خاص هيئة علماء فلسطين

         

د. حافظ الكرمي

لقد اهتم الإسلام بالأسرى اهتماماً خاصاً، ودعا الأمة مجتمعة إلى أن يولوا هذا الأمر اهتماماً خاصاً كذلك من خلال آيات الكتاب الكريم، إذ عاب القرآن ابتداءً على بني إسرائيل إهمال مفاداة الأسرى فيما بينهم، أي: أن يأخذ الفدية من أسير من بني قومه، حيث قال الله تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}. (البقرة: 85)

واعتبر إكرام الأسير من أعمال البر والتقوى حتى ولو كان من غير المسلمين، قال الله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا* إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا* إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا* فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} الإنسان (8 -11) وهذا يدل على أن الاهتمام بالأسير المسلم أوجب وآكد، فإذا كان الأسير المقاتل من العدو يطلب القرآنُ إكرامه فكيف بالمسلم الذي يقع في أيدي العدو مضحياً بنفسه وشبابه وعمره في سبيل وطنه وأهله؟! وقد أكد النبي عليه الصلاة والسلام ذلك في سيرته حيث قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (فُكُّوا الْعَانِيَ _يَعْنِي الْأَسِيرَ_ وَأَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ). صحيح البخاري. وعنَ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنْ الْوَحْيِ إِلَّا مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ قَالَ: (لَا، وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلًا فِي الْقُرْآنِ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ قُلْتُ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ قَالَ الْعَقْلُ وَفَكَاكُ الْأَسِيرِ وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ). البخاري. وبآية البقرة والأحاديث استدل القرطبي في تفسيره على: (وجوب فداء الأُسارَى، وإن لم يَتَبَق دِرهَمٌ واحدٌ –يعني عند المسلمين- واستدل لذلك بالسنة وإجماع المسلمين -الْمُعتَبَرِينَ فقهاً وعِلمًا وَعَمَلاً-، ويجب فَكُّ الأُسارَى من بيت مالِ المسلمين، فإن لم يَكُن فهو فرضٌ على كافَّةِ المسلمين –يعني في أموالهم-، ومن قام به منهم، أسقط الفرض عن الباقي).

ووسائل الإعلام هي من أهم الوسائل التي ينبغي عليها الاهتمام بالأسرى وطرح قضيتهم وتعظيم شأنهم في المجتمع الفلسطيني الذي لا يوجد فيه بيت إلا ويهتم بهذا الأمر من حيث التماس اليومي مع أسير أو أسيرة من البيت نفسه أو قريباً منه، والإمام مالك رحمه الله تعالى يقول: “واجب على الناس أن يفدوا الأسارى بجميع أموالهم، وهذا لا خلاف فيه لقوله صلى الله عليه وسلم (فكوا العاني)”، وعندنا من التراث ما يؤكد على ضرورة هذا الاهتمام فهذا عمر بن عبد العزيز رحمه الله يكتب إلى بعض عماله أن فادِ بأسارى المسلمين وإن أحاط ذلك بجميع ما عندهم من المال، وسمع الحكم بن هشام أمير الأندلس أن امرأة مسلمة أُخذت سبية فنادت: واغوثاه يا حكم، فعظم الأمر عليه وجمع عسكره واستعد وحشد وسار إلى بلاد الفرنج سنة ست وتسعين ومائة، وأثخن في بلادهم.

ويمكن أن نلخص دور الإعلام في دعم أسرانا بما يلي :

1-        استغلال الإعلام الجديد في خدمة قضية الأسرى ، وإنشاء صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي “الفيس بوك والتويتر واليوتيوب” لمناصرة الأسرى، والتعريف بقضيتهم ، وفضح ما يتعرضون له على أيدى الاحتلال . لأن الإعلام الجديد خاصة “الفيس بوك” أصبح مصدراً أساسياً للمعلومات سواء لوسائل الإعلام المحلية أو الدولية.

2-        تحشيد وتجييش أكبر عدد ممكن من الإعلاميين الذين هم على درجة عالية من الكفاءة والخبرة من أجل الاستعداد لخوض معركة إعلامية ضخمة تهدف بدرجة أولى إلى الدفاع عن الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال، وتفعيل سبل خلاصهم من مأساتهم المتفاقمة .

3-        مخاطبة العالم بأكثر من لغة فيما يخص قضية الأسرى وتجنيد عدد من الشباب المولودين في الغرب لهذه المهمة وبخاصة لغات البلاد المؤثرة والتي فيها رأي عام ضاغط وفيها ومؤسسات لحقوق الإنسان فاعلة من أجل تدويل ونشر معاناة الأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني .

4-     ضرورة حث وسائل الإعلام على فضح مجرمي الحرب “الإسرائيليين” الذين مارسوا أبشع وسائل القهر والتعذيب ضد الأسرى، والتشديد في الوقت ذاته على ضرورة تقديمهم إلى المحاكم الدولية بالوثائق.

5-   إنشاء وكالة أنباء مختصة بشؤون الأسرى، تكون مرتبطة بـ”الفيس بوك” توثق لحظة بلحظة كل ما يتعرض له الأسرى في سجون الاحتلال.

6-        تخصيص صفحة خاصة على الفيس بوك لكل أسير، يصممها حد أفراد أسرته ويشرف عليها، ويسجل فيها كل ما يستجد على وضعه الصحي والإنساني.

7-        مطلوب من كافة وسائل الإعلام المختلفة تخصيص مساحات عريضة منها من أجل توضيح قضية الأسرى وكشف النقاب عن وجه الاحتلال القبيح الذي يمارس العربدة بحق أسرانا البواسل الذين يعولون بشكل كبير على الإسناد الجماهيري والإعلامي لهم ولخطواتهم ومطالبهم والتي يقف على رأسها وقف سياسة العزل الانفرادي، واستئناف برنامج زيارات أسرى قطاع غزة، ووقف حملات التفتيش والمداهمات الليلية، والسماح للأسرى باستكمال تعليمهم الجامعي والتوجيهي، وإدخال الكتب إلى السجون، ووقف سياسة فرض الغرامات إضافة إلى وقف كافة الإجراءات التي ترتبت على ما يسمى بقانون “شاليط”

إن أسرانا في فلسطين يمثلون ضمير هذا الشعب وعنوان كرامته، وبالتالي وجب على الجميع -كل من موقعه- أن يقوم بدور فعال في نصرتهم والوقف إلى جانبهم وجانب أهاليهم وأولادهم حتى نخلفهم بخير في أهلهم كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين