خاص هيئة علماء فلسطين

         

13/4/2025

نايف شعبان قرموط

مقدمة:

في عالم تتكاثر فيه الصفقات الأرضية، ويُقاس النجاح بالمكاسب الدنيوية، يُقدّم الله لعباده المؤمنين عرضًا ربانيًا فريدًا من نوعه: صفقة لا خسران فيها، وتجارة تنجي من عذاب أليم.

إنها تجارة ليس فيها غش ولا خسارة، بل وعدٌ من الله، المشتري الأصدق، للمؤمنين البائعين. هذا العرض ظهر أولًا في سورة الصف، ثم فُصِّل بدقة في سورة التوبة، كما سنرى.

أولًا: آية الصف… الإعلان عن صفقة النجاة

قال تعالى:

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنْجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ؟ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ …”

[الصف: 10-11]

“هل أدلكم”: عرض بلاغي يُوقظ القلب، فيه تحفيز وتشويق.

“تجارة”: لفظ دنيوي يُستخدم في السياق الأخروي لإيصال المعنى بوضوح.

الركائز: إيمان بالله ورسوله + جهاد في سبيله.

> قال سيد قطب:

هذا هو العرض الإلهي. تجارة لا ربح فيها مال، بل نجاة من العذاب. ومع ذلك فهي أوفر الأرباح.

ثانيًا: آية التوبة… تفاصيل الصفقة الإلهية

قال تعالى:

“إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم…”

[التوبة: 111]

في هذه الآية:

نعرف من هو المشتري: الله.

ومن هو البائع: المؤمن.

وما السلعة: النفس والمال.

وما طريقة التسليم: الجهاد والقتال.

وما الثمن: الجنة.

وما الضمان: وعد مكتوب في التوراة والإنجيل والقرآن.

هذه الآية تُمثّل تفصيلًا دقيقًا وعمليًا لعرض آية الصف، وكأن الله يقول: الصفقة التي عرضتُها عليكم، هذه هي تفاصيلها الدقيقة.

ثالثًا: الربط بين الآيتين في كلام المفسرين

سيد قطب – في ظلال القرآن:

> آية الصف تُعرض صفقة، وصفقة أخرى في التوبة تشرحها وتفصلها. البيع، الثمن، العقد، الضمان، والمشتري.

الشيخ الشعراوي:

> دعوة سورة الصف لتجارة، وشرحها تجده مفصلًا في سورة التوبة.

هذا الربط العجيب يبيّن لنا وحدة النسق القرآني، وعمق هذا الدين في طرحه التربوي والعقدي.

رابعًا: أهل غزة… المصداق الحي للصفقة

أهل غزة هم البائعون الصادقون:

سلّموا أنفسهم وأموالهم لله.

يعيشون تحت القصف، الحصار، الحرمان… لكنهم ثابتون.

هم من “يُقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون”.

فإذا قرأت هذه الآية ثم نظرت إلى غزة، وجدت التفسير مجسدًا على الأرض.

> ربح البيع يا أهل غزة، ربحتم رضا الله، ووقعتم عقدًا سماويًا لا تُنقض بنوده.

خامسًا: من نور السنة النبوية

قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة”

(النسائي، وصححه الألباني)

وقال:

“إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله…”

(البخاري)

من آية الصف إلى آية التوبة، ومن وعود السماء إلى تضحيات غزة، نرى كيف يكون القرآن حيًا في حياة الأمة.

تجارة لا تبور، وربح مضمون، وصدق في البيع، ورضا من الله.

“فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم”

[التوبة: 111]

نايف شعبان عبدالله قرموط

ماجستير

كلية أصول الدين

قسم التفسير

فلسطين غزة