د. عمر حماد  عضو هيئة علماء فلسطين

عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ كَانَ فِي الرِّبَاطِ، فَفَزِعُوا إِلَى السَّاحِلِ، ثُمَّ قِيلَ: لَا بَأْسَ، فَانْصَرَفَ النَّاسُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَاقِفٌ، فَمَرَّ بِهِ إِنْسَانٌ، فَقَالَ: مَا يُوقِفُكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَوْقِفُ سَاعَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ» رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي وغيرهما.

الشرح والتعليق

1-         في هذا الحديث فضل الجهاد في سبيل الله، وأنه أعظم أجرا من العبادة في الحرمين.

2-         الإسلام دين علم وتربية وأخلاق وعمل وقدوة ومواقف خيرة إيجابية، وليس دين تضخم علوم ومعارف دون أخلاق ومواقف! وليس دين تبرير ظلم وعدوان وتبرير تسلط حاكم مستبد أو ظالم جائر. ويشاء العزيز الحكيم أن يفضح المنافقين والمفسدين المتدثرين زورا بعلم العلماء وبفقه الفقهاء وبتربية المربين وبأخلاق الدعاة المخلصين. يفضحهم ولو بعد حين.

3-         يُخبِرُنا التابعيُّ مُجاهِدُ بنُ جَبْرٍ، عن أبي هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنه: “أنَّه كان في الرِّباطِ”، أي في الحِراسةِ في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ،

4-         قوله (ففَزِعوا إلى السَّاحلِ)، أي: مَن كان معه في الرِّباطِ خَرَجوا إلى ساحلِ البحر.

5-         قوله (فانصرَفَ الناسُ وأبو هُرَيرةَ واقفٌ)، أي: في الرِّباطِ لم يَنصرِفْ معهم إلى الساحل.

6-         قوله (فمرَّ به إنسانٌ) وهو واقِفٌ، (فقال: ما يُوقِفُك يا أبا هُرَيرةَ؟) أي: إنَّه رضِيَ اللهُ عنه لم يَذهَبْ مع مَن ذهَبَ،

7-         قوله (مَوقفُ ساعةٍ في سبيلِ اللهِ)، أي: الوقوفُ في الرِّباطِ ساعةً أو مِقدارًا مِن الوقتِ، قليلًا كان أو كثيرًا للجِهادِ، ولقِتالِ الكفَّارِ، وإعلاءِ كلمةِ الجَبَّارِ.

8-         قوله  (خيرٌ)، أي: في الأجْرِ، (مِن قِيامِ لَيلةِ القَدْرِ عندَ الحَجَرِ الأسودِ)، أي: في أفضلِ مكانٍ وزمانٍ تُضاعَفُ فيه الحَسَناتُ، وهذا بَيانٌ لِعَظَمةِ أجْرِ الجِهادِ والرِّباطِ في سَبيلِ اللهِ، وحَثٌّ عليه.

9-         قوله (موقف ساعة في سبيل الله) في هذا الموقف يمكن أن يدافع فيه عن الوطن أو البلد أو الدين أو العرض والشرف، كما في جهاد أهلنا في غزة، ويمكن أيضا أن يقر حقا، وينهى عن ظلم ومنكر، ويردع مستبدا ومفسدا، أو يقيم شعيرة من شعائر التربية والدعوة تبني نفوسا زكية منورة على يقين في الله وعلى توكل عليه سبحانه. كل ذلك جعله الله تعالى في الأجر خيرا من طول لزوم فردي للعبادة من صلاة وذكر ولو كان ذلك عند الحجر الأسود وفي ليلة القدر.

10-       الخيرية هنا لا تعني الاستغناء عن عبادة التبتل والانقطاع إلى الله عز وجل بكل أنواع التبتل من صلاة ليل وقراءة للقرآن وصيام، بل هذا الحديث وغيره من أصول الدين كلها تقر الأمرين معا (الموقف والتبتل) وتفضل الموقف لأنه عربون ودليل عملي وواقعي على تنزيل روح الدين في واقع الحياة والناس وعلى انحيازه الدائم إلى الحق والعدل والحرية والكرامة البشرية.

11-       فالأمران متلازمان متكاملان، وإلا فإن قوما قاموا عشرات من ليالي القدر وعند الحجر الأسود وعندما احتاج منهم الحق موقفا سقطوا على أم رؤوسهم وطفقوا يبررون الظلم ويفترون على الله الكذب وهم يعلمون. فويل لهم مما نطقت به ألسنتهم وويل لهم مما يكسبون. ولو تدثروا بالصمت لكان خيرا لهم!

12-       قول كلمة حق عند سلطة جائرة موقف، والرباط في التخوم مقاومة للمحتل موقف – نصر الله فلسطين وأهل فلسطين ورحم الله أعلام جهاد المحتل – والرباط والاعتكاف في المسجد إحياء للسنة وحفظا للمسجد من تربصات المعتدين موقف – نصر الله المرابطات والمرابطين في المسجد الأقصى المبارك وعجل بتحريره وكامل أرض فلسطين – وفتح بيت وإيواء دعوة حق ناصحة وشفيقة رحيمة بالأمة في زمن البخل والجبن موقف وأي موقف. والخروج السلمي في الوقفات والمسيرات والاعتصامات ضد الظلم ومطالبة بالحقوق المشروعة لرفع الحصار وحرب التجويع عن أهلنا في غزوة موقف،  وتحمل مسؤوليات التربية والدعوة والإسهام فيها في زمن التربص بالدعوة وأهلها موقف. ونشر الصورة والكلمة المكتوبة والمسموعة والمرئية الإعلامية منها والأدبية والفنية، والدراسية البحثية الناصرة للحق والمقارعة للباطل وبلا هوادة… موقف. ونصرة الحق بالمال موقف، والحض على طعام المسكين والسعي على اليتيم والأرملة والمعدوم ونصرة المستضعفين موقف، والتواصل من أجل تعبئة الأمة وأحرار العالم ضد كل ظلم وضد كل ظالم ونصرة لكل مستضعف ولكل محاصر – فك الله الحصار عن غزة وعن كل الأمة – موقف.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا الشهادة، وأن يبلغنا منازل الشهداء

والله أعلم.

والحمد لله رب العالمين

مع تحيات د. عمر حماد

الجمعة 15/3/2024م

الموافق 4/رمضان/1445هـ