6/1/2024
إعداد: أ. عبد الله أمين باحث متخصص في الشؤون العسكرية
(خاص بمركز الزيتونة)
أولاً: توطئة:
قادت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في 2023/10/7 هجوماً مباغتاً على قوات العدو الإسرائيلي – فرقة غزة، المنتشرة على غلاف غزة، تحت اسم “طوفان الأقصى”، حيث سقط خط دفاع العدو الأول، والمتمثل بنقاط رصد ومقرات عسكرية على مستوى فصائل وسرايا، في أقل من ثلاث ساعات، ثم طور التشكيل المهاجم عملياته باتجاه خط المغتصبات الصهيونية على غلاف غزة، فدخل إلى معظمها وسيطر المهاجمون على أغلبها. وكان من نتائج الضربة الأولى للمقاومة؛ قتل ما لا يقل عن 1,200 من جنود ومستوطني العدو، وأسر ما يزيد عن 240 آخرين.
🔻 لتحميل التقدير بصيغة PDF أو للاطلاع عليه على موقعنا:
https://link.alzaytouna.net/MSA-AbdullahAmin_5124
ثم لم يلبث أن استجمع العدو نفسه، وأعاد تنظيم صفوفه، وتعبئة قوات احتياطه، مشكلاً قوة قتالية وصل استعدادها إلى الخمسة فرق قتالية، من مختلف صنوف المشاة والدروع والمشاة الآلية، مدعومة بكافة صنوف الدعم القتالي من هندسة وطيران وبحرية ومدفعية، وتشكيلات قوات خاصة من المظليين وألوية العمل الخاص مثل: الشلداغ Shaldag ، سايريت ماتكال Sayeret Matkal، وشايطيت 13 أو Shayetet 13، كما صُحبت هذه التشكيلات القتالية بتشكيلات خدمات الدعم القتالي من اتصالات، وطبابة، وسلاح النقل الإداري، بحيث وصل عديد قوات العدو (الأسنان والذيل) التي تمّ حشدها وتشغيلها في مسرح العمليات إلى ما يزيد عن 130 ألف جندي.
أسفرت هذه المعركة حتى كتابة هذا التقدير عن ارتقاء ما لا يقل عن 22 ألف شهيد، وفقدان أثر ما لا يقل عن 7 آلاف شخص، أما عن الجرحى فقد ناهز عددهم الـ 57 ألف جريح؛ معظمهم من النساء والأطفال. أما عن خسائر العدو؛ فقد بلغ عدد من قُتل من جنود العدو ومستوطنيه في اليوم الأول للهجوم ما يقارب 1,200 قتيل، و240 أسيراً، أما عن قتلى العدو منذ بدء حملته البرية على غزة، فقد بلغ بحسب اعترافه ما يقارب الـ 170 جندياً، ومن مختلف الرتب العسكرية، مع ملاحظة وجود إشارات تدل على أن الرقم أكبر من ذلك بكثير.
وفي سياق متصل، فقد آزرت قوى محور المقاومة، حزب الله وأنصار الله (الحوثيين) والمقاومة العراقية، المقاومةَ الفلسطينية، وبما تسمح به ظروف كل منها وبيئتها الداخلية، الأمر الذي ترك آثاراً تعبوية ومعنوية إيجابية على المقاومين في أرض المعركة؛ فقد ثبّتت المقاومة الإسلامية حزب الله وباقي قوى المقاومة في لبنان ثلاثة فرق مقاتلة للعدو، منها فرقتين نظاميتين، كان وما زال العدو في أشد الحاجة لهما للعمل في جبهة غزة، كما أن استهداف قواعد القوات الأمريكية في العراق وسورية؛ دفع الأمريكان لممارسة ضغوطٍ مهمة على العدو الإسرائيلي. أما أكثر الضغوط إيلاماً للعدو، فقد كان إغلاق البحر الأحمر أمام حركة السفن المتجهة إلى الكيان الصهيوني، الأمر الذي زاد من أعبائه الاقتصادية، وخسائره المادية، بالإضافة إلى تهديد المسيّرات والصواريخ البالستية التي ما زالت تنطلق من اليمن.
