خاص هيئة علماء فلسطين
7/8/2024
كلمة الدكتور نواف تكروري رئيس هيئة علماء فلسطين في رحيل القائد المجاهد إسماعيل هنية تقبله الله في الشهداء:
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ الأحزاب23
في وداع قائدنا وحبيبنا المجاهد أبو العبد هنية رحمه الله تعالى وقد أوجعنا وآلمنا المصاب فنقول ما علّمنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا أبا العبد لمحزونون ولكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا عز وجل “إنا لله وإنا إليه راجعون” .
ونعلم أن طريقنا صعب وشاق ومحفوف بالتضحيات ولكنه موصل إلى الغاية المرجوة بإذن الله تعالى
عزاؤنا بمصابنا هذا الجلل أن الآجال محتومة لا تتقدم ولا تتأخر ولكن الله يصطفي من عباده خلقا يخصهم بالشهادة في سبيله، ويختارهم لعظيم رضوانه تعالى وإننا موقنون بأمر الله تعالى أنك ممن اصطفاهم الله تعالى وخصهم بشرف الشهادة في سبيله هذا دعاؤنا ولا نتألى على الله سبحانه.
وعزاؤنا يا أبا العبد أنك كنت جاهزا للقاء الله تعالى -كما نحسبك- بذلا وتضحية وعلما، ولديك ما تقدمه بين يدي مولاك من الجود بالغالي والنفيس وتقديم الأولاد والأحفاد والذين نسأل الله تعالى أن يكونوا مع مستقبليك ووفود تهنئتك بإنهاء مهمتك الجسدية الشاقة التي انبريت لها مع استمرار الأثر، والأجر جار بإذن الله تعالى ، فإن المرابط والمجاهد والشهيد -وقد اجتمعت فيك- ممن تجري لهم أعمالهم بل تنمى لهم، فقد تعب الجسد وآن له أن يستريح بعد بذل استمر عقوداً بلا انقطاع ولا تراجع.
ومما يهوّن ألم الفقد أنك لاقيت ما تحب وما دعوت به طيلة عمرك، وما تمكن أعداؤك من قهرك ولا عملاؤهم من أن يحملوك على ما تكره وترفض وتأبى من التنازل والانصياع للمجرمين والخضوع في مواجهة طغيانهم وعدوانهم ، فقدموا لك ما تحب ومنحوك الجائزة التي تريد وتسعى لها لمَّا عجزوا أن يأخذوا منك ما يحبون.
فلا والله ما نالوا إلا من جسد خُلق ليفنى وارتقيت بروح خلقت لتبقى وتكرم في دار الخلود بإذن الله تعالى.
وممّا يبعث فينا الصبر أنك ما غادرت إلا بعد أن أصبحت قيمك وآراؤك فينا راسخة يحملها إخوانك وأبناؤك وأحبابك جميعا، فقولك لن نعترف بإسرائيل، بعد أن نطق بها لسانك ووقعت عليها بدمائك الزكية فهيهات أن تمحى من عقولنا مهما كانت التضحية والفداء.
فاليوم نؤكدها على أثرك ومن بعدك لن نعترف بإسرائيل، وثابتون على الثوابت التي صارت فينا راسخة بقدر ما رددتها.
ومما يمدّنا بالقوّة والعزيمة أننا وجدناك تناولت الراية برجولة وفداء عندما غادرنا شيخك وشيخنا الياسين وحبيبك وحبيبنا الرنتيسي وقوافل القادة من الشهداء الذين سبقوك.
وجدناك في تلك الظروف العصيبة وثلة من إخوانك وأحبابك فما وقعت الراية من بعدهم بوجودكم، ويقيننا أن الراية التي رفعت لن تسقط بفراقك بل إنك قد تركت فينا قادة هم للأمانة حاملون وعلى حفظها والانطلاق بها كما تحب قادرون.
عزاؤنا أنك اليوم بإذن الله تعالى قد اجتمعت مع أحبابك وأشبالك وإخوانك وأبنائك وأحفادك، وعساك بإذن الله تعالى قد التقت روحك الطاهرة بحبيبك وقرة عينك وأسوتك وأسوتنا محمد صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الكرام أبي بكر وعمر وعثمان وعلى ومن تبعهم بإحسان.
ومما يربط على قلوبنا أنك كنت تعلي شأن الجهاد والمجاهدين ولعلك اليوم مع قادة الجهاد على مدار الزمان خالد وسعد والقعقاع وأسامة وعماد الدين ونور الدين وصلاح الدين وقطز والظاهر بيبرس والفاتح وابن زياد وابن تاشفين والملا عمر وغيرهم تجتمع بهم تحدثهم عن الجيل الذي قدت، والتضحيات التي قدمت والتطورات التي وقعت في جهاد فلسطين وغيرها وربما تسمع منهم أضعاف ما قرأت في التاريخ .
تذاكرهم أيام بدر وأحد والخندق والقادسية واليرموك وأجنادين والزلاقة وحطين وعين جالوت وهوان الأمة وتراجعها ثم بوادر نهضتها وقومتها.
وعزاؤنا أنك كنت تقدر العلماء فاليوم بإذن ربنا أصبحت مع كبرائهم من الأئمة الأربعة وغيرهم من أمثال العز بن عبد السلام وابن تيمية وآق شمس الدين والقاضي الفاضل والقسام والياسين، وعبد القادر الجزائري وعمر المختار وعبد الله عزام وغيرهم.
