4/3/2024

د. عمر حماد  عضو هيئة علماء فلسطين

كف اللسان عن المجاهدين

عَنْ أَبِى أُمَامَةَ الباهلي رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « مَنْ لَمْ يَغْزُ أَوْ يُجَهِّزْ غَازِيًا أَوْ يَخْلُفْ غَازِيًا فِى أَهْلِهِ بِخَيْرٍ أَصَابَهُ اللَّهُ بِقَارِعَةٍ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ». رواه أبو داود والدارمي وإسناده حسن

الشرح والتعليق

1-    هذا الحديث يدل على أهمية كف الأذى عن المجاهدين، وخصوصا أذى اللسان.

2-    سبق في أحاديث الطوفان رقم (8) أن شرحنا قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ، فَقَدْ غَزَا» رواه البخاري ومسلم، وهذا الحديث قريب منه، ولكني أردت أن أركز على معنى يتعلق بإيذاء المجاهدين باللسان بعد انتشار مقاطع صوتية خلال هذا الأسبوع فيها إيذاء للمجاهدين.

3-    قوله: (أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة) يعني: أصابه بعذاب أو بمصيبة يحصلها في الدنيا قبل يوم القيامة عقوبة له على كونه متخاذلا متكاسلا قاعدا، فهو لم يغزُ بنفسه، ولم يساعد المجاهدين بماله للغزو، ولا خلف المجاهدين الغزاة في سبيل الله في أهلهم بخير.

4-    قوله (يَخْلُفْ غَازِيًا فِى أَهْلِهِ بِخَيْرٍ) وهذا يكون من خلال مساعدتهم والوقوف معهم ماديا ومعنويا، وكفالة أولادهم وعلاجهم وتيسير الأمور الحياتية لهم وتفقد أحوالهم، وغيرها وهذا ما يفهمه معظم الناس من الحديث.

5-    وهناك أمر آخر وهو أنه يدافع عن المجاهدين، ويكف لسانه عنهم، فلا يقول أمام أهلهم إلا كل خير، ويصبرهم على غياب المجاهد عنهم، أو على تركهم بلا نفقة، ويرد ّعلى ما يقوله من لحقه أذى بسبب الجهاد في سبيل الله، فهذا ديدن المؤمن الصادق.

6-    ذكر لنا القرآن الكريم صنفا من المنافقين، لم يفقهوا الدين، ولم يعرفوا قيمة الدنيا الحقيقية، وقعدوا وتخاذلوا ولم يجاهدوا، ومع ذلك قالوا للمجاهدين:(لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا)، والعجب أن هذا المنافق المتخاذل الذي ترك المجاهدين وحدهم في القتال، ورجع مع ثلث الجيش في غزوة أحد يعاتب المجاهدين على ثباتهم وتضحيتهم، وجاء الرد الإلهي عليهم (قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).

7-    المجاهد له أجل، والقاعد له أجل، والمتخلف له أجل، والمعذور له أجل، ووجود الإنسان في أرض المعركة ومشاركته في الحروب لا يقرب الأجل المحدد المكتوب، كما أن وجود القاعد والمتخاذل والمعذور بعيدا أن أرض المعركة لا يؤخر الأجل المحدد المكتوب: (ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها) (وما تدري نفس بأي أرض تموت)، و(فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)، (لكل أجل كتاب) فكل من مات من بداية هذا الطوفان العظيم من مسلم أو يهودي، مقاتل أو غير مقاتل، إنما مات لانتهاء أجله الذي قدره الله له قبل أن يخلق الخلق.

8-    الجهاد في سبيل الله تعالى، والحروب العادية (ولو كانت بين غير المسلمين) لها تبعات مالية واقتصادية واجتماعية ونفسية، وقد تمتد آثارها لسنوات أو أجيال، ولكن الله تعالى القادر على نصرنا بكلمة (كن) أراد أن يقع ما وقع من الطوفان ابتلاء لنا ولهم وتحقيقا لسنته (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) وانظروا إلى ما جاء بعدها مباشرة (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ) وكأن فيها الرد على المتخاذلين الذين تحججوا لتخاذلهم بكثرة القتل الواقع على المجاهدين والمرابطين، ثم جاء بعدها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).

9-    بالنسبة للذين هجِّروا من بيوتهم أو دمرت فوق رؤوسهم فالله يقول لهم (فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗوَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ)

نسأل الله تعالى أن يرزقنا الشهادة، وأن يبلغنا منازل الشهداء

والله أعلم.

والحمد لله رب العالمين

مع تحيات د. عمر حماد

الجمعة 12/1/2024م

الموافق 30/جمادى الآخرة/1445هـ