خاص هيئة علماء فلسطين

         

2/10/2025

إعداد: قسم القدس في هيئة علماء فلسطين

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي أكرم هذه الأمة بالقرآن، وربط عزّها بدينها، وجعل نصرها بوحدتها وإيمانها.

أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أوصيكم ونفسي المقصرة أولًا بتقوى الله، فهي وصية الله للأولين والآخرين:

 {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}.

أيها الأحبة في الله…

تمرّ أمتنا بأحداث عظيمة، تكشف الصادق من الكاذب، والشجاع من الجبان، والمخلص من الخائن. ومن أبرز تلك الأحداث في السنوات الأخيرة ما عرف بـ “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر 2023، الذي هزّ ضمير العالم، وأعاد قضية فلسطين إلى واجهة الاهتمام.

لقد كان هذا الحدث نقطة فاصلة في صراعٍ ممتد:

بين الإسلام والصهيونية،

بين الحرية والعبودية،

بين الكرامة والمذلة،

بين المروءة والنذالة.

سياق الطوفان ودوافعه:

يا عباد الله…

قبل أن نحكم على أي حدث، لا بد أن نعرف سياقه وظروفه.

فلسطين –وخاصة غزة– عانت حصارًا وتجويعًا، قصفًا وقتلًا، واعتداءً على المسجد الأقصى، وتدنيسًا للمقدسات.

وفي مقابل ذلك، كان الصمت الدولي مريبًا، والعجز العربي والإسلامي مؤلمًا. عندها كان لا بد أن تقول المقاومة للعالم: “إن الأقصى ليس وحيدًا”.

 {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ}.

أسئلة تحتاج تأملًا:

لكن، أيها الإخوة، لا بد أن نسائل أنفسنا:

هل كانت العواقب مقدَّرة؟

هل التوقيت مناسب؟

هل الكلفة محتملة؟

فقد تبِع الطوفان حرب مدمرة، وتشريد الملايين، وسقوط عشرات الآلاف من الشهداء. ومع ذلك، فإن “الطوفان” أيقظ الضمائر، وفتح العيون، وأعاد للأقصى صوته في العالم.

من التهوّر أم من الشجاعة؟

قد يسأل سائل: هل ما حدث تهوّر أم شجاعة؟

ونقول: إن الفرق بين التهور والشجاعة هو البوصلة الإيمانية. من استعان بالله، ووعى سننه، وتوكل عليه، فهو شجاع. ومن غفل وتجاهل السنن، فهو متهور.

 {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.

حاجة الأمة إلى طوفانات أخرى:

أيها الإخوة…

الأمة اليوم لا تحتاج فقط إلى “طوفان سلاح”، بل إلى طوفانات أخرى:

طوفان المروءة: نصرة المظلوم بخلقٍ وكرامة.

طوفان الوعي: فهم سنن النصر والهزيمة، وإدراك أن النصر بالإيمان والوحدة والعمل.

طوفان الأخوّة: تجاوز الانقسامات المذهبية والسياسية.

طوفان المسؤولية: كل مسلم يتحمل دوره في التربية، العلم، الاقتصاد، الإعلام، السياسة.

طوفان الغيرة: على الدين، والعرض، والمقدسات.

 {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.

الخطبة الثانية

الحمد لله…

أيها الإخوة المؤمنون…

إن “طوفان الأقصى” لم يكن حدثًا عابرًا، بل جرس إنذار ضخم. الأمة التي تنام، تفاجأ بالعواصف. الأمة التي لا تتعلم من التاريخ، تعيد أخطاءه.

الثوار في أعين الناس مغامرون مجانين، لكن التاريخ يثبت أن الأوطان لا تتحرر بالخطابات، بل بالتضحيات.

 {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}.

النصر الحقيقي:

قد نهزم عسكريًا، ونقتل، ونشرد، لكن النصر الحقيقي أن نصبر ونثبت، أن نرضى بقضاء الله، أن نسير فيما يرضيه، أن نحمل مشروع الأمة بإيمان.

 “وإنه لجهاد، نصر أو استشهاد”.

فمن عاش فليعش عيشة السعداء، ومن مات فليمُت موتة الشهداء.

اللهم أصلح قلوبنا، ووحد صفوفنا، واغفر ذنوبنا، وثبّت أقدام المجاهدين في فلسطين وفي كل مكان.

اللهم ارحم شهداءنا، واشف جرحانا، وفك أسرانا.

اللهم احفظ المسجد الأقصى، وحرره من دنس المعتدين.

اللهم اجعلنا من جندك الصادقين، ومن أوليائك المخلصين.

 {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ}.

اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.