يأتي هذا التقدير في نهاية الشهر الثالث للحرب، للإضاءة على خلفياتها، وتقدير مآلاتها.
ثانياً: البيئة السياسية والاستراتيجية للمعركة:
1. البيئة المحلية/ الداخلية: أما عن البيئة المحلية؛ فقد كان من أهم سماتها ما يلي:
• استمرار حالة الانقسام السياسي الفلسطيني، وما يتبعه من انقسام جغرافي بين غزة والضفة الغربية.
• حالة ضعف ووهن شديد أصابت معظم مفاصل سلطة الحكم الذاتي، والتنازع على تركة أبو مازن بعد رحيله.
• حالة تغوّل شديد للعدو الصهيوني ومستوطنيه على مناطق الضفة الغربية، والقدس الشريف والمسجد الأقصى.
• الحصار الخانق لغزة منذ نحو 17 عاماً.
• الاعتداء على الأسرى، والسعي لمصادرة مكتسباتهم الحياتية التي حازوها على مرّ سنوات الاعتقال والتوقيف.
• تشكيل حكومة يمينية تكاد تكون مُجمعة في عدائها لكل ما هو فلسطيني، وارتهان رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي لحلفائه في اليمين المتطرف.
• حالة من “الفلتان” الأمني في المناطق المحتلة سنة 1948، راح ضحيته مئات القتلى؛ كثيرٌ منهم من الفاعلين والناشطين في الأوساط المحلية والمجتمعية العربية.
2. البيئة الدولية والإقليمية: اتَّسمت البيئة الدولية والإقليمية للحرب بمجموعة من السمات والتي كان من أهمها:
• الاشتباك الغربي الروسي في أوكرانيا.
• التنافس الغربي الصيني في بحر الصين الجنوبي.
• مسار المصالحة بين أنصار الله (الحوثيين) وبين القوى اليمنية الأخرى في اليمن والسعودية.
• أوضاع اقتصادية سيئة تكاد تشمل معظم دول العالم والمنطقة.
• أجواء المصالحة بين إيران والسعودية.
• الأزمة السودانية وما ألقته من ظلال على الدول المجاورة لها.
• مسارات التطبيع التي بدأت تأخذ شكلاً متسارعاً بين العدو الإسرائيلي وبعض دول المنطقة، خصوصاً في الخليج العربي.
ثالثاً: أهداف العدو من المعركة:
بعد أن استجمع العدو نفسه، وأعاد تنظيم قدراته، وبدأ بشن حملته على غزة، والتي أطلق عليها اسم “السيوف الحديدية Operation Iron Swords”؛ حدَّد المستوى السياسي أهدافه من الحرب على النحو الآتي:
1. إسقاط حكومة حماس وتدمير قدراتها العسكرية.
2. القضاء على التهديد الصادر من قطاع غزة ضدّ “إسرائيل”.
3. حماية حدود “البلاد” ومواطنيها.
4. بذل أقصى جهد لحل قضية الرهائن.
رابعاً: أهداف قوى المقاومة من المعركة:
أما عن أهداف المقاومة؛ فيمكن أن تختصر في التالي:
1. امتصاص ضربات العدو، ومنعه من تدمير أصولها البشرية والمادية وحمايتها من استهدافه.
2. إيقاع أكبر خسائر بشرية ومادية في قوات العدو في مسرح عمليات غزة، مع الاحتفاظ بالقدرة على تشغيل قدرات نارية تهدد غلاف غزة، والعمق الفلسطيني المحتل، عند الحاجة لذلك.
3. منع العدو من الوصول إلى أسراه وإطلاق سراحهم بالقوة.
4. منع العدو من تحقيق هدف تهجير سكان قطاع غزة إلى خارجه، والحؤول دون إقامته شريطاً عازلاً في مناطق القطاع.
خامساً: قدرات العدو المشاركة في الحرب:
لقد زجَّ العدو في حربه هذه بقدرات قتالية ناهزت خمسة فرق عاملة:
1. الفرقة المدرعة 162 المشكَّلة من: اللواء المدرع 37 احتياط، اللواء 84 مشاة جفعاتي Givati، اللواء المدرع 401، اللواء مشاة 933 ناحال Nahal، الفوج 215 مدفعية عمود النار Pillar of Fire الشامل للكتائب: 55، و402، و403 احتياط.
