خاص هيئة علماء فلسطين

         

د. محمود سعيد الشجراوي

في بداية هذا المقال لعلِّي أقول أن كلمه مخاطر متجددة في مدينة القدس تعني الكثير، فلعل الكثير منا سمع عن هذه المخاطر ولكن يحتاج أن يعرف معنى هذه المخاطر، فكلنا نسمع عن مجزرة هدم البيوت، وكلنا نسمع عن إبعاد الناشطين والمرابطين، وعن المنع من السفر، وعن التهويد وتغيير الهوية للمدينة المقدسة، ومحاولة السيطرة أو الانتصار في معركة السيادة التي يمكن أن تكون هي ملخص كل ما يجري في مدينة القدس، وسنحاول في هذا المقال أن شاء الله أن نوضح معنى كل مصطلح من هذه المصطلحات كالإبعاد عن المسجد الاقصى أو الإبعاد عن مدينة القدس أو المنع من السفر أو الهدم القسري وغيرها من المصطلحات والمخاطر التي يتعرض لها اهلنا الصامدون المرابطون في القدس والمسجد الأقصى المبارك.

مخاطر قديمة ومخاطر جديدة تهدد القدس والمسجد الاقصى المبارك، ولعل أهم المخاطر وأول هذه المخاطر التي تهدد القدس في المسجد الاقصى المبارك هو الخطر الكبير الذي يمكن أن يستوعب كل أنواع المخاطر الموجودة أصلا في القدس والمسجد الاقصى المبارك ويتعرض لها أهلنا المرابطون الصامدون في فلسطين المحتلة وفي القدس وهذا الخطر هو أصل وجود المحتل؛ أصل وجود الاحتلال هو الخطر الاكبر وهو الخطر الاشمل الذي يمكن أن نرجع إليه كل المخاطر التي سنتكلم عنها في هذه المقال.

ولعل من المخاطر أيضًا العقوبات التي يتعرض لها المقدسيون، فالمقدسيون يتعرضون لأنواع من العقوبات ليست موجودة في كل الدنيا إلا في القدس، فيندر أن تسمع أن أحدا أُبعد عن مكان عبادته إلا في القدس؛ فيتم إبعاد المرابطين والنشطاء والرموز والقادة والقدوات، يتم إبعادهم عن المسجد الاقصى المبارك كعقوبة، وهذا يعني أن الاحتلال يمارس الإرهاب ضد النشطاء وضد المقدسيين فيمنعهم من أداء العبادة في مكانها الطبيعي أو يمنعهم من دخول المقدسات الإسلامية وعلى راسها المسجد الاقصى المبارك، وأنا لا أعلم أن هذه العقوبة موجودة في أي مكان آخر في الدنيا إلا في القدس، ولعل إبعاد الرموز عن المسجد الاقصى المبارك هو عقوبة فردية، فحين يُمنَع أحد من دخول المسجد الاقصى المبارك فهو الذي يحرم من أداء العبادة كما يجب وكما يحب ويتمنى، ويُمنع من دخول المسجد الاقصى المبارك، فهي عقوبة خاصه به لكن هنالك عقوبات متعدية تُؤثر على غير المُعاقَب كالإبعاد عن المدينة، والإبعاد عن مدينة القدس المحتلة عقوبة جماعية حتى لو كان الذي يُعاقب أو الذي يُنفذ بحقه الإبعاد هو شخص واحد فقط، فهذه العقوبة تتعداه فتتأثر أُسرته؛ ويُحرم هو من رؤية والديه وزوجته وأولاده وأحفاده احيانًا، وهذا يعني أن هذه العقوبة عقوبة متعدية تؤثر على دائرة كبيرة جدًا، وأيضًا أنا لا أعرف اذا كانت هذه العقوبة موجودة في غير دولة الاحتلال المجرم، فلم يسبق لي أن سمعت عن هذه العقوبة إلا في دوله الاحتلال المجرم واحيانًا حين يكون المُبعد أيضًا أحد علماء القدس؛ كفضيله الشيخ الدكتور ناجح بكيرات فالأذى هنا يتعدى دائرة الأسرة؛ كالزوجة والأبناء والأحفاد والأخوة والجيران أيضًا، بل والمعارف الى حرمان المصلين من الاستماع إلى دروسه في المسجد الاقصى المبارك، وأيضًا يحرمه من أداء وظيفته وواجبه فهو مثلًا مساعد مدير عام مديرية الأوقاف الإسلامية في القدس وأحد أعضاء ومجلس الأوقاف الاسلامي في القدس.

