2/6/2025 ‏

د. عمر الجيوسي ‏

نقلاً عن الجزيرة نت: https://aja.ws/civwco

التجويع سلاح يفتك بالجميع، وكأنه فيلم بالأسود والأبيض … يلخص كل مآسي الحروب السابقة في بقعة ‏تلخّص كبائر القصف … وأكثر الأسلحة تحريما وتجريبا وفتكا … وأحقر خطط تهجير وتجويع الجميع … ‏يوزعون كل ذلك على أهل غزة ، بالتساوي …‏
في غزة … من يسمع صوت الصاروخ ، يعرف أنه حيّ ، ومن لم يسمعه ، فقد كُتبت له شهادة وفاة …‏
‏ في غزة الآن … لا تكاد ترى غزة … ‏
بقايا بيوت مقصوفة و خيام محروقة …عائلات بلا مأوى ولا طعام ولا دواء ولا كهرباء ولا ماء نظيف ، ولا ‏ماء للتنظيف ولا استحمام… ‏
أمراض توزعها روائح وقمامة … بعوض وذباب وزواحف… النوم ممنوع مرضا وقصفا وحرقا ، وجوعا
‏ إذا … هي حرب تجويع وحشية … المجاعة سلاح فتّاك … تستهدف قصف شريين الحياة من آبار ‏ومزروعات …‏
على الهواء مباشرة قصفت المخابز وتكايا الطعام إذ كانت الملاذ الأخير لآلاف الأسر الجائعة… يُقصف ‏المتطوعون … تختلط صلصة الطماطم بدم العاملين عليها…‏

تجويع لأجل التهجير

في غزة … العشرات يموتون جوعا رغم آلاف المنظمات العالمية وشاحنات وسفن المساعدات العاجزة عن ‏المساعدة
في غزة … يبحثون طويلا وسط الدمار عن حطب … وأحيانا من تكسير أثاث بيوتهم أو من بقايا ملابسهم ‏‏… ثم يبحثون عن وسيلة لإيقاد نار طبخ … وقد لا يجدونها إلا من بقايا شعلة تركها صاروخ القصف. …‏

أوزان الناس تتدهور إلى النصف وأكثر.. وانتظار خبر الوفاة من سوء التغذية مرجّح… طواقم طبية وإعلامية ‏وإغاثية، منهكة شاحبة. مفقودون تحت الردم ماتوا جوعا ويأسا ولم يسمعهم قريب ولا أقارب. .. الأقارب ‏يزيلون الردم بمشاعر مخدرة …عيون لا تجد ما تذرفه.‏
ممرضون يلجأون لاختراع محلول ملحي، بسحق البطاطس وصنع سائل مؤقت للتغذية الأنبوبية.‏
وعلى هامش الحياة… أطفال رُضّع تناثروا وسط ركام القصف … التصق نِثارُهم بالجدران… أطفال صاروا لحم ‏شواء يجذب سادية الجيش المسعور… جيشُ عدوٍ بربري يملك مِكبس تجويع مميت. ‏

طوابير من الوجوه الشاحبة والهياكل العظمية تنظر في قدور فارغة… حرب وحشية مبرمجة لتهجير من بقي ومن ‏يستطيع المشي باتجاه واحد، يحدّده اتجاه رصاص العدو.‏