عزاؤنا أننا على يقين بالله تعالى وبكرمه أنك تسأل القادمين من الشهداء بعدك عن يوميات الطوفان وأنت ربما تكون صرت على علم من الله بموعد الانتصار تترقب كل قادم لتتلقى أخبار الطوفان وتطوراته وانتصاراته وتضحياته الجسام.
وتسأل عن أخبار الأمة أما زالت تكتفي ببعض النقود تقدمها هنا أو هناك ويغلب عليها الوهن والخذلان أم أن شهادتك قد جعلتهم فعلاً يفكرون كما طالبتهم مراراً بالتفكير خارج الصندوق، وأظن أنه ما زال لم يصلك من ذلك خبر جديد، ولكني على يقين بأن الأيام القادمة ستحرك هذه الأمة التي لم تتحرك بما يليق خلال عشرة أشهر تامة إلا بالكلام وما هو مسموح لها من أنظمة وحكام باعوا أنفسهم للشيطان، وكلي يقين أن دماءك الزكية بدأت تحرك شبان الأمة نحو وعي جديد ، وإن كلماتك القوية ودعواتك الصادقة للأمة وعلمائها وشعوبها ومفكريها أن يفكروا خارج الصندوق وأن يبدعوا آليات جديدة سوف تلقى تفاعلا جديداً، ولعلها تصلك أخبارنا على خير مما تركت، ولي أمل عند الله تعالى ورجاء أن أكون أحد حاملي هذه الأخبار السارة إليك وإلى شيخنا الياسين وأحبابنا وقادتنا السابقين، بل إلى سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم صاحب المسرى خبراً ساراً عن مسراه وكيف هزم الصهاينة وحلفاؤهم وعملاؤهم على أبوابه، بعد هزيمة نكراء وعلى أرض غزة العزة، وكيف توافدت جموع الشباب من شتى البقاع حاملة سلاحها تبيد هذا العدو وتطارد جموعه وتطهر الأقصى من دنسه.
لعلي انقل لكم هناك في دار الخلود قريبا كيف صار الشباب بعد شهادتك في بلدانهم المطبعة مع العدو الصهيوني لا يلاحقون جنود العدو ومستوطنيه بالموت حيث حلوا وحيث ارتحلوا لا يعبأ هؤلاء الشباب بحكامهم وهوانهم وتطبيعهم ولا يعترفون باستسلامهم ولا يرتبون عليه أي امان للصهاينة في بلاد المسلمين وصاروا يرون حقهم بل واجبهم مطاردة هذا العدو بلا قيود ولا حدود، وكيف أدرك هذا العدو أن لا بقاء له على أرضنا ففر هو وجنده، وضاقت به الدنيا واقتلع من أرضنا ومن على مقدساتنا.
آمل أن أكون أحد من يحملون لك هذه الأخبار وقد التحقت بك على نفس الطريق، ولعلي أخبرك يومها بثمن باهظ دفعه العدو من قياداته وجنوده لاستهدافك واني قضيت بهذا الدرب على وجه أرهق العدو ثم بأن خلفنا أحبابٌ على الطريق يخبروننا بزوال الاحتلال وتحقيق النصر، وتساقط طغاة الأمة صنماً بعد صنم وتحقيق عودة الأمة لعهدها، ويكون ذلك مناسبة احتفال في الخلود لنا يتقدمنا حبيبنا محمد والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأتباعهم جميعاً بما في ذلك سيدنا موسى وعيسى عليهم السلام فهم منا ونحن منهم.
وما هؤلاء المجرمون والقتلة من أدعياء اليهودية والمسيحية لأنبيائهم بأتباع، وإنما قد حرفوا الكلم عن مواضعه، ومن بعد مواضعه واتبعوا غير ما جاء به أنبياؤهم.
وفي ذلك الاجتماع تأتينا أخبار القتلة من الصهاينة قادةً وجنداً كيف تساقطوا أمام ضربات أبنائك وإخوانك المجاهدين، يومها تأتينا السعادة في كل لحظة تمر، فضلاً عن سعادة النعيم المقيم يوم قدومي إليك، نتعانق يومها بإذن الله في دار الخلود وأعانق أحبتنا الذين سبقتني لعناقهم، بعد أن حيل بيننا وبين نظرة وداع لك بعد استشهادك نظرا لما لقيه جسدك الطاهر في سبيل الله.
يومها تكون الحقائق بيننا أكثر وضوحاً، إذ تبلى السرائر وتكشف الحقائق، وتأتينا مغفرة الله ورضوانه وقد سبقتني إليها ونجتمع بالشيخ أبي محمد صالح ولا يكون إلا الصفاء والوفاء.
هنيئاً لكم، وعلى أحر من الجمر شوقاً لكم بلا تبديل بإذن الله تعالى، اللهم ثبتنا وأنعم علينا بنعمة الشهادة التي تغيظ الأعداء وتقهر بها الجبابرة، إنك ولي ذلك والقادر عليه، يامن أنعمت على إخواني قادة وجنداً ولا تحرمني فضلاً اشتقت إليه، اللهم إني أسألك الطمأنينة والرضا بعطائك وهيئني إليه.
اللهم اجعل ما يضيع من أجزاء جسدي في رضوانك وجميل عفوك، واغفر لي ما وقع مني في عمر مليء بالهفوات والزلات.
اللهم ارحم أخانا الحبيب أبا العبد إسماعيل هنية وأخانا الشيخ صالح العاروري، ومن سبقهم، ومن لحقهم من القادة والجند والرجال والنساء والأطفال والمجاهدين في مواجهة العدو الصهيوني وكل ألوان الطغيان، اكتب لهم قبولاً ورضى منك واجمعنا بهم في مستقر رحمتك إنك ولي ذلك والقادر عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.