خاص هيئة علماء فلسطين

         

16/1/2024

د. أحمد شحروري  عضو هيئة علماء فلسطين

المواجهة بين الحق والباطل فتنة ، فتنة للصادق بتمحيص صدقه ، وفتنة للمنافق بكشف زيف مظهره ، وفتنة للعدو بتتبير كبريائه وإساءة وجهه ، وما يهمنا نحن المدافعين عن الحق الواقفين في صف الله ورسوله هو أن نعصم أنفسنا من شر الفتن ما ظهر منها وما بطن ، فإن الوقوع في الفتنة يقصم الظهر ويودي بالثبات .

والمطلوب اليوم أن ننبه إلى جملة قواصم نحذرها عسى أن يعصمنا الله من الوقوع فيها .

–  من القواصم اختلاط النية ووقوع الغبش فيها ، فنحن ندافع عن حقنا لأنه دين ، إن عشنا بدونه هلكنا ، ولا تشفع لنا نية سوى فداء الدين بأرواحنا ، فلا نقاتل أحدا حمِيّة ، فلقد كان القتال يوما عروبيا فلم ينفع أصحابه ، وكان دفاعا عن زعيم أو حزب أو نظام حاكم فهوَت هذه اليافطات كلها وهوى أصحابها في مهاوي الضياع ، والقول الفصل عند حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم :”من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله” .

– من القواصم أن تحب الحياة حبا يجعلها بريدك إلى التبعية المورثة للذل والهوان ، ولقد نعى القرآن على يهود لسعيهم للبقاء :”ولتجدنهم أحرص الناس على حياة” أي حياة ، لأنهم يكرهون الموت فلا يهم بعد ذلك كيف تكون حياتهم !! ومن أدبياتنا قول أبي بكر لجنده : “احرص على الموت توهب لك الحياة” .

من أجل حب الحياة يخون الحاكم شعبه ، ومن أجل حب الحياة يفرّ الجندي من الزحف فيرتكب أكبر الكبائر ، ومن أجل حب الحياة يعمل الأنذال جواسيس عند عدوهم ، صغارا أم كبارا ، ومن أجل حب الحياة، أي حياة،  بقيت فلسطين محتلة منذ ست وسبعين سنة . 

– من القواصم التفريق بين مسقط رأسك وأي موطئ قدم هو حق للأمة كلها ، فإن سلم زرعك ونجا بيتك فمن بعد ذلك الطوفان ، والطوفان المنطلق يدافع عن الأقصى إنما يدافع عن كل ذرة تراب عربية وإسلامية ، ولن تكون لأحد نجاة إلا من بعد عزة الأقصى وانتصار قضيته ، والعصمة من هذه القاصمة ألا يتخلف عربي ولا مسلم عن نصرة هذا الطوفان ، فإن عنوان النجاة أن تصعد السفينة الناجية ، وإلا فإنه لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم .

– ومن القواصم هذا التآمر على بيوت الله بحجبها عن أداء رسالتها ، فإلى المساجد يعود الفضل في الإعداد ، وإليها كان الملجأ في النوازل ، والعالِم كان يقود العالَم انطلاقا من المسجد ، فأن يوضع لاصق على فم العالم فيُخشى من تعبئته للناس وإرشادهم إلى دورهم في المواجهة ، يحدث ذلك مجاملة للباطل وخشية من ردة فعله ، وكأن المعوقين لدور المسجد لم يقرؤوا كتابا ولا سنة ولا سيرة ولا تاريخ أمة ، كأنهم لا يعلمون أن الأمة المنحازة إلى بيوت ربها المستمعة إلى نبض علمائها لا يمكن أن تهون ، وأن الضياع كله في تفريط العلماء وفي بطش السياسة بهم وفي الحملة التي تدار لإسكاتهم وهي لا تحفظ أمن الأمة ولا ترعى هيبتها ولكنها تصب في صالح عدونا لا غير .

– ومن أفتك القواصم أن يعاني مثقفو الأمة من قصور في الفهم ، تجد أحدهم يحمل أندر الشهادات ويتبوأ أرفع المناصب وهو لا يكاد يميز بين عدو وصديق ، ولا يتبين له خطورة سلوك ولا تصوُّر ، وينظر إلى كثير من القصايا الخطيرة بسطحية تجنبه وجع الرأس المرحلي خوفا على منصبه أو وضعه الاجتماعي ، ثم يصبح أكبر فتنة لمن هم دونه في العلم والمنصب ، ولا عاصم من ذلك إلا تدعى الدولة إلى اصطفاء مسؤوليها بحيث يصلح كل منهم قدوة في مكانه ، معلّما لزملائه . لا تهزؤوا من طرحي ولا تعدوه مستحيلا ، فإن مما يكفل حدوث ذلك هو أن تأكل الدول صفعة قوية على وجهها من عدوها الخارجي بسبب أمثال هؤلاء لتصحو وتجري ما يلزم ، حدث ذلك لأغلب الدول الأوروبية التي استفاقت من صدمة اندحارها فألزمها ذلك التفاتة إلى تصويب مسار التعليم والتدقيق في اختيار الرجل المناسب في المكان الخطير .

القواصم كثيرة ، والعاصم واحد : “ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين” صدق الله العظيم .