2. الفرقة المدرعة 36 المشكَّلة من: اللواء المدرع 188، اللواء المدرع 7، لواء مشاة جولاني، لواء مدرع احتياط، لواء 609 مشاة احتياط، فوج المدفعية 212، كتيبة إشارة.
3. الفرقة 98 المشكَّلة من: اللواء المظلي النظامي 35 “الثعبان الطائر Flying Serpent”، اللواء النظامي كوماندوز “عوز Oz”، اللواء المظلي احتياط 55 “هود هانيت/ رأس الرمح Tip of the Spear”، اللواء المظلي احتياط 551 “هتسي هايش/ سهم النار Hetzei Ha-Esh/Arrows of Fire”، الوحدة المجوقلة 7298 “يانمان Yanmam”، كتيبة إشارة الفرقة.
4. تشكيلات خاصة: المظليين 101، شلداغ التسديد الليزري، شايطيت 13، سايريت ماتكال، الاستطلاع 846، الاستخبارات العسكرية التقنية.
وفي هذا السياق؛ فإن قوات العدو العاملة في مجمل مسرح عمليات قطاع غزة، تجاوز الـ 100 ألف مقاتل، مع تشكيلات دعمهم الناري والإداري.
سادساً: قدرات المقاومة المشارِكة في المعركة:
1. خمسة ألوية تابعة لكتائب الشهيد عز الدين القسام؛ لواء الشمال، لواء شمال غزة، لواء الوسطى، لواء خان يونس، لواء رفح، بواقع 25 كتيبة مناطقية، مع تشكيلات الدعم القتالي المكونة بشكل رئيسي من مجاميع هندسية، ومضادات للدروع، وسلاح المدفعية.
2. تشكيل قتالي يتبع حركة الجهاد الإسلامي، والتي تملك عديداً مقاتلاً من مختلف الاختصاصات؛ مشاة، مدفعية، هندسة، وغيرها.
3. فصائل المقاومة الوطنية في قطاع غزة بما في ذلك الجبهة الشعبية، حركة الأحرار، ألوية الناصر صلاح الدين، … .
الأمر الذي يرجّح معه أن يكون استعداد فصائل المقاومة المشتبكة مع العدو في كامل مسرح عمليات قطاع غزة، لا يتجاوز الـ 10 آلاف مقاتل في أحسن حالاته، على اعتبار صعوبة تشغيل كامل قدرات المقاومة البشرية التي كان يعلن عنها سابقاً، في مثل ظروف الحرب هذه.
سابعاً: الاستراتيجية الكلية لعمل العدو في الحرب:
لقد بنى العدو استراتيجية عمله القتالية على الأصول التالية:
1. كثافة نارية من مختلف الصنوف؛ بري جوي بحري، ومن مختلف الأعيرة والمديات.
2. تثبيت قدرات المقاومة في مناطق الجهد الثانوي؛ جنوب وادي غزة، وتحديداً خان يونس، ورفح، واشتباك جهازها الدفاعي المقاوم في منطقة الجهد الرئيسي، التي كانت حتى 2023/11/25 كامل مناطق مدينة غزة وأحيائها.
3. تدمير الحافة الأمامية للمناطق السكنية على كامل الشريط الحدودي، من أقصى الشمال الغربي/ زيكيم Zikim، فالشمال الشرقي/ بيت حانون، جنوباً حتى رفح.
4. تقطيع مسرح العمليات إلى ثلاثة مناطق عمليات؛ منطقة شمال وادي غزة، وهي منطقة الجهد الرئيسي للعدو والتي تضم مدينة غزة وأحيائها، المنطقة الوسطى، وهي منطقة جهد ثانوي للعدو حتى نهاية الهدنة في 2023/12/1، والتي تضم مخيمات دير البلح، والنصيرات، والبريج، والمغازي، منطقة جنوب غزة والتي تضم خان يونس، ورفح، والتي تحوَّلت إلى منطقة جهد رئيسي بعد استئناف القتال عند انقضاء موعد الهدنة في 2023/12/1.
