خاص هيئة علماء فلسطين
(رد على تساؤلات حول جدوى الصمود والضرر الغير محتمل)
✍ نايف قرموط – فلسطيني من غزة

8/7/2025
👈 مقدمة:
كتب الله لي أن أكون شاهدًا على ما يمر به شعبنا في غزة، وقد تلقيت تساؤلات كثيرة من أحبة صادقين يتألمون للدمار والقتل والتشريد والجوع وضياع المستقبل، يسألون: «ما جدوى كل هذه التضحيات؟ أليس من الأفضل أن نعيش بسلام مهما كان الثمن؟ وهل ما نقوم به حلال أم حرام؟».
وهذا المقال أكتبه ردًا على هذه التساؤلات الصادقة، لأبين لهم ولكل مهتم لماذا نواصل الطريق رغم الألم، ولماذا تبقى الكرامة والحرية والوطن أهم من كل شيء، رغم مرارة الثمن وثقل التضحيات.
👈 أنا فلسطيني من غزة ولست رئيس تنظيم، عندي رؤيا دينية ووطنية: الوطن يلزمه تضحيات، وتضحيات شعبنا قبل السابع من أكتوبر أكثر بكثير، وضاعت التضحيات وضاعت القضية، والعالم العربي والغربي والكل تجاوزونا.
👈 الله سبحانه وتعالى أمرنا بالجهاد فقال: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}، وقال: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}، وقال: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}.
👈 والشواهد القرآنية كثيرة، وليكن بعلمك أن تفسير {وأعدوا لهم ما استطعتم} لا يطلب منك أن تكون بقوة عدوك، ومقاومة غزة أعدّت أكثر من استطاعتها، كما رأيت يا أخي العزيز، وكيف تزلزل ليس الكيان وحده بل مناصريه من العرب والغرب، وحتى بعد 21 شهرًا ما زال رجال المقاومة في الميدان أسودًا بأفعالهم التي تربك الأعداء.
👈 هذا جانب مهم جدًا كمقدمة لكثير من الاستفسارات التي ذكرتها: الواعظ الديني يجبر المسلمين على الإعداد وقتال الكفار، فكيف إن كانوا محتلين لأرضنا، مغتصبين لمقدساتنا، ناهبين مقدرات شعبنا، والواعظ الوطني لسان حاله المثل: (ما بحرث الأرض إلا عجولها، وما بيحارب الأعداء إلا الثوار، وما بيحرر المقدسات إلا الدم).
👈 تتباكى على الدمار والقتل والتشريد والتجويع، وأنا أتألم من الدمار فبيتي تدمر، وأتألم على استشهاد عشرات الآلاف وبعض أبنائي بينهم، وأتألم على ضياع أرضي، وأتألم على مستقبل أبنائي وأحفادي الذين بلغ عددهم فوق السبعين، ورغم كل ما مر به شعبنا وأنا واحد منهم.
👈 أسألك أخي الحبيب: من دفع ثمن حرب اليابان وفيتنام وألمانيا وروسيا؟ كم عدد القتلى في الحرب العالمية الثانية؟ أذكرك بعدد قتلى الحرب حينها: 72 مليون قتيل. كم عدد شهداء الشعب الجزائري والليبي والسوري والمصري؟ أقول لك: أكثر من 5 ملايين شهيد، والدمار الذي حل بالبلاد عربًا وعجمًا، ومدن كثيرة أبيدت لسكانها، واسأل هيروشيما ونجازاكي.
👈 تتباكى على مستقبل الأبناء ومتى نستطيع إعادة بناء غزة؟ كانت غزة عروسًا جميلة، مدينة متألقة، الجامعات والمدارس والقصور والأبنية العالية والسيارات الحديثة والمطاعم الفاخرة والتجارة المتقدمة والصناعة، وشواطئ غزة وشوارعها ومنتزهاتها، وكل شيء فيها روعة، وكان ينقصها أن تكون وطنًا بحريتها، وطنًا بإرادتها، وطنًا باستقلالها، وطنًا بالتمتع بمقدراتها البرية والبحرية، وطنًا بجيشها، وطنًا بأمنها، وطنًا بوطنيتها على أرضها المغتصبة.
👈 ولأننا فقدنا مواصفات الدولة السابقة الذكر، فقدنا غزة المدينة الرائعة الجوهرة الفخمة، فقدنا غزة المباني والمدارس والجامعات والمستشفيات بما فيها من تقدم حضاري وتكنولوجي؛ لأننا في فلسطين ليس لنا دولة، ليس لنا حرية، ليس لنا حقوق.
👈 فإقامة الدولة الفلسطينية أهم من إعمار المباني وإن كانت مهمة، أهم من مستقبل الأشخاص فالوطن أهم من الأشخاص وإن كان الأشخاص مهمين لصناعة الوطن، فالشهادات والمباني والحضارة لا تحرر أرضًا.
👈 انظر إلى رجال المقاومة اليوم وبطولاتهم وعظمتهم وتضحياتهم، لم يتخرجوا من الكليات العسكرية ولا الجامعات الأمنية، وإنما تسلحوا بسلاح الانتماء إلى الدين وتحرير الوطن من رجس الأعداء.
👈 واعلم يا أخي أن ما بعد تاريخ السابع من أكتوبر 2023 وتأثيره على قضيتنا بعمومياتها ليس كما قبله، وأن عدونا قد أصبح إرهابيًا في نظر الشعوب الغربية المناصرة له سابقًا، وأن الشعارات العالمية الزائفة ظهرت أمام الجميع أنها لا قيمة لها ولا وزن، وأن أنظمة العالم العربي بانَت على حقيقتها وانكشفت سوءاتها، وأن العالم اليوم قبل حرب طوفان الأقصى شيء وبعد الحرب شيء آخر، وقضية فلسطين اليوم على طاولة الجميع جبرًا لا طواعية.
👈 وأخيرًا: {والله يعلم وأنتم لا تعلمون}، وكان أمرًا مقضيًا، قدر الله وقدره الله نافذ لا محالة، {إنا لله وإنا إليه راجعون}.