خاص هيئة علماء فلسطين

         

د. محمود سعيد الشجراوي

7/11/2023

نفذت إسرائيل خلال الشهر الماضي عشرات المذابح في قطاع غزة بعد أن أنجزت حصار كامل وحقيقي للقطاع بمنع دخول الماء والغذاء والدواء ومنع الكهرباء والإنترنت والاتصالات، نحاول في هذا المقال نود أن نوضح الصلة بين استراتيجية العدو الصهيوني اليوم في معركة طوفان الأقصى ونفس استراتيجية الصهاينة في عام 48.

حين بدأت بريطانيا التحضير لقيام دولة الكيان الصهيوني وتنفيذ وعد بلفور قامت خلال 30 سنه بتدريب الصهاينة ودعمهم مالياً وعسكرياً وتقديم السلاح لهم أيضا حتى قويت شوكتهم وحين أراد الصهاينة أن يعلنوا دولة الكيان الصهيوني قاموا بتنفيذ المجازر بوحشية، لكن في ذلك الوقت لم يكن يوجد إعلام يغطي وينقل تلك الفظائع، ولا إعلام جديد يوثق ذلك، ونفذوا أكثر من 45 مجزره تمت في عام 48 كانت نتيجتها تهجير أكثر من 531 قرية فلسطينية بما مجموع سكانها 800,000 فلسطيني إلى خارج فلسطين، الأمر الذي أدى إلى قيام دولة ما يسمى بإسرائيل اليوم. واليوم يقوم الكيان الصهيوني بتنفيذ نفس الاستراتيجية في قطاع غزة، عدد كبير جداً من المذابح كل يوم، والقصف الشديد للمدنيين، قتل النساء والأطفال، والهدف تهجير الغزيين للسيطرة على مساحة قطاع غزة أولاً، ولإنهاء أسطورة المقاومة الفلسطينية في هذه البقعة الجغرافية الصغيرة جداً.

فهل تنجح إسرائيل في تطبيق نفس الاستراتيجية مرة أخرى؟ وهل ستكون ردة فعل العالم العربي والإسلامي اليوم مختلفة عن ردة فعل العالم العربي والإسلامي قبل 75 سنة عام 1948؟.

 الحقيقة المرة أنها نفس ردة الفعل؛ فقد قامت إسرائيل بتلك المذابح في عام 1948 ولم تجرؤ أي دولة عربية واحدة على تسيير جيش لإنقاذ القرى الفلسطينية التي كانت تباد وتذبح بل قامت تلك الدول باستقبال اللاجئين في مخيمات ضيقة جداً بكثافة سكانية عالية جداً أقرب ما تكون إلى غزة الحالية.

لقد كان الخذلان العربي في عام 48 هو نفسه الخذلان العربي الذي نراه اليوم  في عام 2023، والمذابح الإسرائيلية التي نُفذت بالشعب الفلسطيني عام 48 هي نفسها المذابح التي تنفذ اليوم في عام 2023، لكن هل ستكون النتيجة بعد هذه المذابح والقتل الإجرامي الموثَّق هذه المرَّة تحت سمع وبصر العالم هذه المرة، بالإعلام القديم والجديد والحديث ووسائل التواصل الاجتماعي، هل ستكون النتيجة مختلفة؟ هل سينجح الاحتلال في تهجير الغزيين؟ وهل سيقبل أهل قطاع غزة التهجير مرة أخرى وهم الذين 75% منهم أصلا لاجئون في قطاع غزة وقد ذاقوا ويلات المذابح والتهجير قبل 75 سنة؟؟ هل سيقبلون أن يُهجروا إلى مخيمات لجوء في عراء صحراء سيناء من جديد ليكونوا تحت رحمة نظام السيسي المجرم الذي يحاصر قطاع غزة منذ سبعة عشر عاماً

، والذي لا يقل إجراما إطلاقا عن إجرام دولة الكيان الصهيوني؟.

 هذه الأسئلة كلها لا يستطيع أن يجيب عنها إلا أهلنا الغزيين الذين تُركوا في مواجهة الآلة العسكرية الصهيونية وحدهم، والذين يتجرعون الآن المذابح وألم الفقد وألم الخذلان وألم فقد النصير والمعين إلا الله عز وجل، بحيث أن هذا السجن الكبير الذي أنشأته دولة الاحتلال الصهيوني عام 1948 بدأ يتحول الآن من أكبر سجن في العالم إلى أكبر مقبرة جماعية في العالم.

لقد رأينا خلال الشهر الماضي المذابح والقتل واستهداف المستشفيات والمدارس ومقرات الأمم المتحدة والمجمعات السكنية الآمنة، كل هذا وما زالت دولة الكيان الصهيوني تجد كل دعم، وكل تقديم لروايتها من أمريكا والغرب سواءً كان بريطانيا أو فرنسا وألمانيا، ولا مُعين ولا مُغيث لأهلنا في قطاع غزة إلا الله، وحتى الآن لم ينجح الناشطون في إلزام أو إجبار الأنظمة العربية لفتح معبر رفح لإدخال المساعدات الإنسانية أو المياه الصالحة للشرب أو لإخراج مئات وآلاف الجرحى الذين يحتاجون العلاج خارج قطاع غزة المنكوب، وخارج هذه المقبرة الجماعية وخارج هذا السجن الكبير.

هل ستنجح دولة الاحتلال فعلاً في تنفيذ النكبة الفلسطينية الثانية لأهل قطاع غزة؟ وهل سيبقى العالم ينظر إلى هذه الجرائم دون أن يحرِّك ساكناً؟ أم هل نجحت المقاومة الفلسطينية فعلاً بإنهاء أسطورة الجيش الذي لا يُقهر؟ وهل سيبقى أهل قطاع غزه صامدون صابرون وسيحققون النصر تلو النصر حتى لو كانوا منفردين لا مُعين لهم ولا مُغيث لهم إلا الله عز وجل.