مزيج من التصريحات ومزيد من التجويع ‏
مع أن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ينص على أن “تجويع المدنيين عمدا وعرقلة الإمدادات ‏الغوثية ، يشكل جريمة حرب”.‏
إلا أن وزيرا في حكومة العصابات الصهيونية وباحتقار للقوانين الدولية ، يقول: تل أبيب لن تسمح بإدخال ‏حبة قمح واحدة إلى قطاع غزة .‏
ووزير دفاع الفاشية الصهيونية يقول: “فرضنا حصارًا شاملاً على قطاع غزة. لا كهرباء.. لا وقود.. لا ماء.. لا ‏طعام.. كل شيء مغلق”. “نحن نقاتل حيوانات بشرية ونتصرف بناء على ذلك” .‏
ذات مرة … ومع شدة المجاعة استيقظ ضمير جيش العدو ، فسمح بإرسال شاحنة استهزاء وشماتة … شاحنة ‏مليئة ب( أكفان الموتى) …‏
وذات مرة … وفي نشوة هستيرية يقوم العدو بقصف سفن المساعدات الغذائية والطبية داخل أوروبا ، رغم أنه ‏يعرف أن هذا ( إرهاب ) داخل العزيزة أوروبا .‏
ويبلغ جيش الاحتلال الإسرائيلي قمة الاحتقار للأعراف المعمول بها عالميا حين يقصف ويقتل مجموعة من ‏العاملين الأمميين في منظمة المطبخ المركزي العالمي ‏World Central Kitchen؛ فيفرح جيش العدو ‏بردة فعل هذه المنظمة وغيرها من منظمات الغذاء والمساعدات حيث قامت بتجميد عملها في غزة؟! ‏
لا غرابة …فهو عدو لئيم يستخدم سلاح تجويع الجميع … يدوس المجتمع الدولي ومؤسساته… ‏
المجوّعون والموجوعون في غزة يصرخون : “تصريحات وقلق مدراء المنظمات ( الإنسانية ؟) لا تسمن ولا تغني من ‏جوع… فليحتفظوا بتصريحاتهم الباردة التي تغري الاحتلال بالمزيد والمزيد من الجرائم والتجويع “.‏
المفوض السامي في الأمم المتحدة فولكر تورك يصف سلاح التجويع بأنه “يرقى؟” إلى مستوى “العقاب؟” ‏الجماعي، و”قد يصل؟” إلى حد استخدام التجويع كـ”أسلوب؟” حرب.‏
هل تعلم يا حضرة المفوض السامي أن البنك الدولي يعتبر أن 100% من سكان القطاع يعيشون تحت خط ‏الفقر ؛ وأهل غزة يقولون لك : إننا كلنا تحت خط الموت ، جوعا. ‏

كواليس … على الهواء مباشرةً ‏
مؤلم جدا أن يولد في الحرب سبعون ألف طفل… ويتعرضون لأمراض مزمنة وسوء التغذية حادّ … بلا مناعة ‏من جوع ، وبلا خوف من قصف …‏
مؤلم جدا … امرأة في حالة وضْعٍ تُركت وحيدةً … اتخذت مكانا قصيا عمن فقدتهم… لا زمزم تحت أقدام ‏الصغير… صوتها الواهن لا يكفي لنداء من تساعدها… مولودها يخرج وهو يعاني من وهن العظم ، ووهن ‏العضلات.‏
وما أشد حسرة أمهاتٍ يعانين سوء التغذية ولا يستطعن الإرضاع… وكأن الموسم في أثداء الأمهات … دماء

حصار عربي … إغلاق معابر غزة ومساعدات للعدو
مع أن جولة في تاريخ المجاعات في بلادنا العربية (ومنها : مجاعة بلاد الشام 1915م ومجاعة المغرب 1944م ‏ومجاعة الصومال 1992 ومجاعة السودان 1998 والمجاعة الحالية ) يجد أن الاستعمار أو تجار الحروب ، هم ‏وراء هذه المجاعات .‏
‏ لكن ما يحصل في غزة هو حرب تجويع تجاوزت الدرجة الخامسة ، وهي الأكثر خطورة في مؤشر ‏IPC‏ ‏‏(التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي) … يعني أنها تجاوزت مرحلة سوء التغذية الحادّ، ومرحلة الأمن ‏الغذائي المزمن.‏
فطوفان من الصور الصادمة وفيديوهات البثّ الحي تخاطب الضمير الغائب في الأنظمة العربية ذات المعابر ‏والمنابر … وتخاطب الضمير المنفصل عن الصوت المكبوت لبقية حكومات كانت تسمح بالتعاطف مع حرب ‏التجويع … ثم تابت وصبأت وانصاعت لأوامر أبرهة الأشقر … وظلّوا يتزاحمون ويتسابقون لرضى (كابينت) ‏البيت الأبيض… جهرا وجهرا. ‏
ورغم أننا نرى دم أهل غزة المراق على وجوههم ؛ فإنهم لا يستطيعون رفع أصبع الاعتراض أو الانسحاب ‏لخمس دقائق من محور ( العالم الحر؟ ) !!‏
أو حتى مقايضة دخول شاحنات المساعدات المتكلسة بوقف تدفق سلاسل الغذاء للجيش الإسرائيلي عبر ‏أراضينا ، العربية.‏
وتكون الصدمة والغيبوبة معا : حين نرى ( حكومات من بلاد العرب أوطاني ، تقوم بدور الحبل السري الذي ‏يوصل سلاسل الغذاء والذخيرة لجيش عدوها الذي يهددها ) ‏
ويا ليتها تدرك هذه الحكومات ـ ولو بعد فوات الأوان ـ أنها بحكم قانون محكمة العدل (شريكة في الإبادة ‏الجماعية).‏