسي مع الكيان الصهيوني، الذي يهدف إلى تجلية الحقيقة وإظهار الحق في هذه المسألة الخطيرة التي تستهدف القضية الفلسطينية في أصل وجودها، وقد شكّل المؤتمر لجنة للأخذ بمقترحات العلماء في صياغة الميثاق وترجمته إلى اللغات المختلفة، وسيكون إعلانه في مؤتمر صحفي في الأيام المقبلة بإذن الله تعالى.

ثانياً: يؤكد العلماء أنَّ التطبيع بأشكاله كافة مع الكيان الصهيوني محرّم شرعاً وجريمة نكراء سواء أكان تطبيعاً اقتصادياً أم إعلاميا أم ثقافياً أم رياضياً أم اجتماعياً، وأن ما يصبوا إليه دُعاة التطبيع مع العدو المحتل من مصالح مزعومة غير معتبرة شرعاً، وهي لا تعدو كونها مصالحة متوهمة غير حقيقة، ولها أضرارها على فلسطين والأمة، وتكذبها تجارب الأمس ووقائع اليوم، غير أن تخصيص العلماء مؤتمرهم وميثاقهم بمواجهة التطبيع السياسي كونه واجب الوقت وبوابته إلى أنواع التطبيع المختلفة وهو ما يسارع إليه كثيرون في هذه الأيام؛ لعظيم خطره على فلسطين والأمة كلها.

ثالثاً: يؤكد العلماء أن التطبيع مع الكيان الصهيوني بصوره وأشكاله كافة جريمة كبيرة تعرّض مرتكبها والمسوِّغ لها والموافق عليها لسخط الله تعالى، لمناقضته لوازم الولاء للمؤمنين ووجوب نصرتهم والبراءة من المعتدين وعدم مبادلتهم المودة وقد أخرجوا المسلمين من ديارهم ومقدساتهم، قال تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ ۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ : الممتحنة/1.

رابعاً: يؤكد العلماء أن فلسطين كلها وجميع الأرض المحتلة من الكيان الصهيوني الغاصب هي أرضٌ إسلامية لا يجوز لأحدٍ التنازل عنها أو عن ذرة منها أياً كان وتحت أية ذريعة كانت، وأن التنازل عن فلسطين والاعتراف بحقٍّ للكيان الصهيوني في إقامة دولته على أرض الاسلام والمسلمين هو خيانة لله ورسوله وسائر المؤمنين.

خامساً: يعلن العلماء أن الاتفاقيات والمعاهدات والتفاهمات السياسية المبرمة بين الأنظمة العربية والإسلامية مع الكيان الصهيوني وما ترتب عليها من التزامات هي محرمة شرعاً وباطلة غير نافذة، ولا قيمة لها وتَحـُرم طاعة الحاكم فيها لاعتدائها على الشرع والأمة والشعب الفلسطيني، قال تعالى: ”  إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ” الممتحنة/9

سادساً: يؤكد العلماء أنَّ حق المسلمين الشرعي في أرض فلسطين لا يسقط بالتقادم وجميع المحاولات والمشاريع التي تستهدف القضية الفلسطينية والمقدسات واللاجئين لا تُغير من حقيقة الحكم الشرعي شيئاً، ولا تبدل وجوب جهاده ودفعه والعمل على إزالته بالوسائل المتاحة كافة، ولا تتغير حرمة التطبيع باسترجاع بعض الأرض أو استعادة بعض الحقوق.

سابعاً: يطالب العلماء برفع الغطاء الشرعي عن جميع الجهات السياسية من الحكام والشخصيات التي تقوم بالتطبيع السياسي مع الكيان الصهيوني، وتعرية باطلها ودعوتها لجادة الصواب والحق، وإلا فإنَّ طاعتها لا تجوز في معصية الله تعالى.

ثامناً: يشيد العلماء بدور الشعوب الإسلامية والأفراد في رفض التطبيع السياسي مع الكيان الصهيوني ويحثونها على الاستمرار في الأنشطة الجماهيرية على مستوى الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني والشباب الغيور على دينه بالاستمرار في فضح مخاطر التطبيع السياسي مع الكيان الصهيوني وفضح جميع الصفقات والتواصلات التي يتم ترتيبها سراً وعلانية مع هذا الكيان الصهيوني المجرم.

تاسعاً: يطالب العلماء المجتمعون علماء الأمة ودعاتها بحشد طاقاتهم كلها في مواجهة التطبيع السياسي مع الكيان الصهيوني بياناً وتحذيراً وتبليغاً وتأصيلاً ونصحاً للجهات السياسية والرسمية وتحريكاً لشعوب الأمة ومؤسساتها واستثماراً للمنابر وصدحاً بالحق من أجل ردع المتوجهين والمسارعين إلى ارتكاب هذه الجريمة ومنع القائمين عليها والممارسين لها من تطبيعهم وعلاقاتهم مع الكيان الصهيوني المجرم.

عاشراً: يدعو العلماء الأمة كلها حكاماً وشعوباً وجماعاتٍ ومؤسسات إلى دعم الشعب الفلسطيني في مواجهة الكيان الصهيوني، ويؤكدون أنَّ هذا الدعم اليوم هو من أوجب الواجبات لمواجهة التطبيع السياسي مع هذا الكيان وهو أبلغ ردّ على الداعين إليه.

فالشعب الفلسطيني اليوم ــ بإذن الله ــ هو السد المنيع والحصن الشامخ في وجه تصفية القضية الفلسطينية وعنوان إفشال جميع المؤامرات التي تستهدف فلسطين والقدس والمسجد الأقصى المبارك.

هذا بيانٌ للناس وهدىً وموعظة للمتقين

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين