د. عمر حماد عضو هيئة علماء فلسطين
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، رضي الله عنه قَال:َ أُسِرَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَأُصِيبَتِ الْعَضْبَاءُ، فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْوَثَاقِ وَكَانَ الْقَوْمُ يُرِيحُونَ نَعَمَهُمْ بَيْنَ يَدَيْ بُيُوتِهِمْ، فَانْفَلَتَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنَ الْوَثَاقِ، فَأَتَتِ الْإِبِلَ، فَجَعَلَتْ إِذَا دَنَتْ مِنَ الْبَعِيرِ رَغَا فَتَتْرُكُهُ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى الْعَضْبَاءِ، فَلَمْ تَرْغُ، قَالَ: وَنَاقَةٌ مُنَوَّقَةٌ فَقَعَدَتْ فِي عَجُزِهَا، ثُمَّ زَجَرَتْهَا فَانْطَلَقَتْ، وَنَذِرُوا بِهَا فَطَلَبُوهَا فَأَعْجَزَتْهُمْ، قَالَ: وَنَذَرَتْ لِلَّهِ إِنْ نَجَّاهَا اللهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فَلَمَّا قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ رَآهَا النَّاسُ، فَقَالُوا: الْعَضْبَاءُ نَاقَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنَّهَا نَذَرَتْ إِنْ نَجَّاهَا اللهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ، بِئْسَمَا جَزَتْهَا، نَذَرَتْ لِلَّهِ إِنْ نَجَّاهَا اللهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ»، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حُجْرٍ: «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ»، رواه مسلم.

الشرح والتعليق
- هذا الحديث يدل على أن مال المسلم إذا اخذه المشركون ثم عاد للمسلمين أنه يعود لصاحبه الأصلي، ولا يكون ضمن الغنائم، وهي مسألة اختلف فيها العلماء.
- قوله (العضباء) هو اسْمٌ لناقة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهِي الَّتِي تسمى بالجدعاء والقصواء. قَالَ ابْن الْمسيب: كَانَ فِي طرف أذنها جَدَع. وَقَالَ الْخطابِيّ: قُطِع من أُذُنها فسميت الْقَصْوَاء.
- قوله (وَأُصِيبَتْ العضباء) أَي أَخذهَا الْعَدو.
- قوله (فكانت المرأة في الوثاق) أي وقعت المرأة في الأسر
- قَوله (يُريحون نَعَمَهم بَين يَدي بُيُوتهم): أَي يردونها إِلَى مَوضِع مبيتهم، أي يضعون أنعامهم أمام بيوتهم لتبقى أمام أعينهم وقت الراحة.
- قوله (فَانْفَلَتَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنَ الْوَثَاقِ) أي استطاعت المرأة الأسيرة أن تفك وثاقها وتهرب من آسريها.
- قوله (فَأَتَتِ الْإِبِلَ) أي تريد أن تركب ناقة أو بعيرا لتسافر عليه من بيت آسريها إلى المدينة المنورة.
- قوله (فَجَعَلَتْ إِذَا دَنَتْ مِنَ الْبَعِيرِ رَغَا) أي أنها إذا اقتربت من البعير أصدر صوتا، ولذلك كانت تنتقل إلى غيره حتى لا يكتشف أمرها.
- قوله (فَتَتْرُكُهُ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى الْعَضْبَاءِ، فَلَمْ تَرْغُ) فلما وصلت إلى (العضباء) ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تصدر الناقة صوتا.
- قوله (وناقة منوقة): أي مذللة، مثل قَوْله مدرَّبة.
- قوله (فَقَعَدَتْ فِي عَجُزِهَا) أي أن المرأة جلست على ظهر الناقة.
- قوله (ثُمَّ زَجَرَتْهَا فَانْطَلَقَتْ) أي أن المرأة ضربت الناقة بقدمها فقامت الناقة وانطلقت باتجاه المدينة.
- قوله (ونذروا بهَا): أي علمُوا بأن المرأة هربت.
- قوله (فَطَلَبُوهَا فَأَعْجَزَتْهُمْ) أي أنهم حاولوا اللحاق بالمرأة ولكن المرأة استطاعت الهرب.
- قوله (وَنَذَرَتْ لِلَّهِ إِنْ نَجَّاهَا اللهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا) نذرت المرأة إن نجاها الله من الأعداء لتذبحن الناقة شكرا لله
- قَوله: (بئسمَا جِزتها) اعترض النبي صلى الله عليه وسلم على ما أرادت المرأة فعله من نحر ناقته صلى الله عليه وسلم، وكان الأولى من ذبح الناقة أن تكرمها لأنها الناقة الوحيدة التي لم تصدر صوتا، وعلى ظهرها نجت من الأعداء.
- قوله (لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ) وهذا يدل على أن المرأة رغم أنها أخذت الناقة من المشركين إلا أنها بقيت في ملك النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال (وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ) فالمرأة لم تملك الناقة، وعادت إلى مالكها الأول قبل أن يأخذها المشركون.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الشهادة، وأن يبلغنا منازل الشهداء
والله أعلم.
والحمد لله رب العالمين
مع تحيات د. عمر حماد
الجمعة 20/9/2024م
الموافق 16/ربيع الأول/1446هـ