خاص هيئة علماء فلسطين

         

كتبه: د. محمود مصطفى / المدير التنفيذي في هيئة علماء فلسطين 17/10/2023

الإنفاق من أنْفَقَ المال: أي صَرَفه وأذهبه. قال تعالى: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [الأنفال: 63]، وقال سبحانه: {أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 254]. و(مِن) إذا ذُكِرت مع الفعل تَقْصُره على بعض المال. والنَّفَقة: ما يُنْفَق من الدراهم وغيرها. والفعل (أنْفَقَ) وما تَصَرَّفَ منه كنَفَقة ونفقات هي بمعنى إخراج مال من الحوزة، قال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة: 270] ([1]).

ومبدأ الإنفاق: يعني إخراج المال وبذله كُلّه أو بعضه، وصرفه وإذهابه في الحاجات الضرورية وغيرها من وجوه الخير. ويدخل فيها الجهاد بالمال والزكاة الواجبة، والصدقات النافلة، والوصية والهدية والوقف، والإنفاق على النفس والأهل. وهو مبدأ مرتبط بالمال عصب الحياة وفتنتها، كما قال تعالى: {إِنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} [التغابن:15]، وهذه الفتنة يعقبها سؤال المرء يوم القيامة، عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، قال ﷺ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ»([2]). من هنا تأتي أهمية عناية الإسلام بإنفاق المال في وجوه الخير وفيما ينفع المرء في دنياه وآخرته، فأكد الشرع على حق الله تعالى فيه وحق الناس، وحَرّم كَنْزَه، ونهى عن صرفه في الحرام، وكره إضاعته والإسراف فيه، قال ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ»([3]). وقد حثّ القرآن الكريم على الإنفاق في وجوه الخير، فوردت (67) آية تضمنت فعل (أنْفَقَ) بتصريفاته، و(32) آية تضمنت الأمر بزكاة المال، و(13) آية في صدقة المال ([4]).

 أما الأحاديث النبوية في الإنفاق والصدقة، فهي كثيرة، وقد فَصَّلت في فضل الإنفاق في سبيل الله والصدقة وأحكامها ورغّبت بالجود والكرم وصلة الرحم والهدية والوصية والوقف والجهاد بالمال، وحذّرت من البخل والشّح أو ردّ السائل ومنع الزكاة، ونذكر منها:

  • قال ﷺ: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، دَعَاهُ خَزَنَةُ الجَنَّةِ، كُلُّ خَزَنَةِ بَابٍ: أَيْ فُلُ هَلُمَّ» ([5]).
  • وقال ﷺ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا»([6]).
  • وقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ أَنْ تَبْذُلَ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ، وَأَنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ، وَلَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى»([7]).
  • وقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللهُمَّ، أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللهُمَّ، أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا» ([8]).
  • وأخرج مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ – رضي الله عنه-، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ»، قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ([9]).

قال النووي: “في هذا الحديث الحثّ على الصّدقة والجود والمواساة والإحسان إلى الرّفقة والأصحاب والاعتناء بمصالح الأصحاب، وأمر كبير القوم أصحابه بمواساة المحتاج” ([10]).

  • وعن جَرِيرٍ بن عبد الله – رضي الله عنه- قال: كُنَّا عِنْدَ رسول الله ﷺ فِي صَدْرِ النَّهَارِ، قال: فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَار([11]) أو الْعَبَاءِ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ، بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رسول الله ﷺ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ [سورة النساء: 1]، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [سورة النساء: 1]، وَالْآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ [سورة الحشر: 18]، ثم قال: «تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ -حَتَّى قال- وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ». قال: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، قال: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رسول الله ﷺ يَتَهَلَّلُ، كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فَقَالَ رسول الله ﷺ: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ»([12]).

ويتضمن هذا الحديث مشهدًا تقويميًّا نبويًّا، وُجِّهَ من خلاله الصحابة الكرام – رضي الله عنهم- لإجراء مراجعات ذاتية مع أنفسهم بهدف حلِّ مشكلة الفئة الفقيرة المحتاجة. ومن ظاهر الحديث؛ فإن التقويم التربوي العمليَّ بدأ عندما تغير وجه الرسول الكريم، عندما لاحظت عيناه الكريمتان شدَّةَ فقر وحاجة النفر القادمين إليه من مضر، فأبدى اهتمامه ولم يهمل الأمر، فدخل غرفته وخرج؛ لعله يلقى شيئًا من زيادة نفقة أو نحوه. ثم خصَّصَ النبيّ الكريم ﷺ خطبة لمعالجة هذه الحالة، فصعد المنبر ومهَّد بتلاوة آيات مناسبة للموقف، الآية الأولى: كانت فاتحة سورة النساء التي تذكِّرُ بالتراحم بين البشر عمومًا؛ فهم خُلقوا من نفس واحدة، مما يستلزم تضامنهم وأداء حقهم. والآية الثانية: من سورة الحشر والتي حضَّت على مراجعة النفس والتفكر والتأمل فيما ادَّخره المرء ليوم القيامة من صدقة وأعمال صالحة.

ثم أقام النبيّ ﷺ للسامعين معيارًا للأداء المطلوب من الصدقة، وراعى ما بينهم من فروق في الإمكانات، فقال مسهلًا غير مشترط نوع الصدقة أو حجمها: «تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ -حَتَّى قال- وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ». وبذلك يكون قد حثَّهم ﷺ على مراجعة يقوِّمون فيها إمكاناتهم وما يستطيعونه من الصدقة ضمن معيار يسعهم جميعًا. وكانت أول استجابة من الصحابة الكرام هي الأهم في ذلك الموقف – كعادة الناس فهم يسيرون خلف المبادر الذي يقرع الجرس- حيث جاء رجل كريم مفضال من الأنصار -رضي الله عنهم-؛ يحمل صرة من مال كادت كفُّهُ تعجز عنها، بل قد عجزت، فلمَّا رأى الناس ذلك تشجعوا وتتابعوا يأتون بما تيسر؛ فتهلَّلَ وجه النبيّ ﷺ حين اجتمع أمامه كَوْمان من طعام وثياب.

وفي معرض تقويمه ﷺ لما جرى وثنائه على أصحابه – رضي الله عنهم- خصَّ المبادر الأول وبشَّرَه بقوله: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ». يقول الساعاتي معقبًا: والسُنّة هي كل عمل صالح فعله الإنسان واقتدى به غيره ففعل مثل فعله، فيكون للفاعل الأول مثل أجور من اقتدوا به في هذا العمل الصالح مهما كثر عددهم ما دام العمل مستمرًا، من غير أن ينقص من أجورهم شيء. وفيه حثٌّ على الابتداء بالخيرات وسنِّ السنن الحسنة والتحذير من اختراع الأباطيل والمستقبحات([13]).

وقد جاءت نصوص القرآن والسنة تأمر بالإنفاق وتبني الدوافع له وتضع الحوافز للمنفقين، فجعلته دليلاً على الإيمان، وسبباً لرضا الرحمن، وطريقاً للفوز بالجنان، وباباً لمضاعفة الأجر والثواب، وسبباً في بركة المال ودعاء الملائكة – عليهم السلام-، كما وعد الله تعالى بتفريج كرب من فرّج عن الناس، وتيسير أمر من يسّر على معسرهم، والتجاوز عمن تجاوز عنهم. وفي المقابل فقد رهّبت النصوص من حبس المال وكنزه وحرمان الناس من حقهم فيه، ورتّبت على ذلك غضب الله تعالى وعذابه يوم القيامة، قال تعالى: {وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٖ} [التوبة:34].

تطبيقات معاصرة لمبدأ الإنفاق في وجوه الخير

  1. ينبغي التوعية بمبدأ الإنفاق في وجوه الخير، وبيان أهميته، والتعريف بما شرعه الإسلام من تطبيقات متنوعة للإنفاق وبيان أحكامها وأوقاتها؛ كالزكاة المفروضة وصدقة الفطر في رمضان والكفارات والنذور، وكذلك صدقات التطوع كالوصية والهبة والوقف والعقيقة والأضحية والصدقات الجارية التي تنفع الإنسان في حياته ويبقى أجرها بعد مماته.
  2. ينبغي على المرء المسلم البدء بالنفقة على من يعول- والديه وأولاده وزوجه- لقول الرسول ﷺ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ»([14]). ثم يصل المسلم بنفقته أرحامه وأقاربه، ليجمع بين أجر البِّر والصدقة، ثم هو يكرم ضيوفه ويحسن إلى جيرانه، ويتضامن مع مجتمعه؛ فيزكي ويقرض ويتصدق ويوصي ويهب، ويسهم بالمشاريع الخيرية ويوقف الأوقاف ويتحرى الصدقات الجارية، ويساند أمته ويدعم جهادها لتحرير أرضها ومقدساتها، ولا يخاف في ذلك لومة لائم.
  3. يتحرى المسلم الإخلاص لله تعالى عند الإنفاق في الزكاة والصدقات والجهاد بالمال ويحذر من الرياء والسمعة، ويحتسب النية الحسنة عند النفقة في المباحات على النفس والأهل، لينال بذلك الثواب، لقوله ﷺ: «إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ»([15]).
  4. التحذير من تأخير الصدقة أو تسويفها، بل على المرء المسارعة إليها قبل أن ينقضي العُمُر ثم يقول: “رب ارجعون”، فقد أَتَى رَسُولَ اللهِ ﷺ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ؟ فقال ﷺ: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى، وَلَا تُمْهِلَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا، أَلَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ»([16]).
  5. ينبغي أن يقوم الورثة باستدراك ما فات أمواتهم من الصدقات والوقف والوفاء بالنذور، فعن عائشة – رضي الله عنها- أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ، فقال: يا رسول الله، إِنَّ أُمِّيَ افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَلَمْ تُوصِ، وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أَفَلَهَا أَجْرٌ، إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قال ﷺ: «نَعَمْ»([17]).
  6. تفعيل نظام التكافل الاجتماعي على مستوى الأسرة والأقارب والورثة، بناء على قوله تعالى: {وَعَلَى ٱلۡوَارِثِ مِثۡلُ ذَٰلِكَ} [البقرة:233]، قال سعيد حوى- رحمه الله-: “وعلى وارث الصبي عند عدم وجود الأب مثل الذي كان على أبيه في حياته من الرزق والكسوة. ووارث الصبي في الأصل هو كل من يرثه لو مات”([18]). فكما أن للمرء حق في ميراثهم فعليه واجب النفقة والتكافل الاجتماعي معهم.
  7. تشجيع المرأة المسلمة على النفقة والصدقة في وجوه الخير عامة، وعلى زوجها وأبنائها خاصة، فعَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود – رضي الله عنها-، قَالَتْ: كُنْتُ فِي المَسْجِدِ، فَرَأَيْتُ النبي ﷺ فقال: «تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ» وَكَانَتْ زَيْنَبُ تُنْفِقُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، وَأَيْتَامٍ فِي حَجْرِهَا، قَالَ: فَقَالَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ: سَلْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَيَجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْكَ وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حَجْرِي مِنَ الصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ: سَلِي أَنْتِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فقَالَ: «نَعَمْ، لَهَا أَجْرَانِ، أَجْرُ القَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ»([19]).
  8. إظهار الزكاة الواجبة، وإخفاء صدقات النافلة، والإكثار منها واعتيادها، وإجابة السائل وتجنب الإساءة إليه بالمنّ والأذى، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [البقرة: 264].
  9. التجاوز عن الغارم والصبر عليه، والتواصي بالصدقة والدلالة عليها، وأمرُ الأهلِ بها، اقتداءً بإسماعيل – عليه السلام- الذي أثنى عليه ربنا سبحانه، فقال: {وَكَانَ يأمر أهله بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِۦ مَرۡضِيّٗا} [مريم:55].
  10. الاستعفاف عن المسألة، والكفّ عن سؤال الناس، والقناعة بالكفاف، والبحث عن عمل مشروع يغني المرء عن الناس، فعن أبي سعيد الخُدْرِيِّ – رضي الله عنه-: إِنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فقال: «مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ»([20]).
  11. الاعتدال والتوسط في النفقة والاقتصاد في المعيشة، وتجنب البخل والإسراف والترف والتبذير، قال تعالى: {وَلَا تَجۡعَلۡ يَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ فَتَقۡعُدَ مَلُومٗا مَّحۡسُورًا} [الإسراء:29].
  12. يحرص المسلم أن يغني أهله عن الناس، في حياته وبعد مماته، لقول الرسول ﷺ في شأن الوصية: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ- أَوْ كَثِيرٌ- إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ»([21]).
  13. تحرّي الحلال في كسب المال وتجنب الطرق المحرمة في جمعه أو إنفاقه: كالسرقة، والمقامرة، والربا، والرشوة والمتاجرة في المحرمات أو الغلول، والترهيب من أكل الحقوق أو التعدي على مال اليتيم، أو خيانة الأمانة.
  14. وجوب تفعيل التواصل الاجتماعي والتعاون والتضامن أثناء الجهاد والرباط وحين وقوع البلاء، والشدّ من أزّْر الناس بعضهم بعضاً، بزيارة مريضهم، ومواساتهم وتعزيتهم وتقديم الدعم المادي والمعنوي، فقد أثنى النّبي ﷺ على الأشعريين لتضامنهم وتكافلهم، فقال: «إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ» ([22]).
  15. تتحمل الأمة الإسلامية اليوم مسؤولية سدّ الاحتياج المالي لأهل الأرض المباركة – فلسطين- لتثبيتهم في أرضهم وجهادهم، وبناء بيوتهم المهدّمة، ومداواة جراحهم وفكّ أسراهم، وكفالة عوائل شهدائهم وأسراهم، وتثبيت مرابطيهم، وعلينا جميعًا واجب مناصرتهم ودعم صمودهم بلا منٍّ أو أذى أو تذمر أو شكوى أو تقصير، فالمسلمون جسد واحد، كما قال ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» ([23]).
  16. التحذير الشديد من خذلان المجاهدين والمرابطين، بتسليمهم للهلاك والصمت عن معاناتهم، بحجة الخوف من تهمة دعم الإرهاب، فهذه من أساليب العدو الصهيوني وأعوانه من المنافقين والجواسيس بقصد محاصرة الخير وتجفيف منابعه؛ سعياً منهم لتقوية باطلهم ونشر فسادهم. والواجب أن يتحرر المسلمون من خوفهم وينصروا بعضهم، فجهاد المال مقدم على جهاد النفس في هكذا ظروف، ولا بد أن يجد المسلمون وسائل وطرق لجمع المال وتوصيله نجدة ونصرة للمسجد الأقصى وأهل الأرض المباركة عمومًا وللمجاهدين في غزة خصوصًا.
  17. استثمار القنوات الإعلامية والفضائية والسوشل ميديا التي تُعَرّف بقضية المسجد الأقصى غزة وفلسطين وجهاد أهلها وثباتهم، وتبين حقهم فيها، وتنظم الحملات الإعلامية وتنتج البرامج الحوارية لنصرتهم.
  18. تفعيل سهم “في سبيل الله” من مصارف الزكاة، لدعم الجهاد في سبيل الله والرباط في الأرض المباركة. والمسارعة إلى الجهاد بالمال لدعم صمود وجهاد أهل غزة وفلسطين، وسدّ حاجتهم، فقد جمع القرآن الكريم بين الجهاد بالمال والنفس في عشر آيات، وقُدّمَ المال على النفس في تسعٍ منها، مما يشير إلى أهمية المال في الجهاد، وقد جاء الأمر من رسول الله يؤكد على ذلك، فقال ﷺ: «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ» ([24]).  
  19. الاقتداء بالصحابة في تسابقهم في الصدقة والجهاد بالمال، كما في رواية عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الذي قال: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالاً، فَقُلْتُ: اليَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، قَالَ: فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟ قُلْتُ: مِثْلَهُ، وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟ قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ: لاَ أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا» ([25]).
  20. يجب على الأمة الإسلامية إغاثة المُهَجَّرين من أهل الأرض المباركة، وفتح الصدور لهم قبل البيوت، وعونهم حيثما كانوا في مخيماتهم وبلاد لجوئهم، فقد قال رسول الله ﷺ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ» ([26]).  وقال ﷺ: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَشْبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ» ([27]).
  21. يجب على الأمة الإسلامية السعي لنجدة الأسرى وفكّ قيدهم، كما أمر النبي ﷺ فقال: «فُكُّوا العَانِيَ، يَعْنِي: الأَسِيرَ» ([28]).
  22. ينبغي أن تتخندق الأمة في صف واحد، لنصرة المسلمين المجاهدين والمرابطين ورفع الحصار الظالم عن أهل غزة في فلسطين، فعن البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ – رضي الله عنه-، قَالَ: «أَمَرَنَا النَّبِيُّ ﷺ بِسَبْعٍ، وذكر منها: نَصْرَ المَظْلُومِ» ([29]).
  23. على الشعوب الإسلامية نُصرة بعضها بعضاً، الأقرب منها فالأقرب، وجوبًا على القادر والمستطيع، حتى تسدّ الحاجة وترفع الكربة، وينبغي أن تتظافر لأجل ذلك الجهود الشعبية والرسمية، لتعتني بدراسة الحاجات، وتنسق جهود النصرة والإغاثة المطلوبة كماً وكيفاً.
  24. تأسيس ودعم الجمعيات والمؤسسات الخيرية والإغاثية التي تُرَغّب في الصدقات وتنظم جمعها وتُسهل وصولها لمستحقيها.
  25. ينبغي تطوير آليات التبرع والإنفاق باستخدام التقنيات الحديثة والبرامج الإعلامية، وتذكير الناس بالزكاة المفروضة، وحضُّهم على وقف الأوقاف والصدقات الجارية.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


([1]) جبل: المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، ج4، ص2242

([2]) الترمذي: سنن الترمذي، باب في القيامة، ج4، 612، ح2417. وقال حديث حسن صحيح.

([3]) البخاري: صحيح البخاري، باب قوله تعالى “لا يسألون الناس إلحافاً”، ج2، ص124، ح1447.

([4]) عبد الباقي: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، ص714، ص331، ص406.

([5]) البخاري: صحيح البخاري، باب فضل النفقة في سبيل الله، ج4، ص26، ح2841. (زوجين) من أي نوع ينفق. (أي فل) يا فلان. (هلم) تعال.

([6]) البخاري: صحيح البخاري، باب فضل النفقة في سبيل الله، ج4، ص 26، ح2843. (جهّز غازياً) هيأ له ما يحتاجه في سفره وغزوه والغزو الجهاد. (فقد غزا) كتب له أجر الغزو وإن لم يغز لأنه ساعد عليه.

([7]) مسلم: صحيح مسلم، باب بيان أن اليد العليا خير من السفلى، ج2، ص717، ح1036.

([8]) مسلم: صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب في المنفق والممسك، ج2، ص700، ح1010.

([9]) مسلم: صحيح مسلم، كتاب اللقطة، باب استحباب الْمُؤَاسَاةِ بِفُضُولِ المال، ج3، ص1354، ح1728.

([10]) النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، (12/ 33).

([11]) مجتابو النمار: جمع نمرة، وهي كساء من صوف مخطط. ومعنى مجتابيها: لابسوها.

([12]) مسلم: صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة، ج2، ص704، ح: 1017.

([13]) الساعاتي: الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، (9/ 154).

([14]) البخاري: صحيح البخاري، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، ج2، ص112، ح1426. (عن ظهر غني) فاضلا عن نفقة العيال. (تعول) تجب عليك نفقته.

([15]) البخاري: صحيح البخاري، باب ما جاء إن الأعمال بالنية والحسبة، ج1، ص20، ح56

([16]) مسلم: صحيح مسلم، باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح، ج2، ص716، ح1032

([17]) مسلم: صحيح مسلم، باب وصول ثواب الصدقات عن الميت إليه، ج3، ص1254، ح1004. (افتلتت نفسها) ضبطت بنصب السين ورفعها.

([18]) سعيد حوى: الأساس في التفسير، ج1، ص548

([19]) البخاري: صحيح البخاري، باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر، ج2، ص121، ح1466

([20]) البخاري: صحيح البخاري، باب الاستعفاف عن المسألة ج2، ص122، ح1469

([21]) البخاري: صحيح البخاري، باب رثاء النبي ﷺ سعد بن خولة، ج2، ص81، ح1295

([22]) البخاري: صحيح البخاري، باب الشَّرِكَةِ فِي الطعامِ وَالنِّهدِ وَالعُرُوض، ج3، ص138، ح2486. (أرملوا) من الإرمال، وهو فناء الزاد وقلة الطعام (في إناء واحد) أي اقتسموه بمكيال واحد حتى لا يتميز بعضهم عن بعض.

([23]) مسلم: صحيح مسلم، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، ج4، ص1999، ح2586

([24]) مسلم: صحيح مسلم، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، ج4، ص1999، ح2586

([25]) الترمذي: سنن الترمذي، باب في الوقف، ج5، ص614، ح3675. وقال الترمذي حديث حسن صحيح.

([26]) مسلم: صحيح مسلم، كتاب البر والصلة، باب تحريم ظلم المسلم، وخذله، ج4، ص 1986، ح2564.

([27]) البخاري: صحيح الأدب المفرد للإمام البخاري، باب لا يشبع دون جاره، ج1، ص67، ح112.

([28]) البخاري: صحيح البخاري، باب فكاك الأسير، ج4، ص68، ح 3046.

([29]) البخاري: صحيح البخاري، باب نصر المظلوم، ج3، ص129، ح 2445.