5. قصف الأحياء الداخلية، وتدمير ما فيها من بنى تحتية وخدمية، ومراكز إيواء تضم النازحين من بيوتهم وأماكن سكنهم.
6. ضرب المرافق الصحية وإخراجها عن الخدمة، خصوصاً الرئيسية منها مثل: مستشفى الشفاء في وسط مدينة غزة.
7. التوغل البري، وبدء الاحتكاك مع المناطق السكنية وأجهزة دفاع المقاومة المنتشرة في مسرح العمليات، والذي بدأ في 2023/10/27، حيث اندفعت قوات العدو إلى داخل قطاع غزة من المحاور التالية:
أ. محور الشمال الغربي: زيكيم، بيت لاهيا، العطاطرة، ثم توسع التوغل جنوباً عبر الخط الساحلي شمال مخيم الشاطئ؛ شارع أحمد عرابي.
ب. المحور الشمالي، وفيه معبران: معبر إيريز Erez بيت حانون، ومغتصبة سديروت Sderot بيت حانون.
ج. المحور الشرقي: مفالسيم Mefalsim؛ حيث استقرت قوات العدو في مناطق شرق مدينة غزة، في رأس جسر بالقرب من مقبرة جباليا جنوب شرق جبل الكاشف.
د. محور شرقي: كارني نتساريم Karni-Netzarim جنوب مدينة غزة، حيث أقام العدو رأس جسر، طوَّر منه عمليات باتجاه أحياء جنوب مدينة غزة، وجنوباً باتجاه المناطق الوسطى للقطاع.
هـ. محور شرقي: كيسوفيم Kissufim خزاعة عبسان بني سهيلة خان يونس.
و. محور شرقي: معبر صوفا رفح.
8. احتلال نقاط ارتكاز عملياتية، ثم تطويرها إلى مستوى رؤوس جسور تعبوية، ثم تحويلها إلى مقار عمليات ميدانية، يدير العدو عملياته منها.
9. بدء التوغل داخل أحياء مدينة غزة، والقتال على قشرة هذه الأحياء الخارجية، ثم القيام بعمليات التفتيش عن أصول المقاومة المادية، ومقراتها، وشبكات الأنفاق، والعمل على تحييد ما يمكن منها. وهذا السلوك هو ما يتّبعه العدو الآن في سائر مناطق عملياته على كامل مسرح عمليات قطاع غزة.
ثامناً: الاستراتيجية الكلية لعمل المقاومة:
1. انتهاج أسلوب الدفاع المرن، وتجنب دفاع الصد، أو المعارك الحاسمة مع العدو، لتعذر ذلك، وعدم القدرة عليه، لفارق ميزان القوى بين المقاومة والعدو.
2. استهداف مناطق حشد العدو في غلاف غزة، وتهديد العمق الفلسطيني المحتل.
3. ضرب طرق مواصلات وإمداد وإدامة قوات العدو في مسرح العمليات.
4. منع العدو من الاستقرار في رؤوس الجسور ونقاط الارتكاز العملياتية ما أمكن.
5. الاحتكاك والاشتباك مع قوات العدو المتوغلة على الحافة الأمامية للمناطق السكنية.
6. استدراج العدو للاشتباك معه في مناطق لا تساعده على المناورة بالدروع أو الدبابات.
7. استهداف العدو بالجهود الهندسية؛ عبوات أفراد وآليات، على محاور تقدمه، وفي نقاط استقراره، بمختلف أنماط القتال داخل المدن: قنص، كمائن، عبوات، شراك خداعية، إغارات، استدراج،… .
تاسعاً: مراحل المعركة:
1. مبادرة المقاومة:
تمثّلت المرحلة الأولى بمبادرة قوى المقاومة، وعلى رأسها كتائب الشهيد عز الدين القسام، بالهجوم على خط المواقع العسكرية الأول للعدو، ثم شريط المُغتصبات في غلاف غزة، الأمر الذي تمّ باستعداد مقاتلين شارف عددهم على 3,500 مقاتل، سيطر فيها المقاومون على كامل مقار فرقة غزة، وعلى معظم المغتصبات، كما اندفع المقاومون إلى مسافات مختلفة داخل فلسطين المحتلة، حيث وصلوا إلى مقر قيادة فرقة غزة في مغتصبة أوفوكيم Ofakim على بعد 25 كم. ثم بدأ انكفاء المقاومين بما غنموا من غنائم باتجاه مقارهم، والنقاط التي خرجوا منها في قطاع غزة.
2. مراحل معركة العدو:
المرحلة الأولى: مرحلة امتصاص الصدمة وإعادة التنظيم:
بعد أن تلقّى العدو الضربة المفاجئة الأولى في 2023/10/7؛ امتص الصدمة، واستجمع ما يستطيع من قواه، للحد من الخرق الذي حدث في خط دفاعه، وبدأ في عمليات مطاردة مجاميع المقاومة المنتشرة في غلاف غزة، وبين المُغتصبات، مستخدماً النيران الفردية، ونيران المدفعية والطيران، الأمر الذي استغرق منه نحو 72 ساعة ليعلن بعدها عن “تطهير” المناطق المحررة أو المسيطر عليها من قبل المقاومين، مع ما صاحب هذه العمليات من قصف جوي ومدفعي شنّه العدو على مدن ومخيمات قطاع غزة، بهدف إرباك الجبهة الداخلية للمقاومة، وجبي ما يمكنه منها من أثمان، ولتهيئة الظروف المناسبة له من أجل تعبئة قواته، وإعادة تنظيمها، وترميم ما يحتاج إلى ترميم، قبل بدء المرحلة الثانية في حربه.
المرحلة الثانية: النيران التمهيدية:
بعد أن أعاد العدو تنظيم قواته، وتعبئة احتياطه، وحَشَدَ كامل القدرات بالقرب من مسرح العمليات؛ بدأ بقصف كافة مدن ومخيمات قطاع غزة، بمختلف صنوف النار البرية، والجوية، والبحرية، ومن مختلف الأعيرة والمديات، الأمر الذي استمر في الفترة 2023/10/27-7، ملحقاً خسائر فادحة بالأرواح والممتلكات؛ الشعبية والرسمية. وهو ما زال العدو يمارسه حتى كتابة هذا التقدير، وإن صار بزخم وكثافة نار أقل مما كانت عليه الحرب في شهرها الأول.
المرحلة الثالثة: التوغل البري:
بدأت هذه المرحلة في 2023/10/27، وهي مستمرة حتى كتابة هذا التقدير، حيث قام العدو بالدخول إلى أراضي قطاع غزة، وبأعماق مختلفة، من أقصى الشمال الغربي، وحتى رفح، وقام بتحقيق رؤوس جسور، حشد فيها قوات قتالية، ثم طوَّر هذه المناطق لتصبح مقرات عمليات ميدانية، يشن منها العدو اعتداءه على أهلنا ومواطنينا في مختلف مناطق القطاع، كما بدأ المقاومون بالتعرض على قوات العدو العاملة أو المتمركزة في مختلف النقاط، وعلى مختلف المحاور. هذا وقد بدأ العدو في هذه العمليات بالتضييق على السكان، وتدمير البنى التحتية والخدمية، واعتقال الرجال والنساء، بهدف جمع أو التحقق أو استكمال معلومات، عن المقاومين وتحركاتهم.
وفي هذه المرحلة؛ عمد العدو إلى حصار مدينة غزة من الشمال والجنوب والغرب، مُضيِّقاً الخناق على المقاومين وحاضنتهم الشعبية، حيث توغل العدو إلى داخل أحياء مدينة غزة من عدة طرق، مستخدماً الطرق الرئيسية الواصلة شمال المدينة بجنوبها، وغربها بشرقها، إلّا أنه إلى الآن لم يستطع أن يقضي على تهديد المقاومة، حيث ما زال المقاومون يوقعون بالعدو خسائر بشرية ومادية في مختلف مناطق المدينة، كما أنهم يستهدفون غلاف غزة، والعمق الفلسطيني بنيران الصواريخ انطلاقاً من أماكن زعم العدو أنه أحكم سيطرته عليها، وأنه قضى على المقاومة فيها.
كما أن العدو بقي في مناطق جنوب وادي غزة يتعرض للأماكن السكنية، ويقاتل في أحيائها المحيطة بها، دون أن يتمكّن من الوصول إلى قلب هذه المدن، أو احتلالها والقضاء على دفاعات المقاومة فيها، حيث ما زال العدو ومنذ شهر تقريباً يقاتل على القشرة الخارجية لمدينتَي خان يونس ورفح، ولم يستطع التوغل إلى قلبهما العمراني. كما أن تشكيلات المقاومة، ما زالت حتى الآن تشتبك مع العدو في ضواحي هذه المدن؛ وخصوصاً خزاعة، وعبسان، وبني سهيلة، حيث ثبت فشل مزاعم العدو أنه أنهى سيطرته عليها، وقضى على تشكيلات المقاومة فيها.
عاشراً: نقاط قوة وميزات المقاومة:
لقد شنَّت المقاومة هجومها على العدو في 2023/10/7 وهي تتمتع بجملة من نقاط القوة والمميزات، جعلت منها رقماً صعباً عصياً على الكسر في هذه الحرب، حيث إنَّ من أهم نقاط قوتها:
1. البُعد الأخلاقي الذي يحوزه أصحاب الحق، والمُحتلة أرضُهم.
2. الروح المعنوية والتَّعرُضية العالية لدى منتسبي المقاومة وعناصرها.
3. الحاضنة الشعبية المُتفهِّمة والقادرة على تحمل أكلاف الحرب، وإن بدا عليها التعب والإرهاق.
4. قدرات قتالية؛ بشرية ومادية، قادرة على إدامة حرب استنزاف مع العدو حتى لو طال زمنها.
5. معرفة الأرض، وبيئة المعركة الجغرافية والديموجرافية.
6. عديد مدرب ومؤهل وقادر على خوض هذا النمط من القتال، وفي مثل هذه البيئات القتالية.
حادي عشر: تحديات أمام المقاومة:
1. تحدِّي الجبهة الداخلية وتأمين الحد الأدنى من مقومات الصمود والثبات لها، الآن وبعد انتهاء الحرب.
2. تحدي تشغيل القدرات واستثمار ما تمّ تجهيزه قبل تضييق هامش الحركة، أو السيطرة عليه من قبل العدو.
3. تحدي تأمين القدرات البشرية والمادية من نار العدو خصوصاً الجوية.
4. تحدي تعويض الخسائر في القدرات والإمكانيات.
5. تحدي المناورة الواسعة بالقدرات البشرية على مستوى المحافظات.
6. تحدي ترميم القدرات العسكرية بعد انتهاء الحرب.
7. تحدي إعادة الاعمار ورفع آثار الحرب والدمار.
ثاني عشر: نقاط قوة وميزات العدو:
لقد شنّ العدو هجومه المعاكس على المقاومة في غزة، متمتعاً بنقاط قوة، وعناصر قدرة، جعلت منه الجيش السابع عشر في الترتيب العالمي، حيث من أهم نقاط قوته:
1. الغطاء الأوروبي والتحالف الأمريكي.
2. قدرات نارية من مختلف الصنوف البرية والجوية والبحرية، متعددة الأعيرة والمديات.
3. إشراف معلوماتي على مسرح العمليات، وإمكانيات عالية لتسطيح ساحة مسرح العمليات، والإطباق عليه.
4. خطوط إمداد داخلية وخارجية مفتوحة وقادرة على تعويض النقص، شكلاً ومضموناً وكميات.
5. استعداد بشري مناسب وكافي لإدارة مسرح عمليات بمساحة قطاع غزة.
ثالث عشر: نقاط ضعف وتحديات أمام العدو:
1. الروح المعنوية والتّعرُضيّة المنخفضة لدى المقاتلين.
2. الخلاف السياسي بين مختلف مكونات المجتمع الصهيوني.
3. الخلاف بين المستوى العسكري والمستوى السياسي فيما يخص إدارة المعركة.
4. ضعف الجبهة الداخلية وعدم قدرتها على تحمل الضغط والخسائر؛ البشرية والمادية.
5. المستوى التقني العالي لدى الكيان الصهيوني، والذي يتدخل في مختلف مناحي الحياة اليومية والمجتمعية، مما يزيد من هشاشته، والقدرة على الإضرار به والتعرض له.
رابع عشر: الموقف الآن:
بعد هذا الاستعراض المفصَّل للحرب وما سبقها وما رافقها، وبعد التعريج على كِلا طرفَي معادلتها؛ نصل إلى توصيف الموقف الآن، والذي يمكن أن يوصف على أنه يشهد حالة استعصاء منذ ما لا يقل عن شهر من تاريخ هذا التقدير (أوائل كانون الأول/ ديسمبر 2023)، فقد استنفذ الميدان التعبوي كل ما يمكن أن يقدمه أو ينجزه، ولكن العدو إلى الآن لم يحقق شيئاً من أهدافه المعلنة في أول الحرب، وبدأ يكرر نفسه وفعله تحت ما يسمى “مزيداً من الشيء نفسه”، والذي لن يوصِل إلى شيء حقيقي يمكن أن يوظف في السياسة على النحو الذي يريده العدو، أو يتمناه، الأمر الذي يتطلب مخرجاً أو مخارج سياسية، للخروج من هذا الاستعصاء، وهو ما لا نرى بوادره أو مؤشراته إلى الآن.
خامس عشر: سيناريوهات مستقبلية:
ننهي هذه الورقة بالتطرق إلى السيناريوهات الممكنة لهذا الموقف الذي نحن فيه، على أننا لن نخوض في تفاصيل هذه السيناريوهات حتى لا تستطيل المادة أكثر مما هي عليه، مشيرين إلى أننا، أيضاً لن نرجح أياً منها على الآخر، نظراً لضبابية الموقف، وتقلبه السريع، وكثرة مدخلاته، وما يؤثر عليه، على أننا سنمنح كلاًّ منها درجة بناء على ما نرى أنه الأكثر احتمالاً للتحقق، استناداً إلى قراءة الكاتب وتصوره للموقف السياسي؛ الدولي والإقليمي والمحلي، ومجريات الشأن التعبوي الميداني للمقاومة والعدو. أما عن هذه السيناريوهات فهي على النحو الآتي:
1. احتلال القطاع بشكل كامل والسيطرة الأمنية والسياسية عليه، الأمر الذي نستبعده ولا نرى له في الأفق إمكانية تحقق.
2. انسحاب العدو إلى خطوط ما قبل 2023/10/7 من جانب واحد وبدون اتفاق ما عدا مسألة الأسرى، بمعنى أسرى مقابل أسرى، وإبقاء حالة الاشتباك دائرة وفقاً للظروف والمواقف الميدانية، والذي له حظ متوسط من التحقق.
3. الانسحاب خارج المدن والحواضر السكنية وإقامة شريط عازل داخل أراضي قطاع غزة، وهو أحد غايات وصور النصر الممكن أن يقدمها العدو لبيئته، ولكن مثل هذا السيناريو لا يحقق للعدو شيئاً من أهدافه المعلن عنها في بداية الحرب، مما يدفعنا إلى القول بضآلة إمكانية تحققه.
4. بقاء العدو في مناطق مختلفة من القطاع على النحو الحالي المُشاهَد، واستمرار القتال ولكن بوتيرة أخف، إلى حين تبلور حلول سياسية، تضمن للمقاومة تصريف صمودها الميداني في مكتسبات سياسية وأمنية ومجتمعية، وتؤمن للعدو صورة نصر يمكن أن يقدمها لبيئته ومجتمعه، على شكل اتفاقات أو حلول أو مبادرات سياسية، وهو ما لا نلمح له حتى الآن مؤشرات أو مبشرات في الأفق القريب.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖
للاشتراك في خدمة موقع الزيتونة باللغة العربية: أرسل “ع” إلى http://wa.me/96181607181
نقلاً عن موقع الزيتونة: