مخلص برزق

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (افْعَلوا الخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وتَعَرَّضُوا لِنَفَحاتِ رَحْمَةِ اللهِ، فإنَّ للهِ نَفَحاتٍ من رحمتِهِ، يُصِيبُ بِها مَنْ يَشَاءُ من عبادِهِ، وسَلوا اللهَ أنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وأنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ)

الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني- المصدر: السلسلة الصحيحة – الصفحة أو الرقم: 1890 خلاصة حكم المحدث: حسن

يقولون: يا ليت شعرنا.. علينا أن نمسك عن الطعام ساعات طويلة في حرٍّ قائظٍ مع غربة واغتراب!! وما دروا أن الطاعات إنما تلذ بكمال الاستسلام وطلب العون من الله المنّان ذو الجلال والإكرام.. ولله درّ صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد كانوا يدفعون وساوس النفس الأمارة بالسوء وتخذيلها عن العبادة بالذكر وكثرة الحوقلة. ثبت عنهم أنهم كانوا يرفعون هممهم ويحفزونها بالإكثار من “لا حول ولا قوة إلا بالله” التي جعلوها حداءهم ذكراً وإنشاداً وهم في طريق غزوهم وقتالهم صحبة نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم..

فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: لمَّا غزا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خيبرَ، أو قال: لمَّا توجَّهَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَشْرَفَ الناسُ على وادٍ، فرفعوا أصواتَهُم بالتكبيرِ: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلاَّ اللهَ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ارْبَعُوا على أنفُسِكم، إنكم لا تَدعونَ أصمًّا ولا غائِبًا، إنَّكُم تدعون سميعًا قريبًا، وهو معكُم، وأنا خلفَ دابَّةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فسمعني وأنا أقولُ: لا حولَ ولا قوَّةَ إلا باللهِ، فقال لي: يا عبدَ اللهِ بنَ قيسٍ. قلتُ: لبيِّكَ يا رسولَ اللهِ. قال: ألاَ أَدُلُّك على كلمةٍ مِن كَنزٍ من كُنوزِ الجنةِ قلتُ: بلى يا رسولَ اللهِ، فداكَ أبي وأمي. قال: لا حولَ ولا قوَّةَ إلا باللهَ. (صحيح البخاري)

لقد كان لديهم وعيٌ بأن الطاعات وإن عظمت وبلغت ذروتها -الجهاد في سبيل الله- فليس مناط الأمر في أدائها سوى توفيق الله تعالى وتيسيره لا الاعتماد على النفس، لذلك شرع لنا أن نردد خلف المؤذن وهو ينادي حيّ على الصلاة وحيّ على الفلاح، بلا حول ولا قوة إلا بالله، فلا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله، ولذلك أنشد حاديهم “عامر بن الأكوع” رضي الله عنه مستحضراً ذلك المعنى قائلاً في مسيرهم ليلاً إلى خيبر:

اللهم لولا أنت ما اهتدينا *** ولا تصدقنا ولا صلينا

فاغفر فداء لك ما اقتفينا *** وثبت الأقدام إن لاقينا

وهنا لابد من تذكر عدة أمور مهمة، فالذكر أيسر العبادات، ومن أجلّها وأفضلها، وعلى الرغم من أن حركة اللسان أخف الجوارح وأيسرها، حتى لو أن عضواً من الإنسان تحرك في اليوم والليلة بقدر حركة لسانه، لشق عليه ذلك غاية المشقة، بل لا يمكنه. ومع ذلك فقليل من الناس من يوفق لهذه العبادة العظيمة والمواظبة عليها، وبالمقابل فالجهاد في سبيل الله تعالى هو من أعظم القربات وأجلّها، وقد كتب الله علينا القتال وهو كره لنا، ومع ذلك فكثيرون حازوا قصب السبق إليه ونالوا أعلى المراتب بصدقهم لما عاهدوا الله عليه.

وأمر آخر يحسن علينا استحضاره في كل وقت وحين وبالأخص في أيام رمضان المباركة، ألا وهو قوله تعالى: “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” كي نتأدب مع الله ونحسن الظن به ولا تتحول طاعاتنا وعباداتنا وبالاً علينا كما أخبر صلى الله عليه وسلم في الحديث: (ربَّ صائِمٍ ليس لَهُ مِنْ صيامِهِ إلَّا الجوعُ، ورُبَّ قائِمٍ ليس لَهُ مِنْ قيامِهِ إلَّا السَّهرُ).

الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني- المصدر: صحيح الجامع – الصفحة أو الرقم: 3488، خلاصة حكم المحدث: صحيح

وما علينا إزاء ذلك النشاز المؤذي للنفس والأذن الذي يصور الطاعة ثقيلة والصيام عبئاً كبيراً إلا بالتواصي فيما بيننا باللجوء لله الرحيم الرحمن أن ييسر علينا الصيام والقيام وقراءة القرآن وغض البصر وحفظ اللسان في رمضان وسائر الأزمان وصية متحابين متآخين متناصحين كوصية الحبيب صلى الله عليه وسلم لحبيبه: (يا معاذُ ! واللهِ إني لَأُحِبُّكَ، أُوصِيكَ يا معاذَ لا تَدَعَنَّ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ أن تقولَ: اللهم أَعِنِّي على ذِكْرِكَ، وشُكْرِكَ، وحُسْنِ عبادتِكَ)

الراوي: معاذ بن جبل المحدث: الألباني- المصدر: صحيح الجامع – الصفحة أو الرقم: 7969، خلاصة حكم المحدث: صحيح

فالله جل وعلا هو المعين وهو المقصود وحده بالتيسير وما علينا إلا أن نخلص النية ونستحضرها ونبيتها قبيل حلول الشهر الكريم أن نصوم كل أيامه فريضة إلى الله تعالى، وأن نبيت النية أن نملأ نهاره بالذكر والتسبيح والتهليل، ونكحل أعيننا بالنظر في آياته وسوره وصفحات كتابه عسى أن يكون في ذلك العون والزاد على غض أبصارنا في فصل تكثر فيه الفتن وتزداد.

دعونا نبيت النية خالصة لله عزّ وجلّ بأن نبذل المال طيبة به نفوسنا تزكية له بإطعام الصائمين وإكرام المحتاجين والتوسعة على الأهل والمقربين.

دعونا نبحث عن التميز في أداء طاعتنا بالبحث عمّن يتقن قراءة القرآن ويصلي باطمئنان ويحسن الدعاء والابتهال بما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه والآل.

ليكن همنا الكبير ألا تضيع منا ساعات رمضان المباركة وأن نجتهد في الإحسان في أوله ابتغاء التوفيق للإحسان في آخره، عسى الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لقيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً ويختم لنا شهر رمضان بأعظم الأجر والغنيمة فلا نتحسر ولا نندم على فوات أيامه ولحظاته بعد أن تنقضي نفحاته وألا نكون من الغافلين عن كريم أعطياته..

جعلنا الله وإياكم من أهل العزمات والهمم العاليات ووفقنا وإياكم لحسن صيام شهر رمضان وحسن قيامه، اللهم وتقبل منّا صيامه واجعله كفارة لما سبق من ذنوبنا وعصمة فيما بقي من أعمارنا، وارزقنا أعمالاً صالحة ترضى بها عنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجعلنا فيه من المقبولين ولا تجعلنا فيه من المردودين، اللهم تقبله منا وأعده علينا سنيناً بعد سنين مجتمعين غير متفرقين يا أرحم الراحمين، وصلَّ الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.