أيضًا من العقوبات الموجودة في الكيان الصهيوني وهي عقوبة المنع من السفر؛ وعقوبة المنع من السفر أيضًا هي عقوبة متعدية، مثلها مثل الإبعاد عن مدينة القدس، فيتم حرمان الآخرين من الاستفادة من رؤية الممنوع من السفر أو من مشاركة المبعد من التواصل، فمثلا حين يُمنع أحد علماء القدس كالشيخ ناجح بكيرات أو الشيخ عكرمة صبري أو المرابطة هنادي الحلواني من السفر خارج القدس؛ فهذا يعني حرمانهم من المشاركة في مؤتمرات أو ندوات أو ملتقيات هم يتكلمون فيها عن قضية القدس والمسجد الاقصى المبارك، فبالتالي إذا عاقبهم الاحتلال بالمنع من السفر كأن هذه العقوبة أصبحت متعدية وآثارها تصل الى خارج حدود فلسطين، كذلك تصل إلى كل الذين كانوا سيشاركون بهذه الملتقيات والمؤتمرات فيتم حرمانهم من هذه المشاركات النوعية ووجود المقدسيين بينهم، ولعل أن يقول قائل عقوبة منع السفر موجودة في أكثر من دولة، نعم نعم صحيح؛ ولكنها تستخدم بقرار من المحكمة ولا يتم فيها استخدام العنصرية والانتقائية في القرار باعتباره عقوبة.

ومن العقوبات المستحدثة في القدس تحديد مسار التحرك يعني لا يتم إبعاد الشخص عن مدينة القدس المحتلة، ولكن يمنع من الخروج من بيته الا بطريق يرسمه له الاحتلال يعني اذا أراد أن يخرج من حيه لابد أن يخرج ضمن شوارع محددة، يُحددها له الاحتلال ومسار مُحدد مُسبقا حدده له الاحتلال، ومن العقوبات العجيبة أيضًا في القدس؛ عقوبة الحبس المنزلي، والحبس المنزلي هو اعتقال يتحول فيه بيت الإنسان وعُشهُ الدافئ يتحول الى سجن، فيتم منع المقدسي سواء كان رجلًا أو امرأة من مغادره المنزل، ويصبح أهله سجانوه، فيمارس الأب والأم ويمارس الابن والبنت احيانًا على الرجل أو على البنت دور السجان، فيمنعوهم من مغادره البيت امتثالا لأمر الاحتلال، والحبس المنزلي قد يكون أيامًا وقد يكون اسابيعَ وقد يمتد الى شهور، الى سته أشهر أو حتى إلى سنة كاملة، يُمنع فيها المقدسي من مغادرة المنزل، وبذلك يكون الاحتلال قد نفذ الحبس فعلًا على المقدسي ولكن دون تكلفة.

ومن العقوبات أيضًا في مدينة القدس ومن المخاطر الكبيرة التي يتعرض لها المقدسيون؛ مجزرة هدم البيوت؛ مجزرة هدم البيوت التي يتعرض لها بيوت المقدسيين بواقع منشأة كل يوم بمعنى أن إحصائية العام الماضي كانت بمعدل هدمُ منشأة كل يوم، بمعنى أن يتم هدم أكثر من 300 منشأة في العام الماضي، وفي هذا العام أظن أن هذا الرقم سيتجاوز  500 إلى 600 منشأة؛ بمعنى أنه سيتحول الى منشأتين كل يوم؛ بحيث يهدم الاحتلال شقتين أو بيتين أو ورشتين أو مكانين للعمل للمقدسيين كل يوم، وهذا يعني تشريد عائلات مقدسية وتنفيذ الترانسفير الذي يخطط له الاحتلال ولكن باسلوب خبيث، وبأسلوب غير مباشر، يعني هو لا يطرد المقدسي من القدس ولكن يقوم بهدم بيته فحين يهدم البيت يُضطر للمقدس طبعًا إمَّا إلى استئجار منزل بمبلغ باهظ، أو أن يغادر القدس إلى مدينة أخرى، يكون فيها التكلفة عليه أقل، ولكن العقوبة الأخطر في مجزرة الهدم هي العقوبة التي يسميها الاحتلال زورًا وبهتانًا بالهدم الذاتي؛ والهدم الذاتي هو عملية إجبار المقدسي على الهدم القسري بمعنى أن الاحتلال يجبر المقدسي على أن يهدم بيته بيده،

والهدم القسري هذا يُقدمه الاحتلال في الإعلام ويتساوق معه للأسف الشديد عدد كثير من الإعلام العربي؛ بحيث يُقدم على أنه هدمٌ ذاتيٌ، وهذا المصطلح الهدم الذاتي مصطلح خطير لأن الذي يقرأه يظن أن المقدسي يهدم بيته بإرادته، يعني كأننا نقول أن فلان المقدسي هذا استيقظ صباحًا فوجد في نفسه رغبة شديدة أن يهدم بيته، وهذا الكلام طبعًا غير صحيح؛ بل هو هدمٌ قسريٌ بحيث يُجبر المقدسيُّ على أن يقوم بهدم منزل أحلامه وعشه الذي بناه بعرقه وبدمه وبدم أبنائه أيضًا، وبلقمه عيشه ولقمه عيش أبنائه، بنى بيتًا ليؤويه ويؤوي أبنائه معه، فيُضطر المقدسيُّ لهدم هذا البيت بالإجبار والإكراه؛ لأن الاحتلال سيفرض عليه ضرائب باهظة جدًا اذا قام الاحتلال بهدم البيت، فمثلا إذا كان هدم البيت بيديه مثلا سيكلفه 500 دولار أو 1000 دولار فإذا قام الاحتلال بهدم نفس البيت بنفس الكيفية سيواجه فاتورة الهدم التي تتجاوز 20 ألف الى 30 ألف دولار أجرة الآليات الضخمة التي استخدمها المحتلُ لهدم البيت بل تتضمن الفاتورة وجبات طعام للجنود الذي قدموا لحراسة الآليات التي تهدم البيت ووجبات حتى الكلاب التي ترافق الجنود.

ولعلي اضيف أيضًا خطرًا جديدًا قديمًا موجودٌ في القدس وهو خطر الاستيطان؛ فحين تدَّعي منظمات الاستيطان مُلكيتها لأحد بيوت المقدسيين؛ وهي ليست مضطرة أن تقدم دليلًا على ذلك، فيكفي أن تبحث في دائرة الأراضي عن البيوت التي ليس فيها سند طابو واضح وتتقدم بأنها تملك هذا البيت، وترفع قضية للمحكمة أن الفلسطيني الساكن في هذا البيت هو معتدي، يعني يسكن هذا البيت دون وجه حق، وتستصدر منظمات الاستيطان قرارًا من المحكمة بالاستيلاء على هذا البيت إن لم يقدم صاحبه أوراقًا كافية تقنع المحكمة بملكيته لهذا البيت، واذا كنا نعرف أن 70نسبة ليست قليلة من بيوت القدس هي بيوت موجودة قبل الاحتلال، وقبل وجود دولة الاحتلال وفي ذلك الوقت لم يكن الفلسطينيون يحرصون على اقتناء أوراق الطابو العثمانية أو البريطانية التي كانت موجودة، وكان يضطر المقدسيُّ أن يدفع مبالغ ضخمة لاستخراجها فأهمل كثير من أهلنا الفلسطينيين ذلك.

ولعلي في ختام هذا المقال أؤكد على أن هذه المعركة في مدينة القدس مع الاحتلال هي معركة بين الحق والباطل وهي معركة ليس فيها إلا لونين؛ لونٌ أبيضٌ ناصعٌ ولونٌ أسودٌ لا مكان فيها للألوان الرمادية، ولا مكان فيها أيضًا للحياد؛ فإما أن تكون مع الحق وإما أن تكون مع الباطل، وكل من لا يقف مع الحق المقدسي هو عمليًا يساعد الاحتلال في تهويد القدس، ويسكت عن الجرائم والمخاطر الكبرى التي يتعرض لها المقدسيون وتتعرض لها مدينة القدس المحتلة ويتعرض لها اكبر أسرانا المسجد الاقصى المبارك.

كتبه د. محمود سعيد الشجراوي

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

عضو هيئة علماء فلسطين