2/1/2024

د. نواف تكروري رئيس هيئة علماء فلسطين

 تُحقق معركة طوفان الأقصى غاية ومنتهى إساءة الوجه لكيان الاحتلال الصهيوني الغاصب وداعميه، وهي بإذن الله تعالى بداية التتبير لعلوهم وغطرستهم، بل هي بداية النهاية لهذا العدو بعد أن تحطمت هيبة جيشهم المجرم الجبان، وكشف مجاهدي غزة زيف دعوى قوته وقدراته، وأنها مجرد أدوات بأيدي جبناء تقدر على قتل الأطفال والنساء ولا تحقق أهداف حرب ولا سلم، فهذا العدو في ظل عجزه الظاهر عن تحقيق أهدافه المعلنة يريد أن يشفي غليله بممارسة جرائم حرب ضد المدنيين.

دعوني أسأل، أي جريمة أكبر من قتل الأسرى والمرضى والخدج إلا أن تكون سرقة أمعاء وأعضاء الشهداء وسلخ جلودهم؟! وأي انحدار ونازية ووحشية أكبر من هدم المساجد والمستشفيات والمدارس على رؤوس من فيها، إن من يمارس هذه التصرفات ما هو إلا مهزوم مأزوم، وكل هذا وغيره هو بعض جرائم الكيان الصهيوني بالسلاح الأميركي والغربي، بل وبعض الإمداد العربي، ولا شك أن الحقيقة أبشع من كل ما نراه في وسائل الإعلام، إذ أن ما يمارسه هذا العدو ضد المدنيين بعيدا عن الكاميرات، فاق الوصف وتجاوز كل التصورات.

اليوم تصل الأخبار وتُنشر للعالم كله، حول ممارسات الكيان الصهيوني بحق الأسرى قتلا وضربا وتعرية وتعذيبا، بل ووصل الأمرُ لضرب النساء ونزع حجابهن، والإعدام الميداني للرجال والشبان أمام عوائلهم أو من تبقى منها من النساء والأطفال، وإطلاق الصواريخ على مدارس وكالة الغوث، والكنائس والمساجد وكل ما لهُ قدسية ويعرف بمكانٍ آمن في العالم، مما يكشف زيف الحضارة الغربية التي لم تقف عند مسؤوليتها اتجاه هذه الجرائم المركبة والوحشية، وأعلنت أن هذا الكيان الذي يمارس ألوان العدوان إنما يدافع عن نفسه، فأي قيم وأخلاق وحضارة بقيت لهذا العالم؟ لا سيما أميريكا وأوروبا على المستوى الرسمي.

كل التقدير للحراك الشعبي في بلاد الغرب انتصارا للحق ووقوفا مع أهل غزة، فهو وقوف مع حقها في الحفاظ على منجزاتها خلال عقود من الزمن، حتى أضحت مثالا نظريا لحقوق الإنسان، وأوهمت سكان المعمورة أن الغرب وأميريكا دعاة حضارة إنسانية، واليوم تحطم كل هذا الوهم وبطلت هذه الدعاية في العالم ولا أقول عند المسلمين فقط، بل عند كل حر.

لقد شاهد العالم أجمع ما يجري في غزة من شمالها إلى جنوبها، وكيف لم يُترك مكان للمدنيين ليأمنو به، واستمع لكل الشهادات الحية من داخل فلسطين، حول إعدام الاحتلال الإسرائيلي للناس في بيوتهم بعد مداهمتها والتمكن من أهلها، وكذا اقتياد الأسرى وإعادة كثيرٍ منهم جثثا بعد استخراج أحشائهم وسلخ جلودهم بصورة لا يصدقها عقل بشر، وكذا إعدام الآباء أمام أبنائهم، والأزواج أمام أعين زوجاتهم، كل هذه الصور الوحشية وهذا الانتهاك لأبسط القيم يتم بأيدي الصهاينة، الذين زعم الغرب أنهم بلد غربي الحضارة، وأرادوه نموذجا للمنطقة التي يريدونها أن تكون.

ومما لا شك فيه أن من حق الشعوب، بل من متطلبات حفاظها على منجزاتها أن تخرج على طغاتها الذين وإن لم يمارسوا القتل ضدها كطغاتنا، إلا أنهم مارسوا ويمارسون تشويه صورتها وهدم قيمها وأخلاقها التي اعتقدت أن بلادها تتمتع بها وأنها مجتمعات إنسانية تحترم الإنسان وتستجمع قيم الحرب والسلم، فهذه الشعوب وهي تخرج تنتصر لغزة، إنما تنتصر لنفسها وتدافع عن قيمها وحضارتها إن بقي لها شيء من ذلك.

لقد بدا واضحا للعالم أجمع أنه ليس الكيان الصهيوني وحده القاتل للأطفال والنساء والشيوخ في هذه المعركة، وليس وحده الذي يقوم بهدم المستشفيات فوق المرضى ويقصف المدارس فوق رؤوس النازحين، ويهدم البيوت على رؤوس ساكنيها، فكل هذا وغيره وما يعجز الواصف عنه مارسته أميركا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وغيرها من بلاد الغرب أيضا، وتوفر أسباب تحقيقه، فمن يقدم جسرا جويا من السلاح الفتاك للاحتلال الإسرائيلي، هو الذي يمكنه من تنفيذ هذه الجرائم والفظائع، وهو شريك فيها بالكامل. ولا شك أن الدول العربية والإسلامية التي تخرج منها الإمدادات للكيان الصهيوني شريكة في الجريمة دون أدنى شك، وهي قد خذلت أهل غزة، ولكن لعلهم الطائفة المنصورة بإذن الله تعالى، التي لا يضرها من خالفها من الأعداء وأعوانهم، ولا من خذلها من الأنظمة العربية.

نقلاً عن موقع الجزيرة:

https://www.aljazeera.net/blogs/2023/12/31/%D8%B7%D9%88%D9%81%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%82%D8%B5%D9%89-%D9%8A%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A2%D8%AE%D8%B1-%D9%84%D9%84%D9%83%D9%8A%D8%A7%D9%86